-لكنها تدور رغم ذلك- عن الدكتورة مريم يحي إبراهيم

إلهام مانع
إستاذة العلوم السياسية بجامعة زيوريخ

الحوار المتمدن-العدد: 4464 - 2014 / 5 / 26 - 12:49
المحور: ملف : ظاهرة البغاء والمتاجرة بالجنس
    

"لكنها تدور رغم ذلك"
عن الدكتورة مريم يحي إبراهيم

قالت: "أنا مسيحية"، وصمتت.
قولها كان الفصل.
لكن حكم الكهنوت في السودان، لم يفهم رسالتها.
فحكم عليها بالإعدام.
سماها "مرتدة".
ثم أضاف إليها حكماً اخر: الجلد للزنى.
الزنا لإنها متزوجة من زوجها!

لكن الكهنوت لم يستوعب بعد.
وقت اوانه قد حان.


الدكتورة مريم يحى إبراهيم، طبيبة سودانية، اعتنقت الديانة المسيحية. والدها مسلم وأمها مسيحية، وهي تربت لدى والدتها.
واختارت الدين المسيحي.
حقها.
حقها أن تختار الدين الذي تريد.
تماماً أن من حقها أن لاتختار أي دين إذا شاءت.
الدكتورة مريم يحى إبراهيم تزوجت من سوداني مسيحي. أنجبت منه طفل لم يكمل العامين، وهي حامل الان في طفلها الثاني.

فجأة اكتشفت السلطات السودانية أن الدكتورة مريم لم تختار دين أبيها!
وشاية من اخ غير شقيق.
لعله اراد أن يستولى على حقها في الإرث.
لعله يحقد عليها.
ولعله فعلأ مقتنع أن عليها ان تؤمن بدينه غصباً عنها.

المهم انه وشى بها.
والوشاية حولت إختيار شخصي للدين إلى قضية دولة!
تركت السلطات السودانية كل القضايا المصيرية التي تواجه الدولة، وعلى رأسها الفقر والفساد والإستبداد، تركت كل ذلك وسخرت كل قواها لقمع إمرأة أختارت دينها.
ذكرتنا بما فعلته السلطات السودانية بالمفكر والسياسي السوداني الراحل محمود محمد طه، عندما نفذت عليه حكم الإعدام. اتهمته هو أيضاً بالردة.
وفي الواقع هو لم يفعل سوى أن فكر ووفر بديلاً مثل خطراً سياسياً على الحاكمين في السودان. فقتلوه.
قتلوه وقالوا عنه مرتد.
يقتلون ويقولون نقتل بإسم الله. والله لاعلاقة له بما يقولون.

لم يشعر القاضي الذي حدثها في المحكمة أنه يفعل شيئا غريباً.
أن سؤاله في الواقع لا ينتمي لهذا القرن الذي نعيش فيه.
يقول لها: "توبي عما تؤمنين به، واؤمني بالإسلام ديناً، غصباً عنك. وإذا فعلت نفرج عنك فوراً".
منطق غريب.
اليس كذلك.
"اؤمني غصباً عنك بديننا أو نقتلك".
منطق غير مفهوم.
لكنه يعكس رؤية فكر مهزوم، يشعر بأن البساط يسحب من تحت قدميه، لذلك يفرضه بالقوة.
الدكتورة مريم إمرأة ذات مبدأ.
تعرف أنها لم ترتكب جرماً.
تعرف أنها لم تخطيء.
هي إختارت دينها.
وهذا حقها.
فقالت جملتها: "أنا مسيحية".
وصمتت.
فحكموا عليها بالإعدام للردة، ثم زادوا عليها بالجلد للزني.
منطقهم يقول لأنها تزوجت من غير مسلم، فهي غير متزوجة! ولذا فهي زانية!
لكنها متزوجة.
من رجل تحبه.
وسواء أن كان مسيحياً، مسلماً، يهودياً أو ملحداً، فهو رجلها، زوجها، وما يجمعهما هو رباط المحبة.
هذا القناعة الإنسانية لاتعكسها قوانينا المستوحاة من الشريعة.
تصر على أن تتزوج المسلمة من مسلم. وغير ذلك زنى.
بالقانون نفرض عليكي أن تتزوجي بمن نريد، غصباً عنك.
كما الدين، نفرضه عليك غصباً.

لكن الدكتورة مريم إمرأة ذات مبدأ.
تعرف أنها لم ترتكب جرماً.
أنها لم تخطيء.
إختارت دينها.
ثم إختارت زوجها.
وهذا حقها.
فقالت جملتها: "أنا مسيحية، وهو زوجي".
فحار الكهنوت.

ذكرتني برائف بدوي.
هو ايضاً وقف في المحكمة، و قال له القاضي السعودي:" تب عما فعلت".
فرد رائف: "لم افعل ما يستوجب توبتي".
وفعلاً؟ لم يتوب عن إنشاء موقع إليكتروني؟
الحكومة السعودية هي التي يجب أن تكف عن حربها على التفكير، أما هو فلم يفعل جرماً. هو لم يفعل أكثر من حقه.
فحُكم عليه بالسجن والجلد.
وقالوا عنه ملحد، وقالوا عنه كافر.
يقولون ذلك دوماً عن من يفكر، يفكر حراً.
كما في القرون الوسطى.
عندما قال جاليلو إن الارض هي التي تدور حول الشمس، قالوا له تب عن ما تقول، و ماقاله حقيقة كالشمس ساطعة. جاليلو خاف، لكنه قال جملته الشهيرة:"لكنها تدور رغم ذلك".

"لكنها تدور رغم ذلك".

وطبيبتنا الشجاعة في المقابل لم تخف. لم تخف كجاليلو, قالت جملتها الشهيرة: أنا مسيحية وهو زوجي.
إختارت تماماً كما رائف.

كلاهما يمثلان جيلاً نفخر به في منطقتنا.
لم يعد يخاف.
لايبتلع الأجوبة السهلة.
ولايريد أنصاف الحلول.
حر. حرة.

لكن حكم الكهنوت لم يستوعب ذلك بعد.
لم يفهم الرسالة بعد.
وقت اوانه قد حان.

#إلهام_مانع (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل