أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طلال شاكر - شخصية عبد الكريم قاسم بين هوى الراي وموضوعية التحليل















المزيد.....



شخصية عبد الكريم قاسم بين هوى الراي وموضوعية التحليل


طلال شاكر

الحوار المتمدن-العدد: 1263 - 2005 / 7 / 22 - 03:41
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم يتجاوز العقل السياسي العراقي بأغلب اتجاهاته ومنابعه الفكرية والسياسية راديكالية الموقف من الحدث ،التاريخي،ونزعة تمجيد وقائعه ،برموزه،وشخصياته،ومضامينه،وظل رهين الافتتان،بصورة الحاكم النبيل،الذي يفترش الارض لينام عليها،او يوزع مخصصاته على الففراء،اوياكل ابسط الطعام،وظل يسبغ الثناء المقدس على قادته الروحيين والسياسين وظلت صورة الشهيد اوالبطل تلازم ذاكراته ووجدانه ، و حضيت صورة الحاكم البسيط المتواضع بمكانة اثيرة في الوجدان الشعبي وكثيراً ماألتمست الاعذار والحجج لاخفاقاته او لخطاياه, هذا النزوع له اسبابه ودواعيه،وهو متوغل في الثقافة العراقية منذ القدم، ولسنا بصدد تناوله ،ولم تستطع هذه الثقافة السياسية العراقية المعاصرة بناء منحى تقيمي يتجاوز هذه الاشكالية ، وهذا لايعني خلو هذه الثقافة من تقديم نقد معرفي،لمفاصل كثيرة من وقائع التاريخ وتفصيلاته وشخصياته. فقد ظهرت كتابات وشهادات،ومذكرات نأت الى حد ما عن البعد الايديلوجي والسياسي ولكن لم يتكون نهج معرفي للنقد ولم تتشكل اسسه بعد ، لقد كتب الكشيرون عن شخصية المرحوم عبد الكريم قاسم وعن حكمه وقيادته وكانت اكثرها تدورعن مزايا حاكم نبيل لم ينصف. ويبدو ان الطريقة التي حكم فيها قاسم وماناله من شعبية وتوهج سجايا الشخصية،اثرت بصورة ملهمة على مؤيديه ومحبيه الذين رأوا فيه حاكماً وطنياً نزيهاً وشعبياً متواضعاً خلا حكمه من الفساد الاداري والتمييز الطائفي، حيث وجد الفقراء في حكمه المؤازرة والدعم ومنحه الكثيرون من مختلف طبقات الشعب العراقي التأييد والمحبة الصادقة التي لم تمنح لحاكم غيره . ربما اسرف محبوه في تعداد حسناته والتمسوا لاخطائه السياسية العذر وتغافلوا عن دوره ومسؤوليته كحاكم مطلق .وبالمقابل بالغ اعداؤه وكارهوه في نكران منجزاته وضخموا بصورة مثيرة وسلبية كل ماتعلق بحكمه،وكلا الاتجاهين لم ينصف قاسم وحكمه وكان التعصب السياسي يقف وراء تقييم شخصه ونظامه ،ولكن في الفترة الاخيرة ظهرت دراسات واراء عالجت موضوعة عبد الكريم قاسم بصورة اكثر اتزاناً ولكنها لم تقترب كثيراًمن المنهج الموضوعي . عندما نتناول قاسم ونظامه ونسلط الضوء على شخصه بوصفه حاكماً مطلقاً يتحمل جزءً كبيراً من المسؤولية التاريخية وماترتب عليها من دمار وتعاقب للدكتاتوريات على بلادنا ،فهذا لايعني اضفاء الشرعية على من اسقطه وابداء الرضا والاستحسان لمن ايده وسايره بلا تحفظ ، ،ولو بقينا عند خصال الرجل النبيلة فقط فلن نقترب من صورة حاكم بهذه الاهمية من خلال سجاياه فقط،. لقد قاد قاسم اكبر تحول سياسي في القرن العشرين بعد تكون الدولة العراقية عام 1921 عندما فجر ثورة عسكرية في 14 تموز 1958 فاسس اول جمهورية في تاريخ العراق منهياً النظام الملكي الحليف للغرب بأجراءات راديكالية في اغلب توجهاتها فاختارت الموقف المناوئ للاستعمار كواحد من مستلزمات خطابها السياسي، ومنذ البدء كانت الثورة محملة ببذور التناقضات من خلال تلك القوى الذي قادت الثورة،اي ا لضباط الاحرار،والقوى السياسية المساندة لها المتمثلة بقوى جبهة الاتحاد الوطني، فجاء الثلاثين من ايلول 1958 ليضع حداً لازدواجية السلطة بين قائدين متناقضين في سلوكهما وتوجهاتهما فازيح العقيد عبد السلام عارفً الرجل الثاني في الثورة عن مسؤلياته بعد صراع خفي وسريع، لقد شكل هذا التاريخ انعطافاً حاسماً في مسيرة عبد الكريم قاسم وقيادته. ليفتح هذا التحول باب الصراع على مصراعيه لتغدو الدسائس والمؤامرات الخيار الرئيسي لخصومه السياسين، وبدأت البلاد تقترب شيئاً فشياً نحو منزلق العنف والاحتراب الاجتماعي، وغدت الشعارات السياسية المتناقضة اهم ما يميز تلك الفترة كعناوين تتخندق خلفها القوى السياسية،وكان النصر السياسي القلق الذي احرزه عبد الكريم قاسم على خصومه بمساندة الشيوعيين ،اوحى له بفكرة خاطئة عن امكانياته اللامحدودة في ادارة البلاد اعتماداً على قدراته الشخصية، في اعقاب هذه المؤشرات اصبح قاسم حاكماً مطلقاً بكل المقاييس والمعاييربلا منازع ،وصار مجلس السيادة مجرد هيئة واهنة بلا صلاحيات اما مجلس الوزراء فخضع لسلطة رجل واحد بمعايير مطلقة،
واصبحت كل السلطات التنفيذية والتشريعية بين يديه ،واخذ يدير جهاز الدولة عبر شخصيات عسكرية لاحو ل لها ولاقوة ،وغدى تسير امور البلاد يجري بشكل مركزي.
وتراكمت التشريعات،والقوانين،دون امكانية تنفيذها بصورةفاعلة وعملية.رغم بعض الانجازات التي تمت.ولكن الخلل والتراخي بدءا يتسربان منذ تلك اللحظة الى اجهزة الدولة المختلفة ،وخصوصاً تلك المعنية بحماية النظام كالمؤسسة العسكرية ودوائر الامن والاستخبارات،وبدى غياب المؤسسة السياسية القادرة على تسيير شؤون البلاد ،يتجلى واضحاً في الاداء الخارجي،والداخلي،وكان الاخطر في المجال الداخلي ،حيث بدات التناحرات السياسية تاخذ ابعاداًخطيرة ،لاسيما بعد موامرة الشواف في 8 اذار1959 ، ان هذا الحدث يستدعي وقفة مركزة لرسم منحى ملموس عن شخصية قاسم وكيف تصرف كحاكم مطلق أنذاك وتداعيات ذلك الموقف السلبي،وغير المسوؤل في معالجة الوضع السياسي المتدهور في مدينة الموصل، فرغم وضوح الموقف لديه ولدى اجهزته ورغم كل التحذيرات ،التي اطلقتها القوى السياسية العراقية،من وجود احتقان خطير داخل المدينة ووجود تدخل مكشوف من قبل قوى اقليمية،و رغم كل ذلك،فانه تأخر في معالجة الوضع المتفجر، مما فاقمه ليتحول الى حرب اهلية، جرت فيها انتهاكات وجرائم، وصار جلياً ان مضمون القرارات اللاحقة واتجاهاتها والية تنفيذها اصبحت تحددها تصوراته الشخصيةومواقفه ومزاجيته،وتنامت لديه بصورة مفرطة الثقة بالنفس الى حد الغرور والعناد، ولم يستمع الى راي والى نصيحة،وهذا لايعني تبرئة خصومه من مسوؤلية ماحدث، كانت احداث الموصل المأساوية من ابرزسقطات قاسم ونظامه فهو اتخذ قراراً بالتدخل بعد فوات الاوان ,وكان بالامكان تطويق الموقف منذ البداية اوعلى الاقل ايقاف تدهوره بخسائر اقل،لاسيما بعد ان توفرت لديه عبر قنواته الحكومية صورة واضحة عن الوضع واشكالياته فيها. وعندما استتب الامر له عاقب الجميع ليس من منطق العدالة والانصاف ،بل اراد ان يجعل من الكل مهزوماً الذين تأمرو عليه