فرانكو مجاك
الحوار المتمدن-العدد: 4433 - 2014 / 4 / 24 - 18:25
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
اين ابيى من دروس بوتين فى القرم ؟؟ ( 1ـ 3)
فى الخامس من نيسان /ابريل /2014 م ، على متن الطائرة الرئاسية المتجهة الى العاصمة السودانية ـ الخرطوم ـ تسلم فخامة رئيس الجمهورية الجنرال / سلفا كير ميارديت من مشيخات دينكا نقوك التسع رسالة المناشدة للسيادته ممهوراً بتوقيعات 12 منظمة من اصل 14 منظمة مدنية ( فى داخل وخارج ابيى ) ، بخصوص موقفهم حول تسوية قضية المنطقة مع السودان ، لكن عند مطالع ثنيات رسالة المناشدة تلاحظ ان الذين صاغوها كانوا على العجل من امرهم ، مما جعل المناشدة خجولة اللغة ، فقيرة وباهت المضمون ، وضبابية الهدف والمسار الا ان اكثر ما استرعى انتباهى ، وتوقفت عندها كثيراً ، هى الفقرة الواردة فى رسالة المناشدة والتى تقول " We do not see any difference between our unilateral referendum and one conducted in CRIMEA region on Mach 16 -2014 which SUDAN supported , " اى " اننا لا نرى اى فرقاً بين استفتاؤنا الاحادى ، وما حدث فى شبه جزيرة القرم فى 16 مارس 2014 م ،والذى وجد الدعم من السودان " ، وهذه الفقرة هى النقطة الجوهرية وحجر الاساس فى المناشدة ، يجب ان نعصد علبها بنواجز اسناننا ، ونعزف على وترها بشدة . ويبقى السؤال المحورى هنا : هل من اوجه الشبه بينهما ( ابيى والقرم ) ؟.
شبه جزيرة القرم منطقة عريقة ،وتاريخية ، نظراً للموقعها الجيوسياسى ، ووجودها على البحر الاسود ، وقد مرت عليها العديد من الامبراطوريات ( الاوروبية ، العثمانية ، التتار ) ، وتشكل محور حيوى بالنسبة للروسيا فى الجانب الغربى لها ، اذ تقبع فيها قاعدة الاسطول البحرى الروسى ن ، وتستحوذ القرم على مساحة قدرها 26000 كلومتر مربع من المساحة الكلية لجمهورية اوكرانيا ، وتقطنها حوالى مليونى نسمة ، غالبيتهم من القرم من اصول روسية ، وفيها اقليات عرقية من الارمن ، التتار ، والاوكرانيين ، وهذه الاقليات شبيه بما نطلق عليهم بالمصطلح " السكان المقيمين فى منطقة ابيى من السودانيين / الجنوسودانيين الاخرين " ، لكن السؤال الذى ينطرح هنا هو : كيف اصبح القرم محل النزاع بين روسيا والاوكرانيا ؟
تعود وجود شبه جزيرة القرم كجزء من دولة اوكرانيا الى ما قبل 60 عاماً ، اى الى عام 1954 م ، عندما قرر الرئيس الروسى هنذاك السيد / نيكيتا خروتشوف ضمها الى اوكرانيا فى اطار اتحادات جمهوريات السيوفيتى الفيدرالية ، ولم تخضع المسالة الى استفتاء اراء شعب االقرم فى هذا القرار ،اذ وجهت زعماء القرم اصابع الاتهام للرئيس الروسى هنذاك السيد /نيكيتا ، بانه اتخذ هذا القرار بدوافع عاطفية متحيزاً للموطنه الاصلى ( اوكرانيا ) بسبب كونه روسى من اصل اوكرانيا ،وهو نفس السيناريو الذى حدث للمنطقة ابيى قبل اكثر من مائة سنة ، عندما اتخذت الادارة البريطانية قراراً ادارياً عام 1905 م ، بقضم ابيى من مديرية بحر الغزال الكبرى ، وضمها الى مديرية جنوب كردفان دون ان تستفتى اراء اهالى دينكا نقوك ، للمعرفة موقفهم من القرار ، وهذا هو السبب الذى دعا الكثيرين من ابناء المنطقة للطرح فكرة اعادة المنطقة الى وضعها الادارى القديم من بنفس الالية التى حولت بها الى كردفان " قرار ادارى رئاسى " بدل من اجراء الاستفتاء ، وهو الطرح الذى وجد المقاومة الشديد من الطرف السودانى، وقد جدد الحركة الشعبية لتحرير السودان هذا المطلب فى اواخر عام 2010 م ، بعد انسحابها من حكومة الوحدة الوطنية ، لكن تم التخلى عن هذا الطلب للدواعى الحفاظ على مكتسبات السلام ، وعدم تعريضها للخطر، لا سيما ااستفتاء الجنوب الذى كان مقرر اجراءه فى اوائل 2011 م فى ذلك الوقت .
بعد الاضطراب السياسى الذى شهده كييف فى اوائل هذا العام ، بدا شعور العودة الى ماقبل 60 عاماً تنتاب القرمين ( العودة الى روسيا ) ، وازدادت مخاوف الشعب القرمى بعد ان تعالت اصوات المعارضة فى الشارع الاوكرانى منادياً بضرورة الخروج من الجلبابة الروسية ، متجهاً الى غرب اوكرانياً لانضمام الى الاتحاد الاوربى ، وقد شكلت الهروب المفاجئ للرئيس الاوكرانى السيد / فكتور يانوكوفيتش من قصره فى كييف بعد اقالته من قبل البرلمان الاوكرانى ، و امام ضغط الشارع الاوكرانى ، القش الذى قصمت ظهيرة البعير ، مما رفع وتيرة التوتر فى اوساط القرمين احساساً منهم ان مستقبلهم السياسى والاجتماعى والثقافى فى الخطر ،اذا ما حققت الاوكرانيين مطلبهم بانضمام الى الاتحاد الاوربى ، ولاسيما وان اكبر حليفهم المدعوم من موسكو السيد فكتور قد اطيحت به ،وازيحت من السلطة ، اذ على ضؤ ذلك قرروا الانفصال عن اوكرانيا عبر اجراء استفتاء شعبى ، وذلك على خيارين :
- الانضمام الى روسيا او
- البقاء فى اوكرانيا فى اطار الحكم الذاتى ، واشترطوا ان لايسمح للاوكرانيين الذين لايقيمون فى الجزيرة بحق التصويت
كما قرر القرميين عرض نتيجة الاستفتاء فى حال فوز الخيار الاول على البرلمان الروسى ( الدوما ) للمصادقة والموافقة . وهى نفس الخيارات التى طرحها دينكا نقوك فى الاستفتاء الذى اقيمت فى اكتوبر من العام الماضى بمدينة ابيى
- انضمام الى جمهورية جنوب السودان او
- البقاء فى السودان بوضعية الادارية الخاصة ( التبعية للرئاسة الجمهورية ) ، كما اشترطوا ان لايسمح للسودانيين او السودانيين الجنوبيين الاخرين الذين لايقيمون اقامة دائمة فى المنطقة بممارسة حق التصويت ، كما ان مشيخات دينكا نقوك التسع اتفقوا فى حال فوز الخيار الاول ( الانضمام للجنوب ) ان تتم عرض نتيجة الاستفتاء على الجهاز التشريعى القومى للبلاد للمصادقة والموافقة عليها .
فى السادس عشر من اذار / مارس 2014م فى سيمفرويل عاصمة القرم فى يوم بهيج اعتلى المنصة رئيس لجنة استفتاء شبه جزيرة القرم السيد / ميخائيل ماليشيف ، ليعلن لشعب القرمى وامام الاشهاد ، وعدسات الاعلام ، نتيجة استفتاء الشعب القرمى التى جاءت لصالح الانضمام الى روسيا ( بنسبة تفوق 96% ) بعد غياب دامت 60 عاماً ، مثلما اعتلى المنصة فى الحادى والثلاثين من تشرين الاول / اكتوبر / 2013 م ، مولانا/ منجلواك الور كول ، رئيس مفوضية استفتاء ابيى المتمعى فى ساحة شوين اياك بمدينة ابيى ـحاضرة المنطقة ـ ليذف نباً من النوع الخاص ، خبر عودة ابيى الى حضن الام ـ الجنوسودانى الحبيب ـ بعد اغتراب لما يقارب قرن ونيف بنسبة98% لصالح الانضمام الى جنوالسودانى ، وهو اليوم الاغر الذى اختلط فيه دموع الشيوخ مع الاطفال ، والنساء مع الكبار والشباب ، ويبقى السؤال الجوهرى هنا على طريق فرق الحبايب ( طبعاً ناس اليوم مابيعرفوا معنى فرق الحبايب ،اذ ان فرق الحبايب فى زمن كنا تلاميذ هى مادة الرياضيات ) ، هو كيف استجابة الدولتان ( روسيا والجنوسودانى ) مع رغبات ونتائج استفتاء الشعبين ( القرم ودينكا نقوك ) ؟؟
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