دفاعا عن محمد ولد الشيخ : لا لتعطيل الوعي الذهني

كوماني لقمان

الحوار المتمدن-العدد: 4336 - 2014 / 1 / 16 - 08:10
المحور: حملات سياسية , حملات للدفاع عن حقوق الانسان والحرية لمعتقلي الرأي والضمير
    

ما زلنا نعيش عصور الانتكاسات التي تعتمد في مضامين تسلطها علي الخيارات المغلقة دون الحلول في المتطلبات المعرفية المطلوبة لمسايرة عملية الحركة والتطور وذلك بالتنقيب والنبش وسبر أغوار البحث العميق في الحضارة الإنسانية عبر النقد بداعي تصحيح مسار سير ركب الإنسان.
مجددا في عالمنا ثورة عقل، رؤية غير غيبية لقوانين الحضارة والفكر الإنساني مادة وروحا بشكل منعزل عن اليقين المستحيي والمحتشم الذي يخشي السؤال والمتستر بمظاهر الورع والتقوى، فهذا محمد ولد الشيخ الذي يصنف من الان من المتكلمين الذي تكلم في أمور معينة وأعمل فيها عقله، انطلق من وظيفة علم الإنسان الذي يفسد علي الناس حفلاتهم التنكرية، انطلق من شروط النقد السوسيولوجي المجتمعي المبني علي رؤية فاحصة ثابتة متحولة ومتغيرة في الان نفسه باعتماده المنهج الماركسي الذي يصنف من المناهج التي لا يمكن لعلم الإنسان وعلم الاجتماع أن ينفصل عنها بتحليله للعلاقات الاجتماعية في موريتانيا والتي تتميز بالتفاوت بوجود طبقة مستغِلة وطبقات مستغَلة تختلف أبجديات الاستغلال في موريتانيا عن تلك الأبجديات الموجودة في المجتمعات الرأسمالية المتقدمة لكنها في آخر المطاف علاقات استغلال.وهذا التحليل السوسيولوجي المطعم بنكهة تاريخية عميقة لكون منهجا غير منفصل عن علم الاجتماع ولا يمكن فهم أي ظاهرة اجتماعية في غياب سياقاتها التاريخية ومن هذا العلم تنبع الفضيحة كما يقول السوسيولوجي المغربي بول باسكون ، إنه علم يحرج بأسئلته.
في شخص محمد ولد الشيخ تتجسد الأنا المفكرة الواعية الناقدة العلمية، فالأهم من هذا كله مجموع الدلالات التي ينطوي عليها هذا التصور المبني علي حق القوة العاقلة وملكة العقل علي القدرة علي العيش في العالم الذي يسمي جدلا بالعالم بالإسلامي والانشراح عن الثنائية التي أدخلها الشيخ ابن الصلاح في فتواه الشهيرة باعتباره للعلوم العقلية مجرد علوم دخيلة علي مجالنا الجغرافي والذهني والثقافي، هذا الصراع المبني وفق علاقة جدلية غير متوازنة تواجه من خلالها محاكم التفتيش رقما ثابتا في المعادلة الإنسانية ألا وهو العقل كقوة لها صفة الإنتاجية الغير اقتصادية في الموضوع المطروح ذات الطابع الفكري المحض.
محمد ولد الشيخ تحلي بروح المسؤولية المستقلة المحبة للاستكشاف والتحري ذات النزعة الاحتجاجية النقدية البناءة التي وظفها في حق أساسي، حق الفكر وجعل الساحة أو الفضاء من أجل التفكير بالموضوع وأصل الوجود وغايات الاجتماع البشري والعلاقات الاجتماعية والدين وعلاقته بالتدين ووظيفة الدين والغائية من وجوده ومشكل التجديد والتراث وإحياءه وفق الضرورة المطروحة ومسألة ( لمتعلمين ولحراطين والعبودية في المجتمع الموريتاني ) فكل هذه المواضيع تُفرض عليها بتعبير الأنتربولوجي المغربي عبد الله الحمودي سلطة الزاوية المغلقة وقوة الفقيه قانونا جبريا يقوم علي الانضباط لهذه المؤسسات باستغلال أداة الدين المعروفة عند سان سيمون بأنها جملة تطبيقات العلم العام التي يمكن من خلالها أن يحكم الرجال المستنيرون غيرهم من الجهلة وأن لا يتجسد القبول الإيجابي بمغامرة العقل الأولي وترسيب الرفض السلبي وحشو العقول الغير قارئة بتأويلات وتفسيرات غير صحيحة وتعبئتها لمواجهة هذه العقول قصد التحكم والسيطرة واستغلال تلقائية البسطاء لتمرير أمور الوجهاء مثل ما حدت في نكبة ابن رشد وشوي المقفع بن المقفع في عهد المنصور بالنار وإعدام الحلاج في بغداد بإشراف وإيعاز من الحنابلة واغتيال فرج فودة صاحب كتاب الحقيقة الغائبة.
