أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رضا شهاب المكّي - الثّورة المعطّلة...إلى أين؟















المزيد.....



الثّورة المعطّلة...إلى أين؟


رضا شهاب المكّي

الحوار المتمدن-العدد: 4437 - 2014 / 4 / 28 - 22:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تجتاح العالم موجة عارمة من الاحتجاجات كما تعرف مناطق منه ثورات شعبية، لكن في الحالتين نشهد تعطّلا لهذه الموجات الثورية. فلنبدأ بمظاهر التعطّل وأسبابه داخل منظومة الثّورة المضادة أولا، ثم في القوى الثورية ثانيا، لنخلص إلى الخطوط الكبرى لمشروع إعادة تشكل القوى الثورية استعدادا لخوض المعارك السياسية المقبلة.
1. الثّورة المضادة : منظومة معطَّلة.
يشهد النظام الرأسمالي المتوحّش موجة من الاحتجاجات الاجتماعية المتنامية والمتصاعدة في كافة أرجاء العالم، وتعرف بعض جهاته انتفاضات وثورات متتابعة. أدّى هذا الاحتقان الاجتماعي المتنامي إلى استقطاب عالمي للقوى المتصارعة، إذ تتمترس الطبقة البورجوازية مدجّجة بقواها السياسية والعسكرية والمخابراتية، وبمراكز دوائرها المالية والبحثية والإعلامية من جهة، والطبقات الاجتماعية المتضرّرة والمهمّشة والمضطهدة بسبب غطرسة الاحتكارات، وعجز الدّولة الوطنية عن القيام بأدوارها التعديلية من جهة ثانية، أمّا في بلدان الاستبداد السياسي، فقد تهاوت شرعية الحكم لتصبح عبأ ثقيلا على الدّوائر الرأسمالية النافذة في عالم رأسمالي تشقه صراعات متنامية حول مواقع النفوذ ومصادر الثروة وما يطلبه من إعادة تشكل الخارطة العالمية.
لقد دفع هذا الوضع بالدّوائر النافذة في النظام الرأسمالي العالمي إلى القيام بضربات استباقية لاحتواء الحراك الاجتماعي والسياسي المتصاعد في بلدان الحكم الفردي وتوظيفه لفائدة مصالحها المتجددة داخل مناخ دولي شديد التوتر. وقد استعدت الدّوائر الرأسمالية الغربية بقيادة أمريكا إذ بدأت منذ بداية الألفية الثالثة بتصميم مشروع إعادة هيكلة أنظمة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وفق سياق الصراع الدولي حول مناطق النفوذ ومصادر الثروة. كما خطط المشروع الأمريكي لاستعادة شرعية الحكم المفقودة في دول الاستبداد السياسي وذلك بتغيير الفاعلين السياسيين القدامى وإعادة رسكلة بعضهم وإعداد فاعلين جدد في المفاصل الأساسية الخمسة: النظام السياسي، السلطة القضائية، المرأة، الإعلام والتعليم. ويشترط في الفاعلين المرشحين لهذه المهام أن يكونوا قادرين على إعادة إنتاج النمط الاجتماعي والسياسي للحكم وفق شروط الارتهان التام لغطرسة الدّوائر الرأسمالية. كما يشترط في إعادة التشكل داخل منظومة الحكم السياسي الليبرالي الجديد إدماج قوى سياسية ذات مرجعية دينية رغم تشكّلها عند نشأتها على أسس دعوية ترفض أسلوب الحكم الديمقراطي الليبرالي. وقد شغّلت هذه القوى طابعها الدعوي بغاية استمرار الخطاب التكفيري داخلها كشرط لاستمالة الّتيارات الجهادية وتوظيف طاقاتها التفجيرية في إرهاب الناس وجرّهم إلى القبول بالأمر الواقع: "التضحية بالثّورة في سبيل مقاومة الإرهاب." ومن أجل بناء توافقات دائمة ومستمرة مع القوى السياسية الليبرالية التقليدية، فقد تمّ ترويض هذه القوى "الدينية" بالإكراه تارة وبالإغراء طورا لتستقرّ، وبصفة دائمة، كطرف سياسي شديد الارتباط بمنظومة المنوال الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الرأسمالي المتوحّش. ولم تجد الدّوائر النافذة في العالم الرأسمالي صعوبة في ترويض هؤلاء المتأسلمين داخل المنظومة السياسية الغربية بعدما دُرّبوا في عالم المال الفاسد والأعمال المشبوهة طوال سنوات "الجمر" الّتي قضّوها "مهجّرين". ولم تمض مدد قليلة في الحكم حتى انكشفت هذه القوى كذراع تنفيذي لإملاءات الدّوائر النافذة وتعليماتها في العالم الغربي وكشريك استراتيجي لمنظومة الحكم الفاسد الّتي أطاحت ثورة تونس برأس نظامه. إن المرجعية الدينية الدعوية والتكفيرية لا تعفيها من أن تكون قوى داعمة، وبدون تحفّظ، للرأسمالية المتوحّشة، بل إنّ مرجعيتها تلك ساعدتها وتساعدها إلى الآن على أن تكون كذلك. وتتّجه هذه القوى "الدينية" إلى التكفير ليس لأنها دينية، وإنما لأنها تستند إلى الدين لتبرير الممارسة التكفيرية وما سيترتّب عنها من تخطيط وإعداد وتنفيذ للتفجير والاغتيال.
تسعى هذه القوى إلى زرع الخوف لدى الناس وكافة أعضاء المجتمع المدني والسياسي بغاية إجبار الجميع على الاستقالة من الحياة المدنية والسياسية والقبول بوقف الحراك الاجتماعي والسياسي الثوري واستبداله "بحرب جديدة ضد الإرهاب" يصطفّ حولها الجميع وبفضلها تسترجع القوى الأمنية والعسكرية دورها ومكانتها وامتيازاتها في منظومة الدّولة الجديدة/القديمة كقوى نافذة ومسؤولة على نفاذ القوانين والسياسات الّتي تحدّدها المنظومة الجديدة للفساد.
أمّا "خروج" هذه القوى السياسية من الحكومة والقبول بـ “حكومة تكنوقراط" فغايته تخفيف عبء الحكم وتوريط جهات أخرى في مسؤولية الفشل الذريع أمام تنامي الاحتجاج الاجتماعي واكتساحه لكافة القطاعات، وأمام عجز الحكومة على تلبية ولو جزء ضئيل من المطالب الاجتماعية وبعدما استُكمل مشروع تخريب الدّولة وتفكيك أجهزتها وارتهانها التامّ لدوائر النفوذ المالي العالمي. ففي كل مرّة يشتدّ فيها الغضب الاجتماعي إلّا ويطلّ علينا الإرهاب ليضرب هنا وهناك محوّلا بذلك الاحتجاج الاجتماعي إلى "وحدة وطنية صمّاء" يقرع طبولها سياسيون وإعلاميون وطنيون جدّا وأوفياء جدّا جدّا...