والذين ناصروه. انها واحد من المواضيع الذي تعامل معها قاسم بطريقة اجرائية صرفة ،ودون رؤية سياسية,ودفع جرائها المئات من الناس الابرياء ارواحهم من قبل عصابات اجرامية قتلاًواغتيالاًوهجرت الاف العوائل بتواطئ اجهزة الدولة المحلية وتغطيتها، ولم تنفع كل الالتماسات والعرائض والاستجارة التي قدمها هولاء المواطنون الى عبد الكريم قاسم دون ا ن تلقي اذاناً صاغية منه اوتفهما،ولم يتخذ اي اجراءات تحمي رعاياه. بعد احداث الموصل بدات مزاجيته تتحكم في قراراته وهي صفة مهلكة لاي حاكم. لقد رفع عبد الكريم قاسم مبدأ الرحمة فوق القانون الذي استعاره من الثورة الفرنسية، لكنه حكم على بعض المتامرين عليه دون ان يكون لفعلته تاثيراً فجعلهم شهداء وعفى عن الذين حاولوا قتله فجعلهم ابطالاً. ان مبدا الرحمة فوق القانون كان بالاساس يستهدف نشر جملة من القيم الانسانية منها العدل والتسامح لكن طريقة فهمه والغرض من تطبيقه اقترن بالمزاجية والامسؤولية في بلد لم يستقر فيه القانون وبالتالي فقد هذا المبدا معناه. اننا امام حاكم اتسم حكمه بالغرابة والاثارة. فما ان يحكم على احد بالاعدام او السجن، حتى يفاجئك بالعفوعنه. وهذه من سمات الحاكم المطلق الذي لاتقيد سلوكيته اي ضوابط قانونية او دستوريه. وقد يبدو هذا انعكاساً لشخصية حاكم رحيم لايلجا الى العنف الا مضطراً، وهذا السلوك ليس غريباً على حكام العالم الثالث. ولكن المشكلة هي غياب القاعدة القانونية التي تربك اجهزة الدولة وتغيب القضاء وتهمشه. وخاصة عندما تتعامل هذه الاجهزة مع الحالات السياسية فان الهاجس السياسي وليس القانوني هو الذي سيحكم. ان هذه المسالة هي واحدة من اخطرالمواضيع التي جابهت القضاء ايام عبد الكريم قاسم. وكان هذا الموقف هو اختزال لاسلوبه ومبداه في التعامل الارتجالي. وعندما تعلق الامر بالاحزاب السياسية العراقية وكييفية الموقف منها، فانه فضل التعامل معها من منطلق المناورة والدهاء واسقط الحل السياسي العقلاني. وكان الكثيرمن مواقفه لا تبدو مدروسة بمسؤولية و تفضي غالباً الى تعقيد النتيجة وتزيد من تفاقم المعضلات. مثلاً: خطابه في كنيسة(ماريوسف)في 19 تموز1959 حين هاجم الحزب الشيوعي العراقي وحمله مسؤولية المجازروالانتهاكات التي جرت في كركوك، ولكنه عاد بعد ستة اشهراي في 2-1- 1960 في المؤتمر الصحفي الذي عقده في مستشفى دار السلام ليلقي بالتهمة على الرجعيين والبعثيين، ولكن بعد ان فتح هذا الموقف وتداعياته شرخاً في التوازن الوطني القلق. لاشك ان ضغط الاحزاب السياسية على حكمه كان كبيراً ومؤثراً وقد نازعته النفوذ في مجالات عديدة وكان خطابها السياسي وسلوكها مثيراً للقلق . وقد انعكس ذلك على مختلف المؤسسات، فاجهزة الدولة منقسمة والولاءات داخل الجيش متعددة .والشارع منقسم، ولم يكن ذلك في مصلحة النظام واستقراره، وكان قانون الاحزاب الذي اصدره 1960 لم يحمل جديته في اعطاء حرية العمل القانوني للاحزاب ،مثلا منح اجازة لحزب كارتوني( حزب دواد الصايغ)،كبديل لحزب سياسي كبير ومؤثرفي الساحة السياسية، هوالحزب الشيوعي العراقي، وقد اضعف هذا مصداقية موقفه في حل موضوعة الاحزاب السياسية وعملها في ضوء القانون، وتغافل قاسم عن اهمية الخطوات الصحيحة والمتدرجة لمعالجة هذا الموضوع الشائك، مستسهلاً القرارات والاجراءات الخاطئة،في التعامل مع هذه الاحزاب السياسية العراقية،متجاهلاً ان دفع هذه الاحزاب الى الزاوية الضيقة سيفجر العنف والمواجهة بصورة حتمية ضد نظامه وهذا ماجرى، فعلاً،عندما اخل بالتوازنات السياسية الدقيقة،دون حساب واعي،وذلك عندما اقدم على ضرب الحزب الشيوعي وتشتيت قواه بصورة منظمة ، مما جعل تنامي قوة( التيار القومي) بشقيه القومي و البعثي واقعاً ملموساً،في مفاصل حساسة وخطيرة داخل مؤسسات الدولة و الجيش و امتد ذلك التنامي الى الشارع، وكان انقلاب8 شباط الدموي 1963 نتيجة مباشرة لهذا السلوك وتداعياته. لقد كانت واحدة من اخطر عثرات النظام الملكي الحاكم في العراق انذاك تجاهله و ازدراءه لاي حل يتيح للعمل السياسي ان يتنفس وينشط في كنف القانون و الدستور. وبدلاً من ذلك سعى الى خنق الاحزاب السياسية العراقية و دفعها نحو السرية ليضع بين يديها خيار العنف كاسلوب رئيسي. ويبدو ان نظام عبد الكريم قاسم لم يستوعب هذا الدرس بصورة مناسبة وغدت كل المؤشرات تنبيء بتبلورموقف سياسي لدى النظام يستبعد الحل الواقعي لموضوع الاحزاب. وفي عام 1961 كانت اغلبية الاحزاب الموجودة في البلاد قد توجهت نحو العمل السري بصورة جذرية. واصبح اعضاؤها يتعرضون للاضطهاد والملاحقة والاعتقال. وعادت المنشورات السرية الى خطابها السياسي التقليدي. في الجانب الاخر واجه نظام عبد الكريم قاسم تحديات سياسية كبيرة و مختلفة لعل من اخطرها القضية الكردية ، وحقوق الشعب الكردي المشروعة وهي واحدة من استحقاقات متعددة كان على ثورة 14 تموز ان تنجزها . ولم تكن هناك خيارات كبيرة لتأجيل حلها اوالتنصل من ضرورة حلها. ومن سوء الحظ ان الرؤية السياسية لهذا الحل لم تنضج عند اطرافها بعد، رغم بروز اتجاهات جدية تدعو الى حل سلمي واقعي، ولكن ذلك لم يفض الى مخرج. وعندما حل عام 1961 بدات بوادرتعقد حل القضية الكردية يتفاقم، ولاحت في الافق نذر حرب مدمرة ستندلع في كردستان. وبدلاً من تطويق المسالة من البداية والتعامل معها بطريقة سياسية لجا الى الحل، الفني الصرف ، اي العسكري، رافضاً كل النصائح والمقترحات التي قدمت له من اقرب مؤيديه. وكعادته اعتمد على المناورة والدسيسة وتاخر كثيراً بتطويق تداعياتها. وسمح للقوى الاستعمارية والرجعية الداخلية باستغلال الموقف والتحريض ضد نظامه بصورة مكشوفة. وعندما ارسل الجيش الى كردستان العراق فان بوادر الحل السلمي السياسي قد تلاشت. ولما واجه ضغطاً جماهيرياً امر بوقف اطلاق النار، ومع هذا لم يستطع تكوين رؤية سياسية تتيح له درء المخاطر المحدقة بالعراق. وكان في اغلب الاحيان يصل الى هدفه متاخراً او بعد فوات الاوان. وكان تركه للقضية الكردية دون حل ديموقراطي اوجد شرخاً مؤثراً في جدار سلطته المتراخية. وكان التحدي الاخر الذي اختاره هو مواجهة نهب الشركات النفطية. والذي كان تحدياً بالغ الحساسية والخطورة. وعندما اقدم على اصدار القانون رقم 80 لسنة 1961 الذي امم بموجبه 99.5% من امتياز شركة النفط العراقية (البرطانية) في الاراضي العراقية غير المستثمرة والخاضعة للاتفاقية التي فرضت على العراق في العهد الملكي تعامل مع هذه المسالة بصورة فوقية ولم يحسب ابعادها، وكانت التغطية السياسية لهذه الخطوة