أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بشارة أحمد - تعليق على - رسالة إلى الله - جزء 2















المزيد.....



تعليق على - رسالة إلى الله - جزء 2


بشارة أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 4320 - 2013 / 12 / 29 - 17:34
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تعليق على - رسالة إلى الله - جزء 2
من الأخ: انور نصرّ
الحوار المتمدن-العدد: 3777 - 2012 / 7 / 3 - 23:58
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني

الأخ أنور نصر، لقد وقع بصرى "بالصدفة" على رسائلك التي أطلقت عليها إسم "رسالة إلى الخالق 2" وأنت تستغيثه أو لعلك تشكوا إليه ما تعانيه من تمزق نفسي وفكري ووجداني بسبب الحالة المتردية التي بلغها البشر تمزقاً وتشرزماً وتدابراً وتنافراً بل وإقتتالاً وقتلاً وترويعاً. وللأسف الشديد قد تسرب هذا الشقاق والفرقة بين من يسمون أنفسهم أو الذين يطلق عليهم الناس "رجال الدين"، وقد أصبح بعضهم يتهم البعض الآخر ويشكك فيه وقد ينفر منه ويدَّعي لنفسه ما ليس لدى الآخرين، فأصبحوا جميعاً مكان شك وريبة إلا من رحم ربي، ليس عندك وحدك بل عند الكثيرين الذين يعانون من نفس الحيرة والتشتت التي تعاني أنت منهما، بحيث أنك أصبحت لا تثق في فتواهم أو توجيهاتهم، التي قد يوصلونها إليك بشيء من التَّعالي والتَّرفُّع كما تقول. في الحقيقة من الوهلة الأولى وأنا أقرأ رسالتك الثانية شعرت بأنني أمام شخص الله موجود في داخله في الاساس، يحس به في أعمق أعماقه، وكوامن نفسه الممزقة جراء الشقاق العميق الذي وقع فيه من يُسمَّونَ "برجال الدين"، حتى أصبح مجرد سؤالهم عن شيء يكتنفه التشكك والريبة والغموض لأن لكل واحد منهم رداً مختلفاً ورغم ذلك هو غير مقنع لك بما فيه الكفاية كما أنه أيضاً متناقض مع رد الآخرين دونه. مما جعلك تتوجه إلى الله الخالق مباشرة ليخرجك من ذلك التمزق والقلق من إنقضاء العمر دون الفوز بمعرفة الله حقاً والحصول منه مباشرة على الردود الكافية والشافية الموثوق بها لكل الأسئلة الجوهرية والمنطقية التي تختلج في داخلك ويؤرقك الجهل بها كثيراً. فهل تظن أن الله سيتركك في حيرتك هذه وأنت تتحرق شوقاً للوصول إليه؟ لا والله إنه سيُقْبِل عليك بذاته إن علم صدقك، وما دمت تريده وتتشوق لمعرفته.

أخي أنور، أهم شيء للوصول إلى مرادك هو التيقُّن دون أدنى شك في أن الله تعالى موجود، لا يغيب أبداً، وأنه يعلم كل شيء في هذا الكون بأكمله، ويدبر شئونه كلها "بذاته" لا يضل أبداً ولا ينسى، ولا ينوم ولا ينعس ولا يسهى، فهو يقول عن نفسه في سورة البقرة (اللَّهُ لَا إِلَٰ-;---;--هَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ 255). يراقب خلقه كله "فهو الرقيب"، ويعلم السر وأخفى "فهو علام الغيوب"، وهو يحب البشر أكثر مما يخطر ببالك، فقد خلقهم في أحسن تقويم، ومراده أن يدخل كل الناس في أعلى الجنان، في الفردوس الأعلى، وتذكر أن الله تعالى أول ما خلق أبونا آدم وأمَّنَا حواء قد أسكنهما الجنة، ولكن سلوكهما هو الذي أنزلهما إلى الأرض حيث الكبد والتعب والشقاء، وتذكر أنه قد كَرَّمَ أبونا آدم فأمر الملائكة كلهم بالسجود له ومبايعته، بعد أن عَلَّمَهُ الأسماء كلها فأعجز بها الملائكة فلم يستطيعوا معرفة ما عرفه آدم عليه السلام، ما عدا عدو الله إبليس الخبيث اللعين الذي يُمَثِّلُ الشر كله، وهو قائد ومُوجِّه الأشرار من القتلة والمعتدين، والمتكبرين على إخوانهم، والظالمين والحاسدين لهم والحاقدين عليهم. هو إمام الظالمين المفسدين والزناة والإباحيين وغيرهم من الفاسدين الفاسقين. إبليس الذي رفض السجود لآدم مدَّعيا أنه أفضل منه لذا تكبر عليه ورفض السجود له فطرده الله من رحمته وتوعده بالعذاب هو ومن إتَّبعه من البشر، فأصبح عدواً لأبونا آدم وعدواً لكل الخيرين المؤمنين الذين سيحاول جاهداً عدم السماح لهم بالتفوق عليه بنسف إمكانية بقائهم على إيمانهم حتى لا يدخلوا في الجنة التي حرمه الله منها وحرمها عليه.

إن سبب شقاء الإنسان هو هذا الشيطان اللعين، فبعد أن سجدت الملائكة للخليفة آدم عليه السلام وطُرد إبليس، أمر الله تعالى آدم بأن يسكن هو وزوجته "حواء" الجنة ويأكلا منها ما يشاءون رغداً، ولكنه نهاهما عن الأكل من شجرة معينة واحد فقط "ليختبر طاعتهم ومقدرتهم على صد غواية عدوهم إبليس"، ولكن الشيطان إبليس وجدها فرصة سانحة له للإنتقام من عدوه الخليفة الجديد "آدم" الذي بسببه طرد من رحمة الله وكُتب عليه الشقاء والمهانة في الدنيا والعذاب المقيم في الآخرة، ففكر في أن يوسوس له ويغريه بالمعصية والأكل من الشجرة التي نهاهم الله تعالى عنها، وإستغل في ذلك ضعفه وقلة عزمه وتجاربه،، فألَحَّ عليهما وأقسم لهما أنه من الناصحين، فضعُفَا أما إغراء إبليس اللعين وإصراره، فأكلا من الشجرة التي حرمها الله عليهما فطردا من الجنة. إذن الله تعالى لا يعاقب بدون ذنب، ولكنه يغفر الذنوب جميعاً للمستغفر ولا يبالي، فغفر له ذلك الذنب بعد إعترافه به وندمه عليه، وإستغفارهما منه، ولكنه لم يعده مرة أخرى إلى الجنة بل أبقاهما على الأرض، ولكنه جعل العودة إليها بالنجاح في الإبتلاء والإختبار، وأعد يوماً لوزن أعماله وأعمال كل ذريته، ويقول في ذلك: (فأما من ثقلت موازينه، فهو في عيشة راضية، وأما من خفت موازينه، فأمه هاوية، وما أدراك ما هي؟ نار حامية). إذن منذ تلك الحادثة جعل الله العودة إلى الجنة لا تكون إلا بالعمل الصالح وعمارة الأرض والعيش مع الآخرين في سلام وأمان وأمانة وصدق وتعاون وحب وطهر وعفة إستعداداً ليوم الرحيل من الحياة الدنيا المؤقتة والعودة إلى الحياة الدائمة الحقيقية الأبدية حيث لا موت ولا جوع ولا عطش ولا نصب ولا شقاء. فالذي عمل ما يدخله النار فلا يَلُوْمَنَّ إلَّا نفسه.

لا تظن أن البشر هم الذين عَرَّفُوكَ بالله تعالى، بل على العكس من ذلك. فالله هو الذي عَرَّفَكَ به بنفسه دون واسطة. فأنت تعرف الله قبل أن تُولد، بمعنى آخر، أنك ولدت والله كان في داخلك ووجدانك، فمعرفتك به حقيقية وليست مكتسبة فإن كنت خَيِّرَاً وتحب الخير حيثما كان، والطهر المادي والمعنوي وتسعى إليه وتكره الظلم والضلال والفساد وتتجنبه، والإعتداء على الآخرين وتحب مساعدة الضعفاء والفقرا والمساكين، بقي الله في داخلك إيماناً ونوراً يحفظ لك ذلك الخير وينميه بل ويضاعفه لك أضعافاً كثيرة ويزيده حتى تبلغ مقام الصالحين الصادقين، فهي علاقة مباشرة بينك وبينه دون واسطة لا من رجال دين أو من غيرهم، فلا تسمح لأحد أن يتوسط بينك وبين ربك فهو يقول لنبيه الكريم (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني). ولكن تحرى العلم الصحيح من الصالحين والعلماء ولا تتشكك في الناس بغير سبب فقد أعطاك الله تعالى العقل وهو يعلم أنه عون للفطرة التي فطرك عليها، وسيوصل لك المعلومة الصحيحة إن صدق توكلك عليه والإيمان به والإعتماد عليه ومخافة مقامه.

ليس صحيحاً قولك بإن أسلافنا بنُوا العلاقة بين الخالق والبشر، فالذي يبني علاقتك مع الخالق هو أنت بنفسك لنفسك، وليس العكس، ولم يبنيها أو تبنيها أنت على فريضة وهمية، بل على العكس من ذلك تماماً فقد بناها وستبنيها أنت أيضاً على واقع حقيقي له أدلته وبراهينه التي فصلها الله تعالى تفصيلاً في كل الكتب السماوية التي أرسل بها الرسل الكرام عليهم السلام. فلا تجعل بينك وبينه حواجز، مثلاً إسمع ماذا قال الله تعالى في سورة الإنسان: (هَلْ أَتَىٰ-;---;-- عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا 1)؟، فإذا سألت نفسك قائلاً لها "أين كنت أنا قبل أن يُوْلَدَ أبِي؟"، وأين كان جَدِّي قبل أن يُولد أبوه؟"،،، وإستمر في السؤال فقل مثلاً "إين كان أبونا آدم قبل أن يخلقه الله من طين؟" فستجد الجواب على هذه الآية بقولك "نعم، أنا لم أكن شيئاً مذكوراً، وأبي قبلي لم يكن شيئاً مذكوراً، وأبيه كذلك، ثم آدم عليه السلام كذلك"،،، إذن الجواب سيكون "نعم ياربي قد أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكورا".
الآية التالية لها في هذه السورة بين الله تعالى فيها حقيقتك وسر وجودك في الحياة الدنيا فقال: (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ...)، كل من يطلق عليه إنسان من ولد آدم،,, ولكن - من أي شيء خلقه؟؟ (... مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ...)، فإن لم يتزوج أبيك من أمك لما كنت أنت ولما وُجِدْتَ في الدنيا إبتداءاً، فكانت النطفة من أبيك أمشاجا "خليطاً" من ماء مماثل من أمك" فخلقك الله منها،,, ولكن - لماذا خلق هذا الإنسان في الأساس؟ وما الغاية من ذلك الخلق؟؟ فيرد عليك الله على هذا التساؤل في نفس الآية بأنَّ المراد هو إبتلاءه وإختباره لمعرفة ميله هل سيكون إلى الخير أم إلى الشر، فقال: (... نَّبْتَلِيهِ ...), لكي نبتليه ونختبره أعطيناه أدوات العمل الأساسية التي يعرف بها الآيات إما بسماعها أو برؤيتها ليعرف بهما وجود الله، والتفريق ما بين الحق والباطل، فقال: (... فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا 2). إذن ها هو ذا الله تعالى بنفسه بخاطبك مباشرة ويرد على كل ما يدور في خلدك ويفتعل في صدرك، وكما ترى لا يوجد بينك وبينه حجاب ولا واسطة، والكلام واضح ومبرر ومقنع ويحكي الحقيقة التي يعرفها الأمِّيُّ مثل العالم تماماً.
بعد أن أعلمك الله سبب خلقك وكيفيته ومكوناته، علم أنَّ هناك سؤالاً "بديهياً" وملحَّاً سيدور في خاطرك، وستقول مثلاً "ها أنا ذا الآن قد خلقني الله تعالى، وأخبرني بأن السبب في الخلق هو الإبتلاء والإختبار، وأنه قد أعطاني أدوات العمل ليتم على ضوئه ذلك الإختبار ثم التقييم،،، ولكن ما هو المنهج وما هي خياراته؟؟ فكما ترى فإن الله تعالى قد ردَّ على هذا التساؤل المنطقي والبديهي مسبقاً وقبل أن تنطق به أو تحتار دونه بقوله لك في الآية الثالثة مباشرةً: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ ...)، سبيل الخير، وسبيل الشر معاً، وقد بين معالم كل من السبيلين بدقة متناهية، ثم أعطاك حق الإختيار بمنتهى الحرية ولم ولن يسمح لأي أحد غيرك أن يحاول إجبارك على إختيار سبيل منهما دون رضاك بأي وسيلة كانت، فقال(... إِمَّا شَاكِرًا ...)، لله على فضله عليه وإعطائه الفرصة للعودة إلى الجنة وبين له طريقها بعد أن أعطاه كل الأدوات اللازمة لسلوك هذا السبيل وعلى حرية الإختيار وحذر كل البشر من التدخل فيها، (... وَإِمَّا كَفُورًا 3)، وذلك بإختياره سبيل الغواية والكفر والإنغماس في الشهوات، والعبث في حقوق الله وحقوق الناس، ولكن،،، ما هي الضمانات التي تحمي لك حريتك في الإختيار دون تدخل هؤلاء المعتدين المتجبرين؟ أليس المطلوب وجود رادعٍ قوي يقف في وجه هؤلاء المعتدين ويهددهم بسوء العاقبة إن حاولوا التعدي على حقوق الآخرين في حرية الإختيار التي هداها الله لهم والحرية التي منحهم أياها حتى لو أدت هذه الحرية إلى إختيار الكفر به ومعصيته أو حتى إتخاذ إله غيره إفتراءاً عليه. وإن كان هذا الكفر لا يرضيه ولا يحبه للناس لأنه فيه هلاكهم وشقاؤهم، إلا أنه سمح به وخير فيه.

لذا وضع الله هذا الرادع في الآية الرابعة مباشرةً فقال سبحانه محذرا المعتدين ومهدداً (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا 4)، فهل عرفت الآن لماذا يعذب الله الناس؟ إن الله تعالى يغضب من هؤلاء المعتدين لصالح المعتدى عليهم وليس لصالحه هو، لأنه سبحانه "غني" عن الخلق كله "حميد" لمن أطاعه فالله تعالى لا تضره معصية العاصين ولا تنفعه طاعة الطائعين، وإنما يعاقب من سعى في الشر وأشقى به الناس ويثيب ويكافئ من سعى في الخير وقدمه للناس. لاحظ أن الله تعالى قبل كل شيء أمن لك النجدين بتحذيره للشريرين من مضايقتك والإعتداء عليك فأكد لهم أنه قد أعد لأمثالهم "سلاسل" سيقيد أرجلهم بها" , "وأغلالاً" سيغل بها أيديهم إلى أذقانهم، "وسعيراً" هي نار وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لايعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.

أيضاً علم الله تعالى أن هناك مزيد من الأسئلة "المنطقية البديهية" التي ستدور في رأسك وفكرك بأن تقول مثلاً، "هذا هو التحذير والتهديد للذين يسلكون طريق الشر والمعصية والظلم، فما هي عاقبة من سلك طريق الحق والصلاح والإصلاح وسعى في الخير وعشقه وتعامل به،،،؟ فكالعادة، يرد الله عليك قبل أن تتفوه بهذه الأسئلة أو يضنيك التفكير فيها، فيقول: (إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا 5)، ولكن من أين هذا الشراب الممزوج بالكافور؟؟ يقول لك تعالى (عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا 6). هذا ليس كل شيء، بل هو أول الغيث ولكن الله تعالى قد أعد للمؤمنين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ويكفي أن باقي السورة في أغلبها قد خصصها الله تعالى لوصف حال هؤلاء الخيِّرين ومراحل النعيم والتكريم والحفاوة والسعادة التي لا حدود لها جزاءً من ربك عطاءً حساباً. ولكنه بدأ أولاً بالشراب لأنه أول شيء يحتاجه، بل ويتطلع إليه الإنسان فكان ماءً مطيباً وممزوجاً بالكافور، خصصت فقط لعباد الله المخلصين الذين إختاروا طريق السعادة.

لكن،، ماهي معالم هذا الطريق، وما هي أول الأعمال الخيرة التي تنتظرهم؟ ومن المستفيد منها؟ يقول الله تعالى لك في ذلك، أن الخيرين سالكي هذا الطريق أعمالهم كلها خير لأنفسهم وللبشرية والمخلوقات والبيئة - لأنهم في أولوياتهم، يركزون إهتمامهم بحال الفقراء والمساكين والمحتاجين والضعفاء، فينقبون عن أي سانحة يستغلونها في تحقيق شيء من المساعدة لهم، فإن لم يجدوا نذروا لله تعالى النذور، تقرباً إليه، ويحرصون على الوفاء بها، يقول الله عنهم في ذلك: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ...)، فيوزعونه على الفقراء والمحتاجين، تقرباً إلى الله وخوفاً من غضبه وعقابه يوم القيامة إذا لم يخلصوا له العمل، ليس ذلك فحسب، بل: (... وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا 7)، ليس ذلك فحسب، بل يتعهدون الضعفاء ويشفقون عليهم ويؤثرونهم على أنفسهم، حباً في الله وإقبالاً على الخير، سواءاً أكان الضعيف مسكيناً أو يتيماً أو أسيراً، فيقول تعالى في ذلك: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ-;---;-- حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا 8)، ومع إطعامهم يطمئنونهم بقولهم لهم، لا نطعمكم طمعاً في شيء عندكم: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا 9)، ثم يقولون لهم صراحةً: (إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا 10).

كما تلاحظ فإن الله تعالى مراده راحة الناس وحماية الضعيف والفقير والمسكين وحتى الأسير أولاً من شر الأشرار وثانياً من الحاجة والفاقة والجوع والمعاناة،،، الخ. فكما ترى أيضاً،، ليس هناك أي شيء من هذه الأعمال يعود على الله بالنفع لذاته، بل مطلبه من البشر هو الحياة في الدنيا بسلام وزجر النفس الأمارة بالسوء من أن تسيطر عليه فيقع في طاعة الشيطان ويصبح من عبيده وأتباعه وأعوانه على الشر. ولكن العائد الحقيقي هو الجزاء من الله على هذه الأعمال الإنسانية الكريمة مع عباد الله الضعفاء وتحقيق الأمن وصرف الشر عنهم.

هؤلاء جزاؤهم عند الله كبير وكريم: (فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَٰ-;---;--لِكَ الْيَوْمِ ...)، برحمته ومغفرته ورضائه عنهم، (... وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا 11)، بما ينتظرهم من خير وسعادة، (وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا 12)، يلبسونه ويفترشونه، (مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا 13)، ويتمتعون بكل الملذات وأطيب الثمار التي لا يصل خيال البشر إلى تصورها: (وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا 14)، وهناك من يقومون بخدمتهم وإكرامه وتقديم المشروبات إليهم: (وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا 15)، (قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا 16). فالإنسان مصيره الجنة إذا إستطاع التغلب على الشيطان وتذكر دائماً أنه عدو مبين لن يتركه يصل إليها بسهولة، بل وسيتحين الفرص لغوايته بكل الوسائل حتى يدخله معه النار حقداً وحسداً، مستغلاً في ذلك تخفيه وعدم إستطاعة الإنسان رؤيته بعينه المجردة، فأكبر أسلحته الشهوات والمطامع والكراهية والفساد، ولكن المؤمن يحس مكره بقبله، ويستعين بالله عليه.

إنَّ كرم الله تعالى وحبه للإنسان يُحَبِّبْهُ في الخير ويحفذه للطمع في الجنة، ويريده أن ينقذ نفسه من دخول النار بسبب إعتدائه على الناس وعلى حقوقهم ومضايقتهم، فيقتص منه لهم إن لم يعتذر منهم ويعيد لهم ما أخذه منهم، ثم يستغفر الله بعد ذلك لعله يغفر له، ويعطيه الفرصة تلوا الأخرى، بل ويفرح به عندما يعود إليه تائباً نادماً على ما فعل، فلا يصده أبداً. والدليل على ذلك أن من عمل حسنة واحدة يحسبها له الله بعشر أمثالها من الحسنات وقد تصل إلى 70 ضعفاً، ولكنه إن عمل سيئةً حسبها الله عليه بسيئة واحدة مثلها فقط، فإن إستغفر منها وندم على فعلها ووعد الله بأن لا يقع فيها مرة أخرى غفرها الله له ولم يبالي، ثم حولها له من سيئة إلى حسنة، وحسب له تلك الحسنة بعشر أمثالها. إذن الله يريد أن يدخل الإنسان الجنة إن إستحقها ولكن الإنسان هو الذي يورد نفسه المهالك بالمعاصي والإصرار عليها. فهل رأيت أن هناك شيء يعود على الله من كل ذلك سوى الحفاظ على أمن وسلامة البشر وتخويفهم بالنار حتى يقل الظلم والإعتداء من البعض على الآخرين ويعم السلام الكون كله حتى يتوفر المناخ الصحي للإجتهاد في العمل الصالح المنجي من عذاب الله وإنتقامه.

المهم أن تتفكر في هذه السورة، هل كان الخطاب فيها لك مباشرة أم كان لمن قلت عنهم رجال الدين؟ وتأكد بأنك تتعامل مباشرة مع ربك، تسأله "بطمع" فيعطيك ما ينفعك وفي مصلحتك ويصرف عنك ما فيه ضررك إن عاجلاً أم آجلاً، وتستغفره فيغفر لك ولا يبالي، وتستهده فيهديك إلى طريق الحق والصدق والعدل، وتستجيره من الظلم والقهر والخطر وغير ذلك من الشرور فيجيرك ويحفظك ويحسن إليك. لا تسأل غيره، ولا ترجوا سواه، ولا تخشى إلا إيَّاه تكن من الفائزين، ولا تسئُ الظن به إن تأزمت الأمور من رزق أو صحة أو مصائب،، بل تذكر أنك "مُبْتَلَىً" وأن كل ذلك من مقتضيات الإختبار لمعرفة مقدار الثقة بالله ودرجة حبه وحسن الظن به والصـــــــــــــــــــــــــــبر على المكاره واليقين بأن الله لا يضل ولا ينسى فهو عالم بحالك ويعرف متى يغيره وكيف، ولكن المحصلة النهائية هي تكون لصالحك أنت ولا شيء يعود على الله منك سوى الطاعة وحسن الظن به.

كما رأيت فيما سبق أن الله تعالى خلق الإنسان من نطفة أمشاج من ذكر وأنثى لكي يبتليه ويشهده على نفسه أنه هو الذي إختار طريق الشر من بين النجدين بإرادته لما في داخله من تطلع إلى الفساد وحب فيه، أو إختياره لطريق الخير والأخيار أيضاً بإرادته لما في داخله من تطلع إلى الخير والحب وروح التعاون. فالإبتلاء يقتضي بالضرورة أن تكون كل الخيارات متوفرة ومتاحة للمبتلى لذلك قال تعالى (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا 3).

فالذي إختار سبيل الضلال والفساد والشر المتوقع منه كل شيء ضار وخبيث ومفسد، لذا تقوده نفسه الأمارة بالسوء إلى النزوع لهذه المآثم والشرور، يعينه على ذلك عدو الخير والإنسانية إبليس اللعين ويزين له الخطأ فيراه صواباً، والشر فيراه خيراً، والقتل والسرقة والظلم فيراها نجاحاً ومكاسب وقدرات مميزة له،، الخ. وبالطبع كلما بعد عن تعاليم الله وتحذيراته له، وخشيته ورجائه كلما توثقت العلاقة بينه وبين الشيطان الرجيم فتمادى في غيه وظلمه، وفقد الحس الإنساني والوجداني من شفقة ورحمة وحياء، ثم مات قلبه فأصبح كالصخرة فلا يحركه أنين الجريح أو ألم المكلوم أو صراخ المستغيث.

إن عبارة "تطور العقل البشري" التي وردت في رسالتك، هي عبارة فضفاضة وقول مرسل يطلق دائماً في غير محله، فالعقل البشري متطور بطبعه ومنذ نشأته، فهو كامل القدرة على إدراك المتناقضات والتمييز ما بين الخير والشر، والصالح والطالح، والجميل والقبيح، والحق والباطل. وقد فطره الله على ذلك فإن لم يكن العقل مؤهلاً لذلك بالفطرة لما حاسبه الله على إختياره إن خيراً فخير وإن شراً فشر، ولكن الذي يتحكم في العقل هي النفس البشرية التي تتراوح ما بين "النفس الأمارة" التي تأمر صاحبها بالسوء والفحشاء والمنكر، وما بين "النفس اللوامة" التي تلوم صاحبها وتراقب تصرفاته وتصد نزوعه إلى الشر لأنه قد أصلحها من قبل ولم يترك الشيطان يعبث بها ويتسلط عليها ويستعبدها. قال تعالى { (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا 7)، (فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا 8)، (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا 9)، (وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) }. إذن مخافة الله ورجائه وحبه تزكي النفس وتصلحها فيكون الشخص صالحاً بطبعه، وعدم مخافته يتلفها ويدسها ويفسدها فيصبح صاحبها فاسداً مفسداً شيطاناً بشرياً ضَارِياً مُضِرَّاً، ضَارَّاً لنفسه ولغيره وللكون كله.

أما القوانين البشرية الشرعية محكومة بالفطرة التي فطر الله الناس عليها وهي "حب الخير، وكراهية وإستهجان الشر". كما أن الضرورة تقتضي أن لا يتكر الشرير لإختياره الشر بل لا بد من رادع مادي مباشر يراه ويحسه ويخاف أن يطوله من العقوبات كالسجن والتغريم والقصاص بقتل القاتل أو حرمانه من الحرية الإجتماعية بسجنه لفترات طويلة قد تكون مؤبدة مدى الحياة. لكف يده الشريرة عن غيره من الناس والحيوانات والأشياء والبيئة "قهراً". هذه العقوبات الدنيوية تضبط الخلل الذي تسبب فيه هذا الشرير وتحد من شره، أما الجزاء يوم الجزاء الأوفى فهذا أمره محسوم وسيلاقي العقاب الذي يستحقه ومع ذلك لا يغلق الله أمامه باب التوبة ومراجعة النفس وإصلاحها وسلوك الطريق القويم، بل يفرح الله تعالى بعودته إلى الحق ويحفذه بأن يغفر لك كل الذنوب السابقة إن كانت توبته نصوحة صادقة. أما القوانين الوضعية التي يصوغها الإنسان من تلقاء نفسه فهي لا تخلوا من تحكم الهوى وترجيح مصالح فئة على أخرى، ومشاركة أصحاب السلطان والقوة في صياغتها دون السواد الأغظم من العامة المغلوبين على أمرهم، لذلك يتولى الله التشريع للناس بإعتبارهم متساوون في الحقوق والواجبات.

لا تظن أن الشر سينتهي من الدنيا إلى الأبد ما دام الإنسان قد خلقه الله مخيراً مختاراً، بأن هداه السبيل إما شاكراً بإختياره، وإما كفوراً بسعيه وإختياره، ولكن كلما زاد الوعي الإنساني بِسِرِّ الوجود وقوي إيمانه بالرب الموجود الرقيب العتيد، ووعي الناس إلى حتمية الحياة الآخرة الحقيقية الأبدية، وما ينتظرهم فيها من حساب وثواب وجنة ونار، وعملوا على الإستعداد لها وتحسين موقفهم فيها كلما قلت الشرور وصفت الحياة وسعد الناس، وبالمقابل، كلما كثرت المصائب وقل الإيمان وتحكمت الشهوات وكثرت الملذات والمفاسد (من خمور وفجور وإباحية وعلاقات خاطئة بين الناس، وكثرت الرشاوى والمحسوبية والإختلاسات، والنهب المسلح وغيره، وتجارة الأعضاء وغسيل الأموال القذرة وقويت وتشعبت منظمات المافيا الشريرة،،،)، كلما قل الأمن وشحت الراحة وكثر الظلم وعَمَّ الغَمُّ.
فشعور الإنسان بأنه مراقب من الله تعالى في كل تصرفاته هو بمثابة صمام الأمان الذي ينشده، ومصدر الطمأنينة له، ويعتبر المحرك الأساسي نحو الخير ونبذ الشر وبالتالي يعتبر الضامن الوحيد لحياة أكثر إيجابية وسعادة ويسر، لذا فالشرور التي أقلقتك وأقضت مضجعك من قتل وسرقة وفساد لم تكثر وتستشري إلا بسبب الغفلة عن رقابة الخالق لهم وعدم إكتراث الأشرار للوعيد الذي ينتظرهم لموت الحس لديهم.

فرقابة الله تعالى وتقديسه ليست أوهام الأسلاف وآبائهم وأجدادهم كما تقول، وليست هناك أي قدسية لأحد من البشر، فالقدسية هي لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد. فبعض الناس الواهمون هم الذين يعطون أنفسهم قدسية ما هم ببالغيها أبداً، وهناك الكثير من الجهلاء الذين يقدسون غيرهم من العباد من دون الله تعالى. ولكن هناك أنبياء الله ورسله من البشر المعصومون بعصمة الله لهم، هم الواجب تصديقهم وطاعتهم والإلتزام بتعليماتهم وتوجيهاتهم وتحذيراتهم ونصحهم ثم حبهم. بالإضافة إلى رسله من الملائكة. كما تجب على الناس طاعة الصالحين من أولي الأمر منهم، ما لم يأمروهم بما يخالف شرع الله تعالى الذي أرسله مع رسله الكرام. أما فيما عدا ذلك فلا سلطان لأحد على الآخر، فإن حدث يكون تسلطاً يمقته الله تعالى، ويفرض الجهاد على من تسبب فيه حتى يعود إلى الحق والعدل والإنصاف.

صحيح أصبح هناك الكثير من الأدعياء الجهلاء الذين نصَّبُوا أنفسهم علماء على الآخرين وهم أجهل الناس، مثل هؤلاء قد زوَّرُوا في أصول الدين فأسقطوا بعضه وحرَّفُوا بعضاً آخر، ثم أضافوا إليه ما ليس منه حتى بلغ بهؤلاء الشياطين أن عبدوا البشر وجعلوهم آلهة من دون الله تعالى أو جعلوهم شركاء له أو أنداداً أو أبناء وبنات، فضلوا وأضلوا وضلوا عن سواء السبيل. ولكن هناك الكثيرون من الأبرياء البسطاء من الأميين والجهلاء الذين أضلَّهُم هؤلاء الشياطين ليبسطوا سلطانهم عليهم ويستغلونهم ويستولوا على ما عندهم مقابل أوهام يخدعونهم بها ما أنزل الله بها من سلطان.

والغريب في الأمر أن أعمالهم الخبيثة تلك ينسبونها إلى الله تعالى فيفتنون بها الناس حتى يتوهموا أن هذه المظالم والشرور هي من عن الله وبأمره "تنزَّه الله وتعالى عن كل ذلك علواً كبيراً" فالله لا يأمر بالمنكر والبغي، ولكنه يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، فهو يأمر بكل خير وينهى عن كل شر. لذلك يرسل الأنبياء والمرسلين من عنده ويتولى تعليمهم وتربيتهم وتوجيههم حتى يكونوا مراجع للبشر يصححون عبرهم مسار حياتهم، فإذا أرسل الله تعالى مزيداً من الرسل للناس إعْلَمْ أنَّ الضرورة إقتضت ذلك بعد أن يكون الناس قد إبتعدوا عن المسار الصحيح وظهرت البدع والشطحات والتسلط من المُدَّعِيْنَ القُدْسِيَّةَ من الذين يُطلقُ عليهم "رجال الدين"، علماً بأن هذه العبارة مفتراة ولا أساس لها من الصحة، هي من بدع الشيطان الرجيم يوحيها إلى الأشرار من أتباعه، هناك العلماء الذين تفقهوا في الدين لمساعدة الناس في فهم الدين الصحيح وتحذيرهم من الوقوع في براثن إبليس المتربص بهم فيَضِلُّوا ويُضِلُّوا غيرهم إن كان بقصد أو بغير قصد فالنتيجة واحدة. فالذي يتمرد على الدين "القويم" أو يتمرد على "الخالق" سبحانه، إنما يتمرد على نفسه ويوبقها وقد يستغنى الله عنه ويتركه لشيطانه الذي عبده من دون الله تعالى. الذي يتمرد على طاعة الله أحمق أرعن، لأن معصيته لن تُنقص من ملك الله شيئاً، كما أن طاعته لن تزيد في ملك الله شيئاً، فالله لم يأمر الناس بطلاء السماء مثلاً أو صيانة النجوم وعدها وترتيبها، ولم يأمر أحداً بإطعام الهوام والعشرات وتهيئة السكن لها، ولم يأمره ببناء الجبال أو تحريكها من أماكنها، ولم يكلفه بإنزال المطر وإخراج الزرع من باطن الأرض؟ بل أمره بالمعروف والتعامل مع الخلق بالمعايير الخيرة التي يريد أن يعامله الناس بها، ونهاه عن المنكر وعدم التعامل مع الناس بالمعايير الشريرة التي لا يريدهم أن يعاملوه بها. وأن يؤمن بأنه ربه الذي خلقه والذي خلق كل شيء وإليه معاده وسيحاسبه على أعماله بما يستحقه، وهو لا يظلم الله الناس شيئا ولا يضيع أعمالهم.

إن الجنة والنار حق لا ريب فيه، ولو أن الجنة قد إنحصرت فقط في حياةٍ خالية من الشرور والمضايقات التي يفرضها الأشرار على الناس والمظالم والمخاوف لكفى أن تكون غاية يسعى إليها العقلاء، كما أن النار لو إنحصر شقاؤها في كل المصائب التي تصدر من الأشقياء من قتل ونهب وسرقة وترويع وظلم وقهر وفساد لكفى أن تكون مهرباً يتفادى الوقوع فيه من كان في قلبه عقلاً وفي رأسه دماغا سوياً. أما جنة الخلد فهي قد أعدها الله تعالى سلفاً "للمتقين", كما أن النار قد أعدها ويسعرها بإستمرار في إنتظار الضالين المضلين الظالمين.

تدبر معي هذا المثال وفكر فيه جيداً: هب أنك قد قضيت كل حياتك في عمل الإنجازات الكبيرة التي توفر للإنسانية قدراً أوفراً من الراحة والسعادة والخدمات دون أن تحصل من أحد على أجر مقابل تلك الإنجازات ولم تطلب أنت ذلك الأجر من تلقاء نفسك حتى إنقضى أجلك وخرجت من الحياة الدنيا، فهل أنت أحمق تضيع عمرك بدون مقابل مادي ولا معنوي أم أنك تتوخى الأجر الأوفر على هذه الأعمال الخيرة في حياة أخرى أبدية؟ بمعنى آخر، هل تفضل أن تنتهي حياتك في الدنيا وتصير تراباً مثلك مثل ذلك الذي قضى حياته في الملذات والتمتع بحقوق الغير بنهبها والتسلط عليهم ثم يصير إلى ما صرت أنت إليه تراباً، فلم يميزك عملك الصالح وإنجازاتك عنه، كما لم يضره عمله التعس الظالم لإنتهائه إلى نفس المحصلة التي إنتهيت أنت إليها. وتكونان معاً تماماً مثل الحيوانات والدواب والحشرات التي تنتهي تماماً بإنتهاء حياتها؟؟؟ إذن أليس الوعد بالجنة والحياة الأبدية حافزاً لك لمواصلة العمل وتقديم حياتك ومجهوداتك للناس وأنت راض وقانع كمستثمر لها ومضعف للأجر عليها؟؟ أليس الوعيد بالنار والعذاب السرمدي الأبدي رادعاً لذلك الذي أضاع حياته في العبث واللهو والمظالم وهناك خصوم كثيرون لهم حقوق عنده لم يستطيعوا أن يستردونها منه، وعجزت القوانين الوضعية من ملاحقته وإسترداد حقوقهم منه، ألم تفكر في حقوق هؤلاء المغبونين ومصيرهم ،،،؟

أنت لا تحتاج إلى الرجوع للتاريخ حتى ترى أو تبحث عن أسس العلاقة بين الإنسان وخالقه وخالق الكون. هذه مشكلة المشاكل بالنسبة للإنسان، فالعلاقة بينه وبين خالقه وخالق الكون أمام ناظريه و من حوله وفي داخله وهو يبحث عنها عبر التاريخ الذي لا يستطيع أحد أن يجزم بصحته ودقته، وحتى إن كان بأعلى درجات الدقة، إلا أنه سيرى فقط ما أراد المؤرخ إبرازه وهذا لا ينزهه عن الهوى الشخصي والقدرات الذاتية من علم وحكمة وصدق ،، الخ

يكفيك أن تنظر حولك أو تتفكر في نفسك، مثلاً، أنت تُلْقِي بالطعام والشراب داخل جوفك ولا تدري ما الذي سيحدث له ولك بعد ذلك، ولا تدري هل يحتوي ذلك الطعام على كل العناصر التي يحتاجها جسمك أم أن هناك عنصراً نادراً يحتاج منك أن تعرفه أولاً ثم توفره بعد ذلك، وحتى إن سلمنا جدلاً أن ذلك ممكناً "وهو من رابع المستحيلات"، فكيف ستعرف النوع والكمية التي تلزمك، وأيضاً الكيفية التي ستدخلها بها إلى بدنك إن كان إدخاله يحتاج إلى وسيلة أخرى غير البلع؟ إذن يكفيك أن تتناول ما تستسيغه نفسك وما تشتهيه من الأطعمة والأشربة، والله سيتولى كل شي عنك وسيكفي جسدك بكامل إحتياجاته من الأغذية والأملاح والفيتامينات والعناصر الأخرى الضرورية واللازمة، ثم يتولى إخراج الفضلات منه وإستقبال أنواع أخرى من الأطعمة والأشربة مرة ثانية وثالثة،،، الخ.

فإذا وُسِّعَتِ الدائرةُ قليلاً وفكرت في مكونات هذه الأطعمة والأشربة بشيء من التفصيل، فلنأخذ الخبز مثلاً، تجد أن دونه علماً كثيراً غائباً عنك ولا قبل لك من إدراكه أو تتبعه، فهو غيب بالنسبة لك كاملاً رغم أنه أساسي في مراحل تكوين طعامك الذي هو أقوم مقومات حياتك، فمثلاً،، من الذي زرع القمح الذي صنع منه؟ وأين زُرِعَ، ومتى وفي أيِّ بيئة أو بلد أو إقليم؟ ومن الذي حصده وكيف ومتى وبماذا؟ وكيف تمت تعبئته وكيف ومَنِ الذي صنع الجوالات التي عُبئ فيها، وما هي الأحداث التي لازمت كل هذه المراحل؟ وهل جُمع من حقل واحد أم من عدة حقول، وهل هو من بلد أو إقليم واحد أم من أكثر من حقل وإقليم؟ وأين وكيف ومتى تم طحنه وتعبئته وهل إختلط مع غيره أثناء الطحين أو في مرحلة التعبئة أو حتى في مرحلة العجن والخبز؟ وأين ومتى وكيف عجن وما نوع ودرجة صفاء الماء الذي عجن به ومن أين جِيئ بالملح والخميرة والوقود، وما درجة الحرارة التي خبز بها،،، الخ.

إذنْ من الذي سخر كل هذا العدد من الناس والخبرات والآلات والمواد فقط لتحصل أنت على رغيف خبر شهي وطازج مقابل دفع مبلغ زهيد لا يمكن أن يقارن مع كل ما ذكرناه بإيجاز كبير، وما خُفِيَ عنك كان أعظم. الأغرب من كل هذا وذاك هو (من الذي حفظ وسلم هذا الخبز من التلوث بالعناصر الضارة بجسمك أو السامة، عبر كل هذه المراحل الكثيرة والمعقدة، ومن الذي جعلك تتناوله مطمئناً دون خوف أو ريبة؟)، أليست هي رقابة الله تعالى وقيوميته ومعيته لك إينما كنت؟ وفكر في من يعيش حتى يبلغ أرزل العمر وهو يأكل من خشاش الأرض الذي يزخر بالجراثيم والمكونات الضارة المميتة ومع كل ذلك يصل إلى هذه السنون الطويلة صحيحاً معافىً.
فإذا أخذت في يدك حبة قمح أو بذرة فاكهة أو حشرة صغيرة وحاولت تتبع مسارها إلى أن وقعت في يدك أو أحاط بها بصرك لأضناك البحث وتسلسل الحقائق والمراحل التي تعتبر كلها غيب بالنسبة لك، وإذا فكرت في مآلها في المستقبل القريب والبعيد وإلى أي مصير سينتهي أمرها لأعياك التفكير والتخمين،، ولكنك بلا شك ستنتهي إلى حتمية وصدق قيومية الله وعلمه وتدبيره لملكه بذاته.

الله تعالى قد خلق هذا الكون بعلمه الذي لا ينتهي وكلماته التي لا تنفد، وقد نوع فيه بما لا يستطيع الإنسان إحصاءه، ثم خلق الأضْدَادَ كلها "الليل والنهار"، "الموت والحياة"، "الحلو والمر"، "الحار والبارد"، "الشدة واللين"، "الإيمان والكفر"، "الصدق والكذب"، "القوة والضعف"، "الأمانة والخيانة" "العالي والمنخفض"، "البر والفجور"، "الرحمة والقسوة"،،، الخ وهذه كلها قيم تثري الحياة وتوسع دائرة التفاعل بين الناس والأشياء، فلو لا مرارة القسوة لما تطلع الناس إلى الرحمة، ولو لا بشاعة الخيانة لما ظهرت قيمة الأمانة، وهكذا.

فالقوة والضعف هما ملكات لازمة للحياة وليست قوانين مفتعلة كما تقول، بل هي فطرة فطر الله تعالى الكائنات عليها، وكما أن القوة مطلوبة عند مقتضياتها التي لا ينفع فيها الضعف، فإن الضعف أيضا يكون مطلوباً عند مقتضياته التي لا تنفع فيه القوة. ولكن المشكلة هي تخبط الإنسان دون علم مما يجعله يضع القوة حيث الصعف ويضع الضعف حيث القوة فيختل الميزان وتضيع القيم ويشقى الإنسان بسبب سوء إستخدامه للقيم التي فطر الله الكون عليها.

لم يعط الله تعالى القوة لبعض البشر ليسيطر بها ويتحكم في البعض الآخر، ولكنه أعطاها لكل الناس وساواهم في حق إستخدامها، إلا أنه قد أعطى السلطان لمن "إختاره الناس أميراً عليهم وأجمعوا عليه ليخدم مصالحهم ويفصل بينهم في منازعاتهم وخصوماتهم"، فأيده الله وأعطاه قوة السلطان للحكم بين الناس بالعدل والقسط، وتحقيق العدل يقتضي القوة بدرجات متفاوتة حسب مقتضيات الموقف الذي يستدعيها، فالجبابرة المعتدون يلزم لردعهم قوة تفوق قوتهم لإيقاف ظلمهم وإعتداءاتهم بالقوة والقهر، فهذه القوة تعتبر رحمة بالناس لأنه بدونها يطغى عليهم الظلم والقهر والإعتداءات من الكفرة الفجرة.

عفواً يا أخي،، إنَّ كل ما جاء من حقائق عن الخلق كله في الكتب السماوية "غير المحرفة" هو واقع وليس أساطير. ولكن هناك من الذين عمدوا إلى تحريف الكتب السماوية السابقة لتتفق مع مصالحهم وتطلعاتهم للتسلط على الضعفاء والفقراء فأضافوا إليها ما ليس منها ولا فيها من أساطير وخرافات لم ينزل الله بها من سلطان لدرجة أنهم جعلوا لله أنداداً وشركاء وأبناء وبنات فأوقعوا الناس في التشكك حتى في آيات الله البينات التي تنبيء عن نفسها وتشهد بوحدة خالقها ومبدعها، وحتى في الرسل الكرام الذين يرسلهم الله رحمةً للعالمين. ولكن كثير من الناس يتبعون مَنْ ليس عنده ما يؤيد إدعاءه من برهان أو دليل.

إنَّ الحديث عن الخالق بمفهوم الخلق هذا هو الضلال المبين، والوهم والسفه بعينه. إذ كيف يمكن أن يُدْرَكَ الخَالقُ بوسائل إدراكٍ مخلوقةٍ؟ إن مجرد التفكير في ذات الله تعالى يعتبر قمة الكفر والفسوق والضلال. إنَّ مدارك الإنسان تعجز تماماً عن إدراك أشياء ومخلوقات كثيرة معه وبين يديه وتتوقف حياته عليها. فعلى سبيل المثال لا الحصر: هل تستطيع أن ترى الهواء؟ وهو أهم عنصر تتوقف عليه حياتك؟ هل تستطيع تذوقه أو شمه أو قبضه أو لمسه أو سماعه؟؟؟ هل يوماً رأيت الأكسجين الذي تتنفسه ولا تستطيع العيش بدونه لدقائق معدودة؟ وهل تستطيع رؤية روحك التي يدل وجودك حياً على وجودها؟ هل رأيتها حين دخلت في جرمك أول مرة وأنت في بطن أمك؟ وهل يمكن أن تراها أو تسمعها أو تذوقها أو تشتم رائحتها، بأي وسيلة من الوسائل؟؟؟ وهل رأيت الأحياء تموت أمام عينيك ولم تستطع رؤية أرواحهم تفارق أجسادهم؟ ومع ذلك هل تستطيع أن تُنْكِرَ وجود أي من هذه الأشياء وغيرها التي تتوقف عليها حياتك ومع ذلك تجهل كل شيء عنها؟ إذن من المسيطر عليها ومن الذي يديرها ويضبطها وأنت غافل عنها تماماً؟ وهل تسدد فاتورة كل هذه الخدمات، وهل توجد من مطالبات تصلك من الذي يوفرها لك أو يعدها عليك؟

وهل تصلك فواتير عن إستخدامك لضوء الشمس ودفأها، وسقيا المطر وماءها العذب، وهل تعرف شيئاً عن النجوم والكواكب والمجرات، وهل تعرف شيئاً عن السموات وما فيها وما بينها،،، الخ. وهل يتصور عاقل أن هناك لبديع السموات والأرض رغبات يريد أن يشبعها عبر البشر "كما تقول"؟ وهل الكون كله فيه شيء يفيد الله تعالى وهو الغني الحميد الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى؟
الله سبحانه وتعالى يعطي بغير حساب، بل ويشجع الناس على أن يسألوه ما يشاءون ويلحوا في السؤال وهو إسمه "الكريم، المجيب، الغني، الحميد، الرؤوف، الرحيم،،،". فهو يجازي كل من عمل خيراً للناس بأحسن ما كانوا يعملون ويضاعف لهم أضعافاً كثيرة ولا يبالي، ولكنه ينتقم ويجازي كل جبار ظالم للناس أو متسلطاً عليهم وبالتالي فإن عطاءه وجزاءه وعقابه كله خير للناس ورحمة لا هوى له فيها ولا مصلحة. فالله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون.

أما النصر فيكون دائماً لصالح المظلومين المقهورين فينتقم لهم من الظالمين والمعتدين والجبابرة المتجبرين على غيرهم من الضعفاء والمساكين ليصرف كيدهم وقهرهم عنهم، لذلك فرض الجهاد في سبيله ليعيد الأمن والطمأنينة للناس أجمعين بغض النظر عن أديانهم التي يحبها أو التي يكرهها.
إن الإنسان بل وكل المخلوقات لها آجال لن تتخطاها بأي حال من الأحوال مهما حرصت وكافحت، ولن تنفعها الأنانية ولا السعي للبقاء على الحياة أطول من الأجل الذي أجَّلَهُ الله تعالى لها "كل نفس ذائقة الموت", وإنَّ "لكل أجل كتاب"، فالإنسان أوجده الله تعالى بعلمه وإرادته دون أن يكون له في ذلك رأي ولا مشورة ولا دخل، وسيخرج من الحياة بأمر ربه في الوقت الذي يحدده الله تعالى وبالكيفية والمكان الذي يقدره الله تعالى دون علم الإنسان ولا إذنه أو موافقته أو مشورته أو إخطاره بالموعد.

كما ليس صحيحاً ما قلته عن الكفار والملحدين بأنهم لم يكفروا يوماً بالخالق، وأنهم دائماً يعرفون واجبهم تجاهه. ولكننا نقول لك:
فأما الكافر فهو ذلك الشخص الذي قد إعترف حقيقةً بوجود الخالق في الأساس ولكنه رفض طاعته وطاعة رسله والتزام شرعه وتوجيهاته، ولم ينسب إليهم أحد الكفر بل الله تعالى هو الذي سماهم بالكافرين وفقاً لإختيارهم لأنفسهم مقتضيات ذلك الكفر. وهذا الكافر إعتبره الله عدواً له وبالتالي ينبغي أن يكون عدواً للناس المعتدلين والمؤمنين أيضاً.
وأما الإلحاد فهو أبشع لأنه يوصف به الإنسان عندما ينكر وجود الله تعالى بالكامل، وهذا أيضاً من ألد أعداء لله تعالى وكلاهما قد أوقعا أنفسهما في شر أعمالهما والنار مثوىً لهم. إنَّ مَنْ كذَّبَ نبياً لله أو رسول فقد كذَّبَ بالله تعالى. نَعَمْ،، الأنبياء والرسل هم بشر، لا خلاف في ذلك، ولكنهم حقيقةً ليسوا مثلهم لأنَّ الله قد إصطفاهم وتولى بذاته تعليمهم وتأديبهم وإعدادهم لحمل الأمانة وتبليغ كلامه للناس الذين أمرهم أن يطيعوهم ولا يخالفوهم ويعملون بما يشيرون عليهم به وأكَّدَ على أنَّ كل من يخالفهم في شيء أمَرُوا به فقد خالف الله ذاته وعصاه، لذا فقد إعتبرهم الله كفاراً من الدرجة الأولى.

يا عزيزي أنور: إنَّ الشخص الذي يقتل الناس لِدِيْنِهِمْ لا يمكن أن يوصف بأنَّه مؤمن على الإطلاق، فالله تعالى - كما قلنا سابقاً - قد أعطى الإنسان كامل الحرية المطلقة في إختيار دينه الذي يرتضيه لنفسه ولذلك أرسل الله تعالى الرسل ليبينوا للناس ما يوصلهم للكفر وما يوصلهم للإيمان، ثم يبينوا لهم بوضوح ما هو جزاء الكفر والكفار وما هو جزاء الإيمان والمؤمنين، فيقول الله تعالى لهم (... من شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر...)، من هنا يتضح لك أن الذي يتدخل بين العبد وربه ويحاول أن يجبره على الإيمان يكون قد أغضب الله عليه لأنه نزع من الناس حَقُّ كفله الله لهم وخيرهم فيه فقط حرص على أن يختاروا لأنفسهم عن علم ورضى وقناعة، بعد أن يعرفوا تبعته ويرضوا بها. وكما قلنا في السابق إنَّ الأنبياء والرسل أنفسهم لم يأمرهم الله بقتل من إختار لنفسه الكفر أو الإلحاد ما لم يحارب المؤمنين ويحاول ضمهم إلى شركه وكفره بالقهر والقوة فهذا يقاتل حتى يعود إلى رشده ويترك الناس وشأنهم فإن لم يرتدع وأصبح يمثل خطراً على الآخرين حينئذ يقتل لشره وليس لدينه، إن عجزت الوسائل الأخرى دون القتل إيقاف شره وخطره.

