أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - أيوب عيسى(بيو) أوغنا - ذكريات عراقية(كركوكلية قديمة)















المزيد.....

ذكريات عراقية(كركوكلية قديمة)


أيوب عيسى(بيو) أوغنا

الحوار المتمدن-العدد: 4452 - 2014 / 5 / 13 - 14:08
المحور: سيرة ذاتية
    


ذكريات عراقية (كركوكلية قديمة )

بعد نشر ( ذكريات قلعة كركوك بأربعة أجزاء) , و(ذكريات عنكاوة / عروسة أربيل / كردستان العراق , بجزئين) , في الحوار المتمدن والأهتمام الذي أبداه الأهل والأقارب والقليل من عاصروا تلك الحقبة الزمنية ( من منتصف أربيعينيات القرن الماضي , ولحد تاريخ اليوم) , رأيت التشجيع اللازم لمواصلة المسيرة وللتذكير بتلك الأيام والأحداث التي أثرت بي وبقيت في ذاكرتي , ومنهم من أثنى علي بتلك الذاكرة القوية لأيام بعيدة محت من ذاكرة من هم أصغر مني سنا و شكروني لأعادتها الى ذاكرتهم , ليس بلأحداث فقط وأنما بالحالة الأجتماعية السائدة في تلك الأيام . والأعجاب ليس بذاكرتي القوية ولكن الذاكرة للسنين الأولى من الطفولة , والتي عادة لايبقى منها شيئا سوا ما أقترنت بأحداث ومشاهد أليمة و صادمة للطفل وهو لم تتكون خلايا دماغه الى بعد سن الخامسة !!..
وسأسرد لكم بعض تلك الحالات التي أنطبعت برأسي الصغير وكأنها نحت على حجر .
حادثة أليمة , لايمكنني أن أزيلها من ذاكرتي وكأنها حدثت بتفاصيلها يوم أمس وأذكرها هنا للمرة الأولى بعد أن عايشتها وأنا طفل صغير لم أتعدى الثلاث سنوات من العمر :-
كان لي أخ أصغر مني أسمه ( فؤاد) , لايتجاوز السنة من العمر, وقد بدأ يزحف قبل أن يتمكن من النهوض والمشي , وكنا كأي عائلة فقيرة يعمل الوالد كعامل بسيط في شركة نفط العراق , ونحن نعيش في غرفة واحدة في بيت في قلعة كركوك , وكالعادة كانت أداة الطبخ هي ( البريموس) التي تعمل بالنفط , موجودة دائما خارج الغرفة في المدخل المفتوح على فناء البيت المتعدد الغرف(عدد3) وبكل غرفة عائلة مثلنا , وبدأت الحادثة بأقتراب (فؤاد ) من البريموس وعليه أبريق الشاي يخمر ( خمري الشاي خمري... كما تقول الأغنية الفولكلورية) على البخار المتصاعد من الأناء (الكتلي) للماء المغلي , وبغفلة تحرك بأتجاهها , و وضع يده الصغيرة على مفتاح البريموس ليحركه , كما كان يلاحظ عملية أشعال اللهب والتحكم بالبمب اليدوي , فلم أشعر سوى بصيحة مدوية من الألم , حيث أنقلب الأبريق والأناء عليه وهو جالس في تجمع للماء المغلي تحته في أرضية غير مستوية , فهرعت أليه وأمسكت به وأنا أصرخ:-
داي دايا فؤاد قدلى / أمي أمي فؤاد أحترق , وحدث ذلك بغفلة قصيرة من الزمن حين دخلت والدتي الغرفة لأخراج الصينية وعليها الخبز واالجبنة , للريوك/ الفطور , ولم تتمكن من أسعافه سوى ترطيب جسمه بالماء , وأتذكر كيف أن والدي حمله فور رجوعه من العمل الى المستوصف
الصغير في الطرف الثاني من الجسر القديم , وهو يهرع وأنا أركض وراؤه , وكل ما تمكن المضمد من عمله هو قطع الجلد المحترق من جسمه بالمقص وكأنه يقطع قطعة من قماش مهتري , وأضافة الحبر على جسمه بدون أية أدوية أو مراهم أخرى للحروق كما نعرفها اليوم , ونظرا لتلك الطريقة البدائية التي ربما أدت الى تسمم جسمه بدلا من علاجه , ولم يدوم أكثر من عدة أيام وفارق الحياة لحروق بسيطة لعدم توفر العناية الطبية والدواء اللازم .
وأتذكر حضور عدد من النسوة للتعزية وكانوا يبدأون بحالة بكاء جماعي , كلما قامت أحداهن برثاء شجي للطفل الصغير( معدودى/ بالسورث) بين الحين والآخر , ويبدوا بأنها كانت متخصصة بذلك وتحضر بدعوة مسبقة لأداء تلك الوظيفة , لتحفيز الحاضرين على البكاء لأن المصاب ليس جللا لأن الأطفال كانوا يموتون لأبسط الأسباب والأمراض ومن الممكن بأنها هي نفسها القابلة( الولادة) , في في دورها المزدوج في الحياة والممات ؟؟!!.
, وبعدها يغادرون وينتهي الحدث الحزين والبقية في حياتكم ...
ولكن الغريب أن ما حدث للشهيد (فؤاد) , أيضا حدث لي في نفس البيت دون أن أتذكره , لولا أن عمي (صليوا) كان يذكرني به , حيث كان لنا وعاء معدني (تانيكا/ بالسورث) يستعمل كخزان للنفط وبه أنبوبة ويدة تستعمل كبمب لتفريغ النفط عند الحاجة , للطبخ وكذلك للفانوس للأضاؤة لعدم توفر الكهرباء , وبتقليد والدتي لتلك العملية , قمت بتفريغ النفط ولكن فوق ملابسي ( الدشداشة ) , بحيث غمر جسمي كاملا , بحيث أصبحت كقنينة المولوتوف , تنتظر شرارة لتنفجر !!؟؟..
ولم يلاحظ أحد ما جرى لي , ولابد وأنه كان مؤلما وربما كنت بحالة بكاء جراء ذلك , ومن حسن الحظ كان عمي (الأخ الوحيد لوالدي ) , في زيارته لنا وهو في طريقه للألتحاق / الدراسة بكلية الزراعة في بغداد وعندما حضر الى البيت أدرك خطورة الموقف , وفورا أخذني الى مستشفى في محطة ( كاي وان ) التابعة لشركة نفط العراق ( الآي بي سي ) وتبعد عشرات الكيلومترات خارج كركوك وتمت معالجتي للحروق في أنحاء جسمي , ولابد وأنهم غسلوا دشداشتي أيضا ؟؟!!..
وكنت أكرر, وقلبي يحترق من النفط كلما أسمع القصة :-
" أين كنت يا عمي عندما أحترق (فؤاد) ؟؟!!.. " .
ولقد سبق وأن فقدنا أثنين أطفال قبل مجيء العائلة من عنكاوة , نتيجة سوء التغذية أو بلأحرى قلة الحليب وكانوا يسمون تلك الحالة من الوفاة :- سكلى/ دسيكا ( بالسورث)/ أي أنغلاق أو أنسداد الجهاز الهضمي , ويواسون , بل يخدعون انفسهم بهذا وكأنه مرض عضال لاشفاء منه , بدلا
من الأعتراف المؤلم بأنه مات من الجوع !!!..
هكذا كانت الحياة صعبة بسبب المجاعة والقحط المستشري لذا كانت الحياة رخيصة وخاصة للأطفال
والحمد لله تمكن من العئلة عدد (9) من (12) , من البقاء على قيد الحياة و ينعمون بالصحة والعمر المديد ( الذي ورثناه من جدي توفى بعمر 113 سنة , و والدي توفى بعمر 103 سنة )
رحمة الله عليهم .
ونظرا لأن هذه الذكريات هي بمثابة سيرة ذاتية , فأنني سأفصح , وسأفضح نفسي ( ولأول مرة) , بحالة حب عذري أتذكره جيدا وبالتفصيل وبلأسماء , وأطلب من تلك الطفلة وهي الآن تناهز السبعين عاما , أن تغفر لي الحديث عن تلك الواقعة , وربما لاتصدقون بأنني كنت في عمر حوالي سنتين ونصف , ويمكن لأخواني وأخواتي الأكبر مني أن يستشهدوا بالوقائع والتاريخ ( أن كانت ذاكرتهم لاتخونهم ) !!؟؟..
كنا كما ذكرت نعيش في نفس البيت الذي أنتحر فيه (فؤاد) , يتكون من ثلاثة غرف لثلاثة عوائل في الغرفة الوسطى العائلة كانت من عنكاوة , وأتذكر جيدا أبنهم (نجيب) , وأبنتهم ( نجيبة) وكانو أكبر مني بسنة واحدة أو سنتين , ولقد كان أخوهم الكبير يقص علينا القصص ونحن جميعا نجلس حول المنقل والفحم يتلالأ , نتدفأ من برودة الليالي ونتسامر حيث لم تتوفر لا كهرباء ولاجهاز راديو ومن غريب الصدف أن ألتقي (بنجيب) و(نجيبة) في مدينة ديترويت الآمريكية لأول مرة منتصف ثمانينيات القرن الماضي , وتذكرتهم من الأسماء التي تعلقت بذاكرتي , وتشاركنا ( أو بلأحرى ذكرتهم ) في سرد تلك الذكريات بعد مرورأكثر من (40) سنة من حدوثها !!!..
ولنرجع الى غراميات الطفولة , أنا والطفلة التي كانت بعمري وأسمها (ليلى) وكانوا يسكنون في الغرفة الأخرى من البيت , و كنا نلعب على السطح الصغير فوق سقفية الحمام والمرحاض
( الجيشمة) بالقرب من باب الحوش/ الفناء , حيث كان موقع المرحاض بالقرب من بوابة البيت بعيدا عن الغرف وعن رائحة المرحاض الشرقي( بدون سيفون مائي طبعا) وأيضا كان الحمام بجانب المرحاض وبقربه حنفية واحدة للماء لأستعمال الجميع .
ولا أدري ما الذي أوحى لنا بأن نبدأ بكشف الدشداشة والفستان (وكنا بدون ملابس داخلية كالعادة في ذلك العمر) , و نستكشف بيننا الذكر من الأنثى ونقارن ماهو لي وماهو ليس لها , من الزيادة والنقصان وبلأمعان في النظر والملامسة , و نحن مستمتعين بتلك المشاهد دون الأهتمام بما حولنا , الى حين أكتشاف أمرنا من قبل أخواتنا الأكبر سنا والأعلم بخبايا الأمور, وفجأة بدأت صيحات الأستنكار والأستهزاء :- هويا هويا !!!.., وكأننا منغمسين في عمل المنكر وكأنها الفاحشة مكتملة الأركان .
نعم لولا حادثة الهرج والمرج والشعوربالفضيحة لما تعلقت تلك الحادثة في ذاكرتي من ذلك الحين
وبتفاصيلها ليومنا هذا !!؟؟..
ويجدر بي أن أشكر أختها الكبيرة ( آنجيل) لتهيأة الظروف لأنقاذ حياتي ,حيث, وقع بغرامها عمي وكما تذكر أختي الكبيرة حيث كانت صديقتها , بأنها كانت رائعة الجمال بشعر أشقر فاتح , كما كانت أمها أيضا , وبدون أدنى شك أختها الصغيرة (معشوقتي ليلى) كذلك !!!..
لذا زادت مناسبات زيارته لنا ومن المؤكد بسببها ( وكما يقول المثل بحجة البيبي تأكل الماما) ولكن كونه في بداية فصول دراسته في كلية الزراعة , ربما لم يفصح لها بحبه ( كما فعلت أنا بأختها ليلى)
ويشرفني أن أشترك بعشق (ليلى) , مع مشاهير الشعراء ( قيس ونزار القباني) , ويذكر التاريخ بأن كلا من والدي (ليلى) لم يوافق على زواجهما , فهام على وجهه قيس وأصبح مجنونا في عشقه لها , أما نزار القباني , فكان بحاجة لوساطة صدام حسين ليتدخل بنفسه وتم زواجهما الأسطوري !!..
:- يقولون ليلى في العراق مريضة فيا ليت كنت الطبيب المداوي

, ولولا تلك الزيارات الأضافية , لما صادف وجوده في حادثة عملية صناعة المولوتوف البشري , وأنقاذي من الموت , كما مات أخي (فؤاد) , وربما قلة الحيلة والخبرة من والدي لم يقدم على أخذه الى مستشفى (كاي وان) , وربما لم يقدر خطورة الأصابة ونتيجتها الكارثية ؟؟!!..
ومن غريب الأقدار , فأن الأخ الصغير لمعشوقتي ( ليلى) , وأسمه يبدأ ( بالفاء) , تزوج من أبنة أختي الكبيرة ( صديقة آنجيل) , وقابلته لأول مرة في عنكاوة بمناسبة حفلة زواج أبن أخي الكبير , ولم أصدق نفسي بأنني أقف أمام تاريخ طفولتي , وأستعيد تلك الذكرى الجميلة والخالدة في ذاكرتي , وبدون مقدمات وبصورة تلقائية سألته عن أخته (ليلى) , وفرحت بأنها حية ترزق مع أبناؤها وأحفادها في كركوك , ولم أبلغه عن أيصال تحياتي وسلامي ( وحبي !!..) لها , لأنها بدون أدنى شك لاتتذكر شيئا عن (مجنون أيوب) بها منذ عهد الطفولة اليانعة , ولعنت ذاكرتي القوية التي
سجلت أيضا أحداث مؤلمة سحيقة في القدم , وأحداث مفرحة وحلوة , سوف أحتفظ لنفسي أحداث أخرى دون الأفصاح عنها لأحد , ومن يدري ربما يصل بي العمر الى أرذله وأفصح عنها بعد التأكد من غياب ومغادرة الآخر هذه الحياة , لأن سرد تلك الذكريات ربما هو واجبي لأولادي وأحفادي و لهم الحق بمعرفتها للتعرف على شخصيتي وسيرة حياتي كقسم من الميراث الذي يتقاسموه وعسى
أن يترك أبتسامة على وجوههم ويتعلموا أو يأخذوا عبرة منها .

يتبع .... ولو الى حين .

أيوب عيسى (بيو) أوغنا



#أيوب_عيسى(بيو)_أوغنا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- جعلها تركض داخل الطائرة.. شاهد كيف فاجأ طيار مضيفة أمام الرك ...
- احتجاجات مع بدء مدينة البندقية في فرض رسوم دخول على زوار الي ...
- هذا ما قاله أطفال غزة دعمًا لطلاب الجامعات الأمريكية المتضام ...
- الخارجية الأمريكية: تصريحات نتنياهو عن مظاهرات الجامعات ليست ...
- استخدمتها في الهجوم على إسرائيل.. إيران تعرض عددًا من صواريخ ...
- -رص- - مبادرة مجتمع يمني يقاسي لرصف طريق جبلية من ركام الحرب ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تسعى إلى حرب باردة جديدة
- روسيا تطور رادارات لاكتشاف المسيرات على ارتفاعات منخفضة
- رافائيل كوريا يُدعِم نشاطَ لجنة تدقيق الدِّيون الأكوادورية
- هل يتجه العراق لانتخابات تشريعية مبكرة؟


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - أيوب عيسى(بيو) أوغنا - ذكريات عراقية(كركوكلية قديمة)