أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - فاطمة الفلاحي - حوار مع المفكر اليساري الأديب نور الدين الخبثاني في- العقلنة والإنعتاق الإنساني - من -بؤرة ضوء-- السادسة عشر والأخيرة















المزيد.....



حوار مع المفكر اليساري الأديب نور الدين الخبثاني في- العقلنة والإنعتاق الإنساني - من -بؤرة ضوء-- السادسة عشر والأخيرة


فاطمة الفلاحي
(Fatima Alfalahi)


الحوار المتمدن-العدد: 4450 - 2014 / 5 / 11 - 14:11
المحور: مقابلات و حوارات
    


حوار مع المفكر اليساري الأديب نور الدين الخبثاني في" العقلنة والإنعتاق الإنساني " من "بؤرة ضوء"

1. "شؤون سياسية "
"تكنوقراط الحكومات "
المعارضة التونسيّة تقضّي " سباتها الشتويّ " ... في الربيع
رياح التحالفات الإنتخابيّة تهب في كلّ الإتجاهات ...حتى غير المتوقّعة منها
جبهات يمينيّة و يساريّة تدخل مناطق الضغط الخفيف ..على بعضا البعض
و إعصار من "الإفلاس و الإنفجارات الإرهابيّة ، "متوقّع" ؟؟؟*1
1. هل تلمسون أن هناك وفاق فكري وسياسي بين المرحلة الإنتقالية الإخيرة و الطبيعة التكنوقراطية للحكومة الحالية ؟

الجواب:
بالإمكان منذ البداية الإشارة إلى أن عمليّة الانتقال السياسي في تونس قد مرّت و لا تزال من تاريخ الإطاحة بالحاكم الدكتاتوريّ , بثلاث مراحل , و هو ما يدلّ بالرغم من إجراء الانتخابات التي أدّت إلى تصعيد التحالف السياسي الذي تقوده "حركة حزب النهضة الإخوانيّ", أنّ موازين القوى بقيت متقاربة, و لم تحقق الحسم النهائيّ في اتجاه تغليب طرف على آخر , سواء كان الائتلاف الحاكم أو المعارضة . و لذلك فإنّ مشروعا سياسيّا واضحا و متكاملا لم يتوصّل إلى فرض نفسه, فكان الحلّ المتمثل في "حكومة التكنوقراط ", بما يفيد من الناحية السياسيّة , الاقتصار على الحد الأدنى المشترك الذي تمّ التوافق حوله بعد جولات عسيرة من الحوار و الضغط , و بعد التضحيات الجسيمة المعروفة و التي من أبرزها اغتيال الشهيدين الوطنيين : شكري بلعيد عن التيار الوطني الديمقراطي و محمد البراهمي عن التيار القومي الناصري. مع العلم أن أرضيّة التوافق المذكور لا تمثل في حد ذاتها برنامجا سياسيا شاملا ومتضمّنا لحلول استراتيجيّة أو تغييرات جذريّة, بقدر ما هو اجتماع حول مجموعة محدودة من النقاط الاجرائيّة و العمليّة حول الأمن و مقاومة الارهاب وإلغاء التعيينات الحزبيّة و ضمان شروط إجراء انتخابات ديمقراطيّة و التدخل الموضعيّ المحدود في في بعض الجوانب الاقتصاديّة و الاجتماعيّة الملحّة و إلغاء المليشيات . كما يجب الإشارة كذلك الى أن تحقق هذا التوافق بين القوى السياسيّة قد جاء بتأثير من ضغوط المجتمع المدني وخصوصا نقابتي العمال و الأعراف و كذلك القوى الأجنبيّة و أساسا الاتحاد الاوروبي و الولايات المتحدة الأمريكيّة .
و عليه فإنّ الوفاق الفكري و السياسي بالمعنى الشامل ليس حاصلا , و أن حكومة التكنوقراط لا تعتبر محايدة بالمعنى الكامل, كما أنها ستظلّ فاقدة للرؤية السياسيّة الواضحة , و ربما هي ليست مطالبة بها باعتبار دورها يقتصر على الالتزام بالنقاط المحددة مسبقا . و بالتالي فالمجال يبقى مفتوحا على احتمالات التعثّر و تزايد فرص التدخلات الخارجيّة .
*
*
2. أَ تُمارس ضغوط سياسية على الحكومة ، مما يوسع الشرخ في تغييب الرؤيا السياسية لتجاوز المرحلة ؟

الجواب :
رغم المطلب المثاليّ- النظريّ لـ "حياديّة حكومة التكنوقراط ", فإنّ الضغوطات السياسيّة التي تخضع لها قويّة و متعدّدة , و مصدرها جميع الأطراف التي كان من المفروض نظريّا , أي طبقا للتعهد الجماعي بالتزام مضمون نقاط خارطة الطريق , أن تكتفي بدور مراقبة الحكومة في مدي تنفيذها للبنود المتفق عليها و التذكير بها و تنبيهها و الضغط عليها في صورة التباطؤ أو الانحراف. إلاّ أن ما يحدث عمليّا هو سعي الأطراف المختلفة كل من ناحيته إلى المحافظة على مكاسبه أو تعزيزها و هذه الأطراف هي :
ــ الائتلاف الحاكم و خصوصا منه حزب حركة النهضة الذي بلغ أثناء ممارسته للحكم أقصى درجات العزلة , و فقد خلال الحوار الوطني إمساكه بالسلطة التنفيذيّة ( الأغلبيّة في الحكومة ) . و هو يعمل حاليّا على ممارسة كلّ الضغوط الممكنة عبر الأغلبيّة التي يملكها في المجلس التأسيسي و ما زرعه في مفاصل الدولة من مسؤولين, من أجل التغطية على فشله و المحافظة على دوره السياسي , مدعما الضغوط بدعاية مغلوطة حول قبوله بالتداول و تخليه الطوعي عن الحكم ؟؟؟
ــ و الطرف الثاني يتمثل في المعارضة التي التقت موضوعيّا في إطار " جبهة الإنقاذ" بكم الأخطار الكبيرة التي أصبحت تتهدّد وجودها ( الاغتيالات ) و تهدد كذلك النمط المجتمعيّ الحداثيّ . لكنها عادت من جديد و بعد توحدها الظرفي , الى التشتت و الانقسام بين اتجاه معتدل و ليبيرالي يقدم الحلول السياسيّة و الثاني راديكالي يركّز على الحلول الاقتصاديّة و الاجتماعيّة ( اقرأ البرنامج المالي البديل ) , هذا بالإضافة الى هاجس الاعداد لكسب الانتخابات القادمة . و هو الأمر الذي أثّر كثيرا بالتشويش و الخلط على الأداء السياسي للمعارضة و جعلها تفقد نسبيّا تأثيرها السابق على توجيه الأحداث .
ــ و طرف ثالث و هو القوى الأجنبيّة و خصوصا منها الولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي ( فرنسا و المانيا أساسا ) . يتدخّل هؤلاء الفاعلين بصفة منهجيّة و متواصلة و ذلك على مستويين اثنين : الأوّل سياسيّ يتمثل في الابقاء على حالة التوازن الهش بين القوى المحليّة لأطول فترة ممكنة لضمان شروط التحكم في تطوراته , يضاف له توجه حديث العهد له علاقة بالتطورات الاقليميّة ( مصر , سوريا ) نحو التقليص من قوّة " الاسلام السياسي " دون التخلي عنه نهائيّا لاستخدامه كورقة ضغط تحول دون تفوق التيارات الديمقراطيّة و التقدميّة ( القوميّة و الاشتراكيّة ) المناهضة في جوهر أطروحاتها للامبرياليّة و التدخلات الأجنبيّة و من ورائها الصهيونيّة . و مستور اقتصادي يمكن تلخيص مضمونه في التالي : المصالح القديمة للدول الأوربيّة في شمال إفريقيا و ضرورة المحافظة عليها , السعي الحثيث للولايات المتحدة من أجل تدعيم ارتكازها الاقتصادي المستحدث في المنطقة و الرهان على استغلال ما تم الإعلان عنه في السنوات الأخيرة من اكتشاف لمدّخرات ضخمة من الموارد الطاقيّة و بالخصوص منها الطبقات الصخريّة لغاز " الشّيست" الممتدّة من وسط البلاد التونسيّة إلى غرب السودان كتواصل جيولوجي للهضبة الافريقيّة ؟؟؟
ــ كما يمكن إضافة أطراف أخرى ثانويّة داخليّة وخارجيّة تتفاوت في تأثيرها حسب الامكانات المتاحة والظروف, كالجزائر التي تحرص على أمن حدودها الشرقيّة الطويلة مع تونس , و بلدان الخليج ( قطر , السعوديّة ) التي دعّمت الاسلاميين و التطرّف السلفي , و هي لا تريد بسقوطهم أن تفقد دورها نهائيّا بعد عودة سياسة مقاومة الإرهاب . أما في الداخل فتبرز منظمات المجتمع المدني التي لعبت دورا أساسيّا في الخروج من الاحتقان السياسي دون أن تجني أيّة مكاسب لا سياسيّة و لاماديّة ...
كلّ هذه الضغوط , بتقاطعاتها و اختلافاتها , تجعل وضوح الرؤية السياسيّة لدى حكومة التكنوقراط مطلبا بعيد المنال , لتبقى الساحة السياسية في تونس مفتوحة أمام تواصل التدخل الخارجي الهادف أساسا إلى الإبقاء على البلاد في دائرة تأثير صندوق النقد الدولي اقتصاديا و في الأفق الليبيرالي سياسيا . إلاّ أن الأمر الإيجابيّ الذي يمكن تأكيده هو قوّة المجتمع المدني التي تعتبر , برغم تعاظم احتمالات الـآمر السياسي , الضمانة الأساسيّة لعدم التراجع و الانتكاس في ما يتعلّق بخيار النمط المجتمعيّ الحداثي .
*
*
من :"لاهوت اليسار" و "الإسلام السياسي "
3. تطرف الأحزاب الإسلامية التي لاتعترف بالديمقراطية ، إلى أين ستأخذ تونس ،لو عادت إلى ناصية الإنتخاب ؟

الجواب :
لعله من الأجدر بنا أولا التذكير بالموقف الإشكالي المعروف الذي تتخذه " الأحزاب الاسلاميّة من الديمقراطيّة - مثلها في ذلك مثل الأحزاب الفاشيّة - و القائل بأنّ : " الديمقراطيّة لا تصلح إلاّ لمرّة واحدة ..." و هي المرّة التي توصلهم هم إلى الحكم . و هو ما شرعت في تنفيذه حركة النهضة في تونس لولا أن سياستها تلك , مع التسرّع في تطبيقها , أدّت بها الى العزلة القاتلة داخليا و خارجيا و إلى المغادرة القسريّة للحكم .
مع العلم أن حركة الاسلام السياسي في تونس ليست تيّارا متجذرا في التاريخ و المجتمع كما يتراءى للكثير و للإسلاميين أنفسهم و ما يريدون الايحاء به من خلال الدعاية المنهجيّة . فحركة " الاتجاه الاسلامي " الذي تفرّعت عنه لاحقا" حركة ألنهضة كحزب يحاكي الطريقة التركيّة بالتقدم كتيّار مدنيّ وذلك طبقا لمخططات مكاتب الدراسات الأمريكيّة ( منذ 2005 ) . بدأ " الاتجاه " نشاطه خلال نهاية السبعينات و بداية الثمانينات من القرن العشرين ( التأسيس 6 جوان 1981 ) كحساسيّة هامشيّة في الأوساط النقابية الطلاّبيّة و العماليّة , باعتبارها المتنفّس الوحيد لكل أطياف المعارضة للتعبير عن مواقفها في مناخ الجر على الحريات المفروض من قبل الحزب الواحد الحاكم . لتتزايد أهميته بعض الشيء من خلال تعامله مع ذات الحزب الحاكم ( الحزب الدستوري آنذاك ) في إطار ضرب المدّ اليساري المتعاظم ( الخطّة المعروفة بسياسة محمد الصياح الأمين العام للحزب الدستوري في عهد بورقيبه ) . ثم بدأت عمليّة ضربهم بعد انتخابات 1989 عندما اعتقدوا أنهم استبعدوا من السلطة بدعوى كسبهم لها (ودون)، أن ننفي عمليّة التزوير الرسميّة فإن المعطيات الحقيقيّة تفيد بأنهم لم يتجاوزا في ما تحصلوا عليه من أصوات نسبة 35 في المائة في واحدة من دوائر جهة الساحل ) . لتنتهي عمليّة ضربهم , و هي التي يعلون من شأنهما في خطابهم الدعائي الراهن باعتبارها مرحلة النضال و التضحية , بمحاكمتهم و انقسامهم بين مجموعة الداخل من الذين سجنوا ( العريض , الجبالي ) أو استكانوا و هادنوا , و مجموعة الخارج و على رأسها زعيم الحركة راشد الغنوشي من الذين اتهموا بالتخاذل و مثلوا الذراع التي راهنت على الربط مع القوى الخارجيّة .
استكملت عمليّة ملاحقتهم في عهد زين العابدين بن على بناء على اتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكيّة في إطار قانون مقاومة الإرهاب على إثر أحداث 11 سبتمبر 2001 . و ذلك حتى تغيّرت السياسة الأمريكيّة سنة 2005 بالتوجه نحو المراهنة على إنتاج " إسلام سياسيّ معتدل"تضرب به في نفس الوقت تطرّف القاعدة على اليمين و نشاط الحركات التقدميّة على اليسار . و منذ ذلك التاريخ انطلق مسلسل الاتصالات السريّة بين قصر قرطاج و لندن بهدف مدّ الجسور , بدءا بالعفو و انتهاء الى التشريك في السلطة عبر صيغة معقّدة لخلافة " بن علي "بالراهنة على تولية صهره " صخر الماطري " أو تقديم "كمال مرجان " رجل الولايات المتحدة الأمريكيّة في الخارجيّة التونسيّة بعد إلزامه بتطبيق الاتفاقات بصيغة مشابهة . و في هذا الإطار يتنزل كذلك اتفاق حركة 18 اكتوبر 20005 ( يا للصدفة ؟؟؟) الذي شاركت فيه حركة النهضة بعض الأحزاب التقدميّة ( الديمقراطي التقدمي و الجمهوري لاحقا و حزب العمال الشيوعي ...) إضراب جوع للمطالبة بالحريات العامة كخطوة أولى للإعلان عن واجهتها المدنيّة .
غير أن مفاهمات خلافة " بن على " بسبب طموحات زوجته و حساباته العائليّة تأخرت في الوصول إلى نتائجها المرجوّة , لتفاجئها انتفاضة الشعب التونسي بين 17 ديسمبر 2010 و 14 جانفي 2014 لتقلب الحسابات الذكورة رأسا على عقب . لكن جابع الانتفاضة العفويّ و غياب استعداد القوى المعارضة الديمقراطيّة للتكتل والتحالف , للتقدم كبديل للقيادة و التجاوز منح الولايات المتحدة التدارك بالعودة إلى إمكانيّة تفعيل المخطط القديم مع بعض التعديلات الضروريّة للتأقلم مع الأوضاع الجديدة ( و يذكر التونسيون و العالم موقف الولايات المتحدة من " الثورة التونسيّة " في شهري فيفري و أفريل : وقوف أعضاء الكونغرس و تصفيقهم لها , و زيارة هيلاري كلينتون مصحوبة بكلب يتشمّم الصحافيين التونسيين قبل الدخول لمقابلتها؟؟؟ ز هو ما تمّ رفضه طبعا ). أفضت المساعي الأمريكيّة الى الدفع بالحكومة المؤقتة الأولى الى الواجهة ( حكومة محمد الغنوشي/ الوزير الأول لحكومة بن علي ) التي كان من اوكد مهامها إقرار العفو التشريعي العام و بالتالي ضمان خروج الاسلاميين من السجن و تأمين عودة المهاجرين منهم . كما تجسّد التأثير الأمريكي في طلّ الحكومة الانتقاليّة الثانية بدعوة كل من "البسي ـ رئيس الحكومة و راشد العنوشي ـ رئيس حركة النهضة لواشنطن للاتفاق على تقاسم للأدوار و التصعيد القادم للإسلاميين للسلطة. و هو ذات السيناريو الذي ألحقت به كلّ من العربيّة السعوديّة و إمارة قطر بالإسناد المالي و السياسي ثم العسكري للإسلام السياسي و بالدعم الإعلامي الحاسم الذي اضطلعت به قناة الجزيرة , هي التي عمدت الى تغليب الصورة الإسلاميّة للانتفاضة التونسيّة و قد بلغ بها التحيّل الإعلامي درجة تركيب صور المظاهرات بإقحام أشخاص ملتحين لا علاقة لهم بالسلام السياسي في الواجهة ( و هو أمر عايشته شخصيّا و أبلغت في شأنه احتجاجا لمدير مكتب قناة الجزيرة في تونس وقتئذ : لطفي الحاجّي ) .
هذا الدعم الخارجي الأمريكي و الخليجي ثم الأوربي , السياسي و المالي الإعلامي , جعل حركة النهضة تستولي على صدارة المشهد السياسي – الذي كان بالأساس نقابي و يساري – حتى قبل كسب الانتخابات , و ذلك بتنظيمها للاجتماعات الاستعراضيّة الضخمة و المتنقّلة و المدفوعة الأجر . و ذلك هو المسار الذي مكنها من كسب الانتخابات بإنفاق المال القطري و تشويه المعارضة العلمانيّة حول قضيّة " الهويّة " و منح الحماية لأزلام النظام السابق و استثمار التحالفات المفروضة من أوروبا - كنصيب من الكعكة - مكوّنين هامشيين من مكوّنات المعارضة الديمقراطيّة و هما حزب المؤتمر الذي تحصل في نصيبه من نتيجة الانتخابات على رئاسة الجمهوريّة و حزب التكتّل الذي عادت له رئاسة المجلس التأسيسي ؟؟؟
و عليه , و انطلاقا من نظرة تراكميّة للأحداث و التطورات و فإنّ الإجابة عن سؤال " عودة الاسلاميين " للسلطة من جديد من عدمه , تجد عناصرها , لتكون إجابة بالنفي النسبي .فعودة الإسلاميين للسلطة سوف لن تكون إلاّ جزئيّة , بمعنى أن الإسلام السياسي سيكون شريكا مؤثّرا لا محدّدا و ذلك للاعتبارات التالية :
ــ لأنّ الإسلاميين فشلوا فشلا ذريعا في أداء الدور الذي كلّفوا به و أهدروا الفرصة التي منحت لهم , بالتسرّع في فرض نفوذهم الفجّ , و بالكشف على نزعتهم الاستبداديّة ( القول بالخلافة السادسة / في إحدى " زلات لسان رئيس حكومتهم حمادي الجبالي ) , و بالخضوع الأعمى إلى الإملاءات الخارجيّة المتضاربة دون قراءة للانتظارات المحليّة , و الإكراهات واقع اجتماعي و ثوريّ هم غرباء عنه فكريّا و سياسيّا .
ــ سقوطهم الإقليميّ و خصوصا في مركز نشأتهم و قوّتهم : مصر , و تواصل اندحارهم في سوريا و تراجع دور حلفائهم الاقليميين : تركيا و دول الخليج , و تخلي القوى العالميّة ( بريطانيا و الولايات المتحدة ) عنهم كورقة رئيسيّة في سياساتهم العربيّة .
ــ الكشف المتواصل عن خياناتهم بالتفريط في سيناء و الجولان للكيان الصهيوني و عن تعميمهم لمظاهر الفساد و المحسوبيّة و إهدارهم للمال العام الذي تصرّفوا فيه بمنطق الغنيمة و الفيء ؟؟؟
و أخيرا يبقى الرجوع الجزئي و المحسوب للإسلاميين كشركاء في الحكم , رهينا للدور المطلوب منهم من قبل رعاتهم الخارجيين ككابح لصعود غير متوقع و غير مرغوب فيه للقوى التقدميّة . و كذلك بعدم رجوع الأحزاب الديمقراطيّة إلى ارتكاب خطيئتها الأولى بالعودة ثانية إلى خوض الانتخابات مشتته و بدعوى اختلافات البرامج و التباينات الايديولوجيّة ؟؟؟
*
*
4. الثيوقراطيون هل لهم من عودة في الإنتخابات القادمة ؟

الجواب:
لو عمدنا إلى تغيير السؤال على سبيل المجادلة و السجال بـ : من هم التيوقراطيون أوّلا ؟ هل هم حاملي لواء " الإسلام السياسي " فحسب , أم علينا أن نضيف لهم " لاهوت اليسار "؟ أولئك الذين لا يأتيهم الباطل من أيّة جهة كانت , المسجونون في أقبية قراءة النصوص المؤسسة المقدّسة و المتمسّكون بالتطبيق الحرفيّ لها ؟
أمّا عمليّا و آنيّا فإنّ عودة الإسلاميين للسلطة ـ التي هم لم يغادروها بصفة كليّة في تونس ـ ستكون بالضرورة و بتداخل للظروف الداخليّة و الخارجيّة , الإقليميّة و العالميّة , محدودة و محسوبة بجعلهم شركاء في السلطة بنسبة قد تتراوح بين الخمس و الثلث , بقصد تفادي ردود فعلهم اليائسة و المتطرّفة , ومن أجل استخدامهم كورقة ضغط على القوى الأخرى البديلة , زيادة على امتلاكهم هم أنفسهم لبعض عناصر القوّة الذاتيّة تنظيميّا و ماليا و للقدرة على التأقلم مع المتغيّرات . و الأكثر أهميّة من كل ذلك تخلّف و تفكك البنى الاجتماعيّة و الاقتصاديّة التي لم تفرز كيانات اجتماعيّةـ طبقيّة مكتملة قادرة على النظر بوضوح إلى مصالحها و القيام بدور سياسي محدّد لاتجاه التطوّر التاريخيّ ., و ذلك بالتوازي مع ما يفرضه حاليا التفكيك المعولم لما كان قائما من بنى اقتصادية محليّة , من شرائح جديدة مهمّشة تمثّل سوقا نشيطة لشراء الذمم , و هي ذات قابليّة عالية للاختراقات من قبل الأطراف المراهنة على غسل الأدمغة ؟
*
*
ومن :"الإئتلاف الديمقراطي" و " المصالحة الوطنيّة "
5.هل أن تونس تحتاج إلى إئتلاف ديمقراطي للخروج من أزمتها ؟

الجواب:
لقد نادينا مرارا و تكرار ـ في حزبنا ـ منذ أكثر من سنتين , ليس بإقامة الجبهة الديمقراطيّة فحسب بل بإقامة الجبهة الديمقراطيّة و المدنيّة الواسعة عبر ائتلاف مرن لجميع قوى الحاثة و التقدّم , و العمل على تحييد ما يمكن تحييده من الأطراف المرددة بهدف عزل القوى المعادية للثورة , و إن كان تحقيق هذه المهمّة قد علاف تقدّما نسبيّا بالتوصّل الى تشكيل " جبهة الانقاذ " في الملابسات التي ذكرنا , غير أنّ التكتلات السياسيّة ذاتها التي تكوّنت منها هذه الجبهة نراها اليوم تعود لفقدان بوصلتها الأولى لتغرس رؤوسها من جديد في رمال تفاصيل الحسابات الانتخابيّة المنفردة , لتعيد بالتالي إنتاج تفككها و احتمال هزيمة انتخابيّة ثانية . و مع ذلك فإنّ الأمل لازال قائما رغم تعدد و خطورة المناورات الداخليّة و الخارجيّة المهددة جديّا و المعرقلة لمساعي بناء الجبهة الواسعة ؟؟؟
*
*
6.هل ستطبق تونس تجربة المغرب في التكوين الديني و"المصالحة الوطنية"؟

الجواب:
لتونس بعض الخصوصيّات التاريخيّة و العقديّة و المذهبية و البشريّة يجب التطرّق لها بالتوضيح , قبل محاولة التقرير و الفصل في شأن مقولة / صيغة " المصالحة الوطنيّة " . فمن الناحية التاريخيّة و بالتحديد ابتداء من التاريخ المعاصر لما يعرف بدولة الاستقلال . فقد اختارت تونس ما يمكن أن نسمّيه بـ " الإدارة العموميّة للشأن الديني " , متأثّرة في ذلك بما جاءت به الثورة الفرنسيّة من إخضاع للكنيسة لسلطة الدولة و تحويل " رجال الدين " إلى موظفين عموميين . فلم يعد بذلك للمنزلة الدينيّة جسما مستقلاّ, و قامت مؤسسات التعليم الحديث بمدّ الإدارة الدينيّة بالقائمين عليها من الأئمّة و مفتي الجمهوريّة و الذين يرجعون بالتعيين و النظر إلى إدارة الشؤون الدينيّة كواحدة من الصالح المركزيّة المتفرّعة عن الوزارة ذات النظر . و لم تغيّر التحويرات اللاحقة جوهر هذه الهيكلة و لا من مضمون السياسة الدينيّة للدولة. أمّا من الناحية العقائديّة و المذهبيّة , فإنّ تونس تعرف تجانسا مذهبيّا نادرا يقوم على سيادة المذهب المالكيّ السنيّ , مع تقاليد من التعايش مع العادات الضاربة في القدم , و من التسامح مع المسيحيّة و اليهوديّة الذي ترسّخ منذ القرن التاسع عشر بتعاقب الاتفاقيّات و القوانين في شأن ضمان حقوق الأقليّات الدينيّة و حريّة ممارسة شعائرها الخاصة , و التكفّل بمنحها تمثيليّة تعبّر عنها لدى الجهات الرسميّة . و عن ضعفت هذه الأواصر في بعض اللحظات التاريخيّة بعلاقة مع اليهود و تطورات القضيّة الفلسطينيّة في ألمشرق لكنّها لم تبلغ في كلذ الأحوال مستوى القطيعة أو الوضع الكارثيّ .
و بالنسبة للجانب المتعلّق ب بتركيبة السكان العرقيّة ـ الثقافيّة , ففهي تتصف بشدّة التمازج و الاختلاط بين المكوّنين الرئيسيين العرب و البربر , إلى ذلك الحد الذي يصعب فيه التفريق بينهما , دون أن تختفي نهائيّا ملامح الثقافة المحليّة . كما تدعّمت ظاهرة التقارب و التجانس بما عزمت على تحقيقه و هي محقّة و ناجعة " السياسة البورقيبيّة " و من قضاء على نزعة الانتماء القبليّ و العشائريّ , بالتدخّل عن طريق الدعاية و التوعية , و بالعمل على ربط مصالح الأفراد بمؤسسات الدولة عملا و توظيفا و رعاية صحيّة و اجتماعيّة , و أمنا على الأشخاص و الممتلكات , بعيدا عن تأثير القبيلة و توقّيا من الرجوع الى الاحتماء بها. لم تخل هذه السياسة من الانحيازات الجهويّة أو المحاباة الشخصيّة أحيانا , و من الاستغلال الطبقي و التهميش , لكنها في كلّ الأحوال أتت أكلها , خصوصا و أنّها صرّحت عن نفسها في أغلب مراحل تطبيقها بأنّها سياسة ليبيراليّة تحديثيّة و ليست اشتراكيّة ثوريّة .
و في هذه النقاط بالتحديد تختلف تونس عن المغرب الأقصى, الذي حافظ على نظام سياسيّ تقليديّ, و هو مجتمع يعرف انقساما عميقا و واضحا بين العرب و البربر. كما أن الملك وليس الدولة و هو الذي يحتكر امتياز الشرعيّة الدينيّة بالرجوع الى " الخرافة المؤسسة " La légende fondatrice و للسلالة العلويّة التي تأسست في نهاية القرن السابع عشر 1672 م , و ذلك بالاستناد إلى دعوى الأصل الشريف بالانتساب لذريّة على ابن أبي طالب . مما يدخل نوعا من التشويش القائديّ , و مردّه هذا التركيب الهجين بين مرجع سلطانيّ يرجّح اتجاه التشيّع و آخر شعبيّ له منحى ضارب في سنّيته ؟؟؟
أمّا في شأن " المصالحة الوطنيّة " فهي قصيّة لا تطرح بحدّة في تونس للمعطيات الهيكليّة المذكورة في ما سبق , و التي لم تنتج ـ رغم محاولات الإخوان للدفع في ذلك الاتجاه عند تولّيهم للحكم ـ , و لم يبلغ الاختلاف إلى مستويات اعتناق مبدأ الإبادة المتبادلة , باستثناء الاغتيالات التي اكتسبت طبيعة سياسيّة صرفة و رغم حضور الخلفيّة الدينيّة كواحدة من أبعادها .
و لذلك فغنّ تخليص التناقضات و النزاعات في تونس و تجده يتّخذ الصبغة السياسيّة الخالصة و التي تجسّدت عمليّا في " الوفاق الوطني " و الذي بذوره حسم الأمر في ما يتعلّق بهذه البؤرة الساخنة و القاتلة بهذه الطريقة البعيدة عن الاستعداء العقائدي .و هو أمر ليس بالهيّن , خصوصا عندما نجد أنّ الدستور الجديد يؤكّد على حريّة المعتقد و الضمير , كما يعتبر التكفير تجاوز يقع تحت طائلة القانون الجنائي .
و لمّا كان الأمر في تونس قد انحصر , و بصفة تكاد تكون نهائيّة و في ذائرة الخلاف السياسي و ليس الاقتتال المذهبيّ , فإنّ مقولة " الوفاق الوطني ّ " تكون بذلك قد تجاوزت دعوى " المصالحة الوطنيّة " على اعتبار أنّ الطرف المعني فرضا بها هو ( حزب حركة النهضة الإخواني ) الفصيل الأهم نسبيّا في طيف " الاسلام السياسي " و قد يجد نفسه في صورة المطالبة بها قد وضع نفسه في مأزق منطقيّ , فهو إن تمسك باعتبار نفسه فرعا من التنظيم العالمي للإخوان المسلمين ـ و هو كذلك فعلا رغم ما يحاول اليوم تفنيده بسبب الضغوط العالميّة المسلّطة عليه ـ , فهو سيفقد بذلك كلّ مشروعيّة للمشاركة في حلّ هو شأن وطنيّ , ليبقى مصيره مرتبطا بهذا الكيان العابر للأقطار و الأوطان الذي ينتمي إليه . أمّا إذا كان يعتبر نفسه طرفا سياسيّا و مدنيّا محليا و وطنيّا , فإنّ فعله السياسي يندرج في سياق ما جرّبه من أداء سياسي فاشل أثناء تولّيه السلطة التنفيذيّة , و ما انخرط فيه طوعا أو تحت الضغوط من التزام بنتائج الحوار الوطني . أما الجماعات السلفيّة الأخرى فهي ليست معنيّة ذاتيّا وموضوعيّا بأيّ شكل من أشكال التوافق و لأنها تضع نفسها و عن قناعة منها خارج الدستور و القانون و كلّ ما تعتبره مستخلصات لـ " البدعة العلمانيّة " و هي قليلة من الناحية العدديّة و معزولة اجتماعيّا , و يبدو أنّها آخذة طريقها إلى الانقراض مع ما تتطوّر به الأوضاع الإقليميّة و العالميّة نحو تجفيف منابع تمويلها و إسنادها .
*
*
ومن : " قانون العزل السياسي " و " مؤتمر مكافحة الأرهاب "
7.هل بعودة تونس إلى قانون العزل السياسي الملغى ، سيعرضها إلى أزمات سياسية تحيدها عن التوصل إلى صياغة قانون انتخابي عادل ومتوافق مع كل الأحزاب؟

الجواب:
موقف استبعاد المنتمين للحزب الحاكم السابق ( الدستوريين و التجمّعيين ) الذي ترجم دستوريّا بقانون الاقصاء , عارضاه نحن كحزب لأهداف عديدة من أهمّها الإبقاء على المشاركة السياسيّة لليبراليين الحداثيين ـ بعد أن فقدوا السند الدكتاتوري ـ , لأجل مواجهة الخطر الظلامي الرجعي الزاحف , و توسيع تحالفاتنا من أجل تحقيق مهمّة بناء الجبهة الديمقراطيّة و المدنيّة الواسعة , و تجنيب البلاد الدخول في حرب أهليّة بسبب انعكاسات حالة الاجتثاث , و الحال أن بقايا الحزب الحاكم السابق لا تزال تسيطر على دواليب الدولة و لم تعرف بعد تفكك شبكاتها القديمة الماليّة و الأمنيّة و كما أن القوى الإسلاميّة التي يتمّ تصعيدها قد حازت على عوامل الإسناد الكافية بما في ذلك التسليح . . و من المفروض و هذا موقفي الخاص ـ لأنّ الأمر لم يحسم بعد على مستوى الصياغة النهائيّة للقانون الانتخابي ـ فإ،ذه لا ضرورة إطلاقا و في الظروف الراهنة و لاعتماد مثل هذه القوانين المتخلّفة , و أنّ التصدي لعودة الخصوم السياسيين من بقايا الاستبداد , لا يحسم بالشطب السهل إجرائيّا و المكلف سياسيا و أمنيّا, بل يتمّ العمل يتمّ العمل على تجاوز ه بمزيد من النضج السياسي لدى القوى التقدميّة و الديمقراطيّة , التي عليها أن تسارع لتخطّي خلافاتها الحزبيّة و الزّعاماتيّة الضيّقة لتبني الجبهة الواسعة و تكسب الأغلبيّة الانتخابيّة التي يفترض أن تمون مضمونة في صورة حصول التحالف , و ذلك بالرغم من اجتماع و تكتّل كلّ القوى الرجعيّة و المعادية للديمقراطيّة . قد يكون هذا الموقف مثاليّا في الوقت الراهن و غير أنّ ذلك لا يمنع من محاولة توفير الشروط الكافية لتحققه .
*
*

8. هل تمر تونس بدور عصيب لتؤكد ضرورة إعداد مؤتمر لمكافحة الإرهاب وحماية الحدود والتصدّي للجريمة المنظمة.؟

الجواب:
في بادئ الأمر تجدر الإشارة إلى أنّ الحزب الذي أنتمي إلى قيادته, و هو أحد الأحزاب التقدّميّة, أوّل من أعلن عن ضرورة عقد مؤتمر وطنيّ لمناهضة الإرهاب, و ذلك فور تخلّي حزب حركة النهضة عن الإمساك بمقاليد السلطة التنفيذيّة. و كان الهدف من ذلك بالنسبة لنا هو اختبار هذه الحركة حول مدى التزامها بالقواسم المشتركة للنضال السلمي و المدني , لأنّ قبولها بالمشاركة في هذا المؤتمر من عدمه سيكون مؤشّرا هاما على مدى استعدادها لفكّ الارتباط مع الجماعات السلفيّة الارهابيّة و يجعلها تقترب بالاقتناع أو بالضرورة من صفّ القوى الديمقراطيّة و المدنيّة . و قد تمّ تبنّي هذا المقترح من قبل شقّ واسع من أحزاب المعارضة و لكن الإعلان عن المؤتمر بصفة رسميّة لم يقع , بسبب انشغال أغلب الأحزاب بإعداد القانون الانتخابي و بإعادة حسابات تحالفاتها بحسب الضوابط التي يتطلّبها هذا القانون .
أمّا في شأن مدى خطورة الإرهاب و ما إن كانت تونس ستدخل في مرحلة عصيبة من العنف و من التهديد لأمن حدودها و فإنّ وجهة نظري الخاصة تميل أكثر للتفاؤل الذي يقول باتجاه هذه الظاهرة نحو التراجع, و ذلك للأسباب الموضوعيّة و الذاتيّة التالية:
ـ موضوعيّا و صول الخيار الذي اعتمدته قوى الهيمنة العالميّة في مراهنتها على الإسلام السياسي إلى مأزق حقيقيّ اصبح يهدد هيبتها و نفوذها و مصالحها , و ربما وجودها و كيانها بالنسبة لبعض الأطراف الملحقة كدول الخليج . و هذه القوى و الأطراف هي : الولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي بمشاركة خفيّة من الكيان الصهيوني و بمقاولة تحريضيّة مذهبيّة و ماليّة من دول الخليج . هذا و قد أدى الرهان عمليّا إلى جملة من الخسائر الفادحة , ليس أقلّها انهيار حكم الإخوان المسلمين في مركز تنظيمهم , مصر و فشل تجربة حكمهم في تونس و تهاوي مخطّطاتهم في سوريا .
و أيضا انتكاس و تفكّك سياسة الداعمين الإقليميين للإرهاب باسم إقامة "حكم الشريعة " و كتركيا و العربيّة السعوديّ و قطر و سريان الخلافات بينهم . كما أنهم أصبحوا مهددين بانفجار الأوضاع الداخليّة لديهم , و عرضة لضغوط خارجيّة سببه تغيّر أولويات السياسة الخارجيّة الأمريكيّة في شأن التراجع عن الاستعداء المفرط لإيران و "التقارب النسبي " حول سبل معالجة الملف النوويّ .
ـ و ذاتيّا و فيعود تعاظم فرص تراجع الإرهاب في تونس , على الفشل السياسي لحركة النهضة الذي أجبرها على تقليص دعمها للجماعات السلفيّة و بوضع حدّ للتغطية عليهم , بل هي تجد نفسها اليوم مضطرّة على الإعلان عن التباين معهم , الذي بدأ باعتبار " جبهة النصرة " تنظيما إرهابيّا لينتهي إلى التصريح بعدم الانتماء إلى التنظيم العالمي للإخوان المسلمين ؟؟؟
و يضاف على ذلك ضعف تمركز الجماعات السلفيّة في المجال التونسي , لأنّها كانت مطمئنّة في بداية حلولها و تشكّلها إلى حكم التيار الإسلامي و دعمه لها , فلم تفكّر في و لم تجد الوقت الكافي لبناء هياكلها و شبكاتها من الناحيتين التنظيميّة و اللوجستيّة و ركّزت مجهودها على النشاط بالمقاولة لفائدة " الأخ الأكبر ", حركة النهضة الحاكمة , بتسفير الشباّن التونسيين و التونسيات للجهاد في سوريا -قتلا و نكاحا - و بتنفيذ عمليّات الترهيب المتواترة ضد المعارضة العلمانيّة و الاغتيالات السياسيّة المعروفة .
كما أنّ قوّة المجتمع المدني التونسي و التوحّد النسبي لأحزاب المعارضة الديمقراطيّة و غياب الانقسامات المذهبيّة و القبليّة الحادّة في المجتمع , و انخراط أغلب فئات الشعب التونسي في موقف معاداة التشدد الذي أصبحت مظاهره تتفشى في تفاصيل حياة الناس اليوميّة و تضايقها , كلّ ذلك مثّل درعا واقيا و عاملا مساعدا على إخفاق المشروع الإرهابي و بداية تراجعه .
أمّا بالنسبة لتأمين الحدود و تحقيق الأمن و الاستقرار بصفة عامة , فقد تضافرت في تونس مجهودات عدّة أطراف و قوى ذات المصلحة المشتركة و من أجل التقدم في فرضه . و هذه الجهات هي بالدرجة الأولى : الجزائر , نظرا لطول الحدود المشتركة معها , و لأنّ مشروع خلخلة الاستقرار في المنطقة كان و لا يزال يستهدفها هي بصفة خاصة لأسباب هامة استراتيجيّا و اقتصاديّا . أما الجهة الثانية فهي قوات الأمن الداخلي و الجيش الوطني التي كانت من بين الأطراف الكثر تهديدا و تضرّرا من النشاط الإرهابي ) تقتيل عناصر الشرطة و الجيش تحت شعار "مقومة الطاغوت "؟؟؟) . ثمّ يأتي دور الجهة الثالثة و هي الدول الكبرى التي بعد أن جرّبت و يئست من نجاح مشروع الإسلام السياسي , بدأت تراجع حساباتها و تسحب البساط من تحته , فأصبحت تقدّم المعلومات الاستخباراتيّة و الوعود بإنجاح " النموذج التونسيّ " بما أبداه من قدرات مدنيّة و ديمقراطيّة مذهلة ؟؟؟
و لذلك فإنّه يمكن القول أنّ فزّاعة الإرهاب في تونس قد استنفذت جلّ أوراقها أو تكاد , و أنها الإرهاب لن يظهر مستقبلا إلاّ بأشكال محدودة و متقطّعة , غايتها التغطية على الفشل و الانسحاب , و المحافظة على الحدّ أدنى من وسائل الضغط و التهديد لكي لا يفتح الباب على مصراعيه لصعود قوى التقدّم , و لكي لا يطهر هذا التحوّل و كأنه انتصارا عظيما لها .
*
*
وعند :" إقرار الموازنة " و " تقسيم المعارضة "
9.لماذا استبعد الحزب الجمهوري من إجتماع قيادات جبهة الإنقاذ، هل هناك نية مبيتة لتقسيم المعارضة ؟

الجواب:
الحزب الجمهوري ـ في تونس ـ يمثّل بمفرده ظاهرة سياسيّة عجيبة , إلاّ أنّه و كما يقول مأثور القول العربيّ :" إذا عرف السبب , بطل العجب " ؟
يتّكأ الحزب الجمهوري في دعايته السياسيّة على تضخيم الدور الذي لعبه خلال السنوات السابقة لسقوط النظام الدكتاتوري باعتباره مثّل خلالها مظلّة أو خيمة للالتقاء المعارضين. و هو الدور الذي بالتقاسم مع أحزاب و منظمات أخرى و مثل الحزب الشيوعي التونسي ( حاليا حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي ) و نقابة العمال و منظمة حقوق الانسان . مع أنّ " حيلة التضخيم النضالي " التي يفرط الحزب الجمهوري في استخدامها , لم تعد مقتصرة عليه فقط بل أصبحت تستعملها أيضا أحزاب "الاسلام السياسي " تحت عناوين مختلفة كـ "سنين الجمر " و " سنوات السجون و المنافي ...
غير أنّ هذا الحزب الذي جمع في تركيبته حساسيات متنوّعة : قوميّة , ماركسيّة و إسلاميّة , كان من أوّل الأطراف التي طالبت أثناء الانتفاضة الشعبيّة بالمحافظة على نظام الحكم القائم و الاكتفاء بإدخال بعض الإصلاحات عليه , ثمّ بالقفز إلى المشاركة في الحكومة المؤقتة الأولى على عكس المدّ التصعيدي الذي كانت تفرضه حركة الجماهير الواسعة , لنجده فيما بعد يدخل منفردا للانتخابات معتدّا بقوّته الموهومة , في وقت كان فيه من أكثر الأحزاب المؤهّلة تنظيميّا على الأقل , لتوحيد المعارضة و تكوين حلف انتخابي واسع .
و بعد الفشل الانتخابي الذّريع عاد نفس الحزب إلى الاشتغال على فكرة التجميع و لكن بشرط مسبق ـ أي بمعرقل أساسيّ ـ و هو الاتفاق على " تقسيم الحقائب " و منحه هو الزعامة و بالتالي منصب رئاسة الجمهوريّة لاحقا . و قد تزامنت هذه المساعي مع طهور حزب جديد و هو حزب " نداء تونس " برئاسة الوزير السابق لدى " بورقيبه " و رئيس الحكومة الانتقاليّة الثانية " الباجي قايد السبسي ", الذي تحوّل بسرعة و بسبب الفراغ الذي تركته المعارضة , إلى قوّة تجميع جارفة ـ و هي الظاهرة التي دعونا إلى ضرورة تخصيصها بدراسة منفردة ـ , فاختلّت الموازين , و أدخلت الكثير من الارتباك و التشويش على الأداء السياسي للحزب الجمهوري .
هذا و قد أدّت المشاورات الماراطونيّة , بعد أكثر من ستة أشهر إلى نشأة جبهتين سياسيتين : تحالف " الاتحاد من أجل تونس, و يضمّ الأحزاب المعتدلة بما فيها الحزب الجمهوريّ و نداء تونس , الصديقين اللّدودين , و "الجبهة الشعبيّة " التي تكوّنت من الأحزاب الراديكاليّة اقوميّة و اليساريّة . و قد ارتبطت هذه التطوّرات خلال سنة 2013 , بتصاعد الصراع مع الإسلام السياسي الحاكم الذي أدى إلى الاغتيال السياسي الأوّل , و طرح كحلّ للمأزق السياسي " حكومة التكنوقراط الأولى " . و هو الحل الذي أجهضه الحزب الجمهوري رغم انتمائه للجبهة التي اقترحته , و ذلك بإسناده لموقف حركة النهضة الحاكمة بالإبقاء على حكومة سياسيّة , ثمّ جاء الاغتيال السياسي الثاني ليدفع جبهتي المعارضة ـ تحت التهديد الموضوعيّ و ليس بحكم النضج الذاتي ـ إلى التكاتف في إطار " جبهة الانقاذ " . نجحت هذه الجبهة مع منظمات المجتمع المدني و خصوصا منها منظّمتي العمال و رجال الأعمال , في فرض صيغة " الحوار الوطني " , و مرّة أخرى ينفرد الحزب الجمهوري بالخروج عن إجماع المعارضة حول رفض الشخصيّة التي يسندها الائتلاف الحاكم لتولي رئاسة الحكومة ( السيد أحمد المستيري ) , و هي الحادثة التي مهّدت للافتراق و خروج الحزب الجمهوري من الجبهة الأصليّة التي بادر بتكوينها " الاتحاد من أجل تونس " و من جبهة الانقاذ متعلّلا بمسألة شكليّة تمثّلت في عدم استدعائه لحضور إحدى الاجتماعات الدوريّة ؟
يبقى السؤال المطروح هو إن كان لم يكن يوجد وراء كلّ هذه التطوّرات و الالتواءات , دافع أو خطّة لتقسيم المعارضة , فالإجابة هي بنعم , مع التأكيد بوجود مؤشّرات قويّة يستنتج منها أنّ للحزب الجمهوري ضلع في ذلك , بعلاقة مع أجندته الخاصّة , و هي كالتالي :
ـ تواتر خروج الحزب الجمهوري عن المعارضة كلّما حصلت توافقات هامة حول الحلول , و في منعطفات مصيريّة .
ـ الطموحات الشخصيّة المعلنة لرئيس الحزب الجمهوريّ الأستاذ " محمد نجيب الشابيّ " الذي غالبا ما يقدّم نفسه على أنّه " شخصيّة وطنيّة " , لكي لا يلزم نفسه بالقرارات المشتركة ويفتح لنفسه بابا للمناورة و للوساطة .
ـ السعي المتواصل لحركة النهضة الإسلاميّة لتقسيم المعارضة , بتقديم بعض الإغراءات للشخصيات المؤثّرة من ذلك وعد السيد نجيب الشابي بمنصب الرئاسة . هذا و قد بيّنت الوثائق التي تمّ الكشف عنها في مصر عن سياسة الإخوان التي تتضمّن خطّة مفصّلة لتقسيم المعارضة العلمانيّة أينما وجدت.
ـ العلاقات القديمة التي تربط رئيس الحزب الجمهوري مع الولايات المتحدة -ـعلى طريقة وليد جنبلاط في لبنان ـ و التي تعود إلى ما قبل قيام الانتفاضة الشعبيّة في ما يعرف بترتيبات " خلافة بن علي " , التي كانت تتم بين مكوّنات حركة 18 أكتوبر 2005 , و التي يمثّل كلّ من حركة النهضة و الحزب الجمهوري طرفا فيها و أن التوافقات التي حصلت في ذلك الشأن حافظت على خطوطها الرئيسيّة , في ما عدا الطرف الذي يمثّل الدكتاتور السابق ( مؤقّتا ) , و مع إدخال التعديلات الجزئيّة للتأقلم مع الطروف الجديدة الناتجة عن الانتفاضة الشعبيّة .
*
*
10.التأخير في إقرار الموازنة لهذا العام ، هل يتعلق بخلافات التيارات السياسية ؟ وهل ستدفع بتونس إلى أزمة اقتصادية ؟

الجواب:
التأخير في المصادقة على موازنة 2014 لم يدم طويلا , لأنّه كان مرتبطا بالخلافات السياسيّة في إطار فعاليات الحوار الوطني و خاصّة بالنقطة المتعلّقة برئاسة الحكومة , وحصل إقرارها مع بعض التعديلات الطفيفة بمجرّد الإعلان عن نتائج التوافق و رجوع نوّات المعارضة في المجلس الـتأسيسي لحضور الجلسات بعد أن كانوا قد قرّروا مقاطعتها لذات السبب .
و خلاصة الأمر أنّ هذه الموازنة مثل سابقاتها من سنوات عديدة خلت و لم تعرف ـ رغم اهميّة التحوّلات التي حدثت ـ تغييرا جذريّا من حيث اختياراتها الكبرى و التركيبة الهكليّة لمواردها و نفقاتها , نظرا لخضوعها إلى إملاءات صندوق النقد الدولي و اشتراطات " برنامج الإصلاح الهيكلي " في نقاطه المعروفة و المتعلّقة بـ : التفويت في المؤسسات العموميّة للخواص المحلّيين و الأجانب , و تحرير الأسعار و السوق , و التخفيض من قيمة العملة الوطنيّة لتشجيع التصدير , و الحدّ من النفقات العموميّة و الضغط على الأجور , و الحد من الانتدابات و رفع الدعم عن أسعار المواد الأساسيّة , و في العموم توجيه آليات الاقتصاد نحو استرجاع القدرة على تسديد الديون و التي أصبحت خدماتها تساوي حاليّا نصف الناتج الداخليّ الخام .
و الموازنة الحاليّة وضعت في فترة حكم حركة النهضة الإسلاميّة , التي كانت آنذاك تعاني من العزلة السياسيّة الداخليّة و الخارجيّة , ممّا دفعها إلى البحث عن القبول الخارجي بها و بالتالي الخضوع إلى الإملاءات بدون أدنى مقاومة . و لم يضف هذا الحزب إلى الوضع المالي سوى الجوانب السلبيّة بمضاعفة العجز المالي بأكثر من أربع مرّات ( من 3.5 ألف مليار إلى 12 ألف مليار ) , بالإضافة الى تبديد ما وجده من مخزون التفويت في المؤسسات العموميّة ذات المردود المالي المرتفع ( كشركة الاتصالات و غيرها ..)
أمّا بالنسبة لاعتماد " الموازنة البديلة " , و خلافات الأحزاب السياسيّة حول هذه القضيّة , ز ما إن كانت البلاد التونسيّة تقف على أبواب أزمة اقتصادية خانقة , فغنني أعتقد في هذا السياق أنّ القول بإمكانيّة تقيم او عرض و اقترح موازنة بديلة , هو موقف خاطئ تماما و بل واهم بالنظر على موازين القوى السياسية القائمة حاليا , و التي تتجسّد في توازن بالغ الهشاشة بين فريق فاشل ترك السلطة التنفيذيّة لكنه لم يفرّط بعد في مواقعه في هياكل الدولة و فريق معارض مفكك من الداخل رغم ظاهر توحّده في جبهة تفتقد للتجانس و الهيكلة (جبهة الانقاذ ) , مع حكومة تكنوقراط بدون اختيارات سياسيّة و اقتصادية محددة . كما أنّه ليس للمعارضة أن تلعب دور "حاشية السلطان " بتقديم المشورة للحكومة التي ساهمت الضغوط الأجنبيّة في تصعيدها و على اعتبار أن الأساسي بالنسبة للمعارضة لابدّ ان يقتصر على المهمّتين الرئيسيّتين التاليتين في ما يخصّ الحيز الزمنيّ الأخير و القصير من المرحلة الانتقاليّة , ألا وهما :
ـ مهمّة داخليّة خاصة بالأحزاب و هي الإعداد للانتخابات بالعمل بالقاعدة الوحيدة المجدية و هي التوسيع الأقصى لتحالف القوى الديمقراطيّة.
ـ و مهمّة خارجيّة و هي إعداد آليّة ناجعة لمراقبة حكومة التكنوقراط في مدى التزامها بتطبيق " عقد " نقاط خارطة الطريق المتفق عليه ( مراجعة التعيينات الإداريّة , تحقيق الأمن و مقاومة الإرهاب , توفير الشروط الملائمة لانتخابات ديمقراطيّة و نزيهة و معالجة بعض الأوضاع الإجتماعيّة الملحّة ) و لتكون بذلك النقطة التفصيليّة الأخيرة , هي المجال الوحيد لتدخّل المعارضة في الشأن المالي ( وهي النقطة التي يتم إعداد موازنة تكميليّة في شانها حليّا / لإفريل 2014 ), أمّا اختلاق أيّة مهمّة أخرى فليس له إلاّ أن يشوّش على آداء هذه المعارضة و يساهم في تعميق الاختلافات بينها, بل إنّ فتح باب الاجتهاد في هذا المجال سيشرّع للطّرف الأقرب إلى دائرة القرار , و هو الحكومة و رعاتها الأجانب ان " يجتهدوا " في اتجاه تجاوز عقد خارطة الطريق و التنصّل من إلزاما ته ؟؟؟
أما عن مقولة الأزمة الاقتصاديّة فهي ليست بالأمر الطّارئ , لأنها قد اندلعت على المستوى العالمي منذ 2008 , و أنّها هي التي كانت و لا تزال السبب الهيكليّ العميق لكلّ ما حدث و يحدث من هزّات و انتفاضات و حروب , و أنّ ما بحدث في تونس من تقلّبات و ارباكات ليس سوى مظهرا لصعوبات الأزمة العالميّة و أنّ تونس ليست أهون على بارونات المال و الأعمال العالميين من اليونان و البرتغال و إسبانيا و غيرها . إنّما خصوصيّة ما يقع في تونس هو انتقالها بعد النجاحات النسبيّة لتجربة الحوار الوطني , من حالة الضغط عليها بالإسلام السياسي و الإرهاب , من أجل التنفيذ الحرفيّ لشروط صندوق النقد الدولي , إلى حالة جديدة من الضغط بالإشهار لـ "فوبيا الإفلاس العموميّ " , و هو الأمر الذي ينعكس حاليا بالزعيق و النعيق الصحفي حول " العجز عن دفع الجرايات " , أو احتمال التخفيض فيها ... و الحال أنّ الاختصاصيين الماليين من الجانبين الرسمي و المعارض , يؤكّدون على أنّ الموارد الذاتيّة و القارّة للخزينة العموميّة كافية إلى حدود نهاية سنة 2014 لتغطية نفقات التسيير و توفير الأجور و الرواتب و الخدمات الأساسيّة ) , إنّما الصعوبة الماليّة الهامة هي العجز على الاستثمار و استئناف " التنمية ". هذا بعد أن كان الشرط الأساسي الذي كانت تتعلل به الأطراف المتدخّلة في مجال الاستثمار , يقتصر على تحقيق الاستقرار السياسي و الأمن الكافيين لتحسين المناخ الاستثماري غير أنّه لمّا توفّر لهم هذا الشرط عادوا من جديد للمربّع الأوّل , أي إلى منطق الابتزاز بطلب المزيد من التنازلات لفائدة تطبيق بنود برنامج الإصلاح الهيكليّ , بدرجة أولى , و بدرجة ثانية مواصلة التحكّم و التوجيه على مستوى المسار السياسي , لكي لا يتحوّل تراجع الإسلاميين إلى "زحف على السلطة " للتيارات اليساريّة و القوميّة , فيكتب النجاح لنموذج تونسيّ وطنيّ قد يتحوّل إلى بؤرة عدوى للشعوب الأخرى المناهضة للهيمنة الامبرياليّة .
*
*

نتوقف عند ناصية : " يوتوبيا " "خارطة الطريق " و" مسلسل إغتيالات" " الإقتصاد الإجتماعي "
11.لو اعتمدت الدولة مشروع الميزانية البديل هل سينقذها من تجاوز الأزمة ويأخذ تونس إلى اقتصاد إجتماعي ؟.

الجواب:
إنّ الخلط و الربط الآليّ بين الايديولوجيّ و السياسيّ , لدى الأحزاب التقدّميّة و اليساريّة العربيّة ـحسب رأيي ـ هو المعضلة التي جعلت هذه الأحزاب عاجزة عن الفصل في جدول أولوياتها و بين الاستراتيجيّ و المرحلي ـالتكتيكيّ وبين قدراتها الذاتيّة و ما يسمح به فعليّا الواقع الموضوعي لذلك تجدها تطرح الشعارات الرومانسية , من قبيل "الموازنة البديلة" و "الاقتصاد الاجتماعي قبل حتى أن تثبت وجودها السياسي , أي قبل ا، تكتسب القدرة على تنفيذ ما تطمح إليه , عدا أن تكون ساذجة لتصدّق أن ينفّد الرجعيون برامجها هي الثوريّة ؟؟؟
و حسب رأيي مجددا فإنّ الأولويّة حاليا ترجع إلى قلب للموازين السياسيّة لصالح قوى التقدم و الحداثة و ذلك بمواصلة عذل القوى الرجعيّة والظلاميّة و الحدّ أكثر ما يمكن من فرص التدخّلات الخارجيّة , وأنّ أيّ تغيير نوعيّ على المستوى الاقتصادي و الاجتماعي لا يمكن له التحقق و الاستمرار إلاّ في ظلّ الديمقراطيّة السياسيّة , و ما عدا ذلك من حلم بالتكريس الفوريّ للعدالة و إعادة توزيع الثروة سوف لن يزيد الأداء السياسي سوى تعدد لعناصر التشويش و الفرقة , و أنّ الأفق الاقتصادي لما بعد التأسيس الديمقراطيّ المتين يجب أن يتمحور حول فرض التكافؤ في في المعاملات مع الخارج على قاعدة تعزيز المصالح الوطنيّة , و الشروع في بناء اقتصاد يرتكز على التكامل الإقليمي في ظلّ صراع التكتلات الكبرى , و ذلك بهدف الوصول على مرحلة الانتاج الذاتي و الفعلي للثروة , يمكن وقتئذ القول بإعادة توزيعها ؟
*
*
12.قيام الدولة بالتعينات وفقا للولاءات الحزبية ، أما يعتبر هذا خرقًا لبنود خارطة الطريق ؟

الجواب:
إنّ عودة الحكومة للتعيين بالولاءات الحزبيّة يعني طبعا خرقا لاتفاقات خارطة الطريق , و التصدي له يعدّ من أوكد واجبات المعارضة , و هو امر بالغ الخطورة لصلته المباشرة بالتأثير على سير الانتخابات و نزاهتها , في وضع لا تزال فيه الولاءات لأصحاب النفوذ الرسمي و الإداري تلعب دورا حاسما في كسب الأنصار و شراء الذمم .
*
*
13.هل تعتقدون أن مسلسل الإغتيالات على غرار تصفية الشهيد الرمز شكري بلعيد ،سيستمر في تونس بالمرحلة المقبلة ؟

الجواب:
أعتقد أنّ ظروف و شروط تجدد الاغتيالات السياسية في تونس قد تراجعت كثيرا, رغم ما تعمد إليه العصابات التكفيريّة في هذه الأيام من ترويج للتهديدات, و حتى من شروع في الإعداد لها. و ذلك لأسباب ذكرت سابقا في سياق التحليل و من أهمّها سقوط الرهانات الأجنبيّة على ورقة الإسلام السياسي و تجنّد القوى الداخليّة و اتفاقها حول مواجهة هذه الظاهرة , و عن كان الأمر لا يذهب بنا الى حدّ الاستبعاد الكليّ لبعض العمليّات المحددة و ذلك بعلاقة مع الحسابات الخاصة بالجماعات السلفيّة نفسها أو مع سعي القوى الخارجيّة إلى مواصلة المسك ببعض خيوط الضغط و السيطرة ؟
*
*
14. هل من يوتيوبيا قادمة في تونس ؟

الجواب:
بين الحقيقة و الأمل امتدّت " كلاسيكيّا " تلك المساحة الجديرة باشتغال التفكّر و الفعل التراجيدي, عندما كانت الحقيقة صنوا للآلهة و الأمل رديفا لأبطال الأساطير و الملاحم. أمّا الآن و منذ فجر الحداثة فقد تشظّت الحقيقة و تبدّلت مسارات الأمل , لينتقل الحراك البشريّ من حقل " الكوميديا الإلهيّة " ( دانتي ) إلى ساحة " الكوميديا الانسانيّة " ( بالزاك ). و لعلّه بالتجاوز المعرفي لأحاديّة الحقيقة ـ و هو ما لم يدرك عندنا بعد في الثقافة العربيّة ـ و بتعدد الحقائق يفتح مجال الانحياز كلّ منّا لحقيقته: حقائقنا في مقابل حقائقهم ؟
حقائق الجبابرة كالرأسماليّة ذات الوجه الانساني / الرأسماليّة الموحّشة و حقائق المضطهدين : العدالة الاجتماعيّة / دولة الرعاية أو الاشتراكيّة . و في هذا الصدع بين صنفي الحقائق , الذي لا ينفكّ يتعمّق و يتّضح عبر جدل التاريخ و " يربّي الثوريون الأمل " و بمعانقة المستحيل و مراكمة الممكن . و هكذا, و باجتماع عصافير الحريّة المهاجرة...يتجدد الأمل ... تلك هي يوتوبيا الفقراء .
*
*
"إن الأمل هو الكذاب العالمي الوحيد الذي لا يخسر قط مكانته المرموقة أمام الحقيقة."*2
15.وهل سيخسر مكانته أمام ثورات الربيع ، فتؤول إلى خراب في "لا مكان العولمة " الذي علينا أن نقتطع منه واحة الكرامة الانسانيّة المسوّرة بالجدارة و التكافؤ، و المنفتحة على الإبتكار وعلى التواصل الأمميّ ؟

الجواب:
الثورة أو الثورات هي طريق مضن و طويل و مضيء, و القول في شأنها بالنتائج الفوريّة و السريعة هو إمّا من باب تلهّف البرجوازيين الصغار الباحثين عن الارتقاء السهل و أو هو من قبيل المنطق الانقلابي ـ الذي اعتاد عليه العرب و للأسف ـ . للثورات تراجعاتها و انتكاساتها فهي تمرّ بفترات من الرعب الأبيض و الأسود و في المقابل لها نسقها الخاص في التقدم بالتاريخ و لو كان بطيئا و غير مدرك بالنسبة لأغلب الناس . فالثورة الفرنسيّة تطلّبت ستّين سنة لإقرار الجمهوريّة ( 1789 ـ 1848 ) و الثورة الروسيّة احتاجت لأكثر من عقد من الزمن لتشرع في التطبيق الفعلي للمخططات الاشتراكيّة ( 1917 ـ 1928 ) و ها هي روسيا اليوم تعود إلى شكل آخر من الرأسماليّة من أجل الإبقاء على رصيد ما من مكاسب الرفاه أو العيش اللائق لأكبر عدد ممكن من المواطنين . و الربيع العربي , في بعض انتفاضاته مثلما هو الحال في تونس , له الشرف في أنّه أدخل الجماهير الشعبيّة العربيّة في مجال الفعل التاريخي , و هي التي ستتعلّم و بدون وصاية من أحد , و من بعد فصول من الخراب , كيف تشقّ طريقها نحو الحريّة ,ستتعلّم من هزائمها و خيباتها هي و ليس نكسات الحكّام ... و ستنتصر .
*
*

" كتاب السياسة وصناعة الحدث والتحليل "
16.بعض كتاب السياسة ، تأخذهم موجة النشر السريع ، فيحلل الوضع حسبما يراه، دون أن يعطي نتائج صائبة لتحليله ، وما سوف يعقب قراءته للمشهد . في اليوم الثاني يصحح من مسار تحليله ، ليكتبه بنكهة أخرى ، قد يصيب أو يخطأ في رؤياه ، هذه الذبذبة قد يخسر فيها احترام القارئ .. هل تعتمد التأني والحسم في تحليلك لواقع الأحداث ، بغية الحصول على أرضية واسعة من القراء ؟

الجواب:
كتّاب السياسة هم بطبيعة هذا العالم و محكومون بالراهن و بالوقائع , و التي من البديهيّ أن تكون متبدّلة متغيّرة , و الأحكام و الآراء في شأنها تكون نسبيّة و مؤقّتة , خصوصا إذا ما راعينا في ذلك إمكانيّة الفصل بين ما هو سياسيّ و ما هو إيديولوجيّ , و إن كان الأمر صعب التحقيق لما يشترطه من تملّك للوضوح الاستراتيجيّ و النضج التكتيكي . كما أنّ السياسيّ مجبول على الانحياز و كاتبه مطلوب لغرض الدعاية و التحريض لجهة موقف يمليه الانتماء المبدئيّ و العقائدي, أو لجهة راعية يدين لها بالولاء بوازع القناعة أو بغرض التملّق و الانتهازيّة. و الحالة الأخير ة هي التي يتكاثر بها الوصوليون و أصحاب الأقلام ألمأجورة , خصوصا في المجتمعات العربيّة ذات البنى الاقتصاديّة المفككة هيكليّا و حيث يفتقد المثقف عامة و الكاتب المحترف صلابة و تماسك الانتماء الماديّ و الطبقيّ.
أمّا بالنسبة للنشر و الانتشار السريع و كسب ثقة القرّاء من عدمه , فإنّ المسألة تكاد تكون قد تغيّرت بصفة كليّة بعلاقة مع ثورة الإعلام و التكنولوجيا الرقميّة , ذلك أنه بالقدر الذي يمكن القول معه بتحقق نوع من " ديمقراطيّة الإعلام " , سواء كان ذلك من جهة ما يعرف سابقا ب " الإعلام الجماهيري " و ما أصبح يعرف حاليّا بـ " علام الجماهير " و بعد أن مكّنت الشبكة العنكبوتيّة الأفراد , لا من تلقي المعلومات من جهات متعددة , بل مكّنتهم أيضا من إنتاج إعلامهم الشخصيّ و توزيعه على كلّ أصقاع الدنيا مع التبادل الحر للمعلومات و النصوص خارج دائرة الرقابة الرسميّة .
إلاّ أنّه في مقابل هذه " المشاعيّة الإعلاميّة " يبقى في يد الطرف الأقوى التجسّد في أقطاب النفوذ و الضغط السياسي و تكتّلات الربح المالي , الذين تجاوزا الاقتصار على استخدام حالات النبوغ و الموهبة في مجال الصحافة السياسيّة , ليدخلوا مرحلة صناعة المادة الإعلاميّة و تركيبها , و صناعة الكاتب السياسي و الصحفي ّ المحترف أو شرائه ( ولعلّ قناة الجزيرة في العالم العربي تعدذ المثال النموذجي ّ في الغرض ) . و كذلك الشأن بالنسبة للمتلقّين / القراء الذين تمّ تحويلهم إلى مجموعات إحصائيّة تخضع للاستهداف النسقيّ و التوجيه حسب متطلّبات سوق الاستهلاك و التلقي السياسيين .
و عليه فإنّ المقولات الإيتيقيّة و الأخلاقيّة حول المصداقيّة و ثقة القرّاء , تكون قد فقدت جدواها في وجه " عملقة الدّجل الإعلامي " , و هو ما أصبح يتطلّب النظر للمسألة من زاوية أخرى جديدة , و بمعايير و سلوكيات مبتكرة تتلاءم مع هذا التغيير النوعيّ الحاصل في إدارة الصراع الفكريّ و القيميّ السّافر و المفتوح . و في أتون مثل هذا الصراع يفترض من الجهة المقابلة لقوى الهيمنة , تجاوز معالجة القضيّة من جهة مواقف بعض الأفراد المعزولين من الكتبة المأجورين , إلى تنظيم " المقاومة بالحيلة " , أي باستغلال تناقضات و تصدّعات منظومة الهيمنة بالعمل على بناء المنظومة المضادّة لها , عبر تحقيق الترابط الأفقي و القاعديّ بين الجهات و القطاعات و الجماعات ذات المصلحة المشتركة في المقاومة , بحكم تضرّرها من الهيمنة الذكورة . و بالتوازي مع ذلك فإنّ المطلوب ليس كشف و نقد الأقلام الانتهازيّة و المتواطئة فحسب , بل كذلك تطوير بنية الفكر الثوري او العضويّ , و أداء الأصوات الصديقة , بتجاوز الخطاب الإيديولوجيّ الخشبيّ و تخطّي سلطة " الأبويّة المؤسسة " , و بحذق إدارة التعدد و القبول بحق الاختلاف , بالمرونة في التفكير و فتح أبواب المبادرة و الابتكار للأجيال الجديدة الأكثر تأقلما مع التقنيات المتطوّرة للإنتاج الفكريّ و الإعلاميّ , و الأكثر قدرة على الابداع و التأثير و الانتشار .
*
*

2. رواق الفكر والفلسفة
" الذات الثوريّة ، و تبني الماركسية معارضة هيغل للاأدرية "
17. متى ستصبح الذات الثوريّة ذاتًا مطابقة لكلّ من التيارات السياسية والحكومة؟

الجواب:
أرى أنّ هذا السؤال رغم بعض الغموض الذي يشوبه ومن أكثر الأسئلة عمقا من وجهة النظر الاستراتيجيّة و إن كان " التطابق " مثله مثل الحتميّة الآليّة " لم يعد مطلوبا أو ممكنا في شأن التفكير في الواقع الشديد التعقيد و التغيّر و فإنّ التفكير في كيفيّة إعادة صياغة و بناء " الذات الثوريّة " لهو من أوكد المسائل و أكثرها أهميّة و إلحاحا بالنسبة لقوى التقدم و الثورة . و لعلّ مثل هذه المهمّة المحوريّة لا يمكن الخوض فيها إلاّ خارج ما يمكن أن نسمّيه بـ " الرعب الإيديولوجي " الموروث عن " الآباء المؤسسين " و الذين على صدق نواياهم و جسامة تضحياتهم , لا يزالون يمثّلون عنصر عرقلة لعمليّة التجاوز بحكم تشبّثهم بقوالب نظريّة و طرق عمل لم تعد تتماشى مع الأوضاع المعقّدة الراهنة . و هذا الشرط شديد الأهميّة , و به تكتسب القوى الثوريّة الجديدة القدرة على توطين المكاسب النظريّة و العمليّة الكونيّة , بما في ذلك الماركسيّة , و تقلع عن إسقاط تجارب الآخرين لتتوصّل الى إنتاج المفاهيم و الأشكال الخاصة بمجتمعاتها , و تبني الذات الثوريّة المذكورة على أساس المصالح المشتركة للطبقات و الشرائح الاجتماعيّة المتضررة من الهيمنة و الاستغلال . و أنّ ذلك سوف لن يتحقق دفعة واحدة على يد "المهدي المنتظر " أو الزعيم الملهم الفذّ , بل عبر صيرورة مرحليّة قد تطول أو تقصر بحسب دقّة المهام المطروحة و مراكمة النضج الاستراتيجي , و بالخصوص العمل على السير قدما بالديمقراطيّة الداخليّة للهيكلة و التسيير في أوساط الأحزاب الثوريّة , إذ لا يمكن بأيّة حال من الأحوال تصوّر بناء جسم سياسي ديمقراطي فاعل بدون مكوّنات ذاتيّة مستوعبة للعقليّة الديمقراطيّة بالقدر المقبول و الكافي ؟
*
*
18. تبنت الماركسية معارضة هيغل "للاأدرية"، وتأصيله التاريخي، وإيمانه بقوى العقل الإنساني، وعلم المنطق عنده، هل التبني خان أفكار هيغل الجدلية لأنه "إدعى أن تطور العالم والمعرفة قد قطع مساره حتى الكمال، فأدخل بذلك التصوف في الجدل، مطبقا مبدأ التطور فقط على الظواهر التي تقع في مجال الفكرة ؟، وجاعلًا من مقولات المنطق مقولات مقولبة ومصطنعة" ؟

الجواب:
" كلّ واقعيّ هو منطقيّ , و كلّ منطقي واقعيّ ", هكذا اجترح هيغل مشروعه الفلسفيّ الشامل الذي ستكون المسارات الفلسفيّة اللاحقة له تفريعا عنه و تنويعا له , بالتبنّي و التفصيل أو بالقلب و التطوير كما هو شأن " الحالة الماركسيّة " .
الفتح المبين للمشروع الهيغليّ هو انقاذ الفلسفة من تهويمها السماويّ و تعاليها و ذلك على إثر الزجّ بها في صراط التاريخ و جدل الصراع الأرضيّ و لينهي بذلك تأجيل الخلاص البشريذ على وهم العالم الآخر و يجعل منه خلاصة لصيرورة دنيويّة يقودها العقل الانسانيّ .. الى المطلق .
انتبه تلاميذه النببهاء كفيورباخ وماركس إلى هذه النقلة العملاقة و عملوا على تطويرها كلذ على طريقته بالتأصيل الماديّ لدى فيورباخ و بالتأصيل الماديّ القلب الاجتماعي المعروف لدى ماركس . و لم ينج كلّ من هيغل و ماركس من الوقةع في شرك الحلم المثاليّ بمقولة تحقق العقل المطلق عند الأوّل , و تحويل العصر الذهبي البدائي للبشريّة المشاعيّة إلى فردوس ارضيّ : الشيوعيّة , لدى ماركس , و كل ذلك في إطار أفق نهاية سعيدة مرتقبة في آخر النفق لدى الاثنين .
إلاّ أنّ ما يجب النطر إليه و فيه هو ما ابدته النظريّتان الهيغيليّة و الماركسيّة من جدوى و نجاعة تاريخيّة . فقد كانت الهيغيليّة وراء استكمال بناء الكيانات القوميّة الأروبيّة الألمانيّة و الإيطاليّة ( فقد استقى هيغل رؤيته من مشاهدته العينيّة لمرور نابليون بمدينة "أيينا " أثناء توسّعاته , و قال عنه أنه يرى التاريخ بركب حصانا أبيض , و من تلك الحادثة صاغ المفهوم المعروف لديه بـ " حيلة العقل " Ruse de la raison ) . بينما كانت الماركسيّة محرّكا لثورات الملايين من المضطهدين و المستغلين في روسيا و الصين و أمريكا اللاتيني" و شرق آسيا... لتنشأ عنها كيانات سياسيّة و اجتماعيّة جديدة و أبدت قدرة على الاستمرار . كما أنذّ المتأمّل في رصيد المراكمة الفلسفيّة في العالم بإمكانه أن يلحظ استمرار التأثير الهيغليّ على الضفّتين : الرأسمالي"ة من خلال قول " فوكوياما " بنهاية التاريخ في انسجامها الحرفيّ مع نبوءة عيغل , عندما رأى أن المطلق قد بلغ تحققه في الامبراطوريّة العالميّة مجسّدة في العولمة التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكيّة . و من جهة النظريّة الشيوعيّة عاد الفيلسوف الفرنسي " لويس ألتوسير " في كتابه " قراءة ماركس " إلى هيغل بتعديل علاقة الحتميّة الأحاديّة الاتجاه , من البنية التحتيّة إلى البنية الفوقيّة , بجعلها علاقة تبادليّة ومن خلال منحه للحيزين السياسي و الثقافي قدرة على التأثير بالفعل و التوعية على الحياة الماديّة و إي بإنقاذه للوعي الهيغليّ من علاقة الاستتباع لنمط الانتاج الاقتصادي بصفة مطلقة . و بقطع النظر عن اتفاقنا او عدم اتفاقنا مع مثل هذه النتائج فالأهمّ هو أن ننتبه بعد استيعاب الدرس الفلسفي الكوني , إلى ذواتنا , كأن نتساءل حول ما يلي : ما هو إسهام " العقل العربيّ " في الرصيد المعرفي الانساني ؟ و متى سيصبح هذا العقل قادرا على إنتاج المفاهيم و المقولات المستقاة من استقراء واقعه ؟ و كيف له ان يحوّل وجوده في ذاته إلى وجود لذاته , بجهده النظريّ و العمليّ , الذي به يجترح لنفسه مكانا لائقا في مشهد العصر و التاريخ ..مكانا تحت شمس الحريّة ؟؟؟
*
*

3.من رواق الأدب والثقافة
"أدلجة الشعر"و " أنوثة العالم "
19. في إطار فعاليات ملتقى مدينة نابل للشعر العربي ، كانت لكم مداخلة تحت عنوان "الشعر و الايديولوجيا" ، هل أنت مع أدلجة الأجناس الأدبية ؟

الجواب:
بحضور الشاعر و المفكر العربي الكبير أدونيس , انتظم ملتقى الشعر العربي بمدينة نابل التونسيّة أيام 7, 8, 9 / 02 / 2014 , حيث اتيحت لي في إطار الندوة العلميّة , فرصة تقديم مداخلة تحت عنوان : الشعر و الإيديولوجيا . و قد حاولت في المقاربة تلك أن أبيّن تعدّد أوجه العلاقة بين هذين المفهومين أو المنحيين المعرفيين في الشعر العربي المعاصر , ساعيا قدر الامكان تجاوز المقابلة الثنائيّة التبسيطيّة بينهما و ذلك انطلاقا من التيارات و الحساسيات الشعريّة المتعاقبة في تونس منذ مرحلة الثلاثينات من القرن العشرين , أي منذ ثورة التجديد الشعري التي قادها أبو القاسم الشابي في ديوانه " أغاني الحياة ", حسب قراءة لأدونيس في كتابه " مقدمة إلى الشعر العربي ", إلى أشعار الثورة التونسيّة الراهنة بالاعتماد على ما نشره مؤخّرا اتحاد الكتاب التونسيين من أشعار كتبت أثناء أحداث الانتفاضة الشعبيّة و بعلاقة معها , صدرت تحت عنوان " ديوان الثورة " , و مرورا بمدوّنه أشعار حركة " الطليعة الأدبيّة " ذات التوجه اليساري و التي أتت بموجة ما يعرف بالشعر الملتزم خلال السبعينات . و قد تناولت الدراسة اوجه العلاقات بين طرفي ثنائيّة الشعر و الايديولوجيا , التي راوحت بدورها بين التقابل و التضاد , و التشابك و التداخل , و التشاكل و التماهي . و هي علاقات يحكم إمكانها جذر ناظم ألا وهو اشتراكها في استخدام الرموز و الاستعارات اللغويّة , التي تعود بدورها إلى أصل واحد و هو الخيال . و إن كانت الايديولوجيا توظّف الخيال لبناء مفاهيم و قوالب فكريّة تعمل على تأبيدها و ترسيخها بهدف ضمان الاستقرار الاجتماعيّ و المحافظة على السلطة القائمة , فإنّ الشعر يمتح من الخيال للهدم و البناء و لتجديد اللغة و القيم و المجتمع .
و في إطار التحليل تمّ استدعاء مفهوم " اليوتوبيا " نظرا لتعدد أواصر قرابتها بالشعر من حيث نزوعها -مثله – الى التمرّد و إعلائها من شأن البدائل المستقبليّة , و ذلك لغاية نخر تسلّط الايديولوجيا و تدعيم الانحياز لأفق الحريّة الذي يفتح له الشعر. غير أن هذا الانحياز للشعر خاصة و الابداع الأدبي و الفني عامة , لا يخلص إلى دعوة لمطلق نقاء الأدب من الايديولوجيا , لأن ذلك يعدّ مطلب مثالي و مستحيل التحقق , و لأن العداوة المطلقة للإيديولوجيا هي في حد ذاتها ايديولوجيا , على حد قول المفكر الفرنسي " ريمون آرون " في كتابه " مقدمة إلى فلسفة التاريخ " , إنّما خلصت المقاربة إلى نوع من التجاوز لعلاقات الهيمنة من الجهتين نحو التدرّج بالتأسيس إلى منطقة أرقى من الخطاب الرمزي , هي بالتحديد منطقة " الشعريّة " المبثوثة في كلّ أشكال الخطاب و القول , بما في ذلك العلمي منها . و قد أشرنا في الغرض إلى مثال الاستعارة المعروفة عند محمود درويش بـ : " أثر الفراشة " / L’ effet papillon , التي هي في نفس الوقت صورة شعريّة عالية الجمال و عبارة علميّة بما هي عنوان لقانون في علم المناخ حول شروط نشأة و تطوّر الأعاصير المداريّة العنيفة .
و الشعريّة بهدا المعنى هي خطاب القول الجامع للمعرفة في عصور سيادة الأساطير , و هي في نفس الوقت أفق تتدرّج نحوه أشكال الخطاب المتخصصة و المختلفة حاليا لتجتمع في تناغم مستقبلي خلاّق , و قد استفادت من المكاسب الجماليّة و المعرفيّة التي حققتها الانسانيّة خلال تطورها التاريخي . و هو مطلب يحاكي بشكل ما ما قدّمه كارل ماركس عن تصوّره للشيوعيّة بما هي استعادة للمشاعيّة البدائيّة مضاف إليها ما راكمته الانسانيّة من إيجابيات التقدم كالانتظام الذاتي و الإدارة المثمرة للطبيعة و توسيع نطاق الحريّة و المتعة و الابداع ...
*
*


تقول المصادر التاريخية :"إن من نجوا من طوفان نوح وجدوا في بابل ملجئا وملاذا لهم. "
كانت تجمعهم لغة واحدة ، ومعا بسلام يعيشون . لكن تخوف الملك النمرود من أن يتفرق قومه ، ويتوزعون في مناكب الأرض تنفيذا لأوامر الرب في تكثير النسل وتعميرها.
عليه قرر الملك النمرود بناء برج عظيم يعانق السماء ، وعلى قمته يًبنى معبد ليكون المؤمنون قريبين من الله. في الروايات الإنجيلية : ذكرت أن البرج كان آية في الإعجاز ، و أن الربّ اضطر أن ينزل إلى الأرض ليرى البنّاءون ماذا يصنعون. وعندما أدرك تخوف الملك النمرود ، أرسل ريحا مدمّرة ، أطاحت بالبرج ، وحولته إلى أنقاض بلمح البصر.
وأما في المصادر ألتوراتية ذكرت أن أغلب من شيد البرج ،قبل أن ينفيهم الرب إلى مكان ناء من الأرض ،قد مسخهم إلى مخلوقات شيطانية ، عقابا على عصيانهم لأوامره.
في العصور التي تلتها ، أصبحت حادثة "برج بابل" رمزا لخطيئة الإنسان وتطاوله على مشيئة الخالق. *3

20. وفي دراستك الأدبية " منتهى الشعر ,ابتداء القصيدة / و دلالتها المركزيّة هي " أنوثة العالم " تتعلق بالأساطير البابليّة و خصوصا فيما يتعلق منها ببرج بابل ، عن ماذا ستتطرقون ، هل عمن تولى إدارة الاختلاف فيه؟

الجواب:
الدراسة التي هي بصدد الانجاز , مقاربة تاويليّة ـ نقديّة لثلاث مدوّنات شعريّة تونسيّة و هي على التوالي : " ديلانو شقيق الورد " و هي قصيدة مطوّلة للمفكر الحرّ الشاعر والفيلسوف , سليم دوله / و المجموعة الشعريّة " كيف عرفت الطريق إليّ " للشاعر صلاح الدين الحمادي / و المجموعة الشعريّّة التي هي في طور الطبع " خدود الصبّار " للشاعرة عنان العكروتي . و ما يجمع بين هؤلاء الشعراء هو ما يكتبونه من نصوص مختلفة بدرجات متفاوتة عن المشهد الشعريّ المهيمن , و عن خطاب المديح ا, الهجاء المتهافت للثورة أو للثورة المضادّة , أو هو من الناحية الأدبيّة و الجماليّة تكرارا لقوالب مألوفة .
و بدءا , سأتطرّق لرهان دلالة العنوان الجامع لدراسة هذه المدوّنات , ثم أتخلّص لبعض التوضيح حول الدلالة المركزيّة المذكورة في نص السؤال و هي : " أنوثة العالم " بالتركيز على علاقتها بالأسطورة البابليّة .
امّا عنوان الدراسة فهو " منتهى الشعر ...ابتداء القصيدة " , الذي أردناه مدخلا للتقصّي بالالتباس و الاحراج , أي بوضع سلطان الشعر المستحكم , محلّ خلخلة و تقويض لفائدة تمرّد القصيدة و تتويجها . دلك أنّ عبارة " منتهى الشعر " تعني في الآن نفسه بلوغ الشعر أقصى ما يمكن أن يبلغ من القوّة و السلطان على مملكة القول الابداعيّ , بما جعله يحقق كلّ غاياته و أهدافه إلا دلك الحد الذي سيجعله يصل قريبا الى نهايته ليتحوّل من بعد خلاّق إلى عنصر كبح , ليكون بذلك المنحى هو الغاية القصوى و في نفس الوقت الاحتضار و الاشراف على الموت .
أما القصيدة , هي التي تمّ السعي إلى إقصائها و وأدها و العمل على طمسها منذ انتهاء الزمن ألأسطوري لتركن في جمود التعاليم المحفوظة و النصوص المقدّسة , فإنّها قد أبدت مع ذلك قدرة عجيبة على تعهّد بقاءها لتعود مجددا للظهور و منافسة " السيّد الشعر " في عقر داره ( البحور الشعريّة ) . و قد حدث ذلك بالتحديد في ساحة " الأرض الوسطى "
La Mésopotamie بلاد الرافدين / ألعراق ز ذلك سنة 1947 , و على يد امرأة هي نازك الملائكة , و في قصيدة كاملة التأنيث , قصيدة التفعيلة , و بعنوان مزعج مربك هو : " الكوليرا . هذا الشكل الجديد للقول الابداعي و نرى أنه فتح الطريق الملكيّة لحريّة الكلمة الشعريّة على حساب "ذكورة الشعر العموديّ ", و مهّدت الطريق لأشكال جديدة من الخطابات الشعريّة كقصيدة النثر و النثر الشعريّ , و غيره من ضروب الكتابة الفنيّة كشعريّة الرواية , التي لا تكفّ حاليا عن النموّ و التوسّع خارج حدود الأجناس الأدبيّة و قيودها .
أما بالنسبة لعبارة " أنوثة العالم " , بما هي دلالة مركزيّة للمقاربة و في علاقة استعاريّة مع أسطورة " برج بابل " , فالمسألة نحسبها ضمن ما بدأ التأسيس له في إطار تطور خطاب النقد الأدبي العربي من نهج نقديّ متجاوز لمدارس النقد المتداولة و السائدة , و الذي يمكن أن نطلق عليه مؤقّتا تسمية " قراءة ممكنة " . و هو يدخل نطريّا في إطار ما أصبح يعرف على الصعيد العالمي بـ " النموذج التأويليّ " أو التأويل بالنموذج .
و النموذج التأويلي في سياقنا هذا لا يقتصر على الأسطورة البابليّة / برج بابل , بل هو يتناولها في تقاطع مع سجلات أسطوريّة أخرى , بغاية الإحاطة بأقصى قدر ممكن بمحتوى المتن الشعريّ, و بالتالي تجنّب النزعة الانتقائيّة ـ الاختزاليّة التي تعتمدها المناهج النقديّة الأخرى . و تتمثل السجلات أو المسارات الاسطوريّة الأخرى في: الحكايات / الخرافات الطوطميّة الافريقيّة التي يسمّها مرسيا إلياد بـ " الأسرار العجيبة للمرأة " و ذلك في كتابة " أساطير , أحلام و أسرار " , و الأساطير المعلّقة بالمتاهة الإغريقيّة بم أسطورة " برج بابل . و تندرج هذه السجلات بالتقاطع و الافتراق في سياق مشترك جامع و هو الانتقال من عهد الأمومة و سيادة الأنثى إلى حدوث سلسلة الانقلابات ( الزراعة و الحدادة, الحرب و السلطة, التاريخ و الفلسفة ) التي أفضت في النهاية إلى فرض سلطان الذكورة المتّصل إلى حدّ الآن . و أنّ الأنوثة ظلّت تقاوم على الهامش و في التفاصيل إلى أن طهرت نذر عودتها مع انتفاضة القصيدة.
و بالتخصيص على برج بابل , فإننا نجد في شذرات الروايات و الأساطير التي مهّدت لهذا السؤال , بعض عناصر الإجابة و باعتبارها أدلّة على الصراع الذي ذكرنا مثل : " مسخهم مخلوقات شيطانيّة برج بابل رمزا لخطيئة الانسان " , و هو ما يدعو بكثير من البداهة إلى استحضار صورة " بندورا " جرّة الشرور , أو الصورة الشيطانيّة لحوّاء و بالتالي للخطيئة الأصليّة و الخروج من جنّة الخلد , بسبب استسلام ذكورة آدم إلى وسوسة الشيطان التي انتقلت له عبر الغواية الأنثويّة . لنجد في المقابل و في نفس سياق الرواية : " إدراك الرب لتخوّف الملك من البرج فأرسل ريحا أطاحت به ..." و هو ما يعني بشيء من عنف التأويل, كما يرى الفيلسوف الفرنسي "جاك دريدا ", تحقق التحالف الذكوريّ بين الربّ / أحد آلهة السماء و الفرقة القويّة من المحاربين الرجال بزعامة الملك النمرود , لإتيان فعل النسف العنيف و الخاطف في سرعته لآخر معاقل الإعلاء من شأن المرأة كما سنرى .
فبرج بابل بحسب ما تتقاطع فيه أغلب الأساطير حوله هو أقرب نقطة إلى السماء و باعتباره موجود في الأرض الوسطى , و هو كذلك الدليل القاطع على قدرة الذكاء البشريّ ـ الأرضيّ على إتيان المعجزات بدون تدخّل خارجيّ : " أنّ البرج كان آية في الإعجاز ..." . هو إذن الانجاز المطاول للسماء , و الأهم من ذلك كلّه أنّه الانجاز الهندسيّ الوحيد أي المشيّد بدقّة فائقة , الذي نجح في تنظيم تعايش أقوام مختلفة اللغات و اللهجات و توحيدها حول لغة واحدة مشتركة و الارتقاء بها إلى أعلى الدرجات ( إقرأ حرفيّا مدارج البرج ) و ذلك في حالة نادرة من التجانس و التناغم و بالصعود إلى الأعلى حيث توجد " فتاة بكر, و رائعة الجمال ..." , هي الأنوثة المثلى : المرأة و اللغة الرمزيّة المقدّسة في نفس الوقت. و هي في طقوس البرج النقطة التي تلتقي فيها السماء بالأرض , في مشهد لنزول الرب من الأعلى يقابله صعود للبشر من الأسفل
و في موقع و لحظة من التحقق و التكامل . و لذلك كان العقاب الذكوريّ ثبورا بالنسف الكليّ و العودة الى التشتيت و الفرقة و المسخ . لاحظ في المقتطفات الواردة في النص تخوّف النمرود من الافتراق باعتباره خطرا على جماعته في البداية " تخوّف الملك النمرود أن يفترق قومه ..." لينتقل إلى اعتماد التحالف السماوي ـ الأرضيّ الذكوري , التشتيت كمنقذ من الوضع الجديد المهدد لسلطانه , بما هو أمثل شكل من أشكال العقاب : " أن ينفيهم الرب إلى مكان ناء ..." ؟؟؟
و يرى جاك دريدا أن ما يقع نشره و الترويج له حول دلالة " البلبلة " بمعنى فوضى الألسن و الاضطراب الاجتماعي و السياسي التي التصقت ببرج بابل , ما هي إلاّ مغالطة إيديولوجيّة راجت عبر العصور للتعمية على التجربة الفريدة في تاريخ الأساطير التي بيّنت قدرة الانسان على تشييد صرح معماريّ ـ اجتماعيّ و سياسيّ قادر على إدارة الاختلاف و الارتقاء به إلى المصاف الأسمى , في ملكوت مداره " الأنوثة الرّائعة " ؟؟؟
و قد كتب" إيمّانويل ليفيناس" في الغرض ما يلي : " بابل التي تنفتح على السماء , هي دعوة لاستضافة الآخر و انفتاح عليه . الآخر ذلك المختلف جذريّا عنّي و هو يتحوّل الى طريق للتّوجّه إلى كل آخر ..." .
*
*

" ذروة التمرد و الترهلات الفكرية في قصيدة لم تكتمل "
21.أ. عند كتابة القصيدة هل تختبئ بين ثناياها لتجسد ذروة التمرد ؟

الجواب:
كتابه القصيدة هي في حدّ ذاتها فعل مكتمل , فعل قول خالص لذاته, speach- act , حسب "أوستين ", و هو بالتالي مطالبا لا بالإخبار أو التقرير أو التبرير . هو لا يجسّد " دورة التمرّد " أو جوهره و لا نقاء الفكرة و المثال, بل هو التحقق الاستعراضيّ للتّمرّد . فالقصيدة ليست قصدا ومقصدا و بل هي تجويف له و علّة تقسم ظهر سواءه , تخرّب اطمئنانه لهيبة المعنى في عديد الاتجاهات . إذ هي باشتغالها على اللغة و باللغة فإنّها تقطع جسور مرجعيّتها و تحطّم دعوى شفافيّتها/ مرآويتها القائلة بنقل العالم على ما هو عليه , و بالإشارة المرجعيّة إلى الذوات و الأعيان مستخدمة في ذلك - في عمليّة التخريب – معاول الانزياح : بالاستعارة و المجاز و التوقف و الحذف و التكرار , و استدعاء غريب اللفظ و الاختلاق و تحريف مجاري الصرف..., و بتشكيلها للصور . تمعن القصيدة في التلاعب بمألوف المدركات و بمستحكم القيم و المعتقدات. تعيد خلط أوراق النظم الرمزيّة, تتسكّع و تعربد في ساحات حقول الدلالة , تنزل المركزيّ منها من عليائه و ترفع الهامشيّ إلى ملكوت خلق مستجدّ الرموز و عجيب عوالم القصور المسحورة . و ما لم تكن القصيدة كذلك فهي لن تعدو أن تكون سوى تناصّ كسيح متهافت و نظم مكرور, او هي تكريس لتقليد الشعر بما هو نظام لسلطان القول المأثور , موقّعا و موزونا ؟
*
*
21. ب. وكمفكر سياسي هل ستنقل من خلالها مايحدث من ترهلات فكرية ومأسي إنسانية ؟

الجواب:
انطلاقا من مسلّمة كون أنّه لا فكر و لا وعي خارج اللغة , و بما أن القصيدة هي ذلك الاستخدام المخصوص للغة المسوم بالشعريّة , فهي لا تنكتب أو تتحقق إلاّ من خلال الدفع بالذاتيّ إلى أقصى الحدود لغويّا , إلى تلك الثغور و الأصقاع و المنافي , التي تجعل من الذاتيّ كونيّا . ليكون الشاعر ذلك الكائن الذي يقتات من الضباب ...ليغدق وطنا , لا بل كونا .
و قد كتب الشاعر محمود درويش في مجموعته الشعريّة " لا تعتذر عمّا فعلت " و في قصيدته : "لا تكتب التاريخ شعرا" ما يلي:
لا تكتب التاريخ شعرا هو
المؤرّخ لا يصاب برعشة
الحمّى إذا سمّى ضحاياه
و لا يصغي إلى صرخة الجيتار
(..............)
فلاسفة و فنانون مرّوا من هناك
و دوّن الشعراء يوميات أزهار البنفسج
ثمّ مرّوا من هناك ... و صدّق الفقراء
أخبارا عن الفردوس و انتظروا هناك.
يفيد هذا المقطع من شعر درويش بتفكّر العلاقة المستشكلة بين الشعر و التاريخ / الوعي السياسي و الاجتماعي و لعلّه من الأجدر بنا أن نشير إلى تدرّج درويش في النظر إلى تجربته الشعريّة من جهة القول بأنّ للوعي بمثل هذا الموقف من " السيّد التاريخ " لديه , لم يتبلور بالوضوح و النضج الكافيين إلاّ بعد خوضه مرحلة من العناء المعرفيّ و الإبداعي و من علامات تلك المعاناة ثلاث محطات فارقة و هي : قصيدة " الجداريّة " المطوّلة , و مجموعة " لماذا تركت الحصان وحيدا " , ثم مجموعة " لا تعتذر عمّا فعلت ", التي بها غادر محمود درويش منطقة الشعر الوطنيّ المحمّل بهموم التراب و الزيتون و الوطن و المقاومة , أي الشعر السياسي و الايديولوجيّ, ليتّجه نحو الشعريّة الخالصة , الى القصيدة التي تختار شكلها و نفسها الكونيّ . إذ لم يحتفظ درويش من خزانة رموزه الوطنيّة إلاّ ببعض الأدلّة و المواطن التي من أكثرها تواترا في شعره الجديد رمزيّة الطير المهاجر: الطائر الدوريّ...
و بهذه النقلة النوعيّة التي يصفها درويش نفسه بـ " القفز إلى الهاوية ", تكون العلاقة بين الشعر و السياسة قد شهدت تغييرا جذريّا , من استتباع السياسيّ للشعريّ إلى تنويع سياسة الشعر, بالكيفيّة التي يصبح معها الشعر هو أفق السياسة و ليس العكس. و هي لعمري العلاقة الطبيعيّة الأصيلة , على اعتبار أن السياسة هي الارتهان بالمتعيّن الظرفيّ , بينما يتعالق الشعر مع الوجوديّ و المطلق الأزليّ . السياسة نظام يقوم على التغيير بالكسر و الانتفاء و الشعر منظومة تعمل بجدل الهدم و البناء. و تتحرّك دلالة " الحريّة " في القصيدة برشاقة الفراشة و بتعدد الألوان الرمزيّة بين " عيون إلزا" عند إيلوار و "بحر أيلول الجديد " عند درويش و طريق "سمرقند " عند أدونيس , بينما تعقلها السياسة في مفهوم واحد أحد كأن يكون فرضا فلسطين أو الاشتراكيّة .
و بنظرة أبعد في الزمان و المكان , نرى أن شعر المتنبي على عظمته لا تستدعي منه الذاكرة الجماعيّة -بقطع النظر عن اهتمامات المختصّين و الأكاديميين - غير صور الحكمة ذات البعد الأزلي ّ , بينما تستبعد النواحي الخاصة بمعاركه السياسيّة و في المقابل يحفظ التداول لابي نواس جزءا اهم من خمرياته نظرا لارتباطها بتفاصيل كونيّة لها صلة بمتعة الحياة , بالإضافة إلى غياب السياسي فيها أو ضآلته .
و خلاصة القول في هذا السياق , و دون فصل للمقال , يمكننا الادعاء بأن الايديولوجيا بما هي نظريّة أفكار , و بمعنى الاعتقاد و المبدئيّة , تظلّ مبثوثة بدرجات متفاوتة في النص الابداعيّ , نظرا لأنّ لكلّ فرد عاقل بما في ذلك المبدع , فلسفته الخاصة في الحياة , فريدة أحيانا , لكنها غالبا ما تكون مشتركة تدور حول السائد من القيم و الأفكار و مع فارق في درجة الوعي الحاد بها لذي المثقّفين . أمّا عن تفضيل حضور السياسيّ في الشعريّ من عدمه, فإنّ الموقف التقدّمية حسب رأيي يفترض القبول بالتعدّد , أي بتساكن الحساسيات و التيارات الشعريّة المختلفة : للشعر الملتزم و الشكلانيّ و الصوفيّ و العاطفيّ و غيرها . وأن التنوّع كان و سيظلّ موجودا في أغلب العصور, و إن طغى اتجاه ما على غيره في مرحلة محددة. كما أنّه علينا في المرحلة الراهنة أن نغادر منطقة إصدار الأحكام انطلاقا من ثنائيّة الخطأ و الصواب الوضعانيّة , خاصة فيما يتعلق بحقول الابداع. , لندخل عصر الفكر الاحتماليّ. أمّا سلوكيّا و إيتيقيّا فعلينا الاقرار بحق الاختلاف , و بأن لا نعالج صعوبات التحرّر إلاّ بالمزيد من الحريّة , ذلك هو الشرط الذي سيتحقق باكتساب القصيدة اقتدارها الذاتيّ من خلا تأثيرها الفعلي و الجماليّ , على خلخلة الركود ...بدون إسناد معنويّ أو ماديّ لسلطتها من خارجها.
*
*
22.كشاعر متى خانتك الكتابة، وتوقفت عند قصيدة لم تكتمل بعد ؟
الجواب:
ليست الكتابة في الأصل غير نوع من ألخيانة إنها الخيانة ذاتها, الخيانة بما هي " نسيان للوجود بالاستغراق في متاهة الموجود " على حد تعبير "مارتن هيدغر " في كتابه الوجود و الزمان . ذلك أن الكتابة كتقنية رسم للعلامة القوليّة , هي في واقع الأمر أثر لما عداها , بقايا لما أو كان هنا , هي تعبير عن غياب لحضور سابق يقتصر في وظيفته على المسك بخيط واه من طلب حضور / استحضار ما لكائن انسحب بتلك الكيفيّة التي أصبح معها مضطرّا لتسجيل حضوره بوسيط الكتابة .
فالكتابة إذن هي استعاضة بنظام اختزاليّ من الأدلّة ( الخطاب , النص ) عن الحضور الكامل و الممتلئ , عن سكنى اللغة بالكلام , بفعل القول الحيّ الذي عرف عهده الذهبيّ مع الأسطورة . هو ذات الكلام الذي جاءت به النصوص الكبرى المؤسسة من التعاليم و و رسائل القول المقدّس / الوحي و النبوءات و إشراقات العرّافين ...ليستبعد فجأة و يترك مكانه لخطاب اليقين المكتوب ويركن إلى جهة الخطابة كتقنية و أداة وظّفت لخدمة السلطة ألسياسية بعد أن تمّ إخضاعها الى القولبة و التبسيط في قواعد و صيغ البلاغة المكررة , و في محسّنات البيان و زخرفه السطحيّ .
وحدها القصيدة ظلّت تحمل عبأ الكلمة البكر, متنكّرة بحيل الاستعارة و المجاز , من أجل أن تحافظ على أسرار الترابط العضويّ بين القول و الفعل , و سجينة في معتقل " المحاكاة " ـ محاكاة الحقيقة ـ بسبب ما حكم به النظر الفلسفي الأفلاطوني على الفنون كلّها و نقلها من منزلة إنتاج المعني Sémiosis إلى درك تقليد الواقع / المثال Mimosis . فكان على القصيدة أن تتجشّم عناء رحلة « عبور الصحراء " الطويلة , مزوّدة بماء الغموض و ذخيرة الاحتمال . فهل للقصيدة إمكان للخروج العظيم الجديد ؟ و هل لها أن تكتمل ؟
لعلّه بالإمكان القول أنّه ليس هناك من قصيدة مكتملة , و أنّه ليس على القصيدة أن تكتمل , إذ لو اكتملت لتوقّف الشعراء عن القول , و لختم المعنى , و لساد العالم صمت جليديّ رهيب , أو صرير بلاغيّ عدميّ لجعجعة اليقين ؟
لذلك فإنّ الشاعر لا يبدع في الحقيقة سوى قصيدة واحدة, تظلّ مفتوحة على التخلّق بالولادة و التجدد ما دام الشاعر متورّطا في الحياة, و منشغلا بصيانة أسباب البقاء.
و مثل القصيد مثل شجرة يغرسها الشاعر فتنمو بجذع هو شخصيته الفنيّة , أسلوبه و عنوان فرادته , و تتفرّع أشكالا متنوّعة بالصور البهيجة و المخلخلة . تبدو القصيدة ـ الشجرة شبيهة ببنات جنسها, لكنها مع ذلك تختلف عنها في الآن نفسه بمساحة فيئها و بكثافة نشرها و اكتناز ثمارها. كما يتحوّل الشاعر من زارع إلى بذرة تجدّد دورة الخصب , تعود إلى التربة بقانون " تفاحة نيوتن , أو برحلة طير مهاجر و انتجاع ضباء , لتعيد معجزة النبات بالانبعاث في دورة الخلق و الابداع .
فالقصيدة التي لم تكتب بالمعنى الحرفي و المرجعيّ للعبارة , ما هي إلاّ خلق في طور الكمون , هي استراحة شتويّة تنتظر نذر الدفء لتبرعم و تتفتّح و تزهر من جديد ...
*
*
" طقوس مشرط النقد الديمقراطي "
23.كناقد ماالذي يعتريك حين تجتذبك بعض النصوص ، فتشمر عن أدوات النقد ومشرطك النقدي ، لتمارس طقوس رؤاك في تشخيص العمق الجمالي والإبداعي أو مواطن الضعف فيها ؟

الجواب:
النقد هو بحكم دلالته اللغويّة البديهيّة أو التي تبدو كذلك, هو عملّية انتقاء تتداخل في توجيهها أو التأثير عليها متغيّرات عديدة متشابكة, ذوقيّة, معرفيّة, ثقافيّة, و اجتماعيّة تداوليّة. و الناقد ليس موظفا ملحقا بالكاتب المنتج للنص, و لا هو طبيب مكلّف بمعالجة " النص يقوم بتشريحه و الكشف عن علله. لا فقيها يصدر الأحكام الفاصلة في شأن النص , أو هو عرّافا و لادجّالا يكثر من دخان الأبخرة ز فرقعات التمائم ليلفت الانتباه إلى النص الأدبي ليجني من ذلك بعض الأجر و بعض سحر الشهرة . إنّما هو مبدع له حقله الخاص ينتقي مشاتله و بذورها ليوزّع حديقته المختلفة بأدواته الخاصة من المفاهيم و المناهج .
و للنقد ـ في ما أرى ـ كمنحى معرفيّ , له دورته المنتجة بمراحلها المختلفة المترابطة , التي تبدأ بالقراءة الأولى و ما تحدثه من أثر يولّد الانطباعات و الحدوس و الأسئلة الأوّليّة , ليمرّ الى مرافقة تفصيليّة لموضوعه و تنتهي بوضع محاور كبرى للاهتمام و التناول بالتأويل , تظلّ خاضعة باستمرار للمراجعة و التعديل لكي لا تتحوّل إلى قوالب جاهزة تخضع النصّ لحقائقها و أحكامها , و تختزله في أهدافها الخاصة , كما يتطلّب النظر في النص إعدادا بتفكيك الجوانب الفنيّة منه و طرائق الكتابة و أنماط الخطاب ( تقنيات السرد في الرواية و بناء الصور في الشعر ...) . لنصل في النهاية إلى التأليف بين ما تراكم من نتائج الاستقراء و الاستقصاء, في وحدة نصّ إبداعيّ جديد. و هو المنهج الذي نزعم تسميته بـ " قراءة ممكنة " قوامها نموذج تأويليّ تتعدّد فيه مستويات الـتأويل بالاستناد الى مسار معرفيّ تحدده مناخات القراءة , أو تتعدد فيه النماذج و المسارات إذا كان النص مركّبا , لتلتقي بالتقاطع في حوض دلاليّ موحّد أو متجانس . و نموذج التأويل أو التأويل بالنموذج هو إحدى المناحي الجديدة لمناهج النقد الأدبيّ العربي الذي لم يعتمده إلى حدّ الآن سوى قلّة من النقاد العرب و لعلّ من أبرزهم عبدالله الغذامي ....
و لعلّ خلاصة ما نرتئيه و ننحاز له , في المشروع النقديّ التأويلي , و هو بصدد البناء و التبلور النظريّ و التطبيقي , ينطلق مما أشرنا له سابقا في شأن " القراءة الممكنة " , التي تعبّر بدورها عن جملة من الاختيارات المنهجيّة و المعرفيّة التي تتباين نوعيّا مع تصوّرات و قواعد المناهج النقديّة السائدة في خطاب النقد الأدبي العربيّ , لكونها ـ كقراءة ممكنة ـ تقول بالاحتماليّة و بالطابع المؤقت لاستنتاجاتها , و تعتقد في أولويّة الاستقراء على الاستنباط , أي أنها تشتغل بالخروج من الموضوع / النص الابداعي ألى المعرفة الحافّة به و ليس ألعكس و إن كان ذلك لا يعني إقصاء الاستنباط تماما و لسبب بسيط و هو استحالة ذلك على اعتبار أن كلّ عمليّة إدراك و تصور و تفكّر لا بدّ لها , بصفة واعية أو غير واعية أن تنتقل تباعا من الخاص إلى العام و من العام إلى الخاص , و لسبب آخر يرتبط بطبيعة المنهج الذي يفترض العثور على " النموذج التأويلي ", الذي هو من طبيعة معرفيّة , انطلاقا من عوالم النص الابداعي , و ليس من نظريّة أدبيّة أو إيديولوجيّة خارجة عنه .
فالقراءة الممكنة هي إذن اختيار منهجيّ يتصف بكونه مرافقة عاشقة للنص , تقلب العلاقة التقليديّة في التعامل معه ـ و هي العلاقة الموروثة عن تقليد تفسير النصوص المقدّسة ـ من علاقة تنطلق من الكتابة نجو القراءة , إلى علاقة تبدأ بالقراءة / التلقي لتتجه نجو الكتابة / المتن , فلا يكون بذلك النقد بحثا و كشفا عن نوايا و معاني و جواهر , ثابتة و ثاوية في النص , بل هو تأويل يرتبط بمعارف القارئ, بثقافته وانتظاراته, و درجة استمتاعه بالنص. فلا يخرج بذلك بحقائق نهائيّة مطلقة , بل إلى جملة من الاستخلاصات النسبيّة, التي من شأنها أن تختلف و تتغيّر من متأوّل إلى آخر . كما يمكن لذات النتائج الدلاليّة أن تخضع من جديد إلى المراجعة و التطوير , بحسب اتساع أفق القراءة و التلقي النصيّ و المشهديّ و المعرفيّ.
و بذلك يمكن الإعلان عمّا يمكن أن نحسبه جدوى و نجاعة لـ" القراءة الممكنة " , بما هي تأويل بالنموذج , لأنها المنهج الوحيد – إلى حد الآن – الذي يحدد لنفسه غاية أو غايات لا تدّعي الشموليّة , و أنه يحتمل إيواء و تجاور مسارات تأويليّة مختلفة , ويتجنّب اتخاذ موقف الاقصاء و الاستبعاد و النفي , باسم امتلاك الحقيقة الأحق , و الموقف الأسلم.
و هي مع ذلك لا تستبعد توظيف مكاسب التناول النسقيّ , بل تذهب في هذا الشأن إلى استدعاء أكثر أنماط التفكير تجريدا , كالرياضيات مثلا . ( من ذلك اعتماد نظريّة الكوارث الرياضيّة عند " روني طوم " ) . و بالتالي فهي ليست طريقة انطباعيّة و عفويّة كما قد يتبادر للأذهان كما أنها تعمل أكثر ما يمكن على تفادي الاختزال و التقليم , من خلال وضع توزيعيّة للنص تقسّم مكوّناته بين ما هو مركزيّ و هامشيّ , اتعالجها برصد طيف متعدد من العلاقات الرابطة بينها, ليتسنى لها تجاوز إسناد هيمنة الدلالات المركزيّة و تنسيبها بعلاقات التكافؤ و التساكن , أن تذهب , بما تسمح به رهانات النص , إلى حدّ الانقلاب بهدم تفوّق المركز على هامشه .
و بقدر ما تتقدّم هذه العمليّة , و تتوفر لها الشروط الذاتيّة ( معارف المتلقي ) و الموضوعيّة ( مدى ثراء المكوّنات النصيّة ) , تصبح مهمّة النقد أقرب إلى الغاية الأساسيّة للتأويل , وهي رسم ملامح فرادة النص و و ما جاء به من رصيد استثنائيّ , الذي به يأخذ مكانته / منزلته في خريطة المشهد الابداعيّ ليصبح واحدا من مكوّنات تضاريسه بحسب مقدار تخلّصه من القديم و المألوف و اجتراحه للجديد المفاجئ و المخلخل ... و المؤسس.
لتكون بذلك هذه " الطريقة قد اضطلعت بالتشريع إلى التعدد الداخليّ : مسارات و مستويات , و التعدد الخارجيّ : اختلاف التأويلات و نسبيّتها , عسى أن تكون قد توصلت الى تأكيد مشروعيّة ما دعا إليه الناقد الفلسطينيّ و المفكر الكبير إدوارد سعيد , و وسمه بـ : النقد الديمقراطيّ ؟
أمّا بالنسبة للمدارس و المناهج النقديّة السائدة , فإنّ خطاب النقد الأدبي العربي بتعدّد اتجاهاته ( شكلاني, جمالي, اجتماعي , نفساني , نسويّ...) فإنّه ينقسم عموما إلى تيّارين كبيرين : التيار اللغوي الشكلاني و التيار المادي الاجتماعي . يهتم الأوّل بطرائق الكتابة و الأساليب الفنيّة و يركّز الثاني على القضايا الاجتماعيّة و الفكريّة ـ الايديولوجيّة , مع لزوم الإشارة إلى ما حصل من بعض التطور في اتجاه تجاوز هذه الثنائيّة النقديّة , بالنظر الى تميّز المنهج النقدي الذي يعتمده الناقد الفلسطيني فيصل درّاج من خلال المزاوجة الطريفة بين المنهجين . غير أن مظاهر القصور التي تعتري خطاب النقد الأدبي العربي برمّته كثيرة و من أهمها : غياب الدقّة و التساهل في نقل النظريات و المفاهيم , و استبدالها دون مبرر أو حاجة علميّة لذلك , و سحبها بصفة آليّة على موضوعها ـ النص الأدبي العربي ـ , و الاكتفاء بها دون العمل على تطوير أيّة قدرة على المساهمة في إنتاج المفاهيم , و بالتالي الاحتفاظ و التسليم بموقع التبعيّة المعرفيّة , و دور النقل الاستهلاكي الكسول للرصيد الثقافي الأجنبيّ . و لذلك فإنّ الانحياز الراهن لمنهج التأويل بالنموذج , يجب النطر له كمحاولة لتحرير خطاب النقد الأدبي العربي من هذه التبعيّة , من خلال رسم هدف ملحّ هو السير به نحو اكتساب القدرة على الانتاج النظريّ و المعرفيّ , استنادا إلى ما يختص به المنهج من حريّة في اختيار "نماذجه" كمّا و نوعا , و لما يتميّز به من نسبيّة و مرونة في صياغة نتائجه , مع انفتاحه على تعدد التأويلات التي تفتح بدورها بابا للجدل الخلاّق , الذي من شأنه أن يساعد على شحذ " الشخصيّة النقديّة العربيّة " بصعوباتها و أسئلتها , و بحاجاتها و أجوبتها , و هو ما يرجّح تحوّلها بالتراكم إلى رافد من روافد إنتاج المعرفة الكونيّ ؟
*
*
" المثقّف العضويّ وسلطة النص "
24. كل شاعر يكتب لابد هناك من هاجس يدفعه للتدوين ، فما ذاك الهاجس الذي يستحوذ على أناك لتطويع الأدوات الأدبية والموسيقية في الكتابة ؟

الجواب:
الهاجس الذي يدفعني للكتابة هو هاجس الهواجس أو هو الهاجس المتكاثر في ما عداه و إن صحّ القول:
هو الحريّة .
فالكتابة بالنسبة لي و للمبدعين عموما على ما أرى , هي فعل التحرّر في الهنا و الآن و من دون انتظار للوعد اللاهوتي ّ بالخلاص و بفردوس العالم الآخر. و حدها الكتابة فبل السياسة و الايديولوجيا و الاقتصاد و الثورة والثروة , قادرة على تجسيد العوالم الأرضيّة الموازية لبؤس الواقع و قيوده و إكراهاته . و هي تلك المقاومة الذكيّة المراوغة بحيلها الفنيّة و الجماليّة , بإحاطتها المعرفيّة القادرة رغم القهر و الاستبداد و تضييق الرقابة , على بناء صرح سلطتها / سلطة النص الموازية و المزعجة لاستقرار و جبروت سلطة السلطان , أيّا كان هذا السلطان : دكتاتورا حديثا أو مستبدّا شرقيّا . و وحدها شجاعة الكاتب / المثقّف العضويّ قادرة في أحلك ردهات الصمت على أن تصدح بقول الحقّ الفاضح ـ على حد تعبير الفيلسوف ميشال فوكو ـ , في ذلك الموقف الذي تستعيد فيه اللغة لحظة اتحاد الكتابة بالكلام , و التي يساوى فيها المبدع / المفكّر بين حياته الخاصّة و الحياة مطلقا بين تحرّره الذاتي و الحريّة بما هي مطلب كونيّ .
أما عن أشكال الكتابة التي أمارسها , فأنا أتعاطى الكتابة بنفس المعنى الذي ينطبق على تعاطي الأفيون بالنسبة لمدمنيه . و أنا لا أعتبر نفسي شاعرا بالمعنى النظامي للكلمة , بل إنني أقرب لكتابة ضرب من النثر الشعريّ بعلاقة مع هاجس آخر سأعود للتفصيل فيه بعلاقة مع سؤال آخر لاحق . إنّما أجتهد أكثر في الكتابة النظريّة في مجالات التاريخ الاجتماعي و في الاقتصاد السياسيّ في شكل مقلات صحفيّة مطوّلة . أما الكتابة التي أتقدّم بها للمشهد الثقافيّ و الابداعيّ في صيغتها المكتملة , فهي النقد الأدبيّ , و الذي فيه ثلاثة أعمال : الأوّل عرف فرصة النشر سنة 2009 , و هو دراسة للأعمال الشعريّة الكاملة للشاعر السوريّ هادي دانيال, و قد صدر تحت عنوان " مرافئ أوليس اللاذقيّ ", و الثاني يحمل عنوان " الشعر و الايديولوجيا " و هو تحت الطبع حاليا , و الثالث هو قيد الانجاز و الاستكمال و هو تحت عنوان " منتهى الشعر , ابتداء القصيدة .." . و ينهض المشروع في ثلاثيّته بهاجس التحرير المعرفي للقصيدة , بما هي رحم الشعريّة , شعريّة القول بقطع النظر عن قولبته الأجناسيّة , من قيود و اشتراطات الشعر الذي يكاد يستوفي طاقة الترّد و التجديد فيه , لكثرة ما علق به من صدئ الصور المألوفة و القيم المتعالية المتحجّرة إلى ذلك الحدّ الذي تحوّل معه الشعر إلى سلطة كبح و نظام استبداد على حريّة العبارة و الكلام ؟؟؟
*
*
25. متى تجترح اللحظة المناسبة لقراءة نص شعري ، وتقوم مستوى العمل على أساس المذاهب والتيارات الأدبية ؟

الجواب:
اللحظة المناسبة لتناول أثر ما بالدراسة و النقد هي وليدة ذلك الجدل المتواصل بين القراءة و الكتابة الذي ينشأ في إطاره نوع من التواشج بين انتظارات القارئ / الناقد المعرفيّة و الوجدانيّة و الجماليّة و ما يفاجئ به النص من خلخلة للقوالب السائدة فكريّا و فنيّا , و من خروج عن مألوف المشهد الابداعيّ , سواء كان ذلك على مستوى الجدّة في أساليب الكتابة أو التفرّد في الصوت الشعريّ .
تبدأ هذه العلاقة بالتشكّل عبر الانطباعات الأوّليّة أو الحدوس العارفة , التي يسمّيها " بول ريكور " ـ فيلسوف التأويليّة ـ بالذاتيّة ـ الموضوعيّة , و قد تطوّرت بالرجوع المتواتر للمتن لتتحوّل لاحقا إلى جملة من الفرضيّات البحثيّة , يوظفها الناقد لاحقا باستخدام عدّته ألمعرفية لتنتهي إلى تحديد منزلة الأثر و قيمته التجديديّة من حيث مدى الإثبات والخرق . كما أنّ العمليّة تفيد بشحذ المفاهيم و المقولات النقديّة للناقد, و هو ما من شأنه أن يثري المعجم النقديّ و يطوّر أو يغيّر المناهج المعتمدة.
*
*
26 . أتكتب بلغة أخرى، وما مدى توسعك فيها ؟
الجواب: :
اللّغة الفرنسيّة هي اللغة الثانية من حيث الاستعمال في بلادنا و قد ظلّت إلى حدود سبعينات القرن الماضي اكثر استعمالا في الإدارة و التعليم من العربيّة و هي كذلك اللغة التي نقرأ بها إلى حدّ الآن المراجع و الأعمال ذات القيمة العلميّة العالية و المتخصصة .
*
*
27. و هل ترجمت أشعارك أو كتابتك, أما تراها بعد الترجمة تفتقد لنغمة و روح النص عند نقله إلى لغة أخرى ؟

الجواب:
أمّا عن الترجمة فأنا لم أحاولها إلاّ بالنسبة لبعض النصوص القصيرة و بطلب من بعض الأصدقاء الغربيين . و في ما عدا ذلك فإنني أفضل كتابة بعض النصوص التقريريّة أو الإبداعيّة باللغة الفرنسيّة من البداية , , إذ لا موقف محدد لي من الترجمة عامة , عدا في ما يتعلّق بترجمة النصوص الابداعيّة من رواية و شعر , حيث أرى أن الترجمة هي انفتاح على إمكانات لغويّة و تعبيريّة جديدة و إثراء للغة الأم . كما أن النص المترجم أعتبره يمثل في حدّ داته إبداعا آخر مستقلّ بذاته . فالترجمة ليست نقلا حرفيّا للنص " الآخر " و لا هي خيانة له , إنّما هي تشبّع بروح النص و ولوج طريف إلى عوالمه و ليخرج منه ما يتقنه المترجم / الكاتب الجديد من تنويعات لغويّة و من توغّل جوانب التجديد و الطرافة القيميّة السلوكيّة و الجماليّة , و لكسر الجدران و الحواجز بين الثقافات و إخراجها من توجّسها المتبادل الواحدة تجاه الأخرى , للإعداد على المدى البعيد لنوع من الأخوّة الانسانيّة .
*
*

" الانفلات اللسانيّ و التلاعب اللغويّ "
28. : ماتكتبه من شعر ، هل تراه يلامس أخيلة أغلب الأجيال ؟
29. ما الهاجس الذي يعتريك كلّ مرّة و أنت تمارس الكتابة ؟
الجواب:
هذين السؤالين الذين عمدنا, اجتهادا , دمجهما في سياق واحد , قد يبدوان للوهلة الأولي فرعيين أو هامشيين , و لذلك فهما و للسبب ذاته , يمكن إكسابهما من الفاعليّة و النجاعة بالكيفيّة التي أثرنا بها سابقا مسألة تحريك ما يبدو هامشيّا في سياق أصناف الدلالة , التحريك الذي يمنح الهامشيّ من الاقتدار ما به يزيح المركزيّ و يخرّب هيمنته .
و إذ يتحرّك الاستفهام هنا بوجهيه , و جه التلقي ( يلامس أغلب الأجيال ...) و وجه معاودة الكتابة ( الهاجس الذي يعتريك كلّ مرّة ...) , فهو يتطابق بما يشبه الاتفاق مع ما تمّت الإشارة إليه من قلب لاتجاه العلاقة بين الكتابة / النص و القراءة / التلقي , لفائدة الانطلاق من الثانية عوضا عن الأولى , أي التوجّه من القارئ نحو النص و ليس العكس.
أمّا عن القراءة و القرّاء بصفة عامة , فإنّ شبكات نشر و توزيع المطبوعات الفكريّة و الأدبيّة في بلادنا يطلّ مشكلة شديدة التعقيد إلى ذلك الحدّ الذي تتماهى فيه مع الفوضى , و تفتقر للشفافيّة . ليكون بذلك الوسط المثالي الذي تنتعش فيه و تترعرع عصابات الإثراء الطّفيليّ و من بيروقراطيّة وزارة الثقافة و مرّوجيّ الورق . و هو الأمر الذي يجعل من المستحيل على صاحب الكتاب الأصليّ , الكاتب و المبدع أن يتقصى أثر منتجه , أو يعرف مصيره و مدى وقعه و تأثيره في المشهد الثقافي العام . و مع ذلك فإنّه أصبح بالإمكان , منذ اعتماد التداول الرقميّ للنصوص , رسم الملامح العامة لمدى تلقي النصوص و تكوين فكرة أوّليّة عن الحجم الكميّ للقراء و حول تصنيفهم النوعيّ .
و إن كان التركيز في سياق هذه المحاورة سينصبّ على تلقي النص الشعريّ بالخصوص , فإنّ التطرّق بالإشارة إلى ما عداه من النصوص لا يفتقد بدوره إلى بعض الأهميّة , و هو يدخل كذلك في إطار رؤية الجهة الأخرى من الثنائيّة موضوع القلب في شأن العلاقة بين الهامشيّ و المركزيّ .
فالنصوص التي كتبت و التي هي الآن بصدد الإنجاز. و قد بدأت نشرها منذ ما يقارب عن 15 سنة في أشكال مختلفة بالتعاقب و التزامن و هي الصحفيّ فالكتابيّ فالرقميّ, تنقسم إلى ثلاثة أصناف و هي كالتالي:
ـ المقالات الصحفيّة المطوّلة في مناقشة القضايا الكبرى كالهويّة و الامبرياليّة و العولمة و الاقتصاد... و التي يجمع بينها خيط رابط هو مراجعة الثوابت و المسلّمات التي بنت عليها الأجيال السابقة مشاريعها المجتمعيّة , و التي لم تراكم إلى حدّ تاريخ قريب غير الإخفاقات و المآزق النظريّة و العمليّة . و هي مقالات تراوح بين التحليل النظريّ و الوقائعيّ , و الدعاية و التحريض على الإمساك بالحداثة و التقدم من أبعاده المتعددة , التقنيّة الاقتصاديّة و الاجتماعيّة و الفكريّة و الجماليّة , من أجل تجاوز ما شرّعت له اليقظة العربيّة الأولى و ما تلاها من سير أعرج لسياسات بدون فكر و مجتمعات بدون مواطنين ؟؟؟
ـ أمّا الصنف الثاني من النصوص فهو البحوث و المقالات الأدبيّة النقديّة و التأويليّة , في الرواية و الشعر و السينما و الرسم... و منها ما تناول نقد خطاب النقد الأدبيّ نفسه . و قد نشرت هذه المقالات في صحيفة محليّة و في مجلاّت محكّمة مشرقيّة. و قد تطوّر هذا المسار بالتراكم في اتجاه نشر المقالات ذات الوحدة العضويّة في إطار كتاب أوّل " مرافئ أوليس...», و كتابين آخرين في طريقهما للنشر.
هذا و إن كانت المقالات ذات الصبغة السياسيّة و الدعائيّة تجد قرّاءها في واحد من أكثر الصحف التونسيّة انتشارا , فإنّ المقلات الأدبيّة فإنّها بحكم تخصصها فإنها تستهدف بالضرورة نخبة محدودة من القرّاء في أوساط الأدباء بجميع أجيالهم , و هي تلقى عموما صدى إيجابيّا بالتثمين أو النقد لصبغتها التجريديّة أو لجرأتها .
ـ أمّا الصنف الثالث من الكتابات فهو مجموع الشذرات التي تكتب بنسق متواصل على الورق العادي او على صفحات شبكة التواصل الاجتماعيّ , و هي التي تحظى بعدد يزيد أو ينقص من المتلقين , و هي تقريبا القطاع الوحيد الذي يمكن تقييمه بالإحصاء و التصنيف العمريّ و غيره . و هو يشمل طيفا عمريّا واسعا من القرّاء و إن كان بدرجة متفاوتة حسب اختلاف القضايا المطروحة و الاهتمامات .
و تتمثّل هذه الشذرات في ما يمكن أن أسمّيه بـ " ارتجالات الهباء المنثور " , و هي عبارة عن بعض الأسطر من " النثر الفنيّ " التي اخترت لها أن تكون مقتضبة مكثّفة , لتتلاءم مع طبيعة القراءة التداوليّة السريعة , كما أحرص أن أدخل عليها بعض الإيقاع و التنغيم بالسجع أو بالتقفية تنشيطا لذاكرة القارئ و تسهيلا عله بالحفظ و الاستخدام , و زيادة في المفعول و الأثر . و هي التي تستجيب أكثر من مسارات الكتابة الأخرى إلى الوجه الثاني من السؤال المطروح حول «هاجس معاودة الكتابة ".
و إذ تكاد " ارتجالات الهباء المنثور " -ـ و هذا العنوان تم اختياره من إحدى الشذرات النصيّة ـ تختصّ بالانتجاع الكتابيّ في حقول كلّ ما هو عاطفيّ و جماليّ , و بتواتر الخوض في شأن مقولة / قيمة " الحب" بالمعنى الذي يحاول أن يقاربه النصّ التالي :
" و يسألك القارئ الافتراضيّ ـ الرّهيب , الرّقيب ـ : لماذا أنت تكتب دائما عن الحبّ ؟ و لماذا لا تمشي قصصك فيه إلى النهايات السعيدة . أجبه : أنّ الحبّ هو حصانك المسرج بالجموح , لفكّ أسر الحدائق المسيّجة بأشواك المحظور .... لكي تستعيد الورود هويّتها البريّة , و ينفتح للأمل أفق السهوب... ذلك أن نهاية القصص لا تنبت غير أضلاع الحصون " . 23 /03 / 2014 .
أو :
" أعرف أنّني مهزوم في حروب عينيك ...إلاّ أنه قدر أبطال الترجيديا يلزمني بسرقة النّار ".
و عليه فإنّ الهاجس الكامن فيها , و الدافع لها هو تحقيق المتعة باعتبارها المحرّك الذاتيّ النفسيّ , الأعمق و الأكثر إصرارا على البقاء و الاستمرار , و إلحاحا على الظهور أو الانفلات اللسانيّ , بحسب النظريّة الفرويديّة . المتعة بما هي سعي دؤوب إلى الإشباع و التحقّق و الامتلاء بأجمل ما تتوفّر عليه الحياة من أبعاد تنشدها الكينونة . و هو ما تصرّفه الكتابة الإبداعيّة بضرب من " التلاعب اللغويّ" أو اللعب باللغة , مع ضرورة الإشارة إلى ذلك التلازم بين اللعب / الرغبة و اللعب / النزوع النفسي نحو تحقيق الذات . و قد اختارت هذه الممارسة الكتابيّة أن تتوجّه في سياقات تجريبها الابداعيّ نحو إعادة صياغة المفاهيم و المقولات و القيم التي يرد لها أن تكون متعالية , كالحبّ و الحريّة و الجسد و السعادة و الوفاء و غيرها , و ذلك بتخريبها و هدمها , و قلبها و تقليبها, في سياقات من " الامتاع و المؤانسة " , من أجل استعادة انغماسها في صلصال الحياة و إروائها بنسغ الوجود . و العمليّة في حالتنا هذه شبيهة بـ , أو هي تقترب من صورة الاختلاف بين نوعين من اللعب الطفولي : نوع أوّل تقليدي نظاميّ , يقف عند الاستمتاع باللعبة التي تقدّم أو تهدى كما هي و إبقائها للذكرى , أو التخلّي عنها عند استبدالها بأخرى جديدة , أما الثاني فهو ذلك اللعب المسكون بدهشة المعرفة , و الذي يتعاطى مع اللعبة بالتهشيم و التفكيك من أجل التعرّف عن آليات اشتغالها و مكوّنات هيكلها , و الكشف عن مكامن أسرارها و سحرها . ليكون بذلك اللّعب الأوّل تكرارا جامدا لشكل من الاستمتاع النمطيّ و هو يعيد إنتاج التراتب الاجتماعيّ , بينما يكون اللّعب الثاني مجالا لمتعة , هي الشروع في الخلق بالهدم و البناء , باكتساب المعرفة و القدرة على الابتكار و الإعداد للانتقال من مرحلة الاستهلاك السلبيّ للعبة إلى مرحلة صنع " لعبتك الخاصّة " .
و في خلاصة القول , نحن نعتبر أنّ هذه اللّعبة اللّغويّة ـ الطفوليّة , هي بمثابة مضمار حيويّ للتجديد و التجدّد , به نسعى إلى تجاوز المأزق المعرفيّ الذي يتخبّط فيه " العقل العربيّ " من خلال اكتفائه بتقديس المأثور , أو بالتقليد و النقل عن الآخر الثقافيّ المتفوّق , و قبوله بالانسحاب الطوعيّ من حلبة المنافسة الكونيّة حول إنتاج المعارف , و تفويته الفرص على نفسه في الفعل التاريخي الإنسانيّ ؟؟؟
*
*

" العقليّة الديمقراطيّة مفقودة في نقد النقد"
30.هل برايك مازال هناك أعلام نقدية رصينة معروفة بمنجزها النقدي وتاريخ أدبها الرصين في تاريخ الحركة الثقافية العربية ؟
الجواب:
لخطاب النقد الأدبي العربي صيرورة تاريخيّة طويلة نسبيّا, رغم حضورها الباهت في المشهد الثقافيّ العام. و يمكن رسم الملامح العامة لهذه المسيرة من خلال ثلاث مراحل كبرى , بدأت مع بدايات القرن العشرين , و قد اتصفت بتقديم جملة من الأحكام الانطباعيّة الذوقيّة حول محتوى الأثر الأدبيّ و سيرة كاتبه. و مرحلة ثانية امتدت من أواسط الثلاثينات إلى الستينات , و هي مرحلة النقد المتأثر بالنظريات النفسانيّة و المدارس الأسلوبيّة , فالمرحلة الثالثة التي بدأت مع السبعينات و التي طغى عليها النقد بالنظر الى الملاءمة الاجتماعيّة , و ذلك قبل أن يتراجع أمام اتساع دائرة تأثير النظريات اللسانيّة ـ اللغويّة .
هدا على المستوى الكميّ الخطيّ , أمّا نوعيّا فقد عرف خطاب النقد الادبي العربي مرحلتين متمايزتين تمثّلتا في مرحلة النقد الخارجيّ للنصوص عن طريق التركيز على سيرة المؤلّف و ما يعالجه من وقائع و أحداث في كتاباته . و يعتبر هذا الخطاب أقرب للتاريخ الأدبي منه للنقد كمنحى علميّ و أما المرحلة الثانية فهي مرحلة النقد الداخلي التي مع تقدّم الدراسات الألسنيّة بنتيجتها التي يمكن اختزالها للغرض في مقولة " رولان بارط " حول " موت المؤلّف " , انصبّ اهتمام النقد ككلّ العلوم العصريّة على " موضوعه " , ألا وهو النص الأدبيّ , ليعمل على تفكيك بناه و إبراز العلاقات المنطقيّة و الجدليّة الرابطة بين مكوّناته سواء تعلّق ذلك بالقضايا المطروحة فيه " الثّيمات " كالظلم و العدل , و الاستبداد و الحريّة , و الحياة والموت , و الصراع و التواطؤ..., بالنسبة لمدرسة النقد الاجتماعي . ببناء الخطاطات الصوريّة المجرّدة و استخراج أنظمة تركيب القول و تصنيفه بالنسبة لمدرسة النقد الشكلاني .
أما بالنسبة لأعلام النقد الأدبي العربي , فبقطع النظر عن أحكام الجودة و التهافت , فبالإمكان القول أن المرحلة النوعيّة التي خلّصت النقد الأدبي من تاريخ الأدب , قد أفرزت نخبة من النقاد العرب المتخصصين الذين توصّلوا على اختلاف مشاربهم الفكريّة و اختياراتهم المنهجيّة , إلى رسم الحدود الواضحة الى حدذ كبير , للنقد الأدبي كحقل معرفيّ متميّز و قائم بذاته .
و هذه النخبة يمكن بدورها تقسيمها إلى ثلاثة أصناف من النقّاد أو ربما أكثر إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ممارسة ما يعرف بـ " النقد الصحفي " و تعاملنا معه كصنف منفرد .
يتعلّق الصنف الأوّل بالمنحى المهتمّ بالجانب المعرفي و المشتغل على شرح النظريّة الأدبيّة أو المساهمة في تبسيطها أو بنائها و تطويرها . و يشمل كذلك دراسة المذاهب النقديّة من خلال التعريف بآلياتها و مناهجها , و المقاربة بينها و رسم حدودها , من حيث الإحاطة بالأثر و نجاعة الأحكام و النتائج أو القواعد التي تنتهي إليها في سياق ما يعرف بـ " نقد النقد " . و لهذا الصنف ينتمي على سبيل الذكر لا الحصر كلّ من: سعيد يقطين ( تحليل الخطاب الروائيّ ) و عبد المالك مرتاض (في نظريّة الرواية), و محمد القاضي ( في إنشائيّة القصّة القصيرة ) و ميجان الرويلي و سعد البازغي (دليل الناقد الأدبي) و صلاح فضل و غيرهم ...
أما الصنف الثاني فيتّجه أكثر نحو ممارسة تطبيقات المذاهب النقديّة المعروفة و خصوصا منها التّيارين الاجتماعي و الشكلاني , على متون الابداع السردي و الشعريّ العربيّ : كجابر عصفور و ياسين الحافظ و يمنى عيد ..., في النقد الاجتماعي , و غنيمي هلال و رشاد رشدي و كمال أبو ديب بالنسبة للتيّار التحليلي اللغويّ .
و هما التياران اللذان احتدم بينهما النزاع في القود الزمنيّة الأخيرة , بحكم التشدد في الانحيازات الفكريّة و الاجتماعيّة للقائمين عليهما .
و أمّا الصنف الثالث فيشمل بعض الحالات الفرديّة الخارجة نسبيّا عن حلبة " نزاعات المذاهب النقديّة " , و إن كان لها بعض التواشج مع هذا الاتجاه أو ذاك بعلاقة مع تجربة البدء و الانطلاق . ويمكن اعتبار هذه الحالات رغم قلّتها تيّارا تجديديّا و بداية نزوع نحو التجاوز و نذكر من أبرز المنتمين إليه : فيصل درّاج في كتابه " التاريخ و تأويل الرواية " و عبدالله الغذامي في " النقد بالنموذج الـتاويلي " و إدوارد سعيد في تنظيرة لـ " النقد الديمقراطي ...
و أخيرا يمكن الالتفات إلى ما اعتبرناه صنفا رابعا و هو " النقد الصحفيّ " , فهو يمثل ظاهرة قديمة و متواصلة و متنوّعة . هي عموما الوجه الظاهر و المتداول لخطاب النقد الأدبي العربي , و إن كانت تتصف غالبا بالتباين الكبير بين النصوص المنشورة بمراوحتها بين الأحكام الانطباعيّة و الدعاية المدفوعة الأجر من ناحية , و الورقات المتخصصة ذات القيمة العلميّة العالية . و هي في كلّ الأحوال ضروريّة لضمان حضور الأدب في المشهد الإعلامي أو لكونه نشاطا للتكسّب و ضربا من التدريب على القول بالاختلاف والتعدد و بالتالي التأسيس للعقليّة الديمقراطيّة المفقودة في أوساط ثقافيّة و اجتماعيّة و سلطويّة لا تزال في أغلبها تعتقد في فكرة امتلاكها للحقيقة الواحدة الأحاديّة ؟؟؟
*
*
31.هناك من يقترف الكتابة في حدائق الساحات العامة والمقاهي لسبب ما قد يخصه ، أو بالحانات ممن يعيشون التوهن ، هل يحتاج الشاعر، أن يمر بهذه المتاهات ، لينضج شعره ؟

الجواب:
أوّلا علينا أن نتّفق أنه لا توجد علاقة استتباع و ضرورة للرّبط بين مكان ممارسة الكتابة و مدى جودتها و نضجها أو تهافتها . و ثانيا فإنّ الكتابة باعتبارها وريثة للقول الشفويّ / الكلام , هي ممارسة مرتبطة شديد الارتباط بالفضاء العمومي , و ربما لذلك نشأ الفكر التنويري الحديث في المقاهي و الصالونات الباريسيّة و اشتهر "الحيّ اللاّتيني بحانات المبدعين كـ " جون كوكتو " الذي عرف عنه تارجحة على ستائر ...
و في البلاد العربّة " تخرّج " بعض أعظم الكتاب و الشعراء من المقاهي و الشوارع و الخمارات و حتى من أوساط الدعارة و الاجرام , مثل محمد شكري ( صاحب الخبز الحافي ) و محمد الماغوط و في تونس الثلاثينات تأسست الحركة الأدبيّة الحديثة على يد فريق من المثقفين الذين عرفو بـ " جماعة تحت السّور " , نسبة على المقهى الذي كانوا يلتقون فيه لممارسة نشاطاتهم الابداعيّة , و لعل من أبرزهم الأديب " علي الدّوعاجي " و هو أول من كتب القصة القصيرة الجديدة و المعروف بأسلوبه الساخر, والذي كان من بين أهم مؤلّفاته رحلة في حانات البحر الأبيض المتوسط ", و غير ذلك من الأمثلة و السّير ...
كما أنّ النزلة الهامشيّة التي حكمت بها الأنظمة العربيّة و المجتمعات على المثقف و المبدع , تجعله يعيش , إذا لم تكن وضعيّته الماديّة ميسورة , في حالة من العوز المزمن , تضطرّه إمّا للتنازل عن تجذير فكره و فنّه و مواقفه من أجل ضمان الاستقرار , أو التدحرج على أسفل درجات العيش و السلوك .
و قد يذهب بنا القول , في شا،ن التعامل مع المبدع و رعايته , إلى التوجّه بالنقد لأصحاب المشاريع التقدميّة و الثوريّة من الأحزاب و المنظمات العربيّة , التي لم تول في أغلبها الاهتمام الكافي بمبدعيها , كما افتقدت غالبا إلى إيلاء الاهتمام في برمجها بالبعد الثقافي. فكان المبدع هو الذي يقدّم للحزب من وقته و ماله و إشعاعه و استقراره الاجتماعي أكثر مما يحصل عليه منه , و قد لا يحصل في مراحل القهر الطويلة في العالم العربي , إلاّ على التتبع و المطاردة و النفي و القتل و التنكيل ... أو يختار هو شراء كرامته بالانتحار ؟؟؟
فعليه و حسب رأيي , ليس سلوك المبدع أو مكان إنتاج النص و هو الذي يحدد قيمة ذات النص وجودته , فكم من نصوص رديئة وعطيّة متحجّرة كتبت في المكاتب الفاخرة و أخرجت في المصنّفات الباذخة , و كم من المؤسسات الأكاديميّة تشكو من العقم الابداعي بالمقارنة مع عدد المبدعين القادمين من الأزقّة الخلفيّة و الفضاءات الحقيرة و المبتذلة ... و الخارجين من جحافل الجوع و التهميش التي يعجّ بها العالم العربيّ ؟؟؟
*
*

" سحر جنون الشعر وتهويم الحكي"
32. أجد أن الشعر هو ضرورة أدبية في أي مكانة تضعه ضمن الأجناس الأدبية كونك تمتهن النقد ؟

الجواب:
" في البدء كان القول " , ألا وهو الشعر أب المعارف كلّها , ذلك أنّه في الزمن الانسانيّ السحيق الطويل كانت الأساطير تقال شعرا , و تحتوي جماع التعبير عن الخبرات البشريّة كافّة : الحكمة و التنجيم و الطبّ و التعاليم . كان الكهّان يرتّلون القول المقدّس و يذكّرون بالأمثال ، و الرعاة و الصيّادين ينشدون الترانيم. و كان الاسم بما هو صورة ذهنيّة رمزا شعريّا يحتوى الأسرار و يأتي معجزات الفعل. وكان الفنانون ينحتون أكوانا رمزيّة, و لم تكن الآلهة نفسها سوى استعارات و مجازات للخصب و للحرب وللجمال...
و بعد أن استبعد الشعر و ركن في زاوية المحاكاة مع الفنون الأخرى , على إثر العثور المفاجئ على أقنوم الحقيقة , ظلّ الشعر مقاوما يخبو و يطفو بحسب انزياحات صفائح المعارف , و لا يلبث أن يعود في فترات الانحطاط و الفوضى و الغموض , ليخرج اليقين من مآزقه و ليؤسس للاستئناف و التحوّل . ألم يكن الشعر هو المقدّمة ؟ مقدّمة كبرى لعصور اليقظة الأوروبيّة " الولادة الجديدة "La Renaissance و التنوير الحديثين , و هو يراوح في التصوير بين " جحيم فاوست غوته " و نرجسية الذات الرومنطيقيّة التي جعلت من الانسان محورا للوجود و من الفرد و الفردانية الفكرة الناظمة المحايثة للمشروع المعرفيّ الحداثيّ ؟
و في مرحلة ما عندما تورّط عصر التاريخ الصناعيّ و تعاظم وحش التقنية , أخمد صوت الشعر من جديد و أرسل به إلى عتمة الأقبية لصالح الاحتفاء بما يتلاءم مع خطيّة السير و التفكير , و سببيّة الفعل و التقرير, الذي ابتدع له فنّ الكتابة شكل الرواية. و بذلك الاشراقات و التجلّيات مكانها للإخبار
و الحبك و الأجوبة ؟
و بما أنّ عبادة التقنية قد دفعت بالإنسانية إلى أهوال الدمار و الحروب الكونيّة ( الحرب العالميّة الأولى ), كان على الوجدان البشريّ الأسطوريّ أن يستعيد حلمه , بأن يقابل بشاعة جنون التقنية و سطوة العقل الفولاذيّ و بمسخ البشاعة جمالا , بالتعالي عن واقع أكل لحوم البشر , و العودة إلى سحر جنون الشعر و فجاءت " السرياليّة " و " أزهار الشر " البودليريّة , التي أخرجت الجليل و الجميل من قبح الموت و العدم. و بالإمكان في هذا السياق أن نشير إلى بعض دلالات قصيدة " الجثّة " لشارل بودلير, خصوصا في ما يتعلّق بصورة تحوّل الجثّة إلى ديدان باعتبارها مجازا و إحالة على الحياة و الحركة
و التكاثر و تتخلّق من الموت و الانتفاء ... , ثم خلف في الفنون و الفكر اللاّمعقول المعقول , و ما بعد الحداثة الحداثة ؟
فما منزلة الشعر إذن, بعد كلّ هذه الزلازل الوجوديّة و المعرفيّة ؟ و ما موقعه من الأجناس الأدبيّة ؟
من هذا المنطلق يمكن التوجّه بالنظر نحو ما يحدث لمسارات الكتابة الفنية و الابداعيّة من تحوّلات من شأنها أن تنبئ باحتمالات المصير في شأن أشكال الخلق و التعبير هي أشكال نعتقد , دون إطلاق بالجزم , أنّها مرشّحة للتضحية بالشعر من خلال القفز إلى أحضان الشعريّة , بهجرة قوالب صناعة الدلالة التي تكلّست , و بالعودة إلى الرّحم الأسطوريّ للعبارة و القول . . حجّتنا في ذلك هي هذا النزوع الراهن للشعر نفسه نحو التنصّل من ضوابطه النمطيّة الخارجيّة ( الشكل و الوزن و القافية و المربعات المقطعيّة ...) ليختار وقع المفاجأة , و تهويم الحكي و حميميّة النغم الداخليّ .... و ذلك بالتزامن مع حركة موازية و مشابهة للرواية , التي تترك مواطن الإخبار البارد و رتابته , لتعوّضه بالانتجاع إلى مناطق الشعريّة و التكثيف في نسيجها . فهل يعود الشيء نفسه مختلفا على حد نبوءة هيراقليطس ؟؟؟
*
*
33.:هل تنتقي المواضيع لتكتبها ؟
الجواب:
الكتابة الابداعيّة هي كتابة للآخر. هي ذهاب طوعيّ عليه, و تعالق معه بالتواصل و التواشج .. و العشق . هي الاضطلاع بالمشي نحو الآخر في طريق المتعة و إشاعة البهجة . هي بشكل ما دعوة مفتوحة لقيامة "الكرنفال " كما صوّره " باختين " .
*
*
34. هل فرض عليك أن تكتب في موضوع ما لم تكن مقتنعا به , فما هي أولوياتك في الكتابة ؟

الجواب:
أمّا الكتابة بإيعاز من الآخر, لأيّ سبب أو تعله كانت: النفوذ و الولاء, التواطؤ, الالتزام... , فهي ليست كتابة إبداعيّة , هي استكتاب , و ممتهنوها – من الإهانة – هم كتبة و ليسوا كتّابا و مؤلّفين . و هي على حدّ التعبير الفرنسيّ: عبوديّة Négritude ؟؟؟
أمّا أولويّة الكتابة من حيث القضايا و المضامين, فلها جدول أعمال متعدد و وحيد في نفس الوقت هو: الحريّة, و المزيد من الحريّة من قبل و من بعد . ...
_______________
* 1 . من نص للكاتب بعنوان " أحوال جويّة "
*2 . روبرت ج. إنجيرسول، سياسي ومحام أمريكي. خطاب، نادي مانهاتن الليبرالي.
3* معلومة تاريخية

توجه " إدارة الحوار المتمدن" عميق شكرها للمفكر اليساري الأديب " نور الدين الخبثاني " على أناقة فكره وسعة باله وأناته في حوارنا الطويل معه ، انتظرونا مع شخصية جميلة أخرى .



#فاطمة_الفلاحي (هاشتاغ)       Fatima_Alfalahi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - سحر جنون الشعر وتهويم الحكي- حوار مع المفكر التونسي ، اليس ...
- - العقليّة الديمقراطيّة مفقودة في نقد النقد- حوار مع المفكر ...
- أعلن إشهار صمتي
- - الانفلات اللسانيّ و التلاعب اللغويّ - حوار مع المفكر التون ...
- - المثقّف العضويّ وسلطة النص - حوار مع المفكر التونسي ، اليس ...
- - طقوس مشرط النقد الديمقراطي - حوار مع المفكر التونسي ، اليس ...
- حوار مع الكاتب علاء اللامي ،-انتخبوا العراق فقط حيا أو ميتا- ...
- إلى كل عمالك ياسليل الحضارات ياوطني
- حوار مع الكاتب علاء اللامي ،-انتخبوا العراق حيًا أو ميتًا فق ...
- حوار مع الكاتب علاء اللامي ،-انتخبوا العراق حيًا أو ميتًا فق ...
- ليل مغموس بالهجير
- حوار مع الكاتب علاء اللامي ،-انتخبوا العراق حيا أو ميتا- فقط ...
- حوار مع الكاتب علاء اللامي ،-انتخبوا العراق حيا أو ميتا فقط ...
- انتخبوا العراق حيا أو ميتا فقط ، حوار مع المحلل السياسي ، وا ...
- وزر الليالي
- - ذروة التمرد و الترهلات الفكرية في قصيدة لم تكتمل - حوار مع ...
- -أدلجة الشعر-و - أنوثة العالم - حوار مع المفكر التونسي ، الي ...
- - الذات الثوريّة ، و تبني الماركسية معارضة هيغل للاأدرية - ح ...
- من أبجديات الهوى
- - كتاب السياسة وصناعة الحدث والتحليل - حوار مع المفكر التونس ...


المزيد.....




- صديق المهدي في بلا قيود: لا توجد حكومة ذات مرجعية في السودان ...
- ما هي تكاليف أول حج من سوريا منذ 12 عاما؟
- مسؤول أوروبي يحذر من موجة هجرة جديدة نحو أوروبا ويصف لبنان - ...
- روسيا تعتقل صحفيًا يعمل في مجلة فوربس بتهمة نشر معلومات كاذب ...
- في عين العاصفة ـ فضيحة تجسس تزرع الشك بين الحلفاء الأوروبيين ...
- عملية طرد منسقة لعشرات الدبلوماسيين الروس من دول أوروبية بشب ...
- هل اخترق -بيغاسوس- هواتف مسؤولين بالمفوضية الأوروبية؟
- بعد سلسلة فضائح .. الاتحاد الأوروبي أمام مهمة محاربة التجسس ...
- نقل الوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير للمستشفى بعد تع ...
- لابيد مطالبا نتنياهو بالاستقالة: الجيش الإسرائيلي لم يعد لدي ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - فاطمة الفلاحي - حوار مع المفكر اليساري الأديب نور الدين الخبثاني في- العقلنة والإنعتاق الإنساني - من -بؤرة ضوء-- السادسة عشر والأخيرة