أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - عزالدين بوغانمي - شكري بلعيد، لوعة وطنية غير قابلة للنسيان !















المزيد.....

شكري بلعيد، لوعة وطنية غير قابلة للنسيان !


عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)


الحوار المتمدن-العدد: 4364 - 2014 / 2 / 13 - 19:05
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
    



إن ما لم يتوقعه علي القتلة، هو أن شكري بلعيد ، سيحتل بعد موته، مساحة غير منتظرة في قلب الجماهير ووعيها لا كبطل وطني فقط ، بل كفكرة مضيئة وقادة إلى الأبد. تلك الفكرة هي فكرة المستقبل.. هي فلسفة الحرية.

منذ عرفته ، منذ ربع قرن كان يحمل نعشه سائرا نحو كرامة الوطن .. كان مستعجلا ، في كل لقاء .. كان لا يترك قضية تتصل بقوت التوانسة أو بحرياتهم إلا وأثارها بالتحليل، بكل دقة وإسهاب وغزارة منقطعة النظير ..
شكري بلعيد هو أهم رجل في تاريخ تونس الحديثة ، وهو بكل تواضع "فلتة" من فلتات التاريخ . قدرة عجيبة على الفهم ، على التوقع ، على الإقناع ، وشجاعة وثبات لا مثيل لهما .. كان يحيرنا بدرجة إحساسه بالمسوولية ، فالرجل كان يتصرف ويفكر كما لو أن تونس أمانة في عنقه لوحده. كان رجل دولة دون أن يكون له أي سلطة رسمية. ولعل رفاقه المقربين يذكرون ثقته العالية في "يوم يحل فيه حزب الدستور وتحاكم قيادته وتصادر املاكه" .. ولكل هذه الصفات ، ولكل هذا الالتحام بالوطن والشعب دوى رصاص الغدر للتخلص منه .. ولابد أن البعض تساءل : لماذا كل هذه القسوة ؟ ألم تكن رصاصة واحدة كافية لقتله؟ كانت خمسة طلقات ذات دلالة : رصاصة في رأس الثورة ، رصاصة في قلب الوطن ، رصاصة موجهة للشهداء ، رصاصة موجهة لضمير الشعب ، ورصاصة لضرب المستقبل .

لقد كان في نية القتلة إذلال التوانسة وفرض الإذعان عليهم وثنيهم على تحقيق أهداف الثورة ، وفي مقدمة هذه الأهداف: تجسيد كرامتهم والتحكم في موارد بلدهم . فالحاكمون العابرون، هم أبعد الناس على الوطن وعلى فقراء هذا الوطن . هم ببساطة طلاب سلطة بأي ثمن ، وهم البديل المناسب للنظام القديم في فلسفة القوى الاستعمارية وأوكار الرجعية في الخليج .. في نية القتلة استمرارهم في الحكم في مقابل إستمرار التبعية الآقتصادية ، وارتهان القرار السياسي للأجنبي .. وإضعاف الوطنية وتفكيك وحدة الشعب عبر زرع الميلشيات العميلة من الشمال إلى الجنوب ، وتغيير جوهر الصراع من حيث هو صراع من أجل التحرر الوطني وبناء الديمقراطية ، إلى صراع وهمي حول النكاح والحيض والنقاب ...

القتلة ليسوا أكثر من خونة ، إذ لا تعني لهم تونس سوى من غنيمة للتقاسم و المحاصصة، أما السياسة وواجبات الوزراء والأجهزة الأمنية فهي تعني وفقا ًلهذه العصابة المنحرفة وظيفة محلية، مثل وظيفة رفع الأزبال ، وإنتظار أوامر الأسياد الأجانب .