يا أخي أنور نصر، الذي يعتنق الكفر أو الإلحاد هو في الواقع قد إقتنع به وإختاره، وبالتالي ليس هناك معنى للإدعاء بأنهه من الذين فقط يتساءلون في مصداقية بشر أو قصصهم وعلاقتهم مع الخالق، وهذا الحديث إنما هو معلوم ومتوقع من مثل هؤلاء الواقعين في تلبيس إبليس اللعين، فقد جرَّهُم إلى داره وأغلق دونهم الباب ثم أوهمهم بأنهم في حالة تفكير وتساؤل عن مصداقية أو غير ذلك. إنه الضياع بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، وبالتالي فإن كل تساؤلاتهم لن تخرجهم من الوهدة التي وقعوا فيها إلَّا إن فكروا تفكيراً إيجابياً وصادقاً في البحث عن الحق باللجوء إلى الله تعالى كما فعلت أنت الآن برسائلك التي سميتها "رسالة إلى الخالق". وقد رأيت من خلال ما جادت به نفسك وعبر به قلمك أنك لربما تكون صادقاً في سعيك إلى الخالق، فرأيت أنني لن أستطيع أن أتجاوزك لأن الله تعالى قد لا يغفر لي ذلك فقمت بالرد عليك لعلي أكون قد أبنت إليك بعض الحقائق التي قد يكون عندك فيها غبش أو تشكك. فأقول لك مرة أخرى لا تخدع نفسك فالكفر والإلحاد هما حفرة إبليس العين، حاول الخروج منها بالثقة في الأنبياء والرسل الذين أيدهم الله تعالى بالمعجزات التي لن يستطيع غيرهم الإتيان بمثلها، ولكن تفادى "التحريف" والمحرفين الضالين المضلين وهم كثيرون.

لا يا عزيزي لم يخلق الله البشر على صورته كما يدعي المبطلون "المحرفون"، ولم يقل أي من الأنبياء ذلك الكذب على الله تعالى. فالذي يدعي هذه الفرية عليك بأن تطالبه بالدليل من كتابه أن الله تعالى قال مثل هذه السخافة لأي مخلوق، فإن جاءك به فإعلم أنه من صنع البشر وليس له أي اساس من الصحة. هذه إفتراءات الذين إدعوا أب بعض البشر أبناء الله، فهذه الفرية إبتدعوها حتى يوهموا الناس بصحة شركهم. فالله تعالى ليس مادة والخلق كله مادة، والله تعالى لا يمكن أن يتصور أحد ذاته الكريمة سبحانه، فكل ما يطرأ من تصور في خيال بشر ليس بالطبع فيه شيء من ذات الله تعالى. أما سؤالك عن القتل، فإن أبغض شيء إلى الله تعالى هو القتل، يقول الرسول الكريم (من قتل نفساً بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعا). ويقول الله تعالى واصفاً المؤمنين بقوله في سورة الرحمن (وَعِبَادُ الرَّحْمَٰ-;---;--نِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا...) دون تكبر ولا تجبر، (... وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ٦-;---;--٣-;---;--)، ولم يردوا عليهم إساءتهم بمثلها، بل يردوا على المعتدي عليهم بكلام يحقق السلام بدلاً من التباغض: (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا ٦-;---;--٤-;---;--)، لا يشغلهم شيء سوى عبادة ربهم بالسجود والقيام: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا ٦-;---;--٥-;---;--)، وهذا ضمان كافٍ على أنهم لن يفعلوا ما يغضب الله عليهم من المظالم والإعتداءات على الناس: (إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا ٦-;---;--٦-;---;--)، لأنها مقام الظالمين المعتدين الكافرين الملحدين: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰ-;---;--لِكَ قَوَامًا ٦-;---;--٧-;---;--)، وهذا دليل على أنهم إقتصاديون من الدرجة الأولى رغم أنهم غير بخلاء يكدسون الأموال ولا ينفقونها على المحتاجين: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰ-;---;--هًا آخَرَ ...)، لأن إلاههم هو "الخالق" وحده لا شريك له، وما دونه إفتراء وكذب لا أصل له ولا برهان، (... وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ ...)، وهي النفس البشرية عموماً بغض النظر عن دينها وإنتمائها، (... إِلَّا بِالْحَقِّ ...)، لأن القاتل يجب قتله وهذا هو الحق، فهو الذي قتل نفسه بقتله غيره ولم يتجنى عليه أحد بل أخذ الحق منه، (... وَلَا يَزْنُونَ ...), لأنهم عفيفون طاهرون أمينون على أعراض الناس، (... وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰ-;---;--لِكَ يَلْقَ أَثَامًا ٦-;---;--٨-;---;--)، لأنه تعدى على حقوق الناس وأرواحهم وأعراضهم، لذا سيكون عقابه في الآخرة أنه: (يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ٦-;---;--٩-;---;--)، ومع ذلك فرحمة الله تعالى لم توصد دونه باب التوبة، بل لا تزال أمامه فرصة العودة إلى طريق الحق بالتوبة والندم وعدم الرجوع إلى مثل هذه الأعمال الشيطانية الفاسدة المفسدة، (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُلَٰ-;---;--ئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ٧-;---;--٠-;---;--).

ليس هذا كل شيء فيما يتعلق بالقتل والظلم والإعتداءات، بل هناك المزيد، مثلاً:
قال الله تعالى في سورة النساء (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا 93).

وقال في سورة المائدة: (مِنْ أَجْلِ ذَٰ-;---;--لِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ-;---;-- بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰ-;---;--لِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ 32).

ثم قال في سورة الإسراء: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا 33).

وقال في سورة النساء: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا 29)، (وَمَن يَفْعَلْ ذَٰ-;---;--لِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَٰ-;---;--لِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا 30)، (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا 31).

وقال في سورة الممتحنة: (عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ 7)، (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ 8)، (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ-;---;-- إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰ-;---;--ئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ 9). إذن، أين القتل الذي أمر الله تعالى به؟

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَزَوَالُ الدُّنْيَا جَمِيْعَاً أهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ دَمٍ سُفِكَ بِغَيْرِ حَقٍّ)،
وعن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يَخْرُجُ عنقٌ مِنْ النَّارِ يَتَكَلَّمُ يَقُولُ وُكِّلْتُ الْيَوْمَ بِثَلَاثَةٍ، بِكُلِّ جَبَّارٍ, وَبِمَنْ جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ, وَبِمَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ فَيَنْطَوِيَ عَلَيْهِمْ فَيَقْذِفُهُمْ فِي غَمَرَاتِ جَهَنَّمَ).

وعن عبد الله ابن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قَتَلَ مُعَاهَدَاً لم يَرَح رائحة الجَنَّةِ) وبلفظ آخر قال: ( مَنْ قَتَلَ رَجُلَاً مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَمْ يَجِدْ رِيحَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ سَبْعِينَ عَامًا)، وقال: (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهِدَةً بِغَيْرِ حِلِّهَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ أَنْ يَشُمَّ رِيحَهَا).

حقيقة الإقتتال والقتل بين أتباع الأديان السماوية:
واضح مما سبق أن الله تعالى يمقت الظلم والإعتداء والكبر والتعالي على الآخرين، والسرقة والغش والتباغض والتحاسد والتدابر، وأكره ما يكرهه هو القتل. هذه حقيقة ثابتة بالأدلة الدامغة والبراهين وبالنصوص. فما هو إذن موقف أنبيائه من هذه المفاسد كلها وعلى رأسها القتل؟؟؟

المشاكل الدينية التي تراها بين الطوائف الدينة المتناحرة الإسلام بريء منها براءة الذئب من دم بن يعقوب، وإنما هي مفروضة عليه من كل هؤلاء المحبطين الذي شوهوا دين الله تعالى بأهوائهم وشرورهم وجهلهم. المسلمون مفروض عليهم هذا القتال والعدوان من الآخرين الذين أدخلوا أهواءهم في الدين فيحاربون الحق ليظهروا عليه الباطل حسداً من عند أنفسهم وعدواناً لا مبرر له على الإطلاق. فلا يجد المسلمون بداً من أن يدافعوا عن دينهم المستهدف وعن أنفسهم لأنهم يعتبروا لدى أعداء الإسلام هم العقبة التي تقف أمامهم وتصدهم عن هدم هذا الدين الذي يعلمون صدق ما جاء فيه وأنه كشف ما عكف أسلافهم على إخفائه آلاف السنين فجاء الإسلام ليظهر تلك الحقائق التي أخفوها وقد أقام الأدلة والبراهين على صدقها. فالإسلام ليس له غاية ولا مصلحة في أن يغير دين أحد، فلو كان ذلك هدفه لحارب المجوس وعبدة البقر والحجز والبشر، ولكنه يحمل مسئولية تذكير الناس ونصحهم ثم تركهم ليختاروا ما يريدون لأنفسهم دون إكراه أو مضايقات أو عداوات. وفيما يلي ستعرف إن كان ما قلناه حق أم إدعاء.

فالإسلام يُمَجِّدُ كل الأنبياء والرسل من لدن آدم وحتى عيسى عليهم السلام جميعاً. بل وقد خصص لعدد منهم سوراً في القرآن بأسمائهم وأشاد بمواقفهم وذكر فضلهم ومكانتهم عند الله تعالى وإعترف لهم بالنبوة والرسالة. أما اليهود ذكروا الكثير من هؤلاء الأنبياء بالسوء وبما لا يليق بهم فخاضوا في مَنْ خاضوا، وقتلوا منهم من قتلوا، حتى عيسى عليه السلام كادوا أن يقتلوه ولكن الله تعالى رفعه منهم ونجاه من مكايدهم، ولكن يحيى عليه السلام لم ينج بل قطعت رأسه، وأبوه زكريا لم يرحموا وهنه وشيبه فنشروه بالمنشار، وأما مريم العذراء البتول الصديقة لم تسلم منهم فخاضوا في عفتها وشرفها وإتهموا عيسى مرة بأنه إبن الجندي الروماني بنبديرا ومرة أخرى بأنه إبن غير شرعي لحبيب النجار، بل ولم يعترفوا به على أنه المسيح.

ولكن جاء القرآن الكريم وتصدى لهم في ذلك وأقام الحجج والبراهين على كرم مقام عيسى عليه السلام وعلو مكانته "عبداً ورسولاً من عند الله" خالقه وخالق كل شئ، فحقدوا على الإسلام والمسلمين والقرآن الذي كشف سترهم وتصدى لإفترائهم، بل وجاء بأكبر سور القرآن تأييداً لعيسى وأمه مريم وأسهب في إكرامهما لكرمهما ومقامهما عند الله وعند المسلمين لم يكتفِ فقط بسورتي آل عمران التي بلغت آياتها مائتي آية، وسورة مريم التي بلغت عدد آياتها 98 آية، بل جاء ذكرهما في سور أخرى أيضاً.

ثانياً: لم ينكر الإسلام أديانهم أو أنبياءهم، بل على العكس من ذلك فقد إعترف بأن التورات والإنجيل كتابين كريمين مقدسين من عند الله الواحد الأحد خالق كل شيء. وقد زخر القرآن الكريم بعاطر سيرهم وكريم خصالهم وصدق دعواهم وسمو قدرهم، بل وربط إيمان المسلم بالإيمان بهم وبرسالاتهم وكتبهم وأنبيائهم ورسلهم. إذن،، ليس هناك أي مبرر للعدوان الذي يكنه هؤلاء على الإسلام أو على المسلمين.

بالمقابل: لم يعترف هؤلاء اليهود ولا النصارى بنبي الإسلام ولا حتى بالإسلام نفسه ولا بكتابه الكريم، ليس ذلك فحسب بل ناصبوه العداء وسعوا إلى التخلص منه عدة مرات، وكذبوه وخاضوا في دينه مع أنهم يعرفون أنه النبي المنتظر، بكل صفاته ونسبه وزمان ظهوره، وعلامات نبوته ورسالته، ومع ذلك قاموا بهذا العدوان الشرس إرضاءاً لأهوائهم وهم يعلمون أنه الحق من ربهم، كما حاربوا القرآن رغم أنه مصدقٌ لما بين يديه من التوراة والإنجيل ولكنهم لم يتركوا وسيلة للقضاء عليه وعلى المسلمين إلا وفعلوها ولا يزالون كذلك، ويحاولون البحث والتنقيب بكل وسيلة لعلهم يجدون ثغرة ينفذون منها لتكذيبه ولكن الله يحول سعيهم إلى مزيد من التأييد. وأود أن ألفت نظرك إلى أنه لا يوجد مسلم على الإطلاق ذكر أي من الأنبياء السابقين بسوء، ولم ولن يجرؤ أحد يدعي أنه مسلم على سب أحد الأنبياء أو حتى سب الأصنام والطواغيت، لا بد أنك تعرف كما يعرف الجميع هذه الحقيقة، لأن الإسلام يمنع ذلك منعاً باتاً مغلظاً.

دعنا نلقي نظرة على أدلة ما قلنا من القرآن مباشرةً، قبل أن نواصل تحليل أصل المشكلة التي أقلقتك وتقلب كل فرد لمعرفة سبب أو أسباب العداءات والأحقاد ومعرفة من مسببها ومن الذي يقف وراءها، وما هو الهدف الإستراتيجي منها في الأساس. فلنبدأ من القرآن الكريم لنرى ماذا قال في الأنبياء والرسل وما هو موقفه من القتل والقتلة.

الأنبياء الذين سبقوا أنبياء الأديان السماوية الثلاثة:
أولاً: آدم عليه السلام (أبو البشر)، لماذا خلقه الله تعالى وجعله خليفة لمن سبقه؟
رداً على هذا السؤال يقول تعالى في سورة البقرة: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ...)، للمخلوق السابق، الذي فسد وسفك الدماء ففشل في الإبتلاء: (... قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ...), كما فعل سلفه من قبل، (... وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ...) فنحن أصلح لها وأكثر طاعةً وإلتزاماً بأوامرك ونواهيك، (... قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ 30). فما دام المخلوق مخيراً، فمن البديهي أن يختار الشر كما يختار الخير وذلك وفق ما تمليه عليه نفسه.

