|
الدستور,الحكومة, الانتخابات, وبعد
نشرية الديمقراطية الجديدة
الحوار المتمدن-العدد: 4372 - 2014 / 2 / 21 - 00:45
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
الدستور, الحكومة, الانتخابات, وبعد... تحتفل الرجعية الحاكمة بمختلف مكوناتها الاخوانية والحداثوية بالمصادقة على الدستور الجديد وتنخرط المعارضة الاصلاحية في الجوقة فتتبادل القبل والعناق مع اكثر العناصر رجعية وتطلق الشماريخ في قرطاج وبالمناسبة يقع استدعاء بعض الرؤساء والامراء ايام احياء ذكرى الشهيد شكري بلعيد بهدف التغطية على الحدث وتزيين وجه الترويكا.فهل احترم الدستور مطالب الانتفاضة والارادة الشعبية؟وهل ستحل الحكومة الخامسة بعصا سحرية مشاكل الجماهير وهل ستلبي الانتخابات القادمة مطالب الشعب وتطلعاته نحو الشغل والارض والحرية والكرامة الوطنية؟ هذا ماسنحاول الاجابة عنه انطلاقا من التحركات الشعبية التي عرفتها تونس منذ انتفاضة 17 ديسمبر 2010.
الدستور "الجديد"- القديم. من المفروض ان يعبر الدستور عن ارادة الشعب.وماهي ارادة الشعب في مرحلة التحرر الوطني؟ لقد عبرت عنها الجماهير المنتفضة بشعارها المركزي "الشعب يريد اسقاط النظام" أي تدمير ماهو قديم وكتابة دستور جديد يعكس طموح الشعب نحو الاستقلال والديمقراطية ويعارض الاضطهاد الامبريالي والتخلف الاقطاعي.غير ان هذا الدستور الذي وقع المصادقة علية بالاجماع (200 مع-12 ضد و14 محتفظ) يعكس "الشرعية التوافقية" التي توصلت اليها الكتل الرجعية والاصلاحية من خلال حوارات مراطونية برعاية امبريالية توجت بخارطة طريق لاقت معارضة مستمرة من حكومة النهضة والرئاسة مما اجبر احزاب المعارضة على تقديم التنازل تلو الاخر لفائدة النهضة التي خرجت شبه منتصرة رغم تنازلها هي الاخرى على التنصيص على الشريعة كمصدر اساسي للدستور... وذلك بفعل الحراك الاجتماعي من جهة والضغط الخارجي (امريكا واروبا اساسا) من جهة اخرى واحتفلت بهذا الانتصار في قرطاج وفي قبة التأسيسي لتسويق موافقتها حول"الديمقراطية التشاركية" ومبدأ التداول السلمي على السلطة.
استغرق اعداد الدستور اكثر من سنتين في حين ان المجلس التاسيسي وقع انتخابه خصيصا لصياغة الدستور في غضون سنة فقط وقدمت 3مسودات عارضها المجتمع المدني والخبراء نظرا لطابعها الاخواني المفضوح وبلغت كلفته اكثر من 115 مليارا وتضمن توطئة و146 فصلا (علما وان دستور بورقيبة تضمن الى جانب التوطئة 63 فصلا ثم 78 بعد التنقيحات) . يعتبر دستور"الجمهورية الثانية"كما يحلو للرجعية تسميته دستور الاحزاب المتناحرة على السلطة التي توصلت الى توافق بضغط امبريالي اعترفت به العديد من الاطراف وهو لايعبر بالتالي عن طموحات الشعب كما لم يكتب بدم الشهداء كما تزعم "الجبهة الشعبية" وبما انه نتاج لتناحر رجعي دام اكثر من سنتين فانه يعكس بالضرورة العديدة من التناقضات والراي والراي المخالف ضمن نفس الفصل وينطوي على العديدة من الالغام والضبابية المقصودة هذا فضلا عن ربط اغلب الفصول التي حولها خلاف بعبارة "وفق ما يضبطه القانون, طبق ما ينظمه القانون,حسب الشروط المنصوص عليها بالقانون,طبق الضمانات التي يضبطها القانون وهي عبارة تكررت اكثر من 24 مرة والتي تهدف في الحقيقة الى امكانية التراجع في كل المكتسبات حسب مايضبطه القانون وهو سلوك سبق لنظام بورقيبة والجنرال ان مارسه ليحد من حرية التعبير والصحافة والتنظيم... وقد عكس الفصل الاول ثم الفصل ال6 التجاذبات التي طبعت هذا الدستور اذ نقرا ما يلي:" الدولة راعية للدين,كافلة لحرية المعتقد والضمير...تلتزم الدولة بنشر قيم الاعتدال والتسامح وبحماية المقدسات ومنع النيل منها..."كما ورد في الفصل 49 والذي مر مرور الكرام:"يحدد القانون الضوابط المتعلقة بالحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور...ولاتوضع هذه الضوابط الا لمقتضيات الامن العام او الدفاع الوطني او الصحة العامة او الاداب العامة..." ويتضح من هذين الفصلين انه بالامكان الحد من حرية الضمير ومن الحريات العامة. ولابد من الاشارة الى ان الدستور رفض تجريم التطبيع واقر عقوبة الاعدام وكرس الهيمنة الاستعمارية الجديدة من خلال السماح للنواب بالموافقة على رهن العباد والبلاد واقر ضمنيا عدم "استقلالية" الهيئات العليا عن السلطة على غرار هيأة السمعي البصري والانتخابات والقضاء الخ...وتظل المبادئ العامة الواردة في هذا الدستور حبرا على ورق لانه لايكفي التنصيص على حرية التظاهر السلمي مثلا في حين يقع قمع المظاهرات السلمية على ارض الواقع.
الحكومة غير المحايدة تنص خارطة الطريق التي امضى عليها الجميع نهضة نداء والجبهة "الشعبية"...على تشكيل حكومة "محايدة",حكومة كفاءات غير متحزبة(وهو وهم يقع تسويقه لخداع الجماهير والتظاهر بالاستقلالية )غير ان حكومة المهدي جمعة لاتخضع لهذه الشروط بما ان المهدي جمعة كان في حكومة النهضة كوزير كما ضمت حكومته نفس وزير الداخلية –بن جدو-التي اصرت النهضة على ابقائه في منصبه نظرا للملفات الحارقة في وزارة الداخلية والتي قد تورط بعض قيادات النهضة في الفساد والتعيينات الحزبية والاغتيالات السياسية والتغطية على نشاط "انصار الشريعة"-التنظيم المصنف دوليا ارهابيا تابعا للقاعدة علما وان كل المعطيات تثبت ان ابي عياض زعيم هذا التنظيم في امريكا حاليا قصد التحقيق معه.(افهم الاحتفاظ به لاستعماله عند الحاجة) كما نجد صلب هذه الحكومة التي نالت رضا اغلبية الاصوات في التاسيسي (149 مع-20 ضد و24 تحفظ) وزير العدل التجمعي والذي وقع نقده من قبل الجبهة وتناست الجبهة انها متحالفة مع السبسي-بورقيبي تجمعي وعميل من اعلى طراز-ونجد كذلك وزير الشؤون الدينية الذي يدافع علنا عن تسييس المساجد ويقف ضد مجلة الاحوال الشخصية ويدعو الى تكفير المعارضين ويرفع راية الخلافة السادسة الخ...هذا فضلا عن وزيرة السياحة المتهمة بتعاملعا مع الكيان الصهيوني ودون الدخول في كل التفاصيل نقول ان هذه الحكومة هي بالاساس حكومة نهضة –نداء وفق الاملاءات الامبريالية وهي بالتالي ليست بحكومة كفاءات محايدة او مستقلة وقد اتضح ذلك منذ بداية فترة الصراع الرجعي حول رئيس الحكومة (المستيري,مدعوم من النهضة- محمد الناصر مدعوم من النداء والجبهة,علما وان محمد الناصر الذي يزعم انه مستقل جدا ودافعت عنه الجبهة الشعبية اصبح نائب رئيس نداء تونس-أي نائب السبسي). لم تخرج النهضة من السلطة بل انها تحكم عن طريق وكلائها ولن تقبل بمراجعة كل التعيينات بما ان جمعة –الوزير الاول-كلّف لجنة نهضاوية بهذه المهمة ومن بين اعضائها من كان تعيينه محل جدل كما حافظت النهضة على المجلس التاسيسي الذي كان من المفروض حله بل طالبت المعارضة بحله كشرط اساسي في الحوار لكنها تخلت عن هذا المطلب كما تخلت عن مطلب الحكومة المحايدة واجبرت في كل مرة على تزكية كل الاتفاقات بتعلة احترام الوفاق الوطني المفروض والمقرر من الدوائر الاستعمارية. وهكذا تتملص النهضة من مسؤولية الفشل التي ادت بالبلاد الى حافة الافلاس وتبتعد عن الضغط الشعبي وعن المساءلة ويقع تبيض وجهها من خلال تقديم انسحابها كعربون "اخلاصها لتونس". وحالما تمت المصادقة على الدستور والحكومة تدفقت القروض واشادت فرنسا وامريكا بهذا الانجاز الفريد من نوعه وامضى البنك العالمي على القسط الثاني من القرض الائتماني وقيمته 500 مليون دولار ووعدت فرنسا بتقديم 500 مليون ارور وستتحصل الحكومة على قرض من الصندوق العربي للانماء بقيمة 240 مليون دينار كما قدمت امريكا 10 مليون دولار ثم 174 مليون دولار وتركيا 200 مليون دينار و73 مليون يورو من اطاليا و79 مليون دينار من صندوق قطري... الخ ودون احستساب هذه الدفعة الجديدة من القروض فقد بلغ مجمل القروض منذ ديسمبر 2011 ,12950مليار من المليمات وسيقع في شهر مارس تسديد الديون للجهات المانحة قيمتها 4000 مليون دينارا. لقد رهنت حكومة النهضة البلاد لدى الدوائر الاستعمارية وتواصل حكومة جمعة في نفس النهج فماذا نترقب من مثل هذه الحكومات المتعاقبة عدا مزيدا من الفقر الذي بلغ نسبة 24.6 بالمائة ومزيد من التهميش والبطالة وبيع البلاد والخيرات بأبخس الاسعار.
لقد اتضح للجميع ان الهدف من الحوار الوطني وماسمي بالانتقال الديمقراطي(الديمقراطية التشاركية والديمقراطية التوافقية...) يتمثل في ترميم النظام القائم وانقاذه من التفكك من جراء الضربات الموجعة التي سددتها الانتفاضة لراس السلطة وللنظام ككل من خلال شعار"الشعب يريد اسقاط النظام".كما ادركت الجماهير ان مسرحية التاسيسي والحكومات المؤقتة المتتالية عملت بكل الوسائل على اخماد الحراك الاجتماعي وان تطلب الامر استعمال الرش وقتل المتظاهرين او اعتقالهم ومحاكمتهم بتهم كيدية وتتجه الكتل الرجعية حاليا بايعاز من فرنسا وامريكا الى التهدئة والهدنة السياسية الظرفية وتوفير سلم اجتماعية لانجاح عمل حكومة الانتخابات والتفرغ الى الحملات الانتخابية التي شرعت فيها كل الاطراف الرجعية والانتهازية . وفي هذا الاطار اعلنت النهضة استعدادها للتعامل مع نداء تونس كما اعلن السبسي امكانية التعامل مع النهضة حسب نتائج الانتخابات القادمة وهي نتائج معروفة مسبقا ومقررة من قبل البنوك العالمية والاحتكارات العالمية الماسكة بالسوق المحلية اذ تراهن الامبريالية على النهضة والنداء اساسا في فرض بعض الاستقرار لمصالحها وتواصل في ذات الوقت استغلال تناقضات الرجعية للتحكم في الوضع حسب مصالحها العاجلة والاجلة على غرار ماتفعله في ليبيا وسوريا والعراق واليمن... يتضح ان الامبريالية التي تفاجأت باندلاع الانتفاضات تداركت امرها وتمكنت من تمرير بدائلها عبر الانتقال الديمقراطي المزعوم او عبر الانقلاب العسكري وهي تمسك حاليا بخيوط اللعبة وتدير الصراع بصفة مباشرة صلب الكتل الرجعية(نهضة-سلفية.نداء-دساترة ولبراليين-) وحتى صلب الجبهة الشعبية التي اصبحت باتصال مباشر بالسفارة الامريكية.غير ان انطفاء مشعل الانتفاضة ظرفيا لايعني البتة قبر الشعارات التي رفعت من قبل الشباب الثائر كما لايعني عدم حصول تراكمات كمية لدى الجماهير المنتفضة من جهة وصلب القوى الثورية من جهة اخرى –هذه القوى المدعوة الى توحيد الصفوف من اجل فضح المناورات الرجعية وتأطير التحركات الشعبية باتجاه تفعيل شعار "الشعب يريد اسقاط النظام" فيفري 2014
#نشرية_الديمقراطية_الجديدة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
افريقيا الوسطى بين الحروب الأهلية و الغزو الاستعماري المباشر
-
الاتفاق الامريكي الايراني أو سايكس – بيكو في شكل جديد !
المزيد.....
-
الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (إ.م.ش) تدعو للمشاركة الوازنة
...
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 576
-
فريق حزب التقدم والاشتراكية بمجلس النواب يُطالب الحكومة بتقد
...
-
السيد الحوثي: بقية الفصائل الفلسطينية المجاهدة في غزة تواصل
...
-
هل تسعى تركيا إلى إنهاء الصراع مع حزب العمال الكردستاني؟
-
تركيا.. اعتقال رئيس بلدية -أسنيورت- بتهمة الانتماء لحزب العم
...
-
العدد 577 من جريدة النهج الديمقراطي بالأكشاك
-
الجبهة الديمقراطية تراسل الاحزاب السياسية والبرلمانات العالم
...
-
المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي يدين بشدة وصف ا
...
-
بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|