أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أسامة غانم - شعرية التجريب في رؤية الانثى لجسدها















المزيد.....

شعرية التجريب في رؤية الانثى لجسدها


أسامة غانم
ناقد

(Osama Ghanim)


الحوار المتمدن-العدد: 4369 - 2014 / 2 / 18 - 05:53
المحور: الادب والفن
    


إن رواية "الاسم والحضيض" للتونسية فضيلة الشابي، رواية منفتحة على العديد من التجارب الأسلوبية السردية العربية والعالمية، فيها نرصد الاستفادة من الاستعارة، إن الاستعارة المجازية "صورة بلاغية توصل المعنى بالمشابهة عبر تفسير أو تأويل شيء بصيغ شيء آخر"(1)، وبالتحوير من نصوص الكتب المقدسة، ونصوص المتصوفة كالبسطامي والحلاج وابن عربي، عبر تناص أعطى للرواية القدرة على التعبير المغاير، والتجديد المختلف، والتجريب الغرائبي في الشكل، وفي مجال الإبداع لشعرية السرد، وفيها رصد سوسيولوجي-تاريخي للصراع الخفي ضد المرأة، والنظرة اللاواقعية للمجتمع العربي نحو المرأة، القائمة أساساً على الموروث القبلي المتخلف، والايديولوجية الميتافيزيقية، نظرة دونية، رجعية، مظلمة "فهن عنده، يلدن الأعداء، ويقربن البعداء"، لقد وصلت الشابي بهذا الرصد إلى نقطة الرؤية في الاختلاف والفصل، ما بين الانثى والذكر، رصدت اللامنطق الذي أسس هذه الحالة السوسيولوجية-التاريخية الشاذة، الحالة التي تربعت في اعماق الشرقي.
فلنبدأ من العنوان، بؤرة النص، لكي نفككه إلى أجزاء، ثم نقوم بإعادة بناءه، فالنص "في الواقع لا يمكننا معرفته وتسميته"(2)، الا بعنوانه، فالعنوان نص يوازي النص الأصلي، فالاسم كناية للحضيض، وكما متعارف عليه أن الكناية تسمية بديلة، بل وأحياناً يكون الاسم قرين الحضيض، وهذا ما تلمح إليه المؤلفة عندما تقول "واذا زينت لي النفس عنوانها قلت: تبا لك انى يقرن الاسم بالحضيض-ص188"، لقد جاء في مختار الصحاح لـ ابو بكر الرازي: قال تعالى " هل تعلم سمّيا" أي : نظيراً يستحق مثل اسْمه، وقيل مُساوياً يساويه، والاسم مشتق من سمْوتُ لأنه تنويه ورفعة جمعه أسماء وتصغيره سُميّ.
أما الحضيض فهو القرارُ من الأرض عند منقطع الجبل، وفي الحديث: "انه اهدي إلى رسول الله (-;-) هدية فلم يجد شيئاً يضعه عليه، فقال: ضعه بالحضيض" يعني ضعه على الأرض، فكيف اذا " يسمو التراب على التراب؟-ص186"، ولو قمنا بقراءة الجملة قراءة ثانية على ضوء النص الروائي، لكانت تقرأ هكذا: كيف يسمو الرجل على المرأة؟ ان المرجع الأصلي للاسم والحضيض هو: "التراب"، أي أنهما الاثنين من التراب.
عند توقفنا أمام العنوان نشعر بمراوغة ومخاتلة المؤلفة لنا في اختياره، حيث جعلته فخاً وشركاً للقارئ، ولا يعطي أي إيحاء أو انطباع أولي، بل تلقي به متعمدة في متاهات، وجمل متلاعبة، يصعب الإمساك بها، إلا بعد مطاردة قرائية، تقتحم سرية النص، لتحرره من قواعده الأدبية.
فالعنوان والنص مكملين لبعضهما في انزياحتهما، وفي غموضهما، ويدفعنا النص إلى التساؤل مع ياكوبسن الذي وضعه في صلب كل شعرية: في أي شيء تنحصر أدبية الأدب؟ وإذا ما عرفنا ان المقصود بالأدبية عنده " ليس دراسة الأدب وإنما ما يجعل الكتابة أدباً".
إضافة إلى ذلك فإن الكتاب " يصنع المعنى" كما يقول بارت، و"المعنى يصنع الحياة"، لذا يمكن العثور على معنى الحياة في التشكيل المتواصل لوعي الذات وإعادة تشكيله في عملية تأويل مستمر "كثيراً ما شيّاك أبناء جنسك فأصبحت الشيء النازع لتشيئه يتعثر برفضك الآخرون- ص182"، فما ان يفهم النص، حتى تصبح المعرفة التأويلية صريحة، فتكشف ما كان في الاصل تحت الضوء الساطع وليس التعليقات التوضيحية بشيء مضاف إلى النص.
يقول ادوارد سعيد "ان النساء وحدهن قادرات على فهم التجربة الأنثوية"، وعليه، فلقد كتبت أستاذة اللغة فاطمة الأخضر مقطوف، دراسة تحليلة عميقة تستنطق لغة الرواية، وضعت كمقدمة للرواية، وكان عنوان الدراسة "ايها الواطيء الغرفة-الكتاب غمس قدميك في مياه الفهم"، مُستل من ديوان الشابي الموسوم "الحدائق الهندسية-1989"، فان العنوان يعتمد على التأويل الداخل في الفهم، لكي ينتج (=يخطط) صورة متكاملة، واضحة، عما قصدته الناقدة والمؤلفة" "تعشق حقول البنفسج والكتاب-ص14"، أو انها "ستظل تحمل عبء الكتب-ص22"، أو هي "انثى طريدة الحضارات دمك والكتاب لا يلتقيان ورجمت بالحروف نابعة من القبائل المهاجرة-ص32"، فان الغرفة-الكتاب، تجعلها في جمل أخرى: الغرفة-المهبل، مما يضعنا ذلك أمام تأويلات متداخلة متعددة في آن واحد: "وكأنك تعلقت بجذعي غصُونا من الحس نبحث عن الغرفة- المهبل ولجناها بعد لاي، في الغرفة-المهبل يلمسان اللعب الكامل هنا الحرفُ لم يمت-ص45" وبدورنا نتساءل هل يوجد قاسم مشترك بين الغرفة-الكتاب، والغربة-المهبل؟ نعم يوجد، انهما يشتركان في التجربة، الاكتشاف، المعرفة، فان الكتاب والجسد (=المهبل) يخوضان التجربة، التي تقود إلى الاكتشاف، اكتشاف المتعة (متعة الجسد/كولن ولسن) واللذة (لذة النص/على مبدأ إن النص عند بارت جسد أنثوي)، المؤدي إلى حقيقة المعرفة وجوهرها في الحياة، فعندئذ عند عثورها على الهوة-النص تصبح "ربيبة الالهة-ص49" فالمعرفة ما هي الا جزء من المقدس، فتتسرب الحروف/الكتاب إلى الجسد/المهبل، فالكتاب يمتلئ بالمعنى/الحياة، والمهبل يمتلئ كذلك بالماء/الحياة، وما بين "الربوة-القمة" و "الكتاب-البؤرة"، تتشكل الإحداثيات الإنسانية في الزمن الغائب، لاستحكامات الوعي القرطوسي: "جاء في أساطير ما انبت من زمن ان اناث الفهود تحرس مداخل المكتبات فلا دخول الا لمن فهم (ت) المنطق الآخر-ص160".
وفي القمة-البؤرة، نصبح نمتلك الاكتشاف والمعرفة في الوقت ذاته، فالغموض-وهو وسيلة فنية تفتح أبواب التأويل غير المحدود- هو طابع فضيلة الشابي كما تقول فاطمة، مع مزاوجة الواقع اليومي بالخيال المتشظي بصميمية عالية وعليه أمعنى ذلك أن: الغرفة/الكتاب-المهبل، هما العتبة المؤدية إلى الرؤية الشاملة للأنثى والذكر.
ولكن يبقى الخوف، هو المحاصر لهن، منذ البدء، منذ الخرافة الاولى في الاستنساخ: "اوصيك الايمان بالله اجيبها ما الله؟ تنهرني وتفتح لي الخرافة-ص64"، ومنذ القضمة الاولى المكيدة، ليكن "الجواري والدمى وفي اسوداد المعتقد هن شياطين سراديب الكنائس-ص59"، وهن الفتنة والغواية والعورة، وهن الدم المباح "الضحية الاولى لم يعثر لها أثر، والثانية وجدت وسط المزابل وقد دقت عظامها دقاً، اما الثالثة فقد صُلبت على إحدى النوافذ-ص106"، هنا تتعدد الرؤى إلى: المتخيل-الغرائبي-الأسطوري-الواقعي، لتعمل على خلق عالم متفرداً، يقرأ من مختلف الاتجاهات، قراءات ممكنة ومتعددة، هذه القراءات "تنظر إلى النص في مرجعه وقد نقرأه قراءة سياسية أو قراءة تاريخية، أو قراءة سايكولوجية، مستهدفة بذلك كشف حضور هذه المراجع في النص، أو ربما رؤية علاقة النص بهذه المراجع"(3).
منذ البدء كانت "المرأة-التوام-ص64" البدء في تشكيل الحياة والعالم، لان بدونها لايخرج انسان من منابت الماء "ترمي المُغتسلات بجدّيتهن واثوابهم ويغطس في الماء-ص24"، ليكون اللقاء في منابت الحس العاصف لان "ثمرتي كرز انحنتا على الجدول الانثوي فاضرمت اللذة-80"، والاقدام على ان "ترشق على الربوة-القمة-ص38"، وتكتمل في منابت الرؤية لانها تحب "كما الانبياء والاولياء-ص45"، لقد كان البدء هو الرؤية، ففي:
البدء كان الكلمة
والكلمة كان عند الله
وكان الكلمة الله يوحنا:1
