نصير العتابي
الحوار المتمدن-العدد: 4465 - 2014 / 5 / 27 - 18:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نتائج الانتخابات هل ستفرض حلولا قيصرية
جاءت نتائج الانتخابات النيابية التي جرت في 30 نيسان المنصرم والتي سبقتها حملة انتخابية تميزت بالتسقيط المتبادل والاتهمات والبذخ واستغلال المال العام دون أي مشهد حقيقي لبرنامج انتخابي واضح المعالم واقعي قابل للتطبيق لا الى التطبيل من قبل اغلب الكتل السياسية المشاركة , جاءت النتائج على غير توقعات الطامحين الى التغيير , وهنا يبرز سؤال مهم وجوهري هل كانت الانتخابات معبرة عن الارادة الشعبية الحرة والواعية ؟ أو انها حقا نتاج عملية تزوير منظم من قبل الحكومة حسب اتهامات كتل كبيرة ومؤثرة ؟ الاجابة عن هذا التساؤل تحتاج لمقدمة يمكن من خلالها الوصول لبعض الحقيقة ان لم يكن لكلها , لكل انتخابات يفترض بانها حرة وديمقراطية لابد من توافر عدة عوامل اولها ان تمتلك القواعد الشعبية حالوة وعي متقدمة تستطيع من خلالها تحرير ارادتها من كل اسباب الضغط والشحن العاطفي أو الطائفي وبالتالي تحسن الاختيار , ولا يمكن ان يتحقق هذا الوعي الا بوجود مستوى ثقافي وتعليمي مقبول عند تلك القواعد الشعبية يحصنها من التاثيرات الديماغوجية القائمة على اساس المخادعة السطحية في مداعبة المشاعر وتحريك هواجس الخوف من كل تغيير التي من قبل القوى الحاكمة وكذلك ذات النهج من وسائل الاعلام المعارضة التي تجعل من التغيير في الوجوه باستعداء شخصي يمكن ان تفند من قبل الاخر كل مزاعمه وبالتالي يؤدي دورا مغايرا لما سعت اليه هذه الادوات الاعلامية وهو ما قد حصل فعلا حيث شاهدنا اسلوب التسقيط الشخصي من قبل بعض القنوات الفضائية التي مهدت لحملتها المناهضة لرئيس الحكومة من خلال التركيز على الفساد في مؤسسات الدولة والدور المباشر له في التستر على هذا الفساد مستعينة تلك الالة الاعلامية بوجوه مكررة سئم الغالبية من الناس كلامهم لانهم هم ايضا متهمون وبالادلة بالفساد واستغلال المناصب , فكانت النتيجة ان هذه الحملة انتهت لصالح الطرف الاخر , والحقيقة التي لا يمكن تجاوزها اننا كشعب يشكل فيه الاميون نسبة عالية ونسبة اكبر من أُميي السياسة وبالجمع بين الطائفتين نكون امام غالبية لا تمتلك ارادة واعية وبالتالي تتحرك تلك الجموع مسيرة واقعة تحت تاثيرات متعددة من قوى ومؤسسات مجتمعية أو حتى عناونين دينة وتكون النتائج دائما سلبية على مسار العملية السياسية ومن خلال التواجد في اوساط الناس والمشاركة في اعداد بعض القوائم الانتخابية بدا لي جليا مدى تخلف الوعي الانتخابي حتى عند مرشحي الانتخابات , فالاغلبية منهم لا يعرفون حقيقة عمل النائب ولم يطلعوا على الدستور ولا يميزون بين قانون الانتخابات ونظام توزيع المقاعد والاغلب منهم كانوا يطلقون وعودا تدعوا الى الضحك الذي بحقيقته بكاء , وبعض الكتل كان كل برنامجها الانتخابي الولائم والتحشيد العشائري وهذا الاكثر ضررا لانه صادر عن ما يسمون قادة كتل كان هدفهم هو جمع اكثر ما يمكن من اصوات اولئك الناس الذين اتخموهم بطيب الزاد وحلو الشراب من الذين لايميزون بين انتخابات مجالس المحافظات وشروط الانتخاب فيها وطبيعة عملها وبين انتخابات المجلس النيابي ودوره في العملية السياسية على امل ان تجيير اصواتهم واصوات المرشحين لصالحهم .