شكري بلعيد الآن تحت التراب، ولكن صوته ومواقفه ستظل رعدا يزلزل الأرض تحت أقدام الجبناء والمنحطين، الذين نقول لهم بوضوح : نحن مستمرون على درب الشهيد الرمز شكري بلعيد ،فإسفكوا دماءنا كما تشاؤون..من أجل حفنة من الدينارات ، لكن في كل فجر ، ومع كل وضوء، تذكروا جرائمكم وثقوا انكم عابرون قلة قليلة، هم نخبة الأنبياء وأبطال التاريخ الذين ارتفعوا بالسياسة إلى هم يومي، ومثابرة خارج الطاقة الإنسانية الإعتيادية. وحولوا النضال إلى حب عارم للاخرين. وحولوا حياتهم إلى مرتبة الرسالة، فحرروا السياسة من المعنى الضعيف، وزودوها بالطاقة الأخلاقية التي صنعت معجزة الأرض الكبرى ألا وهي تحرير البشرية من الخوف والذّلَّة. هكذا كان شكري بلعيد.. وحين استوعبت غيابه بعد أشهر من اغتياله، خطر في بالي أن المشروع الوطني قد ترجل معه الى ربه. لأني خبرت صاحبي الحي في جوارحي، والحي في وجدان رفاقه لسنوات طويلة، ورصدت تطور أفكاره و رؤاه. عقيدة شكري الوطنية الديمقراطية الراسخة يمكن اختزالها في عنوان واحد شامل هو: الدفاع عن تونس أخرى كما كان يراها زاهية وتتسع للجميع. ولأن تونس الثورة كانت مهددة بفقدان سيادتها واستقلالها أثناء حكم حركة النهضة، كان يرى أنه من واجبه إنقاذها، فتحمّل مسئوليته التاريخية و استشهد من أجل ذلك.

ما لا يعرفه كثيرون هو إعتقاد شكري بلعيد الأقرب إلى اليقين، أن تونس بتاريخها وبقوتها الكامنة في شعبها الذكي المنفتح المتميز، هي أهم بلد عربي يمكنه أن يحقق الديمقراطية والإستقلال الوطني، ولأنها تاريخيا كانت سبّاقة إلى النهضة والإصلاح والفنون، فعليها مسؤوليّة إحتضان حركة التحرر العربية، والتمسك بفكرة المشروع الوحدوي الديمقراطي، وقيادة معركة التحرر الوطني والإنعتاق الإجتماعي التي تخوضها الأمة العربية منذ قرن ونصف القرن .. هذا هو الأساس الفكري المحدد للعمل السياسي عند شكري بلعيد ، وفي هذا السياق وضمن هذه الرؤية الثورية الشاملة، التي تنطلق من كون المعركة الديمقراطية هي جوهر المسألة الوطنية. وبالنظر إلى حدود موارد البلد و إمكانياته، كان يرى أن تونس تحتاج إلى أن تتظافر جهود كل أبنائِها ليدافعوا عن الثورة، ويصونوها وذلك ببناء إطار وطني للحوار، يكون مدرسة للديمقراطية وأساسا لبناء رابطة وطنية حقيقية، تقوم على ثقافة المواطنة والشراكة، لأن تونس لم تشهد طوال تاريخها هذه الرابطة التي تشكل منصة البناء والتقدم ومنصة التحديث والتعايش السلمي. وقبل هذا وذاك يكون إطار الحوار واسعا ما أمكن وعلنيا ما أمكن ليتم فيه الفرز بين القوى المنحازة للشعب وقوى الثورة المضادة .. فتونس في رأيه تحتاج إلى ثقافة الديمقراطية أولا، حتى تستطيع مواجهة أعداء الوطن و الشعب في الداخل والخارج الذين سيعملون بكل الطرق على إفساد نتائج الثورة، وضرب الخيار الوطني. وكان الشهيد يدرك أن تحقق الديمقراطية أمر ليس سهلاً، ولكنها ستتحقّق ! ومن أجل ضرب المشروع الوطني، وضرب منصة تطلع التوانسة إلى الحرية اغتالوه. آغتالوه حتى تظل تونس مستعمرة أمريكية - خليجية، تحكمها الميليشيات على الأرض، ويقودها لصوصٌ وخونة بامتياز، يسرقون الحلم الوطني ويبددون مقدراتها المادية والرمزية ..

