أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ساجدة زرار - التجريب الفنّي في رواية ((قفل قلبي))















المزيد.....



التجريب الفنّي في رواية ((قفل قلبي))


ساجدة زرار

الحوار المتمدن-العدد: 4297 - 2013 / 12 / 6 - 19:45
المحور: الادب والفن
    


يمثّل التجريب، في المشهد الرّوائي، إستراتيجية نصّية لها منطلقاتها النّظريّة ورهاناتها الإبداعيّة، ولها طرائقها الفنيّة وتقنيّاتها الجماليّة، ولئن اختلف النقّاد في تعريفاتهم للتّجريب، وتفرقت بهم السّبل في بيان شروطه ومقدّماته، وضبط حدوده ومنطلقاته، ورصد آفاقه وإمكاناته، فإنّ الاتّفاق يكاد يكون قائما على اعتباره – التجريب - بحثاً عن صيغ جديدة في القصّ واستحداثا لأشكال مبتكرة في الحكي ومساءلة لطرائق السّرد الكلاسيكي ذي المنحى الواقعي الوصفي، وخلخلة لقواعده المكرّسة وقوالبه الجاهزة تنظيرا وإنجازا، رؤية وتشكيلا أو الإفراط في ممارسة التجاوز. (1)
ينطلق ضبط حدود هذا الرهان الابداعي وينهل تقنياته من بحر اللغة وشاطيء الاصطلاح فالتجريب لغة: جرب ( تجريباً ) والتجربة , اختبره مرة بعد أخرى , ويقال رجل مجرب، جرب في الأمور وعرف ما عنده، والتجربة في العلم إختبار منظم لظاهرة او ظواهر يراد ملاحظتها ملاحظة دقيقة ومنهجية للكشف عن نتيجة ما او تحقيق غرض معين(2). وأما إصطلاحا فقد اشتقت لفظة التجريبية من التجريب أي الشيء الذي يستند الى تجربة ومنه (المنهج التجريبي الذي يقوم على الملاحظة والتصنيف ووضع الفروض والتحقيق من صحتها ) (3)
إن الرواية التقليدية نتاج رؤية تقليدية للفن والإنسان والعالم، وهي ببنائها العام وأدواتها تُعِيد إنتاج الوعي السائد، أما الرواية الحديثة فقد ظهرت تلبيةً للحاجات الجمالية الاجتماعية المستجدة دون إغفالٍ لأثر التراث من ناحية، والمؤثرات الأجنبية من ناحية ثانية، وهي تعبير عن وعي فني متطور، وتجسيد فعلي لمفاهيم أدبية ونقدية جديدة تتصل بوظيفة الرواية، وصلتها بالواقع و بالمتلقي. لقد أحسن محمد برادة حين شبّه الفنّ الروائي بشهرزاد التي لا تستطيع الاستمرار في الحياة إلا بقدر ما تبتكر من وسائل‏ الحكي، فالفن الذي لا يسائل أدواته ووسائله وتقنياته دائماً لا ينتج قطيعة مع المرحلة التي صدر فيها فحسب، بل ينتج قطيعة مع المستقبل أيضاً.‏‏ (4) وتختلف شهرزاد التجريبي عن التقليدي يتناوب الادوار فشهريار هو الذي يحكي ويسرد، ويروي حياته وحياة غيره من الشخصيات داخل النص الروائي والطريقة التي ابتكرها تحسين كرمياني في روايته هي الجمع بين تقنيات مختلفة بين السيرة والرواية مع الافادة من تناصات من نصوص عالمية وعراقية .
إن التجريب استراتيجية فنية، تسعى إلى مغايرة وتقويض النموذج السائد من خلال جعل الكتابة بلا حدود، أو في إطار استراتيجية تقوم على: (5)
(1) بناء النص السردي على شذرات تنتمي إلى صيغ خطابية متعددة.
(2) تكسير خطية السرد- أي تقديم القصة بطريقة لا تضمن بناءها بناءً تقليدياً.
(3) ليس الراوي في الخطاب التجريبي راوياً محايداً، أو له وجهة نظر كما لدى الروائي التقليدي، بل هو معني بالتفكير في النص الذي يقدمه.
ويكتب تحسين كرمياني نصه الروائي في مضمار التخييل الروائي.وتكسير خطية السرد الروائي والسير- ذاتي، وهو الأمر الذي يجعل النص يأخذ بُعدا فنيا آخر، بحيث نكون بإزاء رحلة مزدوجة تجمع بين الغوص في أعماق الذات الفردية، والغوص عبر الغوص في أعماق الذات الجماعية. وكل ذلك عبر كتابة سيرة / قصة سلالة انقرضت، وهي رهانات تجعل من هذا النص يتقدم في تشكيل عوالمه الروائية استنادا إلى مجموعة عناوين أو عناصر، نذكر منها:

عتبة العنوان:
يلعب العنوان الذي يعد علامة ذات دلالة وبعد إيحائي دورا مهما في عملية تأويل النص واختزاله، فهو الذي يقوم بتعيين طبيعة النص الذي يسمّه. وتنبع أهميته من كونه صلة الاتصال الأولى بين النص والمتلقي، يقوم من خلال ما يمثله من مفتاح تأويلي كما يقول إمبرتو إيكو بربط القارئ ( بنسيج النص الداخلي والخارجي ربطا يجعل من العنوان جسرا يمر عليه) (6).
لا يحمل العنوان في رواية (قفل قلبي) اسم شخصية من شخصياتها مثل رواية (زينب) او غيرها من الروايات التي تأخذ من اسم شخصية من شخصياتها عنوانا لها وهي شخصية محورية فيها، وانما تحمل الرواية عنوانا ينبش في ذات الفرد وذات العراقيين والتي تمركز السرد حولها، بحيث يكشف ذلك عن المقاصد الدلالية التي انبنت عليها استراتيجية العنوان عند الروائي، وما يود تحقيقه على مستوى التلقي فالمتلقي الأول لسرد الرواية يشير الى عدم تقدمه للوصول الى أغوار قلب الولد الذي يقوم بمعالجته (( في حقيقة الأمر ، لم أحقق تقدماً في ثلاثة مساءات متتالية – حين كنت أزوره – ما خططت في ذهني تعثر ، ظلّ يراوغ كلّما أطرح عليه سؤالاً ، غايتي الوصول الى منفذ يلقيني في مستنقع أغواره ، إذ وضعت في بالي مداهمة مباغتة إلى مستودع قلبه ، كون القلب حاضنة فايروس الحب ، والحب هو الباب السرّي ، والمنفذ السحري لفك مغاليق كل صمت ، ونكوص ، وسأم لدى المراهقين)) (7).
تقوم استراتيجية بناء العنوان في أي عمل أدبي على مقاصد دلالية يسعى الكاتب لتحقيقها, ولذلك يشكل العنوان فاتحة دلالية مهمة، الأمر الذي دفع الدراسات السيميائية للتركيز على أهمية العنوان ووظيفته, فرأت ان دراسة العنوان تحيل على مرجعيتين, مرجعية خارجية تقع خارج النص, ومرجعية داخلية تحيل على النص, إذ يشكل العنوان في هذه الحالة مفتاحا يساهم في الدخول الى عالم النص واستجلاء أعماقه ومضامينه. فيدخل العنوان والرواية في علاقة تكاملية وترابطية الأول يعلن والثاني يفسر ويفصل ملفوظاً مبرمجاً الى درجة إعادة الإنتاج، وهو يرتبط بالمتن الروائي ارتباط السبب بالنتيجة ، إنه يمثل فعلاً مفتاح النص إنه (( البداية الكتابية التي تظهر على واجهة الكتاب كإعلان إشهاري ومحفز للقراءة)). (8) وهو ((شبكة دلاليّة يفتتح بها النصّ ويؤسّس لنقطة الانطلاق الطبيعيّة فيه. والعنوان بوعي من الكاتب، يهدف إلى تبئير انتباه المتلقّي، على اعتبار أنّه تسمية مصاحبة للعمل الأدبي، مؤشّرة عليه)). (9)
وان اول متلقٍ ضمني للرواية في نهاية الرواية يريد ان يسمي روايته ب(( قفل قلبي)) حتى لا تقبر معاناة الولد الشقي الذي انتحر في بداية الرواية .
وقد جاء الرسم الطباعي للرواية على الغلاف بشكل عمودي وكانه بذلك يشكل مفتاحا يفتح قفل قلب الرواية، او قلب الذات العراقية، فهناك اشارات خفية داخل الرواية لعيون المتلصصين والمترصدين للاخبار داخل كل البيوت العراقية وخاصة في مدينة جلولاء التي كتبت في الرواية بـ ((جلبلاء)) ولا مكان للهرب اليه فـ ((الدنيا ملغومة بالوشاة سيمطرونك في ساحة عامة)) (1).
ويفسر القسم الشعري عنوان الرواية اكثر ففي الغلاف صورة ولد صغير حزين قد اصيب بسهام كيوبيد، وهو في الميثولوجيا الرومانية ابن الإلهة فينوس وقد أشتهر دائما بحمله للسهم وبكونه طفلاً، كان كيوبيد شديد الجمال، وكان سهمه يصيب البشر فيسبب وقوعهم في الحب. كان غالبا يصور كطفل صغير - قليل الحظ - في هيئة ملاك بجناحين ومعه سهم الحب. وأحيانا كان يصور أعمى كرمز على أن الحب أعمى ولا نختار من نحب.
إذن العنوان يفسره القسم الشعري فحين يعرف الولد الشقي:
((أنا..
من أنااااااااااااااااا..!!
ولد رآه (كيوبيد) مؤهل لتكملة مشهد حضارة الحرب
(هي )
أعلنت نفيرها الاستقلالي
أنا..
ركبت حصان اللاّ..أدب..!!)) (11)
فإن ذلك يشير إلى هذا المغزى القادم من فضاء الأسطورة والموظّف داخل فضاء العمل السردي الروائي على هذا الشكل.
الاسم الراوئي ووظائفه السردية:
يشكل الاسم احدى السمات المميزة للشخصية الروائية، وتواتر بعض الاسماء بدرجات لافتة للانتباه دليل على ان الروائي لم يوظفها عبثا او اعتباطا بل استعملها كمؤشرات تحتاج الى تأويل وتفسير. وفي كثير من الاحيان تلخص لنا بعض الاسماء بإيجاز حقيقة الشخصية وتعطينا لمحة عنها، فبناء الشخصية لايقوم على جانب واحد فقط بل ان الروائي يحاول التنسيق بين عدة ابعاد لتكون في الاخير محصلتها الشخصية.
إن التنوع والاختلاف الذي يطبع اسماء الشخصيات في الرواية والقصدية التي تضبط اختيار المؤلف لاسم الشخصية ليست من دون خلفية نظرية. (12)
فالاسم علامة لغوية بإمتياز وهو الذي يعين الشخصية، ويجعلها معروفة وفردية، وقد يرد الاسم للشخصية مصحوبا بلقب يميزه عن الاخرين الذين يشتركون معه في الاسم نفسه، كما يميز اللقب في تحديد التراث الاجتماعي للشخص الذي تخبرنا عنه المعلومات حول الثروه او درجة الفقر بل ان المعلومات التي يقدمها الروائي عن المظهر الخارجي للشخص وعن لباسها وطبائعها وحتى عن ارائها، تأتي كلها لتدعم تلك الوحدة التي يؤشر عليها الاسم للشخص بحيث تشكل معها شبكة من المعلومات تتكامل مع بعضها وتقود القارىء في قراءاته للرواية. (13)
عبر كل هذا عن امتساخ الإنسان وجوديا وكينونيا، وذوبانه في مجتمع لا يعترف بالإنسان كذات وشعور وروح داخلية، فتم تحويله ، بالتالي، إلى مجرد آلة أو علامة أو بنية أو رقم ضائع. وبالتالي، علبته داخل مجتمع رأسمالي تقني ليس إلا (14).
كما يرى أن التجديد الأدبي والفني لا يقتصر على التغيير في الأسلوب، ولا يعني التزيين والزخرفة وإضافة الأصباغ والألوان، ولا يعادل مسايرة الدرجة السائدة في مكان آخر، بل يعني ما هو أعمق من هذا كله وأدل من هذا كله، إنه يعني إحساس الأديب بأن الأدوات القديمة أو المألوفة لم تَعُد ناجعة في تحليل الواقع والتفاعل معه وتفسيره وفهمه، ولهذا كان لابدَّ من البحث عن أدوات جديدة فاعلة في هذا المضمار، أو بمعنى آخر حيازة جمالية للعالم أو بحث عن عالم أفضل. ولا يسمي تحسين كرمياني شخصياته بالاسم، وانما بالألقاب أو الكنية أو الصفة وقد يكون استخدام الكنية واللقب والصفة من أجل التعميم، فالشخصيتان الرئيستان اللتان ترويان الاحداث هما الطبيب والولد وفي بعض الصفحات تذكر الولد الشقي وقد ذكر اسم الولد (حامد) لمرة واحدة في الرواية من قبل الحفافة (النامسة) :
كيف أنت يا (حامد)؟
وأنت كيف حالك ؟
أنا أفكر بك كثيراً.
وأنا أحب أن أراك دائماً
قالت النامسة :
هيا يا فحل ، أرحنا وريّح نفسك .
لاشيء يريحك يا بقرة
ليت الرجل يمتلك جملة أفاعي ليحشرها كلها معاً كي ترتاح مملكاتنا السحيقة.)) (15)
وفي احدى اللقاءات بين الحفافة والولد يذكر اسم الحفافة لمرة واحدة في الرواية، يروي الولد الشقي عن ليالي الرنين والحرارة التي تمتلكها البقرة أو النامسة أو المأفونة ويتوسل بها ويذكر اسمها حتى تبقى وتسعده:
((- لم أنت تختلفين هذه المرة
-أنا دائما أمتلك هذه الحرارة.
- لم أعهد فيك هذه الرغبة الحامية .
- أنت كنت مشغولا بـ ( هي )
-............
- ..............
.........
لم لا تبقين يا (بدرية )؟
علي أن أذهب قبل أن يكتشفوا أمرنا
أرجوك .. أبقي هنا .. لا أحد هنا يسعدني سواك .)) (16)
وحين يسمي الولد العشيقة ب (هي) تبرر التسمية بقوله في الورقة الاولى من سرد سيرة حياته للطبيب بقوله ((لكي لا يحاسبني الزمن سأسميها (هي) وربما تسمية (هي) تناص مع رواية محي الدين زنكنة (هم أو .. ويبق الحب علامة)**أما الطبيب والطبيبة فاسمهما يتناص مع رواية ارنست همنغواي (( وداعا للسلاح )).
والولد الذي يروي سيرة حياته يسمي الشخصيات القريبة منه بالكنية أو اللقب فلا نعرف ما اسم ابنة العم أو الفتة الصغيرة أو الحفافة أو الرجل الميسور أو اسم (الأم) ، فابنة العم لها تسميات أخرى في الرواية (( خرجت الى باحة المنزل (الأم تنتحب ، ابنة (الغم ) تحاول تهدئتها، أرجوك تقبل مني هذه التسميات – ابنة / الغم /الهم /الدم / المشاكل / الشجرة / الخ ..- اراها مفردات تصب في صالح المضمون)) وفي نص آخر يقول ((أمشي ، عيون ابنة (الدم ) تقتفي أثري ، عيون العالم لا تتركني لحالي، صرت في موقف لا أحسد عليه ، ابنة (الدم ) الذي ختم على حضارة الخلق بالترجل عن فكرة التشظي ، والانتشار السريع في مهاد آخر واقفة في لحظة قنص .. صاحت :
أين؟
الى العالم .
العالم نائم .
العالم كله يتلصص الآن , أنت معهم
أحبك
يا لها من سخرية ،عبث مباح ، ستقول كل أنثى لي هذه الكلمةالمسكينة .دفعتها ظلت تتشبث ، أحاول ، تحاول ،بالطبع لم يكن في بالي في تلك اللحظة ، إن كانت (الأم ) ترصدنا من نوافذها المهيئة لقنص تحركاتي الذئبية .. (17).
ومهمة الفنّ الروائي في الرواية الحديثة تَكْمُن في إثارة الأسئلة والإجابة عن أسئلة أخرى. أما الرواية الجديدة فهي مفارقة للرواية الحديثة، ، أياً كان الجنس الذي ينتمي إليه، رسالة تمارس تأثيرها في المرسل إليه حينما تحسن اختيار وسائلها، وحينما تكون تلك الوسائل منبثقة من داخل الرسالة وليس من خارجها، أي حينما تكون معلّلة تماماً.‏ ولئن كان من المهم الإشارة في هذا المجال إلى تعريف "بورخيس" للرواية بأنها: "ممارسة إشكالية، أي أنها عمل يضع العالم موضع البحث والتساؤل"، فإنه من المهمّ أيضاً الإشارة إلى أنّ الرواية العربية لا تومئ إلى مستقبل لها بمنأى عن هذا التعريف، أي عن وعي مبدعيها بأنّ الفنّ الروائي ممارسة إشكالية، تتجاوز مساءلة الواقع إلى مساءلة التقنيات التي يمكن من خلالها مقاربة ذلك الواقع على نحو فنيّ.‏
وإذا كانت البنى الفنية تقيم تناظرات مختلفة مع البنى الفكرية السائدة؛ فإن التجريب الروائي في ممارسته للتجاوز؛ في علاقته بالنموذج الواقعي في الكتابة الروائية؛ يعني أن هناك تجاوزا آخر تحقق على المستوى الفكري كذلك. وإذا كان التيار الروائي الواقعي؛ يرتبط جوهريا بالمنظومة الفكرية الاشتراكية؛ فإن التجاوز الفكري الذي تحقق؛ يرتبط بموجة (اللبرلة) التي بدأت تغزو العالم ككل؛ مع سيادة العولمة؛ وانفتاح العالم؛ ومنه المغرب الذي انفتح مبكرا على هذه الرؤى الفكرية الجديدة .
إن العمل الروائي الجاد يعلن صراحة وبحيادية تامة أن الكاتب ليس عبداً للأجناس ولا تابعاً لها، إن المبدع الحق من يخلق تلك النصوص التي تفرض على الجنس الأدبي أن يتماهى مع منتجه، متجاوزا تلك الثقاليد والأعراف الكتابية التي تشكل عائقاً معرفياً أمام الثورة الإبداعية حين لا يحرص المبدع على أن يقيم علاقة بين منجزه الكتابي والتقاليد الأدبية السائدة ، أو لنقل حين لا يجعل قلمه منخرطاً في مدار الاقتداء والتمسح بسقف جنس أدبي محدد. لقد ظلت الرواية جنساً أدبياً تتبدى قدرته وصلابته مع مرور الزمن على خلق نماذج مختلفة من التعددية تتجاوز التكنيك السردي إلى العوالم التي تتصل بها فضاءات النص.
ومن دور المبدع لنا أن ننتقل إلى الدور الجديد للقارئ ، وهو الذي يتكون لديه أفق انتظار للعمل الروائي قبل تناوله ، ويتحدد هذا الأفق بعوامل مختلفة من بينها تجربة القارئ السابقة أو الأولية مع الجنس الأدبي الروائي ، ويضاف إلى ذلك تلك المعرفة السابقة بأسلوب كاتب روائي معين، أو خبراته القرائية في الرواية بأنواعها وتياراتها ، ومن ثم دور العادات والطقوس التي تتحكم في ملامح القارئ النفسية والاجتماعية.
إن القارئ المعاصر قارئ فاعل نشط ، ولنقل : إنه قارئ مبدع يبث نشاطه عبر النص لينجز إبداعاً جديداً ، ومن هنا تتبين لنا أهمية التجريب في تطوير هذا التكامل المعرفي الأخاذ بين منظومة الاتصال الثلاثية ( المؤلف ـ النص ـ القارئ).
إن هذا النص، نص جديد بمادته وموضوعه وأسلوبه. وهدفه. نص يتغيا إلى المساهمة في خلخلة الوعي الجمالي السائد. وتأسيس وعي جمالي جديد ينطوي على مفهوم خاص للكتابة الروائية. كتابة تثير الدهشة و التساؤلات:
(( يا من بعثت لتكون محللاً ، شاهداً ، مؤرخاً ، أميناً ، على ما أبوح ، لك أن تصدق ، أو تنفي ، ما يصلك من أوراق ، بعد فوات الأوان .)) (18)
((يا صاحبي .. بي ضيق ، أرجو أن لا ينمو ، يحرمك من هذه الاعترافات ، كلّما أكتب أجد أنني أذهب بعيداً عمّا تريد ، رغم يقيني أن حياتي سلسلة أحلام متصلة، سلسلة نادرة من حيث تبدأ بسلام شاملٍ، ستنال فرحتك ، كل شيء في مرتب ، مهندم كي أكون غذاء متكاملاً،حين أعودلأكمل سيرة حياتي، أنقاد لهاجس ٍ مباغت ، ليس بالضرورة مراجعة ما دوّنت ، تلك مهمة نقدية أمقتها ، لا وقت لدي ، زمن يضغط ، أنت تضغط، أريد التخلص من أعباء أوزار ثقيلة ، أريد أن أسافرمن غير حمولة لا تنفع ، اسمح لي بذلك ، سأقول ما يحضرني ، عليك غربلة ما يأتيك بامكانك ترتيب أوراق حياتي كما تشتهي أنت ..!!)) (19)
(( هذه الطريقة أرجو أن لا تفسرها استرتيجية جديدة في إيصال القضيّة إليك ، أريد أن ألمم شظايا سنوات طويلة ، سهلة التناول ، أجدها طريقة ممتعة ، تمنحني فرصة انتقالات متلونة، سريعة إلى كل حادث يومض في بالي فجأة .)) (20)
(كل سرد يتضمن سردا آخر، سواء كان يتناوله موضوعا مباشرا للسرد، أو يتقاطع معه ويدخل في تشكيل بنية النص.):
((في المنزل استقبلتني الدكتورة :
ما الذي تحمل يا عزيزي.
ربما الكنز الذي ظلّ يؤرقني .
وهل ثمة كنز غيري.
كنز الكنوز أنتِ.
وما هذا الذي تحتضن ؟
جواب اسئلتي.
.. ما زلت في قلب الحدث .
قد يكون المشهد الاخير لهذه المأساة.. !!
قامت خطيبتي ، تركتني لقراءة الأوراق ،كدس بحجم كتاب، مكتوبة بخط هادىء، مرتب بعناية فائقة ورغبة من صحا ضميره،لبث ما في صدره من أسرار ، انتهيت من شرب الشاي ، نحيت القدح جانباً، بعدما تعشينا، وجدت من الأنسب أن أستلقي في فراشي، حدّقت في الساعة الجدارية ، كانت العقارب تؤشر انتصاف الليل، دقت ساعة صالة المنزل دقاتها الكنائسية ، تناهى رنين عذب لسمعي ، رنين .. رنين خادر غمرني لحظة تمددت ، أطفأت إنارة الغرفة ، ضغطت زر إنارة – التيبل لامب – وشرعت أقرأ..!!)) (21)
((لا تقل لماذا ..؟؟ ، أرجوك ، كل شيء سيأتيك على مهل غير ممل..!!
( أخشى أنني فقدت الموضوع )
***
لا تترك ما سردته جانباً، كن واثقاً ما أقوله ، جواهر ليس بالضرورة أن تكون نفيسة ، لكنها تنفعك يا صاحبي، ستسهل لك عملية خياطة هذا الجرح الذي أزعجك ، سامحني إن أطلت عليك قليلاً، بي رغبة أن أراوغ عليك قليلاً، لا أعرف لم ، ربما أريد أن أصبح روائياً برأسك، طالما كانت أمنية ورغبة ، قد يكون الزمن هو من لعب معي هذه اللعبة .أرجأ رغبتي حتى ينفلق أفق مستقبلي ، تأتي أنت أيها الباحث عن آلام التعساء كي تجد لهم الدواء ، حسنا اسمح لي أن أتحرر من قيود الحكايات العمودية ، سأتكفل لك بايصال ما تبغيه منّي)) (22)
((ليتك بكرت قليلاً لربما لن يحصل الذي سيحصل .نعم أقولها بملء فمي ، اظن أنني لمحت لك عن رغبتي ، ولو بشيء من التحفظ والكتمان ، ما الذي سافعله من الحاحاتك ؟ آه ..يا للهول أنت الآن تعرف كل شيء طبعاً ، تعرف أنني أصبحت خارج حساباتك التمهيدية لانقاذي، كيف لم أنتبه لذلك ؟ المهم واصل الآن معي، أنا ميت يا عزيزي ، ائن سافر برغبته ، ربما تجد رغبة ضارية للمواصلة ، ما سيحصل قرار لا رجعة فيه ، متعة الكتابة يا لها من متعة، لكن المصيبة تتأجج عندما يأتي المساء، ربما أعني نهاية الحياة ، أو لنقل حين تضيق سبل السعادة ، تغدو لنا العزلة جنينية، الورق وسادة، كل كتابة – هذا ما أجده الآن طبعا من تعبير يحضرني- كنت بصدد أن أقول كا كتابة تسبق زمنها غير ناضجة ،كونها غير متسربلة بالمآسي ، لا بد أنها محض تهويمات ، اختلاقات ، غالبا ما سلال النسيان مساكنها.)) (23)
((يا صاحبي ، لم يعد هناك وقت للزواج الحرب تزحف ، تلتهم ، لم أرغب ترك هذه البلوى الساكنة فوق دربي كي تكون لغيري..... الحياة تمضي على أنغام ثابتة. كثّفت من قراءاتي للروايات ، قصص الغرام ، كتبت دفاتر من كلمات شعرية رنّت في خيالي ، كنت أخالها شعراً، ثق لا أحد غيرك سيطلع عليها ، هي عندي في مظروف ، كنت أحياناً أتسلى بإضافات قد تنفع أو لا تنفع ، أجري تعديلات ،أحياناً أنساها، هي الآن رهن يديك ، لك ما شئت أن تفعل بها ، أنا أرغب حرقها، لأنها لم تعد تنفع ، كون الشعر أصبح سلعة الصعاليك ، المخنثين ، طارقو أبوا الطغاة، التغني الزائف بالماضي القميء ، خذما ينفعك، واترك الباقي للنار)) (24)
ويطلب الراوي في بعض الاحيان الراوي (الولد) من القارىء (الطبيب) أن يتمهل من معرفة سيرة حياته ((لا أريدك أن تستعجل الأمور ، أنا لي غايتي مثلما لك غايتك )) (25). وحين يتعرض الولد لغيبوبة بسبب وجود شيء غريب يسد مجرى البول لديه ويؤدي الى نهايته كرجل في بداية الرواية، يراوغ الطبيب في الوصول الى الجواب يتعرف القارىء الطبيب على الجواب حين عرضه لسيرة حياته في أوراقه التي تركها للطبيب، حين ماتت هي ودخل الولد الى العسكرية بدأ يأخذ الحبوب الهلوساتية المهدئة وكي يخمد نيرانه الجسدية يتعرى ويتجول في الحقول والبساتين ويهبط الى مياه الجداول كي يخمد حرائقه الكونيه المنبعثة في أغواره وفي أحدى المرات يأخذ: (( ثلاث حبات مهدىء ،... تناولتها في محاولة انتحارية ، راح الجسد يغدو سفينة عائمة ، وجدت نفسي أجلس قرب شجرة ، أسندت جسدي على الجذع الرطب ، بين متناوم ومتيقظ، وجدت (هي) واقفة ، جاءت ترأف بحالي ، ناديتها، دنت ، جلست بقربي ، وجدتها ظامئة ، عيناها تتوسلان ، أغوارها تقذف شرر الحب والشوق ، بكت ، بكيت ، صرنا معا، مثلما كنّا نصير عاريين تماماً،ترقص ، أرقص معها ، أخذتنا أمواج الطوفانات العسلية على عالمنا الضائع..!!
......
......
قبيل الفجر بقليل قفزت من فراشي لحرارة لاهبة ، حرارة لم أمسك خيط مصدره ، راح يمزق أحشائي ، ليس جوعاً طبعاً ، دعني احكي لك بكل ما لدي من تفاصيل حول هذه القضية المتطرفة ، هنا (مربط الفرس ) كما يذهب المثل الشعبي ، يتعلق بربط الأمور الحكائية، هنا نقطة التحول الكامل لحياتي السريعة ،ذهبت الى دورة المياه، ثمة حرقة قاتلة ، في مكان كوني ،مكان الغرائز البشرية التي ستتواصل ، بدأت أصرخ ، بدأت أضرب الجدران بعنف ،بيدي ، برأسي ، بدأت أركلبقدمي كل ما يعترضني ، لا أحد يسمعني، أضع كائني في ماء مثلج ، أجلس في الماء، روحي تهمد ، وجهي يتلون ......
.......أخذوني الى المشفى ، زرقوني بإبرتين ، زرعوا في يدي المغذي ، استعدت وعيي ، وجدت نفسي مربوطاً الى السرير، ليس بوسعي التحرك، ناديت ، صرخت، جاءت طبيبة غاية في الجمال ، متشحة ببياض كامل .. صاحت في:
أزعجتنا أيها الشقي.
لم أنت مربوط؟
أنت تعرف لم ربطناك أيها الحمار.
أنا حماااااااار.
نعم من كثر نهيقك فلقت رؤوسنا.
أخرجوووووووووووووووني.
ليس قبل أن يأتي الطبيب.
وكنت أنت الطبيب القادم لتقرير مصيري أيها الصديق الأخير..!!
***
الآن طبعاً سأبوح لك بذلك الجواب الدفين ، لذلك السؤال الدفين الذي قرأته في عينيك ، سؤال محير ، ربما خشيت أن تبوح به ، أو من باب الاستحياء ليس إلاّ، ربما سؤال لم يتشكل بعد بسبب حالة استثنائية واجهتك في عملك المهني ، وجدت في عينيك استفساراً منطقياً لما حصل لي ، في عينيك قرأت السؤال :
هل فعلت شذوذاً؟
نعم واقعت حماراً .. هاأنذا أجيبك بكل صراحة..!!)) (26)
تنتمي رواية "قفل قلبي" إلى صنف الأعمال الروائية التي تتعمد النبش في تفاصيل الذات المأزومة بحثا عن سر اللعنة الراسخة التي في الأعماق ، وهي رواية ذاتية، في غالبيتها ، تنزع الى تشريح الذات، في جانب معين من خصوصيتها، تماما كما تفعل السير الذاتية .
يرى خزندار ان الجنس في الروايات الرومانتيكية كرواية مارسيل بروست "بحثا عن الزمن الضائع" أو فلوبير يخدم هدفا أخلاقيا ويعرّي زيف المجتمع ولا يستهدف الإثارة الجنسية، داعيا الكتاب العرب إلى تجاوز فترة المراهقة واستيعاب هذا الهدف الذي يسمو بالإنسان ولا يهبط به إلى القبح ويثير غرائزه الحيوانية.
ولعل رغبة الروائي في القبض على العوالم الموجودة في ذوات العراق ابان الحرب العراقية – الإيرانية تجعله يسلك هذا المسلك في رفع الحجب عن شخوصه، وتشخيص مكامن الخلل في ذواتها الخبيئة التي تشكل بؤر توتر عميقة تؤثر على مسار هذه الشخوص في علاقاتها المتشعبة بالحياة، فيكون المعبر الاصلح بالنسبة اليه هو تقشير ذاته القريبة منه ، أو جعل الشخصية الرئيسة تحل محل الذات العراقية لتكون اقرب اليهم وليستطيع تحويل آلامهم الى كائنات مرئية، اي حين يحول الذات الى شخصية يفسح ما امكن لصور الآخرين وهم يعاركون واقعهم ومآسيهم بأن تلوذ بظله حتى يمكنه من القبض عليها ويستمع الى جراحاتها التي تتأبى على فضحها.
انطلاقا من هذه الفلسفة يركب تحسين كرمياني صهوة متخيل العراقي ، ليعابث قسوة الواقع، وينشر على حبل الغسيل أمراض الذات العراقية وهي تهادن هذا الواقع أو تتمرد عليه بطرقها المتعددة بالهرب، وان كان الهرب من العالم مطر بالرصاص في ساحة عامة، إذ هناك نوعان من الحرب في الرواية:
الحروب الحقيقية والحروب اللاأخلاقية التي كانت الام فيها هي السبب، وفي زمن الحرب لا تجد شخصا صاحيا انما الكآبة تنسج حولهم خيوطها الدبقة:
" حرب بدأت تطلبني ، رغم كوني في السابعة عشرة من خريفي لا كما يقول البعض تزلفاً ربيع العمر، لقد ولّى ربيعنا منذ دهور،بلاد بلا ربيع ، بلاد لا تعرف غير البنادق ، ووسائل بناء الحياة ، ألا تشاطرني هذا القول، لا ربيع حين يتولى الطغاة والسفلة قيادة سفن الحياة، ليس أمامي سوى سويعات ، كي أحزم يأسي ، ألقي احلامي في كتفي، قدما أمضي إلى متاهات المتاريس الواهية،لصد الشرور المصطنعة ، وفق قباحة أبواق لا تستحي حين تنعق، خربت بيوتنا و غادرتنا براءتنا، صار لون الفرح كابياً ، مرهقاً، آه .." (27)
السارد والمسرود له:
يخلق رمز ((قفل قلبي)) في القارىء القلق لا على مستوى الشخصية التي يصورها ، بل على مستوى القرية التي تتحرك فيها أيضا، فالبغاء، وحبوب الهلوسة، وتجاوز المحرمات، واستكانة الأم الى حد التواطؤ، كل هذه المسائل التي تنكرها الثقافة العربية ، قد احتضنتها رواية ((قفل قلبي )) في صفحاتها المترامية .
وما يلفت النظر في الرواية هي غرابة أحداثها، ومخالفتها لمألوف السير الذاتية الروائية، فالدور الحقيقي للرواية هو الصدق ، والجرأة، وقد حملت النص المشاهد العارية والالفاظ العارية، فحقق مالم تحققه السير المتأنقة الشائعة في العالم .
هذه الجدة في الأسلوب من خلال ربط الواقع بلغته ، ومحاكاة التحتيات الإجتماعية بلغة تحتية فجة هي أبرز ما في ((قفل قلبي)) من تجريب ، والكاتب ينهض بآليته مختاراً واعياً، ويرمي من خلاله الى فضح ما يسكت عنه الناس وينكرونه، فالرواية التجريبية عمل تغييري من وعي الكاتب ، ومن وجوه هذا التغيير ظهور البطل (المُشكِل) الذي تصفه جوليا كريستيفا بأنه وُلِد من الانتقال من الرمز الى العلامة، من الرمز الذي يقابل عالماً يرعاه الله الى العلامة التي تقابل عالماً من صنع الإنسان عرضة للغموض وتغير المعنى.
واذا كان تكسير خط الزمن وتداخل مستويات السرد قد صار جزءا من أبجدية التأليف الروائي، فإن تقنيات أخرى عرفتها الرواية الحديثة واكتشفها وعي الكاتب العراقي في محيطه، يفضي التجريب في بطل رواية ((قفل قلبي)) جمالية وتجاوزا للبنى الكلاسيكية. طريقة تأليفها ؛ في الأصل ثمرة تعاون بين ساردين داخل الرواية، سارد يروى في أوراقه من حيث المضمون سيرته الذاتية وسيرة الشخصيات العراقية من غني وفلاح وحارس مدرسة و(الأم) وغجرية وضابط عسكري وجنود وطبيب وطبيبة والفتيات التي تطلب منهن البغاء مقابل حفنة من المال. فالبطل والسارد هما شخصية واحدة ويتأتى التغير في اشكالية البطل والراوي نتيجة العولمة واللبرلة، فحين تكون الحكومة منشغلة باطعام (عزرائيل) والحكومة لا تعلم في الحروب تستعر رغبات الاناث ويتعلم الرجل الكآبة والصمت وحروب الجسد، وهناك اشارة في هواجس الهاوية القسم الشعري في السيرة الذاتية الى تخلص الحكومة من الشباب اما باطعامهم لعزرائيل اي الموت أو دخولهم في عالم الكآبة والصمت والجنون والانتحار:
(حكمي أنا)
في ساحة لا تتسع الطفيليين
ستتخلص الحكومة من لبرالي
قرر (كيوبيد )
ينتخبه في زمن الحمير
جندي حب ..!!)) (28)
يسعى الروائي حين يعمد إلى تكرار مقطع سردي معين داخل الرواية الواحدة إلى تأكيد حدث معين باستعادته المتكررة حتى يرسخ في ذهن القارئ. فيكون ذلك أشبه باستعادة المشهد السينمائي في الفيلم من خلال استعادة الشخصية الدرامية للحدث . وينشط هذا الأسلوب في الأفلام ذات الطابع السيكولوجي حيث تتردد فيها مشاهد الكوابيس والأحلام وأحداث الطفولة .
ويتوسل الروائي مرة بالتكرار لإبراز زاوية نظر مختلفة للحدث الواحد . فالطبيب والولد وهما يرويان الحدث من زاوية نظرهما الخاصة ومن موقعهما الخاص يعملان على تغيير الحدث مع موقع سرده في الحكاية، فدلالته في بداية الرواية غير دلالته في وسطها أو فى نهايتها . ويذكرنا هذا التكرار بقضية مهمة تبنتها الرواية الجديدة وهي” نسبية الحقيقة” فلا شيء ثابت ونهائي في العمل الإبداعي , كل شيء نسبي لذلك فالمقطع السردي الواحد في ارتحاله من موقع إلى آخر لا يكون هو هو . ولا يمكن أن يحافظ على الدلالة نفسها والوظيفة نفسها , فمثله مثل النهر الذي لا يمكنك أن تسبح فيه مرتين، لا يكون النص المكرر نفسه وان حافظ على خصائصه اللسانية والطوبوغرافية .
أما التكرار الثاني الذي أطلقنا عليه عبارة “التكرار العابر للروايات” فيحمل شعرية أخرى ودلالات مغايرة منها خلخلة عملية التلقي التقليدي ذات الطبيعة الوثوقية . فالقارئ المتابع تهزه هذه التكرارات وتثير عنده أسئلة جمة أهمها: أين قرأ ذلك المقطع ؟ وهذا ما يدفعه في اغلب الأحيان إلى مراجعة مدونة الروائي حتى يعثر على النص المكرر .إن استعادة أحداث بعينها في أكثر من رواية لنفس الروائي تدفع بالمدونة الروائية نحو السيرة الذاتية لأنّ الحدث يتملّص من نسبته إلى الشخصية المتخيلة ليصبح لصيقا بشخصية الكاتب.
تمثل تقنية التكرار دوراً أساسياً وتتخذ شكل الأوراق والأرقام والمطولة الشعرية، فالبطل يروي مرارة حياته بتواريخها ووقائعها الثقيلة الوقع مرة بكتابة نثرية ومرة بكتابة شعرية بعد انتحاره، فهو يعيد رواية ماحدث وكل مرة بصورة مختلفة تعكس مستوى التطور الانفعالي الذي بلغه، فقد سأله الطبيب وأصر أن يكسر قفل قلبه فكانت ردة فعله الصمت، ثم تحول الى الشرود والهذيان فتمرد فانتحار . فقد دوّن قبل انتحاره سيرة حياته التي أدّت به الى مسالك مغلقة في عالم هلامي كلما يمشي فيه يصل الى مشارف الهاوية التي فيها خلاصه السؤال. ومن التقنيات الاخرى التي استخدمها تحسين كرمياني في (قفل قلبي) هي تقنية السؤال والبحث عن الجواب وغالباً ما تستخدم هذه التقنية في الروايات البوليسية والروايات الفلسفية " ـ هل يعقل أن أجد شاباً مثلك يرتمي في حضن اليأس ؟ "(29) ولكن الطبيب لم يحقق اي تقدم لان الولد ظل يراوغ كلما يطرح عليه الطبيب سؤالاً للوصول الى جواب يلقيه في مستنقع اغواره وعدم الكشف عن الجواب الحقيقي لسر الولد يؤول به الى براثن الموت والانتحار، فقبل ان ينتحر اصيب الولد بحالة غيبوبة مؤقتة :
قلت له :
ـ أتعبتني ، أغريتني إلى الحد الذي قررت أن لن أتركك ،مادام باب قلبك موصداً بوجهي.
ـ لا أسمح لك بدخوله .
ـ جزاء الإحسان .. إحسان .
ـ لا أريدك التجوال في كهوفٍ خربة
ـ عسى أن أهتدي لضالتي. (30)
يحتل السؤال صدر الرواية فبعدما علم الطبيب بحالة الولد الشقي اتخذ قراراً من غير مدارسة ان يزور ميدانيا الفتى العنيد ليكشف عن علته .
" وجدته يجلس قرب ترعة ماء ، كان يحدق بذهول ،تركته غارقاً في شروده ، جلست لصقه.
ـ ما الذي أتى بك ؟
ـ الشوق قادني إليك .
ـ لا أحب اللف والدوران .
ـ قل لي كيف هي صحتك جئت من أجل هذا؟
ـ أريد ابتعادكم عنّي.. لكم أطلب منها أن تتركني لحالي ، إنها تهرع إليك كلّما وددت أن أخلو لنفسي ، لا أريد اللقاء بأحد ، اتركوني أرجوكم.
ـ وضعك في تدهور مستمر.
................
................
ـ ما الذي تبغيه يا دكتور،ما تريده بخره من ذهنك ؟
ـ سأبرم معك اتفاقاً ، سأترك لك أسئلة أريد أجوبتها للوصول إلى علتك.
ـ تريد أن تسبح في محيط متلاطم الموج .
ـ أريد أن أتعلم الصيد في المحيطات ، بي رغبة أن أغامر.
ـ ستهلك .. ستهلك .. ستهلك .(31)
ولا تتجمع خيوط أزمة يأس الولد من حياته حتى يفقد وعيه ويدخل في غيبوبة، فلا الأم تعطي معلومات كافية عن ابنه ولا الولد الشقي يكشف للطبيب ماضيه وماضي أسرته والتعقيدات التي تمنع الولد من اعطاء الجواب وكسر قفل قلبه للطبيب.
إن السؤال والبحث عن الجواب تدخل ضمن ما يعرف قديماً بالبحث عن الغائب وهو ثيمة سردية تنتمي الى ميثولوجيا قديمة تظهر من خلال الفكر الأسطوري ، أو الحكي الشفاهي وقد حدد فاضل ثامر ملامح هذه الثيمة بقوله : (( ان بنية البحث عن الغائب هي من البنيات التي تكشف عن نسق سردي واضح ، وهذا النسق قابل للاختزال أو التطوير، إلا أنه غالباً ما يتخذ مساراً متماثلاً ، ويمكن أن نصف هذا النسق السردي بالنسق الدائري حيث تبدأ القصة من نقطة ارتكاز معينة،لتعود في نهاية المطاف الى النقطة ذاتها ، وهي في الغالب بنية مكانية محددة، ووما يلاحظ على هذه البنية أن لها هيكلاً دائرياً يتمثل في عودة البطل ، الى نقطة الانطلاق في نهاية القصة )). (32) ففي نهاية الرواية بعد ان وجد الطبيب جواباً لاسئلته ضمن اعترافات الولد الشقي الحكائية والشعرية شعر برغبة الاحتفاظ بما وجدها اذ تقول لزوجته الطبيبة:
(( أشعر برغبة تلح أن أضمنها روايتي (قفل قلبي)
وهل تنفعك في شيء؟
على أقل تقدير كي لانقبر اعترافاته، أرغب منحه فرصة عيش ثانية)) (33) .
أما الولد الشقي فحينما يبحث عن ذاته ويجده فلا يجد غير عظمة تتقاتل عليها كلبات الوقت.. اذ يقول :
((الكتاب الذي اكتشفني
رسوم فوق الطبيعة القروية الغاضبة
الكلمات التي اغتصبتني
مجرد باقات قلق ..
و.. أرق
الحب الذي صرعني
ضوء يخترق المسامات المتحصنة
الحب الذي وجدني في صباح دامع
فايروس لتكوين أسري خاطيء
أنا..
من .. أناااااااااااااااا..!!
ولد رآه (كيوبيد) مؤهل لتكملة مشهد حضارة حرب
(هي)
أعلنت نفيرها الاستقلالي
أنا..
ركبت حصان اللاّ..أدب..!!)) (34)
وقد اصاب البحث عن بنية ثيمة الغائب تطوراً في رواية (قفل قلبي) بعد خضوع هذه الرواية لمفهوم التجريب . فبعد أن كان البحث في الحكاية الشفاهية أو الاسطورية يتجه نحو أهداف مادية كالبحث عن الاب ، أو الزوجة تحول عند تحسين كرمياني الى بحث عن اهداف معنوية ، البحث عن الحب في زمن الحرب وفتح القلب الذي كان مقفلا بمفتاح للأدب، ولذلك يتحول اسلوب السرد من الموضوعي الى الذاتي.
اعتمد تحسين كرمياني على تقنية التوليف وتضطلع هذه التقنية، عموما، بوظيفتين. تتعلق أولاهما بمقروئية العمل. وفي هذا الصدد يشكل التوليف عاملا معرفيا يدعم تماسك مكونات النص وعناصره. فالغاية المتوخاة منه لا تكمن في إلصاق حكاية بأخرى، وإنما في إقامة علاقات فيما بينها. وتكمن الوظيفة الثانية في الإبداعية التي ينبغي للروائي، على نحو المخرج السينمائي، أن يتحلى بها للخروج عن بعض القواعد المتعارف عليها، وإعادة تقويم الواقع واستكشاف مجهولاته بطرائق ومنظورات جديدة.
ضمير الأنا الروائي:
الرواية وإن قدمت في معظمها عبر صوت واحد هيمن على عنصر السرد، عبر ضمير المتكلم «أنا» السارد (الولد الشقي)، إلا إن ثمة ساردا شارك الراوي الرئيسي في سرد الحكاية، عبر ضمير الغائب «ال هو/ هي» في بداية الرواية فكان هذا السارد الذي أسهم في تقديم العالم الروائي ببيئته الخارجة من رحم الثقافة المعفنة في بلدة جلبلاء زمن الحرب، في زمن لم تترك الحكومة ركناً سليماً في البلاد وقد يعود نهر بلدته لسابق عهده اذا الحرب خرست . (35)
والسارد الاخر الذي يود الطبيب علاجه ياتي ليكون حاملا في داخله كل هذه الصراعات المسكوت عنها ظاهريا في العراق، ولكن في العمق معلقة في الذاكرة الجماعية في المجتمع العراقي، الولد بعشقه في زمن الحرب يرصد مفارقات المجتمع، ومحاولته المضنية في التمسك بالجذور، ولكن هذه الجذور رفضته ضمنيا بتناقضاتها التي حكمت عليه بأن يكون عاشقاً في زمن اللاعشق . فكان استخدام السارد ضمير المتكلم قد أعطى الصوت السردي جانبا من الأنوية والذاتية في كشف المعاناة التي يمر بها، بدلا من تغييب صوته وتهميشه، الذي اتقنت ثقافتنا العسسية قمعه، الولد بأناه الخاصة يتسلم زمام الحكاية ويسجل صورا متكررة للمجتمع العراقي وخاصة عالم النساء وعالم الضباط العسكريين الذين كانوا بلا عصا القيادية:
(( الحرب تطحن أجسادنا
أنا..
أطحن أجساد الحياة
الرجل الذي بلا عصا قيادة تناسلية
محض رجل

يناصفني الشقاء
أناصفه المتعة..!!)) (36)
لقد حتم التوليف تحسين كرمياني تقطيع الرواية إلى شذرات حكائية لالتقاط أحداث متزامنة يتعذر على الترتيب الخطابي استيعابها. إذ يمكن لأحداث كثيرة في القصة أن تجري في الوقت نفسه، لكن الخطاب ملزم بترتيبها على نحو يأتي الواحد منها عقب الآخر، لقد اضطر الكاتب، محاولة منه لفهم كيف تتفاعل الشخصيات وتنفعل مع الحدث نفسه في فترة متزامنة، إلى إيقاف محكي واستئناف آخر. وإن تداخلت المحكيات فيما بينها فهي تتمتع ظاهريا باستقلال بنائي ودلالي. وهذا ما يمكن أن يحفز القارئ على استلال الحكايات من البنية الحكائية العامة أو تتبع مسارها قافزا على محكيات أخرى بهدف معرفة ما حصل له في النهاية. لكن بما أن الروائي أفرغ محكياته في ثلاث سبيكات سرد من الطبيب وسيرة من الولد ومطولة شعرية من الولد، فهذا يقتضي البحث عن طبيعة العلاقات المنسوجة داخلها. ويندرج التوليف الحكائي عموما في إطار التعريف بالشخصيات، وتشخيص حدث معين من زوايا ومنظورات مختلفة، وتكسير بنية الوقائع المتعاقبة بطريقة كرنولوجية. وتقنية التوليف أو التناوب تقوم على رواية حكايات عديدة في وقت واحد بحيث نتوقف عن سرد الحكاية الأولى لنروي جزءاً من الثانية ، ثم نتوقف عن سرد الحكاية الثانية لنروي جزءاً من الحكاية الثالثة، وهكذا إلى نهاية الحكايات . وهذا التناوب يميز الحكاية المكتوبة دون الحكاية الشفهية.
يمكن أن تكون الحكاية الاولى أطول من الثانية أو الثالثة، وفي ((قفل قلبي)) هناك رواية هي ورواية حكاية الام ( الغجرية )، وحكاية رواية ابنة العم التي تسمى بابنة المشاكل والشجرة، ورواية حكاية الرجل الغني، وكل هذه الحكايات تحكى عن طريق سرد الولد لسيرة حياته التي ترجع الى مسألة التشذير عند جميل حمداوي في المسح الخارجي لبناء الرواية الشامل.
تتألف رواية "قفل قلبي " من مئتي وخمس وتسعين صفحة من القطع المتوسط ، وتتخذ معمارية بنائها شكلين اولاهما روائي والثاني مقطوعة شعرية تأخذ احداث وشخصيات الرواية معمارا لبنائها .أما الشكل الروائي فينقسم الى قسمين وكل قسم يرويه سارد واحد، فالقسم الاول يتخذ أرقاماً متسلسلة (3،2،1،...) والقسم الثاني مكتوب عليه الورقة الأولى ، والورقة الثانية ، حتى يصل الى الورقة الحادية والعشرون وقد يدل على عمر الولد وهناك تجاوز في عدد صفحات الاوراق، فحين تكون عدد الصفحات كثيرة فهذا يعني تشذير لحكاية اخرى في الرواية، ويبدو ان لعبة الحجم جزء من الهدف الذي ترمي إليه الرواية ، المتمثلة في التمرد على الرتابة والانتظام.
إن نص "قفل قلبي" يتمرد على تقاليد الكتابة ويرفض مقولات التجنيس لكنه لا يفتقر الى الايديولوجيا والسياق فهو ابن مرحلته ( زمن الحروب، والانهيارات ، والهذيانات)، كما أن بنيانه الخاص والجديد يأتي من سياق (( فلسفة التداخل ))، إذ نجد أن "قفل قلبي" قسمت على قسمين قسم روى احداث الرواية نثراً والآخر شعراً، وتحت تسمية هواجس الهاوية ]ايقاعات قلب مقفول[ ، والقسم الروائي ينقسم الى أرقام وأوراق من رقم (1) الى رقم (7) يسرد الاحداث من قبل الطبيب ومن الورقة الأولى الى الورقة (21) تسرد من قبل الولد الشقي وتسبق هذين القسمين:
عتبتان عتبة قرآنية (((أم على قلوب أقفالها)))
(قرآن كريم) والعتبة الثانية / من قصيدة حلم/ لبورخيس
] عندما تدق بسخاءٍ ساعات منتصف الليل خلال الوقت الذي يتسع
خلال الوقت الذي يتسع
أجذف أبعد من أولئك البحّارة في الأوديسة
عميقاً ..
إلى مياه الحلم التي لا تطالها الذاكرة البشرية ..[
(بورخس )
/ من قصيدة حلم /
ومن ناحية الدلالة تهيمن على صفحات الرواية سواء أكان رواية حياة الطبيب أو حياة الولد الشقي او الحكايات المتناسلة من حكاية الولد الشقي اطروحتان، هما اطروحة الحرب والحب فالحب اذا كان لا أخلاقياً وحين لا يعترف الحكومة بفكر لبرالي يكون جندي حب:
((حكمي أنا
في ساحة لا تتسع للطفيليين
ستتخلص الحكومة من
لبرالي
قرر (كيوبيد )
ينتخبه
في زمن الحمير
جندي حب..!!)) (37)
تهيمن على معظم أجزاء النص ولقطاته الممارسات الجنسية، وهناك لقطات أخرى تهتم بالعلاقات الشاذة وبالعلاقات المحرمة ، فالابن يمارس الجنس مع زوجة الأب ومع الحفافة وابنة العم وفتاة صغيرة ومع (هي). ولا يكاد تذكر انثى في النص أو تلوح إمرأة في الأفق حتى يتوقع القارىء أنها ستقع في حبائل السارد وعلى نحو أدق بين أحضانه.
يحاول الكاتب أن يصل ما بين شخصية بطله وبين تأريخ طويل تعيشه البلاد من الإضطهاد ، وهذا ما نراه من تعقيب البطل على ما يرويه الطبيب عن الحرب وما يرويه الولد عن سيرته اللااخلاقية، فحين تنتهي الحرب تنتهي قراءة الأوراق الشقي من قبل القارىء (الطبيب) ويشير الطبيب في الصفحة المرقمة ب رقم (7) الى ما أن:
(( أنهيت قراءة آخر ورقة تناثرت في الفضاء رشقات بنادق، من كل بيت تصاعدت (زغرودة) نسائية... فتحت جهاز التلفاز......
توقفت الحرب أيها الشعب العظيم )) (38)
أو صاحبي من السهل أن تفقد فتاة صارت تسكن ذاتك، ولكن ليس بوسعك أن تحتمل فتاة هي لك..هي لغيرك، كنت أسهر أكثر مما يجب، حياة تمشي ملتوية، حرب بدأت بغباء، وناس ليس بوسعهم سوى الاندفاع بجنون صوب الساحات لتمجيد الحرب والتصفيق ملء الرغبة واليقين والإرادة لطغاتها،عالم غابي..عالم غبي، تلك هي كفتا الحياة،قل لي هل قرأت رواية (إرنست همنغواي/وداعاً للسلاح/..)** أرجو قراءتها إن لم تكن قد قرأتها سابقاً، كي تدرك وتتألم لتلك النهاية المأساوية لهذه التراجيديا الأزلية البغيضة بين الأخوة، لا أحد يعي الكارثة، آخ..يا (أخ) صارت النهارات غليان وحمّى ومتابعة الوهم الذي ينتشر، بينما هناك أجساد حالمة تغدو نثاراً في أية لحظة، آه..أنني الوحيد المبتلى بحربٍ خاصة،حرب تستنزف وتقتل على مهل، لا ليلي ليل ولا نهاري نهار،صارت(هي)حربي الكونية،أو بتعبيٍر منطقي ممكن الفهم (قنبلة غرامية موقوتة) في بالي قيد الانفلاق، لكنها مثار شكوك..!
*** الورقة الثالثة عشرة (وداعاً للسلاح).. للروائي الأمريكي الحائز على نوبل 1956(أرنست همنغواي) ***
آخ..يا رجل، أنت دمرتني بهذا المطلب الصعب، أنت تعيدني إلى ساعات الحرائق، تريدني أن أحترق من جديد كي تتلذذ بتاريخي البذيء، على أية حال سأواصل سرد أو نزف عذاباتي
كنت أنظر إلى الحياة المترهلة،الجدران التي بدأت تضج بأسئلتها الجنائزية، لم حاربتم أيها البشر، لم قتلتم وقتل منكم،لم تفرحون والأرض تأن من وجع القنابل والصواريخ، نسير والناس سكارى وحيارى،الرصاص ما يزال ينطلق إلى الفضاء، الأشجار فقدت مشاعرها النباتية، وصلنا حافة النهر..صحت:
ـ أين هو النهر يا عزيزتي..
ـ هذا الذي يتململ أمامك..
ـ النهر..نهر طفولتنا،نهر البساتين،أين ذهب ماءه..
ـ لم أره من قبل كي أجد الفرق الحاصل..
ـ كان نهراً دفاقاً،كان الماء غاضباً صيف شتاء..
ـ ربما أغلقوا نوافذ السدود..
ـ لا أظن ذلك يا عزيزتي، النهر حصل له مكروه..
ـ وهل تركت الحكومة ركناً سليماً في البلاد..
ـ كنّا نخوض الماء،هنا سبحنا واصطدنا السمك أيّام مراهقتنا الأولى..
ـ ربما سيعود النهر لسابق عهده طالما الحرب خرست..
ثمة ارتباط في الرواية بين العودة إلى مرافىء الروح المتمثلة في نزعتها الإنسانية المتطلعة إلى التطهر، وإن كان ظاهرياً، وبين المكان بما تمثله أبعاده الجغرافية والتاريخية الضاربة في عمق وطن تختلط فيه شجونه وآليات مفرداته الدالة على مدى الارتباط. فضلاً عن أنّ النص الروائي يسعى حثيثا لاستبطان مشاعر النفس البشرية، وتجسيد محاولات عودتها إلى فطرتها السليمة التي جُبِلت عليها، أو ربما محاولة تطهرها، من خلال صنع عالم خاص من اليوتوبيا التي يأخذ في أحد سماتها هذا البعد غير الممكن تحقيقه:
((تركت جلد الجحيم وصرت كائناً خرج في التو من مياه التطهر الكنائسي،بدأت أشعر أن ما جرى لي أو ما عشت مجرد كابوس طويل الأمد،رافقني في حلّي وترحالي)) (39)
الفن الروائي هنا تجريبي. لأنه يتداخل مع أنواع السرد التاريخي والشعبي، الديني والعجائبي. وقضايا أخرى أهمها: تجريب العوالم الجديدة، الأسطوري والسياسي، عالم الشطار والنساء (تجريب التقنيات السردي، الواقع الإفتراضي والكوني، تجريب المستويات اللغوية).
تقوم الرواية على كيان تركيبي. تتواشج فيها عناصر عديدة. وتتمازج فيها عوالم مختلفة. وهذا ما يشكل عوالم تجريبية تغني الرواية العربية. وهكذا تغدو الرواية تجريبا متصلا , وبحثا دائبا عن أشكال جديدة ، وليست ثورة - فقط – على الشكل الروائي المألوف ، وإنما ثورة مستمرة، وتحطيم دائم حتى لأشكالها التي تصطنعها . وقد امتدت تأثيرات هذا الاتجاه الى الرواية، فبرز فيها تيار تجريبي يسيطر عليه الغموض ، وتشظية الشكل ، وتشذيره ، عبر الرؤية الداخلية والاستبطان الذاتي .
وهو ما استنتجه الناقد عبد الله إبراهيم حين قال: ((ينتهي النص حينما يكف السرد عن تجهيز المتلقي بمصائر أخرى للشخصيات وتنتهي الرواية ككتاب، لكن التفكير في أمر صوغ الأحداث وتحولاتها الدائمة لا ينتهي، فكل نص يفجر مشكلة لدى المتلقي)) (40)
إن النص الروائي يقوم على استراتيجية تفاعلية وذلك نتيجة ما يفجره النص من إشكالات وأسئلة لدى القارئ، من هنا يتمركز أساس خصوصيات النص الروائي العربي الحداثي، بحيث لا تصبح للنص أهمية، كما أنه لا يحقق وجوده إلا بفضل ما يقدمه القارئ من ممارسات وأفعال تحيينية لمجموعة من العناصر. لأن الأمر هنا يعني بالأساس الأفعال المرتبطة بالتجاوب مع النص، مما يحيل على تلك (التوجيهات العملية) التي تساعد المتلقي على ممارسة القراءة، في الاتجاه الذي يتفاعل ويقوده إلى إدراك الكيفية التي ينتج بها النص معناه(41).
السارد يتحول الى القارىء النموذجي في الرواية إذ تنتهي حبكة الرواية في صفحة (33)، أما البقية التي تأتي فهي جواب لانتحار الولد وهي كنز الكنوز بالنسبة الى الطبيب الذي عالج الولد قبل زواجه وانتحاره، فقد حاول الطبيب استئصال الخلايا الفاسدة في مستنقعه إذ جاء على لسان الطبيب الذي يسرد رغبته في الوصول الى (( منفذ يلقييني في مستنقع أغواره ، اذ وضعت في بالي مداهمة مباغتة الى مستودع قلبه ، كون القلب حاضنة فايروس الحب ، والحب هو الباب السرّي، والمنفذ السحري لفك مغاليق كل صمت ، ونكوص ، وسأم لدى المراهقين ، حمّى وهذيان فوق العادة يستوطنان جسد شاب يعيش في بحبوحة ثراء )) (42). الذي يفتح قفل قلبه للطبيب بعد انتحاره (( وأنا أفتح لك ( قفل قلبي) المحكم ، القفل الذي ظل عنيداً، صامداً أينما كنت ، ماالذي أحدث في هذا التبدل ، هذا الجدل الغبي ، بأي مفتاح سحري تمكنت أن تهتدي إلى الرقم السحري لـ ( قفل قلبي).)) (43) ففي صفحة 35 الى صفحة 300 هي قراءة الطبيب لسيرة الروائية والشعرية للولد الشقي ويتخلل هذه القراءة سيرة حياة الطبيب والتحاقه بالعسكرية وبتر ساقه اليمنى في الحرب العراقية الايرانية.
فالطبيب اراد استحضار مجاورة افتراضية بين قراءة الرواية وبين قراءة السيرة باخضاعها الى سحرية النص السردي، اذ ان تركيب الولد يتيح له معاينة نفسية لما يتركه من اثر في الوعي الانساني على اساس تداعيات هذا التجاور، والتي ستكون ايضا بمثابة مشاغل سريرية ووصفية للكشف عن ازمة (الولد) المريض، ستلامس ايضا كشوفات وعيه في النص السردي، الذي يقابل النص العيادي عند فرويد ويونغ وادلر، وهذا مايجعله الاكثر تعبيرا عن وعي التحولات المعقدة التي يعيشها الانسان/انسانه بمواجهة ازمات الحرب والخوف والحرية، فضلا عن كشفه لسرائر وعي هذا الانسان ازاء ثيمات الصراع مع قوى غامضة بهدف الاستحواذ والهيمنة، والتي وجدها في نموذج آخر ايضا في رواية (هم ويبقى الحب علامة ) لمحي الدين زنكنة ورواية (( وداعا للسلاح )) لارنست همنغواي.
فالولد الشقي في سياق الرواية هو قرين ظاهرة وعي البطل الاشكالي الذي اصطنع لقوته حضورا متسائلا، اذ يعيش كل تمثلات الانسان المعاصر، وازمات وجوده وحريته، حيث كان الهم السياسي قرينا بالهم الجنسي، وان البطل المخذول سياسيا يتعالى جنسيا، ويجد في هذا التعالي بطولته الخبيئة، مثلما يجد في النزعة الفيتشية الجنسية ذروة هيجانه ولذته وتعويضه عن الخيبة.
وقد ادركت الطبيبة بعد سماعها لحكاية الولد الشقي بانه ليس مخبولا ولا حماراً ، كما جاء في نهاية قراءة أوراق الولد الشقي:
((كانت زوجتي متحجرة العينين في ، في عينيها حبتا دمع .. قلت :
لم هذا اللؤلؤ يهبط ؟
قالت : الآن أشفقت عليه
أنا شعرت بذلك مذ رأيته أوّل مرة .
كان من الممكن أن يغدوا شاعراً كبيراً
أصحاب المواهب الكبيرة يموتون باكراً)) (44)
في الرواية ثمة سيرة للحرب وسيرة للحب، فحين تستفحل الحرب تسود الشهوات الجنسية ويختار كيوبيد جنديه ليتوسمه وسام اللاخلاق، فالولد حين يشفى من عواصف (هي) لم يعد يرى الكوابيس:
((لم أعد أرى الأشباح تغزوني ، تتقمص بهيئة (هي)، بدأت أدقق في ملامح النجوم ، شعرت أن في السماء مطراً كونياً يمكنه سحق النيران الأزلية ، يأخذني التمعن لوقت طويل ، استرجع حياتي الماضية . ركام خانق ، من كان المسؤول عليها ، من صنعها أنا أم (هي)أم (الأم) أم (أبي) أم الزمن أم القدر ، أم هذه الدولة الكافرة، أم كلنا اشتركنا معاً في قيافة الجهل المتفشي في سواقي الإثم الإجتماعي ؟؟؟؟!!)) (45)
إنّ أزمة شخصية الولد، باعتبارها شخصية انسانية تعيش عقدة الاضطهاد والخوف من الام والسلطة، وهو ماعاشته الشخصية العربية السياسية التي واجهت الكثير من المركب الاضطهادي في الحروب.
الفضاء السير ذاتي الروائي:
بالرغم من أن الرواية افتتحت خطابها بضمير الغائب، لخلق المسافة اللائقة بين الكاتب والسارد، والمسافة الموضوعية التي تقيد جموح السرد الذاتي، إلا أن عتبتي الرواية المتمثلتين في آية قرآنية وقصيدة حلم لبورخيس، وتعدان نصا موازيا، من وظائفه إضاءة النص المتني المركزي أوحت بعكس ما أوحى به الخطاب السردي. فصيغة الخطاب جاءت بضمير الغائب وضمير المتكلم ، لكن العتبة تضمنت إشارات قوية تحيل على الذات الكاتبة. وفي هذه الثنائية: ضمير الغائب وضمير المتكلم ما يحدد جنس الكتاب. إنها تخييل ذاتي، تمتزج فيه الحقائق المادية، ومشاعر الذات ومواقفها وأفكارها لكنها جميعا صيغت بضمير الغائب لخلق مسافة بين مستوى التخييل ومستوى الإحالة الخارجية، وبين السرد السير ذاتي والسرد الواقعي (كل سرد يتضمن سردا آخر، سواء كان يتناوله موضوعا مباشرا للسرد، أو يتقاطع معه ويدخل في تشكيل بنية النص. )
تعتبر هذه الرواية التي كتبها تحسين كرمياني ، من الروايات التي كتبت ضد الحرب. تعرفنا الرواية إلى شاب يدعى الولد وطبيب من غير ذكر اسمه، أدركا من خلال الحب والخبرة والظروف المؤاتية، حماقة ودمار وسخرية الحرب، محاولاً تحقيق سلامهما الخاص خارج حدود الخضوع التقليدي كنتيجة لانغماسه الواضح. فتصير الرواية في قلبها استكشافاً لما تعنيه في مواجهة عالم التقليد وتقرر عن نية مسبقة اختيار ما يشعر به المرء في قلبه في مواجهة ما يتوقعه المرء أن يفعل. الذي تدور فيه الأحداث، فكلاهما فضاء انفجاري. الأوّل فجّرته التقنيات وعنف الخطاب والمتخيّل الرّوائي والثاني فجّره واقع الحرب. وفي تسعينات القرن الماضي. تغلغلت تلك التقنيات في ذهن الرّوائي لتنهض عنده رؤية للعالم وأكسب الرّواية طابعا فنيّا خرق السيولة الخطيّة للأحداث وعبر بها بحر العادة إلى شاطئ الكتابة التجريبية، تلك الكتابة الباحثة دائما عن آفاق جديدة بعيدا عن اليقينيات الزائفة والساعية إلى تفعيل دور القارئ وتحريره من وضعيّة التلقّي السلبي لتورّطه في الفعل الإبداعي من خلال المشاركة في إنتاج الدلالة والبحث عن أسرار الكتابة. وهذه إحدى خصائص الكتابة الروائيّة.
إن رصد استراتيجية التناصّ أو ظاهرة التضافر النصّي تكشف لنا أن الرواية انفتحت على نصّين من الموروث الروائي الغربي ونصين من الموروث الشرقي، وهما رواية قصيدة الحلم لبورخيس ورواية (وداعا للسلاح ) وموروث ديني (أم على قلوب أقفالها)) (46).
والموروث الروائي العراقي (( هم أم .. ويبقى الحب علامة))
للتعالق النصّي وعرّفه بأنه حضور فعلي لنص داخل نص آخر عن طريق التضمين إمّا بشكل ظاهر أو خفي كالاستشهاد أو السرقة .
تنفرد رواية (قفل قلبي) باعتمادها نسقاً مغايراً لما سبق ذكره من الروايات وهو نسق التناوب (يسمى أحياناً التوازي) ويقوم هذا النسق على ((سرد أجزاء من قصة ثم أجزاء من قصة أخرى))(47)، وقد يقوم عدة رواة بذلك التناوب مما يفضي الى خلق سرد متعدد الأصوات، وهو ما نجده في هذه الرواية إذ تقوم عدة شخصيات برواية الأحداث، وهم الولد الشقي والطبيب الذي عالجه وفي صفحة تروي (هي) سيرة حياة الرجل الميسور، وأضطلع كل واحد من هؤلاء دور الراوي لرواية حكايته عبر اعتماده ضمير الأنا وقد أتاح استخدام هذا الضمير للشخصيات ان تعبر عن أفكارها بصورة أفضل.
واذا كان نسق التناوب قد سيطر على الوحدات الكبرى فإن هذا لم يمنع من ظهور نسق التتابع على مستوى الوحدات الصغرى وهو ما نجده في القسم الخاص بالطبيب وعلاقته بالطبيبة (سماهر)، فضلاً عن هذين النمطين نجد نمطاً آخر وهو النسق الدائري وهو ((ان تبدأ القصة عند نقطة نهايـة أحداث الحكاية ثم تعرض ما سبقها، لتنتهي عند نقطة بدايتها مجدداً)) (48) وهذا ما نجده عندما يروي الراوي حكاية حياته بعد انتحاره فالولد تحوم دائرة حياته حول الجنس الذي ادى الى انتحاره. ونستطيع أن نستشف مما سبق أن ثمة أنساقاً بنائية عديدة في رواية (قفل قلبي)، عليه يمكننا القول بأن ((أياً من الأنساق قد لا يوجد منفرداً في رواية ما وغالباً ما يتعايش في العمل الروائي الواحد نسقان بنائيان أو أكثر)).
((هذه الطريقة أرجو أن لا تفسرها استرتيجية جديدة في إيصال القضيّة إليك ، أريد أن ألمم شظايا سنوات طويلة ، سهلة التناول ، أجدها طريقة ممتعة ، تمنحني فرصة انتقالات متلونة، سريعة إلى كل حادث يومض في بالي فجأة .))
( كل سرد يتضمن سردا آخر، سواء كان يتناوله موضوعا مباشرا للسرد، أو يتقاطع معه ويدخل في تشكيل بنية النص. ). حضرت استراتيجيّة التناص في شكلها الأكثر تطوّرا من خلال تلك العلاقة الخاصة التي ربطت بين المتن النصّي والمرجعيات والنصوص الأخرى، فحوّر في بناء الشخصيات وتصرّف في مصائرها معارضا بذلك تلك الصور التي ظهرت بها في النصّ .
إنّ استراتيجية التناص مثّلت إحدى إستراتيجيات الكتابة الرّوائية، فلا يمكن للقارئ أن يفكّ شفرة النص إلا بالعودة إلى تلك النصوص السابقة والمعاصرة التي استلهمها والتي كان لها بالغ الأثر في خطابه ودلالاته، إذ تنوّعت أغراض التناص ووظائفه من موقع إلى آخر على النحو الذي أثرى أفعال السرد الروائي وأغناها.

الهوامش والإحالات:
(1) القراءة و التجربة ، سعيد يقطين مطبعة النجاح الجديدة- ط1– 1985: 287-288.
(2) المعجم الوسيط : 114 .
(3) المعجم الفلسفي: د. مراد وهبة ط2، دار الثقافة الجديدة القاهرة 1970 :70.
(4) السيميائية بين النظرية والتطبيق ، رشيد بن مالك ، رسالة دكتوراه جامعة تلمسان 1995: 162.‏
(5) الكتابة: إشكال المعنى - مجلة التبيين - الجزائر ع/6/1993: 57.
(6) هوية العلامات: في العتبات وبناء التأويل- د.شعيب حليفي- المجلس الأعلى للثقافة- القاهرة 2004-: 28.‏
(7) رواية قفل قلبي ، تحسين كرمياني، منشورات دار تموز للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، 2011 :11.‏
(8) م. ن.‏
(9) الإبداع الروائي اليوم، مجموعة كتّاب ط1. دار ابن رشد بيروت 1981‏: 238.‏
(10) قفل قلبي: 185.‏
(11) قفل قلبي:275.‏
(12) بنية الشكل الروائي ، حسن بحراوي المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء ، ط1،1990‏: 251.‏
(13) الرواية في الاردن، نبيل حداد، مؤتة للبحوث مجلد 11، ع 6، كانون الاول 1996، 11-12 .‏
(14) بنية الشكل الروائي: 247-248 .‏
(15) قفل قلبي:197.‏
(16) قفل قلبي:226-227.‏
(17) قفل قلبي: 75 وينظر :58.‏
(18) قفل قلبي: 149.‏
(19) قفل قلبي: 113.‏
(20) قفل قلبي :125.‏
(21) قفل قلبي : 32-33.‏
(22) قفل قلبي : 87-88 .‏
(23) قفل قلبي : 89-90.‏
(24) قفل قلبي : 90 - 91.‏
(25) قفل قلبي :99.‏
(26) قفل قلبي :238-239.‏
(27) قفل قلبي:175 .
(28) قفل قلبي:278.
(29) قفل قلبي:8 .
(30) قفل قلبي:19.
(31) قفل قلبي:27.
(32) الصوت الآخر ، فاضل ثامر، دار الشؤون الثقافية العامة ، بغداد ،ط1992:121 .
(33) قفل قلبي:299 .
(34) قفل قلبي:275 .
(35) قفل قلبي:267 .
(36) قفل قلبي :288 .
(37) قفل قلبي:278 .
(38) قفل قلبي:265 .
(39) قفل قلبي:249.
(40) السرد والتمثيل السردي في الرواية العربية المعاصرة، عبدالله ابراهيم، مجلة علامات، عدد 16، 2001، 33.
(41) السرد والتمثيل السردي في الرواية العربية المعاصرة، عبدالله ابراهيم، مجلة علامات، عدد 16، 2001، 33.
(42) قفل قلبي:75 .
(43) قفل قلبي :11 .
(44) قفل قلبي:299 .
(45) قفل قلبي:256 .
(46) قفل قلبي:299 .
(47) البناء الفني في الرواية العربية في العراق : د. شجاع مسلم العاني، دار الشؤون الثقافية العامة، العراق، بغداد ،1994 : 12.
(48) م. ن : 13.



#ساجدة_زرار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ساجدة زرار - التجريب الفنّي في رواية ((قفل قلبي))