أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عالية خليل ابراهيم - من نصوص المسرح الحسيني الخالدة: -هكذا تكلم الحسين- للكاتب المصري محمد العفيفي















المزيد.....


من نصوص المسرح الحسيني الخالدة: -هكذا تكلم الحسين- للكاتب المصري محمد العفيفي


عالية خليل ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 4456 - 2014 / 5 / 17 - 10:42
المحور: الادب والفن
    


تضطلع هذه المقاربة بمهمتين محوريتين اولهما تقديم اضاءات مستفيضة وقراءة هي الاولى حول نص ظل مغمورا هو ومؤلفه عقودا من الزمن مع انه من اوائل النصوص الدرامية التي كتبت عن ثورة الأمام الحسين وهو نص"هكذا تكلم الحسين1 للشاعر المصري "محمد العفيفي2 الذي يرجع تاريخ نشره الى العام 1969م، ويعد من أهم نصوص المسرحية الشعرية التي كتبت عن واقعة الطف على صعيدي الاداء الدرامي والشعري،وقد يكون من المستغرب للوهلة الاولى كيف ان نصا بهذه القيمة والفنية لايلقى العناية والاهتمام والدرس بالشكل الذي يستحقه،مع ان المسرح العربي بشكل عام والمسرح المصري على وجه الخصوص كان في تلك الحقبة التاريخية"ما بعد هزيمة 1967" مهتما اشد الاهتمام بأستعادة السير الذاتية لثوار العالم"الحسين، الحلاج،جيفارا" بوصفها"أي الاستعادة" ردة فعل ضرورية لإعادة اتزان الشخصية التاريخية للإنسان العربي بعد زلزال الهزيمة، كما ان مسرحية"الحسين ثائرا والحسين شهيدا" للكاتب المصري عبد الرحمن الشرقاوي وجدت الاهتمام والرعاية من قبل النقاد وصناع المسرح حين صدرت في العام 1968،ومازالت لحد اللحظة مدار اهتمام ودراسة وتواجد على خشبة المسرح، فلماذا لم تجد"هكذا تكلم الحسين الاهتمام ذاته؟ محسن اطيمش في كتابه الشهير"الشاعر العربي الحديث مسرحيا"جاء على ذكر المسرحية3 لكنه لم يخصص لها مبحثا في دراسته،ولم يولها الاهتمام الذي اولاه لنصوص اخرى اقل منها جودة درامية واداءا شعريا؟1 قد يكون في الاحتكاك و الاقتراب من النص والحوار معه فيها جواب معقول عن السؤال0
اما المهمة الثانية لهذه المقاربة فهي رؤية الثورة الحسينية بعين الاخر،الاخر الذي قد يرى الحسين من خلال منظور جديد ومتفرد لانه غير متأثر بأجواء الشحن العاطفي والانفعالي الذي يجد الكاتب العراقي نفسه واقعا تحت سطوتها ومستجيبا بشكل او بأخر لحقيقة وقوعها في دائرة النظرة التقديسية و الطقس الاحتفالي4
عتبة النص:
عنوان النص" هكذا تكلم الحسين" فيه احالة واضحة على اولية او اولوية الفكر و الكلمة على الفعل والحتمية التاريخية،وقد تظل قوة الكلمة"الابداع" زمنا ارحب من زمن الفعل الذي قد تأتي عليه الاعوام والدهور فينسى او يمحى او يتعرض للهجوم والتشويه حسب تقلب الاحوال،واذا كان فعل الحسين قد يطعن في ضرورياته واسبابه ونتائجه،وقد يفسر تفسيرات متباينة بين مؤيد ومعارض الا ان عمق كلماته وثورته الفكرية الناصعة التي تجلت في خطبه واقواله وفهمه العميق لحقيقة الدور الذي يجب ان يلعبه المفكر والمصلح الاجتماعي في توعية الامة وحملها على الجادة القويمة.
