أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مروان مجادي - خريف آذار الفصل الأول (1)














المزيد.....

خريف آذار الفصل الأول (1)


مروان مجادي

الحوار المتمدن-العدد: 4392 - 2014 / 3 / 13 - 16:40
المحور: الادب والفن
    


الهر لا زال يتمسح بالمقعد الخشبي الضخم .. لا زال نفس الأزيز يصدر من زاوية الغرفة .. ربما كان عليه إدخال بعض الإصلاحات على الشقة و على ذاكرته .. لا شيء جديد في ذهنه ..
توقف الزمن به منذ فترة أو فقد احساسه به هكذا على الأقل خيل إليه ..
إلتصق بالنافذة .. حاول أن يتبين حركة الشارع ..
الهر الأسود لا زال يتمسح بالمقعد الخشبي الضخم .. هو يشبه القطط كثيرا لذلك يحبها و يحرص على أن تشاركه سكنه ، هموم يومه و ثقل الذكريات المهملة المتناثرة هنا و هناك بشكل فوضوي ..
أوراق الجرائد تغطي المكان .. تناول واحدة .. حدق فيها طويلا ثم أسقطها من يده لتستقر على الأرض .. هناك حيث أعقاب السجائر تغطي المكان و بعض الكتب أيضا .. كتب بأغلفة منزوعة أو مهترئة بعض الشيء .. الأرضية متسخة بعض الشيء .. لدرجة لم يعد يتبين لونها بوضوح كافي .. !!
الهر لا زال يتمسح بالمقعد الخشبي الضخم .. و هو يحب القطط لأنها تشبهه تماما .. تفطن إلى أن هره السمين الأسود فقد بعضا من وزنه .. عيونه شاحبة قليلا بما يكفي لأن يرى غيمة حزن طاغية على بريقهما المعتاد ..
نهض بتثاقل إلى المطبخ .. توجه رأسا إلى الثلاجة التي ضل بابها مفتوحا منذ مدة يعجز عن تحديدها بدقة .. مشكلته في الدقة .. لم يعد قادرا على تحديد أي شيء .. الوقت لا قيمة له لأنه لا يحس به .. توقف الزمن منذ مدة .. ذهنه مشردة تماما ..
توجه إلى الثلاجة المفتوحة أصلا .. بحث داخلها عن شيء ما .. أي شيء لا يهم .. حمل معه إلى الغرفة بعض الأجبان و شريحة لحم لا يعلم مصدرها .. ألقى بالأكل إلى الهر الاسود الذي لا زال يتمسح بالمقعد الخشبي الضخم فحين لا زال الأزيز يصدر من زاوية الغرفة ..
***
في الأول من آذار من كل سنة كان يتأنق لموعد ما .. يعد نفسه لذلك .. يرتدي سترة بنية و قميصا أسود ، يلف عنقه بوشاح كاكي اللون .. يلمع حذائه .. يكوي سرواله الأسود الداكن ..
في الأول من آذار من كل سنة كان يتأنق لموعد ما .. يذهب صباحا إلى المقبرة ، يبقى هناك ساعة أو ساعتين ما يكفي من الوقت لقراءة فصل أو فصلين من رواية مهملة ..هي تحب الروايات الواقعية .. تميل إلى الأدب اللاتيني قليلا وتعجبها السريالية ربما.. بقي وفيا لعاداتها وإن كان عاجزا عن تحديد أي شيئ بدقة ..
لم يعد للجلوس في الحديقة أي جدوى ..منذ خمسة عشر سنة والمدنية المتوحشة تسطو على أشيائه تنهش قلبه المثقل بذكريات مشوشة .. في هذه الحديقة كان يكتب مقالاته المعدة للنشر في أحد الصحف الأسبوعية .. مقالات النقد الأدبي ، إفتتاحية الجريدة ، مقال أو أكثر في الفلسفة .. كان يخفي زجاجة نبيذ ملفوفة بورق صحيفة ،يشرب منها غير عابئ بعيون المارة ..
منذ خمسة عشر سنة خلت كان لذلك معنى .. الآن المدنية زحفت على ذاكرته دمرت ما تبقى لديه .. البنيات الشاهقة في كل مكان ،المقاهي العصرية ،حتى الحانات فقدت قيمتها ..
في الأول من آذار يستعد لموعد ما ..
الآن ينكمش في زاوية الغرفة بذهن خاوية إلى من صوتها الذي يخترق صمت الشقة .. ومع أنه الأول من آذار لم يبرح مكانه ،لم يذهب إلى المقبرة ولم يضع الوشاح كاكي اللون
كان من المفترض أن يحتفي بذكرى مولدها الثلاثين على ما يذكر ..
..لا زال الهر الأسود يتمسح بالمقعد الخشبي الضخم ونفس الأزيز المنبعث من الركن الشرقي .. أعقاب السجائر تغطي الأرضية التي تغير لونها .. لم يعد بالشارع سوى بعض القطط والسكارى .. زجاجة النبيذ أشرفت على النهاية .. وعليه أن يدخل إصلاحات على الشقة وعلى ذاكرته ..
.. لم يكتب سطرا واحدا منذ خمسة عشر سنة .. وجهه الذي غزته تجاعيد الذكريات بدا شاحبا .. في منتصف الستينات من العمر يفقد الرجل بعضا من قوته تصيبه أمراض الضغط والقلب .. لكن أيعقل أن يفقد رغبته في الحياة لهذه الدرجة ..
نهض عبد الكريم متثاقلا إلى الحمام .. مع تدفق بوله بشكل متقطع شعر بحرقة شديدة .. نسي أن يشرب دوائه .. الأدوية كثيرة و لا قبل لذاكرته المتعبة على حفظ أسمائها
و مواعيد تناولها ..



#مروان_مجادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في تكتيك الإرهاب بتونس (2) خطوة ضرورية لإرهاب الإرهاب ...
- قراءة في تكتيك الإرهاب بتونس (1) خطوة ضرورية لإرهاب الإرهاب ...
- حمى ..
- في الأبعاد الإشكالية لقضية الجمود العقائدي (1) الفرق بين الم ...
- وهم اشكال الموضوعية في العلوم الإنسانية .. أو حتى لا تقتل ال ...


المزيد.....




- وفاة الممثل البريطاني برنارد هيل، المعروف بدور القبطان في في ...
- -زرقاء اليمامة-.. أول أوبرا سعودية والأكبر في الشرق الأوسط
- نصائح لممثلة إسرائيل في مسابقة يوروفيجن بالبقاء في غرفتها با ...
- -رمز مقدس للعائلة والطفولة-.. أول مهرجان أوراسي -للمهود- في ...
- بطوط الكيوت! أجمل مغامرات الكارتون الكوميدي الشهير لما تنزل ...
- قصيدة بن راشد في رثاء الشاعر الراحل بدر بن عبد المحسن
- الحَلقة 159 من مسلسل قيامة عثمان 159 الجَديدة من المؤسس عثما ...
- أحلى مغامرات مش بتنتهي .. تردد قناة توم وجيري 2024 نايل سات ...
- انطلاق مؤتمر دولي حول ترجمة معاني القرآن الكريم في ليبيا
- ماركو رويس ـ فنان رافقته الإصابات وعاندته الألقاب


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مروان مجادي - خريف آذار الفصل الأول (1)