النشاط الذهني والوعي الذهني والفكري ليس له مستويات وحدود معروفة وليس امتدادا وارتدادا للفكر الصنمي الصامت ولا يرتد إلي مرحلة القصور التي تؤدي مباشرة إلي تعطيل وظيفة العقل الذي يعتبر مضمونه مضمون الفلسفة، إن مسألة تأسيس الوعي كما أسسها إيمان ويل كانط تقوم علي مبادئ عقلية باعتبار العقل وسيلة التفكير العليا التي تعتمد علي مبادئ الفاهمة المحضة ( النسبية ) وتبني أفكار ترانسندنتالية ( تجاوز الأفكار الغير خاضعة للتجربة ) وعند محمد ولد الشيخ تتأسس علي دوافع تأملية استنباطية استدلالية غير مستقلة عن المناهج الإنسانية بتفجير الأوضاع ( التفجير هنا ليس بمعناه الحربي وإذكاء الفتن هنا التفجير يأخذ معني إذكاء نزعة الفكر والعقل ) وهدمها بالهدم الهايدغري وتفكيكها بتفكيك جاك ديريدا لكونها تتخللها تأملات وأفكار وعمليات تدبر وتقدير مزدوج، إنه لا يشكل سوي استمرار لحركة التاريخ المبنية علي نفي العقول المفكرة والمخترعة عند خير أمة أخرجت للناس، تم تعطيل وعيه الموجه للعوام قصد الوقوف والوعي بموقعهم الطبقي المسحوق، هذا التعطيل الممنهج الذي تعرض للتزييف تم بتنفيد ووصاية بما سأسميه هنا البورجوازية الإسلامية التي تحوي في داخلها : الوجاهة الفقهية والقبلية. أما مضمون مقالة محمد ولد الشيخ فهي لا تعكس إلا واقع المجتمع الموريتاني المبني علي تفاوتات وتناقضات طبقية عميقة المتجدرة التي تستمد شرعيتها من المقدس الذي حولته بفعل أياديها إلي المدنس وتعتبر الدين ( الزوايا التي تتدخل معها الدولة في شكل ازدواجي وبغايات مشتركة )والعرق الاسمي ( لعرب ) كأداة سيطرة طبقية ومن الثوابت اللامفكر فيها وإن كانت سلبية وهجينة يعيش من خلالها الإنسان المسلم حالة العبودية الما قبل طبيعية والطاعة العمياء لدعاة الأوتوقراطية الدينية والدولة العسكرية الغير مبنية علي المؤسسات والتي جيشت الرأي العام في مسيرات حاشدة ضد ما أسمته هذه الأجندة :( بالإساءة للدين وللرسول ) لماذا ؟ لأن محمد ولد الشيخ قال كلمته غيرة علي الدين الإسلامي السمح ومضمونه الاجتماعي غيرة علي الإنسان الموريتاني ليتحرر من العبودية وغيرة علي العقل وقضيته ومجتمعه لحظة خاطبهم بقوله:
لا علاقة للدين بقضيتكم أيها لمعلمين الكرام فلا أنساب في الدين ولا طبقية ولا معلمين ولا بيضان ولا هم يحزنون
مشكلتكم إن صح التعبير ... ما تقولون يمكن إدراجه فيما يعرف بالتدين
تلكم أطروحة جديدة وقد وجدت بين لمعلمين أنفسهم من يدافع عنها
إن حقيقة الدين تختلف عن حقيقة التدين، إذا الدين هو ذات التعاليم التي هي شرع الهي والتدين هو التشرع بتلك التعاليم فهو كسب إنساني وهذا هو الفارق في الحقيقة بينهما الذي يفضي إلي فارق في الخصائص واختلاف في الأحكام بالنسبة لكل منهما
محمد ولد الشيخ من المتكلمة إذن، إذا أخدنا بعين الاعتبار تلميح أبو نصر الفارابي الجامع بين رأي الحكيمين أفلاطون وأرسطو بأن صنعة الكلام يقتدر بها الإنسان علي نصرة آرائه بمحاولة نشر الوعي العقلاني وإقامة سلطة منطق موضوعية فالعقل ليس له حدود وولد الشيخ يجب أن يطلق سراحه وتلغي كل العقوبات في حقه ليعيش في فضاء الإنسانية الرحب حرا طليقا بعقله وفكره إنه ظاهرة مشرقة في مجتمعاتنا الذي جعل الشك والقلق الوجودي المعرفي أساس بحته بغاية خدمة مجتمعه المتأخر وختاما لا يسعني إلا أن ألمح إلي مغمور من أعلام فكرنا الذي يحمل اسم : إبراهيم بن سيار النظام أستاذ الجاحظ الذي جعل الشك أساس البحت القائم علي حدة الذهن واستقلال التفكير وسعة الاطلاع فيقول بأن : الشاك أقرب إليك من الجاحد، ولم يكن من يقين قط حتي صار فيه شك، ولم ينتقل احد من اعتقاد إلي اعتقاد عبر ان يكون بينهما حال شك.
إلي متى سنبقى هكذا لعبة في أيدي العدى.
الحرية لمحمد ولد الشيخ.
من أجل حركة تنوير إنسية في مجتمعات شمال إفريقيا

#كوماني_لقمان (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات