أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسام - الجهل المقدس: الضمير العربي المثقوب















المزيد.....

الجهل المقدس: الضمير العربي المثقوب


حسام

الحوار المتمدن-العدد: 4464 - 2014 / 5 / 26 - 10:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الجَهْل المُقَدّس: الضَمّير العَرَبَيّ المَثْقُوب
/////////////////////////////////////////////////////////////////////////////
أن الجَهّل سَمة المُجَتَمَعات المُتَخَلفة, والمُتَأخرة عن مواكبة التطورات الحاصَّلة في العالم على نطاق النهضة والتقدم ومُعاصرة شروط الحضارة, والجهل كلمة سلبية لا إيجابية تشير الى كل ما هو رجعي وانحطاطي, يعمل على قلب المتناقضات, وتحويل مراكز اللعبة السياسية بمراكز ومَقّار دينية أكبر من أن تخضع للدنيويات, واسوى انواع الجهل ذلك المرتبط بالمقدس والمُنزه والمُترفع عن حيثيات التأخر والماضوية بما تعنيه من تراث متراكم على بعضه دون ان يُستثمر بشكل آلي ومنظم إلا من أجل نقل الأحداث والظواهر بمعزل عن العقل ومنطقه.
وهو أمر اخطر ما يكون على المجتمعات الخارجة من اتون حربٍ اهلية, والمجتمعات التي مازالت ترواح عند مدخل التطور والنهضة والحداثة السياسية, _ دون حسم موقفها من الإندفاع بقوة إلى عصر الإنتقال الديمقراطي _ هو ربط الجهل بالمقدس, والحقيقة الغائبة اليوم هي ان العولمة تعد أحدى منشطات فعل الجهل المقدس, من خلال سطوة الثورة التكنولوجية (ثورة الأتصال والتقنية) التي فتحت افاق الجهل على مصراعية امام تدفق المجتمع وحولت الجهل الى ثقافة, فليس كل ما عصري نافع, ولا كا ما هو ماضوي بليد, فالعقل الناجح هو القادر على جمع المعطيات ووضعها في "سونار" كشف الحقائق والظواهر التي من شانها تقدم خدمة للإنسانية بكلفة أقل قرائنها.
لقد اصبحت القَدْاسَّة او صفة الهَيّبة والعُصْمَة تُضّفى لكل شيء وإن كان دون مستوى الهيبة والمكانة, وقدر القداسة, وهذا هو جُل الغزو الفكري للأخلاق والقيم والتقاليد السائدة لمجتمع مُحافظ تسوده ثوابت الدين وقيم العروبة الأنسانية, فهناك اصبح الأرهاب مقدساً, والجهل مقدساً, ورجل الدين مقدساً, والمنحط مقدساً, لم يعد هناك قيمة للمقدس ذاته في ظل هذا التأويل والإفتراء على قيم وثوابت المقدس الكلاسيكي.
ان الجماعات الدينية الراديكالية تنزع دوماً لتبني الخطاب السياسي غليظ اللهجة من اجل التصعيد الديني المُبطن بالأيديولوجيا, وهذا هو المدخل الرئيس لبلوغ المجتمعات العربية مرام التعصب والعنف الطائفي الثوري الذي لا يقف عند حدود الطائفة الواحدة بل يتحول الى عدوى خبيثة تجعل الطوائف الأخرى مُقلدة لها في ممارسة العنف وتكليفها لمهمة تبني الخيار العنفوي, متجاوزة كل قيم التراث الديني والقومي المتأصل للمجتمع العربي الإسلامي.
أذن فالخطاب الديني في مُجمّلة هو خطاب تجاوز قيم الفكر عند حدود الممارسة, وتحايل على النظرية من خلال التطبيق بطريقة سلبية ومُجحفة, فأصبح خطاباً (ببغاوياً) يردد عبارات وفتاوى منقولة عن التراث وعن الغير وعن بشر _ قد يخطئون كما يصيبون _ ولم تكن مدروسة من العقل, .. يرددون فتاوى القرن الرابع الهجري ولم ينظر اليها بعين القرن الحادي والعشرين, وهذه مشكلة الخطاب الديني اليوم ان أولئك الدينين الممزوجين برغبات السياسة يرون العالم اليوم بعيون القرون الوسطى, ويحاولون نسخ نماذج حصلت في القرن الرابع الهجري _ مثلاً _ وتطبيقها على مشكلات القرن العشرين او الحادي والعشرين, وإلباسها ثوباً وبزة حزبية تنتخب اصحابها عن طريق الإيمان والانتماء لأفكار الحزب والجماعة المؤدلجة _ لا عن الإيمان بقيم وتصورات الإسلام الفعلي والرسوّلي المُبكر _ وهو بلا شك سوف يزيد الطين بله ويزيد من حدة الخصومة لا فضاً للإشتباك الحاصل بين الديني والسياسي.
وان تفكيك الخطاب الديني يكمن في تفكيك الخطاب الطائفي عن الخطاب الديني إذ ليس بالضرورة ان كل ما هو ديني هو طائفي والعكس صحيح, .. لكن الزج الديني في اللعبة السياسية بطريقة لا اخلاقية قد تفضي الى نوع من الخطاب الديني الراديكالي (المتشدد) ومن هنا تتولد لدينا النظرية الطائفية المُقامة على اساس التمازج الديني بالسياسي لصالح الأخير وعلى حساب الأول, ليتحول إزاءها كل ما هو دنيوي الى فعل مقدس ويرتق لمقام العصمة و"الألهنة" التي تجور على الدين ذاته وتتحايل على قيمه الروحية والرمزية.
وان من يدعون او ينصبون انفسهم نواب الرب ووكلاء المُقدس هم بالحقيقة ادنى من ان يكونوا نواب الارض لضحالتهم الدينية وثقافتهم السطحية, جمودهم الفكري وضعف النضوج القيمي والكثير منهم لم يحالفه الحظ في اختبار المدارس الابتدائية او الثانوية لكن الحظ او الصدفة او الطفرة الدينية جعلت منه مفتٍ عام او واعظ او داعية من الطراز الاول حسب تقييم الفيفا الاسلامية, فيُريد ان يحقق رغبة نفسيه في ذاته ألا وهي الحنين والاشتياق لمركز اجتماعي او مكانة مرموقة بالمجتمع, تعوض خواءه النفسي والعقلي من خلال قدسنه المدنس بدون حياء او خجل او ان يجد غضاضة في فعل ذلك.
لهذا نجد النزعة الشوفينية باسم الدين لدى المهزوزين من الداخل يؤسسون لحزب الله والرب مقابل صف جميع الاحزاب المناهضة لبرنامجهم السياسي بتهمة الشرك ورميهم في خانة حزب الكفار, وهذه هي لعبة الجهل المقدس ان يتحول الشعب او الأمة الى حزبين لا ثالث لهما: حزب الله وحزب الكفار, ان تتصور نفسك رب والناس عبيد, تحمل مصحفٍ بيد وبيد اخرى مقبض سيف تطال فيه اعناق المختلفين مع في الطرح والمذهب والرآي.
والحقيقة التي لا يجهلها او يتجاهلها الكثيرون هي أن الجهل المقدس هو ليس نتاج الدين بل نتاج القراءة السطحية للدين, والرؤية بالأحادية للأمور والقضايا التي تعترض مسيرة التقدم في المجتمع العربي الإسلامي.
والتكفير هو الأب الشرعي للجهل المقدس, بلا أدنى شك, ونتيجة حتمية لانغماس العقل العربي في مُخّللات التكفير, حتى أصبح الجهل المقدس هدف ونزعة الأمة التي تقاتل من أجل إعلان حالة المقدس بطريقة لا تخلو من خميرة دينية تستوي في خلطتها السياسة الدنيوية لتصبح طبقاً من الجهل المقدس يُقدم مجاناً للعقل العربي المُغتال والمُحجب والمنوع من التفكير.
والتكفير هو نتيجة مؤكدة لغياب التفكير, بل هو اليوم أصبح أفة المجتمعات العربية الإسلامية, وجذر تأصيلي لكثير من مشاكلنا السياسية والدينية والاجتماعية, فالتكفير يفتح باباً للعنف, وباباً للطائفية والمذهبية, وباباً لتقسيم المجتمع, وباباً لتهديد السلم الاهلي, وباباً للتدخلات الاخارجية الاجنبية, وباباً للفوضى, ويعمل التكفير على شق الصف الوطني ويمزق اوصال التماسك المجتمعي, ويفتح شهية الدول الجوارية للتوغل في الشأن الداخلي عن طريق ثغرات بعض الطوائف التي تعتبر لها امتداد في مذهبي وعرقي مع الدول الاقليمية الجوارية والحالة ماثلة في أكثر من دولة عربية, والتكفير لا يتحوّل إلى حقيقة واقعة إلا بعد ان يستمد وحيه من المؤسسة الدينية التي تفتش في الخبايا والخفايا عن دور سياسي لها في النظم السياسية الحاكمة, مما تزيد من حظوظ التكفير الذي ينتج معطى الجهل المقدس والبصيرة العمياء والرؤية الضيقة والإدراك الحسي المقصور, فيتحوّل الدين إلى أيديولوجيا, وهنا يكمن المأزق الفكري العربي, فتحويل الدين الى أيديولوجيا قد يؤسس للجهل بالأمور ويجعل كل ما هو مدنس, مقدس بالضرورة, والعكس صحيح, فالدين ليس أيديولوجيا, والأيديولوجيا هي حصان خاسر يمتطيه قادة الحركات الراديكالية للوثوب الى قمة هرم السلطة, وتصحيح المسار وَرّد الجَهل المُقدس الى وضاعته ودناسته ودنائته لا يكمن إلا برتق الجرح الحاصل في العقل العربي, وروّف الثقب الطاعن في الضمير الإنساني.

حُسام ﮔ-;-صّاي
باحث وكاتب صحفي عراقي






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وداعا......... أبا سلام
- حول عودة الكفاءات المغتربة إلى الوطن


المزيد.....




- فيديو.. سحابة سامة قرب مدريد وتحذير من مغادرة المنازل
- ليس إرهابيا.. الكشف عن دافع منفذ هجوم الطعن في فنلندا
- حماس تسلّم الوسطاء ردّها على مقترح وقف إطلاق النار
- حرائق ضخمة تدفع السلطات إلى إخلاء قرى في محافظة اللاذقية
- قرقاش: لا مخرج من أزمات المنطقة بالحلول العسكرية
- مصادر: رد حماس على مقترح غزة -مبهم-
- تقرير إسرائيلي يكشف -العقبة الرئيسية- أمام اتفاق غزة
- مصادر مصرية: رد حماس تضمن فتح المجال أمام مفاوضات غير مباشرة ...
- رد فعل أولي.. كيف تفاعلت إسرائيل مع رد حماس على مقترح غزة؟
- فيديو.. عشرات القتلى والمفقودين بعد فيضانات مدمرة في تكساس


المزيد.....

- نقد الحركات الهوياتية / رحمان النوضة
- الوعي والإرادة والثورة الثقافية عند غرامشي وماو / زهير الخويلدي
- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسام - الجهل المقدس: الضمير العربي المثقوب