سردار رامان
الحوار المتمدن-العدد: 4360 - 2014 / 2 / 9 - 04:28
المحور:
المجتمع المدني
الهوية السورية- عربية أم مستعرَبة؟
لاعلاقة مطلقاً لاسم (سوريا) بالعرب والعروبة، ولا يوجد في معاجم اللغة العربية معنى لكلمة (سوريا) بهذه الصيغة الأصلية، ولا بالصيغة المعرَّبة (سورية).
سورية يُنظَر إليها على هذا النحو
كأنما هي خليط من الكنعانيين، والأكاديّين، والكِلدانيين، والآشوريين، والآراميين، والحثّيين، والميتانيين".
ديموغرافياً: سكان سوريا الأصلاء هم الفينيقيون على الساحل، والأموريون في الوسط والجنوب، والحوري- ميتّانيون (أسلاف الكُرد) في الشمال، ثم انضاف إليهم الآراميون والآشوريون وجاليات يونانية ورومانية.
وقبل الإسلام، كان وجود العرب (البدو) في سوريا يقتصر على البادية وبعض المناطق الداخلية المتاخمة للبادية،
وكانوا يقيمون في بعض المواسم مخيّمات لهم على ضواحي المدن للبيع والشراء،
وأقوى حضور عربي في سوريا قبل الإسلام، كان للغساسنة في مناطق بُصرى بجنوبي سوريا.
تاريخ سوريا الجيوسياسي
في أواخر الألف (3 ق.م) كانت جزءاً من المملكة الأكّادية
ثم سيطر الأَموريون (العَموريون) الغربيون على نصفها الجنوبي، وأقاموا فيها ممالك ، منها مملكة ماري على الفرات،
ثم توغّلوا شمالاً وأقاموا مملكة يَمْحَد وعاصمتها حلب
ومنذ بدايات الألف (2 ق.م) كان شمال غربي سوريا موطناً للحوريين (من أسلاف الكُرد)، وكانت واشوكّاني (آشوكاني) Washukkanni أبرز عواصمهم تقع في أعالي نهر الخابور.
وفي القرن (15 ق.م) أصبح معظم شمالي سوريا تابعاً للنفوذ الحوري- ميتاني بدءاً من منطقة الجزيرة ضمناً إلى البحر الأبيض المتوسط
في القرون التالية هيمن المصريون على نصفها الجنوبي، ونافسوا الميتانيين على نصفها الشمالي،
ثم انحدر الحثيون من الأناضول، ونافسوا الميتانيين والمصريين،
ثم هيمن الآراميون عليها في القرن (12 ق.م)،
وأقاموا فيها ممالك منها مملكة
(بيت عَدِيني) في حوض الفرات،
ومملكة (بيت أجوشي) في منطقة حلب
وعاصمتها أرفاد (تل رفعت)،
ومملكة حماه، ومملكة (آرام دمشق)،
ثم هيمن الآشوريون على سوريا في القرن (7 ق.م)،
ثم تلاهم الكِلدان في أواخر القرن (7 ق.م)
بعد القضاء مع الميديين على إمبراطورية آشور
ثم تلاهم الفرس حوالي (539 ق.م) بعد أن قضوا على مملكتي ميديا و بابل،
ثم تلاهم اليونان بقيادة الإسكندر في القرن (4 ق.م)،
ثم ورثها السلوقيون اليونان عام (301 ق.م)،
ثم تلاهم الرومان عام (64 ق.م)،
ثم تلاهم الروم البيزنطيون في القرن (4 م).
وفي عام (10 هـ= 633 م)
انطلق العرب المسلمون من شبه الجزيرة العربية لغزو سوريا،
وأصبحت سوريا جزءاً من دولة الخلافة في العهد الراشدي
وتغلغل العرب في الداخل السوري، ومع ذلك ظلت نسبتهم قليلة قياساً إلى السكان الأصليين،
وما زال السكان هناك محتفظين بأنسابهم العربية القَبَلية،
ثم في العهد الأُمَوي
ثم في العهد العبّاسي
وفي عام (973 م) ضمّها الفاطميون إلى دولتهم التي كانت (القاهرة)
ثم تلاهم السلاجقة الترك في النصف الثاني من القرن (11 م)،
ثم تلاهم الفرع السَّلْجوقي الزَّنْكي بدءاً من (1127 م)،
ثم تلاهم الكُرد الأيوبيون بدءاً من (1174 م)،
ثم تلاهم المماليك الترك بدءاً من (1250 م)،
ثم تلاهم المماليك الشركس بدءاً من (1382 م)،
ثم تلاهم العثمانيون الترك بدءاً من (1516 م .
وطوال هذه العهود، وعلى امتداد خمسة آلاف عام، لم توجد في شرقي المتوسط دولة موحَّدة ومستقلة اسمها (دولة العربية سوريا)
وحينما كانت سوريا جزءاً من دولة الخلافة، كان سكّانها مزيجاً من الكُرد (أحفاد الحوري- ميتانيين)
والآراميين (السريان)
والآشوريين، والفينيقيين،
ومن جاليات يونانية ورومانية في المدن الكبرى، ثم استقر فيها التركمان والأرمن،
وتعرضت لحملة تعريب ضخمة، بتأثير عوامل سياسية واقتصادية
وسياسية متشعّبة، واستعرب كثير من سكانها،
وأوّل من أنتج (دولة سوريا) بحدودها الحالية في النصف الأول من القرن العشرين، هم الفرنسيون بناء على اتفاقية سايكس- پيكو بينهم وبين الإنكليز عام (1916 م)،
إنهم احتلوا سوريا سنة (1920)، وأسّسوا فيها الاتحاد السوري على أساس فيدرالي سنة (1922)، ثم تحوّل الاتحاد إلى الدولة السورية سنة (1925)،
ثم استقلّت سوريا سنة (1946)
باسم (الجمهورية السورية)،
ولم يُسمّها النخب الحاكمة باسم (الجمهورية العربية السورية)
إدراكاً منهم بأن الوطن السوري ليس ملكاً للعرب فقط،
وإنما هو ملك لجميع سكانها الأصليين
إن إقحام لفظ (العربية) في اسم الدولة السورية حدث في عهد الاختطاف القومي العروبي لسوريا،
وكان هذا الإقحام أحد أشكال اختطاف سوريا من شعبها،
وتطويبها باسم المكوّن العربي والمستعرب فقط،
تمهيداً لفرض مشروع التعريب على بقية القوميات السورية،
وإجبارها على الانسلاخ من هوياتها التاريخية العريقة،
وأصبح مفروضاً على الكُردي والسرياني والآشوري والأرمني والتركماني أن يحمل بطاقة هويّة مكتوب فيها
(عربي سوري)، أي أنه (عربي)!!!! رغم أنفه
في حين كان يُكتب في بطاقة الهوية- قبل عهد الاختطاف العروبي- كلمة (سوري) فقط.
هذه هي حقيقة سوريا جيوسياسياً، وكلُّ مَن يطلق على سوريا اسم (الجمهورية العربية السورية) يرمي حقائق التاريخ وراء ظهره، وليس هذا فحسب، بل إن الإصرار على فرض الهوية العروبية على السوريين يُعَدّ جريمة اختلاس من المنظور الحقوقي، ومن واجب جميع الشعوب السورية- بما فيهم العرب والمستعربون- أن يناضلوا معاً ضدّ الاستمرار في ارتكاب هذه الجريمة.
مقتطف من سلسلة مقالات الدكتور احمد خليل
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