فالمرأة عند فضيلة الشابي تكون في مصافي الاله، لان الحياة تنبثق منها وبها، عبر طقوس جسدية/رمزية "انزلاقي في رحمها-ص19"، وانزلاقها ثانية من رحمها، فهي البدء، والاصل (الانثى عند نوال السعداوي هي الاصل)، ولكن من حق القارئ/المتلقي ان يتساءل اين موقع التوأم-الاخر، ام يكفي ان تكون "الحياة مؤنث-ص38"؟ أو لان "الرجال هذه الحيوانات الضعيفة روضت منذ الاف السنين على الانقضاض والسيطرة-ص47"، مفارقة متطرفة جداً، بين المرأة – التوأم، والرجال الحيونات الذين ينقضون على النساء فقط، لانهم مسكونين بالشر، ولكن الا يسكن الشر النساء؟ بمعنى آخر.. هل أن الإنسان الذكر هو الشرير الأبدي فقط عند فضيلة الشابي.. وهي البراءة الدائمة.. مجرد تساؤل..
ونعود لنقول ان المرأة تعني الأنوثة، تعني الجمال، تعني المشاركة مع الرجل، تعني الإغراء، والفتنة، لهذا فهن في عالم الرجال: عارضات أزياء-ملكات جمال الكون-فتيات اغلفة المجلات-فتيات دعاية في الإعلانات- وعاملات رخيصات الأجور، هن الضلع المكسور بالمنظور العربي و " تقام أسواق يحتفل بالجسد فيها فهو المشتهى والمرتائ وهو المعذب والقتيل المأكول في سنين مسغبة الساقط بالمصانع اله رسول-ص186"، أسواق ذكورية بمشاركة (=مباركة) نسائية هامشية لإضافة الشرعية (مصطلحات مثل ذكر وأنثى يمكن فهمهما فقط في نظام من العلاقات التفاعلية)، ولايقاد الشهوة والتلذذ بالجسد، والتمتع بممارسة الخيالات الجانحة الشاذة عليه، لان المتعة يمكن التوصل اليها في حالة الحصول على الشيء المحظور/الممنوع/المحرم.
يتقاسم "الاسم والحضيض، مفردتين، تكاد لا تخلو منهما اية صفحة: الموت والمرأة، بحيث نجد أن أول كلمة في مفتتح الرواية تبدأ بها المؤلفة هي الموت: "الموت أول الكلمة-ص3"، فالموت في الرواية أصبح هو قرين المرأة، والمتناسل منها، والظل لها، "علمني الموت كيف تسمى الأشياء بان ادخل النهر فيّ إلى حد الفناء-ص13"، فجملة "ادخل النهر فيّ إلى حد الفناء" تمنح القارئ اختيارات كثيرة في المعنى والتأويل، كما ان "تأويل المعاني التي تنطوي عليها، يستند إلى عدد معين من الجمل، والتحليل المنطقي لمنظومة ما، ينطلق من اعادة كتابة مجموعة محددة من القضايا، في لغة صورية"(4)، اذاً الموت/النهر والاشياء/الفناء، عملية متداخلة في ثنائية الحياة/الموت، فان الموت عند فضيلة الشابي مخترق ومحاصر لتكريس الانبعاث بالماء، والتمسك بالحياة بشدة واصرار خرافي " ساعود في حقبة حضارية أخرى القوانين التي يسنها البشر لا تعنيني، وان كنت ضحيتها دوماً كامرأة-ص50".
لم تجعل المؤلفة نصها انعكاساً ولا تحريفاً للحقيقة، بل هو مكون حيوي في إعادة خلق شروط الوعي، وانه خالق الاختلافات ومنتج الانظمة، بمعنى ان المرأة لن تكون الصورة المخفية أو الغائرة في أعماق النص، ولتبقى صرخة ضد الموت بكل أشكاله ومعانيه.
وتختزل السلطة القامعة للمرأة، أي السلطة الذكورية، في مصطلح غريب بعض الشيء، يد-اب، رمز- تأويلي يتحمل حسب النص (=جوانية النص) الاحالة إلى دلالتين: مادية وميتافيزيقية، فالمادية – الجسدية "سريرُ الاب في الشرق مطلي بماء الذهب-ص17"، اما الروحية – الميتافيزيقية، فهي "الابُ في قديم عصيت امره ذات حين فنفاني خارج جناته- ص72-73"، وهي لا تحب الاب المطلق "لانه بدعة لغوية"، فهي تتعامل مع الاب البيولوجي، الاب الذي يتخذ أشكال عدة للسلطة وقوانينها وتشريعاتها على المرأة لتكريس النظرة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وفلْسّفة هذه النظرة، اللامتوازنة عمليا من خلال الصراع الجنسي والطبقي والإنساني، "الا تبّت يداك وما حملتْ الفقر الفقر في العطاء الفقر في الاخذ الفقر في الرؤية الفقر في الحضور والغياب الفقر في الاقامة والسفر-ص47"، ان هذه التقابلات التناقضية، أي الثنائيات، تجتمع على فقدان الرؤية، أو عدم المحاولة للوصول إلى الرؤية من قبل الرجال للنساء، للشريك، وهي – أي الرؤية – تعتبر جوهر اساسي من أساسيات الراوية، وجزءاً رئيسياً في الرواية، تطرح علائقية الأوضاع مع الآخر؛ الايديولوجي/الاب، المادي/الفقر، والثقافي/الرؤية، ونستطيع ان نعيد قراءتها بالشكل الآتي:

