ديانا و أسامة

زين اليوسف
مُدوِّنة عربية
(Zeina Al-omar)

الحوار المتمدن-العدد: 4324 - 2014 / 1 / 2 - 21:38
المحور: ملف مفتوح: مناهضة ومنع قتل النساء بذريعة جرائم الشرف
    

قبل ما يُقارب العقدين و عندما بدأت خيانات الأمير تشارلز ولي العهد البريطاني الزوجية تطفو على السطح..قررت الأميرة الراحلة ديانا الظهور في مقابلة تلفزيونية على قناة البي بي سي البريطانية لتعلن هي الأخرى عن ارتكابها للخيانة الزوجية..ديانا تصرفت كإمرأة و كمسيحية مؤمنة..فهي كأنثى أرادت أن ترد علناً الطعنة التي وجهها لها زوجها و الذي خانها مع من لا تُقارن بها من الناحية الجمالية على الأقل..و كمسيحية كانت مؤمنة أن اعترافها هذا سيحررها من الذنب الذي أثقل كاهلها و ضميرها طوال كتمانها عنه لسنوات عديدة..ديانا بعد ذلك الاعتراف و بناءاً على إحصائيات الرأي في حينها حصلت على تعاطفي شعبي واسع في مقابل إدانة واسعة أيضاً للأمير تشارلز و خيانته لها.

في الجهة المقابلة من العالم..كان أسامة بن لادن يجري مقابلة مع قناة الأيه بي سي بعد مقابلة ديانا بثلاث أعوام..و عندما وجه له المحاور سؤالاً عن ذنب استهداف المواطنين الغربيين المدنيين في الهجمات و التي تقوم بتنفيذها القاعدة في بلدانهم..أجاب بكل ثقة:"لأنها شعوب فاجرة..شعوب ترتفع شعبية رؤسائهم و رموزهم عندما يعترفون بالزنا و الخيانة الزوجية"..أسامة كان يجد حينها بما أنها تلك الشعوب تُبرر الخيانة الزوجية و تتعاطف مع مرتكبيها فهي شعوب لا قيمة لدمائها و لا بأس من قتلها إذا كان ذلك القتل سيؤدي الغرض المأمول منه بالنسبة إلى القاعدة..و لكن أسامة تجاهل الشعوب الفاجرة التي تعيش بجواره ليمارس "تقويمه" الأخلاقي في البلدان القصية عنه..أفلم يكن من باب أولى أن يكثف أسامة تلك الجهود التفجيرية في سبيل تقويم الفجور العربي؟؟.

فأسامة تجاهل أن الخيانة في العالم العربي مُبررة أكثر منها في العالم الغربي..فالرجل عندما يرتكب الخيانة و عندما يُكشف أمره لا يُعد الموضوع مصيرياً بل هو أقرب إلى "أسلوب حياة" له تبريراته و أعذاره..و المحيط الذكوري من حوله يرى في عمله هذا إثباتاً للفحولة و الذكاء..و يُقابل ثورة المرأة ضد تلك الطعنة بمبررات "غفرانية" عديدة.

أولها أنه رجل..و لا أعلم حقاً هل يوجد قانون غير مكتوب في مجتمعاتنا يمنح الرجل مكافأة على الخيانة؟؟..فعبارة "أنه رجل" في مجتمعاتنا الشرقية أصبحت تشبه عبارة "اذهب فأنت مغفور لك ما تقدم من ذنبك و ما تأخر"..كلاهما يحمل ذات العفو المسبق عن الخطيئة..تلك الخطيئة التي لو مارستها الأنثى سيكون أقل عقاب تحصل عليه هو أن تفقد عنقها الخاص بدعوى الحفاظ على الشرف..و لكن أليس الشرف مفهوم لا يتجزأ؟؟..أم أن الشرف لدينا يعتمد بشكل كامل على نوعية جسد من يقوم بخيانته؟؟.

ثاني تلك المبررات هو أن الشريعة الإسلامية سمحت له -أي الرجل- بالزواج بأربع..تلك الآية التي اُغتصبت منذ نزولها إلى يومنا هذا ملايين المرات..فتلك الآية أصبحت ليست تبريراً للزواج من أخرى فقط بل و لارتكاب الخيانة بمباركتها أيضاً..و كأن الله أنزلها خصيصاً لذلك الأمر و ليس لمنح رخصة التعدد "المشروط" فلا يحتار من يريد الخيانة في إيجاد مخرج شرعي له و قد وهبه الله تلك الآية "المطاطة" الإستخدام و الفهم.

و ثالثها أن الرجل يملك غريزة أقوى من الأنثى و قد تسيطر عليه فلا يستطيع أن يمنع نفسه من ارتكاب الخيانة..و هنا نجد أن هذا المبرر هو فعلياً شتيمة إعتاد أن يرددها الرجل عن نفسه دون وعي و بكل فخر طفولي..فهي تصوره كحيوان منفلت الغرائز لا يعقل و لا يستطيع أن يثبت ولاءه و حبه لامرأة واحدة في حضرتها أو في غيابها..و كما تمارس الخنازير الجنس المنفلت حتى مع خنزير آخر قد يكون من ذات الأسرة يمارس البعض الخيانة مُلغين عقولهم التي يبدو أنها اعتزلت السيطرة على جزء الغريزة الثائر فيه.

الزنا و الخيانة الزوجية أمران مُبرران في مجتمعنا للرجل..بل أن المجتمع يمنحه من الأعذار و الحوافز للقيام بها أكثر مما نتصور..فهي ليست بالعار الذي سيتسبب بقتله أو بنبذه من المجتمع كما لو كانت الخيانة "أنثوية"..و هو ما سيجعل البعض من أبطال نظرية المؤامرة يقرأ عبارتي هذه على أنني أطالب بالتبرير أيضاً للأنثى في حال قيامها بالخيانة و أني أدعو إلى الإنفلات الجنسي!!.

و لكن ألا يدل ذلك على أننا حقيقةً مجتمعات أكثر فجوراً من المجتمعات الغربية و التي نتهمها دوماً بتلك الصفة؟؟..فالمجتمع الغربي حتى و إن كان يتعاطف في "بعض" الحالات مع مُرتكبي الخيانة الزوجية فهو لا يُبررها لهم باحثاً و مُنقباً لهم عن الأعذار و الآيات لتطهيرهم من رجسها بدلاً من أن يدينهم بها..حقيقةً ألم يكن من الأجدر بأسامة بدلاً من "شرعنَّة" فقه "التترُس" لأتباعه تجاه الغربيين أن يجعلهم يمارسونه تجاهنا نحن لأننا أحق بهم منه؟؟..و لكن يبدو أن حتى أسامة كان يرى أن الشرف "أنثى".

#زين_اليوسف (هاشتاغ)       Zeina_Al-omar#          

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل