قبل 60 سنة: مايو 1954 في ديان بيان فو هزيمة الإمبريالية الفرنسية

سيديرك دوفال

الحوار المتمدن-العدد: 4454 - 2014 / 5 / 15 - 09:00
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    

قبل 60 سنة، يوم 7 مايو من العام 1954، سقط المعسكر الفرنسي المحصن ديان بيان فو، الواقع على الحدود الحالية بين فيتنام ولاوس، تحت هجمات مقاتلي فييت مينه (الرابطة من أجل استقلال فيتنام) التي كان زعيمها الرئيس هو هوشي منه. ووقعت فرنسا في يوليو 1954 اتفاقات جنيف وتخلت عن الهند الصينية، التي ستقسم إلى أربع دو: لاوس وكمبوديا وفيتنامين، شمالية وجنوبية.


كانت أولى القوات الفرنسية وصلت في العام 1862 إلى جنوب فيتنام. وأفضى الغزو الاستعماري، عبر جملة طويلة من المذابح في العام 1887، إلى خلق الهند الصينية (لاوس وكمبوديا وباقي فيتنام). وجرى إرساء إدارة استعمارية بقصد استغلال ثروات البلد. وطرد الفلاحين الفقراء من أراضيهم بفعل عجزهم عن أداء الضريبة ، فاستولى عليها المعمرون: في سنوات 1920 ، كان 700 من كبار ملاك الأراضي يسيطرون على ربع مساحة البلد. بعد تشريدهم، ذهب الفلاحون للعمل في أسوأ الظروف - 12 إلى 14 ساعة يوميا في بعض الأحيان - في المناجم والمزارع (الفحم والقصدير و الزنك والشاي و القهوة). و في العام 1924 ، بدأت عائلة ميشلان زراعة غابات " شجرة المطاط " ، حيث كان يعرق الآلاف من العمال دما وماءً لجعل ميشلان تروستا عالميا.

النضال ضد لاستعمار

بوصول القوات الفرنسية ، اندلعت حركات تمرد. شهدت "مهمة فرنسا الحضارية" المزعومة إرساء دولة بوليسية. وفي العام 1917 تم خلق شرطة سياسية حقيقية، الأمن العام الهند الصيني، الذي عذب - تم استخدام التعذيب بالكهرباء منذ العام 1930 - وسجن آلاف المناضلين في السجون مثل بولو كوندور Poulo Condor : سنتا سجن بتهمة توزيع منشور، تسع سنوات لاشهاره لافتة مطالبة بالاستقلال. وقد ندد الصحافي أندريه فيوليس في كتابه "النجدة للهند الصينية " بالقمع البوليسي الذي بات نظام حكم .

في العام 1930، أسس هوشي منه الحزب الشيوعي الهند الصيني ، الذي سرعان ما أصبح منظمة مؤثرة. وفيما كان الحزب ينتسب إلى الشيوعية، ويناضل من أجل الاستقلال و الإصلاح الزراعي ، انتهج في الواقع سياسة قومية برجوازية، تلك التي فرضتها الأممية الثالثة الستالينية على الأحزاب الشيوعية بالبلدان المستعمرة. ولم تدافع تلك الأحزاب،بفعل تكونها في المدرسة الستالينية، عن الأممية البروليتارية؛ بل سعت سياستها إلى خلق جبهات وطنية مفترضٌ أن تكون أشد فعالية في بتوحيد الأمة الفيتنامية قاطبة ضد الاستعمار.

في العام 1941 ،حيث اجتاحت الامبريالية اليابانية البلد، أسس الحزب الشيوعي للهند الصينية الرابطة من أجل استقلال فيتنام ( فييت منه )، وحفز تأسيس رابطات أخرى في كمبوديا ولاوس. وفي العام 1945 ، أتاحت هزيمة اليابانيين لهوشي منه إعلان قيام جمهورية الفيتنام المستقلة. لكن الحلفاء أرسلوا، خوفا من الفراغ السياسي التالي لرحيل اليابانيين، قوات صينية و بريطانية لإعادة الحكم الاستعماري في سايغون و هانوي وتمهيد طريق عودة الإدارة الفرنسية . آنذاك شرع هوشي منه في مفاوضات مع الحكومة الفرنسية ، و وقع معها في العام 1946 اتفاقات فونتينبلو Fontainebleau ، التي منحت جمهورية فيتنام وضع دولة- زائفة في الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية المعاد تشكيلها، الاتحاد الفرنسي.

وكان هذا تنازل الفييت مينه السياسي مرفوقا بقمع شرس ضد معارضي سياسته المتمثلة في الجبهة الوطنية، لا سيما التروتسكيين الفيتناميين و مناضلي مجموعات النضال والرابطة الشيوعية الأممية. كان هؤلاء يقترحون سياسة مرتكزة على تعبئة الفلاحين والعمال، الذين شرعوا يحتلون الأراضي و المصانع في جنوب فيتنام. لم يتردد الستالينيون في استعمال الافتراءات والضربو حتى القتل ، بما في ذلك الزعيم التروتسكي تا تو تاو في عام 1946.

حرب الهند الصينية الأولى

إذا كان هوشي منه ميالا لتقديم كل التنازلات ، فلم يكن بنية الاستعمار الفرنسي تقديم أي تنازل لاسترداد "لؤلؤة " إمبراطوريته. في نونبر العام 1946، قصفت البحرية الفرنسية ميناء هايفونغ ، ما خلف 6000 قتيلا. بدأت الحرب الهند الصينية ، حيث تمكنت الفييت منه من الاعتماد على تعبئة الفلاحين المناضلين من أجل الدفاع عن أراض وزعت أثناء تنفيذ الإصلاح الزراعي بـ" المناطق المحررة " ، بطريقة محدودة في البدء ثم بشكل جذري منذ العام 1953. كما استفاد الفييت منمن مساعدة من الصين التي استولى فيها الحزب الشيوعي لماو تسي تونغ على السلطة في العام 1949. وعشية ديان بيان فو ، تمكن الفييت منه من مواجهة الحملة العسكرية الفرنسية بجيش حقيقي بقيادة الجنرال جياب ، الذي كان يسيطر على جزء كبير من الأراضي، ووحدها المدن الكبيرة بقيت تحت السيطرة الفرنسية.

ديان بيان فو

سعيا إلى استعادة التحكم بالوضع العسكري، أرادت هيئة الأركان العامة الفرنسية إجبار فييت على معركة حاسمة في ديان بيان فو. في معسكر محصن في منطقة جبلية نائية ، أعدت الأركان العامة 10000 جندي فرنسي ، مدعومين جوا، لـ"تحطيم" هجمات فييت منه و" استنزاف" جيشه. لكن الأمور جرت مجرى آخر، إذ بفضل تعبئة 50000 من الجنود الفيتناميين و وبوجه خاص بتعبئة زهاء 260000 متطوعا أمّنوا تموين جيش جياب وتسليحه. جرى نقل مدافع ومعدات دفاع مضادة للطيران أكثر من 400 كيلومترا ، بشاحنات عند وجود طرق، أو سيرا على الأقدام أو بدراجات هوائية على طول مسالك محفورة بمنحدرات الجبال. وبجهود تفوق طاقة البشر، تمكنت مدفعيات الفييت منه المضادة للطائرات من قصف مدارج الطائرات التي حطت بها في عز المعركة 200 طائرة يوميا لتموين المعسكر. فابطل مفعول الطيران الفرنسي. وانطلق الهجوم يوم 13 مارس 1954 و يوم 7 مايو، بعد 55 يوما من القتال الضاري، سقطت ديان بيان فو. حصل ما لا يخطر على بال ، إذ إنهزم جيش قوة إمبريالية حديث على يد جيش فلاحين الفقراء باتت قوتهم لا تقهر لأن شعور الدفاع عن أرضهم و حريته يغمرهم.

واليوم

اليوم ، جرى توحيد فيتنام تحت اسم جمهورية فيتنام الاشتراكية. بلد تضاعف عدد سكانه منذ عام 1954 ، ليبلغ 90 مليون فيتنامي، 30 ٪ تقل أعمارهم عن 15 عاما. يقول قادته أنهم بصدد بناء الاشتراكية والتقدم نحو الشيوعية ، ولا تزال صور ماركس ولينين تزين منابر مؤتمرات الحزب الشيوعي. مع ذلك، ليس النظام الذي قام عام 1954 بشمال فيتنام ، وامتد عام 1975 إلى بقية البلد شيوعيا بأي وجه. إنه يعيد إلى أذهان كثيرين صور قوارب الفارين من اليدكتاتورية والبؤس. وكما هو حال جارتها الكبيرة الصين، ترمي البرجوازية الصغيرة الوطنية الحاكمة إلى تطوير البلد لمصلحتها الخاصة.

منذ العام 1986، أدخلت تدابير لبرلة اقتصادية ( سياسة دوا موا - " التجديد " بلغة فيتنام) اقتصاد السوق لحفز رجال الصناعة الغربيين والآسيويين للاستثمار في البلد. وفي العام 1992، سمح بالملكية الخاصة. في العام 1995، انضمت فيتنام إلى الآسيان (الشراكة الاقتصادية لجنوب شرق آسيا )، وإلى المنظمة العالمية للتجارة في العام 2007.

يتحدث كثيرون اليوم عن فيتنام كجنة جديدة ، حيث يجد الرأسماليون يدا عاملة رخيصة، و بنية تحتية واستقرار سياسي مناسب لأعمالهم. يبلغ متوسط الأجور في الصناعة بفيتنام 101 دولار في الشهر، أو أقل من نصف متوسط الأجور بالصين (217 دولار) أو بتايلاند (234) ، ما له دلالة كبيرة بصدد سياسة قادة فيتنام وحالة الطبقة العاملة في بلد تـُعتبر فيه طبقة حاكمة.

انعتقت فيتنام ـ بثمن باهظ ـ من الاحتلال الاستعماري المباشر، لكنها لم تتحرر من قبضة الاقتصاد الامبريالي ، و لا يزال المزارعون و العمال يعانون من الاضطهاد. إن لسياسة القادة الوطنيين، مثل قادة الصين و غيرها من البلدان المجاورة، صلة بذلك. ولكن، قبل كل شيء، تقع على كاهل الاستعمار و الإمبريالية الفرنسية والأمريكية مسؤوليات جسيمة.

سيديرك دوفال

النضال العمالي عدد 2388 لـ9 مايو 2014

تعريب المناضل-ة

#سيديرك_دوفال (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات