عبدالرحيم شنكاو عبدو
الحوار المتمدن-العدد: 4421 - 2014 / 4 / 11 - 16:13
المحور:
الادب والفن
و أنت على تُخوم القصيد ، تستشرف معاني المُتَواري خلف النص، لا يعصِمك الاستمساك بمنهج واحد أو وحيد من السقوط في النقص، النقصِ في الفهم ، فهم المغزى و استيعاب الخفي ..فالنص صيرورة نصوص قد خلت ، و بناء يؤسسه المكان و الزمان و الكيان ، كيان صاحبه.
هل نعزل النص عن صاحبه و حينها نكون ملزمين بإخفاء معالم الموروث من الأب نحو طفله ؟؟؟ فيصير الأمر إيذَانا بدفن المبدع و إحياء النص...
أم نحيي المبدع لدرجة التحنيط و كأنه ما همنا ما أفرزته قريحته و ما أنجبه فكره بقدر ما سحرنا و شدنا ألق الاسم و الصفة الممنوحة ، إن على استحقاق أو عن مجاملة ، و حينها يكون الواقع مجرد أسماء يُحتفى بحامليها أو يزكَّى بها معجم الرثاء...
أم يا ترى أننا ملزمين ، و بفعل صدقية المعنى و جوهرية الرؤية ، أن نذيب المبدع في إبداعه و أن نُصْهر الإبداع في مبدعه فيكون الحلول و التوحد كما يرى أهل العرفان أو أهل التشوف و التصوف... ؟؟؟
من هنا كان لزاما على المتطلع لإدراك الخفي في أعمال جواهر المبدعين ، كالأستاذ عبدا لكريم الطبال ، أن يَنْبش في سيرته و في خصوصية تنشئته و ما لاقاه و ما واجهه من أشياء نعتبرها بمثابة اقتضاءات تعشش في اللاوعي و يكشفها فعل الإبداع.كما انه وجب علينا وجوبا أن نبحث بين نصوصه عن غير المعلن عنه..
و لقد كان اختيارنا للنص موضوع الاشتغال، تجسيدا لحضور العام، الذي هو الجلي، و الذي بدوره يخفي الخاص الذي هو الخفي...
يقول مبدعنا في تقابلات :
هَامَةٌ فِي السَمَاء
تُطَرِّزُ أفْكَارَهَا بِشَذَى الْقَمَرِ النَّرْجِسِي
و كف تخب إلى ذؤابة سفح جديب
كيف يتوأم ما بين سماء تُطل
و قبر يغيب.
إن المتمعن في النص الماثل قبالتنا، لَيستشف عمق الهوة التي يميط عنها الشاعر الستار ، هوة يجسدها التمثل الشائع لمفهوم الخيال في بعده الاجتماعي و الموجز في تعبير : "بعد السماء عن الأرض".
الأكيد أن رصد هذه الهوة هو أمر ليس بالجديد ، كما أن حركية هذه الهوة و اتساعها المستمر و الدائم ليست بالمستكشَفِ الحديث ، إلا أن تلمس العادي بشكل غير عادي يؤسس لتجديد الرؤية و تدقيقها ، و يكشف عن دَفَقِ و انسياب روح صاحبها ، أي صاحب هذه الرؤية.
يقول شاعرنا و هو يحدثنا عن طفولته: "عانيت شديد العناء في توفير الظروف المادية للعيش، والسكن في السنة الأولى، فكانت تمر عليّ أيام لا أدري أين سأبيت ليلتي أو كيف سأتناول غذائي" - السيرة الذاتية : فراشات هاربة -
قد تكون الانطلاقة ، انطلاقة تحليل نص" تقابلات"و بهذا الشكل متضمنة لنوع من الغرابة ، نظرا للإحالة المبكرة التي نعتمدها على نص آخر و هو "فرشات هاربة" ، لكن و كما سبقت إشارتنا فان التجانس بين فعل الإبداع و بين سيرة المبدع هو تجانس و تناغم تفرضه جدلية الذات و الموضوع...
إن شاعرنا لَيؤكد أن الإبداع هو نتاج يُطِل علينا – في الغالب الأعم- من رَحِم المعاناة...خصوصا معاناة العوز و الحرمان...معاناة تزيد من حدتها ثنائية الفقر و الغنى (الطلبة الميسورين بغرفة فوقية ملائمة )- فراشات هاربة- ...و لعل هذا الأمر هو ما جعل تمثُّل "الفوق" و "التحت"..و تمثل "السماء التي تطل" و "القبر الذي يغيب"..و تمثل "الهامة التي تطرز أفكارها" و "الكف التي تخب أو تنبث و تتطلع لملامسة ذؤابة السفح" ، تمثلا حاضرا بقوة و بجلال في نص تقابلات ، تمثلا عكس عمق التباين و البون الشاسع المولد بل و المكرس لصدمة الفقر...
إن هذا التفاوت الذي كان حاضرا في وعي طفولة مبدعنا ، كان تفاوتا لم يرق بعد إلى مستواه العام على مستوى التصورات المشتركة أو على مستوى الوعي الجمعي ، بل كان إدراكا فرديا ظل ملازما له إلى أن أصبح منسوب وعيه عاليا إلى درجة و حدود إنتاج و إبداع نص غير عادي و مميز كنص : "تقابلات".
إن همنا الأساسي في تعاطينا و اشتغالنا على نص الأستاذ عبدالكريم الطبال هو بالأساس الكشف عما يختزنه هذا المبدع الكبير من عمق قيمي و من تشبع بالقضايا الإنسانية ، و هذا لا يعني أننا لا نولي اهتماما لجماليات نصوصه ، التي نعتبرها كونية بحكم غياب الزمكانية عن معظمها ، و هو ما يضفي عليها طابع التجدد الدائم ، كما أن هذا لا يعني أننا لا نعير انتباهنا لما يوظفه أستاذنا من صور و استعارات و تشبيهات و مجازات...، و التي تسجل حضورها باحترافية قلما تُضاهى ، إضافة إلى انه لم يغب علينا أبدا المعجم الذي وظفه و هو معجم يغلب عليه طابع الأصالة و العراقة ( ذؤابة – تخب- جديب..) بحكم حضور حس القرويين في أنفاس كاتبنا ، إلا انه و بحكم إيماننا بدور الإبداع و بدور المبدع داخل حركية المجتمع و في الكشف و ملامسة الواقع بكل جرأة و بكل مسؤولية ، ارتأينا أن نركز على حضور الميز و التفاوت و الصراع الطبقي في نص مبدعنا و تأكيده على الاتساع المستمر لهذه الهوة و الذي نرصده كما اشرنا من خلال القبر الذي يغيب و السماء التي تطل..
لقد انخرط أستاذنا و مبدعنا في عملية تعرية الواقع المتباين ، و هذا الانخراط كان عبر رسم لوحات شعرية مميزة و مائزة جسدت و لمرات عديدة ذلك البون المستفيض بين أولئك القابعين تحت الأرض و أولئك الممتطين صهوة البراق...و لقلما ادمج شاعر مثل هذه الموضوعات بمثل هذا التوظيف و بمثل هذا التشكيل ، و لعل هذا هو عمق الفن و الأدب ، أي أن ننقل رداءة الواقع لكن بحس جمالي يخفف وطأته.
و لان عملنا المتواضع هذا محكوم بالزمن فهو فقط جزء يسير من مشروع لا باس به يهم معظم أعمال مبدعنا ، فإننا ختاما نقول ، نتمنى ألا يكون الحضور الصوفي الذي غلب أحيانا ،إن لم يكن غالبا ، على بعض أعمال أستاذنا هو نوعا من الهروب من هذا الواقع الرديء أو نوعا من الرضوخ لصلادة الواقع الذي أصبح مدميا و كل عام و شاعرنا بألف خير.
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