الوطنية الخطيرة غائبة، فا لبلاد تعاني من الانقسام، والتامر الدولي الاقليمي بدا يتبلور بصورة جدية. وعندما اعلن تاسيس شركة النفط الوطنية العراقية يوم7 شباط 1963 وقع الانقلاب في اليوم الثاني. لقد فقد عبد الكريم قاسم القدرة على مواكبة الاحداث والتحديات التي واجهته وبخاصه قي شهوره الاخيرة. لقد كانت اخبار الانقلاب ضد حكمه تتوارد. واسماء المشتركين واماكن وجودهم وتحركاتهم شبه معلومة. وعندما ارسل في طلب خالد مكي الهاشمي امر كتيبة الدبابات الرابعة وواجهه بالمعلومات التي تتحدث عن نشاط تامري في كتيبته، انهار وسلمه اسماء البعثيين والاسلحة التي في حوزة الكتيبة. وبدلاً من مواجهة الانقلابيين بطريقة فعالة قبل الشروع بتحركهم، جرى التعاطي مع هذا الموقف الخطير با بقاء المتهمين والمشتبه بهم دون اجراءات مناسبة تحمي البلاد من خطرهم وشرهم ولايبدو ذلك شهامة او حصافة منه بقدر ماكان حماقة قاتلة وغباء سياسي مطلق. وقد انعكس ذلك على اجهزته الامنية التي كانت تعرف تفاصيل انقلاب 8 شباط ولكنها لم تتحرك بصورة جدية. رغم القائها القبض على علي صالح السعدي المسؤول الاول يوم 5 شباط. لكن التخبط السياسي وضياع الحزم والجدية من قائد البلاد اوقعها في دائرة التردد والانكفاء وجعل اغلب قادته العسكريين يستسلمون بطريقة مذلة للانقلابيين. والخلاصةان الاداء السياسي المضطرب لعبد الكريم قاسم بمجمله و في هذا المنعطف المصيري قد اعاق قيام اجراءات فعالة ضد الانقلابيين ولم يكن الامر محصوراً باجرات امنية صرفة رغم اهميتها،بل كان الامر برمته سياسياً.عندما نورد هذه الامثلة الدقيقة فاننا نحاول فهم تلك الثغرات السياسية التي كانت عوامل ً حاسمة في سقوط الجمهورية الاولى،وبالمقابل فاننا لانريد ان نضع الرجل في قفص الاتهام قسرً، لكن حيثيات تلك المواقف ودلالاتها فرضت استنتاجات من الصعب تجاوز حكمها، فالبدايات الخاطئة تستتبعها نهايات خاطئة، وهذ ما تجسد لاحقاً واصبحت نتائجه معروفة. لكن من جهة اخرى يتساءل المراقب الموضوعي عن الاسباب والدوافع التي جعلت قطاعات كبيرة من الشعب العراقي تؤازره وتدافع عنه الى حد التضحية ورفضت حتى تصديق موته .رغم كل الملاحظات والتحفظات التي قيلت وكتبت عن اسلوبه في ادارة البلاد . لاشك ان سبب هذا الموقف الشعبي يعود بصورة رئيسية الى مصداقية قاسم ونزاهته كحاكم وطني،ونأيه عن التمسك بمراسيم الفخامة والابهة للسلطةوقدم تواضعه الجم كمسؤول اول في البلاد صورة مشرقة لحاكم كسر الحاجز الذي وضعته عهود الاستبداد في وجه الفقراء والمغلوبين الذين غالباً مانظرت اليهم السلطات السابقة والى حقوقهم بتجاهل وأستعلاء ،واقترن ذلك بسعيه المخلص في محاربة الفقر ،ولم يستطع اعداءه ادانته والحكم عليه من منطلقات عادلة ونزيهة،بقدر ماكانوا طلاب ثأريريدون تصفية حسابات سياسية مع حاكم افزعتهم شعبيته ووطنينته .قال البعض عن عبد الكريم قاسم انه حاكم من الطراز الاول ،وهذا توصيف به من الهوى والعاطفة اكثر بما لايتجاوب مع التحليل الموضوعي ،واعداؤه رسموا صورة رديئة وباهتة له فخليل ابراهيم صاحب موسوعة 14 تموز( يقول عنه انه لايصلح الا لقيلدة لواء اوفرقة بالكثير) وهذا الراي ينطوي على اجحاف كثير بحق رجل كان على راس ثورة اصيلة كانت غاية في الدقة تخطيطاً وتنفيذاً وكان ذلك يتطلب الكثير من الموهبة والجدارة ناهيك عن الاقدام والشجاعة، لكن اصراره على حكم العراق بصورة طوباوية وتجاهله لمستلزمات الحكم افقده نعمة الموهبة والجدارة اللتين كان يتمتع بهما،فرغم قيادته لواحدة من اكبر الثورات في مقاييس العالم الثالث فانه بقي مشدوداً الى تقاليد واخلاق وسلوكية المؤسسة العسكرية التي ينتمي اليها،تلك المؤسسة القائمة على مركزية القرار والتي اعتادت ان تأمر منتسبيها دون نقاش اواعتراض،في بلد تمتلك فيه هذه المؤسسة دوراً متميزاً في الحياة السياسية بصورة مباشرة اوغير مباشرة يصعب تجاوزه،وحتى عندما وقع في قبضة الانقلابين يوم 9 شباط كانت واحدة من شروط وقف المقاومة الحفاظ على كرامته العسكرية، ودار نقاش عقيم حول بقاء رتبته العسكري اونزعها ،ان الرجل استحوذت عليه فكرة القائد الاوحد لكن ببزة عسكرية.رافضاً ان يكون حاكما سياسيا بمعاييرالسياسة والحكم ،وفي احلك الساعات المصيرية التي واجهته يوم 8 شباط لم يكن لاقرب مساعديه راي واضح سوى اطاعته ،وتصرفوا كجنود بامرة ضابط،وعندما طالبته الجماهير المحتشدة امام مكتبه في وزارة الدفاع بالسلاح لمقاومة الانقلابيين رفض ذلك المطلب الجماهيري ،معتمدا على الجيش في انهاء الانقلاب وحسم الموقف لصالحه،فسرها البعض من السياسين بانه جنب العراقيين عواقب حرب اهلية مدمرة مضحياًبنفسه فداءً لقضية وطنية اكبر,ولايبدو ذلك صحيحاًمن الناحية المنطقية،لكنه بالتكيد خضع لتقديرات متقاطعة تعذر عليه حلها وهو في اوج التحدي وخانته جدارته العسكري والسياسية وهو يتخبط في اتخاذالموقف الصحيح ،وعندما انقلب الموقف ضده التمس حلاً رفضه في البداية لقلب المعادلة ولكن بعد فوات الاوان ، وبذلك فضل موقفاً به نهايته هو اختاره بنفسه على حل قد ينقذه من السقوط ذلك الحل الذي اختاره انصاره ومؤيدوه ، وتصرف كاي حاكم مطلق اعماه غروره وتعاليه رافضاًالتنازل عن فرديته في لحظة مصيرية حرجة، ولكن عندما نصغي الى تلك الاراء التي ترى في عبدالكريم قاسم شخصية متواضعة احب الفقراء وقدم لهم كل ما امكن وكان حاكما نزيها خلا حكمه من التمييز الطائفي والفساد الاداري حاول ان يبني عراقا ديمقراطيا،ولم يلجأ الى العنف الامضطراً،ولكن حجم التحديات التي واجهته داخليا وخارجيا هي التي وضعته في دائرة الخطأ، كماتتحمل الاحزاب السياسية مسؤولية كبرى عما جرى، ان هذه الحجج بها الشيئ الكثير من الصواب والموضوعية ،ولكنها لاتعكس كل الحقيقة،فمسؤولية عبد الكريم قاسم كحاكم بيده السلطة وبيده القرار اهم واكبر من احزاب خارجها ،ويبدو فهمه لحياة سياسية تمارس فيها الاحزاب دورها وحريتها في ضوء القانون والدستور لم ينضج،ونطرح هنا سؤالاً جوهريا؟هل ان السجايا الشخصية المحضة كالاخلاق والتواضع والنزاهة التي يمتلكها الحاكم قادرة لوحدها ان تمنحه القدرة والكفاءة لحكم بلد كالعراق؟ هل نحن بحاجة الى زعيم يفترش الارض لينام عليها او يوزع راتبه على الفقراءماذا يعني ان يتنقل قئد البلاد ومسؤو لها الاول بلاحماية في شوارع العاصمة وسط ظروف مليئة بكل احتمالات الغدر والموت،اليس الحكم ينطوي على مسوؤلية وامانة وحزم يتجاوز الاساليب المثالية ومزاجية الحاكم ولو سلمنا جدلاً بالاهمية الاستثنائية للسجايا النبيلة للحاكم فالى اي مدى ستكون هذه السجايا فعالة ومؤثرة في استقرار البلد وتطوره اذا غاب هذا الحاكم النبيل او تعذر ايجاد صنوه،انها اسئلة جدية،لاشك ان الحكم كمسوؤليةلايمكن ان يبقى رهناً بسجايا الحاكم على اهميتها فقط، فالتجارب دلت ان الحكم بدون مؤسسات ديمقراطية ودستورية وفريق عمل متخصص يتفاعل مع افكار وكفاءة الحاكم ،سيقود الى الكارثة والامثلة كثيرة في عالمنا المعاصر.من الناحية الاخرى نحن نقف امام حاكم لم يتبن ايدلوجية واضحة المعالم ،ولم يتأثر باية افكار تشكل برنامجاً او حتى رؤية تسير شوؤن الدولة وكان خطابه السياسي لايوحي بوجود نزعة ايديلوجية تقود توجهاته ،وهذه ميزة ايجابية لديه جنبته النزوع الى التعصب والعنف كخيارات مرجحة ،كانت اراؤه بمجملها نثاراً من مختلف الافكار فكان الاقرب الى الرجل الوطني الذي جعل من مفهوم العراقية كانتماء وافكار وقيم بكل تجلياته وامتداداته ان جاز التعبير منهلاً في صياغة افكاره ومواقفه ،مما ولد لديه شعوراً راسخاً بانه فوق الطبقات وانه يعمل لكل الطبقات وهذه كانت دائماً رغبا ت واماني القادة الحالمين ، لكن عبد الكريم قاسم جوبه ببرامج ومشاريع متقاطعة لاحزاب لبست قفازات التدحدي متجاوزة مفاهيم الحوار والتفاهم فاختار هو في النهاية ان يرى احد الخصمين مدمياً ومتورماُ والاخرصريعا وكانت هذه من خطاياه الكبرى،قد لايشكل هذا الاستنتاج سبباً معقولاً لسقوط قاسم ونظامه عند بعض السياسين لكنه بالتاكيد سيثير اهمية ودور وحساسية التوازنات السياسية وانعكاسها على مستقبل البلاد لكن عبد الكريم قاسم بالغ في تجاهل هذه الحقيقة في بلد انقسمت فيه حتى العائلة.ًفي هذه الحالة لن نلتفت الى حجج ودعاوي اعدائه الذين واجهوه بشعارات ومطالبات سياسية مثلت ابرز حججهم في اسقاطه وعندما اخذوا السلطة عنوة تخلوا عن شعارات الوحدة الفورية والنضال القومي وقيادة جمال عبد الناصرالخ بل سخروا منها ،وفي المقابل لايبدو مجدياً ان نصغي لتلك الاراء التي تتجاوز مسسوؤلية عبدالكريم قاسم واخطاءه بدون اعتراضات ،على العموم هنالك تباين حاد في فهم و تقييم عبد الكريم قاسم ونظامه حتى بين الذين يرون في حكمه مزايا ايجابية كبيرة وهذا امر طبيعي نظراً لتشابك الموضوع وحساسيته ويتجه اخرون وبينهم سياسيو ن عراقيو ن نحو الايمان بفكرة المقارنة والمفاضلة بين تلك الانظمة التي تعاقبت على حكم العراق تحت وطاة ماهو جاري من خراب وعنف وارهاب منظم ويسعون الى تعميمات لاتبدو مجدية كثيراً في المنظورالعلمي للتحليل والاستنتاج.والسؤال هو هل ان المراجعة النقدية لتقويم تلك المراحل السياسية التي مرت بها بلادنا سوف يسبقه بناء منطلقات موضوعية تمهد لكتابة تاريخ بلادنا بعقل علمي يرفض ذهنية التعصب ومبدأ تجميد وقائع التاريخ؟ ام ان ذلك سيبدو متعذراً في المدى المنظورفي ظل تباين الاراء وتعدد الاجتهادات؟ لكن الشيء المهم هنا ان تلاقي المواضيع التاريخية لبلادنا منذ نشاة الدولة العراقية كل الحرص والمسؤولية لتقديمها بصورة صادقة لجيل عراقي اربكته حكاية التاريخ المتناقضة وتبقى فترة 14 تموز) وعبد الكريم قاسم وحكمه واحدة من المواضيع الكبيرة التي مازالت تستاثر باهتمام الباحثين والسياسين العراقيين. حقاً انها مهمة وطنية نبيلة بغض النظرعن الجهة التي تقوم بها وهنا يتبغي التاكيد على ان الطريقة الانتقائية في تقويم الحاكم ونظامه ستحل جزاً من الاشكالية ولكنها عاجزة عن تقديم رؤية متماسكة عما جرى بالضبط ولماذا تدهورت الامورالى هذا الحد المفزع لبلد غاص في عمق المجهول. مما تقدم، نقول انه رغم كل ماقيل عن الشهيد عبد الكريم قاسم فانه ترك ذكرى من الصعب نسيانها لحاكم حاول ان يتجاوز ماهو نمطي وتقليدي في سلوك حكام سبقوه، دافعاً حياته ثمناً لمثل لم تستكمل مقومات بقائها في بلد عجز عن تجاوزمازقه! وسيبقى موضوع عبد الكريم قاسم وطبيعة نظامه ملفاً مفتوحاً يستوعب كل الاراء والاجتهادات مهما تعددت وتنوعت.وللامانة القول ان انجازات حكمه في المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية كانت كبيرةفي مقاييس ذلك الزمن في ظل ميزانية متواضعة ،وفي مواجهة مشاكل ومعضلات اقتصادية واجتماعية عويصة، وفي فترة زمنية قصيرة،مليئة بالتحدي والاحتراب.عندما نستعيد ذلك التاريخ ومستويات تأثيره وتفاعله مع واقعنا السياسي الحالي بكل مرارنه،وعنفه وثقل مستحقاته ،فلان ذلك التاريخ صنع هذا الحاضرولم يصنعه على هواه بشكل مطلق، بل من خلال رؤى ومواقف احزاب ،حكام،رموز،طبقات اجتماعية ،اقتصاد سياسة،دين الخ وكانت الكيفية التي تصرفت فيها تلك المكونات هي التي حددت ملامح حاضرنا بكل اشكالياته واستحقاقاته، ان هوانا في تقييم الاوضاع الحالية والموقف منها سيجعل من رؤيتنا اسيرة له، وستثار ذات المشكلة التي انبثقت في زمن عبد الكريم قاسم رغم الفارق النوعي بالمعرفة والتطور والظروف ، وهو ان الهوى والافتتان بالزعيم اوالقائد أوالحاكم السيلسي،ليس كالافتتان بالنجم الفني اوالسينمائي،فالاول اذا اخفق فمن المحتمل ان تهوي معه من قمةا لجبل الى اسفل سفحه، اماالثاني فلك الخياران تتركه يسقط دون ان تشاطره السقوط,



#طلال_شاكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لسنا صيادو طرائد نازفة؟ تعقيب وراي في مقالة الدكتور النابلسي ...
- الهوية العراقية بين عسر التكوين وصراع البقاء
- وقفة ورأي في مقالة الارهاب السني والارهاب الشيعي - الدكتور ع ...
- الذكرى الثانية والاربعون لانتفاضة 3تموز دروس وعبر
- لالاياسيادة رئيس الوزراء العراقي فهذا ليس من مهامك
- من أجل مفاهيم تكرس الوحدة وتهزم الانقسام


المزيد.....




- فرنسا: إنقاذ 66 مهاجرا غير نظامي أثناء محاولتهم عبور المانش ...
- مصر.. والدا الرضيعة السودانية المقتولة بعد هتك عرضها يكشفان ...
- السعودية.. عمليات انقاذ لعالقين بسيول والدفاع المدني يحذر
- الغرب يطلق تحذيرات لتبليسي مع جولة جديدة من الاحتجاجات على ق ...
- فيديو: صور جوية تظهر مدى الدمار المرعب في تشاسيف يار بأوكران ...
- في الذكرى الـ10 لمذبحة أوديسا.. اتهامات لأجهزة استخبارات غرب ...
- ترامب يعلق على أحداث -كولومبيا- وينتقد نعمت شفيق
- نيبينزيا: مجلس الأمن الدولي بات رهينة لسياسة واشنطن بالشرق ا ...
- -مهر-: رئيس جامعة طهران يعين زوجة الرئيس الإيراني في منصبين ...
- ‏مظاهرات حاشدة داعمة لفلسطين في عدة جامعات أمريكية والشرطة ت ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طلال شاكر - شخصية عبد الكريم قاسم بين هوى الراي وموضوعية التحليل