شكري بلعيد، لوعة وطنية غير قابلة للنسيان! غير أن أمثاله، هم أشخاص خالدين، يستطيع العدو أن تغيب أجسادهم وأن تسكت اصواتهم. ولكنه لا يستطيع أن يقتل أرواحهم، أرواح النضال التي تحولت إلى حقول من الأمل وسواعد لرفض الظلم.

صحيح أننا سنحتاج على الدوام للتّذكير بثباته على نهج الانحياز للشعب وصفاء الموقف. وصحيح أن الشهيد كانت له نظرة ثاقبة وشاملة لما يجري، ولعل ذلك هو سبب اغتياله. كان يدرك أن هنالك نوايا إقليمية ودولية تعمل على جر الثورة التونسية إلى المستنقع. وكان كان شديد الحرص على محاصرة الإرهاب الذي تسلل كالسرطان إلى مفاصل الدولة لعزلة حتى إسقاطه. وفي هذا الإطار دعا مبكرا جدا إلى إطار وطني للحوار، ولكنه كان حذرا لأنه لم يكن يثق في قيادات سياسية طالما قدمت نفسها على أنها ديمقراطية ومدنية، تلك القيادات التي ظلت بنسب متفاوتة تقترب من الارهاب وتزينه في إطار أجندة مغايرة لخط الثورة العام. ولعل الرجل بحسه الثوري وتجربته بدت له هذه القيادات تفتقد إلى مشروع وطني حقيقي جامع لقوى التمدن. بل راها تسير على هدى بوصلة تشير إلى إتجاه الإندماج في خندق الرجعية ومناهضة نهج الثورة شكري مات واقفا ولا يزال حيا في الضمير وفي الوجدان و في أغصان الزيتون و في مناديل أطفال المدارس. قد لا ينتبه البعض إلى أن الثورة التونسية رغم عثراتها، ورغم أن القوى المضادة لها، تستند إلى الرجعية في الإقليم وفي العالم. ورغم التامر عليها ومحاولات اجهاضها وإفساد نتائجها من خلال دعم الإرهاب والحصار والفتنة الداخلية، تمكنت قواها الحية، وفي القلب منها الجبهة الشعبية من التصدي لهذه المخططات وشكلت الحالة النوعية الأكثر تقدما لرفض الشعب التونسي التخلي عن تطلعه للحرية. و لا شك أن شكري حاضرا حضورا رمزيا قويا، مضافا إلى ذلك، المكانة العالية لرفيقه، شهيد الخيار الوطني الحاج محمد البراهمي. وأعتقد أن أهمية الشهيدين تكمن في استمرارهما الرمزي في مقدمة الصفوف، في معركة إرساء ثقافة المقاومة العصية على الاستئصال. بل أنهما باتا نموذجا إنسانيّا تقدميا للمنازلة الكونية الأولى، منازلة الحرية في الوجدان الشعبي. وباختصار مجرد وجود صور شكري وصور البراهمي في كل المظاهرات ، ووجودهما في قلوب الأحرار في تونس وعلى إمتداد ساحات الحرية، هو دليل على فشل المشروع الرجعي.

ومع كل الأمل الذي تركه الشهداء، لا يمكننا إخفاء جرحنا الغائر حدود العظم . لا يمكننا أن نخفي حقيقة أن غياب شكري شكل انكسارا وتراجعا للمشروع الوطني. وأنه ضرب الجبهة الشعبية بجناحيها اليساري الوطني واليساري العروبي، ضربة موجعة جعل البعض يعتقد أنها فقدت ركيزة الوسط الجامعة بين الجناحين. ولا يجب أن ننسى أن المجرمين بعد أقل من ستة أشهر، وجهوا ضربة قاضية فكسروا ركيزة أخرى ..

لا شك أن الجبهة لم ولن تتهاوى، لوقوف رجالها و نسائها و لزخمها الشعبي و رصيدها النضالي، ولكن يجب أن نعترف أن لاستشهاده انعكاسه على مسار الثورة. وهذا ما يجعل القادة والكوادر والمناضلين مطالبين جميعا بحماية الجبهة من فيروس الحسابات الصغيرة وروح الإنقسام والعودة إلى عادات الإنعزالية والتشبث بالضعف. وعليهم مسوولية تطوير الجبهة وتطوير برامجها بما يتلائم مع الوضع الجديد. وذلك برص الصفوف أولا. وثانيا بوضع استراتيجية وطنية تمزج بين الكفاح الشعبي الميداني، والمقاومة الرسمية، وتعبئة الراي العام الوطني والدولي. وبعدم السماح بأي ترتيب سياسي تستفرد به الرجعية. لأن الجبهة الشعبية وجدت من أجل التغيير الثوري الحقيقي . ولذك عليها أن تبنى رؤية إستراتيجية واضحة، ومنهجا واضحا، يكون دليلا ومرجعا نضاليا . ويكون أيضا علامة، تميز مشروعها الوطني الديمقراطي عن الخيارات الليبيرالية اللاشعبية. ويعزز ثقة الناس في تونس ديمقراطية حرة متنوعة.

وأخيرا، علينا أن نستوعب غياب شكري. ولكن أيضا أن نستوعب شكري كفكرة مضادة لليأس، وكفلسفة سياسية تنظر للثورة بوصفها تحقيقا للمستحيل بالمعنى الوطني/ الطبقي، وليست "فنا للمكن" بالمعنى البرجوازي. وأن نفهم السياسة كما كان يعرفها ب(فن تغيير موازين القوى)، الذي يشمل فن إدارة الصراع، وفن التقدير الصحيح للأوضاع في سيرورتها و حركتها. وفن الإيمان بالتاريخ والثقة بالشعب.



#عزالدين_بوغانمي (هاشتاغ)       Boughanmi_Ezdine#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا خوف على تونس !
- التطلع إلى الحداثة ، والإرتداد إلى الخلف
- مرة أخرى : كيف يجب أن نفهم الحوار الوطني في تونس ؟
- محنة تونس اليوم، هي الثمرة المرة لنظام الإستبداد
- الفضيلة والإرهاب
- حول الديمقراطية والشورى في الرد على الشيخ راشد الغنوشي
- حول -مبادرة منظمات المجتمع المدني لتسوية الأزمة السياسية-
- دفاعا عن التاريخ، في الرد على فوبيا-اليسار
- الشيخ راشد الغنوشي و مرجعية السياسة التركية
- أن تمنح الحكم للإسلام السياسي ، كأنك منحت سلاحا لمجنون
- الإنتقال الديمقراطي في تونس : مقتضيات التحالف مع القطب الليب ...


المزيد.....




- “اعرف صلاة الجمعة امتا؟!” أوقات الصلاة اليوم الجمعة بالتوقيت ...
- هدفنا قانون أسرة ديمقراطي ينتصر لحقوق النساء الديمقراطية
- الشرطة الأمريكية تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة ...
- مناضل من مكناس// إما فسادهم والعبودية وإما فسادهم والطرد.
- بلاغ القطاع الطلابي لحزب للتقدم و الاشتراكية
- الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (الإتحاد المغربي للشغل) تدعو ...
- الرفيق جمال براجع يهنئ الرفيق فهد سليمان أميناً عاماً للجبهة ...
- الجبهة الديمقراطية: تثمن الثورة الطلابية في الجامعات الاميرك ...
- شاهد.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيم ...
- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...


المزيد.....

- مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة / عبد الرحمان النوضة
- الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية ... / وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
- عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ ... / محمد الحنفي
- الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية / مصطفى الدروبي
- جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني ... / محمد الخويلدي
- اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956 / خميس بن محمد عرفاوي
- من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963.......... / كريم الزكي
- مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة- / حسان خالد شاتيلا
- التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية / فلاح علي
- الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى ... / حسان عاكف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - عزالدين بوغانمي - شكري بلعيد، لوعة وطنية غير قابلة للنسيان !