وفي العنونة دعوة للمتلقي للتأمل والتفكير في الكلمة ومن خلالها بتلك الحقبة التاريخية ونزاعاتها الدموية،والخروج برأي متجرد وموضوعي حول نتائج تلك الصراعات وتأثيرها على الواقع العربي الراهن0

الاهداء والتقديم
مما ينبغي التوقف عنده في هذا النص هو تلك العلاقة الحميمة واجواء الود والمحبة والالفة بين المثقف ورجل الدين،فمحمد العفيفي يبدأ كلامه مادحا ومثنيا على العلامة الشيخ علي الكوراني،قائلا"لقد كان من عزائمك ان زينت في قلبي التوفرعلى معاناتها فكرة وكلمة بعد ان غلب علي الظن اني اهرقت فيها دم القلب فلا مداد ،وطويت بها اهاب الصحف فلا حروف ولا سطور"يتبين من الاهداء ان عرى صداقة بين الكاتب والشيخ قد توطدت وتوثقت ومن ثم كانت سببا ومدعاة لولادة هذا الاثرالابداعي،والعفيفي بدوره يريد ان يقتسم هذا الجهد مع صديقه الذي شجعه وازره على الكتابة فكان "الاهداء" بما فيه من صدمة للمتلقي وهو يرى كل هذه العواطف الجياشة بين المثقف المتنور ورجل الدين المحافظ اذا نظرنا لتلك العلاقة بأطارها التاريخي حيث كان الانشقاق على اشده بين مختلف التيارات الفكرية والايديلوجية في العالمين العربي والاسلامي، بعدها يأتي التقديم الذي كان بقلم"علي الكوراني"، ولهذا التقديم اهمية يعتد بها في فتح مغاليق النص وتبين رموزه،كما وان التقديم يعد بمثابة دراسة اعدت بقلم رجل دين حول رؤية الكاتب المعاصر للثورة الحسينية، تحدث الكوراني في تقديمه للنص عن عدة قضايا يجدها اساسية وهو يتناول "المسرح الديني" بدأ بالحديث عن هذا الوافد الجديد على الثقافة العربية"المسرح" محاولا ان ينحت لغته واسلوبه في طريق وسط يجمع بين معالجة مستجدات الثقافة"الحداثية" بلغة تستند على المحاججة والتحليل مع عدم تخليه عن لغة رجل الدين والتي هي وظيفية وغائية في ذات الوقت. فيقول عن المسرح"من الواضح ان التصوير المسرحي لون جديد من التصوير،سواء على لغتنا اوبيئتنا،فمن الطبيعي ان يمر بمراحل من الانتخاب الطبيعي ليحمل في نهايتها امكانات اللغة وخصائص البيئة ويستبعد عنه المختصات الواردة من اللغات والبيئات الاخرى لتثبت له بذلك شخصيته"5
من السهل تلمس لغة التوفيق في هذا المقتبس ففي الوقت الذي يقرفيه الكوراني بعمق تأثير المسرح في الثقافة العربية الجديدة وهو اذ لايعارض هذا التأثيربل يؤيده ويثني عليه لكن بالشروط التي يرتأهيها رجل الدين ليأخذ المسرح شرعيته الدينية ومن ثم مشروعيته الثقافية،وهي التي ذكرها بقوله"يجب ان تمربأنتخاب طبيعي،تستبعد عنها المختصات الواردة، يحمل امكانات اللغة وخصائص البيئة"0
ثم يعرج على كيفية تناول المواضيع التي لها مساس مباشر بعقائد الشعوب الاسلامية وعواطفها"ان التوفيق في الاعمال المسرحية ذات الموضوعات الاسلامية مرتبط بصعوبة جوهرية وهي الانفتاح العقلي والنفسي على الصور الحقيقية للأحداث والاشخاص،فالكاتب بحكم ثقافته او عصره معزول عن ادراك الصورة الحقيقية في تاريخنا فهو يرسمها من خلال تعقيدات حاضرنا وقلقه"0 يتطرق الكاتب هنا الى قضية جوهرية في تناول الموضوع التاريخي،وهي قضية التوفرعلى رؤية ثاقبة بعين بصيرة قادرة على غربلة الوقائع والاحداث والخروج بصورة صافية عن ذلك الماضي،مستبعدا قلق الحاضر وازماته،ومع الاقرار بأشكالية زوايا الرؤيا وحدتها واهميتها وجدواها في معالجة الموضوع التاريخي،الا ان رجل الدين الذي يبحث عن الحقائق المطلقة يبغي ازاحة القلق المعاصر من رؤية التاريخ والركون الى حقيقة ناصعة يطلق عليها"الصورة الحقيقية" ،وهذا غير ممكن لان القلق سمة ملازمة لعلاقة الانسان بالكون والتاريخ،والقلق جزء حيوي ومكون جوهري من مكونات الخلق الفني وتغذيته بالابداع الخلاق 0
تضمن التقديم الثناء على المسرحية واسلوبها ومعالجتها،مع ابداء بعض التحفظات حول مسألة الايقاع الذي وجد في بعض الخفوت لانه يعتمد ايقاع التفعيلة وليس ايقاع الوزن والقافية،وتحفظ اخرعلى على شخصية"جعدة" وكيفية تناولها،اذ وجد فيه الكوراني تعريضا بها وهذا لايجوزشرعا لانها زوجة وصي والمساس بها فيه اشكا ل مهما بلغ انحرافها لمكانتها الزوجية0

البنية الدرامية:
تتفرع بنية النص الدرامي الى متنين بنائين او قصتين هما"قصة الاطارالمسرحي" وقصة "الصراع التاريخي" ،هاتان القصتان لاتتعارضان بل تتكاملان وتنسجمان لتقدما طاقة الرؤية الفنية وابعاد الدلالة الفكرية،قصة الاطار تتمثل بالبحث عن جذر الخصومة بين تيارين فكرين ما زالا في سجال وخصام وتبادل للأدوار في التاريخ العربي والاسلامي،التيارالاول هوتيار"دولة السلطة" والذي يبغي بناء دولة قوية من اجل السلطة،يمثل هذا التيار بنو امية ممثلين بزعيمهم ابي سفيان،الذي ظل يحمل حقدا مستعرا على محمد ومن بعده ذريته"علي وبنوه" لانه اطاح بملك بني امية ومن ثم نفوذهم وسلطتهم،ومع دخول ابي سفيان في الاسلام مكرها الا ان الحقد التاريخي حاول ان يجد له متسعا للبقاء والتواصل من داخل المنظومة الاسلامية ،فكان ان تزعم معاوية بن ابي سفيان هذا التيار واسس "اسلام الدولة" التوجه الذي يجير الاسلام فكرا وايمانا وعقيدة لمصلحة الدولة التي تقودها سلطة قوية وباغية تنسج قوتها وجبروتها من اذلال الضعفاء ،في المشهد الاول يظهرالثلاثة"ابوسفيان،وهند زوجته ،معاوية" يلتقون بعد موتهم في العالم الاخر،هم يدركون انهم ميتون لكنهم مع ذلك يحتفظون بوعيهم الدنيوي ومازالوا مصريين على معادتهم المتجذرة لدين محمد ،انهم غير بعيدين عن معترك الاحداث بعد موت معاوية،يطلون من السماء الدنيا على مسرح الصراع الذي شيدوه بأيديهم،فيقول ابو سفيان:
"نحن جذور المجد السامق من عبد مناف
عبد مناف جد خصومتنا الابدية
فلقد انجب جدينا متصلا عقب الاول بالثاني
حتى اذا فصل المبضع بينها انبثق الدم"0
وهند تقول لولدها معاوية
"حسن ان تم بك النصرعلى ال محمد"
اما معاوية فهو مؤلف رواية "الحقد التاريخي" ومدون جميع فصولها وبطلها في ذات الوقت ،فهو الذي امر بدس السم للحسن بن علي وابتدع شريعة القتل لال الرسول والتي ظلت سارية في عقبه وهوالذي اشاع سب علي بن ابي طالب "فوق منابر تبنيها كلماته"،وقتل كل من لم يجاهر بالسب ومنهم من خيرة اصحاب رسول الله،وهو الذي جعل من دين الاسلام شعارا للسلطة و مغنما للكسب له ولحاشيته اذ يقول :