العامل الاخر قانون الانتخابات الذي وضع ليخدم القوائم الكبيرة , المعروف ان الدستور اشار الى نسبة تمثيل النائب بالنسبة للسكان وحددها بنائب لكل مائة الف مواطن , واذا اردنا ان تنتج هذه النسبة اثرها الحقيقي في التمثيل وفي حسن اختيار من يمثلهم كان يفترض ان يعمل بنظام الدوائر المتعددة حسب تلك النسبة أي ان تقسم المحافظة الواحدة الى عدد من الدوائر لكل دائرة مائة الف مواطن ويكون التنافس بين مرشحي تلك الدائرة وبالتالي نضمن وصول مرشحين يحضون بثقة دوائرهم التي هي ادرى بنزاهتهم وكفاءتهم وبعيدا عن الوانهم الطائفية أو انتمائهم الحزبي أو عقيدتهم الفكرية وهذا ما يعني ضرب مصالح القوى السياسية الكبرى التي اقامت شعبيتها على اسس استغلال المواطن واكراه ارادته بوسائل ضغط متلونة ووعود عرقوبية بتحقيق مكاسب للافراد والجماعات حسب ما تقتضيه الظروف , واجهز نظام توزيع المقاعد الذي اعتمد بهذه الانتخابات وأعني نظام سانت ليغو المعدل على فرصة القوائم الصغيرة في التنافس الحقيقي للحصول على مكاسب انتخابية كما حصل في انتخابات مجالس المحافظات عندما طبق نظام سانت ليغو دون تعديل مما احرج القوى المهيمن وافقدها العديد من مقاعدها , وما ميز هذه الانتخابات هذه المرة تشكيل الكتل الكبيرة للعديد من القوائم التي حملت اسماءً مغايرة للقوائم الرئيسية لتكون قوائم رديفة تشتت الاصوات وتستقطب اولئك الناقمين على الاداء المتعثر لاحزاب السلطة ورموزها الفاشلة علها تحقق مقاعد تضاف كما هو حاصل الان الى سلة مقاعد تلك القوى . هذه العوامل جاءت بنتائج اتنخابية متماهية تماما مع طبيعة المجتمع ومستوى الوعي فيه اضافة لوجود هامش من التزوير غير المؤثر تاثيرا كبيرا في نتائج الانتخابات والحقيقية التي يجب ان نقر بها ان نتائج الانتخابات هي ارادة تلك الغالبية بوعيها المفقود وليس نتاج عملية تزوير ضخمها الخاسرون ليغطوا على فشلهم , وفي ظل سطوة تلك الاغلبية بدت قوى التغيير وارادة الاقلية الواعية عاجزة عن صنع التغيير ولكن ما يحسب لتلك الاغلبية انها نجحت باقصاء صقور هم من اسباب نكبة العملية السياسية وحصرها في اطارها الضيق المنغلق الذات الطائفي أو العرقي , وقد ساعد الغاء ما عرف بالمقاعد التعويضية التي كانت ينعم بها رئيس الكتلة على اولئك الفاشلين باقصائهم مما دفع بالبعض منهم بتوجيه الاتهامات للاخرين في محاولة لتصوير فشلهم بالحصول على الاصوات اللازمة بانها مؤامرة لابعادهم متناسين انهم كانوا قد منحوا مقاعد نيابية لايستحقونها حسب الاصوات التي حصلوا عليها فمنهم من دخل مجلس النواب بخمسين صوتا , هذه النتائج الانتخابية حتما ستفرض على الجميع التعامل معها كواقع لا مفر منه , فهناك فوز كبير لقائمة دولة القانون التي حسمت امرها باختيار السيد المالكي مرشحا وحيدا لرئاسة الوزراء لترد على من ادعى بانشقاقات حقيقية فيها وربما سجل هذا الاعلان صدمة لكل من كان ينتظر الانقسام في صفوفها من القوى الرافضة لولاية ثالثة للمالكي الذي حقق اعلى رقم من اصوات الناخبين مما يمنحه استحقاقا انتخابيا ودعما كبيرا رغم كل الماخذ التي سجلت عليه خلال تراسه مجلس الوزراء لدورتين يرى منافسوه انه لم يحقق خلالها أي انجازات وان اداءه اتصف بالانفراد وتحمل مسؤوليات الامن والدفاع ولم ينجح في تحقيق الامن وان الاحوال ظلت متردية ويتهمه خصومه السياسيون بانه تستر على الفساد وانه بدا بتقريب افراد من ذوي قرباه في محاولة منه لتعزيز سيطرته مما يستلزم بزعمهم عدم تجديد الولاية له , وانه استغل المال العام واستغل مشاريع توزيع الاراضي للدعاية الانتخابية , وقدموا ادلة على بعض ما ادعوه بدا البعض منها حقيقيا وواقعيا وخصوصا فيما يتعلق بالتستر على الفساد , وكان هو ايضا يؤكده من خلال طرحه في وسائل الاعلام على امتلاكه لملفات فساد لمسؤولين ووزراء لكنه ظل ساكتا بدعوى الحفاظ على العملية السياسية , وبالمقابل يحمل السيد المالكي ومناصروه الاطراف الاخرى مسؤولية تعطيل عمل الوزارة من خلال دعمهم لوزرائهم المقصرين في اداء اعمالهم وانهم يحاولون بطريق او اخر افشال الحكومة ويسوق لذلك امثلة متعددة وان تلك الكتل وقفت مع وزرائها المفسدين ومنعت البرلمان من استجوابهم , كما اتهم خصومه بتعطيل الميزانية , وشكى كثيرا من نقل