أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين - التشكيلة الإجتماعية بسوس العليا /تالوين جنوب المغرب















المزيد.....



التشكيلة الإجتماعية بسوس العليا /تالوين جنوب المغرب


النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
النقابة الوطنية للفلاحين ـ CGT


الحوار المتمدن-العدد: 4318 - 2013 / 12 / 27 - 18:37
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


إعداد : امال الحسين عضو المكتب الوطني والكاتب الجهوي للنقابة بجهة سوس ماسة درعة

1 ـ تقديـــــــم

تشكل جبال الأطلس الصغير والكبير بسوس العليا مركزا هاما للتجمعات السكنية للأمازيغ خاصة قبائل إنتاون وأونزين وإمديدن وزاكمزن وأسكاون وتيفنوت و إوزيون و أيت سمك و أيت وكاز …، ويسود بالمنطقة نمط الإنتاج الإقطاعي عبر استغلال الأراضي الخصبة المسقية بضفاف وادي زاكموزن وروافده ووديان أسكاون و تفنوت وإوزيون والأراضي البورية الصالحة للزراعة والرعي بغابات الأركان والعرعر والبلوط والشيح، وتشتمل المزارع على أشجار الزيتون و اللوز والجوز ومختلف الفواكه وزراعة الزعفران والشعير والذرة، ويشكل الرعي إلى جانب الزراعة الدعامة الأساسية للإقتصاد ويعتبر الصيد نشاطا لا يستهان به لما توفره الغابات من وحش وطير في الغابات التي شكل فيها نمر الأطلس سيدها إلى حدود الثلاثينات من القرن 20، وكان قادة القبائل يمارسون هواية الصيد ويملك الشيخ محند أعبد الله قائد سكتانة من نهاية القرن 19 إلى 1915 60 كلب صيد، وتحتوي سوس العليا على خزانين مائيين هامين جبل سروا 3304 م وجبل توبقال 4165 م الذي يحتوي على بحيرة إفني عمقها أزيد من 800 م مما يجعل المنطقة مجالا فلاحيا حيويا وموردا أساسيا للمياه بسوس السفلى، إلا أن هذه المؤهلات الإقتصادية لم يتم استثمارها لصالح الفلاحين الفقراء الذين يتم استغلالهم لتنمية الرأسمال المركزي، وخاصة المرأة الفلاحة التي تكدح دون أدنى أجر لعملها في ظل شروط الحياة المادية للعبودية الإقطاعية واستغلالها في صناعة النسيج خاصة الزرابي، وتشكل الحرف المستوى الثالث للإقتصاد خاصة بعد استغلال الفضة مناجم الزكوندر بأسكاون في عهد السعديين.

كان لسقوط الدولة السعدية في القرن 17 أثر كبير في سقوط سوس في صراع دائمة مع السلطة المركزية التي عملت على قمع الثورات التي أشعلها القبائل الأمازيع، واستمر الصراع لأزيد من نصف قرن من شن الحروب على ثورات الأمازيغ من طرف الدولة المركزية بمكناس، وعرفت سوس استقلالا نسبيا عن السلطة المركزية في ظل الحكم الذاتي لأرستوقراطية شيوخ القبائل الأمازيغية في اتجاه إعادة بناء الدولة السعدية، وعلى المستوى الثقافي نشأ صراع كبير بين علماء سوس المتشبثين بالدولة السعدية و علماء فاس الموالين للدولة المركزية بمكناس في ظل سيطرة أروستقراطية النبلاء بالمدينة في اتجاه بناء الدولة العلوية، وتعتبر سوس العليا الركيزة الأساسية للثورة على السلطة المركزية بمكناس و لا غرابة أن نراها تلعب دورا هاما في مرحلة مقاومة الإستعمار المباشر في بداية القرن 20 بقيادة الشيخ محند اعبد الله الذي سيطرة على قلعة تالوين بعد إخضاع جميع قبائل سكتانة في نهاية القرن 19، ولم يتم إخضاع سوس العليا/تالوين إلا بعد تحالف الكلاوي بمراكش مع شيوخ قبائل سكتانة الرافضة للحكم الذاتي بتالوين واعتقال قائدها، وتم فصل سوس العاليا/ تالوين المكونة من قبائل سكتانة وأسكاون بالأطلس الصغير وقبائل تفنوت بالأطلس الكبير عن سوس السفلى/سهل سوس وقبائل الأطلس الكبير الشمالي الغربي وقبائل الجنوب الغربي من الأطلس الصغير وتوزيغ النفوذ بين الكلاوي بتالوين والكندافي بتيزنيت .

2 ـ التشكيلة الإجتماعية بتالوين قبل الإستعمار المباشر

ـ دور القبيل في الحركة الإجتماعية بسوس العليا

فبل سيطرة الإستعمار المباشر على السلطة المركزية بتحالف مع الإقطاع تشكل القبيلة الركيزة الأساسية لحياة الفرد والجماعة بسوس العليا، لكونها المحدد الأساسي للهوية الفردية والجماعية التي لا يمكن للفرد أن يحيا خارجا عنها، وتعرف القبائل صراعات وحروبا من أجل مصالحها خاصة أثناء النزاعات التي تنشب حول الحدود والأراضي الرعوية والجماعية، وتعرف في أغلب الأحيان حروبا دائمة خاصة في مواسم المحاصيل الزراعية كما تعرف تضامنا خاصة عندما يكون العدو مشتركا، وقد تطور هذا التضامن إلى مستوى بناء تحالفات القبائل بسوس المتجلية في حلفي "تاحكات" و"تاكوزولت" اللذان يمثلا ن شبه حزبين سياسيين متصارعين حول السلطة بسوس في القرن 19، وتتم السيطرة على السلطة الإدارية للحكم الذاتي من طرف القبيلة القوية التي تخضع لها جميع القبائل المتصارعة التي تكن الولاء لسلطة قائد القبيلة "أمغار" الذي يملك القوة الإقتصادية والعسكرية و السياسية، والتي تطورت إلى حد بناء دول أمازيغية عظمى وامتداداتها كالمرابطين والموحدين والمرينيين والسعديين من طرف أروستقراطية شيوخ القبائل، ولعبت سوس العليا دورا هاما في بناء هذه الدول لكون قبائلها تسيطر على الطرق التجارية الهامة بين الشمال والجنوب وساهمت في بناء المركز الحضاري بتارودانت.