لقد هيّأ " الإرهاب" ظروف التّوافق وشروط الحوار ومخرجاته السياسية والّتي من أهمّها تشكّل قطب سياسي سيتولّى الحكم في المرحلة القادمة، وهو قطب يجمع الجناحين الرئيسيين في التيّار الليبرالي المرتهن للدوائر المالية والعسكرية والإعلامية والمخابراتية النافذة في العالم. إن مهمّة الليبراليين الجدد من ذوي المرجعيات "الدينية" المتحالفون مع الشتات الليبرالي التجمّعي مثلهم مثل الليبراليين التقليديين من ذوي المرجعيات الدستورية والاشتراكية الديمقراطية المتحلّلة هو ترويض توابعهم للانخراط في مشروع رسكلة الفاعلين السياسيين وتجديدهم والقبول بتوافق لا يرى في الثّورة إلا خدعة وحلما ولا يرى في الحقيقة إلا تجديدا للفاعلين وتلميع صورة الحكم وتأمين استمراره.
إنّه فعلا أمر مؤلم أن يقتنع المناضلون الشرفاء بهذا "الأمر الواقع" ويصطفّ الواحد تلو الآخر داخل مشروع " الانتقال الديمقراطي". إنّ هذا التوافق لا يحقّق للشعب التونسي مطالبه في الكرامة والعزّة والحريّة والعدل والمساواة ليس فقط لأنه يُصدّر الحرّية السياسية في المقام الأوّل، وإنما وأساسا لأنّه يلغي الاستحقاق الاجتماعي والوطني. إنّ إلغاء هذين الاستحقاقين الأساسيين يمهّد الطريق إلى عودة الاستبداد السياسي. إنّنا لا نعترض على الحريّة السياسية في حد ذاتها باعتبارها حريّة ليبيرالية وإنما لأنّ هذه الحريّة لم تعد ترتقي إلى مستوى حلّ التناقض داخل النظام الرأسمالي ودولته الليبرالية المتهاوية. لا يمكن لمن تموقع كمشكل أن يصبح حلّا للمشكل نفسه لذا كان حتما على الثوريين أن يبحثوا في جوهر الاستحقاق الاجتماعي والوطني لصنع بدائل مغايرة لمنوالي الحكم والتنمية.
لقد استعدّ "المتوافقون" لتأمين انتصارهم على قوى الشعب الكادح والمهمّش والمعزول والمفقّر وعلى أصدقاء هذا الشعب من الّذين يتألّمون لألمه ويغضبون لغضبه. إنّ هؤلاء "المتوافقين" بصدد استكمال نظام انتخابي يضمن سيطرة جناحي الطبقة البورجوازية المرتهنة لدوائر النفوذ العالمي.
إنّ هذه المنظومة الجديدة تحتاج إلى دعم فئات من البورجوازية الصغيرة المتألّفة من كبار الموظفين والخبراء وكبار المحاسبين والمحامين والمهندسين والأساتذة الجامعيين وغيرهم من الفئات المرفهة.
إنّ هذه الفئات تمثّل القاعدة الاجتماعية للمنظومة الجديدة للحكم الّتي تسيّرها مصالح البورجوازية المالية والصناعية والفلاحية والتجارية الكبرى. إنّ الفئات البورجوازية الصغيرة الّتي تتقلّد مسؤوليات في الحكم هي عقل البورجوازية ووسيلة تنفيذ أهدافها في أسواق المال والأعمال كما هي عقلها في في تدبير الشأن الاجتماعي والثقافي. إنّ غالبية من يمثّل الفئات البورجوازية الصّغيرة الّتي تغزو المنابر الإعلامية لم تشارك في الفرز الاجتماعي والسياسي بين قوى الثّورة واستحقاقاتها وقوى الثّورة المضادة، بل كانت دوما تستنجد بالمفردات العامة والمسطّحة، كما غاب عن هذه الحوارات أهل الرأي من المفكّرين والفلاسفة والعلماء وفي الحالات النادرة الّتي شاركوا فيها يستنجد منشطو الخدعة والزيف في منابر الإعلام المنحاز لمنظومة التوافق بـ “الوقت يداهمنا " لمنعهم من حقّهم في التّعبير وتقديم الرأي الآخر. إنّ ما يحدث في هذه المنابر الّتي أصبحت حكرا على وجوه بعينها هو تلجيم لأفواه الآخرين من " غير المنسجمين" مع قدسية توافقاتهم العبثية. إنّ ما يحدث في هذه المنابر هو صورة نمطية لممارسة الاستبداد من قبل "جماعات الحرّية".
إنّ هذا الأمر بديهي ويسهل ملاحظته في كل الثورات وتقريبا في كل الأزمنة لأنّ القوى الاجتماعية البورجوازية وحلفائها من كبار البورجوازية الصغيرة تتوحّد دائما، بحكم تشابك مصالحها، لتأمين استمرار تمعّشها واستفادتها من منظومات الفساد ونهب الثروات وتقاسمها مع الدّوائر المالية العالمية النافذة ليبقى دافعو الضرائب من قوى الشعب المفقر مرتهنين في حقهم وحقوق أحفادهم واحفاد أحفادهم. التاريخ يعيد نفسه بشكل مأساة، فقد دخل الاستعمار المباشر بالأمس ليدخل الاستعمار غير المباشر، استعمار المديونية، اليوم ولنفس أسباب الأمس ! إنّ هذا الأمر يحتّم إعادة طرح المسألة الوطنية بكل إلحاح. إنّ القوى الاجتماعية البورجوازية المتشابكة ساعية، عبر وكلائها والناطقين باسمها، إلى إعادة هيمنتها وسيادتها على الحكم والثروة مستعملة في ذلك كل الوسائل والّتي من بينها تكليف شباب مهمش وشباب من خريجي السجون من المنحرفين والمهرّبين بتنفيذ الجريمة المنظّمة وإرهاب الناس ودفعهم إلى القبول "بالأمر الواقع".
إنّ ثورة تونس كغيرها من الثورات والانتفاضات تواجه منظومة إرهابية فعلية وقع الإعداد لها من قبل الدّوائر الاستخباراتية العالمية بغاية مواجهة الثورات الاجتماعية وتقزيم استحقاقاتها. وقد تكفّلت قوى إقليمية بالتّمويل والتّدريب وإعطاء الضوء الأخضر للتنفيذ. إن عالم اليوم يواجه عودة المنظومات الفاشية، إذ نراها تتلحّف بالعنصرية القومية في أوروبا وبالخطاب التكفيري في المنطقة العربية وهكذا يأخذ العرب والمسلمون "حظّهم" من الفاشية المحلّية ! إنّ الإرهاب مسألة سياسية بامتياز، وإن أردنا فهمه وكشف أهدافه وبالتّالي مقاومته فما علينا إلّا الرجوع إلى المسألة السياسية أي إلى الصراع بين منوالي الحكم والتنمية.
إنّ مشروع الالتفاف على ثورة الشعب التونسي يطلب تجنيدا وهرسلة إعلامية وإطلالات أمنية وعسكرية مستمرّة الغاية منه انضمام الجميع إلى " جبهة وطنية صمّاء " تحارب إرهابا لم نقدر، هكذا بقدرة قادر، على كشف خيوطه والمسؤولين عنه والمستفيدين منه. وتتواصل المهازل ويتواصل الترهيب.
تلك هي مظاهر التعطّل الّتي تتّحد حولها قوى الاستبداد العالمي مع قوى الاستبداد الإقليمي والمحلّي لتحوّل الثورات والانتفاضات في كثير من مناطق العالم إلى حروب مدمّرة وتفكيك للدول.
