|
تنامي الخطاب الأصولي الرافض للمرأة في فلسطين!
بهاء الشافعي
الحوار المتمدن-العدد: 4286 - 2013 / 11 / 26 - 17:39
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
كَثُرت في الفترة الاخيرة في رام الله وبيت لحم الدعوات لعقد ندوات وإجتماعات مُغلقة لتيارات اسلاموية وذات توجه أُصولي لمهاجمة الحركات النسوية في الأراضي الفلسطينية، حيث تقول هذه الجماعات في دعواتها بأن الأطر والحركات النسوية الفلسطينية تعمل جاهدة على خلخلة البنية الأجتماعية والأخلاقية الموروثة في المجتمع الفلسطيني، وأن الانحلال الخلقي - الموجود - في هذا المجتمع سببه المرأة والأصوات الداعمة لحقوقها – على حد تعبيرها، حتى رُفعت مؤخراً قضية في إحدى محاكم مدينة "بيت لحم" ضد جمعية ذات مرجعية اصولية كونها تهاجم الأطر النسوية بإستمرار.
من خلال عملية بحث بسيطة عبر الشابكة حول هذا الموضوع يُمكن مشاهدة هذا الأمر بوضوح، حيث دعى "حزب التحرير" الفلسطيني عبر موقعه الالكتروني في أكثر من مرة مؤخراً محاربة ومواجهة المؤسسات النسوية الفلسطينية، ووضع قائمة "محاربة" تضم جميع المؤسسات النسوية العاملة في الأراضي الفلسطينية إبتداءاً من وزارة شؤون المرأة وإنتهاءاً بمؤسسات نسوية نشطة ذاتية التمويل، وذلك بحجة أن هذه المؤسسات هي أجنبية الفكر والإرتباط والتمويل، وتصفها بأنها أدوات مشبوهة بيد الإستعمار لتحقيق أغراضه في فلسطين، ووجودها ما هو الا لإفساد المرأة المسلمة – على حد تعبيرهم.
قبل ما يقارب الشهر، أعلنت حكومة غزة التي يسيطر عليها التنظيم الدولي للإخوان المسلمين بفرعه الفّلسطيني "حماس" على تعيين فتاة شابة "حسّنة المظهر" لم تبلغ الثالثة والعشرين من العمر في منصب متحدث اعلامي باللغة الإنجليزية لوسائل الإعلام الأجنبية، وصاحب قرار التعيين هذا ردات فعل وآراء عنيفة من قبل أنصار المنظومة الاخوانية في القطاع قبل غيرهم من السلفيين – الأكثر تشدداً- ، وبالرغم أن الفتاة الموهوبة ملتزمة "بغطاء الرأس" إلا أن ذلك لم يشفع لها عند أنصار التيار الاسلاموي الغزيّ على وجه الخصوص. حتى أن البعض ذهب بعيداً بكلامه الغير مقبول لمجرد أنها تتحدث الى رجال إعلاميين، وآخر هاجمها كونها لا تلبس اللباس الفضفاض وتغطي وجهها بالنقاب.
لم يَكنٌ غريباً على أنصار المنظومة الإسلاموية في قطاع غزة رفضهم لوجود الفتاة الشابة في منصب ناطق إعلامي رسمي بإسم حكومة بنظرهم هي حكومة ربانية وذات تشريع إسلامي بحّت لا يقبل التأويل، فهي ليست المرة الأولى التي عملت هذه الأنصار من خلالها على رفض ظهور العنصر النسوي في المجتمع الغزي "إعلامياً". حيث أن هذه الأنصار كانت قد ضغطت في يوليو 2011 على حكومة حماس لمنع عرض فيلم "ماشو متوك" بالعربية "شيء جيد" للمخرج الفلسطيني خليل المزين والذي تدور أحداثه في أعقاب حرب حزيران 1967، عندما احتلت القوات الإسرائيلية قطاع غزة، بحجة أن الفيلم يحوي مشاهد منافية للآداب العامة, تبين فيما بعد أن المشهد مدته "أربع ثوان" فقط، تظهر فيه فتاة شعرها طويل تمر أمام جنود إسرائيليين ينظرون إليها بإعجاب، وبررت حماس ذلك المنع كونها تعمل جاهدة للحفاظ على موروث القيم داخل المجتمع الغزي.
قبيل أيام عمل شخوص فلسطينيون "مجهولي الهوية" ليلاً على نشر رسومات على جدران شوارع مدينة رام الله "غرافيتي"، تدعوا بطريقة أو بأخرى الى تشريع زواج المثليين من النساء، وشكلت هذه الرسومات في صبيحة اليوم الذي يليه مادة إعلامية وصحفية دسمة لنشطاء الإعلام الإجتماعي في المقام الاول والمواقع والمنابر الاعلامية الاصولية التابعة للتيارات الإسلاموية، وبالرغم أن هؤلاء الشخوص لا يتبعوا "بالتأكيد" للأطر النسوية الفلسطينية المختلفة ويرفضها المجتمع الفلسطيني، إلا أن الهجوم على الحركة النسوية الفلسطينية، ورائدات نسويات في العمل الوطني الفلسطينيي أو على صعيد المجتمع المدني كان كبيراً، بحجة أن وجودهم في المجتمع هو السبب في ذلك، وكان من السهل أيضاً مشاهدة العشرات من الكتابات التي تدعوا الى تطبيق "الشريعة" في رام الله بحجة أن هذه المدينة "ساقطة" أخلاقياً، وكان الأشد غرابة من هذا كله أن بعض الاصوات التي هاجمت الحركة النسوية الفلسطينية كانت تخرج من جموع كوادر شبابية تابعة لحركة فتح لها متابعينها على صعيد الإعلام المجتمعي.
يمكن القول أن موقف الحركة الاسلامية الفلسطينية المتمثلة بحماس والجهاد الاسلامي تجاه قضايا المرأة ورفضهم للكثير من الممارسات النسوية بحجة "الحفاظ على المعايير الاجتماعية الموروثة" لا يشكل خطراً بمعناه الحقيقي على قضايا المرأة ومطالب الحركة النسوية الفلسطينية. فحماس تعي جيداً مخاطر تطرف الخطاب الديني الرافض للمرأة داخل المجتمع الذي تسيطر عليه، فلذلك في بعض الأحيان كانت تتراجع عن قرارات كانت إتخذتها بضغط من أنصارها، وكان آخرها تراجعها عن إلزام طالبات "جامعة الأقصى" بالزي الشرعي بداية هذا العام، ويمكن رؤية ذلك أيضاً من خلال الصدام المستمر الحاصل بين حكومة حماس وتيارات سلفية مختلفة.
إلا أن الخطر والخوف الحقيقي يكمن في التنامي الملحوظ للحركات الجهادية السلفية في فلسطين "سواء في الضفة الغربية أو القطاع"، حيث هنالك تزايد افقي في عدد تلك الحركات المتشددة، وتصاعد عامودي في الخطاب الديني الأكثر تطرفاً من خطاب حماس والجهاد في قضايا المرأة في المجتمع، والذي لم يقتصر تغلغله داخل الحركات السلفية والأصولية فحسب، بل تفشى بين أوساط "مواطنين عاديين" وشخصيات مرتكزة داخل السلطة الرسمية، وكوادر تنتمى الى أحزاب معتدلة أو بعيدة كثيراً عن التوجه الديني.
ولعل حالة الإنقسام الفلسطيني بين منظمة التحرير من جهة وحماس من جهة أخرى، وعدم وجود منظومة اعلامية حقيقية تعمل على نشر الوعي، وتردي مستوى المعيشة في الأوساط الفلسطينية، وإرتفاع منسوب البطالة بشكل مذهل، والموقف السلبي للحركة النسوية الفلسطينية العاجزة حالياً عن هيكلة نفسها، والإنقسامات "الذاتية" المتكررة في الحركة السلفية الفلسطينية والتي تؤدى في كل مرة الى "توالد" تنظيمات سلفية أصغر وأكثر تشدداً و"تأثيراً" كونها تعتمد على "حلقات دروس المساجد" التي تتم بعد الصلاة. عملت مجتمعة على خلق خطاب أصولي متطرف داخل المجتمع الفلسطيني ككل، حتى أنه بات يرفض فكرة "المرأة كشريك" مكمل للرجل وليس فكرة المساواة معه.
إن تنامي الخطاب المتطرف في المجتمع الفلسطيني ينذر بعواقب وخيمة على المجتمع ككل، وليس على المرأة والحركات النسوية، خصوصاً وأن هذا الخطاب دخيل على "المعايير الاجتماعية الفلسطينية" وعلى مر التاريخ الفلسطيني لم يكن هنالك خطاب يحرم المرأة من حقوقها، ويفرض عليها ماذا تلبس. فلذلك إن دعم الحركات النسوية الفلسطينية التي كانت أحدى ركائز القاعدة الجماهرية والتعبئة الفكرية في الأحزاب السياسية الفلسطينية وساعدت على تكون هذه الأحزاب قبيل تشكيل المجتمع السياسي الفلسطيني في مظهره الحالي ولعبت دوراً لا يقل شئناً عن الرجل في ذلك، يجب أن يكون بشكل ممنهج، وبقوة الخطاب الأصولي إعلامياً، ويتوجب على السلطة الرسمية إحداث حالة من التلامس اليومي بين النساء المشاركات في صنع القرار والمواطنين، لكي يكون هنالك تقبل من قبل الرجل من خلال هذه الملامسة، ووعي من قبل المرأة في قدرتها على الشراكة الحقيقية.
#بهاء_الشافعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الوكالة الوطنية بالجزائر توضح شروط منحة المرأة الماكثة في ال
...
-
-قرن- ينمو في جبين امرأة صينية تبلغ من العمر 107 أعوام
-
الوكالة الوطنية للتشغيل 800 د.ج تكشف كيفية التسجيل في منحة ا
...
-
طريقة التسجيل في منفعة دخل الأسرة بسلطنة عمان 2024 والشروط ا
...
-
تقارير حقوقية تتحدث عن انتحار نساء بعد اغتصابهن في السودان
-
أنبــاء عن زيـادة منحة المرأة الماكثة في البيت الى 8000 د.ج!
...
-
جنود إسرائيل في ثياب النساء.. ماذا وراء الصور؟
-
وباء -الوحدة الذكوري-.. لماذا يشعر الرجال بالعزلة أكثر من ال
...
-
مساعدة الرئيس الإيراني: مستعدون للتعاون مع قطر في مجال الأسر
...
-
لماذا تسافر ملكة جمال لبنان إلى المكسيك في أوج الحرب؟
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|