|
الله هو صاحب السيادة العليا والامة مصدر السلطات والديمقراطية
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 4414 - 2014 / 4 / 4 - 18:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ما يجري اليوم بسورية والعراق وباليمن وفلسطين المحتلة وبالعديد من البلاد العربية من مآسي انسانية باسم الاسلام الذي يوظّفونه في الترويع والقتل بدعوى التكفير ، حيث تعدم " النصرة " جنود " داعيش " بدعوى الخروج عن الاسلام ، وتعدم " داعيش " جنود " النصرة " بنفس التهمة ، ويعدم هؤلاء جنود " اهل الشام " بدعوى الخروج عن الاسلام كذلك ، وكل واحد يعدم جنود الآخر بدعوى خدمة الكفار وضرب الاسلام .. لخ ، لشيء يبعث على القرف والتقزز ، ويدق ناقوس الخطر عمّا ينتظر الجميع من مآسي وأهوال ، واذا لم يتم تدارك اخطارها المقبلة ، فان المنطقة العربية ستكون مقبلة على تحولات قد تضرب النسيج الاجتماعي والمؤسساتي للدول ، وتكون النتيجة خلق وبعث اقوام / سيتحكّمون في رقاب الناس والعباد ، باسم الاسلام التي تفسره اكثر من جماعة بما يتطابق مع مخططها ومشروعها المتنافي مع ما يجب ان يكون عليه الحال متوافقا مع الاعتدال والديمقراطية . وهنا نطرح السؤال الراهن : من هو صاحب السيادة ، ومن هو مصدر السلطات السياسية والديمقراطية ؟ عجبا واشد العجب ممن يعرف الحقيقة وينكرها ، وممن لا يعرفها ولا يسعى الى المعرفة ، فان كنت تدري فتلك مصيبة ، وان كنت لا تدري وتجهل فالمصيبة اعظم . كيف يقول هؤلاء المتخلفون المتزمتون والرجعيون ان الديمقراطية هي ضد الاسلام وليست منه ، وان الامة ليست مصدر السلطات ، بل ان مصدرها هو الله ، او ما يطلقون عليه بالحاكمية ؟ وهل ان يحكم الشعب نفسه بنفسه ، هو امر وإجراء ضد الاسلام ؟ ، واذا كان الشعب ليس هو مصدر السلطات ، فكيف ’يحاسب وهو لم يختر الحاكم ؟ . ان فهم هؤلاء الخاطئ او عدم فهمهم على الاطلاق لحقيقة الاسلام ، يؤدي حتما الى الحاق اشد الاضرار بالإسلام والمسلمين ، ويدعو الى دكتاتورية الحاكم ، وإعدام الحرية بجميع صورها ، وإضاعة حقوق الانسان باسم التعارض مع القرآن . ولو ان هؤلاء درسوا حقيقة نظام الحكم السياسي في الاسلام في عهد الخلفاء الراشدين ، لأدركوا تماما ان الشورى والبيعة هي الديمقراطية ، وان الامة مصدر السلطات ، ولأدركوا قبل ذلك ان الله هو صاحب السيادة العليا ، وهذا ما يلاحظ من خلال المحطات التالية : --- بعد وفاة النبي ، تولى ابوبكر الصديق الخلافة عن طريق البيعة في المسجد بعد بيعة خاصة ، هي بيعة السقيفة التي تعتبر بمثابة ترشيح للخلافة . --- تولى عمر بن الخطاب الخلافة عن طريق البيعة العامة في المسجد بعد ترشيحه للخلافة ، اي بعد استخلافه من ابي بكر قبل وفاته . --- تولى عثمان بن عفان الخلافة عن طريق البيعة العامة في المسجد بعد ترشيح عمر لستة قبل وفاته من بينهم عثمان ، على ان يختاروا مرشحا واحدا منهم يبايعه الناس في المسجد . --- وتولى علي بن ابي طالب الخلافة عن طريق البيعة العامة بالمسجد الجامع بعد مطالبته بترشيح نفسه عقب عثمان بن عفان . اذن نلاحظ انه لم تنعقد الخلافة لأي من الخلفاء الاربعة إلاّ بالبيعة العامة وحدها بمسجد الرسول بالمدينة ، وبغير البيعة لم يصر احد منهم خليفة ، اي إماما كما قرر بذلك ابن تيمية في كتابه " منهاج السنة النبوية " . فالبيعة العامة ، وهي ترادف الانتخابات العامة في العصر الحالي ، هي الطريق الوحيد لاختيار الامة للخليفة ، باعتبارها مصدرا للسلطات في الحكم الاسلامي ، لأن الخلافة عقد بين الخليفة وبين الامة يقوم اساسا على الرضا . اما البيعة الخاصة ، وهي بيعة اهل الحل والعقد ، فهي مجرد ترشيح منهم له لمنصب الخلافة . إذن الاستنتاج من هذا ان الامة هي مصدر السلطات السياسية في نظام الحكم الاسلامي ، ولكنها ليست صاحبة السيادة العليا ، وإنما تمارس مظاهر السيادة فقط ، فتختار الحاكم الذي هو الخليفة ، وتراقبه وتحاسبه وتعزله ، بل وتحاكمه اذا اخل بأسس البيعة وخرج عن النص القرآني ومارس الاجتهاد بما يخدم المصالح الضيقة والشخصية كما حصل في عهد عثمان . ان صاحب السيادة العليا يبقى هو الله الذي خلق كل شيء ، واستخلف الانسان في الارض التي انشأه منها ، واستخلفه فيها ، اي استعمره فيها لقوله تعالى ( هو انشأكم من الارض واستعمركم فيها ) . اذن الانسان مستخلف في الارض لعمارتها ، وهذه هي الخلافة العامة . اما الخلافة الخاصة وهي الحكم ، فمرجعها الى الامة التي تمارس مظاهر السيادة ، فتختار الحاكم عن طريق البيعة العامة ، اي الانتخابات العامة ، ليقوم هذا الحاكم بحكم الامة بقانون صاحب السيادة العليا ، اي بتطبيق الاحكام المنصوص عليها ، وهذا هو نظام الحكم في الاسلام الذي يفرق بين السيادة ( الحاكمة ) وممارسة مظاهر السيادة . ان السيادة لله مالك الملك والملكوت ، وممارسة مظاهر هذه السيادة لعمارة شؤون الدنيا وأمور الحكم هي للأمة ، اي للمستخلفين في الارض نيابة عن المستخلف الذي هو الله صاحب السيادة . فهم الذين يختارون الحاكم ( الخليفة ) بمقتضى عقد هو عقد البيعة ليتولى الامر ، اي ان يمارس الحكم ملتزما بالإحكام والنصوص مع من اختاروه ، اي هو وجميع افراد الامة الذين هم مصدر سلطة الحاكم ، اي مصدر السلطات في الدولة الاسلامية . ان قول التكفيريين المتطرفين بان الامة ليست مصدر السلطات ، فمعناه ان الحاكم يحكم بالتفويض الالهي وليس بتفويض الامة ، وهذه هو نظام الدولة الثيوقراطية التي لا يسأل فيها الحاكم امام الشعب كما هو الحال في الدول المسيحية في القرون الوسطى بحجة انه لا يسأل إلاّ امام الله ، ومن هنا كانت دكتاتورية الكنيسة المسيحية في العصور الوسطى ، وممارسة استبداد الحكام ، والبعد عن الديمقراطية ، وهدم الحريات الاساسية ، اوضاعة الحقوق ، وهدر الثروات ، والعبث بالخيرات . وهذه الامور جميعا ابعد ما تكون عن الاسلام ، وعن نظام الحكم الاسلامي ، اي نظام العدل و المساواة والحرية في الاختيار دون الزام ولا تكليف . وحيث ان السيادة هي لله وحده لا لغيره ، وحيث ان الامة هي مصدر السلطات تختار الحاكم بإرادتها ورضاها الحر بالبيعة العامة ، اي الانتخاب العام ، فيكون الحاكم هو الشعب ، والحكم السياسي سيكون حكما ديمقراطيا ، لأن اساس الاختيار هو الشورى بين جمهور الامة طبقا لقوله تعالى ( وأمرهم شورى بينهم ) . ان هذه الشورى هي الديمقراطية بعينها لأنها ،نظمت بنظام جديد هو الانتخابات والمجالس النيابية سواء التشريعية العامة مثل مجلس النواب او مجلس الشعب ، والمجالس التشريعية الخاصة مثل مجلس المستشارين ، او في نظام الدولة الاسلامية اهل الحل والعقد ، وأهل الاختيار الذين كانوا يرشحون الخليفة عندما يبايعونه بيعة خاصة ، ثم تتلوها بيعة عامة في المسجد في اليوم التالي ، اي انتخاب عام للخليفة الاسلامي كما كان التصويت في العهد الراشدي بالمسجد . فالديمقراطية كانت اذن اساس اختيار الخلفاء قبل ظهور الدولة الاموية التي غيرت من قواعد تعيين الحاكم كما كان سائدا من قبل . نستخلص من هذا ان جوهر الديمقراطية لا يتعارض مع الاسلام ولا يتعارض مع روحه المبنية على الاجماع القاعدي الشعبي . اما ادعاء الجماعات التكفيرية ومن لف لفها من " داعيش " و " نصرة " ووو ... بان الديمقراطية والانتخابات هي كفر بوّاح ، وان الديمقراطيين هم كفار ، فيمارس القتل والتخريب باسم الدفاع عن الاسلام البريء منهم ، فهو يؤصل لدكتاتورية الفقيه المتزمت الفاشي الذي سيسخر الامة كعبد لخدمته ، وخدمة مشروعه القروسطوي المبني على الالغاء والأحادية وليس الديمقراطية التي تتطلب التحكيم الى الشعب والى صناديق الاقتراع ، اي الانتخابات العامة .
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خارطة الطريق - ستة منطلقات لبناء الدولة الديمقراطية وقلب حكو
...
-
النص الديني والنظام الراسمالي من المرأة وجهان لعملة واحدة
-
هل تراجعت الحكومات الاسلاموية ؟
-
اي سر وراء مصرع الجنرال احمد الدليمي ؟
-
الحزب الشيوعي
-
حركة الجمهوريين المغاربة
-
الاخطاء الكبرى المرتكبة في حق القضية الوطنية
-
اين الحقيقة في تصفية عبدالرزاق لمروري وزجته ؟
-
حق التظاهر في الشارع العام مصر -- المغرب
-
شهور اكتوبر نوفمبر ديسمبر ويناير على الابواب
-
هل فهمتم شيئا ؟ خديجة الرياضي -- (الدولة مجازا ) زمرة العصبي
...
-
الاعتقال السياسي بين سلطة القانون وسلطة الامر الواقع
-
الدولة الحكومة المجتمع -- طبائع الاستبداد --
-
قوة المغرب في تنوعه الثقافي
-
اللغة العربية والركب الحضاري -- خسئت ياعيوش --
-
الوحدة العربية بين الحلم والغبار
-
خواطر ومستملحات انتخابية
-
ما العمل في حل قضية الصحراء المغربية ؟ بين السيناريوهات المف
...
-
فقدان الأمل وانتشار الخوف -- اسباب ظهور التطرف الاسلاموي
-
تردي الوضع العربي - نزاع الصحراء مسمار في نعش المغرب العربي
المزيد.....
-
عاشوا في بيوت برجية.. مدينة -إيمت- تكشف عن حياة المصريين قبل
...
-
ليست بدون جدوى.. كيف تشكل إطلالات المشاهير -قوة ناعمة- في صا
...
-
قامت هذه البلدة الأمريكية ببناء -مكتبة للكلاب-.. ماذا يوجد د
...
-
وزير خارجية إيران مهددا أمريكا بعد ضرباتها على مواقع نووية:
...
-
كيف تلقى الإسرائيليون خبرالقصف الأمريكي على المواقع النووية
...
-
ما هي هوامش الرد الإيراني على الهجوم الأمريكي على المواقع ال
...
-
ما حجم الضرر الذي يمكن أن تكون قد أحدثته الهجمات الأمريكية ع
...
-
إيران تتعهد بالرد.. ما هي المصالح الأمريكية التي يُمكن استهد
...
-
تسريبات نووية هزّت العالم: من تشيرنوبل إلى فوكوشيما
-
من هو رضا شاه بهلوي ولي عهد إيران السابق؟
المزيد.....
-
كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف
/ اكرم طربوش
-
كذبة الناسخ والمنسوخ
/ اكرم طربوش
-
الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر
...
/ عبدو اللهبي
-
في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك
/ عبد الرحمان النوضة
-
الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول
/ رسلان جادالله عامر
-
أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب
...
/ بشير الحامدي
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|