أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - ياسر المندلاوي - الفيدرالية والمسألة القومية في العراق















المزيد.....

الفيدرالية والمسألة القومية في العراق


ياسر المندلاوي

الحوار المتمدن-العدد: 1241 - 2005 / 6 / 27 - 05:05
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


تشغل موضوعة الفيدرالية حيزاً مهماً في إنشغالات الرأي العام في العراق، وبين مؤيد ومعارض،
تتواصل إحتدامات الرأي في تأسيس شاق للمحاورة والمثاقفة، لا تخلوان من هنهنات بعض الساسة،
وإرتجالات مكاتبيهم، دعاة تبضيع الرأي والقلم، خصومةً وموالاة. الأمر الذي يدفعنا مرة أخرى إلى
إمعان النظر في مواضع الخلاف، لإستجلاء حقيقة الفيدرالية، ورد شبهات المناوئين والمناصرين،
بغير مصادرة لشرعية توجسات كل فريق من الفريق الآخر، ولا سيما في ظل التشظي الإجتماعي
والسياسي، الذي يساهم في تغذية المخاوف المتقابلة، وتبريرها بكم هائل من المعطيات الواقعية،
تقع في متناول الأطراف المتباينة، ولا تخيب رجاءها في البحث عن كل شاردة وواردة، تدعم رأياً
وتقوض آخرا.
القائلون بالفيدرالية، وعلى إختلاف مذاهبهم، يجعلونها شرطاً للتقدم الإجتماعي والإقتصادي، وضمانة
للديمقراطية، وسبيلا لحل المسألة القومية وتجاوز مخاطر النزعات الإنفصالية. بينما يذهب الناكرون
إلى القول، بأن الفيدرالية تؤدي إلى التشرذم والتبعثر، ومن ثم، تقود إلى عرقلة تطور البلاد في
النواحي المختلفة، وتكرس اللاتجانس الطائفي والقومي، لتشكل في النهاية، توطئة لتقسيم العراق
إلى دويلات.
وكما هو واضح، فإن التناقض بين الفريقين، يقوم على مشترك علاقة الفيدرالية - تفعيلاً أو تعويقاً -
بالتنمية الإقتصادية - الإجتماعية، والديمقراطية السياسية، وتحقيق المساواة القومية، ولا يقوم على
غير المشترك من التعريفات الفقهية القانونية والسياسية للفيدرالية. وعليه فإن الإرتماء في أحضان
النصوص الدستورية، التي تنظم الفيدرالية في الدول التي سبقتنا إليها، والإستعانة بتعريفات الفقهاء
للدولة البسيطة والدولة الإتحادية والإتحادية المركبة، لا يمكنهما أن يساهما في الإجابة على تساؤلات
جوهرية، تنتمي إلى فضاءات الصراع الإجتماعي والسياسي، حول راهن العراق ومستقبله. فالنصوص
الدستورية لتلك الدول، خاصة بها، وتستجيب لمفردات واقعها الملموس، ولا ينبغي تجريدها من
عنصري الزمان والمكان، ناهيك عن القياس على نتائج تطبيقاتها، لإيهام الذات بنتائج مماثلة، لا
تتوفر مقوماتها على أرض الواقع في العراق. وأما التعريفات الفقهية القانونية والسياسية، فما
هي إلا مبادئ عامة، تمت صياغتها عن طريق إستخلاص ما هو جوهري وعام من تجارب ملموسة،
وهي تتجسد في الواقع العملي على نحو متباين. أي أنها تأخذ شكلها النهائي في التطبيق، وعلى
درجة إستجابة الواقع المعين، تتوقف النتائج، توافقاً أو تعارضاً، مع القصد القانوني والسياسي
للتعريف الفقهي.
إن مصيبة الفيدراليين في العراق، تكمن في الوثوب إلى الفيدرالية، إنطلاقاً من التعريفات العامة،
وتأسياً بتجارب الآخرين الناجحة، وتالياً، البحث عن وقائع إن وجدت، وإختلاقها إن عدمت، لتبرير
النزعة الفيدرالية. في حين يقتضي المنطق، الخوض في تفاصيل الواقع لتقرير حاجة العراق إلى
النظام الفيدرالي، ثم البحث في تجارب البلدان الفيدرالية، للإستفادة منها في بلورة أفضل صيغة
ممكنة لفيدرالية عراقية، تلبي حاجات المجتمع العراقي في هذه المرحلة، والمراحل اللاحقة. فليس
من الصواب الإستنتاج - بناءاً على تجارب بلدان بعينها - بأن الفيدرالية نافعة دائماً وأبدا. إذ أن
القول بهذا، يوقع أصحابه في دوامة المنهج اللاتأريخي، ويؤدي بهم إلى مفارقة المنهج العلمي،
الذي يوصي بدراسة القضايا الإجتماعية في إطارها التأريخي المحدد، والأخذ بنظر الإعتبار،
الخصائص الملموسة للواقع المعين في حقبة تأريخية معينة.
إن الفيدرالية، كشكل لنظام الدولة في ظرف ملموس (لا الفيدرالية بشكل عام)، يمكنها أن تساهم
في تسريع إنجاز التحولات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية. ففي سويسرا مثلاً، كانت الفيدرالية
وسيلة لإلغاء التعرفة الجمركية بين الكانتونات السويسرية، لإقامة سوق موحدة. وبهذا المعنى فإن
الفيدرالية السويسرية، كانت خطوة هائلة من التبعثر إلى الإتحاد، لخلق شروط تساعد على دفع عجلة
التقدم في الميادين كافة، وذلك، بنفي العراقيل أمام قيام سوق موحدة. فالوظيفة الجوهرية للفيدرالية
في التجربة السويسرية وغيرها، هي جمع الشتات في وحدة واحدة، ومنع الموحد، في تجارب أخرى،
من السقوط في براثن التشتت. وفي كلتا الحالتين، فإن ما ينبغي إستنتاجه هو أن الأصل في الفيدرالية،
النزوع نحو التمركز، والميل إلى إزالة الحواجز أمام قيام تنظيم دولوي، يستجيب لهدف تحويل
المجتمع، ويضمن تطوره على أساس مركزية الدولة الفيدرالية ولامركزيتها في آن واحد. وربما كان
هذا الجمع بين النقيضين (المركزية واللامركزية) في مفهوم الفيدرالية، القاعدة التي ترتفع فوقها
جبال الشكوك المتبادلة بين الداعين إلى الفيدرالية والمناوئين لها. فبينما تبقى عيون الفيدراليين
شاخصة على مركزية الدولة الفيدرالية، للإستنتاج بأن الفيدرالية عامل توحيد للدولة، فإن نظرات
المناوئين للفيدرالية، توميء إلى لامركزيتها في إشارة إلى أن الفيدرالية عامل تفريق للدولة. وفي
حقيقة الأمر، لا (مركزية) الفيدرالية عامل توحيد دائماً، ولا (لامركزيتها) عامل تفريق دائما. إذ أن
الظروف الملموسة، هي التي تقرر الوظيفة الفعلية لكلا المبدأين في التوحيد والتفريق. ففي ظروف
قيام الدول الفيدرالية من إتحاد دويلات وكانتونات مستقلة، فإن مركزية الفيدرالية ولامركزيتها،
تؤديان وظيفة توحيدية. أما في ظروف الإنتقال من الدولة الموحدة إلى الدولة الفيدرالية, فإن وظيفة
المركزية واللامركزية، تتحدد بدرجة الفيدرالية، فيدرالية (أقل)، أو فيدرالية (أكثر)، والتي بدورها
تتحدد بالعوامل الباعثة على إحداث الإنتقالة إلى الفيدرالية، كأن تكون الفيدرالية وسيلة لتجاوز
الحرب الأهلية، أو إسلوباً لمنع التجزئة، أو حلاً لقضية قومية بإعتماد الإتحاد الطوعي بدل الإلحاق
القسري.
ومن أجل أن لا نفارق المنهج التأريخي في تناولنا للفيدرالية في العراق، يكون لزاماً علينا، تقصي
الوقائع الملموسة للتثبت فيما إذا كانت الفيدرالية ستساعد على تحقيق إنطلاقة أسرع نحو بلوغ
الإرتقاء المنشود، أم أنها ستشكل تراجعاً غير مبرر إلى الإنعزال القومي والطائفي والجهوي،
وتالياً، عرقلة الإندفاعة الواجبة لتحقيق أهدافنا في عراق يعيش العصر، ويواكب تطوراته. وحيث
أننا نؤمن بأن العراق يعيش مرحلة إنتقالية على طريق التحويل البرجوازي للمجتمع، وما يتطلبه
من إجراءات، تقضي على البنى التقليدية المعرقلة، فإننا نرى بأن الحاجة الفعلية لا تكمن في
الإنتقال من دولة موحدة إلى دولة إتحادية، وإنما تعزيز دور الدولة المركزية، وتمكينها من الأدوات
التي تؤهلها لكنس بقايا العلاقات التقليدية من قبلية وطائفية وغيرها. والحديث هنا يتناول الدولة
المركزية الديمقراطية، لا التعسفية كما عهدناها طيلة المراحل السابقة من تأريخ العراق الحديث.
إن قيام الدولة العراقية على أسس إتحادية، في ظروف سيادة الولاءات المحلية، وتصدر القوى
الطائفية والإنعزالية القومية للحركة الشعبية، يؤدي، في الواقع العملي، إلى نتائج متعارضة مع
الوظيفة الجوهرية للفيدرالية بالكيفية التي بيناها سابقاً. أي الإنتقال من التبعثر إلى التوحد، وذلك
لأننا في العراق لا نواجه - لغاية الآن على الأقل - معضلة الكيانية المحلية المستقلة أو شبه المستقلة،
بإستثناء بعض التجليات القسرية لها في كردستان العراق، وبدرجة أقل في المناطق الأخرى، إرتباطاً
بالظروف الطارئة التي يمر بها العراق. كما وإننا لا نواجه خطراً حتمياً (مع الإقرار بوجود أخطار
محتملة) بتقسيم العراق إلى دويلات، رغم التهديدات التي يلوح بها البعض بين الفينة والفينة.
وعليه، فأن الدعوة إلى الفيدرالية لا تستهدف، في حقيقة الأمر، قيام دولة إتحادية، تجمع كيانات
متفرقة لا وجود لها أصلاً، ولا تستهدف تجاوز مخاطر حتمية (لا إحتمالية) تهدد الكيان الموحد
بالإنقسام والتجزئة. وإنما هي دعوة تستلهم مصالح الفئات التقليدية، وبعض فئات البرجوازية
الهامشية الطفيلية في المجتمع العراقي، وسعيها إلى الهيمنة على مناطق النفوذ بدوافع طائفية
وقومية أو قبلية وجهوية، وبدعم مباشر من الإحتلال. لذلك، فإن الدعوة إلى الفيدرالية، في الظروف
الراهنة، ما هي إلا دعوة إنعزالية، لا تتماشى مع حاجة العراق إلى التكامل البنيوي والإنسجام
الداخلي، بل على العكس من ذلك، فأنها تضمر نزعة رجعية لإدامة سيطرة الزعامات المحلية
التقليدية والقومية الإنعزالية على الجماهير الشعبية، لمنعها من تنظيم صفوفها على قاعدة وطنية
عامة، ومتعارضة مع سعي هذه الزعامات إلى فرض سطوتها النهائية على المجتمع، بتأجيج
العواطف البدائية، ولاحقاً، عرقلة أي مسعى حقيقي لتقويض دعائم المؤسسات التقليدية في
المجتمع. وهنا تبرز إلى الواجهة، المحتوى غير الديمقراطي للفيدرالية، على خلاف إدعاءات
الفيدراليين، ومحاولاتهم الدؤوبة، لإيجاد علاقة عضوية بين الدولة المركزية الموحدة والديكتاتورية،
وبين الدولة الإتحادية والديمقراطية. ونحن إذ نتفهم إقتران الديكتاتورية بالدولة المركزية الموحدة
في أذهان الكثيرين، نتيجة عقود متواصلة من العسف والإضطهاد على يد السلطات المركزية،
فإننا لا ننزلق إلى إفتراض خاطيء بوجود تلازم بين الدولة المركزية الموحدة، بشكل عام، وبين
الديكتاتورية، أو بين الدولة الفيدرالية، بشكل عام، والديمقراطية. ومن خلال مطالعة سريعة
للديمقراطيات في العالم، نكتشف بأن الدول الديمقراطية، بعضها يعتمد الفيدرالية في تنظيم
الدولة، والبعض الآخر لا عهد له بها. وكذا الدول غير الديمقراطية، فأنها تتوزع بين فيدرالية
وغير فيدرالية. لذا، فإننا لا نأخذ على الدولة الموحدة مركزيتها، وإنما ديكتاتوريتها، وجهدنا ينبغي
أن ينصرف إلى مكافحة ديكتاتورية الدولة المركزية الموحدة، وليس إلى مكافحة مركزية الدولة
الموحدة، إلا في المجالات التي تشكل عقبة أمام إنجاز التحول الديمقراطي في الدولة والمجتمع،
ولاسيما في المجال الإداري، وفي مجال علاقة المركز بأقليم كردستان.
ففي المجال الإداري، يمكن القول، بيقين ثابت، بأن المركزية الإدارية لا تتناسب والتنوع القومي
والديني والجغرافي في العراق. وقد آن الأوان للإنتقال إلى اللامركزية الإدارية، لفسح المجال أمام
أوسع مشاركة شعبية، بعيدا عن الأوامرية، والدواوينية المفرطة. وربما يحتاج الأمر إلى إعادة
النظر في التقسيمات الإدارية الحالية، لإشاعة أوسع قدر ممكن من اللامركزية الإدارية. وأما في
مجال علاقة المركز بأقليم كردستان، فأن المعالجة الصحيحة لها، تتجاوز المقارنات الساذجة بين
المركزية واللامركزية. فنحن نواجه معضلة قومية، لها إستحقاقات لا تحتمل المواربة والمناورة.
ولكي نرتفع إلى مستوى المعالجة الحاسمة لقضية معقدة من هذا الطراز، يلزمنا الكشف عن
النوايا غير المعلنة لأصحاب المواقف المتباينة، ومناقشة وسائلهم المقترحة للإنتهاء من
الإشكالية القومية في العراق. وأول ما يمكن ملاحظته في هذا الشأن، تباين المواقف بين فريقين،
أحدهما يدعو إلى إعتماد اللامركزية الإدارية، والآخر يتبنى الفيدرالية لكردستان. فالقائلون
باللامركزية الإدارية، يتعكزون على مزاياها في توسيع صلاحيات الإدارات المحلية، ومنح السكان
المحليين دورا مهماً في إدارة شؤونهم وفق إحتياجاتهم الخاصة، دون الإضرار بمركزية الدولة
الموحدة في المجالات الأخرى. أي أنهم يستشهدون بمحاسن اللامركزية الإدارية، ولكن في موضع
خاطيء، حيث نواجه مشكلة قومية، لا تستقيم معالجتها إلا على أساس حق تقرير المصير، كشرط
ملزم، لتحقيق المساواة القومية التامة. وعليه، فإن التخفي خلف مزايا ومحاسن اللامركزية الإدارية
لإنكار هذا الحق، لا يمنح القائلين بها، ما يستر نزوعهم نحو الباطل في تحميل اللامركزية الإدارية
مضامين أوسع مما تحتمل، وتسخيرها لأداء وظائف لم تكن، يوماً من الأيام، جزءاً من إختصاصها.
فاللامركزية الإدارية لا علاقة لها البته بمفهوم حق تقرير المصير، ومن ثم، لا تصلح كأساس
لحل المشكلة الكردية، التي تتجاوز بأبعادها الواقعية، الحقوق الإدارية والثقافية إلى ما يعرف
بالحقوق والمطامح القومية. ومثلما نعارض تسخير فوائد اللامركزية الإدارية لإنكار الحقوق
القومية، فإننا نعارض وبالكيفية ذاتها، إستخدام مضار الفيدرالية، كما بيناها فيما سبق، مبرراً
أو معبراً لخلق المسوغات لسياسة الإلحاق القسري. ومقولة قولنا في هذا الخصوص، إن دعوتنا
إلى اللامركزية الإدارية، بمؤشر محاسنها في ظروف التنوع العراقي، ومعارضتنا للفيدرالية،
بمؤشر مساوئها في هذه المرحلة حصراً، لا ينبغي لهما تبرير النزعة الإنكارية لحقوق الأكراد
القومية، وإنما العكس من ذلك، ينبغي لهما إستفزاز قوانا للبحث عن معالجات وحلول للقضية
الكردية على أساس حق تقرير المصير، بما لا يتعارض ومصلحة العراق في التطور الإقتصادي
والإجتماعي والسياسي. فمن وجهة نظرنا، فإن حل المسألة القومية يخضع لمصلحة النضال من
أجل قيام دولة حديثة ديمقراطية، لا مكان فيها للنزعات المحلية الضيقة، والفئوية الضارة،
والطائفية المقيتة، والقومية الشوفينية أو الإنعزالية. ولهذا، لا نشارك الفيدراليين مسعاهم في
تسويق الفيدرالية، لقناعتنا بأنها، في الظروف الملموسة في العراق، تكرس هذه النزعات،
بدلاً من أن تقضي عليها، فضلاً عن إنها لا تقود إلى تحقيق المساواة القومية التامة.
إن الفيدراليين في العراق، يؤسسون دعوتهم إلى فيدرالية كردستانية، بإعتماد منطلقات خاطئة،
يمكن إيجازها، مصحوبة بتعليقاتنا عليها، بما يلي:

1- تلازم الفيدرالية والديمقراطية. وقد تناولنا هذه النقطة فيما سبق، وبينا حجم المغالطة التي
تكتنفها، ولا نحسب بأننا في حاجة إلى توضيحات إضافية.

2- إن الأكراد بإختيارهم للفيدرالية، يمارسون حقهم في تقرير شكل العلاقة التي تربطهم بالدولة
العراقية، وليس لأحد غيرهم أن يقول بما يخالف إرادتهم في هذا الأمر. فوفق أصحاب وجهة النظر
هذه، فإن الفيدرالية تقع خارج دائرة الإستفتاء الشعبي العراقي، رغم إقرارهم المسبق بأن الفيدرالية
تعني الإتحاد الطوعي بين أطراف تختلف فيما بينها قومياً أو دينياً أو لغة وثقافة. ولا ندري كيف
يمكن الجمع بين طوعية الإتحاد وعدم إشتراط موافقة جميع الأطراف المعنية. إن تلامذة القانون
المبتدئين (وليس القضاة)، يعلمون بأن الفيدرالية تعني التعاقد على الإتحاد، وصحة العقد، أي عقد،
رهن برضا وقبول أطراف العقد مجتمعين، ولا يجوز، بأي حال من الأحوال، مصادرة حق أي طرف
من الأطراف في قبوله أو رفضه حسب مقتضيات رؤيته للمصلحة المتحققة. والغريب في هذا الرأي
التعسفي، إنه لا يخالف القانون والمنطق وحسب، بل ويتعارض مع الإلتزام بعرض الدستور للإستفتاء
الشعبي، الذي يعني ضمناً، إخضاع مبدأ الفيدرالية للإستفتاء في حال تم إعتماده في مشروع الدستور.

