ايمان محمد
الحوار المتمدن-العدد: 4435 - 2014 / 4 / 26 - 21:45
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
(01)
كانت يافعة عشرون عاما مرت من حياتها لم تفكر و لم يخطر ببالها انها ستفكر في الرجل يوما"
كان الرجل بالنسبة لها ضمن المنطقة العمياء من نظرها , كائن يجب الابتعاد عنه و تجنبه
الافكار المحشوة في رأسها عن الرجل سمعتها و تلقنتها دونما تشكيك بمصداقية ما تتلقى
من والدتها و مديرة المدرسة و المدرسات و نادرا من زميلات الدراسة ..
الرجال كلهم كاذبون ,اشرار , قذرون , محتالون ,مخادعون , انذال ....الخ
كلمات و تشويه لصورة الرجل في ذهنها المتوقد الفطن , كانت متفوقة في دراستها
و كانت تحصل على اعلى العلامات في المدرسة , كانت و لازالت من ذوي البسمة الرائعة و
الكلمة الطيبة و الاحساس الراقي و الذوق العالي , لازالت بريئة رغم انها فتحت عيناها على امور
تسبق عمرها الذي بلغ الان الخامسة و العشري
زرعت فيها والدتها مبادئ عظيمة , عنيدة إذا آمنت بشي و أرادت شيء تفعله
و لكنها إذا ايقنت أنها مخطئة تعتذر بشجاعة و لا تخجل ان تعترف بخطأها ,
فهي تؤمن بأن الاعتراف بالخطأ فضيلة , و أنه ليس من العيب أن نخطأ و لكن
من العار الاصرار على الخطأ , تعشق التحديات و تجريب الأشياء الجديدة
لا تخاف من التجديد , فأسلوبها المرن و حبها لفعل الخير يكسبانها احتراما"
من الجميع , تترك بصمة اينما ذهبت , و يشهد لها على ذلك كل من عمل معها
لكن عيبها الوحيد (إن كنا نستطيع ان نسميه عيبا") أنها لم تدرك أنوثتها بظرف ملائم
فقلبها الابيض و نواياها الشفافة لم تدرك نظرات الغريزة بعد و هذا ما جرّها إلى
الكثير من النكبات ...
(02)
عندما كانت في السابعة عشر من عمرها و بعد نجاحها الى العام الاخير من
مرحلة الإعدادية ,كان عليها متابعة دروسا" خاصة و ذلك لكون التعليم في
المدارس الحكومية لم يكن و ما زال ليس بالمستوى الذي يجعل الطالب مكتفيا"
ليجتاز الإمتحان بالمعدل الذي يطمح له , بالطبع هذا لا ينطبق على الجميع
فهناك من الأساتذة المدرسين و المدرسات من يُشهَد لهم بإعطاء الدرس حقه
...
كان اساتذتها يشهدون لها بالذكاء و يبشرون والدها الطيب بمستقبل زاهر لهذه
الفتاة اليانعة التي لا تدرك شيئا" في حياتها آنذاك سوى الدراسة و مراجعة الدروس
و الحفظ و المتابعة و و و ...
كان من بين اساتذتها مدرس مادة الرياضيات , صار قريبا منها لكونه احد اصدقاء
والدها , لم تكن صداقة قوية و لكن لأن زوجة الأستاذ كانت مدّرسة رياضيات في
احد المراحل المتوسطة و هي تعرفها , لذلك كان هناك نوع من التآلف البريء بين الطالبة
(حياة)و استاذها ذو الشعر الاسود المخضب ببعض الخصل البيضاء , ابيض البشرة
و اسود العينين و له لحية سوداء بيضاء خفيفة على وجنتيه , انيق دائما , غالبا"
يفوح عطره حين يدخل منزلها حين يجتمع بها هي و زميلاتها السبعة لإلقاء الدرس
كانت معجبة به و لكنها لم تدرك ذلك وقتها , و لاحظ استاذها النمس اعجابها و نظراتها
الحارة التي ترسلها تلك الانثى و لكنه لم يعلم أنها لم تقصد ما يرمي اليه
فإرتسمت بدواخله صورا" لها و نمت بوجدانه المليء بالذكورة رغبة" تجاه تلك
الانثى و لكنها تلميذتك يا غبي و لست انت من تخون الأمانة , إذن سأنتظر حتى
تُنهي دراستها و حتى ذلك الوقت اسأل عنها كل فترة عن طريق الهاتف , سوف لن
يشك أحدا" بالامر ,فأنا صديق للعائلة الآن ...
(03)
لم تكن لتلك الطفلة أدنى فكرة عمّا يدور في خاطر استاذها و تستقبل مكالماته بصدر رحب
و بحسن نيه و غالبا" ما كانت تتكلم معه امام والدتها , إنه يسأل عني يا أمي و يشجعني
و يدعو لي , يا له من كريم , يقول إذا احتجت ان اعيد لكِ بعض المواضيع بمادة
الرياضيات فأنا مستعد , تشكره و تدعو له و تبلغه تحايا والدتها الطيبة , غريبة تلك
الأم فحتى هي لم تدرك ما يخفي ذلك الرجل لإبنتها
.....