الواقع السياسي العراقي من قبل شركاء العملية السياسية, الى دول الاقليم والمنظمات الدولية بصور مغايرة للواقع , فيما يرى مناصروه ان المالكي حقق الكثير من الانجازات في مقدمتها اتفاقية سحب قوات الاحتلال الامريكي والتي هي بحق تمثل انجازا مهما يستحق الاشادة والدعم من قبل الجميع . هذه التقاطعات والاختلافات حتى داخل التحالف الوطني دفعت المالكي لرفع شعار حكومة الاغلبية السياسية حلا للخلل والعجز في الاداء الحكومي والذي يرجعه الى حكومة الشراكة كونها قائمة على المحاصصة وتوفير الحصانة للوزراء المقصرين , ولاقىت الدعوة لحكومة الاغلبية السياسية رفض غالبية القوى وخصوصا شركاء الامس خصوم اليوم لان مفهوم الشراكة عندهم الحصول على مكاسب السلطة التنفيذية بالذات . من المؤكد ان فوز المالكي القوي والذي يجعل منه رقما صعبا لا يمكن تجاهله سيقود الى تحالفات غير متوقعة يدفع بها الى الواقع عامل البراغماتية والعامل الخارجي الذي لا يمكن اغفاله
فكما يتطلب اختيار الرئاسات الثلاث وبالاخص رئيس الوزراء توافقا أو ربما وكنتيجة منطقية للتفاوت بين ما حصلت عليه قائمة دولة وما حصلت عليه باقي الكتل نشهد تحالفا لا يتحقق له توافق جميع القوى السياسية لكن يفرض نفسه بقوة على قوى الداخل وعلى قوى الخارج المؤثرة في الواقع السياسي العراقي وخصوصا امريكا وايران اللاعبين الاساسيين في المشهد العراقي الذين نجحا في ابعاد القوى الاقليمية الاخرى وحصرهم في هامش ضيق مما جعل القوى المبعدة تتبع اساليب غير نظيفة للتاثير في المشهد السياسي العراقي , رغم كل هذا التعقييد في مواقف القوى الفائزة ورغم الخطوط الحمراء لكن ثمة فسحة لايجاد حلول قد تكون مؤلمة وقيصيرية الولادة ينتج عنها حكومة وبرلمان وخصوصا بعد تراجع البعض عن تلك الخطوط الحمراء ولاسباب واقعية تدخل ضمن الاطارين الذاتي الداخلي والوضوعي الخارجي , ان طبيعة تشكيل التحالفات حتما سيرسم طريق الاداء للحكومة والبرلمان وكيفية التعامل مع التركة الثقيلة من التردي والفشل وايضا كيفية التعامل تبعات ذلك الفشل والتعثر القانونية والدستورية وخصوصا انهما ( الحكومة والبرلمان ) سيواجهان تحديات حقيقية تتعلق بمستقبل وحدة العراق بعد تمادي البرزاني في تجاوز المركز وتحديه له بخطوات تعكس نهجا يخفي خلفه اجندة اضعاف المركز والاستمرار بالتصعيد والضغط لفرض ارادته وتحقيق المزيد من المكاسب تعوضه عن الانفصال واعلان دولة كردية يعلم تماما انها غير مقبولة وغير مرحب بها لا اقليميا ولا دوليا , ومن مجموعة معطيات سابقة وظروف من المؤكد ان ستسجد وان بعضها سيتكرر لانه صار مألوفا عند تشكيل الحكومة العراقي واخص الضغوط التي ستمارسها الولايات المتحدة وايران على القوى السياسية ستراجع القوى مواقفها وتغيرها وسيستبدل البعض خطوطهم الحمراء بهذا المنصب أو ذاك فبين تمسك المالكي بولاية ثالثة والضغط برفض ذلك من الاخرين سيكون المشهد السياسي العراق للسنوات الاربع القادمة مشاها لسلفه مع احتمال تحسن بسيط , وستتشكل الحكومة هذه المرة بوقت اقل من الوقت الذي استغرقه تشكيل الحكومة الحالية , ومن المتوقع ان تتسبب نتائج الانتخابات بانشطار اميبي اخر لحزب الدعوة يقوده صقوره الخاسرون وبذلك سيتوزع تراث هذا الحزب ويتناثر كيانه , وحينها سيكون المالكي امينا عاما لدولة القانون لا لحزب الدعوة وهذا اذا ما ستغله السيد المالكي واتخذ قرارا جرئيا وشكل كيانا سياسيا جديدا بعيدا عن انقاض حزب الدعوة فانه سيؤسس لمرحلة جديدة ربما تكسبه مزيدا من الحلفاء ممن ظلوا يخاصمون الدعوة منذ سنوات طويلة وتعيده للساحة السياسية اقوى فما تحقق لدولة القانون حققه المالكي وتحقق باسمه ولم يحققه حزب الدعوة .
نصير كعيد
كاتب وصحفي عراقي
#نصير_العتابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