أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - سعد بن احمد - قصر قرطاج/ كهف مسكون بالأشباح و الأساطير أو الثّورة و الأسطورة















المزيد.....

قصر قرطاج/ كهف مسكون بالأشباح و الأساطير أو الثّورة و الأسطورة


سعد بن احمد

الحوار المتمدن-العدد: 4392 - 2014 / 3 / 13 - 18:04
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


لا يخجل أستاذ جامعي متخصّص في التاريخ المعاصر ومطّلع على تفاصيل ودقائق من تاريخ الحركة الوطنية في تونس، لا يخجل من تفسير عوامل اندلاع انتفاضة 17 ديسمبر 2010 في تونس بأسباب لا تخرج عن حدود العالم الافتراضي، عالم الانترنات وشاشة قناة الجزيرة الفضائيّة، لا يخجل حين يتفوّه بهذه الكلمات: " لكن كل الشباب الذين بنوا هذه الأسطورة خاصة عن طريق الفيس بوك والومضات المسجّلة بالهاتف والتي كانت تبثها قناة الجزيرة أحدثوا حالة معيّنة...". فصور القناة القطريّة وصفحات الفايسبوك أشعلت ما يسمّيه حالة معيّنة وربّما يقصد بهذه الحالة المعيّنة ما يعتبره ثـورة. "فهذه الثورة" أنجزها الفايسبوك وقناة الجزيرة والهواتف المحمولة، أو بالأحرى تلك الأيادي الواقفة خلف هذه الآلات والأدوات الالكترونيّة المتطوّرة. أ لم يتساءل مؤرّخ البلاط في لحظة عن مصدر تلك الصّور؟ فلعلّها حتّى هي مصادر أسطوريّة وكائنات غيبيّة وليس لها أيّة علاقة بالواقع. ولم يتبقّ له إلاّ أن يصرّح بأنّ حادثة الاحتراق لم تقع وإنّما تمّ اختلاقها أو ابتداعها من قبل هذه الأجهزة ومن قبل هذه الكائنات ما دامت الاسطورة حقل واسع ولا متناهي من الغرائب والعجائب، وأنّ البوعزيزي شخصيّة وهميّة ابتدعها صانعو الأسطورة وأعطوها اسما ما ولقبا ما ومهنة معيّنة، إنّه لا يقدر ولا يمتلك الشجاعة الكافية للتصريح بذلك لذلك اكتفى بالتلميح. طبعا لن يكون هنا المجال للبحث في عوامل وأسباب اندلاع انتفاضة 17 ديسمبر وفي الحديث عن الحادثة التي أوقدتها لأنّ الأغلبيّة الساحقة التي تعيش على هذا الكوكب غير الأسطوري تعلمها وإن كانت لا تعرف التعامل مع التقنيات الحديثة وليست لها مواقع على العالم الافتراضي ولا تشاهد القناة التلفزيّة المذكورة ولا حتّى تمتلك جهاز تلفاز أو هاتفا محمولا. وللباحث الذي يريد معرفة الحقيقة أن يبحث في الأرض عن هذه العوامل لا أن يستند إلى الأسطورة والصّورة.
وحتّى يكون منسجما مع رؤيته وتحليله لهذه الأمور، وها هنا يكمن الخطر الأعظم، ينطلق هذا المؤرّخ في حديثه عن حادثة البوعزيزي من مسلّمة ابتدعها عقل اسطوريّ، إذ يقول : "وكلّ الثّورات تحتاج إلى أساطير، والثورة بدون أسطورة كأنّها لم تكن" !!! فيا للعجب. كلّ الثورات لا تكون إلاّ إذا حضرت فيها الأساطير والثورات التي لا تخضع لهذا القانون لا نسمّيها ثورات، وهذا يعني أنّ الأساطير هي التي تحرّك الثورات وهي التي تحرّك التاريخ البشري وتاريخ المجتمعات وربّما نسي هنا أن يحدّد مجال فعل هذه الأساطير وهو الثورات الاجتماعيّة، أمّا إذا كان فعلا يطلق حكمه هذا حتّى على الثورات العلميّة والتقنيّة فأمر هذا المؤرّخ لا يدعو إلى الحيرة والاستغراب فقط.