بعد انتهاء العام الدراسي الشاق و حصولها على معدل يؤهلها لدخول الجامعة التي رغبت
بها , استمرت تتصل و تكلم استاذها عن اخبارها الدراسية و الصحية و تسأل عن صحته
, كلام عام لا يجلب الريبة لمن يسمعه في البيت ,في احد الاتصالات طلب منها ان تحضر
إلى بيته ,كان قد افتتح مكتبة في حديقة بيته يبيع فيها القرطاسية
و ملازم دراسية و ادوات مكتبية ,أمي استاذ (سعد) يدعوني لبيته ,هل تسمحين لي بالذهاب؟
سأزوره غدا بعد عودتي من الجامعة و سآخذ (اسماء) معي , اسماء اختها الصغرى
وافقت الأم و ذهبت الفتاتان في اليوم التالي , و هنا تفاجأ الاستاذ بحضور الأخت الصغرى الى المكتبة مع جميلتنا (حياة) سألها معاتبا" و هو يحاول ان يخفض صوته قدر المستطاع لماذا
احضرتها معكِ ؟ و يشير بعينيه الى اختها
أثار السؤال استغرابا" و لكنه لم يثر فيها اية ريبة , ماذا تسمونها في تلك اللحظة بلهاء
, لا اعتقد أنها بلهاء , إنها عفوية اكثر مما يجب , لا تضمر سوءا لإنسان و لازالت لتلك
اللحظة لا تعلم ما يفكر فيه استاذها
دخلت الفتاتان بيت الاستاذ والقيا التحية على زوجة الاستاذ التي سبق ان ذكرنا انها
مدّرسة ايضا" , كانت زيارة عائلية , اطفاله رائعون , ابنتان و صبي , الصبي في السابعة
قليل الكلام نظراته حزينة , الطفلة الاصغر مشاكسة تجول ذهابا و ايابا"
و الاخيرة رضيعة لم تتجاوز الشهرين في مهدها نائمة كأنها حمامة بيضاء
تغفو على عشها تحتضن بيضها من البرد تتجنب الحركة كي لا تفزع صيصانها الغافية
في البيض بأمان ...
_ _ _ _ _ _
بعد العودة الى بيتها, فاجئها بإتصاله , ما هذا يا (حياة ) كنت اريد ان
اتحدث معك دون ان تسمع اختكِ ,
حياة: ها !! ماذا تريد ؟!
الاستاذ : انه امر خاص لا يقال على الهاتف , متى تأتين؟
حياة : عندما اجد متسعا" من الوقت لزيارتك
الى اللقاء ...
الى اللقاء ...
(على انفراد مع والدتها) امي , استاذ سعد يريد ان اذهب اليه وحدي
الأم بتعجب , ماذا يريد , انه طلب مخيف , بنيتي عمركِ الآن اقترب
على العشرين و يجب ان تعلمي أنك إمرأة يرغب الرجال بالزواج منها
الفتاة : ما هذا يا ماما , ما زلت طفلة هاهاها (تضحك بخجل)
الأم : سمعت ان لأستاذ سعد أخ اصغر يبحث عن عروس له و قد يكون
استاذ سعد يريد ان يعرفّك بأخيه المهندس
الفتاة في خجل تام : سأذهب إذن و سأرى ما يريد.
الأم : كوني مؤدبة و حذرة .
كان هذا ما فكرت به الوالدة الطيبة .
(04)
بعد ايام مرّت , ذهبت (حياة) الى استاذها , كان هناك شاب جالس في
المكتبة التي تقع في الحديقة الخلفية للدار و تطل بوابتها على الشارع
السلام عليكم , و عليكم السلام
حياة : اممممم (في تردد) هل استاذ سعد موجود ؟
الشاب : لا غير موجود , هل تريدين ان اوصل له رسالة ؟
حياة : لا سأعود في وقت لاحق ... شكرا
الشاب : العفو , و مشى خلفها حتى الباب يتأملها من قمة رأسها
حتى حذائها
حياة (في صميمها) : ما لهذا ينظر هكذا , ياله من قليل ادب
...
اتى اتصاله مساءا" , اعتذر حدث طارئ و اضطررت لترك المكتبة
ظهرا , الشاب الذي قابلته اخي الاصغر و هو مهندس, قال لي
أن فتاة محجبة حجابا" حقيقيا" سألت عنك , محجبة و جميلة
حياة (تشعر بحرارة بوجهها): استاذ سعد , انا اخجل
الاستاذ : تعالي غدا , انا انتظرك
الى اللقاء....الى اللقاء
يتبع...
#ايمان_محمد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