عبد القادر ياسين - يساري فلسطيني و مؤرخ سياسي - في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: مستقبل الشيوعية واسباب انهيار المعسكر الاشتراكي.


عبد القادر ياسين
الحوار المتمدن - العدد: 4299 - 2013 / 12 / 8 - 19:39
المحور: مقابلات و حوارات     


من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة, وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى, ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء, تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا -118 - سيكون مع الأستاذ عبد القادر ياسين - يساري فلسطيني و مؤرخ سياسي -  حول: مستقبل الشيوعية واسباب انهيار المعسكر الاشتراكي. .


إذا كان المجتمع الشيوعي بمثابة جنة الله على الأرض، فإن الجنة لا يمكن أن تتناقض مع الحريات الديمقراطية.

لقد كان قمع الأنظمة العربية للأحزاب الشيوعية شرسًا، إلى أبعد حد، ما وفر مبررًا لقيادات هذه الأحزاب، حتى تمارس المركزية على حساب الديمقراطية.
معروف أن المجتمعات العربية لا تزال تعيش في مجتمعات بطريركية (أبوية)، كرَّست غياب الديمقراطية، وأعطت صوتها للاستبداد. وامتد العمر بالبطريركية في بلادنا مع بطء التطور الاقتصادي – الاجتماعي. ولطالما غادر أعضاء حزبهم الشيوعي، لمجرد أن المجتمع أرحب من الحياة الداخلية للحزب.

حتى عندما وصلت أحزاب شيوعية إلى السلطة، فإنها بررت تغييبها للديمقراطية بمعاداة الماركسية – اللينينية للديمقراطية البرجوازية، والتي ليست إلا ديكتاتورية البرجوازية. لذا امتشقت الأحزاب الشيوعية سلاح "ديكتاتورية البروليتاريا"، في وجه الديكتاتوريات الأولى! وكان هذا إخفاقًا آخر؛ ما جعل المجتمعات الشيوعية نبتة من الجنة، تم حجزها في وعاء معتم، حجز عنها الضوء والهواء، فماتت باسفكسيا الاختناق.

لقد انهار "المعسكر الاشتراكي"، العام 1989م.، وبعد عامين انفرط عقد الاتحاد السوفياتي. وارتاح بعضنا إلى تحميل مؤامرات الاستعمار والصهيونية مسئولية ذاك الانهيار، وهذا الانفراط. بينما ما كان لتلك المؤامرات أن تؤتي أكُلها، لولا ضعف مناعة المجتمعات الاشتراكية، أساسًا بسبب غياب الديمقراطية، الذي مكَّن عصبة بيروقراطية من الانفراد بالحزب والحكم، فأفسدت مؤسساتهما، وبقية المؤسسات، الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية.
هنا أنقل من مذكراتي: "عُمْرٌ في المنفى" (ص 279- 281).


"السقوط


"ما أن انهار "المعسكر الاشتراكي" (1989)، وبعد سنتين انفرط عِقد الاتحاد السوفياتي، حتى دفع خصوم الاشتراكية، بعدم أهليتها للحياة.

"أعاد بعض الشيوعيين ذاك الانهيار والانفراط إلى مجرد مؤامرات الاستعمار والصهيونية، بينما ما كان لتلك المؤامرات أن تؤتي أُكُلها، لولا ضعف مناعة الدول الاشتراكية، بسبب غياب الديموقراطية، أساسًا.

"لقد استأثرت بالاشتراكية هناك أيدٍ نَصِّية جامدة، مهيأة لحمل الإرث الاستبدادي القيصري، وأعجز من أن تبلور ديموقراطية، مقابل دكتاتورية البرجوازية، وقد سمح غياب الديموقراطية لطغمة بيروقراطية باحتكار المواقع المؤثرة في الحزب، والدولة، والاقتصاد، إلى ان تحولت تلك الطغمة إلى الثورة المضادة، بعد أن نمت تلك الطغمة، بفعل تخلف المجتمع، وتناقضات الانتقال إلى الاشتراكية. وتجلي مدى تعارض المنافع الأنانية للبيروقراطية مع تطور الاشتراكية، فغدت الأولى كابحًا لكل ما هو تقدمي. وأخذت تناقضات المجتمع الاشتراكي في النمو المطرد، بين الطبقة العاملة وبين الإدارة البيروقراطية، والتناقضات في صفوف الأخيرة. ما فسر الاختلالات القوية في الاقتصاد السوفياتي، والاستعصاء في تحقيق التوافق بين نمط الملكية وسلطة الإدارة، فتعمقت الهوَّة بين الحزب والمجتمع، وأخذت الفجوة التكنولوجية مع الغرب الرأسمالي في الاتساع، أكثر فأكثر، وتردت الخدمات، واستفحل التفاوت الاجتماعي، ومعه الفساد، وتداخلت منافع الطغمة البيروقراطية مع القطاع الخاص، وسماسرة اقتصاد الظل، وتطلع كل هؤلاء إلى تحويل ثرواتهم المالية المتراكمة إلى رأسمال. فيما زُج بالاتحاد السوفياتي في مواجهة جديدة مع الغرب، عبر تسعير سباق التسلُّح، وتصدير رأس المال إلى الأطراف التابعة، واشتداد الصراع الصيني – السوفياتي، والتورُّط في حرب أفغانستان، عالية الكلفة، وهرولة السوفيات في اتجاه الانفراج، والوفاق الدوليين، ونزع الأسلحة.

"استحدث غورباتشوف البيروسترويكا (إعادة البناء)، كحصيلة لإجماع الطغمة البيروقراطية على ضرورة التغيير، بعد أن تعمقت عزلة تلك الطغمة عن المجتمع، وعجزت عن الاستمرار في السلطة. ومكَّنت سياسة الغلاسنوست (المكاشفة) قوى الرِدَّة من تنظيم صفوفها، مستفيدة من نفوذها القوي في أجهزة الإعلام، ومن موقعها الوسيط بين القمة والمجتمع.

"فَجَّرت البيروسترويكا الصراع، في ظرف دولي اختل فيه التوازن لصالح الإمبريالية، ما دفع البيروسترويكا حتى نهايتها الكارثية المنطقية.

"صحيح أن النظام الاشتراكي وفر الخبز دون الحرية، لكن سقوط ذاك النظام أفضى إلى اختفاء الخبز، أيضًا.

"فيما تمكن النظام الرأسمالي من تجديد نفسه، وتجاوز أزماته، وسد الثغرات في بنيانه، أولاً بأول، الأمر الذي حال دونه غياب الديموقراطية عن النظام الاشتراكي
.
"وفي حين ساهمت دماء المستعمرات في تجديد شباب النظام الرأسمالي، فإن كل أسرة سوفياتية أعالت خمسة أفراد زيادة على أفرادها، إثنين منهم عربًا!.

"بغياب (المعسكر الاشتراكي) افتقدت حركات التحررالوطني الماء المالح، الذي كان يُعوَّمها، حسب الشاعر اليساري الفلسطيني المعروف، توفيق زياد".


القاهرة في 10/11/2013م. عبد القادر ياسين