ـ دور الزاوية في الحركة الإجتماعية بسوس العليا

تعتبر الزوايا في مرحلة متقدمة من المدنية بسوس القوة الثانية بعد القبائل التي عملت على تأسيسها وتمويلها بهدف نشر العلم و المعرفة/البنية الفوقية، وتكون خاضعة للسلطة السياسية لزعيم القبائل الذي يسخرها أيديولوجيا من أجل بسط سيطرته، وكان لزاوية بن يعقوب بإمي ن تتلت وامتداداتها بتكركوست أثر كبير على حياة القبائل بسوس العليا في علاقتها بزاوية بناصر بتمكروت بدرعة، وتقام بهذه الزوايا مواسم سنوية لها علاقة بالدعوات الدينية والمذهبية والسياسية وتعتبر مناسبة لترويج تجارة المنتوجات الزراعية والحرفية، وخير دليل على سلطة القبيلة على الزاوية سيطرة الشيخ محند أعبد الله في نهاية القرن 19 على جزء كبير من أراضي زاوية تكركوست وفرض ضريبة بنسبة 20% من محاصيلها الزراعية لدعم سلطته بتالوين بعد القضاء على سلطة الشيخ بن تبيا وإخضاع قبائل سكتانة ، و طرد شيوخ الزاوية الذين لجئوا إلى أيت معلا بسوس السفلى وعين عونه أحمد أعبد الرحمان شيخا جديدا على رأسها والذي بنى مقرا جديدا للزاوية وبسط سيطرته على الفلاحين الفقراء التابعين للزاوية، واستمر الحال كذلك حتى استولى الكلاوي على السلطة بتالوين بعد اعتقال قائدها بمؤامرة قبائل سكتانة وعلى رأسها الشيخ بن تبيا، واختل قلعة تالوين وضمها إلى مثلث ورزازات مراكش تالوين في 1915 وبنى قصبته المشهورة، ولإرضاء الزاوية واستغلال نفوذها تنازل عن أراضيها وأعفاها من الضرائب تاركا للشيخ أحمد أعبد الرحمان الذي قدم له الولاء قسطا من السلطة في ظل دعم سلطة الباشا بتالوين، التي سخر لها الفلاحين الفقراء عبر تقديم الخدمات لدار الباشا التي تم بناؤها على حساب عرقهم ودمهم بسكتانة ودعم بيت مالها من الإتاوات المفروضة عليهم، ولم تسلم النساء من غطرسة الباشا الذي يستقدمهن لإقامة ليالي ساهرة من رقصة أحواش واستغلال الحسناوات منهن وفي قصيدة تالوين المشهورة للرايس الحاج بلعيد معاني وعبر عن قوة سلطة الباشا عبد الله الكلاوي ابن التهامي الكلاوي.

ـ دور المدارس العتيقة في الحركة الإجتماعية

تشكل المدارس العتيقة الموازية للزوايا مركزا هاما للثقافة المرتبطة بالشرق العربي حيث تم تأسيس أول مدرسة بسوس في القرن الخامس الهجري من طرف الشيخ وجاج بآكلو، ولعب العلماء الأمازيغ دورا هاما في نشر الثقافة العربية الإسلامية وإغنائها وطبعها بالثقافة الأمازيغية، كما تألقوا في عدة مجالات علمية وتشريعية وثقافية وما وصلوا إليه في مستوى حقوق المرأة خير دليل على ذلك، وكان شيوخ القبائل يولونها اهتماما خاصا لما لها من دور أيديولوجي في دعم سلطتهم السياسية، وقام الباشا عبد الله الكلاوي بعد سيطرته على قلعة تالوين باستقدام محمد أترودانت فقيه مدرسة دو نوريرت مسقط رأس الشيخ محند أعبد الله إلى مدرسة تالوين لإحيائها واستغلالها أيديولوجيا وعينه قاضيا على سكتانة، وجمع محمد أترودانت ثروة هائلة في وقت وجيز لم يستغرق أكثر من 15 سنة من ممارسة القضاء بتالوين، واستقر بزاوية تكركوست وامتلك قطعا أرضية شاسعة في مزارع "أفرا" وقطيع أغنام يضرب به المثل في العدد والعدة، وخلفه الحاج إسماعيل رضا بعد وفاته في 1930 / 1349 في التدريس والقضاء والذي استقر بدوره بزاوية تكركوست و يشرف على أعمال أعوانه "العدةل" بدار الكناش/مكتبة تكركوست، وعمل الباشا عبد الله العلاوي على إعفاء الفقهاء وطلبة المدارس من الإتاوات المفروضة على الفلاحين الفقراء قصد الإستغلال الأيديولوجي لدعم سلطته، ولعبت هذه المدارس دورا هاما في التوثيق من خلال تحرير العقود وكتابة التاريخ و المعاهدات بين القبائل ورسوم الأراضي الجماعية مما يدل على تقدم بسوس العليا ثقافيا، و تشكل المكتبات المنتشرة بسكتانة المتضمنة لجميع أصناف الكتب في شتى المجالات دليلا على التفاعل الحضاري مع الثقافة الشرقية، وتعتبر مدرسة تكركوست إحدى أكبر هذه المدارس التي تم تأسيسها في القرن 17 من طرف محند أبراهيم اليعقوبي شيخ زاوية تكركوست، وتضم في عصره 72 مخطوطا إستنسخها من المكتبات في زياراته مع طلبته إلى الشرق العربي وتمت سرقة جميع هذه المخطوطات في فجر الإستقلال الشكلي.

ـ الملكية بسوس العليا

تتشكل الملكية يسوس العليا في مرحلة ما قبل الإستعمار المباشر من :

ـ الملكية الجماعية للأراضي البورية و الغابات والمراعي التي تكون في ملكية القبائل ويتم تسميتها وتحديدها وإضفاء صفة الملكية الجماعية عليها عن طريق الرسوم المكتوبة، وتتوفر هذه العقود إلى حد الساعة لدى الجماعات السلالية وأحفاد ولدى الأرستوقراطية الإقطاعية بالقبائل و الزوايا، ويشكل العمل التضامني "تيويزي" الذي يميز نمط الإنتاج الجماعي بسوس العليا الركيزة الأساسية لاستغلال هذه الأراضي، سواء أثناء الحرث أو الحصاد وجمع المحاصيل الزراعية وتخزينها بمجمعات" إكودار"، وهذا الأسلوب تم استغلاله من طرف الأرستوقراطية الإقطاعية و تحويله إلى وسيلة لاستغلال الفلاحين الفقراء، الذين يشكلون جزءا من الملكية الإقطاعية عند طريق الرق والإستعباد، ويكدحون بالأراضي التي استولى عليها شيوخ القبائل والزوايا في مرحلة تركيز سلطة الأروستقراطية الإقطاعية و يتم وراثة هذه الأراضي و معها العبيد.

ـ الملكية الفردية للأراضي المسقية المرتبطة بالزراعة وامتلاك المواشي و المساكن والورشات الحرفية والتي تستمد شرعيتها من كتابة العقود كثقافة متقدمة بمناطق سوس العليا حيث عقد المعاهدات بين القبائل و كتابتها وتدوين الأحداث و رسوم الممتلكات الجماعية و الفردية، ولعب التدوين دورا أساسيا في نشر روح التعايش بين القبائل خاصة عند ترسيم الحدود مما يحد من حدة الصراعات والحروب، ولعبت أرستوقراطية شيوخ القبائل والزوايا دورا هاما في تحويل الملكية الجماعية للأراضي إلى ملكية خاصة، وقد قام الكلاوي بضم مجموعة من الأراضي الجماعية والفردية وجلب لها المياه حارج حوضها بعد سيطرته على عين سلو بإد عيسى، كما قام شيخ زاوية تكركوست الذي عينه بضم مجموعة من أراضي بمزارع أفرا وتوزيرت و سيطر عليها وعلى مياهها.

ـ أراضي الوقف التي يتم منحها للزوايا والمساجد والمدارس العتيقة من طرف القبائل لتأمين مواردها الإقتصادية، وذلك لدعم نشر العلم والمعرفة والتي تم تحول بعضها إلى ملكية خاصة لشيوخ الزوايا عائلاتهم وجلها إلى ملكية وزارة الأوقاف .

ـ الحرف و التجارة

تعتبر الحرف المورد الثالث بعد الزراعة والرعي حيث يشكل الحرفيون/التقنيون الذين يملكون ورشاتهم الخاصة طبقة هامة في القبيلة، خاصة بعد اكتشاف المعادن والبارود لما لها من دور في صناعة الأسلحة التي تعتبر الركيزة الأساسية لدعم سلطة شيوخ القبائل و الدفاع عن الثغور، كما تعتبر الحلي والأواني الفضية والذهبية التي ملأت دار الكلاةي وقصور الأروستقراطية القبلية خير شاهد على تقدم الصناعة التقليدية بسوس العليا، ويأتي الخزف في الدرجة الثانية والذي يدخل في صناعة الأواني التي يستعملها غالبية الفلاحين الفقراء مما يجسد تعميق الفوارق الطبقية في تلك المرحلة، إلى جانب صناعة الأدوات الخاصة بالزراعة والبناء وتصنيع الحبوب بالمطاحن التقليدية والزيتون التي تعتبر آنذاك مصدرا للطاقة بالمعاصر التقليدية، الشيء الذي ساهم في ظهور الأنوية الأولى للطبقة العاملة بعد استغلال مناجم الزكوندر بأسكاون، إلا أن نمط الإنتاج الإقطاعي الذي طغى على الحياة بسوس لم يسمح ببروز البروليتاريا كطبقة اجتماعية نتيجة سيطرة الإقطاع الذي شكله شيوخ القبائل والزوايا أعمدته، وبعد سقوط الدولة السعدية دخلت القبائل في صراع دائم مع السلطة المركزية للسلطان إسماعيل بمكناس من أجل الحكم الذاتي، وظهرت طبقة الجيوش الإقطاعية الدعامة الأساسية للدولة المركزية ضد دول الحكم الذاتي بمناطق سوس التي شكلت قبائل بنو هلال ركيزتها الأساسية .

ـ تشكل تجارة فائض المنتوج الزراعي و المنتوجات الحرفية نشاطا هاما بكون سوس العليا من بين نقاط الطرق التجارية من الشمال إلى الجنوب وممرا هاما إلى درعة في اتجاه باقي الدول المغاربية والشرق العربي، مما ساهم في بروز طبقة الكومبرادور بعد بروز التجارة بواسطة النقد مكان المقايضة بعد استغلال المعادن الثمينة كالفضة والذهب، وتعتبر مناجم الفضة بالزكوندر بأسكاون من بين المناجم الأوائل التي تم استغلال من طرف الإقطاع بواسطة الحرفيين خاصة صناعة الحلي والأواني والنقد لدهم بيت المال ومنح الإتاوات للسلطة المركزية، ونشأ الرأسمال التجاري وطهرت طبقة البورجوازية الكومبرادورية عبر التجارية الداخلية والخارجية خاصة بالرودانت ومراكش كمراكز تجارية هامة، والتي تعمل إلى جانب الحرفيين والمهنيين والمثقفين على دعم سلطة أروستقراطية النبلاء بالمدن التي ساهمت في تأسيس الدول الأمازيغية العظمى كالمرابطين والموحدين والمرينيين والسعديين.

ـ ظهور الطبقات الإجتماعية و تركيز الإقطاع بسوس العليا

يشكل الأمازيغ سكان سوس العليا إلى جانب بعض الأقليات كالأفارقة الذين يتم استغلالهم كعبيد بالمزارع الإقطاعية من طرف شيوخ القبائل و الزوايا، واليهود الذين لهم امتدادات تاريخية عريقة بالمنطقة ويشتغلون بالحرف والتجارة ويسكنون بتجمعاتهم الخاصة، ويختلف الموقع الإجتماعي للفرد حسب موقعه في هرم سلطة القبيلة و الزاوية ودرجة الملكية الخاصة والحرفة والثقافة والعرق والنفوذ بالقبيلة، وكان لطغيان قادة القبائل وحاجتهم إلى الدعم المالي لبسط سلطتهم أثر كبير على ظهور الإقطاع والفوارق الطبقية والإجتماعية، خاصة بعد السيطرة على بعض الأراضي الجماعية واكتشاف المعادن واستغلالها وسك العملة، ولعب اكتشاف البارود دورا هاما في تحول حياة القبائل خاصة بعد غزو السودان واستعباد الأفارقة لخدمة الأرض والسلطة وشيوع تجارة العبيد، إلا أن الصراعات بين القبائل غالبا ما تكون الحاسم في فصل هذا القائد أو ذاك وتنصيب الزعيم، كما أن الزوايا والمدارس العتيقة بما تملكه من قوة العلم والثقافة تلعب دورا أساسيا في الحد من سلطة قادة القبائل، ولعبت سيطرة شيوخ الزوايا على بعض أراضي الوقف دورا هاما في تركيز الإقطاع بعد تحويل ممتلكات الزوايا إلى ملكية خاصة يتم توريثها من طرف الشيوخ وعائلاتهم.

ـ النشاط الثقافي بسوس العليا

إلى جانب دور الزوايا والمساجد والمدارس في تركيز اللغة العربية والثقافة الإسلامية وشيوع الكتابة والتدوين بعد سقوط المماليك الأمازيغية، تأتي الثقافة الأمازيغية وامتداداتها في أوساط عامة السكان الأمازيغ بسوس العليا و التي طبعت اللغة والثقافة العربية الوافدة بطابعها و إدماجها في الطقوس الدينية، والحفاظ على خصوصية الأمازيغية لغة وثقافة هوية ذلك ما يتجلى في الممارسة العملية للأمازيغ بسوس العليا والتي لا تخلو من النعرات القبلية، وتعتبر الأنشطة الزراعية والحرفية مجالا هاما لتصريف الثقافة الأمازيغية إن على مستوى طبع المصنوعات أو على مستوى العلاقات الإجتماعية المتسمة أساسيا بالطابع الجماعي، وتعتبر الأسرة الممتدة داخل القبيلة الركيزة الأساسية التي من خلالها يتم توريث العادات والتقاليد الأمازيغية خاصة في المناسبات كالزواج و الأعياد و مواسم الحصاد وجني المحاصيل الزراعية ، حيث تركيز العمل الجماعي والروابط القبلية وتصريف العادات والتقاليد ذات البعد الجماعي لبناء العقل الجمعي وتركيز التراث الحضاري، وتعتبر رقصات أحواش المختلف في سوس العليا المعبر الأساسي الذي يضم أنواع التعبير كنتاج للحركة الإجتماعية والعرفية للأمازيغ بالمنطقة، كما يشكل التراث الثقافي الشفهي خاصة منه الشعر الأمازيغي الذي يتم نقله شفهيا عبر الأجيال الوعاء الأساسي لكتابة التاريخ وتعتبر قصيدة تالوين للرايس الحاج بلعيد أروع ما تم تدوينه في هذا الشأن، ولعبت الزوايا دورا هاما في نشر أشكال مختلف للتعبير عن طريق إقامة المواسم والأعياد وتعتبر زاوية تكركوست رائدة في هذا المجال حيث يتم إقامة مواسم كناوة وعيساوة والرما وموسم محند أبراهيم اليعقوبي.

3 ـ التشكيلة الإجتماعية في مرحلة الإستعمار المباشر يسوس العليا

ـ تركيز الكومبرادور وظهور الطبقة العاملة بسوس العليا

إن سيطرة القبيلة و الملكية الجماعية للأراضي هي السائدة في سوس قبل الإستعمار المباشر الذي تحالف معه القائد الكلاوي الذي سيطر على قلعة تالوين في 1915 بعد القضاء على القائد مجند اعبد الله وأخضع قبائل سكتانة، والكندافي الذي سيطر على سوس السفلى بعد القضاء على ثورة أحمد الهيبة في 1912 و تنصيب مجموعة من القياد على طول حوض سوس لإخضاع باقي القبائل، وقام الكلاوي بالسيطرة على بعض أراضي الفلاحين الفقراء لإقامة مركزه الإداري ومرافقه والبساتين المجاورة لها وتم تحرير عقود الملكية لها وتحفيظها، مما فتح الطريق أمام سيطرة الإستعمار المباشر على سوس للقضاء على الملكية الجماعية للأراضي عبر مراحل موالية وتركيز الملكية الخاصة الرأسمالية للأراضي، واستطاع الإستعمار المباشر السيطرة على حوض سوس حيث تخلى عن المناطق الجبلية وبعض الأراضي في السهل لقياد الإقطاع واستولى على الأراضي الخصبة بالحوض، ولبسط سيطرته على تالوين أقام مركز سلطته على بعض أراضي الفلاحين الفقراء التي احتلاها بعد شق الطريق الرئيسية بين أكادير وورزازات والتي توقفت الأشغال بها بقنطرة وادي زاكموزن بتالوين بعد اندلاع الحرب الإمبريالية الثانية في شتنبر 1939 بعد التحاق المعمرين بصفوف الجيش الفرنسي، وكان الهدف من هذا الطريق التحكم في سوس والسيطرة على أراضي السهل والقضاء على مقاومة الفلاحين الفقراء بسوس العليا لفسح المجال لاستغلال المعادن بورزازات لتصديرها عبر ميناء أكادير، كما شق الطريق الثانوية بين مراكش وتارودانت لتركيز علاقة تالوين بإدارة الكلاوي بمراكش وورزازات، وتم إنشاء أوراش هذه الطرق على حساب عرق ودم الفلاحين الفقراء الذين يكدحون بدون أجر يذكر، وبرزت الطبقة العاملة الزراعية بسهل سوس والمنجمية بمناجم ببوزار وإمني التي وفرت فرص الشغل للفلاحين الفقراء بتالوين في ظل استغلال الإستعمار المباشر، وسن الإستعمار المباشر قوانين تعسفية تحرم الممارسة النقابية للمغاربة بظهير 1936 وتجزير هذه الممارسة بظهير 1938 من أجل استعباد الطبقة العاملة المغربية في ظل قوانينها العنصرية، رغم وجود فروع الكوفدرالية العامة للشغل الفرنسية بالمغرب والتي تحمي فقط حقوق العمال الفرنسيين وتمييزهم عن رفاقهم المغاربة.

تم بسط سلطة الكلاوي بعد فصل سكتانة عن تارودانت وإلحاقها بسلطته بورزازات ومراكش مما فتح المجال أمام توغل الإستعمار المباشر الذي عمل على إنشاء عدة مراكز إدارية لإقامة سلطته الإدارية و السياسية، أولا من أجل بسطة سيطرته وبلورة مفهوم الضبط الإجتماعي للتحكم في مصير المنطقة و أحدث بذلك مركز سلطته الإدارية بتالوين إلى جانب مركز سلطة الكلاوي، ثانية لنشر ثقافته الإستعمارية ولخلق إجماع حول مشروعه الإستعماري أقام أوراشا لبناء الإدارة الإستعمارية وما تحتاجه من مرافق موازية لها، مما ساهم في إحداث رواج ملحوظ وخلق فرص للشغل وبالتالي حركة اجتماعية تضم طبقة عاملة تقيم في التجمعات السكنية الجديدة بالمركز وتتمكن من الحصول على مورد اقتصادي خارج الإستعباد بالمزارع ، ثالثا لتركيز مفهوم الرأسمال بإقامة أسواقا تجارية جديدة لدعم البرجوازية التجارية/الكومبرادور ومنح امتيازات لبعض أعوان الإقطاع بالترخيص لهم بما يسمى "البون" لتجارة بعض المواد الأساسية كالسكر والشاي والقهوة والدخان والبنزين والكحول، وهكذا تم تأسيس مركز تجاري بزاوية بتكركوست تحت إشراف أحد المعمرين الذي خلفه بعض أعوانه بعد موته وسوق الإثنين بتالوين هذا المركز التجاري الهام الذي يسيطر على التجارة بسوس العليا والذي تمتد سيطرته إلى زناكة لدعم وتركيز الكومبرادور بالمنطقة.

ـ المقاومة وجيش التحرير بسوس العليا

بعد سقوط جبال سغرو في 1934 ساد هدوء نسبي في سهل سوس ذلك الهدوء الذي يسود بعد عاصفة هوجاء تلك هي راحة المحارب /الفلاح الفقير، والذي هب في فجر الإستعمار المباشر للمقاومة كعادته لكن شراسة المستعمر كانت أقوى، خاصة بعد القضاء على ثورة الهبة التي لم تساهم فيها سوس العليا نظرا للخلافات بين حلفي تحكات وتكوزولت والقضاء على ثورة محمد بن عبد الكريم الخطابي بالريف في 1926، ولم يزل المستعمر يبسط نفوذه بالسهل والجبال حتى اندلعت شرارة المقاومة من جديد ليلتحم تنظيم الفلاحين الفقراء/جيش التحرير بالبوادي بتنظيم الطبقة العاملة/المقاومة بالمدن، وكان من بين قياداة هذين التنظيمين أبناء سوس العليا، وتشكل انتفاضة تالوين في 25 فبراير 1951 الشرارة الأولى بعد القضاء على ثورة الهبة في 1912 وتأسيس فرع حزب الإستقلال بتالوين في 1947، ولعب فيها قاضي تالوين دورا هاما مع معاونين بدار الكناش يتكركوست وطلبته بمدرسة تالوين، وتم اعتقال 400 متظاهر وإبقاء 44 منهم رهن الإعتقال والأعمال الشاقة بطريق أوناين والتحق بعض من فر منهم بجيش التحرير والمقاومة مع غيرهم ممن تم نفيهم، وساهموا في تأسيس الإتحاد المغربي للشغل في مارس 1955 بالدار البيضاء وعاد بعضهم في 1956 للقضاء على القياد الإقطاعيين الذين تم إعدام بعضهم بالصحراء.

4 ـ التشكيبة الإجتماعية بعد الإستقلال الشكلي بسوس العليا

ـ تركيز السياسة التبعية للإستعمار المباشر

بعد الإستقلال الشكلي تحول قاضي تالوين في 1957 إلى رئيس شبه دائرة تالوين مقام سلطة تحالف الإستعمار والإقطاع وتحول إلى أداة للقمع الشرس بدءا بقمع طلبة المعهد في 1960 خلال الإضرابات وقمع الإتحاديين بعد مقاطعة الإستفتاء في 1962 والتصويت لصالح المعارضة في انتخابات 1963، وبالتالي إغلاق معهد تالوين للتعليم الإصيل في 1964 الذي تم تأسيسه في 1958، بدعوى عدم توفر الدعم المالي لتمويل الطلبة الداخليين رغم امتلاء مخازن القيادة بالقمح الذي أتى عليه الدود عن آخره، مما خلق متاعب للطلبة المحظوظين الذين يضطرون للتنقل إلى ورزازات لمتابعة دراستهم، ويبقى جل أبناء الفلاحين الفقراء عرضة للإستغلال في المزارع والهجرة إلى المدن إلى أن تم فتح نواة التعليم الإعدادي في 1973، وبقيت تالوين تابعة لإدارة تحالف البورجوازية والإقطاع بورزازات كما خطط لها تحالف الإقطاع الإستعمار المباشرتتعرض للتهمبش، وتم تكثيف هذا التهميش بعد حركة عمر دهكون في مارس 1973.

وفي 18 دجنبر 1981 تم إحداث إقليم تارودانت الذي ضم من جديد تالوين و المناطق التابعة لها مع إبقاء قطاع الفلاحة بتالوين تابعا لإقليم ورزازات إلى اليوم، وتحولت تالوين إلى سوق للطبقة العاملة الرخيصة للإستغلال بالضيعات الفلاحية ومعامل التلفيف التي ورثها المعمرون الجدد عن الإستعمار المباشر والتي أقامها الملاكون العقاريون الكبار بسوس السفلى، وطبقة عاملة صناعية بالمدن المغربية وأوربا الغربية التي لعبت دورا هاما في إعادة بناء ما دمرته الحرب الإمبريالية الثانية خاصة بفرنسا، عمل النظام القائم على إعادة تعيين أبناء الأعيان في مناصب آبائهم خدمة للمشروع الإستعماري.

ورغم أن أراضي الكلاوي تمت مصادرة نصفها إلا أن هذه الأراضي ما زالت معلقة بين قرار ردها لأصحابها و تفويتها للفلاحين الفقراء الذين كانوا يخدمونها، وبقيت معلمة قصبة الكلاوي عرضة للتخريب والضياع رغم أنها إرث تاريخي يبرز مدى غطرسة الإقطاع بالمنطقة والتي تم تشييدها على حساب عرق ودم الفلاحين الفقراء الذين تم استعبادهم من طرف الإقطاع.

أما الأراضي التي تم احتلالها من طرف الإستعمار المباشر والتي أقام عليها إدارته الإستعمارية فقد تم الإستمرار في استغلالها من طرف أجهزة النظام القائم رغم عدم انتزاع ملكيتها من أصحابها الفلاحين الفقراء بتكركوست.

ـ تركيز الإقطاع و الكومبرادور بسوس و تهميش سوس العليا

أصبحت الأراضي الجماعية للفلاحين الفقراء هدفا للملاكين العقاريين الكبار من أجل تبييض ما تم نهبه من المال والملك العام وما تم ترويجه في المخدرات والكحول والسلع المهربة، وكانت قضية "الحاج ثابت" و"البولونجي" في بداية التسعينات من القرن 20 خير دليل على ذلك، لما لهما من علاقة ببعض المسؤولين بعمالة تارودانت وبعض رؤساء الجماعات المحلية على رأسها جماعات تالوين، ونشأت طبقة بورجوازية كومبرادورية تستمد قوتها من النفوذ داخل البرلمان والجماعات المحلية بدعم السلطة المركزية للنظام القائم بالمغرب بعد انتخابات 1976 /1977، وتم ابتلاع الأراضي الجماعية للفلاحين الفقراء وتدمير الفرشة المائية وغابة أركان ونهب المال العام والملك العام، عبر استغلال النفوذ بالجماعات المحلية وإنشاء السدود خاصة سدي أولوز والمختار السوسي على حساب ممتلكات الفلاحين الفقراء بأوزيوة التي تم فصلها عن تالوين في 1992، ويتم تسخير الجمعيات التنموية لتمرير سياسات التهميش عبر استغلالها في المواسم الإنتخابية .

وكان لسياسة التهميش الممنهج التي أقامها النظام القائم بسوس عامة وسوس العليا خاصة أثر كبير في فسح المجال أمام التهميش المكثف للبوادي، وخاصة في المناطق النائية بالجبال التي يسكنها الإمازيغ بالإطلس الصغير والكبير حيث انعدام التجهيزات الأساسية من كهرباء وماء صالح للشرب ومستشفيات ومدارس، فبالرغم من تأسيس المدارس الأولى منذ بداية الخمسينات بمركز تالوين في 1952 إلا أن الأمية قد انتشرت بشكل فظيع خاصة في أوساط النساء نتيجة السياسة التعليمية الطبقية، كما أن الحق في الصحة قد عرف انتهاكا خطيرا حيث انعدام شروط التطبيب خاصة بالمناطق النائية التي تتعرض فيها حياة الطفل والمرأة للمخاطر رغم تأسيس مستشفى تالوين منذ 1952 .

ـ العمران والبنيات الأساسية بسوس العليا/تالوين

تعرف سوس العليا تهميشا مضاعفا في مجال العمران مما له تأثير على البنيات التحتية شبه المنعدمة مما ينعكس على حياة الفلاحين الفقراء الذي يعيشون في تجمعاتهم السكنية المبنية جلها بالطرق التقليدية، حيث أغلب المنازل مبنية بالطين ولا تتوفر على الصرف الصحي وتبليط الأزقة مما يهددها بالسقوط أثناء التساقطات المطرية الغزيرة، وما تعرضت له الدواوير خلال هذه السنة المعروفة بالأمطار الغزيرة والتي تسببت في وفيات تم السكوت عنها خير دليل على ذلك، وجل الطرق غير معبدة وذات المسالك الوعرة مما يجعل مناطق سوس العليا معزولة والتي تنعدم فيها ظروف العيش الكريم، حيث أغلب الدواوير محرومة من شبكة الماء الصالح للشرب مما يعرض المياه للتلوث، فباستثناء مركز تالوين الذي أقامه المستعمر والذي يعيش يدوره أزمة في هذا المجال وبعض الجماعات فإن جل المناطق تفتقر لشبكة المياه الصالحة للشرب رغم المياه الوفيرة ، أما الكهرباء فلم يتم بداية ما يسمى ببرنامج كهربة القرى بتالوين إلا في 1992 بعد استنزاف السكان بدواوير تالوين من طرف بعض الجمعيات التي تم تسخيرها من طرف جمعية الهجرة والتنمية عبر شراء المحركات الكهربائية، وهكذا فإن جل الدواوير لم تصلها الخطوط الوطنية إلى الآن بل أكثر من ذلك يتم تنفيذ ما يسمى بالبرنامج الخاص الفاشل، والذي يستهدف استنزاف ما تبقى من إمكانيات الفلاحين الفقراء بتحميلهم ما لا طاقة لهم به بعد توقيع إتفاقية بين البرلمانيين ورؤساء الجماعات بتارودانت مع المكتب الوطني للكهرباء لتحميل السكان أزيد من 5000 درهم للربط المنزلي بالخطوط الوطنية، وتملص النظام القائم من مسؤولياته خاصة في مناطق مثل منطقة تالوين المعروفة بالفقر ويتم الترويج للكهرباء بالطاقة الشمسية.

ـ ظروف الشغل بسوس العليا/تالوين

يعد العمل بالمزارع في ظروف قاسية المورد الإقتصادي الأساس بتالوين والذي تلعب فيه المرأة الفلاحة دورا هاما حيث تعمل طول النهار دون مقابل مما يوفر للرأسمال ربحا عظيما دون نفقة تذكر، وتبقى لمرأة بالدواوير طبقة عاملة خارج نطاق قوانين الشغل حيث تقوم بجميع الأعمال بالبيت و المزرعة والصناعة التقليدية دون مقابل يذكر.

وتأتي الطبقة العاملة في مجال البناء في الدرجة الثانية ويعرف العمال بهذا المجال استغلال مكثفا من طرف المقاولين الكبار والصغار بعدم تطبيق أدنى قوانين الشغل، بالإضافة إلى عدم تمتعهم بالتأمين من حوادث الشغل التي تهدد حياتهم يوميا، سواء بالمراكز التي تتواجد بها البلدية أو بمراكز الجماعات القروية، أما في غيرها من الدواوير فيسود العمل غير المنظم في مجال البناء الذي ما زال تقليديا في أغلبه، ويتم فرض رسوم الضرائب للترخيص بالبناء والجبايات على المباني رغم عدم تقديم أية خدمات خاصة النظافة والصرف الصحي وتم مؤخر تعبيد شوارع البلدية في غياب شبكة الصرف الصحي.

ويعتبر التشغيل في الجماعات المحلية بتالوين مجالا مهما لتشغيل الشباب خاصة ذوي الشهادات والذي يعتبر فضاء للزبونية والمحسوبية بين رؤساء الجماعات والسلطات بتارودانت، ويشكل الشباب ذوي الشهادات طبقة عاملة بدون مقابل حيث يتم استغلالهم بدعوى التدريب بمؤسسات الدولة والخاصة في ظل فقدانهم لتنظيم المعطلين.

و يشكل قطاع التجارة والحرف مجالا حيويا للتشغيل خاصة في المقاهي والفنادق والمحلات التجارية والأوراش الحرفية في أوضاع لا تقل عن العبودية.

الوضعية التعليمية بسوس العليا/تالوين

قبل البدء لا بد من الإشارة إلى أن التعليم بسوس قد مر بعدة مراحل كان أولها التعليم بالمدارس العتيقة التي تم تأسيسها قبل تأسيس الزوايا التي لعبت دورا أساسيا في تمويلها فيما بعد، وكان لهذه المدارس دور هام في نشر الثقافة واللغة العربية المطبوعة بالثقافة الأمازيغية، وتم تطوير علم اللغة والفقه والتشريع والقوانين والمنطق دون أن ننسى تأثير تالوين على الحركة الفكرية والثقافية بسوس، وكان لدخول للإستعمار المباشر أثر كبير في تغيير معالم التعليم والثقافة بسوس وبتالوين خاصة :

ـ نشر التعليم العتيق في اتجاه تطويره خدمة للأهداف الإستعمارية في محاولة لإدماجه في المنظومة الثقافية والفكرية التي يرغب المستعمر في تركيزها بتعاون مع الكلاوي الذي عمل على تشجيعها ودعمها وتسخيرها لبسط سيطرته.
ـ إحداث التعليم الفرنسي من خلال إنشاء مدارس التعليم العصري من أجل نشر الثقافة واللغة الفرنسية باعتبارها لغة الإدارة والتسيير في المجالات الحيوية الإنتاجية والمالية والجيش.
ـ المحافظة على الثقافة واللغة اليهودية عبر ولوج أبناء اليهود المدارس اليهودية بالمدن الكبرى المغربية.

وخلال مرحلة الإستقلال الشكلي قام النظام القائم بنهج نفس السياسة الطبقية التي تهدف إلى تعميق الفوارق الطبقية والإجتماعية، ويتجلى ذلك في تركيز المدارس الثانوية والعليا بالمدن الكبرى وتهميش البوادي ومن ضمنها تالوين، مما ساهم في رفع مستوى الأمية بسوس العليا الذي يبلغ في بعض المناطق النائية أكثر من % 90 خاصة في صفوف النساء، إذا اعتبرنا أن الأمية هي عدم القدرة على الكتابة والقراءة نتيجة سياسات التهميش بسوس، فبالإضافة إلى البعد الأمازيغي المهمش في السياسات التعليمية المتبعة منذ نصف قرن فإن هذه المناطق تعتبر حقلا للتجارب وتدريب الأطر التعليمية التي تعيش تناقضات مركبة تجعل المدارس كائنات غريبة.

أما عن التعليم الأولي فلا يمكن اعتباره لأن مواصفات المؤسسات التعليمية في هذا المستوى غير متوفرة وتبقى الكتاتيب القرآنية بالمساجد ملجأ للأطفال، ولا غرابة أن نجد بمناطق سوس العليا انتشار المدارس العتيقة التي ما زالت تستعمل أساليب تعليم القرون الوسطى ليس تشبثا بما يسمى بالخصوصيات المحلية كما يحلو للدارسين البورجوازيين أن يقدموا به هذه المدارس، ولكن الحاجة إلى الحصول عن مستوى من الثقافة بعد فشل المدرسة العصرية يدفع الآباء إلى محاولة إدماج أبنائهم المغادرين للمدرسة لتهيئهم للهجرة إلى المدينة وتبقى الفتات بالبيت والمزرعة عرضة للإستغلال.

أما عن محاربة الأمية التي يتم التطبيل والتزمير لها فلا يمكن إخراجها من إطار الضبط الإجتماعي عن طريق إحتواء ما يسمى بالجمعيات التنموية ذات الأهداف المتعددة، خاصة في المواسم الإنتخابية وترويج أديولوجية النظام القائم في صفوف النساء وتوظيف المساجد لهذه الغاية للحد من تأثير الجماعات الإسلامية، وفسح المجال أمام نهب الأموال المرصودة لذلك من طرف المؤسسات المالية الدولية وما يسمى بإعانات المنظمات الدولية.

ـ ظروف الصحة بسوس العليا/تالوين

إن المشاكل الحقيقية التي يعيشها قطاع الصحة عامة ناتجة عن السياسة الصحية الطبقية و التي تستهدف خوصصة المرافق الصحية العمومية مما يضرب مصداقية المستشفيات العمومية المجردة من شروط التطبيب، ورغم أن يناء مستشفى تالوين قد تم في 1952 و يتوفر في تلك المرحلة على طبيب أخصائي في الجراحة نظرا لحرس الإستعمار المباشر على سلامة الفرنسيين المقيمين بتالوين، فإن هذا المستشفى اليوم لا يتوفر على شروط التطبيب نظر لانعدام الطاقم الطبي الضروري لأزيد من 140 ألف نسمة، الكون الميزانية المخصصة للصحة بالمغرب تشكل فقط % 5 من ميزانية الدولة بينما فرنسا تخصص لها % 12 من ميزانيتها بالإضافة إلى التأمين وغيرها من الحقوق الصحية التي يوفرها الشغل، ويتم توجيه الصحة في اتجاه الخوصصة بنسبة كبيرة فمثلا مستشفى المختار السوسي بتارودانت المستشفى الوحيد بالإقليم الذي يتوفر على جل الإختصاصات تشكل ميزانية تسييه في 2006 8 ملايين درهم في السنة تمول فيها الدولة فقط % 18 والباقي من مداخيل المستشفى رغم الخدمات الناقصة التي يقدمها.

ويشكل الخصاص في مجال الأخصائيين عائقا أساسيا خاصة في طب النساء الذي يعيش ازدواجية طب الولادة وأمراض النساء حيث الطبيب المختص في هذا المجال يقوم بجميع العمليات حتى مراقبة المرأة أثناء الولادة، مما يتناقض مع ما هو جاري به العمل في فرنسا حيث وجود طبيبات مختصات في الولادة فقط مما يشكل خطرا على صحة المرأة والطفل، فمستشفى المختار السوسي بتارودانت يستقبل 5000 حالة ولادة في السنة بنسبة 12 إلى 20 ولادة في اليوم بينما في فرنسا مثلا الطبيبة المختصة تستقبل ولادتين إلى 03 ولادات في الأسبوع، مما ينتج عن هذه الوضعية الخطيرة وفيات في صفوف النساء والأطفال معا، هذا بالنسبة للمستشفى الإقليمي فما بالنا بالمراكز الطبية الهشة التي يبقى فيها الطب التقليدي هو الملاذ الأول والأخير، ويبقى مستشفى تالوين في حاجة ماسة على إحيائه بتوسيعه وتوفير جميع الإخصائيين الضروريين لضمان الصحة للفلاحين الفقراء المنتشرين بالجبال.

5 ـ خــلاصــــة

إن ما تعيشه سوس العليا لا يخرج ضمن التهميش الممنهج ضد الفلاحين الفقراء الذين هبوا لمحاربة المستعمر بدءا بثورة الهبة في 1912 بالجنوب مرورا بثورة محمد بن عبد الكريم الخطابي من 1919 إلى 1926 بالريف و انتهاء بمقاومة جبل صغرو في 1934، وما نعيشه اليوم ما هو إلا استمرارا لنفس السياسات التبعية للإستعمار في جميع مناحي الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية والتي يجب مقاومتها، أولا بالوعي بها ونشر هذا الوعي في أوساط الفلاحين الفقراء من طرف الشباب المتعلم عبر حركة الجمعيات، وثانيا ببلورة الوعي السياسي في أوساطهم وتنظيمهم في تنظيماتهم الذاتية الجماهيرية، ثالثا بتطوير تنظيمهم عبر النقابات الفلاحية للدفاع عن مصالحهم الإقتصادية التي تتمحور حول الحق في الماء والأرض والثروات الغابوية والأمازيغية في أفق المساهمة في بناء الحزب البروليتاري.

تارودانت في 04 ماي 2009



#النقابة_الوطنية_للفلاحين_الصغار_والمهنيين_الغابويين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طبيعة الصراع حول استغلال المياه المخصصة للأغراض الزراعية بأو ...
- المسألة الزاعية بالمغرب وتمركز الرأسمال في الزراعة
- أرضية بناء الملف المطلبي و البرنامج النضالي
- بيان المكتب الجهوي لسوس ماسة درعة


المزيد.....




- تمساح ضخم يقتحم قاعدة قوات جوية وينام تحت طائرة.. شاهد ما حد ...
- وزير خارجية إيران -قلق- من تعامل الشرطة الأمريكية مع المحتجي ...
- -رخصة ذهبية وميناء ومنطقة حرة-.. قرارات حكومية لتسهيل مشروع ...
- هل تحمي الملاجئ في إسرائيل من إصابات الصواريخ؟
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- البرلمان اللبناني يؤجل الانتخابات البلدية على وقع التصعيد جن ...
- بوتين: الناتج الإجمالي الروسي يسجّل معدلات جيدة
- صحة غزة تحذر من توقف مولدات الكهرباء بالمستشفيات
- عبد اللهيان يوجه رسالة إلى البيت الأبيض ويرفقها بفيديو للشرط ...
- 8 عادات سيئة عليك التخلص منها لإبطاء الشيخوخة


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين - التشكيلة الإجتماعية بسوس العليا /تالوين جنوب المغرب