2. الثّورة منظومة معطَّلة
يعود تعطّل الثّورة التونسية وغيرها من الثورات والانتفاضات إلى النمط الجديد لثورات العصر الحديث، فقد تعوّد الناس على أنّ للثورات قيادات طلائعية وبرامج سياسية ومناويل اقتصادية جديدة متعارضة مع منظومتي الحكم والتنمية، كما تعوّدوا على المعارك الّتي خاضتها القوى الثورية في المستويين السياسي والفكري وقد انضمّ جزء مهمّ من شرائح العمال والمزارعين والطلبة إلى تلك الصراعات. ولما اشتدّ الصّراع الاجتماعي ليصبح صراعا سياسيا مفتوحا حول الحكم، ولما تعاظمت الهوّة السياسية بين الحكم والثّوار، ولّما انهارت تلك الأنظمة، تقدم الثوار، ولو على مراحل متقاربة زمنيا، كبديل سياسي واجتماعي جديد مجنّدين من وسائل الضغط والإكراه ما يكفي لتفجير التّوازن القديم داخل السلطة والمجتمع وبناء توازنات جديدة. وبقطع النظر عمّا آلت إليه هذه الثورات من انتكاسات سياسية واجتماعية استحوذ فيها ثوار الأمس على مفاصل السلطة ومواقع الثروة، فقد تمكّنت في بدايتها من حسم التّناقضات مع قوى الثّورة المضادة ومن إرساء منظومة سياسية واجتماعية جديدة، لتنتهي إلى حسم التّناقضات الناشئة بينها وبين مطالب الشباب والعمال والفلاحين بنفس أدوات الحسم الّتي استعملت مع قوى الثّورة المضادة.
ولّما انهارت بعض هذه النماذج وفي مقدّمتها الاتحاد السوفياتي، ولما سيطرت الآلة الإعلامية الراعية للنمط الرأسمالي الغربي والمنادية بالانضمام إلى " العالم الحرّ "، اهتزت الأحلام الثورية وتحوّل الثّوار تدريجيا إلى معارضين للحكم حينا ومشاركين فيه أحيانا وانتهت الحركة الاشتراكية الديمقراطية إلى حركة عاجزة عن تحقيق الإصلاحات الّتي من أجلها قبلت المشاركة في الحكم أمام تنامي غطرسة المال والأعمال وتزايد ضعف الدّولة في القيام بأدوارها الاجتماعية التعديلية.
إنّ تحوّل الثوار إلى مجردّ معارضين ومجرّد حقوقيين أفقدهم القدرة على وضع البدائل في الدعاية الفكرية والسياسية وفي التحريض الجماهيري الواسع وبذلك بدأوا في الانفصال التدريجي عن قوى الشعب. ولم يكتف ثوار الأمس من التّحوّل إلى مجرد معارضين برلمانيين وحقوقيين، بل انخرطوا في دعم شعارات فضفاضة لا واقعية ولا تاريخية ولا مفيدة لعموم الشعب؛ إذ استبدلوا الصفة الطبقية للدولة (دولة العبودية، دولة الإقطاع، دولة البورجوازية، الدّولة "الاشتراكية"، وصولا إلى الدّولة الاجتماعية الديمقراطية) بصفة أخرى، صفة الدّولة " المدنية ". الّتي لا علاقة لها بمناويل التبادل والإنتاج وعلاقاته والتراكم والاحتكار. إن صفة الدّولة " المدنية الّتي ألصقها ثوّار الأمس بالدّولة لا تعبّر على القاعدة الاجتماعية والطبقية للدولة وبذلك فهي تطمس الصراع الطبقي الاجتماعي وتُعوّمه داخل شبكة من المفاهيم العامّة المبهمة والفضفاضة وغير الواقعية وغير التاريخية. لقد سقط ثوار الأمس في الفخّ الّذي نصبته القوى الليبرالية التقليدية ذات المنشإ الاشتراكي الديمقراطي أو ذات التوجه الليبرالي المعلن والمساند للمنظومة الرأسمالية أو ذات التوجه الليبرالي المتوحّش تقوده قوى سياسية دينية/ علمانية مرتهنة للدوائر المالية العالمية النافذة. لقد اتّفق الليبراليون، القدامى منهم والجدد، على ابتكار شعارات مغرية لاحتواء الفكرة الليبرالية الحاضنة للمنوال الرأسمالي السائد في هذا العصر ومن هذه الشعارات شعار " الانتقال الديمقراطي ". لقد بحثت النخب الملتفّة على الثّورة في التجارب الانتقالية الأخرى لنقله كحلّ سحري وكمعطى لا يقبل الدحض. هناك تجارب تؤيّد عمليات الانتقال الديمقراطي في جنوب افريقيا كما في اليونان والبرتغال وأوروبا الشرقية وغيرها ولكن نخبنا لم تخبرنا عن حقيقة الانتقال وحقيقة المستفيدين منه وجماهير الشعب الّتي ذهبت ضحيته في كلّ التجارب الّتي يذكرونها وإلّا بماذا يفسّرون اشتداد الحراك الاجتماعي في هذه الدول بالذات ؟ إنّ الديمقراطية الليبرالية، على أهمّيتها التّاريخية كسند سياسي لنشأة المجتمعات البورجوازية وتطوّرها لم يعد بإمكانها أن تكون حلّا لأزمة المجتمع البورجوازي الحالي ولأزمة الدّولة الديمقراطية الليبرالية. كلاهما يعيش أزمة خانقة ولا يمكن أن يكون حلّا ما كان وما لايزال مشكلا.
إنّ أزمة الدّولة الديمقراطية الليبرالية هي أزمة سياسية في المقام الأوّل وهي أزمة ضعفها وتخلّيها نهائيا عن القيام بأدوارها الاجتماعية التّعديلية. فإذا كان التناقض بين الدّولة والمجتمع البورجوازي تناقضا سياسيا فلا بدّ أن يكون الحلّ من جنس هذا التناقض أي حلّا سياسيا. فلا يمكن أن تكون الدّولة الديمقراطية الليبرالية حلّا لأزمة نفس الدّولة ليس فقط لأنّها من جنسها بل لأنّها أصبحت دولة غير ديمقراطية، وإذا حان الوقت لإسقاطها واستبدالها كان لابدّ من التّفكير في ابتكار دولة من غير جنسها قادرة على استرجاع دورها التّعديلي الاجتماعي في مرحلة أولى ثمّ تأكيد طابعها الجديد كدولة اجتماعية يؤمّنها نظام ديمقراطي تشاركي يجعل من المحلّيات والجهات والأقاليم مراكز فعلية للحكم التّشاركي.
أمّا الدّولة الّتي يحكمها نظام سياسي استبدادي (فرد، عائلة، طائفة.) فقد عرفت، كغيرها من الدول الديمقراطية الليبرالية، تناقضا سياسيا مع المجتمع البورجوازي الّذي تسوده وقد اشتد هذا التناقض واحتد وانتهى بسقوط الرأس الاستبدادي لهذا النظام إثر ثورات شعبية عارمة تخللتها أيضا مشاريع انقلابية داخلية وخارجية.
