|
الوهابية ديانة سماوية رابعة
رأفت الغانم
الحوار المتمدن-العدد: 4366 - 2014 / 2 / 15 - 09:44
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الوهابية / التسمية والرفض : يرفض أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي ولد في العام 1703م في العيينة وسط نجد، إطلاق صفة الوهابية عليهم، مدعين أنهم من أهل السنة والجماعة ومن أتباع السلف الصالح، وأن محمد بن عبد الوهاب لم يأت بشيء جديد، بل هو فقط نقل العلم الصحيح لمنطقة مظلمة يجتاحها الجهل.
وقبل أن ألج في الوهابية، أشير إلى أن السلفية تتمايز عن السنة تمايزا عقديا، فعقيدة السنة والجماعة هي العقيدة الأشعرية (في الغالب) وضعها أبو الحسن الأشعري في زمن الخليفة القادر في العصر العباسي وجاءت لفظة (السنة) من هنا، وأضيفت إلى (الجماعة) والتي جاءت بدورها بعد صلح معاوية بن أبي سفيان والحسن بن علي، وأصبحت لفظة السنة والجماعة في العصر العباسي تدل على التوفيق بين الحنابلة من جهة (أتباع السلف الصالح؛ السلفية)، والمعتزلة وغيرها من العقائد المغايرة للسلفية. وبقي أتباع السلف الصالح؛ أتباع ابن حنبل ضعفاء خارج دائرة السنة، في حين تلاشت المعتزلة نتيجة لظروف سياسية واقتصادية واجتماعية وانصهرت داخل السنة، إلا أن أفكارهم بقيت الرصيد العقلاني في الحضارة الإسلامية ومنطلق للفلسفات والنظريات الحديثة التي تناقش المسألة الفكرية وتحولاتها أو التي تنتقد واقع الثقافة الإسلامية الراهن، كذلك بقيت أدبيات السلفية، والتي تشكل في مجملها الآيدلوجيا السلفية، مجرد ردود على أفكار المعتزلة، ما يعني أن العقيدة السلفية الراهنة هي العقيدة التي تقف بالضد من أفكار المعتزلة بالرغم من تلاشي أتباعها، والعقيدة الأشعرية هي العقيدة التي دمجت بين الفكرين، ولا يعني ذلك أن السنة أشاعرة وسلفية فقط، فهناك عقائد أخرى منها العقيدة الماتوريدية الباقية إلى اليوم، أسسها أبو منصور الماتوريدي في العراق وهو سابق لأبي الحسن الأشعري، والماتوريدية هي عقيدة أهل باكستان وأفغانستان، قبل الهجوم الوهابي عليهم تحت راية تحريرهم من السوفييت، لنشر فكرها العقدي .
كما أن هناك العقيدة الظاهرية، وهي عقيدة ابن حزم الظاهري، ومن هنا يمكننا القول إن التقسيم الشائع للسنة والجماعة تقسيم خاطئ، حيث لا تتقسم السنة إلى شوافع وأحناف وحنابلة ومالكية، إنما تنقسم في جوهرها حسب العقائد، أشعرية وظاهرية وماتوريدية وكذلك سلفية، والأخيرة أخذت شكلا أكثر حدة وانقطاعا عن بقية المذاهب. وهذه التقسيمات نستدل عليها من خلال سلفية المغرب العربي الذين هم في الغالب أحناف الفقه، بينما يبدون أقرب للحنابلة من الأشاعرة الأحناف.
أما الوهابية، فهي امتداد للحنبلية كفقه، إلا أن الحركة الوهابية امتازت كذلك بنواحي فقهية خاصة بها حيث ترجح أقوالا فقهية للشافعي أو الحنفي على الحنبلي، كممارسة العادة السرية التي يجيزها ابن حنبل وتحرمها الوهابية.
أما من الناحية العقدية، وهو موضوعنا هنا، فالوهابية تتمايز عن العقيدة السلفية المتمايزة أساساً بشكل واضح، فعلى سبيل المثال، العقيدة التدمرية والواسطية لابن تيمية لا تأخذ بها الوهابية كما هي، وتتناولها بكثرة الهوامش والشروح التي تنحو مناحي أبعد مما أراد ابن تيمية، دع عنك التعديلات أحياناً والتحفظ في أحيان أخرى، ومن أهم كتب العقيدة لدى السلفية اليوم كتاب (العقيدة الطحاوية) للإمام أبي جعفر الطحاوي بشرح ابن أبي العز أحد تلاميذ ابن تيمية النجباء، ونضطر هنا للإسهاب من أجل التأكيد على نبذ السلفية داخل السنة والجماعة، فابن أبي العز شرح العقيدة الطحاوية ونشرها باسم ابن أبي العز الحنفي ليضلل القارئ عن كونه حنبلياً في ذلك الوقت، لأن كل حنبلي هو سلفي قطعاً في حين أن الشافعية والحنفية والمالكية تتمايز بالعقائد في بيتها الخاص، فهناك حنفي سلفي بالإضافة للحنفي الأشعري.. إلخ، وكون عقيدة الإمام الطحاوي عقيدة وجدت القبول لدى الأشاعرة (أهل السنة والجماعة) والذي يشكلون غالبية المسلمين كعدد، أراد ابن أبي العز أن يسوق للسلفية داخل المذهب السني من خلال كتابة ابن أبي العز الحنفي كما ذكرنا، وربما لما تتعرض له السلفية من قمع على يد السنة كسبب آخر، فمعلوم أن ابن تيمية مات في السجن، وأن تلميذه ابن القيم طافوا به في شوارع دمشق على حمار بقصد إهانته وإذلاله. فالوهابية أيضاً نشرت العديد من كتب محمد بن عبد الوهاب تحت أسماء أخرى في أفغانستان، لنشر فكرها دون أن يكون ذلك ظاهراً، وتقوم بتوزيعها على الحجاج بنسخ مترجمة للغات الشرقية دون وضع اسمه عليها، لما يحظى به هذا الإسم من سمعة سيئة لدى تلك الشعوب المتصوفة.
وبالرغم من ذلك نجد أن الوهابية اختلفت مع ابن أبي العز السلفي في شرحه للعقيدة الطحاوية، كقضية عدم تكفير المسلم بذنب ما لم يستحله، حيث تكفر الوهابية مرتكب الذنب حتى لو لم يستحله، ويستحله أي يبيحه، أو قضية عدم تأليه المشركين للأصنام بل هي كانت تقربهم إلى الله زلفى، واعتبار أنهم كانوا يؤلهونها وأن محمدا جعل الآلهة إلها واحدا كما تقول الآية، وهذه الخلافات ليست عمليات اجتهادية بقدر ما هي عمليات مغايرة وبحث عن الأنقى والأطهر، ووضع شروح تخص الحركة ذاتها. وكل ما يخص الحركة أو هو من صنعها، أقرب إليها من المتون الأخرى، ويمكننا القول أن هوامش الوهابية على المتون السلفية، أهم من المتون ذاتها.
ويمكن هنا مراجعة كتاب شرح العقيدة الطحاوية من المكتبة الوقفية على الرابط:
http://www.waqfeya.com/book.php?bid=1541
وسيجد القارئ أن المحققين التركي "السعودي" زاد في الشروح والمخالفات بالعكس من الأرناؤوط "الدمشقي" الذي اكتفى بالشرح، ولكون ابن أبي العز من السلف والأقرب للحق حسب القاعدة السلفية، ولعل أوضح ما يتجلى لنا في هذا الخصوص المنهاج السعودي الرسمي الذي يعبر عن الشكل الأكثر تسامحاً والأقل جلباً للضرر ضمن الظاهرة الوهابية، حيث كتب عن المذاهب الهدامة في كتاب التوحيد في الصف الثاني المتوسط سابقا وعلى مدى عقود (قبل أن يتم تغيير المناهج بعد أحداث سبتمبر) أن من ضمن تلك المذاهب الهدامة أتباع العقيدة الأشعرية: "والأشاعرة ضالون مضلون من دعاة النار". وإذا علمنا هنا أن ابن تيمية يثني على الأشاعرة وعلمائهم، ومنهم الإمام الغزالي، ويقول عنه: "قدست روحه" فلا بد أن نستغرب موقف الوهابية، وإذا علمنا أن الأشاعرة هم الشيخ الذهبي والنووي وابن حجر العسقلاني وابن الأثير والسبكي والذهبي والجويني، والأهم طبعا ابن كثير، وأن أمهات كتب السنة وضعها أشاعرة نستغرب أكثر، وبالطبع ابن تيمية أحد شيوخ ابن كثير، لكن هذا لا يعفيه من كونه أشعريا، مستدلين على ذلك بحواره الشهير مع ابن القيم عندما قال له أنت تكرهني لأني أشعري، فأجابه: "لو كان الشعر من رأسك حتى قدميك لما صدقك الناس بأنك أشعري وابن تيمية شيخك"، كما جاء في (الدرر الكامنة) لابن حجر العسقلاني، بالإضافة لكون ابن كثير تولى دار الحديث الأشرفية، وهو ما ذكر في طبقات السبكي، وبالمجمل تحاول السلفية الاستيلاء على ابن كثير كرأس مال رمزي، كما تحاول الاستيلاء على أبي الحسن الأشعري ذاته بالادعاء أنه تاب في آخر حياته وتراجع عن أفكاره إلا أن اتباعه بقوا عليها! والإسهاب حول هذه النقطة لن يكون مفيداً لأنه سيبعدنا عن الوهابية أكثر، ويؤدي لمزيد من الإسهابات، ومناقشة قضية معقدة كهذه تحتاج لما هو أكثر من مقال..
نضيف لذلك أن الوهابية منعت كل شيوخ الدين الأشاعرة من إلقاء أي درس في الحرم المكي، ولست بالطبع هنا بصدد تبريرات الوهابية لتكفير الأشاعرة وجعلهم من دعاة النار، لكنهم يرون في حركتهم (الوهابية) حركة أوضحت كل مكنونات الخير والصلاح ودحرت كل الضلالات، وأن الحق ظهر ومن لم يتبعه اليوم من الأشاعرة فهو كافر، أما من لم يتبع السلفية في السابق فلا ينطبق عليه ذلك تماما، ويعفى هنا ابن حجر العسقلاني وغيره من التكفير، في حين لا يعفى أتباعهم اليوم إذا أرادوا الأخذ بأرائهم العقدية الأشعرية.
فهل يعقل أن الوهابية تكفر كل السنة والجماعة؟ بشكل عام وبشكل غير مباشر نعم، أما بالشكل المباشر وإذا وجه السؤال لمشايخ الوهابية فالجواب سيكون بالالتفاف، كحال هذا السائل وهذا الشيخ على الرابط:
http://www.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&Option=FatwaId&Id=163555
وهذه الفتوى تمكن القارئ من ملاحظة الاستيلاء على أبي الحسن الأشعري ومصادرة آرائه على طريقة "الشيعة قاموا بقتل الحسين" أو كما يقول المثل "عنزة ولو طارت".
فالمرجع الذي وضع عن الإمام أبي الحسن الأشعري هو بشروح رجل وهابي، والمرجع الذي وضع عن رأي ابن تيمية بالأشاعرة كان كذلك بشروح رجل وهابي، لأنه لا يمكن للوهابية أن تترك العقل يقرأ بشكل مباشر وإن كان ابن تيمية.
وحتى لا نكون مضللين، كيف يمكن لرجل وهابي أن يضلل القارئ عن ابن تيمية، وهم ينتمون للعقل البياني (حسب تعريف محمد عابد الجابري)، والعقل البياني يعتمد النص كمرجعية في الدرجة الأولى، ومن ثم تأويل النص ضمن قواعد لغوية صارمة، ومن هنا نقول إنه بالإضافة لكثرة الهوامش التي تضعها الوهابية، فهي تخالف ابن تيمية غالباً بابن تيمية ذاته حيث يصاب الأخير بحمى الإفتاء، فنجد له فتوى تقول بأن الخضر صاحب النبي موسى حي، وأخرى تقول أنه قد مات، كذلك تخالف ابن تيمية بابن الجوزي، كقضية فناء النار التي يقرها ابن تيمية وابن القيم وينكرها ابن الجوزي. كما خالفت مبدأً عقدياً مهماً وهو عدم تكفير المسلم بذنب ما لم يستحله لابن أبي العز وقبله الإمام الطحاوي، من خلال الأخذ برأي ابن الجوزي وهو تكفير من يضع القرآن في القاذورات حتى إن لم يستحل هذا الفعل، وهذا المثال المجزوء (والذي يثير حماسة العوام) يفتح الباب واسعاً للوهابية لتكفير الناس بذنوبهم وإن لم يستحلوها، حسب الظرف الزماني والمكاني ومصالحها السياسية، ونضيف أن الوهابية تختلف مع ابن تيمية أو السلفية ضمن منحى عام، أو بداخل هذه الحلقة الواسعة، والذي/ التي، يرتكز/ تحتوي، على مسألة التوحيد والتفاني في توحيد الله. فالوهابية وإن اختلفت لا تستطيع التنكر والتملص بالمجمل من السلفية، لكنها تحمل الرغبة الجامحة -في لا وعيها- لذلك.
بالإضافة للمقولة الشائعة للإمام مالك: "كلٌّ يؤخذ من كلامه ويُرد إلا صاحب هذا القبر" ويشير لقبر محمد، فيتاح للوهابية أن تأخذ وترد.
ومما سبق نستطيع القول إنها وهابية، بشكل منهجي يخص التسمية ضمن تاريخ العقائد، رغم رفضهم لذلك، وتحذير سلمان بن عبد العزيز آل سعود (نائب الملك حالياً) من استخدام لفظة الوهابية والإصرار على أنهم أهل السنة والجماعة، وأتباع السلف الصالح.
#رأفت_الغانم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العالم سجن وهابي
-
انتصار حماس المحير
المزيد.....
-
السيد الحوثي: التحرك العربي والاسلامي تحت عنوان القمة العربي
...
-
السيد الحوثي: بيان مخرجات القمة العربية الاسلامية الاخيرة لم
...
-
السيد الحوثي: البعض من المجتمعين في القمة العربية الاسلامية
...
-
باقة من أغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي على الأقمار
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تعلن استهداف مستوطنة -يسود هامعل
...
-
مقتل 4 ارهابيين واعتقال 6 آخرين بعملية -شهداء الامن- المتواص
...
-
نازح من غزة: النزوح أشبه بطلوع الروح
-
فرحي أولادك ….. تردد قناة طيور الجنة toyor al janah الجديد 2
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مدينة نهاريا بصلية صاروخي
...
-
المقاومة الإسلامية في العراق تنفذ 5 هجمات ضد أهداف للاحتلال
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|