أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - كريم منتصر - يوم ملل















المزيد.....

يوم ملل


كريم منتصر

الحوار المتمدن-العدد: 4288 - 2013 / 11 / 27 - 16:43
المحور: سيرة ذاتية
    


ملل ملل ملل، حتى عندما أمل من الملل، أهرب منه إليه، استيقظت فتناولت فطوري وحيدا كما جرت العادة، كوب قهوة، كسرة خبز، صليت الصبح، وجلست أفكر، ما العمل؟ فقد راودني الملل، أشغل حاسوبي، أقلب بعض الصفحات، جريدة إليكترونية أو اثنتين، اُشغل مقطعا من موسيقى الفلامنكو*، أشعر أنني لم أتغلب على الممل بالمطلق، يراودني يتبعني فأحاول الهرب، وإلى أين الهرب؟ طبعا إلى الملل أيضا، فكرت : من الأفضل أن أحارب الملل بالقراءة عنه، تذكرت : سبق لي أن حملت كتابا لأنيس منصور بعنوان "وداعا أيها الملل"، هو ذا الحل! أمضيت ساعتين تائها بين صفحاته، أردت أن أتمه إلا أنني مللت القراءة عن محاربة الملل، ربما لأنني لم أجد فيه بعد ما يشفي غليلي، فالثلثين اللذين لم أدرك قطعا سيحويان السر، الذي أرجح أنه لن يغدو أكثر من فكرة تبعث على الملل، فنصف حياتي ملل، والنصف الآخر فشل، ونصف النصف كلل، وبعض النصف عمل، ملل يبعث على ملل، فحتى محاربة الملل توقع في الملل، ملل ملل ملل، أغلق الكتاب، أفتح صفحة جديدة في متصفحي المفضل كروم، أنقر على المفضلة، أدخل لموقع يوتوب، أتفرج فيه على حلقة من وثائقي العلم والإيمان لمصطفى محمود، أتبعه خطبة لعدنان إبراهيم، لا أكاد أنهي الحلقة، حتى ينادى علي من أجل الغداء، أتغدى على عجل كما هي عادتي، فأنا آخر من يدرك المائدة، وأول من يكف عنها، أصلي صلاة الظهر بنفس السرعة، وأمل ثانية، يقترح علي أحكم عقولي، أن أهرب من الملل إلى النوم، يجيبه أخوه الأصغر الذي لا يزال في طور النمو، وهل النوم لا يسع الملل؟ لا أبالي بحوارهم، أقتنع بما اقترح العقل الحكيم، بعدما دعمه العقل الأوسط، معللا أن في النوم لا تعمل العقول، بل هي فترة نقاهتهم، وهم المسؤولون عن الملل، فلا عقول يساوي لا ملل، فيما العقل الباطن من يعمل عوضا عنهم، وهو معروف عنه أنه لا يعرف الملل، ألبي ما قررت وعقولي، أستيقظ بعد ساعتين، فأصلي العصر على مهل، وأقهي أيضا بنفس المهل، وأمل ثالثة، أفكر بعدها أفكر، أفكر، أقرر : أخرج من البيت بعد أن اقتص مني الملل، لأجدني باحثا عن الملل، أمشي دونما اتجاه، مغمض العينين أمشي، زاهق النفس، منكسر الخاطر، أتجرع وحدتي حتى الثمالة، قادتني رجلاي إلى قاعة لعب، هي لسوري متغرب في المغرب، جاء ليستثمر ما أغدق به عليه حزب البعث السوري، كان لا يأتي إلا مع التامنة مساءًا، بعدما يكون قد أنهى موظف مغربي رخيص عمله الذي يبدأه من التاسعة صباحا، لينال عليه ثلاتين درهما، يدخل هذا السوري الذي وإن كان لطيفا معي إلا أنني أمقت مشروعه التخريبي، الذي كان له كل الفضل طبعا في انتشار الادمان في الحي، يقصد كرسيه الفخم ويعد نرجيلته، ليبدأ باستعراضه اليومي، ينفث سمه في القاعة، يستصغر كل من يقصده لتصريف نقوده، يرى المغاربة أبقارا لا تصلح إلا للحلب، هو ذا حقير حلب، أجول بعيناي في المكان، ليس هناك أحد ممن يمكن أن يقاسمني الملل، فقط أوجه كئيبة امتص منها اليأس ما شاء من الأمل، أخرج مسرعا، إلى أين؟ إلى حيث ستقودانني، قررت أن أرسو عند محلبة الحي، أحيي حسن صاحب المحلبة، أطلب كوب لبن وقطعة حلوى، ألمح فتاة فاتنة تمر على مهل، وترمي علي بسهام من على تضاريس جسدها المكتنز، ألتهم القطعة على عجل أتجرع شيئا من اللبن، أخرج ملوحا بيمناي لحسن "فيما بعد"، أهرول مسرعا، لم تعد رجلاي من تقودانني، ولا حتى عقلي، إنه ذو العين الذي بدأ يستفيق، يقودني وراء تلك الفاتنة اللعينة، ما إن أطللت على الشارع حتى ترائت لي داخل سيارة أجرة، ما أسعد السائق بها وما أسعدها به، فهناك من يمتهن القيادة بنوعيها : قيادة السيارة، وقيادة الشهوة بين الرجل والمرأة، وهذا النوع يسمى بالسائق القواد، حدقت في المومس والقواد على حد سواء، ولعنتهم في الخفاء، لاحت بمخيلتي قصيدة المبغى العربي لمظفر النواب، فعاودت لعنهم ولعن الماجن معهم، فحتما لن يكون إلا في احدى خمارات سوريا بعدما هجر العراق، هذا ما ورد في تعليق أحد السوريين عليه، كيف لاوهو صاحب قصيدة الحانة القديمة، وفيها وصف نفسه أنه كما الإسفنجة يمتص الحانات ولا يسكر، لاح بمخيلتي أيضا بيتان لعلقمة بن عَبدة : فَإِن تَسأَلوني في النِساءِ فَإِنَّني/ بَصيرٌ بِأَدواءِ النِساءِ طَبيبُ -إِذا شابَ رَأسُ المَرءِ أَو قَلَّ مالُهُ / فَلَيسَ لَهُ من وُدِّهِنَّ نَصيبُ-، طأطأت رأسي في محاولة مني للعودة من الملل إلى الملل، تناولت هاتفي الغبي من جيبي، كي أساله كم الساعة، وكأنني مستعجل ولي موعد، أدسه في جيبي، إنها السابعة مساءا، وما جدوى أن تكون مساءا أو صباحا، فالمالًَُ شخص لا يعلم ما تكون الكرونولوجيا، ذبذبات في رأسي ووشوشات، ربما هو عراك جديد بين عقولي، لكي يخلصوا أين سيأخدوني، غلبهم جميعا ذاك الذي أشار لي بفكرة زيارة الحديقة، لم أنبس بكلمة، مضيت إلى الحديقة، قفزت صورها القصير، فإذا بالنسيم يصفعني، مرحبا معاتبا، فهي سنوات لم أزر الحديقة بهذا الوقت، ولجتها مستيرا بضوء القمر أتأمل في ماجريات الليل الكئيب، ثلة سكارى هناك بلغ بعضهم الثمالة، اثنان منهم يرقصون على إيقاعات الشعبي، أظنه الشاب أونونو، ملهم المسجونين، ثلاثة هناك على مقعد خشبي يدخنون النرجيلة، يلوح لي أحدهم، أسلم عليهم، إنهم حمقى بلا شك، فاشلون، كسالى، أحدهم يعتبر الدنيا مبنية على الحظ، يقحم الفلس اللعين المخبئ في جيب سرواله المهترء في أبسط الأمور وأعقدها، كهل سيسافر لمكناس أم لا؟ فلا شيء يستطيع أن يقرر به، إلا فِلسه، فكلما واجهه شيء ليقرر فيه يلتجأ للعبة تاج/نجمة، وأما الثاني فلم يكن أكثر عبثية من الأول، فقد سبق أن كان مناضلا، قرأ بعض الكتب، درس بعض السياسات، فعين نفسه مناضلا، لكن سرعان ما أصبح مناضلا من أجل اللانضال، فبزغت عليه شمس العام زين، وأما الثالث فكان غير ذا شور، كثير الصمت قليل الكلام، تركت الثلاثة ومضيت إلى حال سبيلي، وأي سبيل؟ ربما سبيل اللاسبيل، أمشي صوب المدخل الثاني لكي أنطه، يترائا لي جسمان عاريان يمتطيان بعضهما، يفترشان العشب ويتغطيان بأوراق الأشجار التي تتساقط فوقهما، لا أعبئ بهما أسير أسير، حتى بلغت الباب، فإذا بي أسمع صرخة مدوية، فكرت : الزواج يقتل الحب، خرجت من الحديقة، مشاورات جديدة بخلدي، إلى أين؟ جلست القرفصاء أنظر إلى كومة خراء، هذا المنتوج الذي ينتجه الانسان المادي بطبعه، بما شاء من مكوناته، بين اختلاف انواع مأكولاته ومشروباته، فالخراء هو المشروع الوحيد الذي يدخله الإنسان برأسمال، ويخرج منه دون أن يدر عليه هذا الرأسمال بعائد، أرى على الخرية* ذباب يقتات، وجه سميرة يطل علي من الخرية، أتسائل ما العلاقة بين الخرية وسميرة؟ تتضارب الآراء بدواخلي، قرر العقل الحكيم، أن الخرية تجذب الزبائن إليها عن طريق الرائحة، أما سميرة؟ هي أيضا تجذب الزبائن برائحة مجونها، التي بلغت كل الأصداء، فترى الذباب من حولها، فكرت ما مصير الخرية؟ تتصلب تنكمش، تفقد لونها وبريقها، تزول من أثر ما دسه فيها الذباب بخراطيمه، وسميرة، ما مصيرها؟ حتما ستكون قد لبست لا كالبنات، وأكلت لا كالبنات، وركبت ما لم تحلم به البنات، وبعدها؟ ستنتهي كالخرية في أحسن الأحوال، تتصلب تنكمش، تفقد لونها وبريقها، تزول من أثر ما دسه فيها الذباب بخراطيمه، إنتهيت إلى أن سميرة خرية، وما العيب؟ ربما حتى الخراء سيصلح لشيء في المستقبل، قد يكون ذا شأن هو الآخر، أنهيت غفوتي السريعة، يد تلوح لي من بعيد، صوت يناديني : كريــــم، إنه صديقي جعفر، نتحايا، عرض علي أن نلعب الشطرنج، أجيب : ليس معي بما أقهي، يرد : وأنا كذلك، ننفجر ضحكا من عوزنا الآني، فكرت : إلى عند حسن، عدنا إلى محلبة حسن، طلبت براد شاي، بدأنا اللعب، لعبنا لساعة، فراودني الملل رابعة، قاومته بمشاهدة التلفاز، قررت أن أذهب إلى البيت، أحد العقول تعب من مقاومة الملل بالملل، أخرج ملوحا بيدي لحسن "فيما بعد"، أعلم مسبقا أنه لا يفهم مثل تلك الأمور التي تسمى رياضيات متقدمة، لا يعرف أن ناقص في فاقص يساوي زائد، أي كريدي وكريدي لا كريدي، فحسن لا يعرف إلا الحساب التقليدي، زائد زائد زائد، أصل البيت في تمام منتصف الليل، أشغل حاسوبي، أتوضأ أصلي المغرب، أقصد المطبخ، إن هناك شيء أشتهي أكله، لا شيء يغريني، أعود أشغل مقطع يا حسرة عليك يا دنيا لكمال المسعودي، أعاود الذهاب للمطبخ، أسخن فنجان قهوة، أصلي العشاء، أدخل لموقع تويتر، أدون : طيري يا طيور إن أمكنك ذلك، فليس لنا نحن أجنحة نبتت حتى تكسر، أكرر المقطع ثلاث مرات بعدها، أمله، أغيره بآخر لقروابي البارح كان فعمري عشرين، أمله أيضا، أمل نفسي، عقولي، ألجأ لعقلي الباطن، كي أهرب من الملل بالنوم، وقع ما ليس بالحسبان، عقلي الباطن غار عني من عقولي، لم يرد لي النوم، أشعر بصداع خفيف في رأسي، كثر الصداع بالملل، أنا مريض مريض بالملل...

"الفلامنكو : نوع من الموسيقى الإسبانية
"الخرية : الغائط، البراز



#كريم_منتصر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- فن الغرافيتي -يكتسح- مجمّعا مهجورا وسط لوس أنجلوس بأمريكا..ك ...
- إماراتي يوثق -وردة الموت- في سماء أبوظبي بمشهد مثير للإعجاب ...
- بعد التشويش بأنظمة تحديد المواقع.. رئيس -هيئة الاتصالات- الأ ...
- قبل ساعات من هجوم إسرائيل.. ماذا قال وزير خارجية إيران لـCNN ...
- قائد الجيش الإيراني يوضح حقيقة سبب الانفجارات في سماء أصفهان ...
- فيديو: في خان يونس... فلسطينيون ينبشون القبور المؤقتة أملًا ...
- ضريبة الإعجاب! السجن لمعجبة أمطرت هاري ستايلز بـ8 آلاف رسالة ...
- لافروف في مقابلة مع وسائل إعلام روسية يتحدث عن أولويات السيا ...
- بدعوى وجود حشرة في الطعام.. وافدان بالإمارات يطلبان 100 ألف ...
- إصابة جنديين إسرائيليين بجروح باشتباك مع فلسطينيين في مخيم ن ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - كريم منتصر - يوم ملل