المؤشر المؤشر إليه نوع العلاقة الغاية
العطاء/الاخذ
الحضور / الغياب
الاقامة/ السفر الأب
الروحي والبيولوجي بكل إشكاله الفقر الرؤية
في حين ان سلطة المؤلفة هنا تحاول أو تعمل على توجيه العملية القرائية وترشدها، للتلاعب بالصور الذهنية (الثقافية المتراكمة) المتواردة في الوعي الذاتي للقارئ وحسب نوعيته، مما لايسمح له الا الاعتراف بالسلطة التي يمارسها عليه النص، ولا يمكن اختراق النص (التملص منه) الا بالقراءات التي تتخطى حدوده، رؤيته، تلغيمه، وذلك باستقلالية القارئ عن سلطة النص، ولكن بتفاعلية حيادية.
ومما يؤكد هذا الطرح، عند المؤلفة، تلاعبها باللغة عن قيامها بتشخيص "معنى"، ان تضع في بداية كل جملة "حرف"، يكون ناتج جمع حروف الجمل كلمة ذات معنى مغاير للمعنى العام، ولكنه يصب في سياقاته الايديولوجية، ويلتقي في توجهاته العامة:
قاف: القاف يلف القرية، انا الملفوظة اللافظة.
هاء: هروب خارج القرية. كسرت عصا الطاعة.
راء: منثورة الذاكرة.
= قهر.
بمعنى أخر: هروب ذاكرة من قرية منثورة (=منهوبة)، تعيدها النساء بالتمرد على الاخوة-الملوك.
"صحن في فوهة صمتي: نحن المحافظات على نظام القبيلة دمك دمنا لماذا غيرّت الإشارات أي جرم اقترفت يا ابنة أحمد؟- ص62".
عودة لابد منها إلى عنوان الكتاب "الاسم والحضيض" لبيان التداخل الصميمي ما بين حياة المؤلفة الذاتية/الخاصة وحياتها الأدبية/العامة، وانعكاسهما عليه، ومدى التأثير فيه، كما جاء ذلك في فصل "سيكولوجية الصواعق"، الذي يعتبر البوابة الاولى للعبور إلى الرواية، "كيف عبرتُ المجال الثقافي في بلدي؟ كان الاثبات هو الطاغي إثبات لسلطة الخطاب الايديولوجي-السياسي-ص6" بهذا التحدي واثبات الوجود اختارت الكتابة، اختارت الخروج إلى العلن عن طريق الكلمة، فماذا كان رد الفعل؟ وماذا كان الموقف الضمني منها؟: "فحصروني بالصمت: اعرف الآن أن الصمت من اخطر أنواع العنف وأدقها-ص6"، ولكن كانت بالنسبة للبطلة المختزلة المواجهة بالكتابة وحدها، حيث وقفت "منذ البداية ضد هيمنة السائد بمختلف مظاهره هذه التركيبة الذهنية المتصلبة المثبتة-ص7" تم من خلالها "عبوري الصعب-ص7" والمشاركة في صناعة الحياة مع الآخر.
الخطوُ – المنيّ ما نطقَ
امدُ امدُ
يطوف حول الاسم الجسدْ
واذا مسه مسّة فانصهد
فهو بين فكّ وشدْ
والنتيجة من ذلك هو ليس فقط إلغاء الفروق بين المؤلف/الذكر والمؤلفة/الانثى، بل ما بين الذكر والأنثى، فكليهما إنسان، وكليهما يصنع الحياة والعالم، وكليهما امتداداً لـ "امبراطورية الذاكرة" في تجربة المعنى والفكر، بمعنى "إذا أردنا إدراك النص في مصداقية دلالته الأصلية، فينبغي رؤيته كتجلي لحظة إبداعية وإعادة توظيفه داخل شمولية السياق الروحي للمؤلف"(5)، ولكن يبقى المعنى الحقيقي المتواجد في النص هو في حد ذاته مسار لانهائي وغير تام ويحتاج إلى قراءات متعددة حسب كيفية الطرق التي تتواصل معه أو تتفاعل لاكتشاف اللحظة الفاعلة في المعرفة، معرفة المعنى لكل شيء، وفي دور الفعل المبدع للانسان: ذكراً وانثى لجعل التاريخ بأسره خلقاً مستمراً.
اشتغلت فضيلة الشابي على بلاغة اللغة بكل ثقلها، فكانت لغة: استفزازية-اقتحامية-مدهشة، يلمس من خلالها المتلقي التلاعب باللغة، ودفعه إلى مساربها التي على شكل احاجي: "المرأة تراود الشعاع عن نفسه على المقعد الخشبي ردفان كوكبان في السراديب بين الجسد الشاهي في الخرير في القنوات في أركان السر موجات ناسخة لموجات والوشم متجدد الغطرسة-ص136".
ان فضيلة الشابي طرحت في روايتها قضية إنسانية غاية في الأهمية، تتكشف للقارئ بعد ان يقوم بقراءة الرواية بعدة قراءات مختلفة الأوجه، كما ان المرأة هي بالنسبة للرجل: المضحّى بها – المستلب – المقصي – المستبعد، أي انها خارج اللعبة، لعبة "هم" فان هم في الوقت ذاته متشاركين معها في الصفات ذاتها، فانهم مستبعدين من قبل نظام لا أنساني: "لاشيء يقوى على هذا القانون انه خلاصة السياسية الاقتصادية-ص112"، قد تأسس عليه عبر ألاف السنين واقع استغلالي، حيث تحول إلى آلة مخيفة شرسة هائلة، لافرق امام عجلتها رجل أو امرأة، رغم ان "هم" داخل اللعبة، ولكن باعتبارهم ديمومة لحياة هذه اللعبة، وليس لاعبين أساسيين، لذا لا يتحقق الانعتاق الا بمصاحبة الآخر/الرجل، لكي يخرجا كتوأمين إلى النور.
الهوامش والإحالات
1- آرثر اسابيرجر- السيمياء والنقد الثقافي، ت د. هناء خليف غني، مجلة الثقافة الأجنبية العدد 4/2008.
2- عبد الخالق بلعابد-عتبات، منشورات الدار العربية للعلوم/بيروت ومنشورات الاختلاف/ الجزائر ط2 2008، ص28.
3- في معرفة النص- يمنى العيد، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت، ط3، 1985. ص56.
4- جيل دولوز- المعرفة والسلطة. ت سالم يفوت، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء 1987، ص22.
5- هانس غيروغ غادامير- فلسفة التأويل، ت محمد شوقي الزين، منشورات الدار العربية للعلوم. بيروت، ومنشورات الاختلاف، الجزائر، ط2، 2006، ص41.
* "الاسم والحضيض" رواية. مطبعة الشابي، ط1/ 1992.



#أسامة_غانم (هاشتاغ)       Osama_Ghanim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سلطة الجنس
- الرؤية الغرائبية في سوسيولوجية الجسد
- رواية - برهان العسل - قراءة سوسيوثقافية
- اللعبة الايروتيكية وتحولات التخييل السردي
- واقعية المتخييل السردي في التاريخ المؤول
- تحولات حداثية السرد في المتخييل التراثي
- قراءة في -جمهورية البرتقال-


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أسامة غانم - شعرية التجريب في رؤية الانثى لجسدها