3- يذهب الفيدراليون إلى القول، بأن حق الأكراد في الفيدرالية، ينبع من حقهم في تقرير المصير،
وأية محاولة لرفض خيارهم في الفيدرالية، يعني مصادرة حق الأمم في حرية تقرير المصير. ومصدر
الخطأ في هذا القول، إنه يقوم على إفتراض المساواة بين حق تقرير المصير وبين الحق في الإتحاد.
وليس لنا في هذا الخصوص من بد سوى الإستعانة بما قاله ( لينين) في معرض تناوله لحرية الأمم
في تقرير مصيرها:
(( من السهل، للمناسبة، أن نرى لماذا لا يمكن أن يفهم بحق الأمم في "حرية تقرير مصيرها"، من
وجهة النظر الإشتراكية-الديمقراطية لا الإتحاد ولا الحكم الذاتي، ( رغم أن هذين، من الناحية المجردة
يدخلان في مفهوم "حرية تقرير المصير" ). إن الحق في الإتحاد هو، بوجه عام، مفهوم أخرق، لأن
الإتحاد عقد بين طرفين)) -إنتهى.
إن حق تقرير المصير لا يعني سوى الحق في الإنفصال السياسي وتشكيل دولة قومية مستقلة. فهو
أشبه بحق الطلاق، وبإمكان طرف بمفرده أن يمارس هذا الحق بمعزل عن موافقة الطرف الآخر.
أما الحق في الإتحاد، فإنه أشبه بحق الزواج، لا يمكن ممارسته إلا بموافقة الطرفين معاً.

4- ومن المنطلقات غير الصائبة للفيدراليين، إفتراضهم بأن الفيدرالية، بشكل عام، تضمن المساواة
التامة بين القوميات. وهنا نؤكد بأن الفيدرالية لا تؤدي إلى المساواة التامة، ما لم تكن مصحوبة
بالإعتراف الصريح بحق الإنفصال. فمن أجل أن يكون الإتحاد طوعياً بين أطراف متساوية في
الحقوق، يلزمه الإقرار المسبق بحق تقرير المصير، وإلا ما معنى المساواة عندما يقتصر حق
إقامة دولة مستقلة على طرف دون الآخر، أو عندما تفرض صيغة إتحادية مجحفة، تحقق إمتيازات
لقومية بعينها على حساب القوميات الأخرى، تحت شعار المساواة في عدم الحق بالإنفصال للجميع.
وقد تجدر الإشارة هنا، إلى مسعى دعاة الفيدرالية على أساس جغرافي وإداري، وإلى مطالبة الأحزاب
القومية الكردية بفيدرالية على أساس جغرافي وقومي، تمنحهم إمتيازات على حساب القوميات
الأخرى، للإستدلال بأن الفيدرالية التي يتم الترويج لها وفق كلا الصيغتين، تهدف إلى اللامساواة
القومية بدوافع متناقضة.



#ياسر_المندلاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكومة الجعفري...تحصيص بلا بصيص
- العصبية الطائفية والقومية
- قائمة إتحاد الشعب ضحية ظروف جائرة وسياسات خاطئة
- الإنتخابات البرلمانية والمشاريع المتعارضة


المزيد.....




- إعلان مفاجئ لجمهور محمد عبده .. -حرصًا على سلامته-
- -علينا الانتقال من الكلام إلى الأفعال-.. وزير خارجية السعودي ...
- عباس: واشنطن وحدها القادرة على منع أكبر كارثة في تاريخ الشعب ...
- شاهد.. الفرنسيون يمزقون علم -الناتو- والاتحاد الأوروبي ويدعو ...
- غزة.. مقابر جماعية وسرقة أعضاء بشرية
- زاخاروفا تعلق على منشورات السفيرة الأمريكية حول الكاتب بولغا ...
- مسؤول إسرائيلي: الاستعدادات لعملية رفح مستمرة ولن نتنازل عن ...
- وزير سعودي: هجمات الحوثيين لا تشكل تهديدا لمنتجعات المملكة ع ...
- استطلاع: ترامب يحظى بدعم الناخبين أكثر من بايدن
- نجل ملك البحرين يثير تفاعلا بحديثه عن دراسته في كلية -ساندهي ...


المزيد.....

- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر
- محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي ... / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - ياسر المندلاوي - الفيدرالية والمسألة القومية في العراق