إن َّأول مسيرة للإنسان مع الشر والحسد والقتل قد صورها الله تعالى في سورة المائدة بقوله: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا ...), لله تعالى، (... فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا ...)، لأنه كان صادقاً في سعيه لإرضاء الله تعالى، (... وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ ...), الذي لم يكن صادقاً فرد الله تعالى عليه قربانه لسوء إختياره لها،، فتحرك الحقد والحسد في نفسه الشريرة فلم يجد بداً من أن يعتدي على أخيه ويتحرش به ليجد المبرر للتخلص منه، (... قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ...)، ولكن إخيه الصالح قابل التهديد والوعيد بالنصح والتذكير بمخافة الله تعالى، (... قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ 27)، إذن عليه أن يتقي الله لعله يقبل قربانه في مرة قادمة، ولكن النفس الخبيثة تتغذى على الشر، فقال له (لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ...), ليس ضعفاً أو جبناً ولكن كراهة الباطل حتى لو كان الثمن الحياة نفسها، لذا قال له: ( ... إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ 28)، وطمئنه أنه لن يجد منه مقاومة أو مبادرة بالتخلص منه قبل أن يصل إليه، فقال له: (إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَٰ-;---;--لِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ 29)، ولكن الشر قد أعماه، وتولى أمره إبليس وحرك كوامن نفسه الخبيثة التي إنعدم منها الخير، (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ 30)، ولكن لفساده وقلة عقله وضلاله عجز حتى عن إيجاد وسيلة يدفن بها جثة أخيه المقتول بغير ذنب، فكان لا بد من إكرام هذا العبد الصالح الشهيد بدفنه حتى لا يترك أمره لهذا السفيه الظالم الشقي (فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰ-;---;--ذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ 31)، هكذا يكون حال الظالمين دائماً وهو الندم حيث لا ينفهم ولا يخرجهم من المصير الذي أوقعوا أنفسهم فيه. إذن من قال أن الله تعالى قد أمر البعض بقتل بعضهم بعضاً يكون ظالماً لنفسه وجاهلاً بقدر ربه ورحمته وعدله.

وعن هذه الحادثة المحزنة قال تعالى: (مِنْ أَجْلِ ذَٰ-;---;--لِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ-;---;-- بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ...)، أي نفس، بغض النظر عن إيمانها أو كفرها أو إلحادها، (... وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ...), وقد ذكرهم بالبيات التي أرسلها لهم مع الرسل ولم يعملوا بها، فقال لهم (... وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰ-;---;--لِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ 32).

ثانياً: النبي إدريس (أخنوج): عليه السلام ذكر في القرآن الكريم مرتين، أولاً في سورة مريم، في قوله تعالى (وَٱ-;---;--ذْكُرْ فِى ٱ-;---;--لْكِتَٰ-;---;--بِ إِدْرِيسَ إِنَّهُۥ-;---;-- كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا 56) (وَرَفَعْنَٰ-;---;--هُ مَكَانًا عَلِيًّا 57), وثانياً في سورة الأنبياء في قوله تعالى (وَإِسْمَٰ-;---;--عِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا ٱ-;---;--لْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ ٱ-;---;--لصَّٰ-;---;--ابِرِينَ 85)،
ثالثاً: نوح عليه السلام: نبي الله وأول رسله، فقد ذكرت قصة نوح عليه الصلاة والسلام وقومه في عدة سور، وهي الأعراف ويونس وهود والمؤمنون والعنكبوت والشعراء والصافات والقمر والحديد والتحريم ونوح.

فالآن، أنظر مسيرة الأنبياء والمرسلين من خلال سورة الأعراف (من الآية 59 وحتى الآية 180)، لتعرف من المُعْتَدِيَ دائماً ومَنِ المُعْتَدَىْ عليه منذ بداية الخلق وإلى أن تقوم الساعة. ولكن، قبل أن ندخل في الموضوع أود هنا أن ألفت نظرك إلى الأسلوب المهذب الرحيم الشفوق الذي يخاطب به الأنبياء والرسل الناس في دعوتهم لهم إلى الخير وتحذيرهم من الشر الذي هم فيه.
أولاً: يقول تعالى (لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ-;---;-- قَوْمِهِ ...)، ولم يأتهم من تلقاء نفسه بل مكلف من ربه وربهم. (... فَقَالَ يَا قَوْمِ ...)، إمعاناً في الخطاب المهذب الرقيق، (... اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰ-;---;--هٍ غَيْرُهُ ...)، ولم يقل لهم أعبدوني أو يخاطبهم بصيغة الأمر الفوقي المتعالي، (... إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ 59)، هذه أولى عبارات الدعوة، أنه يخاف عليهم من العذاب، فماذا كان الرد منهم عليه؟ هل كان بنفس الروح؟ لا، بل كان جافاً جافياً غليظاً متغطرساً: (قَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ 60)، هل أغضبه هذا الرد الجاف فرد عليهم بمثله؟؟ لا والله بل إستمر في وداعته مركزاً في المهمة الأساسية التي إرسل من أجلها، لذا: (قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ وَلَٰ-;---;--كِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ 61)، لم آتيكم متسلطاً من تلقاء ربي بل جئت: (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ 62)، فقد جاءني الوحي من عند الله بآياته البينات التي لا علم لكم بها، وما الغرابة في ذلك؟ (أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ-;---;-- رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ 63)؟ ما وجه الغرابة والعجب في ذلك؟؟ وعلى الرغم من هذا العرض الراقي المهذب المقنع والمؤيد بالأدلة والبراهين إلَّا أنه لم يجد معهم شيئاً: (فَكَذَّبُوهُ ...)، فهل حاربهم أو قاتلهم أو أجبرهم على الإيمان قهراً بقوة السلاح، أو حتى بإسلوب الصراخ والتهديد؟؟ لا والله لم يحدث شيء من هذا القبيل، بل تولى الله الرد عليهم وقام بنفسه بعقابهم، حيث قال: (... فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ...), لماذا هذا العقاب الإستئصالي؟ الجواب لأنه قد فقد الأمل في إصلاحهم وتغيير مسارهم إلى طريق الحق والخير وصرفهم عن الظلم والقهر والفساد الذي كانوا فيه، (... إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ 64). وهكذا إنتهت مسيرة أول الرسل لبني آدم بأن أهلك الله الظالمين وأبقى على الصالحين ليكون منهم مجتمعاً جديداً ينشأ على الخير وكراهة الشر، فكان الذين نجو قلة قليلة.

ثانياً: الذين نجوا من قوم نوح في السفينة قد تناسلوا وتكاثروا، ولكن بدأت تظهر عليهم المعاصي والآثام، فأرسل الله تعالى إليهم نبيه هود عليه السلام، فقال مخاطباً قومه بنفس اللين والتهذيب والدعة والرأفة بقومه وخوفه عليهم من العذاب، قال الله في ذلك: (وَإِلَىٰ-;---;-- عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰ-;---;--هٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ 65)، ومع كل ذلك التهذيب والحنو لم يلق من المتكبرين من قومه والمتجبرين سوى الصلف وسوء الأدب وغلظة الرد التي يمتاز بها الكافرون دائماً، (قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ ...)، فإتهموه في شخصه أولاً، ثم في صدقه وأمانته، فقالوا (... وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ 66)، أيضاً كما هو دائماً سمة أنبياء وأصفياء ورسل الله تعالى، لا يغضبون فيفقدون حلمهم وإتزانهم، بل يركزون في مهمتهم ولا يبالون بفظاظة الرد وخشونة المعاملة، لذا رد عليهم هود ( قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَٰ-;---;--كِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ 67)، لي مهمة محددة لا أزيد عليها ولا أنقص منها شيئاً، فدوري: (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ 68)، فإستنكر عليهم عجبهم من أن يرسل الله لهم رسولاً بشراً منهم، قال: (أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ-;---;-- رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ ...)؟ فذكرهم بما حدث لمن كان قبلهم من قوم نوح لعلهم يرتدعون، قال لهم (... وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ ...)، ولم يغرقكم معهم، بل أكثر من ذلك ميزكم (... وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً ...)، فكانت أجسادكم ضخمة وقوية، كل ذلك أفضال ونعم من الله عليكم (... فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ 69)، ولكن الكفر حين يسيطر على القلوب والعقول يصمها ويغلقها فلا سمع معه ولا بصر ولا فؤاد، ومن ثم: (قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ...)؟ لا لن نفعل ذلك أبداً، (... فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ 70). فهل حمل عليهم السلاح أو حشد لهم الجيوش وأجبرهم على الإيمان قهراً؟ بالطبع لا وألف لا، لم يبعث الله الرسل لمثل هذه الأعمال، وإنما يبعثهم مبشرين ومنذرين لألا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، أما العقاب فالله تعالى بذاته يتولى أمره، فهو لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، فكانت آخر مهمته تبليغهم بما سيحل بهم جراء سفههم وكفرهم وتكذيبهم له: (قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ ...), وإنتهى أمركم، أمن أجل أصنام وأسماء تزهدون في إلهكم الذي خلقكم؟ (... أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ 71)، فجاءهم العذاب الذي حذرهم منه، بعد أن نجاه هو والذين آمنوا معه، قال: (فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا ...), فلم يصبهم ما أصاب قومهم (... وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ 72). نفس السيناريوا ونفس النتيجة، نجاة للقلة المؤمنة وهلاك البقية الظالمة الضالة، ونمو وتكاثر من جديد لمرحلة جديدة ومحطة أخرى للإنسان المخير، فيسئ الإختيار في الغالب، وينتصر الشيطان عليه فيضمه إلى ملته وقومه.

الآن دخلت البشرية في منعطف جديد، إيمان يتراجع شيئاً فشيئاً، ثم ما يلبث أن ينزوي ويضمحل وتخمد جزوته فيحل محله الران على القلوب وتنغمس الأبدان والجوارح في الملزات والشهوات، والجنوح إلى الكبر والتطاول والإستعباد والظلم،،، ثم تنشأ الضرورة الملحة إلى تدخل السماء لإيقاف ذلك التدهور والفساد ورفع المظالم عن الضعفاء والمقهورين،، فيرسل الله الأنبياء والرسل لينذروا الناس ويبشروه وقد أرسل هذه المرة نبي الله صالح إلى قومه ثمود، قال تعالى: (وَإِلَىٰ-;---;-- ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰ-;---;--هٍ غَيْرُهُ ...)، نفس الدعوة وبنفس الروح والسلوك الهاديء الرصين، وقد آتاه الله برهاناً على صدقه آية عظيمة، قال: (... قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَٰ-;---;--ذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً ...), المطلوب منكم أن لا تضايقوها بل (... فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ ...)، سيجر عليكم المصائب والمخازي والويلات (... فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ 73)، وأيضاً قام بتذكيرهم بما حدث لقوم عاد الذي خلفوهم، وكيف كانت عاقبة عنادهم وكفرهم، قال: (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ عَادٍ ...)، ليس ذلك فحسب، بل تفضَّلَ عليكم (... وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا ...), كل هذا الفضل وتلك النعم التي كان الأجدر بكم أن تشكروا الله عليها، (... فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ 74)، أيضاً كالعادة تصدى له المتكبرون المتجبرون بالتكذيب والمناهضة، فكان خطابهم هذه المرة للمستضعفين من الذين آمنوا لصالح إستفذاذاً وسخريةً: (قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ ...)؟ فرد عليهم هؤلاء المستضعفين المؤمنين، (... قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ 75)، ولكن الملاء الذين استكبروا كان ردهم ساخراً مستهذئاً كالعادة، (قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنتُم بِهِ كَافِرُونَ 76)، ثم أكدوا كفرهم هذا عملياً: (فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ ...), كفراً وتحدياً وظلماً لأنفسهم، (... وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ 77)،، فهل جيش نبي الله صالح عليهم الجيوش وقاتلهم وأجبرهم على الإيمان بالقوة؟؟ هل سبهم أو لعنهم أو تشاجر معهم أو صرخ في وجههم؟؟؟ كلَّا، لم يحدث شيء من هذا ولا ذلك، لأنَّ الذي يحاسب الناس على إيمانهم أو كفرهم هو الله وحده ولم يترك ذلك أو يسمح به لأحد غيره، لذا تولى الله الرد عليهم ومحاسبتهم، (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ 78)، ولم يكن من صالح إلا أن تركهم يواجهون مصيرهم، مذكرهم بأنه قد فعل ما أمره الله به فنصحهم وأنذرهم فلم يستمعوا لنصحه وظنوا أن الله تعالى سيتركهم لظلمهم وإعتداءاتهم وإستعبادهم وترويعهم للناس دون حساب (فَتَوَلَّىٰ-;---;-- عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَٰ-;---;--كِن لَّا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ 79).

والآن إلى منعطف جديد أبشع وأسواء، وقد تطور هذه المرة وأخذ شكلاً قبيعاً مذرياً مقذذاً، فإنتشرت الفاحشة التي لم يسبقهم عليها أحد من أسلافهم، فصار الرجال يأتون بعضهم بعضاً "شهوةً" وليس لهم رغبة في النساء، كما هو حادث الآن بصورة أبشع بين رجال الأمم التي تدعي الحضارة والرقي وهي أضل من الأنعام والبهائم والحيوانات التي لا يأتي ذكورها بعضهم بعضاً ولا إناثها سحاقاً كما يفعل هؤلاء المنبوذين المتخلفين، فأرسل الله لهم نبيه لوطاً محذراً ومنذراً بأن الذي يفعلونه إنما تكاد السموات تتشقق من بشاعته وقذارته وظلمة وسواد نفقه قال تعالى في ذلك: (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ 80)، أيضاً بنفس أخلاق وثبات أنبياء الله ورسله، فقال مستغرباً مستنكراً: (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ ...), هذا عمل خبيث لئيم كريه، (... بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ 81)، على أنفسكم فاسدون مفسدون، ولكن الشر قد أتلف وجدانهم والشهوة الحرام سلبت عقولهم وأغلقت مداركهم، فلم يطيقوا مجرد تذكيرهم أو إنتقادهم فيما يعملونه من فحشاء: (وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ ...), والسبب في إخراجهم والخلص منهم حددوه بقولهم (... إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ 82)، فالطهارة مكروهة عندهم، تماماً مثل أقرانهم في العالم المدعي الحضارة والرقي من المثليين والزناة والسحاقيات، فهم يكرهون كل ما هو طاهر أو عفيف، فكلما كثرت القاذورات والنجاسة كلما كانت متعتهم أكبر. إذن محاولة إصلاح هؤلاء الفاسدين المفسدين باتت مستحيلة، وإنتهت بذلك مهمة نبي الله لوطاً إلى هذا الحد وتولى الله أمر هؤلاء المفسدين بنفسه بعد أن نجى نبيه وأهله ما عدا إمرأته التي خانته بعدم إتباعه والإيمان به وتصديقه، قال: (فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ 83)، فكيف كان عقاب الله الذي يناسب بشاعة عملهم وفحشهم؟ قال فذ ذلك: (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ 84). فهل حاربهم نبي الله لوطاً أو جيش لهم الجشوش وأجبرهم على الإيمان بالله وترك ما هم عليه؟ هل قام بإعتقال بعضهم وأقام عليهم الحد وحكم عليهم بالإعدام أو السجن المؤبد أو حتى بالجلد؟ هل قام بسبهم والصراخ في وجوههم؟؟؟ بالطبع لا هذا ولا ذاك ولا تلك،، لأن مهمة الأنبياء والرسل هي مساعدة الناس للخروج من الخطر الذي سيحل بهم من عقاب الله لهم،، إذن الأنبياء والمرسلين هم فقط (مبشرين ومنذرين) ليس غير.

ثم،، إلى منعطف جديد للبشرية، حيث الغفلة التي تقود إلى التبلد وضياع الفكر والعزم والإنغماس في الملذات والمظالم ونسيان الفضيلة والعدل والرحمة بينهم بل والزهد فيها، فكما تطور الفساد عند قوم لوط بتفردهم في إبتداع وشيوع الفاحشة واللواط بينهم، أيضاً تفرد آل مدين وتفردوا في خصلة بشعة أيضاً من خصل الشيطان، وهي التطفيف في الكيل والميزان، فكانوا بطففون في الكيل والميزان لأنفسهم، وبالمقابل يخسرون الميزان عندما يزنوا للآخرين، وهذا غاية الظلم الذي لا يمكن أن يسكت عنه الله تعالى ولا يسمح به، فقد حَرَّمَ الظُّلمَ على نفسهِ وجعله بين الناس حَرَامَاً، لذا أرسل نبيه شعيباً إليهم، قال الله في ذلك: (وَإِلَىٰ-;---;-- مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰ-;---;--هٍ غَيْرُهُ ...), لأنهم كانوا يعبدون غيره، (... قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ ...), تبين لكم الحق والباطل، فالمطلوب هو توحيد الله تعالى وترك عبادة غيره، ثم إقامة العدل بينكم وتتقوا الله في الناس وتوفوهم حقوقهم كاملة ولا تنقصوا منها شيئاً كما إعتدتم على ذلك، (... فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ ...)، كما عليكم إيقاف كل نشاطاتهم الفاسدة المفسدة التي جعلتم الحياة في الأرض معها مستحيلة، (... وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَٰ-;---;--لِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ 85)، وأوقفوا مساعيكم لإفساد عقائد الناس وصدهم عن الحق والإيمان، (وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا ...), فالله تعالى يستحق منكم الشكر على ما تفضل به عليكم من نعم لا حصر لها، (... وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ ...), ومن ناحية أخرى، إتقوا غضبه وعقابه وإنتقامه، وتذكروا كيف فعل بالمكذبين قبلكم "عاد، وثمود، وقوم لوط"، (... وَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ 85)، فليس هناك ما يمنع أن يحل بكم ما حل بهم، فقال لهم شعيب، (وَإِن كَانَ طَائِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَّمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّىٰ-;---;-- يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ 87)، ولكن الطغاة البغاة المستكبرين دائماً حاضرون للعناد والكفر والتكذيب لأن رسالات الرسل تأتي دائماً لكف أيديهم عن الناس، فيحاربون الأنبياء والرسل لحماية مصالحهم والإبقاء على سلطانهم وسطوتهم وتجبرهم على الضعفاء، (قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ ...), مهددين له ومتوعدين بطرده من بلده إن تعرض لسلطانهم وهدد مصالحهم، فقالوا له: (... لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ...), فلا خيار ثالث أمامكم، فنحن عندنا القوة والسطوة التي ليست عندكم (... قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ 88)؟ تريدون أن تعيدونا في ملكتم بالقوة والزجر غصباً عنا، فإن أطعناكم وعدنا في ملتكم الفاسدة المفسدة، إذَنْ: (قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا ...), من المستحيل أن نعود في ملكتم الفاسدة، (... وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ...), نحن ليس لنا قوة نصدكم بها عنا، ولكننا (... عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا ...), وسنتوجه له بالدعاء أن يحمينا وينجينا منكم ومن شركم فنقول: (... رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ 89)، ولإصرار الذين آمنوا مع شعيب على الحفاظ بإيمانهم مهما كان الثمن، أراد هؤلاء الشياطين محاولة إغرائهم أو تشكيكهم حيث لم ينفع التهديد معهم: (وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَّخَاسِرُونَ 90).

فماذا فعل نبي الله شعيباً؟ هل أعلن الحرب على الملأ وجيش لهم الجيوش فقهرهم بها؟؟ هل سبهم أو صرخ في وجوههم؟؟؟، كلا والله، هذه ليست مهمة الأنبياء والمرسلين الكرام، فقد أدى مهمته كاملة كما كلفه بها الله تعالى، ثم أنهى الله تلك المهمة عند ذلك الحد وتولى بذاته حسم أمر هؤلاء المجرمين، وهو عليه هين، إنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وهو العلي العظيم: (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ 91)، فماذا كانت النتيجة؟ وإلى أي الفريقين إنحاز النصر والفوز؟ (الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ 92)، فماذا فعل شعيب بعد ذلك النصر؟ (فَتَوَلَّىٰ-;---;-- عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَىٰ-;---;-- عَلَىٰ-;---;-- قَوْمٍ كَافِرِينَ 93)؟ فهل ظلمهم الله أم كانوا أنفسهم يظلمون؟؟؟

الله تعالى يرسل إليهم أفضل الناس الذين يصطفيهم من بينهم لينصحوهم وبحذروهم من مغبة ما هم فيه من ظلم وإعتداء على الزرع والضرع والمهج والكرامات والحقوق، ويمهلهم ويصبر عليهم ويقدم لهم الأدلة والبراهين والآيات، فنوح عليه السلام مثلاً إستمرت دعوته لقومه تسعة فرون ونصف القرن 950 سنة، ولكن الكافرين لم يستمعوا له فكان هلاكهم هو المخرج الوحيد لإيقاف ظلمهم وكفرهم وجبروتهم،، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ 94)، ثم لا يضن الله تعالى عليهم بالعفو ولكنهم سرعان ما يعودون لسابق عهدهم، (ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّىٰ-;---;-- عَفَوا وَّقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ 95).

لم يخلق الله الإنسان ليعذبه وليشقيه، بل خلقه في الجنية ولكنه بمعصيته خرج منها، ولن يعود إليها إلا بالطاعة والعمل الصالح ومعاملة الناس بالتي هي أحسن، قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ-;---;-- آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰ-;---;--كِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ 96). إنَّ مشكلة البشر أنهم يظنون أن الله غافل عما يعملون، أو أنه يمكن أن يتركهم على ما هم عليه دون حساب ولا عقاب في الدنيا قبل الآخرة، وهذا وهم وغباء يدل عليه عدم إتعاظهم بما حدث لأمثالهم من الأمم السابقة الهالكة من عقاب مرغب، قال الله تعالى في ذلك: ( أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ-;---;-- أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ 97)؟ على أي شيء يراهنون؟؟ (أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَىٰ-;---;-- أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ 98)؟ ألم يروا أن هذا قد حدث من قبل؟ (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ ...) بغبائهم وغرورهم وجهالتهم؟؟؟ (... فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ 99). (أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَىٰ-;---;-- قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ 100)؟ ما هذه الغفلة التي أدخل الشيطان الناس فيها إلى حد السذاجة والسفه؟؟؟ على أية حال، (تِلْكَ الْقُرَىٰ-;---;-- نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِن قَبْلُ كَذَٰ-;---;--لِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَىٰ-;---;-- قُلُوبِ الْكَافِرِينَ 101). هذا واقعهم وسيواجهونه لا محالة، (وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ 102). هذا هو الحال للبشرية وما آلت إليه الأمور، وكلما جاءت أمة بعد أخرى إتسعت دائرة الفساد وتفنن المفسدون في إبتكار أنواع متعددة ومتطورة من المفاسد والمظالم لم يعهدها من كان قبلهم. فكان لا بد من نزول دستور جامع من السماء إلى أهل الأرض يكون مرجعاً يضبط حركة الناس والكون كله، ولا بد من رسول "من العيار الثقيل"، ليوكل إليه أول كتاب سماوي فصل الله فيه كل شيء هو "التوراة" الكتاب الذي بين الله تعالى فضله وقدره في القرآن الكريم كما سنرى نماذج من هذا التبيان فيما يلي:

فبعد أن عجز الرسل والأنبياء السابقين من إخراج الناس من قبضة الشيطان وفساد الطوية وعشق الكفر والفسوق والعصيان كانت هناك ضرورة لإيقاف هذا التدهور بآلية أكثر تأثيراً، فقال الله تعالى في ذلك: (ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ-;---;-- بِآيَاتِنَا إِلَىٰ-;---;-- فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ ...), أكبر من ظلم وتجبر وتكبر وعلا وإدعى الربوبية والألوهية، (... فَظَلَمُوا بِهَا ...)، ولم يعطوها قدرها كآيات بينات معجزات تؤكد صدق موسى بأنه مرسل من عند الله الواحد الأحد، خالق كل شيء، ولكنهم آثروا الإستمرار في العلو والكبر الذي جر عليهم الويلات والثبور، (... فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ 103). بدأ موسى دعوته لفرعون بأسلوب مهذب مقنع هاديء، (وَقَالَ مُوسَىٰ-;---;-- يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ 104)، ولا يمكن أن أكذب على الله تعالى بل: (حَقِيقٌ عَلَىٰ-;---;-- أَن لَّا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ...), ليس ذلك فحسب، بل: (... قَدْ جِئْتُكُم بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ...), تثبت لكم صحة قولي، فإن صدقتني فمطلبي وغايتي منك واحداً فقط، (... فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ 105)، لا أقل ولا أكثر، فطلب فرعون من موسى أن يعرض عليه آيته: (قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ 106)، إلى هنا فالأمور تشهد لموسى بالحكمة وإلتزامه أمر الله تعالى، فلو لم يكن الحوار هادئاً ليناً لما إستمر فيه الطاغية فرعون، ولما إستمع إلى نبي الله موسى إبتداءاً، فشرع الرسول موسى في عرض آياته: (فَأَلْقَىٰ-;---;-- عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ 107)، ثم عرض آيته الثانية، (وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ 108)، لم يستطع أحد أن ينكر ما رآه من آيات كبرى مبهرة أو ينفي عظمتها وقوة تأثيرها، ولكن هناك الملأ دائماً الذين يعترضون على كل ما هو حق وخير، فحاولوا كالعادة قلب الحقائق وتزوير الحقائق والتشكيك فيها: (قَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَٰ-;---;--ذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ 109)، حتى لا يصدق فرعون بأن الذي رآه هو آيات من عند الله، لأنهم كانوا مضطهدين ومستعبد ين لبني إسرائيل، وإن صدق فرعون موسى فهذا يعني تلبية طلبه وهو إرسال بني إسرائيل معه كما طلب، لذا وصفوا رسول الله موسى بأنه ساحر وليس رسولاً: (يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ 110) لمواجهته ومنعه من تحقيق مراده؟ فإقترحوا على فرعون إختباره بالسحرة: (قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ 111)، لإحضار كل من كان له علم بالسحر في المدائن الأخرى: (يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ 112)، وهذا بالفعل ما فعله فرعون وإستجاب لمشورة الملا من آله: (وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ 113)، فأغرى فرعون السحرة بكل مطالبهم وزيادة بأنهم سيكونوا من المقربين إليه: (قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ 114)، طلب السحرة من نبي الله موسى أن يبدأ هو بالعرض تخييراً: (قَالُوا يَا مُوسَىٰ-;---;-- إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ 115)، ففضل موسى أن يبدأ السحرة بعرضهم لسحرهم: (قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ 116)، حتى أن موسى نفسه خاف من هذا الذي قدمه السحرة من فنون السحر، ولكن الله تعالى كان بجانب موسى يسمع ويرى، قال: (وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ-;---;-- مُوسَىٰ-;---;-- أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ 117)، وتأكد للسحرة أن هذا الذي قدمه موسى إنما هو حقيقي وليس بسحر: (فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ 118)، فأعلن السحرة هزيمتهم النكراء الماحقة، (فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ 119)، أمام آيات الله البينات، فلم يسعهم إلَّا إعلان توبتهم وإيمانهم برب موسى وهارون: (وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ 120)، (قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ 121)، (رَبِّ مُوسَىٰ-;---;-- وَهَارُونَ 122)، فطاش عقل فرعون وملئه وزاد كفره وعناده وكبره: (قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ...)؟ فإتهمهم بالتآمر مع موسى عليه السلام، ونفى أن يكون صدق الآيات هو الذي جعلهم يؤمنون، فقال لهم: (... إِنَّ هَٰ-;---;--ذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ 123)، فتوعدهم بالقتل والصلب وتقطيع الجوارح والتنكيل، حيث قال: (لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ 124).

ولكن الإيمان حين يدخل القلب تكون دونه المهج ويرخص أمامه كل عالٍ ونفيس: (قَالُوا إِنَّا إِلَىٰ-;---;-- رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ 125)، أنت يا فرعون ليس لديك ما يبرر ما ستفعله بنا، فنحن لم نفعل لك شيئاً، كلما هنالك أننا رأينا آيات الله البينات فلم يسعنا إلا أن نؤمن بها ولم نجد لنا سبيلاً غير الإيمان: (وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ 126). عودة مرة أخرى للملأ، شياطين الإنس العتاة المتجبرين المتكبرين، تدخلوا هنا أيضا بالتحريض وصب الزيت على النار: (وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ-;---;-- وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ...)، هل تتركه ينتصر عليك بهذه السهولة ويأخذ معه بني إسرائيل من بين يديك؟؟ (... قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ 127). الآن قرر فرعون وملئه المواجهة بالقوة في أبشع صورها من الإزلال وقبل الأبناء وإستحياء النساء أمام أعينهم وقهرهم وإزلالهم قبل قتلهم. فقبل أن نواصل، هل لنا أن نطرح بعض الأسئلة البديهية والمنطقية؟ مثلاً:

أولا: ما الذي فعله نبي الله ورسوله موسى عليه السلام أكثر من أنه طلب من فرعون بمنتهى اللين أن كل مطلبه هو أن يرسل معه بني إسرائيل، بعد أن أكد له بالدليل القاطع أنه رسول من عند الله؟

ثانياً: لماذا طلب موسى عليه السلام من فرعون إرسال بني إسرائيل معه، وهم أناس ضعفاء أذلاء فقراء مستضعفين مستعبدين ومقهورين؟ هل هناك من سبب آخر سوى إخراجهم من ذلك الظلم المر والقهر والإستعباد ومحاولته توفير حياة لهم أفضل بعيداً عن فرعون المتجبر الظالم وملئه المجرم الكافر الظالم؟

ثالثاً: هل أبدى نبي الله موسى أي مقاومة أو مشادة أو تهديد من أي نوع لفرعون أو لملئه الفاجر؟

رابعاً: هل كان موسى عليه السلام ومن معه يمثلون قوة عسكرية أو إقتصادية أو تجارية، يمكن لفرعون أن يعتبرها خطراً على ملكه أو على نفسه؟

خامساً: هل قرار فرعون بالمواجهة والتهديد بإستخدام كل أنواع القوة والقهر ضد موسى وأتباعه جعل موسى يجيش الجيوش ويحمل السلام في وجه فرعون وجنوده ويعلن التعبئة للمقاومة على الأقل للدفاع عن النفس؟؟؟

لا والله، لا هذا ولا ذاك ولا تلك،، لأن دور الأنبياء والرسل لا يخرج من "النذارة" و "البشارة"، وقد فعلها كما طلبت منه، أما مواجهة القوة بالقوة فهي قد إختص الله تعالى بها نفسه، فأكمل موسى مهمته بأن طمئن قومه المستضعفين وأن يطلبوا العون من الله الذي يؤمنون به، وعليهم بالصبر لأن الله تعالى يحب الصابرين، بل ووعدهم بأن ارض فرعون ستكون لهم هم: (قَالَ مُوسَىٰ-;---;-- لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ 128). فأبدى قومه من بني إسرائيل إستعدادهم للصبر لأنهم عاشوه وصبروا على الظلم والقهر حتى من قبل أن يأتيهم موسى عليه السلام، فالأمر عندهم سيان: (قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَىٰ-;---;-- رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ 129).

الآن، ماذا كان رد الله تعالى على فرعون والحرب المفتوحة التي أعلنها على عباد الله الصالحين المقهورين؟ وما هي المصائب التي جرها فرعون لآله فأشقى نفسه وأشقاهم بها؟؟؟
أولاً: الإنذار بالمجاعة والقحط، قال تعالى في ذلك: (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ 130)، فكان العقل والمنطق يقول أنه عليهم الإتعاظ بهذه الآيات البنان، ولكنهم فقدوا الحس والإدراك والمنطق: (فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَٰ-;---;--ذِهِ ...), دون أن ينسبوها لربها الذي جاءهم بها، (... وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ ...), أيضاً لا ينسبوها إلى قدر الله تعالى بل لسوء طويتهم وفساد قلوبهم (... يَطَّيَّرُوا بِمُوسَىٰ-;---;-- وَمَن مَّعَهُ ..), فيدعون بأن ذلك فأل شؤم أصابهم بسبب موسى ومن معه، (... أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللَّهِ وَلَٰ-;---;--كِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ 131). وإستمروا في عنادهم وكفرهم رغم بيان ووضوح هذه الآيات والنذارات: (وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ 132).

ثانياً: الإنذار بعدد من الآيات المتتابعة التي تدل على أن الخالق غاضب عليهم، ولكن هيهات، القلوب صخوراً والعقول مغلقة والبصر مغشى مع صمم في الآذان، قال تعالى في ذلك: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ ...), كلها آيات تدل على أن هناك محرك لها ولها علاقة بما كانوا يعملون من مفاسد وكفر، فلم تكن مخفية أو مبهمة بل كانت (... آيَاتٍ مُّفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ 133). لم يكن إنكارهم لعدم علم ومعرفة بحقيقة ما يجري لهم، بل يعرفون تماماً بأنه بسبب ما يفعلونه بموسى وقومه وأن مصدره رافع السموات بغير عمد يرونها، لذا قال الله تعالى: (وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ ...), لجأوا إلى موسى يتفاوضون معه حتى رفع ربه عنهم ما بهم من محن وإحن، لذا: (... قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ 134).

هذا تحايلاً منهم ومخادعة وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون، ولكن الله تعالى يريد أن يقيم عليهم الحجة ويشهدهم على أنفسهم أنهم هم الذين ظلموا أنفسهم ولم يظلمهم الله بل أعطاهم الفرصة تلوا الأخرى قبل أن يحسم أمرهم كما حسمه مع الأمهم الهالكة التي سبقتهم، فقال تعالى في ذلك: (فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَىٰ-;---;-- أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ 135)، ظناً منهم أن مراوغتهم ستحقق لهم ما يصبون إليه، ولكن هيهات، قال تعالى: (فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ 136)، فإنتهى أمرهم فإبتلعهم البحر وطوى صفحتهم، وقال تعالى: (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ-;---;-- عَلَىٰ-;---;-- بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ 137). بالله عليك، كل هذا الفضل والعناية والرحمة والتأييد من الله تعالى لبني إسرائيل وكل هذا العطاء السخي من الله تعالى لهم، وقد جعلهم سادة فأورثهم مشارق الأرض ومعاربها بعد أن كانوا مستضعفين أذلاء مقهورين وأسكنهم الأرض التي بارك الله فيها. وبعد أن كافأهم على صبرهم ودمر عدوهم وهدم عرشه،، أيعقل أن يتخذ هؤلاء أرباباً من دون الله تعالى؟؟؟ فإن ثبت أنهم فعلوا شيئاً من هذا، فكيف يمكن وصف هذا النوع من الجحود والظلم والإفتراء؟؟؟ إذن فلنواصل مسيرة بني إسرائيل لنعرف ماذا فعلوا بعد ذلك ولنحكم عليهم بأعمالهم.

أولاً: بعد أن حسم الله تعالى أمر فرعون وآله، قال: (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَىٰ-;---;-- قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ-;---;-- أَصْنَامٍ لَّهُمْ ...), فعلى الفور نسوا إيمانهم بربهم الذي فعل لهم ما فعل وأكرمهم ونصرهم، وتحرك الشرك في وجدانهم ولعب الشيطان برؤسهم: (... قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَٰ-;---;--هاً ...)، إفكاً من دون الله خالقهم، (... كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ...), يعبدونها من دون الله، (... قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ 138)، (إِنَّ هَٰ-;---;--ؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ ...), (... وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ 139)، وعابتهم على هذا الفكر الضال، (قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَٰ-;---;--هًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ 140)؟ أنسيتم ما فعله لكم من نصر وإرث ورحمة؟ ألا تذكرون، (وَإِذْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَٰ-;---;--لِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ 141).

ثانياً: بعد أن نهاهم موسى عن إتخاذ آلها من دون الله، لم تزل تراودهم الفكرة في داخلهم ولم يتخلوا عنها حقيقةً، فحكى الله هذا عنهم قال: (وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ-;---;-- ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ...), فذهب مع عدد من أتباعه لميعاد ربه، (... وَقَالَ مُوسَىٰ-;---;-- لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ 142)، (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ-;---;-- لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَٰ-;---;--كِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّىٰ-;---;-- رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ-;---;-- صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ 143)، (قَالَ يَا مُوسَىٰ-;---;-- إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ 144)، يقول تعالى: ( وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ 145). (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَٰ-;---;--لِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ 146)، (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ 147). هذا هو منهج رسالة رسول الله موسى عليه السلام، فكيف وجد موسى قومه بعد أن عاد لهم من ميقات ربه الذي كلفه فيه بمنهج الرسالة وآتاه التوراة بعد أربعين يوماً؟؟؟

وجدهم قد أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً، قال تعالى في ذلك: (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ-;---;-- مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ ...)، عجلاً مجسداً، صنعوه من الذهب أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ 148)، (وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ 149)، (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ-;---;-- إِلَىٰ-;---;-- قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ 150)، (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ 151)، (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَٰ-;---;--لِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ 152)، (وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِن بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ 153)، (وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ 154)، (وَاخْتَارَ مُوسَىٰ-;---;-- قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاءُ وَتَهْدِي مَن تَشَاءُ أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ 155)، (وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَٰ-;---;--ذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ 156).

(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَٰ-;---;--ئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ 157)، (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَٰ-;---;--هَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ 158)، (وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ-;---;-- أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ 159)، (وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ-;---;-- مُوسَىٰ-;---;-- إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ-;---;-- كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰ-;---;--كِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ 160)، (وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَٰ-;---;--ذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ 161)، (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ 162)، (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَٰ-;---;--لِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ 163)، (وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ-;---;-- رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ 164)، (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ 165)، (فَلَمَّا عَتَوْا عَن مَّا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ 166)، (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ-;---;-- يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ 167)، (وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَٰ-;---;--لِكَ وَبَلَوْنَاهُم بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ 168)، (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَٰ-;---;--ذَا الْأَدْنَىٰ-;---;-- وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لَّا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ 169)، (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ 170)، (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ 171)، (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ-;---;-- أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ-;---;-- شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰ-;---;--ذَا غَافِلِينَ 172)، (أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ 173)، (وَكَذَٰ-;---;--لِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ 174)، (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ 175)، (وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰ-;---;--كِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّٰ-;---;--لِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ 176)، (سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ 177)، (مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُولَٰ-;---;--ئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ 178)، (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَٰ-;---;--ئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَٰ-;---;--ئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ 179)، (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ-;---;-- فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ 180)،

هل عرفت الآن أين تكمن المشكلة التي تعاني منها وتعاني منها كل البشرية؟ كان الله في السابق وقبل الرسالة الخاتمة، ينذر ويبشر عبر الرسل، ثم ينتقم ويغفر، وبعد الإنتقام والإستئصال لأهل الفجور والضلال، تستأنف الحياة مرة أخرى بالصالحين الناجين من العقاب، ثم ما يلبثوا أن يفعلوا ما فعله من كان قبلهم،، وهكذا، أما الآن فلم يبق إلا عقاب واحد في الدنيا هو تدمير الكون بكامله سمواته وأرضه ونجومه فتكون السماء غير السماء وتكون الأرض غير الأرض، ولا يبقى للإنسان إي إختيار، وسيواجه مصيره المحدوم أمام ربه مباشرة فإما جنة وإما نار في حياة سرمدية لا يقطعها موت ولا فوت.



#بشارة_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...
- “محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام ...
- سلي طفلك مع قناة طيور الجنة إليك تردد القناة الجديد على الأق ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بشارة أحمد - تعليق على - رسالة إلى الله - جزء 2