أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - علي قادر - التحريض في الوثائق والتجارب الدولية















المزيد.....


التحريض في الوثائق والتجارب الدولية


علي قادر

الحوار المتمدن-العدد: 4406 - 2014 / 3 / 27 - 20:25
المحور: الصحافة والاعلام
    


مقدمــة
تعتبر خطابات التحريض بصورها المتنوعة من أكثر الموضوعات إثارة للجدل عند الحديث عن علاقتها بحرية التعبير، وكيفية الفصل بين التعبير المشروع الذي لايجوز منعه أو تقييده ، والتعبير الذي يترتب عليه إنتهاك حقوق أخرى ، كالحق في الحياة والحق في سلامة الجسد والحق في التمتع بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية دون تمييز .
وتكمن أحدى أهم الإشكاليات في تحديد ماهو مشروع وماهو غير مشروع في إطار التعبيرعن الرأي والوسيلة المستخدمة في التعبير ، في غياب تعريفات قانونية دولية دقيقة لبعض المسميات والمصطلحات ذات الصلة بهذه القضية مثل مصطلح خطاب الكراهية الذي يعتبر المحور الأساسي الذي يتفرع عنه التحريض على العنف أو العداء أو التمييز العنصري .
إن ظاهرة التطرف الديني من الظواهر التي شغلت الرأي العام في الآونة الأخيرة والتي تعتبر شكلاً من أشكال التحريض ، وكثر حولها الجدل من قبل الكثير من العلماء والمفكرين من داخل صفوف التيار الديني ومن خارجه ، لقد أصبحت هذه الكلمة مصطلحاً شائعاً على ألسنة الناس وفي وسائل الإعلام وأخذت تستعمل في المقام الأول للدلالة على معارضة العرف الإجتماعي العام أو الشرعية الوضعية القائمة بأسم الدين .
أستخدم هذا المصطلح قديماً في الشرق ، وقابله بالغرب تعبير شاع إستخدامه في الأوساط الغربية وهو مصطلح الأصولية للدلالة على ظاهرة التطرف أو العودة الى النصوص المقدسة ، وإن للغربيين أعذارهم في رفض هذا الإتجاه لأن العودة الى النصوص القديمة والكتب المقدسة عندهم تعني العودة الى الجهل والخرافة ومعاداة التقدم ، نظراً لما أصاب هذه الكتب على يد الأحبار والرهبان والقساوسة من العبث والتحريف .
فاالتطرف لغة هو الوقوف على الطرف ، إذاً فهو يقابل التوسط والإعتدال . وعرفه الإسلاميون هو المغالاة أو الزيادة عما جاء في كتاب الله وسنة نبيه و يأباها جميع الأديان .
كما إن فعل التحريض يعتبر من الأفعال المعنوية التي يصعب إثباتها لإرتباط الأمر بنية قائل التعبير ومن ثم لايمكن الحكم على محتوى التعبير من ظاهره بل لابد من وجود منهجية واضحة لتحليل المحتوى والظروف المحيطة به ، حتى يمكن الوقوف على مدى تخطيه لحدود التعبير المشروع .
مانشهده اليوم من خطاب تحريضي مقيت من قبل بعض وسائل الإعلام ماهو إلا خطاب تعبوي يهدف الى تأجيج الوضع وحرف الحقيقة عن مسارها وإنتهاج نهج الكذب والتأويل ، فهي تستخدم هذه الخطابات لتحقيق مآرب معينة ولخدمة أجندات ، فهي تسعى بذلك لتحقيق الربح المادي والمعنوي من خلال شعل فتيل الأزمة ، فهي بذلك تجاهلت الخطاب الإعلامي الودي ، المتسامح ، الحقيقي لخلق اللحمة الوطنية بين أبناء الشعب الواحد والذي من المفترض ان تكون عليه هذه القنوات .
مانهدف اليه من خلال بحثنا هذا هو التعريف بالتحريض بأنواعه ، وماهي المعايير الدولية والإقليمية لحرية التعبير والوسائل اللازمة لمنع وحظر خطابات التحريض والمعايير القانونية المتبعة لمواجهة التحريض الناتج عن خطابات الكراهية.

• مفهوم التحريض :
التحريض لغة : حرضَ ـ حرضتُ ـ أحرضَ .. ومصدره تحريض نقول : يحرض الناس على الشغب ، والتحريض هو الدفع ومثال ذلك قوله تعالى (ياأيها النبي حرض المؤمنين على القتال) وقوله تعالى (فقاتل في سبيل الله لاتكلف الانفسك وحرض المؤمنين) .
التحريض قانوناً : أي دفعه على إرتكاب المحظور من الأعمال .. نقول : حرضه على السرقة أو حرض العمال على الإضراب عن العمل.
إذن التحريض بمعنى آخر هو دعوة الجمهور بشكل مباشر أو غير مباشر للقيام بفعل ضد أفراد أو مجموعات وذلك بأستخدام إحدى طرق العلانية ، على أن يكون الخطاب موجهاً ضد أفراد أو مجموعات محددة ولو بشكل غير مباشر في حالة إستخدام الإستعارات والمجازات، وينقسم التحريض الذي يترتب على خطاب الكراهية وفقاً للمادة (20) من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية إلى ثلاث صــور:
1 . التحريض على العنف : عرفت منظمة الصحة العالمية العنف بأنه "الإستخدام العمدي للقوة البدنية أو السلطة ضد شخص أو مجموعة بطريقة تؤدي للجرح أو الموت أو الأذى النفسي أو البدني" .
وتعتبر كل دعوة مباشرة أو غير مباشرة للجمهور لممارسة العنف ضد أفراد أو مجموعات على أحد أسـس التمييز العنصري سالفة البيان تحريض على العنف ومحظر قانوناً ويجب تجريمه جنائياً إذا أدى هذا التحريض الى وقوع عنف بالفعل .
2 . التحريض على العداء والكراهية : عـُرفت العداوة على إنها "كل فعل مبني على حالة ذهنية متطرفة من الكراهية والمقت تجاه أفراد أو مجموعات محددة" .
3 . التحريض على التمييز العنصري : هي كل دعوة موجهة للجمهور بأحدى طرق العلانية أي فعل من شأنه إضعاف أو منع تمتع أفراد أو مجموعات على قدم المساواة مع غيرهم من الناس بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية سواء في المجال السياسي أو الإقتصادي أو الإجتماعي أو الثقافي أو أي مجال من مجالات الحياة العامة.
والتحريض على التمييز قد ينتج عنه عنف وفي هذه الحالة يجب على الدولة مواجهة الفاعل في جريمة العنف بالطريق الجنائي ، وكذلك المحرض بإعتباره شريك في الجريمة ، أما التحريض على التمييز الذي لاينتج عنه عنف فلا يجب اللجوء بشأنه للطريق الجنائي في مواجهة المحرض بل ينبغي إتاحة حق التعويض المدني للضحية وكذلك حقه في الرد والتصحيح بشأن أي وقائع قد تنسب اليه في سياق التحريض ضده ، كذلك يمكن للدولة أن تلجأ الى طرق التأديب الإداري بالنسبة لشاغلي الوظائف العامة والخاصة بدلاً من الطريق الجنائي الذي يؤدي الى عقوبات سالبة للحرية أو غرامات مالية.

• التمييز بين التحريض الخاص والتحريض العام :
هناك نوعان من التحريض : التحريض الفردي أو المحدد أو الخاص والتحريض العام أو الموجه للجمهور.
النوع الأول وهو التحريض الخاص أو المحدد وهو ذلك الذي يصدر من شخص المحرض الى شخص معين أو أشخاص معينين يعرفهم المحرض ويتصل بهم ويمارس تأثيره عليهم فيقع تأثير التحريض على الفاعل الأصلي بشكل مباشر دون حائل بينهم ولايشترط أن يوجد إتفاق أو تفاهم سابق بين الفاعل والمحرض لوقوع هذا النوع من التحريض ويستوي أن يكون التحريض علناً أو سـراً .
أما النوع الثاني من التحريض وهو أن يكون التحريض عاماً فيصدر من شخص لإشخاص غير محددين ويظهر ذلك بوضوح في التحريض بإستخدام الإعلام ، سواء المرئي أوالمسموع أو المقروء أوأي وسيلة من وسائل العلانية ، ولايصبح هذا التحريض مجرماً مالم تقع الجريمة بناء عليه كمن يبيح دم شخص فإن ذلك يعد تحريض على العنف ويلاحظ إن هذا النوع من التحريض يتم من خلال العلانية فلا يقع إذا كان موجه للجمهور سراً .
وفي كلتا الصورتين قد يأتي نوع من التحريض يجمع بينهم ، فيتم تحريض فئة معينة على فئة أخرى ثم يتبع ذلك نشر التحريض ضد هذه الفئة .

• المعايير الدولية والإقليمية لحرية التعبير وحظر خطابات التحريض :
1 . الإعلان العالمي لحقوق الإنسان :
نصت المادة (7) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على إن المساواة في التمتع بالحقوق والحريات حق لكل إنسان وإن الناس جميعا سواء أمام القانون وإنهم متساوون في حق التمتع بحماية القانون دون تمييز كما يتساوون بالحماية من أي تمييز ينتهك هذا الإعلان ومن أي تحريض على مثل هذا التمييز.
ولم يتطرق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بشكل مباشر لخطابات الكراهية ومايترتب عليها من تحريض بصوره المختلفة الا إن المادة (29) نصت علــى :
أ ـ على كل فرد واجبات أزاء الجماعة التي فيها وحدها يمكن ان تنمو شخصيته النمو الحر الكامل.
ب ـ لايخضع اي فرد في ممارسة حقوقه وحرياته ، إلا للقيود التي يقررها القانون مستهدفاً منها ضمان الإعتراف الواجب بحقوق وحريات الآخرين وإحترامها والوفاء بالعادل من مقتضيات الفضيلة والنظام العام ورفاهية الجميع في مجتمع ديمقراطي.
جـ ـ لايجوز في أي حال أن تمارس هذه الحقوق على نحو يناقض مقاصد الأمم المتحـدة ومبادئها .

2 . العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية :
نصت المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على حماية حرية التعبير في الفقرتين الأولى والثانية منها على إن :
أ ـ لكل انسان حق في إعتناق آراء دون مضايقة .
ب ـ لكل إنسان حق في حرية التعبير ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلنها الى آخرين دونما إعتبار للحدود سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأي وسيلة أخرى .
وفيما يتعلق بحظر خطابات الكراهية فقد نصت المادة (20) من ذات العهد علـــى :
أ ـ تحضر بالقانون أي دعاية للحرب .
ب ـ يحضر بالقانون أية دعوة الى الكراهية القومية أو العنصرية او الدينية تشكل تحريضاً على التمييز أو العداوة أو العنف .

3 . الإتفاقية الدولية لمنع كافة أشكال التمييز العنصري :
حظرت المادة(4) من الإتفاقية الدولية لمنع كافة أشكال التمييز العنصري على حظر خطابات الكراهية بشكل واضح ، على أن " تشجب الدول الأطراف جميع الدعايات والتنظيمات القائمة على الأفكار أو النظريات القائلة بتفوق أي عرق أو أية جماعة من لون أو اصل أثني واحد أو التي تحاول تبرير أو تعزيز أي شكل من أشكال الكراهية العنصرية والتمييز العنصري وتتعهد بأتخاذ التدابير الفورية الإيجابية الرامية الى القضاء على كل تحريض تمييزي وكل عمل من أعماله تحقيقا لهذه الغاية ومع المراعاة للمبادئ الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وللحقوق المقررة صراحة في المادة (5) من هذه الإتفاقية بما يأتي :
أ ـ إعتبار كل نشر للأفكار القائمة على التفوق العنصري أو الكراهية العنصرية وكل تحريض على التمييز العنصري وكل عمل من أعمال العنف أو تحريض على هذه الأعمال يرتكب ضد أي عرق أو أي جماعة من أي لون أو أصل اثني آخر، وكذلك كل مساعدة للنشاطات العنصرية بما في ذلك تمويلها جريمة يعاقب عليها القانون .
ب ـ إعلان عدم شرعية المنظمات وكذلك النشاطات الدعائية المنظمة وسائر النشاطات الدعائية التي تقوم بالترويج العنصري والتحريض عليه وحظر هذه المنظمات والنشاطات وإعتبار الإشتراك في أي جريمة يعاقب عليها القانون.
ج ـ عدم السماح للسلطات العامة أو المؤسسات العامة القومية او المحلية بالترويج للتمييز العنصري او التحريض عليه .

4 . الإتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية :
نصت المادة (10) من الإتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية على إن "لكل إنسان الحق في حرية التعبير ويشمل هذا الحق حرية إعتناق الآراء وتلقي المعلومات والأفكار وإبلاغها بدون تدخل من جانب السلطات العامة وبصرف النظر عن الحدود ولاتحول هذه المادة دون إقتضاء الدول إستصدار تراخيص من جانب شركات الإذاعة والتلفزيون والسينما" .
ووضعت المادة(10) عدد من القيود على حرية التعبير في الفقرة الثانية منها حيث نصت على " بالنظر على إن ممارسة هذه الحريات تنطوي على واجبات ومسؤوليات فمن الجائز إخضائها لشكليات أو قيود أو عقوبات ينص عليها القانون وتكون ضرورية في مجتمع ديمقراطي وفي صالح الأمن القومي أو سلامة الأراضي أو أمان الجمهور ولمنع الإضطرابات او إرتكاب الجرائم أو لحماية الصحة والآداب العامة أو لحماية سمعة الآخرين أو حقوقهم ولمنع إفشاء معلومات قصد بها أن تظل سرية أو للحفاظ على سلطة القضاء وحياده" .

• تجارب دولية في مجال الخطاب التحريضي :
لجأت أغلب الدول الأوربية الى مفهوم التناسب في محاولة منها لتنظيم القوانين الخاصة بممارسة الحق في حرية التعبير ، لإنه يعتبر معياراً لتحقيق العدالة في عمليات التفسير القانوني وخاصة القانون الدستوري فهو يهدف لتحقيق التوازن المطلوب بين القيود المفروضة من قبل الإجراءات التصحيحية وشدة وطبيعة الفعل المحظور.
إلا أن الولايات المتحدة الأميركية لجأت الى تطبيق درجات مختلفة من التدقيق في الحالات المختلفة إعتماداً على نوعية الكلام وطبيعة الأطر المنظمة له .
ففي تقييم حديث لفقه المحكمة العليا بالولايات المتحدة الأميركية الخاص بحرية التعبير، تبين إنه قد تم إعداد مالايقل عن ثمانية إختبارات بهذا الصدد من أجل تنظيم ممارسة هذا الحق وتوضيح الإستثناءات التي تحد من إمكانية ممارسته .
وفي التجارب الآتية محاولة لإستعراض بعض الأحكام والإختبارات المعنية بالإستثناءات على حرية التعبير في مجال خطابات الكراهية .



ـ إختبار الخطر الواضح والقائم (clear and present danger) :
في عام 1919 رفعت قضية ضد تشارلز تشينك أمين الحزب الإشتراكي الإميركي آنذاك بتهمة التحريض ضد سيادة الدولة ، وذلك لإنه كان مسؤولاً عن طباعة وتوزيع المنشورات على المجندين في الحرب العالمية الأولى وكانت تلك المنشورات معارضة لقرارات الحكومة وكان يطالب فيها المجندين إجبارياً بأن يطالبوا بحقوقهم ويقفوا ضد من يستعبدهم وأن لا يستسلموا لتهديدات الحكومة.
إستند دفاع "تشينك" أمام المحكمة العليا الى أن هذا الإتهام يعد إنتهاكاً لحرية الرأي والتعبير المكفولة له وفقاً للدستور الإميركي ، ومع ذلك قررت المحكمة إن اتهام "تشينك" دستوري وإن حق حرية التعبير المكفول بالدستور لايتماشى مع خطاب محرض على العصيان خصوصاً في وقت الحرب وإن مايسمح به الدستور في وقت السلام ليس بالضرورة ان يتم تطبيقه في حالة الحرب .
نتج عن هذا الحكم إعتماد مايعرف بأختبار (الخطر الواضح والقائم) كأستثناء عن حرية التعبير فيما يتعلق بالتحريض ومضمونه ، وأتاح هذا الإختبار للكونجرس منع إستخدام بعض الكلمات في ظل ظروف ذات طبيعة معينة من شأنها خلق خطر واضح وماثل ، إستمر الأخذ بهذا الإختبار في القانون الأميركي الى أن تم تعديله في عام 1927 في قضية "وايتني" حيث تم إستبداله بمعيار النية السيئة وهو ماشكل قيد أخف على حرية التعبير ، إذا أستوجب إثبات وجود النية لدى المتهم في أحداث جريمة يعاقب عليها القانون .

ـ حرية التعبير والتهديد ( ( true threats and intimidation:
كانت قضية فيرجينيا ضد بلاك في عام 2003 إحدى أهم القضايا التي تعاملت مع خطابات الكراهية والتحريض على العنف ومفهوم التهديد ففي تلك القضية تم إدانة باري بلاك بخرق قانون ولاية فرجينيا الذي يمنع القيام بحرق الصليب ودفع المدعى عليه بعدم دستورية قانون ولاية فرجينيا بموجب التعديل الأول للدستور .
رأت المحكمة ان قانون ولاية فرجينيا الذي يحظر القيام بفعل حرق الصليب هو قانون غير دستوري ، فهو يعتبر إن حرق الصليب دليل أولي على وجود نية لتهديد وترويع المواطنين وأكدت المحكمة على ضرورة إثبات توافر تلك النية وأيدت حق الولاية في منع حرق الصليب بنية التهديد والترويع .
كما أوضحت المحكمة إن مثل هذه الأفعال لها دلالة في التأريخ على وشك حدوث أعمال عنف وإحتمالية وقوع إصابات أو وفيات نتيجة لإعمال عنف ليست محض إفتراض.
إعتمدت المحكمة في قرارها على قضية أخرى أوضحت فيها الأحكام إنه ليس من حق الدولة منع التعبير عن الأفكار والآراء بسبب كونها تحمل هجوماً أو غير مستحبة .
ومن ثم فقد وضعت المحكمة من خلال هذه القضية تعريفاً جديداً للإستثناءات على حرية التعبير وهي "التهديدات الحقيقية".
وعرفت القاضية ساندرا أوكنوز التهديد الحقيقي بأنه "اقوال يعني بها المتحدث التعبير عن نيته الواضحة في القيام بأعمال عنف مخالفة للقانون ضد شخص بعينه أو مجموعة من الأفراد" ، وبموجب هذا التعريف فأن من حق الولاية أن تمنع القيام بأفعال معينة إذا كان من المحتمل ان تتسبب تلك الأفعال في نشر الخوف وترويع المواطنين .

ـ المحتوى القائم على التمييز: سبباً لعدم الدستورية :
لايمكن ذكر قضية فيرجينيا ضد بلاك دون ذكر قضية "ر.أ.ف" ضد مدينة سانت بول في عام 1992 والتي بعد زعم حرقه للصليب في حديقة لمنزل تملكه عائلة سوداء وجهت الى "ر.أ.ف" إتهامات بموجب قانون " مينيسوتا" الذي ينظم إرتكاب الجريمة بدافع والذي يحظر على أي شخص عرض أي رمز يعرف أو لديه الأسباب التي تمكنه من أن يعرف إنه قد يثير الغضب أو الإستياء لدى الآخرين على أساس العرق أو اللون أو العقيدة أو الدين أو الجنس.
وقد تناولت المحكمة تلك القضية بطريقة مختلفة عما سبقها من قضايا تحدت مفاهيم خطابات الكراهية ، فقامت المحكمة برفض الدعوى وقامت بنقض القانون لإنه يمنع الخطابات على أساس محتواها ومضمونها مما يتنافى مع التعديل الدستوري الأول الذي لايتيح للدولة أن تفرض الإستثناءات على المتحدثين بناء على المضمون .
وأكدت إن نقطة ضعف هذا القانون تأتي من إنه قد يسمح لإظهار العبارات المسيئة إذا كان محتواها لايتضمن الإساءة على أساس العرق أو اللون أو العقيدة أوالدين أو الجنس ، فمثل هذا القانون لايمنع أن تتسبب العبارات أو الكلمات في إثارة الغضب أو الإستياء إذا كانت على أساس الوظيفة أو المهنة التي يشغلها المرء أو إتجاهاته السياسية أو ميوله الجنسية .
في قضية "بلاك" رفضت المحكمة إعتماد القرار الذي ينص بعدم دستورية قانون فرجينيا الذي يحظر حرق الصليب إستناداً على الحكم الصادر في قضية "ر.أ.ف" وأوضحت إن قانون فرجينيا لايميز بين محتوى الخطاب كـــــما كان قانون مدينة "سانت بول".

• معايير المواجهة القانونية للتحريض الناتج عن خطابات الكراهية :
تتباين الآراء بشأن طبيعة المواجهة القانونية لصور التحريض المختلفة سواء التحريض على العنف أو التحريض على العداء والكراهية أو التحريض على التمييز العنصري ، وهناك ضرورة لتبني صور مختلفة للتدخل القانوني بإختلاف نوع التحريض ، وفي كل الأحوال إستقر الفقه الدولي على ضرورة أن يكون العقاب الجنائي هو آخر أداة تلجأ لها الدولة لمواجهة التحريض .
وكما إن هنالك رأي يرى ان الطريق الجنائي يجب تفعيله فقط في مواجهة التحريض على العنف وفي غير ذلك من صور التحريض يجب أن تلجأ الدولة الى الطريق المدني والطريق الإداري بدلاً من الجنائي أو جعله كأحتمال أخير.
ـ مواجهة التحريض وفقاً للطريق المدنـي :
يجب أن تقتصر مواجهة التحريض على العداء والكراهية ، والتحريض على التمييز العنصري الذي لاينتج عنه عنف ، على الطريق المدني الذي يمنح ضحية التحريض الحق في الحصول على التعويض المدني المناسب لجبر الضرر الواقع عليه جراء هذا التحريض .
فضلاً عن ضرورة أن يكفل القانون الحق في الشكوى لضحايا التحريض على الكراهية أو التمييز ، مع إنشاء هيئة داخل الجهاز القضائي لتلقي هذا النوع من الشكاوى ، كذلك يجب ان يكفل القانون ضحايا هذه الصور من التحريض في الرد على الوقائع المنسوبة اليهم في خطابات التحريض والحق ايضاً في تصحيحها اذا ارتكبت فعل التحريض من خلال وسائل الإعلام أو الصحافة .

ـ مواجهة التحريض بالطريق الإداري :
يجب قصر المواجهة القانونية للتحريض على الكراهية في سياقات محدودة على الطريق الإداري ، إذا ارتكبت أفعال التحريض بمناسبة مباشرة موظف عام أو خاص لمهام وظيفته ، وذلك دون الحاجة الى اللجوء الى الطريق الجنائي طالما لم يترتب على هذا التحريض اي صورة من صور العنف ، وذلك كما حالة أعضاء مجلس النواب أو العاملين بمجال الإعلام والصحافة وغيرها من الوظائف التي تتيح لشاغليها التعامل مع قطاعات واسعة من الجماهير ، ففي هذه الحالة يجب تفعيل الجزاء الإداري بدلاً من العقاب الجنائي ، كما في حالة مباشرة نقابة الصحفيين لدورها في تأديب أعضائها.

ـ مواجهة التحريض بالطريق الجنائي :
يجب أن يقتصر الطريق الجنائي على مواجهة التحريض على العنف فقط وذلك لخطورة النتائج المترتبة على سلوك الطريق الجنائي من عقوبات سالبة للحرية وغرامات مالية ، فضلاً على إن الطريق الجنائي أكثر إتساقاً من النتائج التي تترتب على التحريض على العنف مثل القتل أو الجرح أو الإيذاء البدني وهي أفعال مجرمة وفقاً لأي قانون عقابي .

المصـادر :
ـ القرآن الكريم ـ
Council of Europe , manual on hate speech sptember 2009. ـ
Camden principles , op . cit principle 12.1 ـ
Article 19 / prohibiting incitement to discrimination,hostility´-or-violence. ـ
ـ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المؤرخ في 10 كانون الأول / ديسمبر 1948 .
ـ العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وقد أعتمدت واقرت بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المؤرخ في 16 ديسمبر 1966 تأريخ بدء النفاذ مارس 1976 .
ـ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان اعتمدت وعرضت للتوقيع بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المؤرخ في 21 ديسمبر 1965 وتأريخ بدء النفاذ 4 كانون الثاني 1969 .
ـ تقرير مؤسسة حرية الفكـر والتعبير سبتمبر 2012 .
The internet and hate speech : an examination of the Nuremberg files case. ـ
The internet and hate speech : an examination of the Nuremberg files case Joshua azrie2005.
https://wiki.colb.edu. ـ











#علي_قادر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مراهق اعتقلته الشرطة بعد مطاردة خطيرة.. كاميرا من الجو توثق ...
- فيكتوريا بيكهام في الخمسين من عمرها.. لحظات الموضة الأكثر تم ...
- مسؤول أمريكي: فيديو رهينة حماس وصل لبايدن قبل يومين من نشره ...
- السعودية.. محتوى -مسيء للذات الإلهية- يثير تفاعلا والداخلية ...
- جريح في غارة إسرائيلية استهدفت شاحنة في بعلبك شرق لبنان
- الجيش الأمريكي: إسقاط صاروخ مضاد للسفن وأربع مسيرات للحوثيين ...
- الوحدة الشعبية ينعي الرفيق المؤسس المناضل “محمد شكري عبد الر ...
- كاميرات المراقبة ترصد انهيار المباني أثناء زلازل تايوان
- الصين تعرض على مصر إنشاء مدينة ضخمة
- الأهلي المصري يرد على الهجوم عليه بسبب فلسطين


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - علي قادر - التحريض في الوثائق والتجارب الدولية