حسن عجمي
الحوار المتمدن-العدد: 4454 - 2014 / 5 / 15 - 22:43
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الكون نظام تواصلي. فكل نظام فيزيائي ليس سوى نظام تواصلي يُرسِل معلومات معينة إلى أنظمة فيزيائية أخرى , و بذلك يتبادل المعلومات معها فتتواصل الظواهر و الحقائق و الأحداث الطبيعية. كل نظام هو نظام تواصلي فقط في حال أنه يُرسِل معلومات إلى أنظمة فيزيائية أخرى. لكن الكون بظواهره و حقائقه كافة يُرسِل و يتبادل المعلومات مع الظواهر الطبيعية المختلفة. من هنا , الكون نظام تواصلي يُرسِل معلومات متنوعة فيتصرف تماماً كاللغة المُستخدَمة من قبل البشر. لذا للكون لغة يتكلم من خلالها , و هذه اللغة تتكوّن من رسائل الكون المُرسلَة و المتبادلة بين ظواهره.
يختلف العلماء حول كيفية تحليل الكون و فهمه. يعتبر بعض العلماء أن الكون عزف موسيقي. فمثلا ً , الفيزيائي ميشيو كاكو يعتمد على نظرية الأوتار العلمية كي يستنتج أن العالم ليس سوى سمفونية موسيقية. بالنسبة إلى نظرية الأوتار , يتكوّن الكون من أوتار و أنغامها. و مع اختلاف ذبذبات الأوتار تختلف جُسيمات الكون و طاقاته. و بذلك الكون ليس سوى عزف على الأوتار ( Jennifer Thompson and Michio Kaku : Beyond Einstein. 1995. Anchor Books .( أما علماء آخرون فيؤكدون على أن الكون كمبيوتر متطوّر. فمثلا ً , الفيزيائي لي سمولن يقول إن الكون يتشكّل من تدفق المعلومات و تبادلها. و بذلك يتصرف الكون تماماً كالكمبيوتر المتطوّر ما يشير بقوة إلى أن العالم كمبيوتر يحسب المعلومات و يتبادلها. بالنسبة إلى سمولن , أحداث الكون مجرد عمليات معلوماتية حسابية بينما العلاقات السببية ليست سوى تدفق للمعلومات من حدث إلى آخر ( Lee Smolin : Three Roads to Quantum Gravity. 2001. Basic Books (.
لكن عالِم الكوزمولوجيا مارتن ريز يرى أن الكون كائن حي. بالنسبة إليه , يتطور الكون بكافة نجومه و مجراته و يزداد في التغير و التعقيد تماماً كما يحدث للكائنات الحية التي تولد و تنمو. و يتبنى الفيزيائي سمولن هذا النموذج أيضاً فيصف الكون من خلال مفاهيم التوالد و الوراثة و الانتقاء الطبيعي كما يُوصَف الكائن الحي. بالنسبة إلى هذا النموذج العلمي , تولد أكوان جديدة في الثقوب السوداء. و هذه الأكوان تحتفظ بذكريات قوانين الطبيعة القائمة في الكون الأم. من هنا , يوجد نوع من الوراثة يحكم الكون و توالد الأكوان الممكنة. و الأكوان التي تملك ثقوباً سوداء أكثر هي التي ستوجد بأعداد أكبر لمقدرتها على إنجاب أكوان عدة. هكذا الانتقاء الطبيعي الذي يحكم عالم الأحياء يحكم الكون و الوجود أيضاً ( Martin Rees : Our Cosmic Habitat. 2003. Princeton University Press & Lee Smolin : Three Roads to Quantum Gravity (.
الآن , لماذا كل هذه النماذج العلمية ناجحة إلى أقصى حد في دراسة الكون رغم اختلافها و تعارضها ؟ يكمن الجواب في كون الكون ليس سوى نظام تواصلي. فبما أن الكون نظام تواصلي , و علماً بأن العزف الموسيقي و الكمبيوترات المتطوّرة و الكائنات الحية ليست سوى أنظمة تواصلية , إذن من الطبيعي أن تنجح النماذج العلمية السابقة في وصف الكون و تفسيره على أنه عزف موسيقي و كمبيوتر متطوّر و كائن حي. فالعزف الموسيقي نظام تواصلي يتواصل مع المُستمِع من خلال إرسال رسائل صوتية , و الكمبيوتر نظام تواصلي أيضاً بحيث يتواصل معنا من خلال إرساله للمعلومات و تبادلها تماماً كما أن الكائن الحي هو نظام تواصلي لكونه يُرسِل و يتبادل المعلومات المتوارثة في جيناته. على هذا الأساس , من الممكن بنجاح وصف الكون و تفسيره على أنه سمفونية موسيقية و كمبيوتر متطوّر و كائن حي لأن الكون نظام تواصلي تماماً كالموسيقى و الكمبيوتر و الكائنات الحية. من هنا , تكتسب نظرية أن الكون نظام تواصلي قدرات تفسيرية قيّمة ما يدل على صدقها.
بما أن الكون نظام تواصلي , إذن من المتوقع أن يتواصل من خلال إرسال معلومات من أجزائه المختلفة إلى أجزائه الأخرى. و هذا ما يفعل الكون باستمرار. مثلا ً , يتواصل الكون معنا من خلال إرسال معلومات متنوعة و عديدة منها إرسال معلومة أن الجُسيم كالإلكترون هو جُسيم و موجة في آن كما تؤكد نظرية ميكانيكا الكم العلمية. و يُرسِل الكون المعلومات العلمية الصحيحة إلى عقولنا بشكل دائم كإرساله معلومة أن الجاذبية ليست سوى إنحناء الزمكان ( جمع الزمان و المكان ). كما أن النجوم ترسل معلومات من خلال ضوئها فيستنتج العلماء مما تتكوّن و كم تبعد عنا. من هنا , النجوم أيضاً أنظمة تواصلية تعبِّر عن ذواتها و صفاتها. فلا وجود من دون تعبير و رسالة و تواصل. كل ظاهرة تتواصل من خلال معلوماتها التي تتحدّث عن صفات الظاهرة نفسها و إمكانية التفاعل معها. مثل ذلك أن الزهرة ترسِل معلومة أساسية إلى محيطها تتشكّل من رائحتها فتعيِّن كيفية التفاعل معها كأن يزرعها الإنسان و يحافظ على بقاء نوعها بسبب طيب رائحتها. و في الوقت نفسه ترسِل الزهرة رسالتها المتكوّنة من رائحتها الطيبة إلى الحشرات كالنحل لكي تأخذ منها رحيقها و تنثره في حقول أخرى ما يضمن استمرارية وجود الأزهار. هكذا الظواهر الطبيعية ليست سوى أنظمة تواصلية تخبر عن ذواتها و صفاتها لكي تبقى في الوجود بفضل ما ترسِل من معلومات مفيدة لها و لكائنات أخرى.
الكون معلومات مُرسَلة و معلومات متلقاة. و بذلك المعرفة ممكنة. كل نظام فيزيائي هو نظام معلوماتي و يتشكّل على ضوء معلوماته كما يُعبِّر العديد من الفيزيائيين كالفيزيائي جون ويلر. و بما أن كل نظام فيزيائي يتكوّن من معلومات , و بما أن أي نظام معلوماتي هو نظام تواصلي لأن لا معلومات من دون تواصل و لا تواصل من دون معلومات , إذن كل نظام فيزيائي نظام تواصلي. لذا الكون كله ليس سوى عمليات تواصل تنتِج المعلومات و تتبادلها. و لا معلومات من دون تواصل لأننا لا نستطيع بحق إعتبار أن هذا الشيء أو ذاك يحتوي على معلومات في حال أنه لا يُرسِل معلومات أصلا ً. و لا تواصل من دون معلومات لأن التواصل هو عملية إرسال معلومات و تلقيها. الوجود تواصل مستمر ؛ فلا موجود بلا معلومات و بلا تواصل. و عندما لا تتواصل بعض الموجودات كالثقوب السوداء التي تبتلع المعلومات و لا ترسِلها حينئذ ٍ ترسِل معلومة أن لا معلومات لديها. بذلك غياب المعلومات حضور معلومة أن لا معلومات. و غياب التواصل حضور تواصل مفاده أن لا معلومات كي نتواصل. الغياب ليس سوى نوع من أنواع الحضور.
#حسن_عجمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