أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - شيماء ملا يوسف - في حضرة جلال الدين الرومي















المزيد.....

في حضرة جلال الدين الرومي


شيماء ملا يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 4329 - 2014 / 1 / 8 - 10:02
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



استعرضتُ في المقال السابق والذي كان بعنوان "رحلة مع جلال الدين الرومي" حياته وأعماله. في هذا المقال سوف استعرضُ الدراسات حوله.
يختلف الدارسون لأعمال الرومي حول كيفية فهمه، فهناك من يسعى لتأويل كلماته أو شرح "المثنوي"، وآخر يقوم بوضعها في إطار فلسفي وغيرها من الدراسات المختلفة. قد لا يبدو أن هذا ما أراده الرومي من أعماله، فعلى الرغم من أنه لم يُنظم لها ولم يهتم بالوزن والقافية في بعض أبياته، حتى أن كثيرًا من أشعاره قالها في مجالس السماع والرقص الصوفي، إلا أنه قدّم - وبعد إلحاح من تلميذه ومدون المثنوي حسام الدين الجلبي- تجربته الروحية لتكون طريقا للسالكين إلى الله، والتي هي بعدد أنفاس الخلائق، ولم يكتبها لدراسة الفكر وتطور تاريخه أو لدراسة الشعر وإن ارتبط العمل بالزمان والمكان.
في هذا المقال وما يلحقه، استعرضُ دراسة لوليام شيتيك* في كتابه The Sufi Path of Love"" (الحب في المسار الصوفي)، والتي تسير في إطار عدم التدخل في النص ولا في تأويل وشرح النصوص، بل يشدد الكاتب على فهم الرومي من خلاله وحده، أي من خلال كلام الرومي عن ذاته وبكلماته. وما قام به شيتيك هو تبسيط للفهم - كما ذكر في كتابه – ذلك لأننا أحيانًا نجد التناقض في البيت الواحد أو تكرار الكلمات وبصور متعددة ومختلفة، مما يُشكِل الفهم.
قسّم شيتيك أعمال الرومي إلى: فكرة، طريقة، وصول إلى الله. وهي لا تختلف كثيرا عما بيّنه الرومي من حديث نبي الإسلام "الشريعة أفعالي والطريقة أقوالي والحقيقة أحوالي"، في المثنوي5: "الشريعة مثل تعلم علم الكيمياء من الأستاذ أو الكتاب، وأما الطريقة فهي بمثابة استعمال الأدوية ومسح النحاس بالمواد الكيميائية، والحقيقة بمثابة تحول النحاس إلى ذهب. فالكيميائيون يسعدون بعلم الكيمياء لمعرفتهم أسرار العلم، والعاملون يفرحون بعملهم، وأما الواجدون للحقيقة فهم فرحون لأنهم تحولوا إلى جنس الذهب وتخلصوا من علم وعمل الكيمياء".
ولا ننسى أن فهم الرومي كفهم التجارب الروحية التي لا بد من تجاوز ظاهرها لفهم باطنها ويكون هذا بالتفكر والتأمل:
"كن عنيدًا في معاناتك الروحية، فالكنز مدفون تحت هذا"/ مثنوي1


والقسم الأول من دراساته في باب "الفكرة": رؤية الأشياء على حقيقتها



أ. الصورة والمعنى

يوظِّف الرُّومي مصطلحات ثنائية كالظَّاهر والباطن، الغبار والرِّياح، الزَّبد والمحيط، اللوحة والرَّسام، الظِّل والنُّور، أسباب ومسببات، الصراط والمعنوي، الصورة والمعنى، ليُميّز الحقيقة وهي الله، عن العالم الظاهر لنا والذي ليس إلا وهم، سجن، فخ، زبد يطفو على المحيط، غبارٌ منتفضٌ بطريق الحصان العابر، فكل ما نراه ليس إلا حُجُب تحجب الحقيقة: "ولو أنَّ كلَّ شيءٍ ظهر كما هو على حقيقته، لما هتف النَّبي محمَّد وهو المحبوُّ بمثل ذلك النّظر الثَّاقب المنوَّر المنوِّر "ياربِّ، أرني الأشياء كما هي"./ فيه ما فيه
"ما كنتَ لتتسائل: لماذا يفعلون هذا أو ذاك؟
لو أن الصُّورة الظاهرة لك كانت لأجل الصُّورة ذاتها"./المثنوي5
وبين تلك المصطلحات الثنائية، نجد مصطلحي "الصُّورة والمعنى" الأكثر استخدامًا وتنوعًا في الصور والرموز لديه:
"اعلم أنَّ صورة العالم الظَّاهري تفنى، وعالم المعنى يبقى للأبد.
إلى متى شغفك بصورة الجرَّة؟ دع الجرَّة، وابحث عن الماء!
فبعد أن شهدتَ الصُّورة، صرتَ تُدرك المعنى، كن حكيمًا، وخذ الدرر من الصَّدف"./المثنوي2
فوجود الصور ليس لذاتها، بل لما تكشف به عن المعنى الكامن والخاص بها، وبما تشير إليه من معان أسمى من وجودها:
"كيف يطفو الزّبد مِن غير الأمواج؟ كيف يتصاعد الغبار مِن غير الرِّياح؟ إنْ رأيتَ صورة الغبار، فانظر للرِّياح! إن رأيتَ الزَّبد، فانظر للمحيط الذي أنشأ قوَّة الأمواج"./مثنوي6
"كلُّ الوجود غبار، وما في الوجود من النور لا يأتي إلا من ذاك القمر: فلا تدرْ ظهرك عن القمر وتلحق الغبار.
يموج البحر بالزَّبد ليلَ نهار، ويا للعجب، كيف تنظر للزَّبد، ولا تنظر للبحر، وهو أصل الزَّبد؟!"./المثنوي3
"النَّاس ينظرون إلى الأسباب، ويرون الأعمال نِتاجًا للأسباب. أمَّا الأولياء، فهم يُدركون أنَّ الأسباب ليست أكثر من حُجُب، لكي لا يُرى المسبِّب ويُدرَك. كالذي يتكلَّم من وراء الستار"./فيه ما فيه/68
إذا، الصُّور هي مظاهر العالم، والمعنى فيما وراء الصُّورة الظاهرة وحدودها، لذلك محاولات التَّعبيرعن المعنى وتقييدها في كلمات تكون مبهمة ومتناقضة خاصّة لدى الفلاسفة، الذين يعتمدون على فهم العبارات بدقة شديدة وبحرفيتها.
يحكي الرومي في المثنوي: "كان فيلسوف ينكر الحقيقة بما خلف الصور، وفي يومٍ، مرِض. زاره حكيم، قائلا: ماذا تريد؟ فأجابه : الصّحة. قال الحكيم: اذكر لي صورة هذه الصحة حتى آتيك بها. رد: الصحة لاصورة لها، لكني أعرف مظاهرها، فعندما تكون الصحة أغدو سمينًا وناضرا ومشرقا. قال: لكني أسألك عن ماهية الصحة؟! الفيسلوف: لا أعرف".
وكما أنّ وجود الصورة ليس لذاتها بل لما وراءها، كذلك الأسباب وجودها ليس لذاتها:
"الأسباب حُجُب، تحجب الرُّؤية عن العين، وليست كلُّ عينٍ تستحقُّ أن ترى خلقه.
ترى العين الثاقبة ما وراء الأسباب، فتخترق الحُجُب.
وترى المسبِّب في اللاَّمكان، وكذلك تراه في الخير وفي الشَّر، ذلك أنه لا أسباب في اللامكان"./مثنوي5


ب. الوجود والعدم

ثنائيَّة أخرى يستخدمها الرُّومي للتَّعبير عن الظاهر والباطن، وهي "الوجود والعدم". في هذه الثُّنائية الأكثر تعقيداً من غيرها، حيث الوجود الحقيقي هو الله- تعالى -، أما العدم فهو الموجودات، القائم وجودها بوجود الله، ومن كان وجوده بغيره فهو بحكم العدم، وما نراه من مظاهر ما هي إلا مجال تجلى فيه الوجود الإلهي، وهذه علاقة الله بالعالم.
وأيضًا يُشير بالعدم إلى الصورة، والوجود بالمعنى الذي ينكر الشكل، ذلك أنّ المعنى بلا شكل محدد: "عالم العدم يظهر كأنه موجودًا، وعالم الوجود يكون مخفيَّا"./المثنوي 2
"تأمل.. اللاَّ لون هو أصل اللَّون، اللاَّ صورة هي أًصل الصُّورة، اللاَّ كلمات هي أصل الكلمات، والمنجم هو أصل النُّقود"./ديوان 13925
" يارب الأرباب! يا معطي اللاَّ صورة صورة! أيُّ صورةٍ تُلقيها عليّ؟"./ديوان14964


ج. وهم الانفصال بين الصُّورة والمعنى

الحديث عن أهمية المعنى لا يعني إنكار الصُّورة في مقابل المعنى، فالشَّكل مستمدٌّ من المعنى، والمعنى يُكشف بالصُّورة، وكلاهما له أهميَّته.
"الصُّورة أيضاً لها اعتبارٌعظيم، ويكمن اعتبارها وأهميَّتها في حقيقة أنَّها مشاركةٌ للجوهر. ومثلما لا يظهر الشَّيء إذا لم يكن له لبٌّ، لا يظهر أيضاً إذا لم يكن له قِشر. فإذا وضعتَ بذرةٌ في التُّراب دون قشرها، فإنَّها لا تنبت، أمَّا إذا دفنتها في التُّراب بقشرتها فإنِّها تنبت، وتغدو شجرةً عظيمة. وبهذا يكون الجسد أيضاً عظيماً وضروريّاً.. لكن الأهم هوالمعنى، عند من يعرف المعنى، ويكون قد صار هو معنى "./فيه ما فيه 19
"عندما تقول بأنَّ الصَّورة فرعٌ للمعنى، وبأن الصُّورة الرَّعيَّة، والقلبُ الملك، فإنَّ هذه مجرَّد أسماء نسبيَّةٍ إضافيَّة. عندما تقول: إنَّ هذا فرعٌ لذلك، ثم لا يكونُ هذا الفرعُ موجودٌ فكيف ينطبق اسم "الأًصل" على الآخر؟ ذلك أنَّه صار أصلاً بسبب هذا الفرع، وإذا لم يكن ذلك الفرع موجوداً فإنَّه لا يكون له حتى اسم. فإذا ما قلت امرأة، فلا بدَّ من أن يكون هناك رجل"./فيه ما فيه144


د. علم الأديان

كما يميِّز الرُّومي باستمرار بين الصُّورة والمعنى، كذلك يميِّز بين نوعين من المعرفة: علم الأبدان، الذي يعني بالصُّورة، وعلم الأديان الذي يتجاوز الصُّورة ويكشف عن المعنى. وما يُطلق عليه وصف العلم يتمُّ تعليمه وتدريسه كالبَّبغاء. وبدون الرُّؤية الحقيقيَّة لن تكون المعرفة سوى صورةٍ وظل، ولكن هذا العلم له القدرة على التَّحول إلى معرفة حقيقيَّة بعد طول التَّفكير والتأمل به.
"الذين درسوا ويدرّسون يظنُّون أنَّهم عندما يأتون إلى هنا، ينسون كلّ ما تعلَّموه ويتركونه. والأمر عكس ذلك، فإنَّهم عندما يأتون هنا، تكتسب علومهم روحاً. ذلك لأنَّ العلوم كلّها كالصُّور ،بلا روح، وعندما تكتسب روحا تكون مثل الجسد الذي لا روح فيه، ثم يبث فيه الروح. أصل هذه العلوم جميعاً من هناك، من عالم اللاَّحرف واللاصوت، وانتقلت إلى عالم الحرف والصَّوت. في ذلك العالم يكون القول من دون حرف، ومن دون صوت"./فيه ما فيه 156
"كيف يمكن للطَّائر ـ السَّالك من المتصوِّفين ـ أن يعبر عرض البحر؟ لا يمكن له إلا بالمعرفة الباطنيَّة التي تحمله للحضرة الإلهيَّة"./المثنوي 3
"علم "أنا الحق" هو علم أبدان، وأن يغدو الإنسان "أنا الحق" هو علم أديان. رؤية نور المصباح والنَّار؛علم أبدان، أمَّا الاحتراق بالنَّار وبنور المصباح؛ فعلم أديان. كلُّ ما يُرى هو علم أبدان، وكلُّ ما يُعرف هو علم أديان. عندما يفكِّر المهندس ويتخيَّل عمارة، فهو خيال، ولا يغدو حقيقةً إلاَّ عندما تُبنى المدرسة. ولكن هناك فرقٌ بين خيالٍ وخيال، تخيُّل البناء عند المهندس، يختلف عند الغير مهندس. لأنَّ خيال المهندس أقرب الى الحقيقة. كذلك الحال في عالم الحقائق والكشف، فثمَّة رؤية، بين رؤيةٍ ورؤية"./فيه ما فيه 228



*كاتبة من الكويت.
*يعمل وليام شيتيك على ترجمة ودراسة النصوص الفلسفية والصوفية والإسلامية الكلاسيكية، وعُرف من خلال دراساته التي قام بها على أعمال جلال الدين الرومي وابن عربي، وله العديد منها. تخرج من جامعة ووستر في أوهايو وأكمل دراسة الدكتوراه في الأدب الفارسي من جامعة طهران تحت إشراف سيد حسين نصر، ودرّس في جامعة طهران قبل الثورة وحاليا يدرّس في جامعة ستوني بروك في الولايات المتحدة.



#شيماء_ملا_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رحلة مع جلال الدين الرومي
- عن الحرية
- رموز الدين.. والله


المزيد.....




- وفاة قيادي بارز في الحركة الإسلامية بالمغرب.. من هو؟!
- لمتابعة أغاني البيبي لطفلك..استقبل حالاً تردد قناة طيور الجن ...
- قادة الجيش الايراني يجددن العهد والبيعة لمبادىء مفجر الثورة ...
- ” نزليهم كلهم وارتاحي من زن العيال” تردد قنوات الأطفال قناة ...
- الشرطة الأسترالية تعتبر هجوم الكنيسة -عملا إرهابيا-  
- إيهود باراك: وزراء يدفعون نتنياهو لتصعيد الصراع بغية تعجيل ظ ...
- الشرطة الأسترالية: هجوم الكنيسة في سيدني إرهابي
- مصر.. عالم أزهري يعلق على حديث أمين الفتوى عن -وزن الروح-
- شاهد: هكذا بدت كاتدرائية نوتردام في باريس بعد خمس سنوات على ...
- موندويس: الجالية اليهودية الليبرالية بأميركا بدأت في التشقق ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - شيماء ملا يوسف - في حضرة جلال الدين الرومي