وغير بعيد عن مثاليّته، يؤكّد مؤرخ االبلاط، أنّه يجهل الواقع والوقائع على الأرض، لا كما يعرفها حقّ المعرفة في عالمه الأسطوري، فمن شدّة ارتباطه بالواقع ومن شدّة اهتمامه بالوقائع، يجهل صاحبنا تاريخ حدوث عمليّة احتراق البوعزيزي بالضّبط، أ كان ذلك يوم خميس أو جمعة !!!. طبعا إنّ الشيء من مأتاه لا يستغرب، ففي العالم الأسطوري تغيب الدقّة أحيانا وتتداخل التفاصيل أحيانا، وخصوصا التواريخ فهي مشكوك في دقّتها خاصّة إذا لم تكن بالسّنة أو بالشهر. ثمّ لكأنّ هذه الحادثة وقعت من عقود أو من قرون ممّا يجعلها تتأثّر بعامل النّسيان الذي يتضخّم كلّما زادت المسافة الزّمنية.
وبناءا على قوانين الثّورات كما يراها، حكم مؤرخنا قبل أن يتحوّل إلى البلاط، بأن تحوّل حادثة البوعزيزي إلى "شيء" كما ورد في تصريحه، هو أمر مستحيل. وها هنا تتأكّد موضوعيّته وقدرته على استقراء الأحداث والوقائع.. علّه آنذاك كان يجهل العلاقة الميكانيكيّة بين الأسطورة والثّـورة لأنّه لم ينتقل بعدُ إلى قصر قرطاج بل ولم يكن هذا الحلم يدور بمخيّلته. ولمزيد مراكمة مؤشرات السّخريّة حول "علمية" و"موضوعيّة" تحليله يستنجد بوقائع مشابهة لحادثة البوعزيزي سبقت هذه الحادثة ومنها حادثة المنستير وكذلك انتفاضة الحوض المنجمي في 2008... وإذ يعتقد بذلك انّه يبرّر حكمه الخاطئ (الاستحالة)، فإنّه يؤكّد من حيث لا يدري أنّه لم يتعلّم من دراسة التاريخ شيئا.
ولا يتوقّف الأمر عند هذه الحدود، إذ تعدّاها صاحبنا، وفي علاقة بحججه السابقة التي دحضها الواقع والتاريخ، إلى عامل العروشيّة الذي كان وراء تحوّل حادثة البوعزيزي إلى "شيء". فهذا العامل هو الثاني، بعد العامل الأسطوري، في تحقيق ما حصل بعد ذاك اليوم: "فالحركة الاحتجاجيّة استفادت من اللحمة العشائريّة في المنطقة، منطقة البوزيدي، فيها الانتماء العشائري لا يزال له قيمة"، وهنا يقع في تناقضات خطيرة: فالعروشيّة أو العشائريّة "البوزيديّة" لعبت دورها التاريخي الموكول لها بينما فشلت مثيلاتها "القفصيّة" وكذا "المستيريّة" من قبل في لعب هذا الدّور -ويليعذرني أهالي هذه المناطق عن هذه المصطلحات- أم أنّ هذه المناطق خالية من هذه الظّاهرة، هذا أوّلا. أمّا ثانيا، فيا لقدرة العقل البشري الذي أمكنه أن يمسك بخيوط ظاهرتين متباعدتين تمام التباعد فجمّعهما لينشئ بينهما تحالفا فينجبا ثورة. الأولى هي ذلك العالم الافتراضي الذي لعب دوره الساحق في تحويل حادثة بسيطة وعابرة إلى أسطورة والثانية هي اللّحمة العشائريّة في المنطقة: لقد تزاوجت الظّاهرتان في عقل صاحبنا فتمخّضت عنهما ثورة وهذا لا يمكن أن يحصل إلاّ في عالم الأسطورة وفي حقل التفسير المثالي للتاريخ.
أمّا عن تزييف التاريخ، فكاتب التاريخ هذا يغرق في جملة من المغالطات بناءا على معطيات بعضها هشّ وردود عليه من ذلك التحوّل الهام في مسار الأحداث والذي ربطه بما وقع في القصرين بما انّه تمّ "استخدام مفرط في القوّة" في إشارة إلى المجزرة الأولى في تالة، وهو بذلك يتجاهل أوّل استعمال للرصاص وسقوط أوّل شهيدين بهذا الرصاص وقد وقع ذلك يوم 24 ديسمبر 2010 بمنزل بوزيان ومثّل منعرجا قويّا في فصول الانتفاضة وأيضا على شاكلة انسحاب قوات البوليس وتعويضها بالجيش إثر حادثة تالة وهنا أيضا يتجاهل جحافل البوليس التي واصلت التقتيل والجرح ليس في تالة والقصرين لوحدها وإنّما في مناطق عديدة من البلاد. وما على صاحبنا إلاّ العودة إلى قراءة يوميات الانتفاضة قبل أن يشرع في كتابتها، ويكفي هنا ان أشير إلى الملاحظة التي ساقتها شقيقة البوعزيزي في ردّها على تصريحاته بقولها إنّه يزيّف التاريخ. وقد صدّر مؤرّخ البلاط ركاما من الاحكام وكأنّه في فرصة تاريخيّة عليه ان يفصح عنها وأن يكيل هذه الشتائم قبل أن يفوت الأوان وهي تتعلّق باستغلال عائلة البوعزيزي لاسم ابنها كمصدر للارتزاق والثّراء... وعلّه في كان هو نفسه أحد الأطراف المشرفة على مثل هذه الأمور لكنّه لا يمتلك الشجاعة للإعلان عنها أم انّه يمتلك دلائل دامغة على ما قاله نظرا لموقعه داخل بلاط الحاكم بأمره. ومن الأحكام الأخرى التي أصدرها وبكلّ ثقة في النّفس: "بعد ستة أشهر أو سبعة أشهر لم يعد أحد يتحدث عن البوعزيزي في تونس"، طبعا الشعب يعرف من يتحدّث عن البوعزيزي ومن يُجبر على التحدث عن البوعزيزي خوفا وجبنا... ولعلّ الشباب الذي يدّعي انه يعرف "الدعاية الكاذبة" التي يتحدّث عنها يعرف جيّدا إن كان البوعزيزي مازال حيّا ليس في صفوف أبناء الشعب في تونس فحسب وإنّما خارجها وفي أقاصي هذا الكوكب. وهنا يسبح مؤرخ البلاط في هذيانه فينسى ما قد انطلق به في حديثه ليأتي بنقيضه لاحقا فأسقط في لحظة حماس فرضها تهجّمه المشبع بالغيظ والكراهيّة قانونه المطلق حول العلاقة بين الثورات والأساطير وأسقط في غفلة أسطورته التي أشعلت "ثورة" ومحا قانونه الذي شكّل من خلاله بناءا كان يعتقد أنّه لا يُقاوَم.
ملاحظة أخيرة قد تزيل القلق حول مسألة أرّقت كثيرا من التونسيين: الآن أمسكتُ بجواب حول أسئلة طالما أرّقتني وارّقت كثيرا ممّن استغربوا نظرات منصف المرزوقي الغريبة مذ سكن قصر قرطاج: هذا القصر ليس قصرا وإنّما هو كهف من العهود الغابرة مسكون بالأشباح والأساطير.



#سعد_بن_احمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري
- باي باي كهربا.. ساعات الفقدان في الجمهورية الجديدة والمقامة ...
- للمرة الخامسة.. تجديد حبس عاملي غزل المحلة لمدة 15 يوما
- اعتقال ناشطات لتنديدهن باغتصاب النساء في غزة والسودان من أما ...
- حريات الصحفيين تطالب بالإفراج عن الصحفيين والمواطنين المقبوض ...
- العدد 553 من جريدة النهج الديمقراطي بالأكشاك


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - سعد بن احمد - قصر قرطاج/ كهف مسكون بالأشباح و الأساطير أو الثّورة و الأسطورة