ولأنّ النظام الديمقراطي الليبرالي لم يعد حلّا لأزمة الدّولة الديمقراطية الليبرالية ليس فقط لأنه جزء من المشكل بل لأنه لم يعد يصلح لأن يكون بديلا لأزمة الدول الاستبدادية وعليه وجب التفكير في نموذج سياسي جديد قادر على البدء في إرساء منوال اجتماعي جديد.
لا تقدر أيّة حكومة من الحكومات المتعاقبة والمتناسلة في تونس وفي غيرها من " بلدان الانتقال الديمقراطي " أن تكون غير حكومة ليبرالية متوحّشة تضع على عاتق الشعب التونسي أزمتها وأزمة المجتمع البورجوازي الّذي تسوده وأزمة النظام الرأسمالي العالمي الّذي تستند إليه وتخضع لدوائره وإملاءاته. إنّ حكومات " الانتقال الديمقراطي " هي حكومات تُحمّل الشعوب أزمة النظام الرأسمالي بتطبيق سياسات " رفع الدعم " و " التقشف " و" ارتفاع الأسعار " و" التّرفيع في الضرائب " و " غلق باب التّشغيل " وغيره من سياسات التّفقير والتّجويع مقابل دعم وتحصين تهريب السلع والتهرّب الجبائي وتبديد الثروات والسقوط المدوي في مستنقع المديونية.
إنّ هذه الحكومات كغيرها من حكومات " الانتقال الديمقراطي " تعمل على فرض الاستبداد الاجتماعي كخطوة ضرورية لفرض الاستبداد السياسي، فهي لا تحتاج إلى زمن طويل لتظهر على حقيقتها لأنّ حقيقتها تكمن في مرجعيتها الطبقية الّتي ليست إلّا القمع الاجتماعي كخطوة نحو الاستبداد السياسي. لا تحتاج هذه الحكومات إلّا إلى طبقة إعلامية فاسدة، متملّقة، طامعة لتنظيم منابر النفاق والغشّ والخساسة. فهل تستطيع الصفة " المدنية " للدّولة أن تحمي الشعوب من جبروت هذه الحكومات ؟ وهل تستطيع هذه الصفة السّحرية من حماية الدّولة من هيمنة تدين أعضائها ؟ بالتّأكيد لا، ليس فقط بسبب التناقض المزعوم بين " الدّولة الدينية " و " الدّولة المدنية"، وإنما وأساسا بسبب عجز هذه الصفة كصفة تصنيفية للهويّة الثقافية والفكرية والمهنية للأشخاص الّذين يديرون هذه الحكومات وللهوية التشريعية للقوانين، عن الاستجابة للاستحقاقات الاجتماعية والسياسية الّتي تفرضها الثورات الاجتماعية المعاصرة. لا يحتاج الإنسان الليبرالي لأن يكون مدنيا في تفكيره وسلوكه ليصبح مواطنا ثوريا منسجما مع الاستحقاق الاجتماعي للثورة الاجتماعية، كما لا يحتاج الإنسان المتديّن، الإنسان المحافظ اجتماعيا إلى صفات الإنسان الليبرالي ليكون مواطنا ثوريا منسجما مع الاستحقاق الاجتماعي للثورة الاجتماعية، فالصفتان شخصيتان متّصلتان في اختلافهما بالإنسان المادي في المجتمع الحقيقي وهما لا تحولان دون تحوّلهما معا إلى كائنين معنويين أي مواطنين عضوين في دولة واحدة لا تتّصف بأحديهما أو كليهما بل بجوهرها ككائن عام يرتقي إلى ما فوق اختلافهما ككائنين ماديين في المجتمع الحقيقي.
إنّ الحدث التاريخي الأهمّ في عصرنا هو سيادة النمط البورجوازي للمجتمعات الحديثة وما ترتّب عن ذلك من سيادة الحقوق المتّصلة بالإنسان ككائن مادي في مجتمع حقيقي، مجتمع المبادلات والعقائد.
وقد تزامن بروز الحقوق المتّصلة بالإنسان ككائن مادي أي ككائن خاصّ مع بداية انتشار النمط البورجوازي للمجتمعات الحقيقية. ومن بين الحقوق وأبرزها الحقّ في الملكية الخاصّة. وقد ترتّب عن الحقّ في الملكية الخاصّة حقوق حيوية لتأمينها وضمان استمرارها والّتي من أهمّها الحقّ في الأمان والمساواة في غير مدلولها السياسي. أمّا الإعلان عن الحقّ في الملكية الخاصّة فهو بمثابة الإلغاء السياسي للملكية الخاصّة ذاتها ؛ إذ يتساوى في الانتفاع بها كل أعضاء المجتمع البورجوازي الجديد دونما إلغاء للفوارق الحقيقية لهذه الملكية الخاصّة ذاتها ودونما إلغاء لعناصر التمايز الاجتماعي في النشأة والموقع والعقيدة وباقي عناصر التمايز الأخرى.
إنّ هذا الإنسان المادي، الحقيقي، يحتاج إلى إنسان خيالي، إنسان عام عضو في الدّولة. إنّ وجود هذا الإنسان العام، هذا المواطن هو صورة للتحرّر السياسي للدولة، كما إنّ وجود الإنسان الخاصّ، الإنسان الحقيقي، الإنسان المادي الأناني الّذي لا يرى في غيره من الناس إلّا أفرادا ووسائل لتحقيق أغراضه الخاصّة، ليس إلّا الشرط الاجتماعي للتحرّر السياسي للدولة واكتمالها كدولة سياسية. فعندما تصبح الدّولة دولة سياسية مكتملة تكون قد تحرّرت من قيود الامتيازات الطائفية أو الفئوية أو المهنية الّتي يستند إليها جوهر الدّولة القديمة غير المكتملة سياسيا دولة غريبة عن الشعب، دولة سلطة الحاكم بأمره...
إنّ مثل هذا التحرّر السياسي للدّولة إنما هو في النهاية تقدّم عظيم في تاريخ الإنسان وتاريخ الدول ذاتها، وعلى عظمته، فهو ليس آخر شكل للتحرّر الإنساني. سيبدأ الإنسان/ المواطن معركته الجديدة من أجل تحرّره الإنساني يوم تصبح الدّولة المكتملة سياسيا دولة في خدمة فئة صغيرة من المجتمع على حساب السواد الأعظم للمجتمع الحقيقي، حينها تتحول إلى دولة طبقة الأقلية على حساب المنتجين الحقيقيين أي ضدّ الأغلبية الساحقة. يوم تصبح هذه الدّولة في خدمة رأس المال، تذعن لتدابيره وتسجد لتهديداته، يوم تفقد هذه الدّولة قدرتها على أن تكون دولة "للجميع " تفقد في نفس الوقت قدرتها التعديلية والحمائية لفائدة الطبقات الضعيفة والمستغلة كما تفقد قدرتها على إدارة التّفاوض الاجتماعي علاوة على عجزها عن تأمين المكاسب الاجتماعية القليلة الّتي تحققت لفائدة القطاع الأضعف في المجتمع. يوم لا تقدر هذه الدّولة على حماية المكاسب الاجتماعية للفئات الفقيرة، ويوم تعلن عن عجزها التامّ على التصدّي لمنوال الاستغلال الرأسمالي المتوحّش، ويوم تتحوّل إلى مدافع شرس عن هذا المنوال ينتفي حينها طابعها الاجتماعي وتتحول إلى دولة بورجوازية مستبدّة وتعود تبعا لذلك إلى مربعها الأول كجسم غريب لا يظهر إلّا من خلال سلطة الحاكم بأمره، حينها فقط يصبح من أوكد واجبات الثوار الانضمام إلى قوى الشعب وإعلان المقاومة لهذا الجسم الغريب.
إنّنا نعيش اليوم عصر البدء في مقاومة هذا الجسم الغريب واستبداله بجسم جديد قادر على خوض معركة التحرر الإنساني من كافة مظاهر القهر والاستعباد.
إنّ المرحلة الّتي يدعو إليها ثوار الأمس في تونس كما في بقية بلدان " الربيع " العربي هي مرحلة منتهية. إن ثوّار الأمس يسقطون الآن في وهم عميق. إنّهم لا يعيدون بـ " مدنية " دولتهم إلّا نسخة مشوّهة لدولة الأمس. إنهم يشتركون الآن في إنعاش جسم غريب عن الشعب لم يعد له مكان في التاريخ. إنّ هذا الجسم الغريب يلفظ أنفاسه الأخيرة لذلك نراه مرتبكا متشنّجا مستعينا بعصابات الإجرام المنظم ليرهب ويقتل الناس ويفرض سياسة الأمر الواقع، سياسة تحويل الاحتجاج الاجتماعي المتواصل والمتزايد إلى " وحدة وطنية صمّاء " تشن " حربا " ضدّ الإرهاب. سيصمت " الإرهاب " يوم يصمت الاحتجاج الاجتماعي ويقبل الجميع باستقرار الطغمة الليبرالية بجناحيها في سدة الحكم، وسيعود " الإرهاب " للنّشاط كلّما عاد الشعب للاحتجاج. لا أحد من ثوّار الأمس يخبرنا بالمستفيد من " الإرهاب " ولا أحد منهم يبحث عن جوهره في الحقل السياسي.
إنّ توافق ثوّار الأمس مع الليبراليين التقليديين من ذوي التوجّهات الإصلاحية والاشتراكية الديمقراطية والحقوقية ومع الليبراليين المستحدثين من ذوي التوجّهات المحافظة حول الصفة المدنية للدولة لا تُغيّب فقط القاعدة الطبقية للدولة الليبرالية وتوجّهها نحو التوحّش الاجتماعي والاستبداد السياسي، بل تحوّل هؤلاء إلى دمى برلمانية يتقاذفها جناحا الّتيار الليبرالي النافذ والمدعوم عربيا ودوليا من كافة دوائر المال والإعلام والاستخبار.
أمّا التناقض المزعوم بين الصفة المدنية للدولة وصفتها الدينية والّذي " حُلّ دستوريا " لفائدة مدنية الدّولة، فهو لا يعبّر إلّا عن معركة وهمية بين صفتين من الصفات الإنسانية، بين المتديّنين وغير المتديّنين. فهي " معركة " داخل الإنسان الخاصّ، الإنسان المادي لا غير، أي أنّها لا تتجاوز حدود الملكية الخاصّة الّتي تسود المجتمع البورجوازي. إنها " المعركة " الّتي لا يمكن نقلها إلى الكائن الجماعي لأنها ليست من جنسه. إنّ هذا الكائن العام، هذه الدّولة المكتملة سياسيا، دولة المواطنين المتساوين في الحقوق والواجبات، تحتاج في جوهر وجودها إلى الانفصال النهائي عن الكائنات الخاصّة المتنافرة والمتخاصمة.
إن الدّولة الّتي تعلن عن نفسها كدولة دينية، ليست في الحقيقة إلا دولة ناقصة، وهي تحتاج إلى الدين لاستكمال نقصها وتقديسه إذ يصبح الدين بالنسبة إلى هذه الدّولة المعلنة دينيا وسيلة ضرورية لها، أمّا هي فهي ليست إلا دولة منافقة أي لا دولة. فالدّولة الّتي تعلن تديّنها ليست إلا مشروعا لا يتحقّق، وبالتّالي يكون إعلانها لصفتها الدينية نفيا للدّولة ذاتها. فالأمر الّذي يتحقّق ليس الدين ذاته، بل الخلفية الإنسانية للدين في شكل إنجازات إنسانية حقيقية. لنعد مرة واحدة لكارل ماركس في المسألة اليهودية حين كتب " الدّولة الّتي ترى في المسيحية مثلها الأعلى وتعترف بالإنجيل كميثاق لها يجب وضع كلمات الكتاب المقدس أمامها لأن هذا النصّ مقدّس بكل كلماته، هذه الدّولة ... تقع من وجهة النظر الدينية في تناقض مؤلم غير قابل للتجاوز، عندما يعيدها الإنسان إلى مقولات الإنجيل الّتي ليست فقط لا تتّبعها، بل الّتي لا يمكنها اتباعها ولو مرّة واحدة إن لم تحلّ نفسها كدولة انحلالا كاملا.
الدّولة كائن سياسي أو لا تكون، فكلّما اكتمل طابعها السياسي وانفصلت بالتالي ككائن عام عن الكائنات الخاصّة، كلّما أصبحت البلاد الّتي تسودها فضاءا مفضّلا للتديّن الحرّ والكامل.
لقد سقط ثوار الأمس في مستنقعات سياسية دبّرها الليبراليون والليبراليون المحافظون بانخراطهم في مشروع " التوافق " ودعوتهم شرائح من الشعب للانضمام إلى هذا المشروع الّذي حبس الثّورة في الحرّية السياسية وحوّل وجهتها الاجتماعية والسياسية إلى مطالب دستورية وخصومات قطاعية ومهنية. لقد تدافع " المتخاصمون " من أجل " دسترة " حقوقهم القطاعية والفئوية الضيّقة وأهملوا حقوق صاحب السيادة الفعلية في الحكم المباشر وفي تقرير مصير الهيئات المهنية المنتخبة وأدوارها في الدّولة. لقد حوّل " المتوافقون " دستور الدّولة إلى فضاء للتّفاوض حول المصالح السياسية والمهنية الخاصّة. لم ينشء هذا التّوافق التّفاوضي دولة جديدة جديرة بتضحيات شباب تونس وباستحقاقات الثّورة في منوالي الحكم والتنمية الجديدين، بل راح يكرر دولة موجودة منذ قرون من الزمن. إنّ المتوافقين من المتمصلحين والمغفّلين لا ينعشون إلّا دولة فقدت كافة قدراتها التعديلية وطاقاتها الحمائية وتحوّلت في صفتها " المؤقّتة " كما في صفتها "الدائمة" إلى دولة ليبرالية محافظة شديدة الارتباط والإذعان للدوائر العربية والدولية الرأسمالية المتوحّشة. إنّهم يعلنون في تونس كما في غيرها من بلدان " الربيع" العربي عن ميلاد كائنات تابعة، مجزأة، ضعيفة، لا سلطان لديها على قرارها السياسي وثروتها الوطنية. إنهم يعلنون ميلاد دويلات يحتاجها المشهد الاستعماري الجديد ويضفون عليها مسحة من "الشرعية " باستبدال بعض الوجوه القديمة بفاعلين جدد ورسكلة البعض الآخر من الوجوه القديمة معتمدين في ذلك على شعارات فضفاضة لا تاريخية ولا واقعية ولا مجدية لعموم الشعب.
إنّ الحالة الراهنة الّتي عليها " دولة التوافق " تنبئ بالصورة المستقبلية الّتي ستكون عليها الدّولة المجزأة، الصغيرة، التابعة، والمرتهنة لدوائر الاستعمار الجديد والتوازنات الدولية المترتبة عنه. إنّ هذا الأمر يحتم على الثوريين وضع مسألة التحرّر الاجتماعي والسياسي في صدارة مشاريعهم السياسية والتّنظيمية كمسألة تحرر وطني بامتياز. إنّ أيّ حوار وطني خارج دائرة هاتين المسألتين المتلازمتين هو حوار غير مقبول ولا يمكن أن يؤسّس لعمل مشترك أو أن تكون مخرجاته مشروعا سياسيا وتنظيميا موحد للقوى الثورية.
لقد اتّضح المشهد السياسي التونسي باصطفاف القوى الليبرالية المحافظة الجديدة منها والقديمة في خندق الثّورة المضادة وهي الآن تستكمل بناءها بضم الجزء الأكبر من المنظومة الإعلامية إلى صفوفها. إنّ الدّولة الّتي يستعدون لإنشائها بعدما اختبروا جدواها خلال مختلف " مراحل الانتقال الديمقراطي " وبعدما هلّل لها طغاة العالم وباركوا ميلادها ليست دولة وطنية ولا هي اجتماعية ولا هي ديمقراطية. إنّ شرط إذعان عموم الشعب لهذا الأمر الواقع هو إرهاب الناس بتحريك المنفذين لعملياته الإرهابية والتخريبية وتحويل وجهة الثّورة واستحقاقاتها الاجتماعية والسياسية. أمّا شرط تأمين إعادة إنتاج أنفسهم فهو نظام الاقتراع الّذي يعدونه الآن ولا يقبلون حتى مجرد الحديث حول وجاهته لأنه سلاحهم الوحيد في تأمين إنتاج التوازنات السياسية الجديدة. أمّا المغفلون فمنابهم دوما فتات الموائد.
لقد أصبح وضع الثّورة في تونس خطيرا وعليه أصبحت إعادة النظر في المستويين السياسي والتنظيمي داخل القوى الثورية أمرا ضاغطا. إنّه لمن أوكد الضرورات أن ينشأ كيان سياسي جديد يأخذ على عاتقه مهمة المقاومة السياسية لدولة الثّورة المضادة. كما أنّه من أوكد الضرورات أن ينشأ حوار صريح وشجاع بين كافة القوى المناصرة للتحرر الوطني والاجتماعي تكون مخرجاته جسما تنظيميا متماسكا وبرنامجا مرحليا متصل بالمفاصل الأساسية للمعركة السياسية المقبلة.
3. في الخطوط الكبرى لمخرجات الحوار.
يتضمن جدول الأعمال الّذي نقترحه، استجابة للاستحقاقات الأربعة الكبرى، المسألة السياسية، والمسألة الاجتماعية والمسألة الوطنية، والمسألة التّنظيمية.
• في المسألة السياسية.
إنّ مسألة الحكم وشكل الدّولة هما الموضوعان الرئيسيان في الاستحقاق السياسي لثورة الشعب التونسي. إنّ سقوط رأس النظام أي رأس الحكم السياسي الاستبدادي نتيجة لتصاعد الاحتجاج الاجتماعي وراديكاليته الّذي سرعان ما تحوّل إلى شعار سياسي واضح المعالم تمثّل في الصرخة المدوية " ارحل " يفترض بالضرورة إرساء حكم سياسي جديد قوامه الديمقراطية الشعبية كأسلوب لاتخاذ القرار، وكأسلوب للوصول إلى الحكم، وكأسلوب لإدارة الشأن العام أي إدارة شأن الدّولة. إنّ النظام الديمقراطي الشعبي كلّ لا يتجزّأ لكن النظام السياسي الّذي بدأ المتفاوضون بالإعداد له منذ اعتصام القصبة2 راح يجمع شروط الاستبداد والاستيلاء على الثّورة ؛ إذ أزيحت لجان حماية الثّورة كلبنة من لبنات الدفاع الشعبي على المدن والقرى والأرياف، وكلبنة للحكم المحلّي ذات الاتجاه الجماهيري الشعبي واستبدلت بلجنة مركزية هيمنت عليها الأحزاب السياسية ومجموعات من الحقوقيين مدعومين بـ " خبراء القانون الدستوري ". لقد ولد من رحم هذا الكائن الغريب عن الشعب والغريب عن الثّورة نظام اقتراع يضمن المحاصصة السياسية بين الأحزاب كما يضمن التّوازنات السياسية لتلك الفترة الّتي انتهت بميلاد " مجلس وطني تأسيسي " وحكومات سياسية متعاقبة وصولا إلى حكومة التكنوقراط الحالية. لقد علت أصوات من كل الجهات الليبرالية مبتهجة بانتصار ميلاد " الشرعية " إثر انتخابات " تاريخية " إلّا أنّ الحقيقة الّتي اشترك الجميع في إخفائها هي أن أغلبية الناخبين لم يتوجّهوا إلى مكاتب الاقتراع وأنّ مئات الآلاف من الأصوات فقدت ما يقابلها من المقاعد بسبب تطبيق نظام احتساب البواقي. لقد صنعت أقلّية من الليبراليين التقليديين والمحافظين الجدد عبر " توافقات ومحاصصات " حزبية مراحل " الانتقال الديمقراطي " بعدما عزلوا الشعب وفئاته الشبابية من المشاركة في اتّخاذ القرار وبعدما أوصدوا أمامه طريق الوصول إلى الحكم وبعدما منعوه من المشاركة في إدارة الشأن العام. لقد انتصر المتوافقون انتصارا مؤقّتا تدعمهم في ذلك ماكينة إعلامية وتأييد فاضح من قبل الدّوائر الرأسمالية النافذة في العالم. إنّ المسألة السياسية تعيد نفسها من جديد ولكن بلاعبين جدد من مناصري الاستحقاق السياسي الشعبي. إنّ مركزية الحكم الّتي فرضوها بدستورهم الجديد/ القديم هي مركزية في اتّخاذ القرار ومركزية في اختيار طريقة الوصول إلى الحكم ومركزية في إدارة الشأن العامّ. إنّنا نعرض مكان المركزية أسلوبا محلّيا في مستوى اتّخاذ القرار وفي مستوى تخيّر أسلوب الوصول إلى الحكم وفي في مستوى إدارة الشأن العامّ. إنّنا بذلك نعلن عن حتمية الفرز السياسي بين القوى الليبرالية التّقليدية وحلفائها من المحافظين الجدد وبين القوى السياسية الشعبية المناصرة لكافة الاستحقاقات السياسية والاجتماعية والوطنية الّتي نادى بها الشعب التونسي.
لم يعد بالإمكان أن تكون المركزية حلّا للتّناقض بين سيادة الشعب وهيمنة الطغمة الحاكمة ليس فقط لأن المركزية تتعارض مع الحكم المحلّي بل لأنها نفي له وإقرار للاستبداد السياسي. لقد تأكّد هذا الأمر في الدّولة " الديمقراطية " الليبرالية كما في الدّولة " الاشتراكية ". إنّ الانتقال من الدّولة السياسية الفاشلة إلى الدّولة الاجتماعية الّتي يعبّر فيها النظام عبر جميع مؤسّساته عن المطالب الحقيقية للقوى الّتي صنعت الحراك الثّوري يقتضي شكلا جديدا للدّولة يقطع نهائيا مع الشكل الحالي. والشّكل المطلوب، بل الضروري، يقتضي بناء السّلطة السياسية الوطنية انطلاقا من المستوى المحلّي في كلّ معتمدية، إلى الجهوي في كلّ ولاية وصولا إلى المركز، فالسلطة السياسية يجب أن تكون منبثقة من المجالس المحلّية، كما يجب أن يكون أعضاؤها منتخبين بطريقة الاقتراع على الأفراد حتّى يكونوا مسؤولين أمام الناخبين. بمثل هذا البناء الجديد، فقط يمكن أن توضع الخيارات الوطنية الّتي يسترجع بها الشّعب سيادته وتلبّي مطالب من صنع هذا الحراك الثّوري ومن ثمّ استكماله.
بمثل هذا البناء الجديد فقط، يمكن الانتقال إلى التجسيد الفعلي للحراك الثوري، بمثله فقط تستكمل الثّورة مسارها الّذي توقّف وتعطّل، وبمثله تتجسّد شعاراتها في مؤسّسات جديدة في ظلّ دستور جديد بالفعل.
• في المسألة الاجتماعية
إنّ العنوان الرئيسي لثورات العصر الجديد هو عنوان اجتماعي بامتياز ليس فقط لأنّه الاستحقاق الأبرز بل لأنّ المنوال الليبرالي للحكم الحاضن للمنوال الرأسمالي للتنمية لم يعد حلّا للتناقض بين عجز الدّولة الليبرالية التقليدية ذات التوجّه المحافظ ودولة الاستبداد السياسي على السواء على الاستجابة للاستحقاقات السياسية الديمقراطية والشعبية وكذلك الاستحقاقات الاجتماعية والوطنية المترتبة عنها. لقد بدأت الطبقة الوسطى في الانهيار كما ارتفعت نسبة الفئات الفقيرة وما دون الفقيرة في كافة المجتمعات البورجوازية الحديثة وبدأت في التشكّل طبقة من المهمّشين من العاطلين والمعطّلين من حملة الشهائد المتوسّطة والعليا. لقد أعلن المنوال الليبرالي للحكم والمنوال الرأسمالي للتنمية عن إفلاسه، وعليه بات من الضروري، بل من أوكد الضرورات البدء في وضع منوال جديد للتنمية ومنوال جديد للحكم. لقد اختار الليبراليون التقليديون والمحافظون الجدد المنوال المفلس لأنّه الوحيد القادر على تأمين مصالح الطبقة البورجوازية العليا ومن يسندها من فئات البورجوازية المتمصلحة. ولأنّ النظام الرأسمالي العالمي يعيش أزمة حادّة فإنّ الطغم الحاكمة ومن بينها الحكام الجدد في تونس تتّجه إلى تحميل الطبقات الفقيرة والمهمّشة تبعات الأزمة باتّخاذها، وفي جميع مناطق العالم، لإجراءات لا ديمقراطية ولا شعبية تؤشّر إلى عودة الاستبداد السياسي والقهر الاجتماعي. لقد أصبح منوال الحكم الليبرالي ومنوال التنمية الرأسمالي المتوحّش عبئا على شعوب العالم، وعليه بات من الضروري استبدالهما معا. إنّ منوال الحكم الديمقراطي الشعبي الّذي يؤسس لبناء الدّولة من الأسفل إلى الأعلى أي من المحلّي إلى الجهوي فالإقليمي أصبح شرطا ضروريا للدولة الجديدة كي تقدر على القيام بوظائفها الاجتماعية والتنموية الّتي تضمن التوازن بين الجهات والفئات والأجيال. إنّنا نعتقد أنّه لا تنمية شاملة وعادلة ومتنوعة المناويل والأنظمة بدون سلطة تقريرية ورقابية فعلية للمحلّيات والجهات والأقاليم. إنّ الدّولة الاجتماعية من حيث وظائفها وسلطاتها الفعلية هي دولة اتحادية بالضرورة. أمّا تفاصيل نشأتها، ومنظومة الاقتراع المناسبة لها، وبرنامجها المرحلي فتبقى من مشمولات الحوار الداخلي بين قوى الثّورة وفق جدول أعمال وخارطة زمنية تنفيذية يتوافق عليها المتحاورون في ورشهم وندواتهم وملتقياتهم المستقبلية.
• في المسألة الوطنية.
يعدّ الاستحقاق الوطني لثورة الشعب التونسي شرطا من شروط تحقّق الاستحقاق الاجتماعي والسياسي لأنّ المسألة الوطنية من جوهر الاستحقاقين الاجتماعي والسياسي. إنّ السيادة على القرار السياسي هي سيادة شعبية أو لا تكون ولا يمكن ممارسة هذه السيادة ممارسة كاملة دون أن يكون الشعب صاحب السيادة الفعلية في كافة مفاصل الدّولة الحكمية والرقابية. إنّ حرية الشعب من حريّة سلطاته الفعلية في المحلّيات والجهات. إنّ الشعب الحرّ هو شعب يقرّر بنفسه دون وساطة وتكليف داخل هياكله الحكمية التقريرية النافذة. إنّ حكم الشعب لنفسه وبواسطة هياكل يبتدعها هو الشرط الأساسي لسيادة قراره.
أمّا سيادة الشعب على ثرواته، استكشافا وإنتاجا وتسويقا، فهو شرط مناعته الاجتماعية والاقتصادية أمام قوى النهب الاستعماري الجديد. لم تتخذ " حكومات الانتقال الديمقراطي " أيّ إجراء أو تشريع يحمي الثروات من النهب الاستعماري كما لم تتّخذ أي إجراء أو تشريع يحمي الثروات الوطنية من الفساد والاختلاس وتهريب السلع والتهرّب الجبائي. لم تتّخذ الحكومات المتعاقبة ومجلسها الوطني التأسيسي أي إجراء وأي تشريع يحدّ من الإعفاءات والامتيازات الجمركية والجبائية الموهوبة للطبقة البورجوازية العليا وحلفائها من البورجوازية الصغيرة المتمصلحة، بل جاءت حكومة التكنوقراط المستقلة جدّا والوطنية جدّا لدعم الإعفاءات والامتيازات وتحميل الفقراء والمهمّشين فاتورة النهب والفساد والارتهان الخارجي. على الدّولة الاجتماعية ومنوال الحكم الديمقراطي الشعبي، كبديل لمنوال الحكم الليبرالي ومنوال التنمية الرأسمالي، أن تراجع المنظومة التشريعية برمتها وأن ترسى منظومة رقابية صارمة على الثروة الوطنية والتصرّف الإداري والمالي تجرّم أفعال الفساد والتهرّب والتهريب والولاء والمحسوبية والتّفريط في ثروات الوطن عبر منظومة " اللزمة " والاتّفاقيات الاستعمارية ...
على الدّولة الاجتماعية، حماية للمال العام، ضبط تمويل الأحزاب وجمعيات المجتمع المدني وإرساء منظومة صارمة لرقابة المال السياسي والتخريب الجمعياتي للنسيج الاجتماعي والثقافي التونسي المعتدل. ولكن على الدّولة الاجتماعية أيضا بناء البرنامج المرحلي لمفاصل التنمية في مجالات التّعليم، والصحّة، والفلاحة، والصناعة، والبيئة، والتكنولوجية، والابتكار، والنقل، والتّخزين، والتّسويق، والحماية الاجتماعية، والثقافة والفنون ... على القوى الثّورية الانفتاح على الخبراء، والمبدعين، والمفكرين، والفقهاء من أصدقاء الثّورة لتنشيط ورش العمل والملتقيات والندوات استكمالا لمقتضيات البرنامج المرحلي للدولة الاجتماعية.
• في المسألة التّنظيمية.
إن التفكّك والانعزال والتقوقع على الذات هي الصفات الرئيسية " للتنظيمات الثورية " في تونس الآن. لا تستطيع القوى الثورية أن تتشكّل كتعبيرة سياسية متّحدة طالما تشترط على بعضها البعض التوحّد حول مرجعية فكرية واحدة. لذا يكون لزاما على الجميع إعادة النظر في التشكّل التّنظيمي للقوى الثورية على أساس الاستحقاقات السياسية والاجتماعية والوطنية دون سواها. إنّ هذه الاستحقاقات تمثّل جوهر المسألة التّنظيمية للقوى الثورية لأنّها وحدها القادرة على الفرز بين القوى السياسية المعبّرة والمناصرة للطبقات الاجتماعية الفقيرة والمهمّشة، والقوى السياسية المعبّرة والمناصرة للطبقة البورجوازية العليا المتحالفة مع الفئات العليا من البورجوازية الصغيرة. إن تشكّل التّنظيم الثّوري يمر حتما بالفرز التامّ والنهائي بين استحقاقات الدّولة الليبرالية الحاضنة للمنوال الرأسمالي المتوحّش والدّولة الاجتماعية الديمقراطية الحاضنة لمناويل التنمية المتوازنة بين الجهات والفئات والأجيال. لا مكان في عصرنا الحديث، باستحقاقاته الجديدة، للجلوس بين كرسيين، فالكلّ، رغم زعمه الحياد والوسطية، يمرّ بالضرورة إلى الانضمام إلى أحد هذين التيّارين الأساسيين الّذين أفرزتهما أزمة النظام الرأسمالي العالمي : التيّار الليبرالي ذي التوجّه المحافظ والتيّار الديمقراطي الشعبي ذي التوجّه الاجتماعي. لا يحتاج الإنسان إلى أن يكون "حداثيا" أو "لائكيا" أو "مدنيا" أو "متديّنا مؤمنا بدين وإلاه " ليكون مواطنا ثوريا. إنّه يحتاج فقط إلى أن يكون مناصرا مستميتا لقوى الشعب المفقّر والمهمّش، وإلى أن يكون مناصرا للديمقراطية الشعبية والدّولة الاجتماعية ليصبح مواطنا ثوريا. لا يستطيع الإنسان المادي في المجتمع البورجوازي أن يحافظ على صفاته ككائن خاصّ عندما ينتقل إلى حالة الكائن العام، حالة المواطن العضو في الدّولة. عليه أن يتخلّى عن كينونته الخاصّة أي عن علمه وعمله وعقيدته وضميره ومصلحته ككائن خاصّ، بل عليه أن يوظّف قواه الخاصّة لفائدة الكائن العام، الكائن المشترك الكائن الّذي يرتقي إلى ما فوق الصفات الخاصّة للإنسان المادي عضو المجتمع البورجوازي الحقيقي. إن الدّولة، بصفتها فضاء للمواطنين الأحرار المتساوين، هي المنتهى والوسيلة الضرورية لإدارة الشأن العام. لا يتساوى الناس في المجتمع الحقيقي إذ يحافظ كل واحد من أفراد هذا المجتمع على وجوده الذاتي الخاصّ كشرط لعضويته في المجتمع البورجوازي وبصفتهم تلك لا يستطيعون إدارة الشأن العام ولو مرة واحدة في حياتهم. إنّ إدارة الشأن العام تفترض وجود كائن عام يرتقي إلى ما فوق الكائنات الخاصّة، كائن يقدر على نفي الخصوصية وتجاوزها. إن الدّولة هي الكائن العام، الكائن النوعي الحاضن للمساواة السياسية بين المواطنين الأحرار. أمّا الإنسان الّذي يريد أن يكون مناضلا، أي يريد أن يكون مواطنا عضوا في الدّولة، فعليه أن يتقيّد بجوهر هذا الكائن الّذي ليس إلّا الكائن السياسي ليكون جوهر التنظيم الثوري من جنس الكائن السياسي نفسه أي من جنس الدّولة. وليكون كذلك، على التنظيم السياسي للعمل السياسي أن يتشكّل كما تتشكّل الدّولة نفسها أي من الأسفل نحو الأعلى كما هو الحال بالنسبة إلى الدّولة الاجتماعية والديمقراطية الشعبية. يحتاج تنظيم القوى الثورية إلى ركيزتين أساسيتين : أولّها اتحاد عن قاعدة الاتّفاق السياسي، وثانيها تعبير هذا الاتحاد على القاعدة الاجتماعية الّتي يولد من رحمها. إنّ تنظيم القوى الثورية وتشكّلها هو في جوهره تعبير سياسي على اتحاد قوى الشعب. إن المحلّيات الّتي هي في نفس الوقت مركزا حضريا للمعتمديات تشكّل المساحات الجغرافية لتأسيس المكاتب المحلّية لاتحاد قوى الشعب على قاعدة الخطوط الكبرى الّتي نضعها بين أيادي جميع المناضلين. يرشّح كل مكتب من المكاتب المحلّية نائبا عنه ليكون عضوا في المجلس الوطني. ينتخب المجلس الوطني تنسيقية وطنية تتولى إدارة الحوار والورشات داخل المجلس للبتّ في الاستحقاقات المرحلية والمعارك السياسية المقبلة كما تتولّى إدارة المرحلة التأسيسية وفقا للصلاحيات الّتي يحدّدها المجلس الوطني.



#رضا_شهاب_المكّي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- هاجمتها وجذبتها من شعرها.. كاميرا ترصد والدة طالبة تعتدي بال ...
- ضربات متبادلة بين إيران وإسرائيل.. هل انتهت المواجهات عند هذ ...
- هل الولايات المتحدة جادة في حل الدولتين؟
- العراق.. قتيل وجرحى في -انفجار- بقاعدة للجيش والحشد الشعبي
- بيسكوف يتهم القوات الأوكرانية بتعمد استهداف الصحفيين الروس
- -نيويورك تايمز-: الدبابات الغربية باهظة الثمن تبدو ضعيفة أما ...
- مستشفى بريطاني يقر بتسليم رضيع للأم الخطأ في قسم الولادة
- قتيل وجرحى في انفجار بقاعدة عسكرية في العراق وأميركا تنفي مس ...
- شهداء بقصف إسرائيلي على رفح والاحتلال يرتكب 4 مجازر في القطا ...
- لماذا يستمر -الاحتجاز القسري- لسياسيين معارضين بتونس؟


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رضا شهاب المكّي - الثّورة المعطّلة...إلى أين؟