"فلقد كانت اسهم دين محمد
تحمل حظي معها
انثرها في الارض فتزداد رحابة ملكي
اودعها القوس فتنبجس الطاعة من افواه الناس
كما ينبجس الدم"0
لقد شيد معاوية مسرح الانتقام"الصراع" وترك نهاية المأساة تخط بأيدي يزيد وتبلغ غايتها بقتل الحسين ،وهو يدرك ذلك:
"مازال ضميري يوبقني
منذ حملت يزيد على اعناق الناس
ونزعت الحرية منهم فالتفوا في اكفان الاحياء
امست كلمات البيعة مثل قرابين الاوثان
وتركت على الارض بداية معركة بين حسين ويزيد
فأذا استعرت بينهما الحرب
فصليل السيف انا وعويل المذبوحين انا
هل يمكن ان تنفصل شرارة نار عن وقدتها"0
لقد وضع معاوية بوضعية درامية رئيسة ومتفردة وجديدة كل الجدة لاتظاهيها الا موضعه من التاريخ العربي،فهو بحالة بين الموت والحياة فهو وان مات الا ان جميع ما اقترفت يداه باق يمهد فصول ابشع مذبحة ارتكبت في تاريخ الاسلام،والمأساة لم تتوقف بل تبعتها اخرى واستمرت الى الحاضر ،وهو في موقف بين الندم على افعاله والاعتذار عنها وبين الاصرار والتبرير لتلك الافعال وذلك موقف جميع طغاة العصور،وبين الرجاء بالتوبة وبين اليأس والقنوط لفداحة ما قام به من منعطف تاريخي عندما جعل من الدين حزبا سلطويا وشعارا للكسب،هذه الوضعية في الوقت الذي امدت فيه الشخصية الدرامية بزخم حضوري وابداعي مميز،مكنت الكاتب في الوقت ذاته من شرح اطاره الفكري وهو يستعيد فصول المأساة التاريخية،
ولا شك ان ماذكر في النص من ادانة صريحة وتقريع شديد لشخصيات من مثل"ابوسفيان ومعاوية " فيه اجابة عن السؤال الذي طرح بدءا حول قلة الاحتفاء والعناية بهذا العمل ،لان هاتين الشخصيتين التاريخيتين لهما مكانتهما عند بعض المذاهب الاسلامية اذ تعدان من الصحابة الذين اسلموا وصدق اسلامهم 0
بموازاة بنية الاطارالدرامي والمسرحي هنالك بنية "الصراع التاريخي" وفيها يظهر التيارالمضاد"لاسلام الدولة" ومؤسس لمفهوم "دولة الاسلام" التيار المستند الى استلهام روح الاسلام والاديان السماوية الاخرى في تأسيس دولة يكون مبدأها وغايتها الانسان وحريته وكرامته،وتكون السلطة في خدمة الغاية والاساس في وجود الاديان"كرامة الانسان"0
يتزعم هذا التيار في تاريخ الاسلام الامام الحسين،فبعد ان تنازل الامام الحسن عن السلطة زاهدا فيها لمعاوية،حاول جمع انصاره وتحشيدهم للوقوق بوجه التيار الاخر،لكنه لم يكمل الطريق واغتيل عنوة وبطريقة دنيئة تنبأعن حقيقة من قام بالفعل ،فما كان من الامام الحسين الا ان يطلق صوته عاليا،دافعا بالمواجهة التاريخية بين الخصمين من الاقبية والبيوت الى سقف التاريخ :
"لو ان الاصنام صخور صم
حطمها اوهن نبض بين سواعدنا
لكن هي اشباح في اجفان قلوب عمي
فلينظر كل منكم في جفني قلبه
وليسأله عن اصنام الفتنة بالباطل والرغبة
والخوف،واصنام الذل واصنام الاذعان
واصنام الموت
هربا من قدر الموت"0
،من هنا تبدأ احداث بنية الصراع في"هكذا تكلم الحسين" لقد تم سرد"قصة الصراع" سردا تاريخيا مطولا بحيث بلغت فصوله اربعا كاملة،ذكرت فيها ادق التفاصيل وجميع ملابسات الاحداث التي رافقت المأساة التاريخية بصورة متسلسلة وبترابط منطقي وزمني مما جعل البناء العام يميل صوب بناء "الملحمة الشعرية"
وليس هنالك من تعارض وتقاطع بين الدرامية والملحمية خاصة اذا كان الموضوع المطروح يتناول سيرة بطل مأساوي من ابطال التاريخ" المبدأ الملحمي والمبدأ الشعري يمتزجان الواحد مع الاخر تعبيريا وموضوعيا،كما هو الحال في الاحداث والمشاكل ،هذا الامتزاج سيبرر وجوده بهذه الدرجة او تلك بالنسبة للمشاركة الصراعية في الفعل لبطل معروف" 60
يبرز هذا التكامل بين الدرامية،والملحمية الشعرية في جميع فصول المأساة ويأخذ وضعا اكثر سطوعا وتأثيرا في الفصل الاخير حيث" قصة الشهادة"،فكان هنالك تلاحم بين احتدام الفعل وعنفه"الموت" وبين دفق الغنائية وتوهجها وهي ترصد وتقييم ذلك الفعل :
"رفاقي ارسول الله قد خلعوا ثياب رفاتهم
عبروا بحار الشوق خمصانا وظمآنين
الا فاسق العطاش فأنهم ضيفك
لقد عب الفرات دماءهم عبا
ولم تلمس حلاوته جذور العلقم المغروس في الافواه
لقد سلبوهم حتى القبور فليس الريح اكفانا
وغير الدمع اجداثا
وكيف بكاء من جفت مناهله
وبات هشيمه كسفا يلوك رمادها الظمأ
الا فاسق العطاش فأنهم ضيفك"0
وبالرغم من الاطالة في النص والتي اريد منها استخلاص العبرة والنتائج من ثنايا التفاصيل هذه الاطالةاو" الملحمية الشعرية" لم تخل بالايقاع الدرامي،فقد حافظ النص على اتساق بين طول الفصول والمشاهد،المشاهد ايضا كانت متسقة في حجمها وترتيبها من الحدث"الاطار والصراع" ،وهنالك انسجام هارموني شديد في قياس وتقويم اهمية ومقدارمشاركة الشخصيات في الصراع،فليس هنالك من شخصية تحركت على مسرح النص الا وكانت مهمة فاعلة ونابضة بالحياة والفعل0
ففي قصة الاطارجاءت شخصيتي،جعدة بنت الاشعث،"قاتلة الحسن" ويزيد بن معاوية" قاتل الحسين" وقد ذكرت شخصية جعدة في الاحداث ،وجعلت وكأنها عشيقة ليزيد بعد ان دست السم للحسن بأشارة من معاوية،تم استدعائها من دون استناد تاريخي ليؤكد من خلالها الكاتب حقيقة تاريخية مهمة،وهي ان جريمة قتل الامام الحسين هي امتداد لجريمة سبقتها وهي جريمة اغتيال الامام الحسن وكلاهما مثلا حقيقة دينية واخلاقية واحدة،وان صوت الحسن باق في ساحة الصراع وان تم خنقه سريعا،فكان التناظر والتناسب بين شخصيتي جعدة ويزيد شاهدا على الجريمتين،وموضحا بحوار مكثف وبفعل مؤثر خوالج القتلة،وحجم التشويه في انفسهم0
في قصة الصراع ذكرت العديد من الشخصيات،وقدمت بشكل متناظر بين الايجابية والسلبية "فوضعت شخصية مسلم بن عقيل بالتناظر مع عبيد الله بن زياد وكشف الفرق بينهما،وشخصية"الحربن يزيد الرياحي في مقابل عمربن سعد ،ووضع هانئ بن عروة بمقابل ابن الحجاج،كل من هذه الشخصيات ادى دوره الدرامي بموازاة دوره التاريخي،وقدم دعواه وحججه ومبرراته وترك للمتلقي الحكم والتعاطف مع ايهما يشاء0
ويبقى السؤال ماهي نهاية الصراع بين التيارين الانفين،واي منهما كان له الغلبة والبقاء
تنتهي قصة الاطار،نهاية متوقعة حيث تأمر زبانية النار التي كانت تحيط ب"ابي سفيان وهند ومعاوية" وتشهد على ردود افعالهم وهم يعتلون المسرح ويرقبون قصة الصراع "المأساة"،تهجم الزبانية على الثلاثة وتطوقهم بالنار الابدية:
"لتكن اللعنة نارا تتلظى
تزداد اذا غدت الامة ظل وثن
يخدعها بالكلمات وتخدعه بالطاعة
ويقدمها للأعداء لقيمات
تلفحها الاضراس وتطحنها الانفاس
في كل زمان ومكان
ينبت طينهما الاوثان"0
غيران قصة "الصراع"غير واضحة النهاية،ولم يتبين فيها على وجه الدقة لاي من التيارين كان له الحضور الأوفى على ساحة التاريخ "اسلام الدولة ام دولة الاسلام"
فبعد استشهاد الحسين،كان هنالك بعض المشاهد الختامية،اخرها مشهد يدور في الكوفة بعد عامين من المأساة يظهر فيه عبيد الله بن زياد وهو يتجول في سجون العلويين،وهناك يرى المختارالمثقفي:
ابن زياد: رجل هذا ام صندوق مغلق
الحراس:هوصندوق مغلق
لكن ليس به شئ غيرهواء
ابن زياد: فأنتبهوا حتى لاتخرج منه افاع سود
تنهش باب السجن"0
الاشارة للمختار الثقفي في النهاية فيه استباق لمستقبل الاحداث والتي يكون المختار فيها يد الانتقام الطولى في الاخذ بألثار من قتلة الحسين،غير ان الخاتمة التي توقفت عند سجون العلويين فيها دلالة واضحة على استمرار قوة تيار السلطة"اسلام الدولة"،وان حدثت ثورات وانتفاضات
بين الحين والاخر دفعت بتيار"دولة الاسلام"الى الامام بتضحيا ت الثائرين ونبراسهم الحسين0

البنية الشعرية:
لاشك ان الفصل بين البنية الدرامية والبنية الشعرية هو فصل افتراضي الغاية منه الفحص والتدقيق ،فكلاهما"الشعر والدراما"صمامان لقلب واحد يطلق عليه"الدراما الشعرية" او"المسرحية الشعرية"0 ذلك الجنس المتشابك بجذوره وتفرعاته مع واجناس اخرى0
وتعد المسرحية الشعرية الحديثة،والتي ظهرت في ستينييا ت القرن المنصرم واستجابت بشكل كبير لمتغيرات الثقافة والفكر في ذلك الوقت،واضحت جزءا من مشهد ادبي وابداعي بالامكان ان نصفه بأنه محتدم وصدامي وغير محايد ،هذا المشهد الذي اثثته "قصيدة التفعيلة" بشكل اساس بصعودها المدوي الى قمة الهرم الادبي بأجتراحاتها الاسلوبية ومرجعياتها الثقافية وما وفرته من حرية وانسيابية في ايجاد مساحة لتلاقي الاجناس0 اذن بالامكان قراءة البناء الشعري لنص"هكذا تكلم الحسين" في ضوء تجربة الشعر الستيني"الشعر الحر" والذي وجد في المأساة التاريخية وسيرالثوارمادة ومتنفسا للتعبيرعن طاقة شعرية وفكرية توصف بأنها محتدمة وصدامية وساخطة ،خاصة في الاعوام التي تلت هزيمة 1967 0
لقد كانت واقعة الطف بمثابة معادل موضوعي لعصرجديد يبحث ابناءه عن بطل اسطوري وجذوة ثورية تحرك الساكن والراكد في مجتمعاتهم0
وهكذا جاءت بنية الشعر"محتدمة وساخطه ومنحازة بشكل كبيرلمفاهيم الرفض والخلخلة والتغيير،فنلاحظ شخصيات من مثل معاوية وابي سفيان تدين نفسها بنفسها لتبلغ غاية الرفض والادانة للواقع وكذلك شخصية جعدة بنت الاشعث فهي تقول مخاطبة معاوية
"اانا الافعى
فأعلم اني لاارجع عن لدغ يزيد
فهو يغوص الى لذته في لجة جسده
وانا منذ نزعت جذور الورد الذهبي
من طين حياتي
وانا عارية لاتسترني غير رقاع ذبولي
