أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سماح هدايا - عندما يصير العطر ذاكرة قارصة وحلما دافئا














المزيد.....

عندما يصير العطر ذاكرة قارصة وحلما دافئا


سماح هدايا

الحوار المتمدن-العدد: 4393 - 2014 / 3 / 14 - 00:09
المحور: الادب والفن
    


عندما يصير العطر ذاكرة قارصة وحلما دافئا
جاءها عطر النارنج محملا بنسيم المطر...والمطر بعد شمس دافئة يمحو الغبار والجفاف، ويهز الزهر مشرقا في عين دمعه المبتهج بين خضرة الورق، فيبزغ العطر في طقس ألقه الأخضر، مبددا حزن السماء الرمادية.
جلست على كرسي تحت الشجرة تسنشق العطر البهيج. لا خيار في أن تستنشق العطر أو لا تسنشقه، فهو يجتاحك من دون استئذان ومن دون مواربة.. أحيا العطر اشتياقها وأيقظ الحنين الهاجع في الذاكرة فهناك في مدينتها التي كانت عريقة ببيوت عتيقة، شرفات صغيرة تغص بعطر النارنج...أزهار تسخو بها شجرة او شجرتان وربما ثلاث أو أكثر في صحون البيوت المسوّرة...التي تغصّ بضحكات النسوة وجلسات القهوة.
حتى بعد كل الانحراف المديني الضال عن مساره وزحف الملايين من الصحراء والأرياف وتمركز العشوائيات المريعة وانتشار الدخان والكربون والشرخ العميق في القلوب والضمائر ظلت ذكرى النارنج عالقة في المخيلة كتاريخ جميل.
...ربما الآن لا يعترف بتاريخ النارنج وبيوته وحدائقه وعاطفته إلا قلة. غفلة الناس عن عذوبة الحياة.. حتى زهره وشوقه يباع في حوانيت خاصة، ببريق الحكايات القديمة وإغراء الأسرار المثيرة، تجار المتع الرخيصة والسريعة ، واصحاب الثراء الفاسد الفاحش، وأرباب النفوذ غير المشروع عبر بطاقات السياحة الرخيصة لأمكنة تنتحب ابتساماتها، وتحتضر تحتها الذكريات، وتئن في أقفاصها الأرواح المخنوقة داخل السلع التقليدية الكاذبة.
لا يعرف ذلك التاريخ إلا الراحلون....ولعل ما بقي من النارنج في مدينة النارنج، احترق بنار الغزاة وأعادت سكاكين السفاحين ترتيب موته في المقابر والتوابيت.
يقولون إن عصابات الطاغية السفاح، الذي يعترش برج الجماجم، اجتاحت الصباح والمساء واستولت على العطور الزهور والثمار وألقتها طعاما لقرودها ... يقوم شبيحتها المجرمون بمداهمة كل البساتين وقطع زهرها وثمرها وقنص عصافيرها وأطفالها. يجتاحونها كالوحوش. يحرقون الشجر والأرض بحثا عن إرهابيين. والشجر خصمهم. يحرقون الأشجار حتى لا تخفي رجلا ولا تطعم كائنا ولا تظل طيرا."
حسرة النارنج هي حسرة البيوت والأحياء والسكان الذين أدرجوا في صمت الزوال...وانحسار الجمال عن إدراك الغائبيين الغافلين والقاطنين الغرباء الذين وفدوا كالجراد البشع إلى المكان و رمموا جشعهم بما كسروه من البلور المعشق بالألوان وما قسموه من رغيف القمر في الليالي المزخرفة بالأغاني الحكايات
هناك في مدن النارنج، ارتكبنا المعصية والخطيئة. سمحنا للخريطة أن تتغير وغفونا على مجد مضى، فتسلل البرابرة وكسروا البوابات وألبسونا تيجان العبودية...نهبوا حتى القهر والظلم. شغلوا بنوا أقبية وسجوناً وقبورا ثم بيوت جرذان وقرود مسعورة. حبسوا الأطفال. اقتلعوا أظافرهم. قطعوا أعضاءهم. خطفوا النساء وعروهن ثم أكلوا لحومهن نيئة معذبة...واغتصبوهن لحظة وراء لحظة على مدى الزمن الطويل المرعب الفاصل بين بقايا الحياة والموت. اقتادوا الرجال أذلوهم سرقوا مابقي لهم. وفرغوا الرصاص في رؤوسهم أو السكاكين في حناجرهم... وألقوا ماتبقى من الجميع لبيوت الجرذان...
وهي الآن الحرب العظمى التي تشتعل. وماكان غائبا في طي الكتمان عاد قويا كالطوفان... منذور هذا النارنج وهذا البلد ه المسيج بالياسمين وأزهار اللوز لفجائع كبرى. الآن تهشّم الكون على ظهور الضحايا وعلى الواقفين بصدور عارية في وجه النيران الشرسة... لعله يلزم عقد أو عقدان حتى يسترد القلب جزءا من عنفوان الحياة ...ويلزم، قبل ذلك، سير طويل على طريق بلا حدود، لكي تقطع الأقدام العارية درب الآلام فوق المسامير، وتدوس على كل الحشرات الوضيعة، التي تمد وحشيتها النهمة وتلتهم جذور الحياة و تبلع غصون الحضارة.. تعصر بلا رحمة زهر النارنج العريق حتى آخر فوح..
لعله شيء كبير من أسى لا نهائي هذا الشوق الذي يهزنا. والحنين يدق الذاكرة بشراسة عطر جامح يأبى المحل والغياب.. والقلب يلم تجاعيده ويفرد أنفاسه ليسترد جأشه ويقاوم الخسائر. لن تسعفه مؤونة الشكوى برمق من الحياة. والزمن لا متسع فيه لمثقال ألم جديد. العطر يلعن الأنوف العقيمة التي لا يمكنها تنفس العبير. وتحوّل عيونها عن الزهر ومنبت الشجر.. الخطى تسير ..وسيعود كل شيء إلى مكانه المناسب. والنوافذ ستفتحها الأيدي الجريحة لتغسل دماءها بماء الزهر و وتمسح الجلد النازف المتعب بعصير النارنج وتضمد الجراح بقشوره.
قد يحول بيني وبين حلم العودة أحداث مروعة ، لكن لا شيء أجلب للأمل مثل الحلم. ويتغلغل العطر والزهر في النفس ليفوح الحلم.
د. سماح هدايا



#سماح_هدايا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليس بسخاء الرثاء والتعاطف...بل بالعدل
- التحليق خارج منظور الأقفاص
- يحترقون...بدماء الضحايا
- شاركهم رغيفك
- اللعبة الطائفية
- نساء بين سقف وسماء
- قناعات وعقائد واحتياجات..ومشاريع في ظل التهاوي والهيمنة
- لماذا...خوف الأقليات من الثورات؟
- ماذا وراء الغضبة الشعبيّة القطيعيّة؟
- الظلام الطائفي في لبنان
- بناء التغيير
- ثقوا بالثورة واتركوا روحها تقودكم
- المثقفون والثورة
- المرأة ودورها في الثورات العربية


المزيد.....




- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سماح هدايا - عندما يصير العطر ذاكرة قارصة وحلما دافئا