انظر هاهي مأساتك تركض فوق الارض
كي تبلغ فينا غايتها"0
يبرز الاحتدام في هذا المقتبس من خلال تدفق اسلوبي تبادل المحسوسات والاستعارة،الا انه احتدام مقصود لذاته ولم يعرف ان كانت هذه لغة الشخصية ام لغة السارد؟
واحيانا يحيلنا الاحتدام مباشرة الى الشخصية وليس الى تصور السارد عنها كالمثال السابق
فيزيد بن معاوية المعروف بمجاهرته بالفسق يقول متهكما:
"فسأثمل من كأس الثغر الاحوى
وانام على غفوة من اهوى
فأذا اذن شيطان صلاتي
اهرقت دم العنقود على اشلاء طهارتنا
وصببت وضوء نجاستنا"0
نلحظ كيف استخدمت لغة التضاد بين الشيطان والصلاة ودع العنقود والطهارة والوضوء والنجاسة،لتشيع اجواء من الرفض والسخط على هذه الشخصية من قبل المتلقي0
وقد يكون السخط والرفض والاحتدام مقتبسا من النص التاريخي ذاته فالحسين يقول لاصحابه:
"لن نرجع حتى تنهشنا ذؤبان الفلوات
وتمزقنا اظفار الجلادين
فليسرع بعد الشقة خلف خطانا
حتى لاتهوي جذوتنا في ظلمات الحيرة
وبأنفسنا نور يجري مجرى الدم"
ويقول ايضا:
"انبايع مفتونا سرفا تشربه الخمر ليل نهار
وعبير نبؤتنا ملء الافاق
وحروف القران باعيننا وارفة خضراء"0
هنا لغة الاقتباس اوالتضمين من النصوص التاريخية قد اعطت المقاطع دفقا شاعريا مكثفا من خلال حوار لغة الشعر مع لغة المأثور،الحوار الخصب المتنامي الذي يتذوقه المتلقي وهويقارن بين قول الامام الحسين"يزيد شارب خمر وقاتل النفس المحترمة" وقول العفيفي" تشربه الخمر ليل نهار" حيث تم نقل العبارة من الحقيقة الى المجازفأزداد ايقاعها احتداما وتأثيرها عمقا0
هذه الشواهد تؤكد على ان البنية الشعرية للنص كانت بمثابة ملحمة شعرية مطولة اريد لها ان تكون شاهدة على عصر مأزوم ومحتدم وقد اتخذت من مأساة الحسين معادلا موضوعيا لهذا العصر0

الهوامش:
1- هكذا تكلم الحسين/محمد العفيفي/الطبعة الاولى/بيروت/لبنان 1969
2- لم اعثر في المصادر ولا الشبكة المعلوماتية عن ترجمة للمؤلف/هنالك عدة كتاب مصريين بهذا الاسم منهم الشاعر محمد عفيفي مطر،والكاتب الساخر محمد عفيفي،والمرجح ان كاتب النص غيرهما ويبدو انه كان مقيما في دولة الكويت،
3-ينظر الشاعر العربي الحديث مسرحيا/محسن اطيمش/ص303دار الشؤون الثقافية العامة1978/
4- ينظر مسرح محمد علي الخفاجي الشعري/عالية خليل ابراهيم/مبحث الطقس والاحتفال الشعبي/ص47
5-التقديم للنص بقلم/علي الكوراني/ص5
6- نظرية الدراما/سينثيا/ترجمة نور الدين فارس/ص16
دار الشؤون الثقافية العامة/2009



#عالية_خليل_ابراهيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسلسل {ضياع في حفر الباطن}الوثائقية خطوة نحو الدرامية
- سيناريو المطر والرصاص / تفاعل القصيدة مع الفنون السمعبصرية و ...
- اطلاله على مدونات السجناء -حاكم محمد حسين انموذجا-
- تراتيل الزمن الجميل الزمكانية الفلكلورية في قصة -أنين الضفدع ...


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عالية خليل ابراهيم - من نصوص المسرح الحسيني الخالدة: -هكذا تكلم الحسين- للكاتب المصري محمد العفيفي