أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - الأسعد سائحي - تونس - - الجبهة الشعبية - من حماية - الثّورة - مع النهضة إلى إنقاذها مع نداء تونس















المزيد.....



تونس - - الجبهة الشعبية - من حماية - الثّورة - مع النهضة إلى إنقاذها مع نداء تونس


الأسعد سائحي

الحوار المتمدن-العدد: 4269 - 2013 / 11 / 8 - 16:03
المحور: في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
    



مقــدّمــة :

عرفت انتفاضة 17 ديسمبر 2010 العديد من التّطورات والمنعرجات الخطيرة الّتي آلت بها في النّهاية إلى صراع بين رجعيتين عميلتين ، أحدهما مُتلحّفة بالدين (حركة النهضة) ، والأخرى بالحداثة (حركة نداء تونس) ، وهو مسار طبيعي لانتفاضة شعبية عارمة غابت عنها الذّات الثّورية والبرامج النّضالية الّتي تمسّ مشاكل الجماهير المُنتفضة ووعيها السّياسي بمتطلّبات المرحلة ، واختلّت فيها موازين القوى لصالح القوى الرجعية العميلة بكافّة ألوانها ومواقعها وكلّ من دار في فلكها ، ليقع تسويقها لعموم الشعب في شكل " ثورة " لم تقع في حقيقة الأمر إلاّ في أذهان من سوّق لها ومن له مصلحة في ذلك .

فانتفاضة 17 ديسمبر المجيدة قامت ضدّ الائتلاف الطّبقي الحاكم الرّجعي العميل المُمثّل في نظام دكتاتوري بكافّة أجهزته القمعية المتسلّطة على رقاب أبناء شعبنا المضطهد بالحديد والنّار ، وقامت ضدّ كلّ أشكال الاستغلال والاضطهاد الطّبقيين ، رُفعت فيها العديد من الشعارات المُطالبة بالحرية والكرامة الوطنية ، وتترجمت كلّ الشّعارات المرفوعة من الطّبقات الشّعبية المُضطهدة المُنادية بالحرية والكرامة والعيش الكريم والتّشغيل والتّوزيع العادل للثّروات ... في شعار مركزي جامع يُلخّصها و يُعبّر عنها وهو شعار " الشّعب يُريد إسقاط النّظام " ، هذا الشّعار الّذي اهتزّت له مؤسّسات ودوائر رأس المال العالمية وصناديق النّهب الدّولية ووكلائها المحلّيين أركان النّظام التّونسي الرّجعي العميل ، هذا الشّعار الّذي تطوّر نسق رفعه تدريجيا ليُصبح الشّعار المُميّز لكلّ المُظاهرات والاحتجاجات والإضرابات والإعتصامات والمسيرات في كلّ أنحاء البلاد ، ليُصبح الشّعار المُميّز للانتفاضة .

وحتّى لا تتطوّر انتفاضة 17 ديسمبر إلى ثورة حقيقية تنتصر للكادحين والمُضطَهَدين ، وتُحدث نُقلة نوعية في تاريخ الشّعب التّونسي ، وقع قبرها تدريجيا بكبح نسقها التّصاعدي في كلّ جهات البلاد وتحويل وجهتها وشعاراتها تدريجيا وبنسق مدرُوس وحصرها في اعتصامي القصبة 1 و 2 ، ليقع الإجهاز عليها نهائيا بواسطة صناديق اقتراع انتخابات 23 أكتوبر 2011 المهزلة الّتي حوّلتها من عُمقها الطّبقي إلى فصول قانونية في دستور الترويكا بقيادة حركة النهضة الرجعية العميلة.

ومحاولة منا لفهم الوضع السّائد حاليا في تونس ، الّذي يتّسم ظاهريا باحتداد " التّناقض " والاختلاف بين السّلطة القائمة بقيادة حركة النهضة الّتي تبحث عن توازنها وتثبيت نفسها على سدّة الحكم ، وبين شريكتها في المسار الصّديقة اللّدودة " المعارضة الدّيمقراطية " - الّتي تحوّل " رأس حربتها " بحُكم العديد من الأسباب والمُعطيات من " الجبهة الشّعبية لتحقيق أهداف الثّورة " إلى " جبهة الإنقاذ الوطني " - يجب علينا الرّجوع قليلا إلى الوراء للوقوف على أهمّ المحطّات والخيارات والمسارات الفاصلة الّتي انتهجتها تلك " المعارضة الديمقراطية " وتحديدا " اليسارية " منها ، والّتي تدّعي في خطابها السّياسي الوطنية والديمقراطية والثّورية .

1) تأسيس " المجلس الوطني لحماية الثّورة " والتّحالف مع حركة النهضة :

كانت لمُحاولة الأطراف السّياسية " اليسارية " المُتآكلة تاريخيا مُحاولة تجميع نفسها يوم 20 جانفي 2011 في إطار " جبهة 14 جانفي " ( فالجبهة الشعبية هي إعادة تشكيل لجبهة 14 جانفي ) فاشلة ولم تُعمّر طويلا ، لاختلاف طبيعة مكوّناتها الهزيلة الّتي تعيش وضعيات متفاوتة في حالتها التّنظيمية ومضامين برامجها ، مُتغافلة عن اختلافاتها وخلافاتها السّابقة ، ولطبيعة المرحلة المتّسمة في أوّلها بالغموض والضّبابية وعدم وضوح الرّؤية ، ولطبيعة المهام الّتي طرحتها على نفسها في أرضيتها السّياسية (إذ لم يُشر بيانها التّأسيسي إلى المهام العملية لتحقيق الـ 14 نقطة الّتي وردت فيه) ، وخاصّة لطبيعة قيادتها الإصلاحية والانتهازية الّتي كانت في تحالف رسمي سابق مع حركة النهضة في " هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات " (حزب العمال الشيوعي التونسي) . فلم تتّسع جبهة 14 جانفي لتلك الأطراف ، ودعت يوم 26 جانفي 2011 إلى تشكيل " المؤتمر الوطني لحماية الثّورة " الّذي يتشكّل من كلّ القوى السّياسية والمنظمات والجمعيات " الّتي تتبنّى مطالب الشّعب وتُناضل من أجل تحقيقها " . (1)

وبعد تعديل تلك المبادرة ، هرولت جميعها مُسرعة في عربة واحدة بقيادة " حصان 18 أكتوبر " لتجسيم ذلك بتأسيس ما يُسمّى " المجلس الوطني لحماية الثّورة " (2) وإصدار بلاغ إعلامي في 11 فيفري 2011 مُمضى من 28 طرفا تمثّل أحزابا ومنظمات وجمعيات أبرزها مكوّنات جبهة 14 جانفي ( الجبهة الشعبية حاليا ) وحركة النهضة والمؤتمر من أجل الجمهورية والتكتّل الديمقراطي من أجل العمل والحريات ( الترويكا الحالية ) و الاتّحاد العام التّونسي للشّغل و الهيئة الوطنية للمحامين والرّابطة التّونسية للدّفاع عن حقوق الإنسان ( الرّباعي الرّاعي لـ " الحوار الوطني " باستثناء الإتّحاد التّونسي للصّناعة والتّجارة والصّناعات التّقليدية ) . فما الذّي جمع الحابل بالنّابل كما يُقال ؟ وما الّذي ألّف بين قلوب تلك الأطراف الّتي خلناها تاريخيا لا تلتقي ؟ وهل من الصّدفة أن تكون هي المُشكّلة والمُهيمنة على المشهد السّياسي الرّاهن ؟

ولئن لم نستغرب من تواجد حزب العمال الشّيوعي التّونسي وغيره داخل هذا الخليط السّياسي والجمعياتي غير المتجانس ، باعتبار وأنّه كان سبّاقا في التّحالف مع حركة النهضة الرّجعية العميلة في " هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحرّيات " سنة 2005 ضدّ " دكتاتورية واستبداد " بن علي ، أين أضفى عليها صفتي " المدنية والدّيمقراطية " ، فلقد لفت انتباهنا تواجد أطراف خلناها تاريخيا مُعادية للحركات الإخوانية بصفة عامّة وحركة النهضة بصفة خاصّة ( الاتّجاه الإسلامي سابقا ) كحركة الوطنيون الدّيمقراطيون (حزب حركة الوطنيين الدّيمقراطيين الموحّد حاليا ) ، ورابطة اليسار العمّالي ، وحزب العمل الوطني الدّيمقراطي، واليساريون المستقلّون ، والوطنيون الدّيمقراطيون(الوطد) (الحزب الوطني الاشتراكي الثّوري_الوطد حاليا) ، وحركة البعث والتّيار البعثي ، وحركة الشعب والاتحاد العام لطلبة تونس ...
وهنا يتبادر إلى أذهاننا كيف يُمكن لقوى مُعادية للثّورة أن تُصبح بين عشية وضُحاها " حاضنة وحامية " لها كحركة النهضة الرّجعية العميلة (ممثّل التّنظيم العالمي للإخوان المسلمين في تونس) بجانب من يطرح نفسه بديلا وطنيا ديمقراطيا ثوريا ( الخط الوطني الديمقراطي داخل المجلس على سبيل الذّكر لا الحصر ، والوطنيون الديمقراطيون(الوطد) نموذجا ) ؟ وكيف قبلت تلك الأطراف التّحالف معها في هذا " المجلس الثّوري " بعد أن أشبعتنا تاريخيا أطروحات ونصوصا تُفيد بأنّ " الإخوان المسلمون ثمرة طبخة سياسية دبرتها وتُديرها الإمبريالية ... " (3) ، " بل أنّ أهمّ الدّول الإمبريالية تحتضن كبار رموز التّيارات الإخوانية كبدائل في الوقت المُناسب للأنظمة المُتآكلة في الوطن العربي ، خاصّة في تونس والجزائر ومصر والسودان ... " ( نفس المرجع )

وحتّى نفهم ذلك التّحالف بين مختلف تلك الأطراف وتأسيسها " المجلس الوطني لحماية الثّورة " ، نُلقي نظرة سريعة على أهمّ ما في البلاغ الصّادر عنه بتاريخ 11 فيفري 2011 ، والّذي ورد بمقدمته : "... وقد تدارس الحاضرون المقترحات المتعلّقة بتأسيس هيئة وطنية لحماية الثّورة وفاء لدماء الشّهداء وانتصارا لطموحات شعبنا وتكريسا لمبادئ ثورته ودرءا لمخاطر الالتفاف عليها وإجهاضها وتجنيب البلاد حالة الفــــراغ … " .

نفهم من المقدّمة أنّ تلك الأطراف اجتمعت والتقت وأخذت ما يلزمها من وقت لتتحالف مع بعضها على الرّغم من العداءات والخلافات الّتي تشقّها إيديولوجيا وسياسيا على قاعدة " الوفاء لدماء الشّهداء " و" الانتصار لطموحات الشّعب " وتكريسا لمبادئ ثورته و "حمايتها من مخاطر الالتفاف والإجهاض " وتجنيب البلاد حالة الفــــراغ ...،
هكذا وبكلّ بساطة تحوّل أعداء الأمس القريب إلى أصدقاء وحلفاء يسهرون معا على تنفيذ مهام على غاية من الخطورة والأهمية مرتكزة على قواعد أخلاقية وسياسية كـ " الوفاء للشّهداء " و" الانتصار لطموحات الشّعب " و " تكريس مبادئ الثّورة " و " حمايتها من الالتفاف والإجهاض " ؟

ولإنجاز تلك المهام التّاريخية ، أقرّ هذا المجلس - باعتبار وأنّه مجلس سياسي نصّبهُ مكوّنوه مُتحدّثا باسم " الثّورة " - نقاط عمل واضحة المعالم تنبني على جُملة من المبادئ والمهام مُرتّبة ترتيبا تفاضليا خاصّة بهيئة إشرافه - باعتبارها هيئة تسيير عُليا " وطنية ثورية " أوكلت لنفسها مهمّة إستراتيجية كبيرة وهي " الوفاء لدماء الشّهداء " و" حماية الثّورة " و " الانتصار لطموحات الشّعب " - والمتمثّلة في تمكينها من :

1/ سُلطة تّقريرية لتتولّى إعداد التّشريعات المتعلّقة بالفترة الانتقالية والمُصادقة عليها ،
2/ مُراقبة أعمال الحكومة المؤقّتة وإخضاع تسمية المسؤولين في الوظائف لتزكيتها ،
3/ إعادة النّظر في اللّجان (لجان بن علي) الّتي تمّ تشكيلها من حيث صلاحيتها وتركيبتها حتّى تكون حصيلة وفاق على أن يُعرض آليا ما تطرحه من مشاريع على المجلس للتّصديق عليها ،
4/ اتّخاذ المُبادرات الّتي يفرضها الوضع الانتقالي في كلّ المجالات وفي مقدّمتها القضاء والإعلام .....
5/ تركيب هيئته من ممثّلين عن مختلف الأطراف الموقّعة على البلاغ ومن ممثّلين عن مختلف الجهات بشكل توافقي .
ولن يكون ذلك إلاّ بـ :
6/ المُصادقة على بعث الهيئة بمرسوم يُصدره الرّئيس المؤقّت . ( لإكسابها الشّرعية القانونية )

نفهم من النّقاط السّتة أنّ مُعظم تلك الأطراف بيمينها و" يسارها " قد هرولت إلى تأسيس ذلك المجلس " الوطني الثّوري " مع حركة النهضة الرّجعية العميلة وبعض الأحزاب والمنظّمات والجمعيات الّتي كانت تدور في فلك بن علي " الدّيمقراطي " ، وكانت تطمح – من خلفية الـ " وفاء لدماء الشّهداء ، والانتصار لطموحات شعبنا وتكريسا لمبادئ ثورته ودرءا لمخاطر الالتفاف عليها وإجهاضها وتجنيب البلاد حالة الفراغ " – أن تُمكّن من سلطة تقريرية ، ومُراقبة أعمال الحكومة وتزكية تسمية مسؤوليها (طبعا حكومة "الثّورة") ، وإعادة النّظر في لجان بن علي ، واتّخاذ المُبادرات في كلّ المجالات ، حتّى تتمكّن من حماية " الثّورة " بواسطة اللاّعبين الجُدد والمقاولات السّياسية والجمعياتية الّتي كانت مؤثّثة لدائرة المجتمع المدني لـ " ديمقراطية " نظام الرّجعية والعمالة برئاسة الجنرال بن علي ، وأن تكون تركيبة هيئته " بشكل توافقي " وأن تقع المصادقة على تلك الهيئة "الثّورية" " بمرسوم خاصّ يُصدره الرّئيس المؤقّت " فؤاد المبزع الّذي لا علاقة له أصلا بالثّورة لا من قريب ولا من بعيد ، بل لن يكون حسب موقعه الطّبقي إلاّ عدوّا ومُناهضا لها.

كما نستنتج من بلاغ " المجلس الوطني لحماية الثّورة " دعوته الغير مُعلنة بأنّه يُريد أن يكون " سُلطة مُوازية " للسّلطة " المؤقّتة " القائمة - والغير مضمونة باعتبار قيادتها وتواجد بعض وزراء بن علي - تتكوّن من مجموعة من الأحزاب والمنظّمات والجمعيات تُريد التّميّز والظّفر بسلطات القرار والمُراقبة والتّشريع " للفترة الانتقالية " ، خاصّة وأنّ تلك المكوّنات كان لها موقفا مُغايرا من " الحكومة المؤقّتة " المُنصّبة بقيادة الوزير الأوّل محمّد الغنوشي ( آخر وزير أوّل للجنرال بن علي قبل هروبه ) ، وهو ما نفهم منه قُبُول تلك الأطراف " برئيس مؤقّت " مُنصّب طبقا لمُقتضيات دستور 1959 له سُلطة إصدار القوانين والمراسيم لتسيير شؤون البلاد ، وعدم قُبُولها بحكومته " المؤقّتة " والمُنصّبة أيضا . هذا مع العلم أنّ " الرّئيس المؤقّت " ( فؤاد المبزع ) كان آخر رئيس لبرلمان الجنرال بن علي ، وهو ما يؤكّد بما لا مجال للشّكّ فيه أنّ تلك الأطراف أو القوى السّياسية والجمعياتية المُشكّلة لـ " المجلس الوطني لحماية الثّورة " كانت عاجزة عن تجسيد مطالبها الواردة في البلاغ . ولأجل ذلك استندت على البيروقراطية النقابية بقيادة عبد السلام جراد لدعمها في الحصول على مُبتغاها بواسطة تجييش قواعد اتّحاد الشّغل لممارسة بعض أشكال الضغط المُتاحة للغرض ، وكذلك لقربها من مركز السّلطة سابقا ( رمز البيروقراطية عبد السّلام جراد آخر من غادر قصر قرطاج قبل هروب بن علي ) وعلمها بدقائق الأمور ، فمكّنتها من عملية التّفاوض المُباشر مع " الرّئيس المؤقّت " المُنصّب ( المُستند لـ "شرعية" دستور 1959 أي " شرعية " برتوكول الخيانة 20 مارس 1956 ) لاستصدار مرسوم رئاسي خاصّ بالمصادقة على " المجلس الوطني لحماية الثّورة " وهيئته المُختارة " بشكل توافقي " ( مبدأ " التّوافق " الحالي له مرجعيته التّاريخية في هذا " المجلس " وليس من الصّدفة أن يكون شعارا مُميّزا في المرحلة الحالية في ما يُسمّى باطلا " الحوار الوطني " ) .

وهكذا حوّلت الأطراف المكوّنة لـ " المجلس الوطني لحماية الثّورة " البيروقراطية النّقابية بقيادة عبد السلام جراد من مُستهدفة للمُحاسبة على تاريخها الأسود في المُتاجرة بحقوق العُمّال وعلاقتها المتينة بالائتلاف الطّبقي الحاكم الرّجعي العميل ، إلى " قائد " مُحدّد للمسار السّياسي الجديد . وتمكّنت بفضل ذلك من ربح الوقت ومن جعل كافّة الأطراف السّياسية تدُور في فلكها لوعيها التّام بمحدوديتها وقصورها في الفعل السّياسي ، وإدراكها لطابعها الإصلاحي والانتهازي ( عشْرة قديمة ) الّتي تُريد الوصول للسّلطة بطريقة يسيرة وسهلة بعيدا عن التّكاليف والتّضحيات الباهظة الثّمن الّتي يتطلّبها النّضال الثّوري الجماهيري للغرض ، وهكذا تحوّلت البيروقراطية النّقابية من "عدوّ" للعمّال إلى " مُنقذ " و " حامي للثّورة " والضّامن للمرحلة الحاسمة و " الحالمة " ، تمسّكت بتلابيبها تلك الأطراف الّتي لم تستطع أن تقوم بأّيّ فعل سياسي خارج إطار اتّحاد الشّغل أو بمعزل عنه ، والّتي ستلعب لاحقا بصُحبتها – أي البيروقراطية النّقابية - دورا مُميّزا في قبر المسار الثّوري لانتفاضة 17 ديسمبر .

وبدأت الزّيارات المكوكية لمختلف تلك الأطراف لمقرّ الاتّحاد العام التّونسي للشّغل وتعدّدت اللّقاءات والجلسات العلنية والودّية ، وخاصّة زيارات رموز حركة النهضة الّتي بدأت في تلمّس طريقها نحو السّلطة بعد أن أدركت حقيقة وواقع الحركات اليسارية المتميّزة بالضّعف والتّشتت والانقسام ، مُستندة على جاهزيتها المادّية وقُدراتها التّنظيمية المُحكمة وإمكانياتها الذّاتية ، وكذلك على الدّعم الخارجي الإمبريالي من قبل دوائر رأس المال واللّوبي الإخواني الخليجي التّركي .

وكان للرّئيس المؤقّت المُنصّب الكلمة الفصل الحاسمة في خطابه يوم 03 مارس 2011 - الّذي تحدّث فيه أيضا باسم " الثّورة " و " الشّرعية الشّعبية " ، ووضع نفسه " مؤتمنا " عليها وعلى مصلحة الشّعب – بإعلانه حلّ حكومة محمد الغنوشي وتكليف الدّستوري والتّجمّعي الباجي قايد السّبسي بتشكيل حكومة جديدة ، وإصدار مرسوم يتعلّق ببعث " الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثّورة والإصلاح السّياسي والانتقال الدّيمقراطي " بصلاحيات أوسع عوضا عن " المجلس الوطني لحماية الثّورة " ، والّتي قبلت بها ، وارتمت في أحضانها مُسرعة أغلب مكوّناته ، بينما بقيت بعض الأطراف تُناور شكليا من بعيد ومن قريب مُعتبرة إيّاها انقلابا على مطلبها . وتوّج ذلك الخطاب بحلّ اعتصام القصبة 2 ، وكان بداية إشارة الانطلاق الجديدة للالتفاف على المسار الثّوري لانتفاضة 17 ديسمبر بعدما ضمن الائتلاف الطّبقي الرّجعي العميل – الّفاقد لتوازنه والّذي يعيش وضع الارتباك بسبب الغليان الشّعبي - موافقة ومُباركة أغلب الطّيف السّياسي والجمعياتي ، بمُساعدة وإشراف دقيق من الدّوائر الامبريالية الّتي أوفدت " فيلتمان " الّذي لعبا دورا رئيسيا ومحوريا داخل أروقة قصر الحكومة بالقصبة وخارجه للغرض ، ولأجل ذلك يصُحُّ تسمية حكومة السبسي بحكومة " فيلتمان " .

هكذا إذن مكّنت تلك القوى السّياسية - الّتي تُسمّي نفسها "يسارية" و " وطنية وديمقراطية وثورية " - حركة النّهضة الرّجعية العميلة الّتي كانت تُصنّفها بالأمس القريب بالاحتياطي الطّبيعي والتّقليدي للإمبريالية ، والتّعبيرة التّقليدية للإقطاع من صفتين ثمينتين طالما بحثت عنهما وهما صفتي "الوطنية والثّورية" ، كما مكّنت البيروقراطية النّقابية من حبل النّجاة ومن البروز كقوّة " وطنية " مُدافعة عن " الثّورة " وعن العمّال والجماهير المُنتفضة ، والّذي تترجم لاحقا في شعار " عاش عاش الاتّحاد،أكبر قوّة في البلاد "

وفجأة ، وبقُدرة قادر ، تنازلت تلك الأطراف الّتي تدّعي " الوطنية والدّيمقراطية والثّورية " عن مقولاتها السّابقة في تصنيفها لحركة النهضة ضمن الأعداء الطّبقيين ( والوطد نموذجا ) ، كاعتبار أنّ " الإخوان يركبون شعار الدّيمقراطية فقط للمُزايدة متى أحسّوا أنّهم وقع تجاوزهم ، أو للتّضليل والمُغالطة " ( نفس المرجع (3) ) ، كما تناسوا ما قاله شيخهم راشد الغنوشي حول الحرّية والدّيمقراطية والمُساواة ... : " إذا كان الطُّغاة في عهود التّخلّف يختفُون وراء أصنام اللاّت والعزّة ، فإنّ الحرّية والدّيمقراطية والمُساواة والقومية والتّقدُّمية ، هي الأصنام الحديثة " (نفس المرجع (3) مجلّة المعرفة العدد 3 / 1977 ) ، كما تركوا ما نظّروا له سابقا بأنّ " الإخوان صنيعة الإمبريالية " الّتي " أدركت ضالتها فيهم " ، وعدلُوا عن تنبيه الثّوريين " إلى حقيقة الحركات الإخوانية ، إلى مُنطلقاتهم وأهدافهم ، ليس هذا فحسب ، بل والانتباه إلى أولائك الّذين يرون في الإخوان المسلمين والحركات الدّينية إمكانية أن يكونوا طرفا وطنيا ضمن جبهة عمل وطني " (نفس المرجع (3) ) .

وبالمناسبة نسألهم هل نبّهتم أنفسكم وانتبهتم مثلما نبّهتم غيركم سابقا من قبل - بما أنّكم تُسمّون أنفسكم وطنيين وديمقراطيين وثوريين – إلى أنّ حركة النهضة الرّجعية العميلة بصفتها حركة إخوانية تنتمي للتّنظيم العالمي للإخوان المسلمين أصبحت بفضلكم " طرفا وطنيا " و " ثوريا " ضمن " المجلس الوطني لحماية الثّورة " الّذي أسّستموه برفقتها ؟

وبفضل هاتين الصّفتين المُميّزتين اللّتين كانتا بمثابة المدخل الرّئيسي وحبل النّجاة الّذي تمكّن بفضلهما المّمثّل الرّسمي لتنظيم الإخوان المسلمين في تونس – حركة النهضة - من شهادة براءة تاريخية طالما حلم بها ، وهو اعتراف سياسي وصكّ على بياض من القوى السّياسية الّتي كانت تكنّ لها عداءا تاريخيا منذ نشأتها باستثناء جماعة 18 أكتوبر للحقوق والحرّيات الّتي كانت سبّاقة في إضفاء صفة " المدنية والدّيمقراطية " عليها منذ سنة 2005 ودافعت عنها واعتبرتها شريكا وحليفا في مقاومة الدّكتاتورية ، ليكتمل المشهد ليُصبح أكثر " جمالا " بتزكية بقية الأطراف الّتي طالما أرّقتنا برفعها لشعار العداء والمُقاطعة للحركات الإخوانية العميلة للاستعمار وتصينفها لها في خانة العملاء أعداء الشّعب .

ومن العجب العُجاب ، وبهكذا تمشّي سياسي انبنى على قاعدة " الوفاء لدماء الشّهداء والانتصار للشّعب " ، وتحت يافطة " الثّورة " ، وقع ضخّ دماء جديدة " وطنية " و " ثورية " لحركة النهضة الرّجعية العميلة لتُصبح بين عشية وضُحاها " وطنية وثورية " و" وفية " لدماء الشّهداء و" مُنتصرة " لطموحات الشّعب في الحرّية والانعتاق الاجتماعي ؟

وتمكّنت حركة النهضة بفضل الصّفتين الجديدتين من الزّحف والبروز كقوّة سياسية " وطنية وثورية " لها موقعا مُتميّزا في المشهد السّياسي العام بواسطة " المجلس الوطني لحماية الثّورة " تترجم ذلك في كافّة تشكيلاته الجهوية والمحلية في كافّة أنحاء البلاد ، بل وسيطرت على أغلبها بسبب حضورها التّنظيمي والمالي المُتميّز عن بقية الأطراف الّتي شاركتها المسار والخيار طوعا وبكامل المسؤولية ، وكان ذلك بداية الهيمنة بمباركة جميع الأطراف الّتي انخرطت معها بمبرّرات " الالتقاء " و" التّقاطع " و" التّكتيك " "وفاء لدماء الشّهداء وانتصارا لطموحات شعبنا " " وتكريسا لمبادئ ثورته ودرءا لمخاطر الالتفاف عليها وتجنيب البلاد حالة الفراغ " ؟. والحقيقة أنّ الفراغ لا يكمُن إلاّ في فراغ جرابها السّياسية الّتي انكشفت عورتها وظهرت على حقيقتها العارية من كلّ تصوّر نضالي تقتضيه طبيعة المرحلة .

وتحوّل التّأكيد على أنّ " الحركات الدّينية قُطب ضمن جبهة أخرى مُعادية تماما للجماهير الكادحة مُعاداة الإمبريالية لهذه الجماهير وعلى رأسها الطّبقة العاملة " (نفس المرجع (3) ) إلى هباء منثور ، وأصبحت حركة النهضة بفعل " سحر الثّورة " الّذي لم يصمد أمامه " اليسار " الإصلاحي والانتهازي " حركة وطنية ثورية " "تؤتمن" على " الثّورة " و"تحميها" و"تنتصر" رفقته للشّهداء وللكادحين من العمّال والفلاّحين الفقراء وغيرهم من أبناء شعبنا ، ليسقط القناع عن مقولة المُتشدّقين بالثّورية المؤكّدة على أنّ " الصّراع ضدّ الحركات الدّينية العميلة ، هو ذاته الصّراع والنّضال ضدّ الإمبريالية ومن لفّ لفّها " ( نفس المرجع (3) ) ، لتتحوّل فجأة تلك الحركة الإخوانية وغيرها لتأثيث " المجلس الوطني لحماية الثّورة " ومن بعده هيئة بن عاشور ، بتزكية من كافّة الأطراف وخاصّة من دُعاة " الوطنية والدّيمقراطية " " الأشاوس " الّذين صمّموا آذاننا بأنّ " الفكر الإخواني يُريد إنتاج علاقات إنتاج ما قبل رأسمالية : أي إعادة إنتاج التّخلّف ، شدّ حركة التّقدّم ، لذلك يقف الإخوان موضوعيا في خندق الثّورة المُضادّة ، مُعادين للمهام الوطنية والدّيمقراطية ... وهو معنى أنّ الإخوان رجعيون وظلاميون ، فإذا كانت الإمبريالية برجعيتها قد تفطّنت لهذه الحقيقة ، وبادرت لاستثمارها ، كيف يغفل عنها الثّوريون ؟ " (نفس المرجع (3)) ، وهُم بذلك التّمشي السّياسي بتحالفهم مع الإخوان يُناقضون أطروحاتهم الفكرية والسّياسية وينقلبون عليها ، وتبيّن فعليا بأنّهم هم الغافلون ولم يتفطّنوا لحقيقة الإخوان و انتهازيون ومُفترون على التّاريخ ومُنقلبون على تنظيراتهم وأطروحاتهم السّابقة . ولطالما نبّهونا بأنّ " الكشف عن حقيقة الإخوان المسلمين مواقفا ومواقعا ، لا يقف عند مُجرّد فضحهم (فالإخوان يتباهون بعمالتهم) ، بل يمتدّ إلى كشف النّقاب عمن يسير في ركابهم . فإذا كان الإخوان لا يستحيون من سجلّ جرائمهم وأطروحاتهم ، فإنّ البعض لا يستحي من اعتبارهم قوى وطنية يُمكن المُراهنة عليهم ... " (نفس المرجع (3) ) ، فهل من تفسير مُقنع على قاعدة ما ورد في هذا المرجع أن يُفسّر لنا وطنيونا وديمقراطيونا وثوريونا طبيعة تواجدهم إلى جانب حركة النهضة الإخوانية وتحالفهم معها ؟ ولماذا ساروا في ركابها ؟ ولماذا اعتبروها "قوى وطنية وثورية " ؟ وهل مازالوا يتبنّون ما نظّروا له سابقا في الغرض ؟

أظنّ أنّ " السّير " في ركاب النهضة قد حصُل وثبُت فعليا في " المجلس الوطني لحماية الثّورة " من خلال التّأسيس معها للمجالس المحلّية والجهوية لحماية " الثّورة " ، واقتسام النيابات الخصوصية للبلديات والمجالس القروية ، والانخراط معها في " الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثّورة والإصلاح السّياسي والانتقال الدّيمقراطي " (هيئة بن عاشور) لصياغة المشهد السّياسي الجديد ، ومُنافستها " ديمقراطيا " في انتخابات 23 أكتوبر 2011 ، وتترجم ذلك أكثر وضوحا بعد الانتخابات عند مُناقشة فصول ونقاط وفواصل دستورها عندما قامت بعرضه في الجهات لإبداء الرّأي والمُلاحظات لضمان مُشاركة أوسع من طرف " المجتمع المدني " تحت إشراف أعضاء " المجلس التّأسيسي " ... أظنّ أنّ النّقاب قد كُشف فعليّا عن من سار في " ركابهم " ومن اعتبرهم " قوى وطنية يُمكن المُراهنة عليهم " خاصّة وأنّهم كانوا يأملون " الانتصار لشعبنا " وتحقيق أهداف " ثورته " معهم .

هذا التّحالف الصّريح الّذي حدث بين مكوّنات "الجبهة الشّعبية" وحركة النهضة " لحماية الثّورة " لم يكن كافيا لها ، إذ زيادة على منح صفتي " الوطنية والثّورية " لحركة رجعية عميلة ، مكّنتها من صفة ثالثة وهي " الشّرعية " الانتخابية - الّتي ستتطوّر لاحقا إلى " شرعية شعبية ثورية " - بمشاركتها ومنافستها لها في انتخابات 23 أكتوبر 2011 المهزلة الّتي أثّثتها قوانين ومراسيم هيئة بن عاشور ، وانجزت بواسطة صناديق اقتراع صُنعت في الخارج خصّيصا لها ، ليكتمل المشهد وتتحوّل فجأة بين عشية وضُحاها حركة سياسية رجعية عميلة إلى حركة " وطنية " و" ثورية " و " شرعية " (بواسطة حبر السبسي) ؟

وفجأة ، وجد الشّعب التّونسي - التّواق للحرية وللكرامة الوطنية – نفسه محكوما من طرف حركة رجعية عميلة تتمتّع بثلاث صفات مؤيّدة من طرف خصومها السّياسيين وأعدائها التّاريخيين التّقليديين وهي : " الوطنية والثّورية والشّرعية الانتخابية " ، أي من الرجعية والعمالة والخيانة إلى " الوطنية والثّورية والشّرعية الشّعبية " ؟

2) حكم الترويكا بقيادة النهضة وتواصل أزمة نظام العمالة :

انطلقت حركة النهضة الرّجعية العميلة – بعد " تتويجها " بتيجان " الوطنية والثّورية والشرعية الشّعبية " - الّتي وإن سقط عنها لاحقا تاجي الوطنية والثّورية وانكشفت عورتها أمام الجماهير ، بقيت " مُزيّنة " بتاج " الشّرعية الانتخابية " - في تنفيذ مشروعها السّياسي المُعادي لطموحات شعبنا في الحرية والتّقدّم والازدهار ، مُستندة في ذلك إلى " الشّرعية الشّعبية " تحت قُبّة مجلسها " الوطني التّأسيسي " بعد انتخابات لم يطعن أي أحد من مُنافسيها في ضرورتها من عدمها ، وفي قاونها الانتخابي ، وظروف سيرها وخاصّة تمويلها وإشرافها وفي نتائجها - بل بالعكس من ذلك ، إذ وقعت مُباركتها من جميع مُنافسيها كما باركتها الدّوائر الإمبريالية ( ثمّنها أوباما وصفّق لها مجلس الشيوخ الأمريكي ، ...) رغم الفشل الذّريع لقائمات " اليسار " سواء منها الحزبية أو المُستقلّة ، وصفّقوا لها واعتُبروها أوّل انتخابات " ديمقراطية وتعدّدية ونزيهة وشفّافة " في تاريخ تونس ، بل وبلغ السّحر والوهم بأحد رموز " الجبهة الشعبية " حاليا بقوله : " أنّ تونس ستشهد ديمقراطية لم تشهدها منذ علّيسة " ( راجع تصريحات رئيس قائمة "إلى الأمام " أثناء قيامه بحملته الانتخابية في جهة صفاقس (مقطع فيديو) ) - ، لتنطلق عملية التّأسيس لدستور " الثّورة " المغدورة بأغلبية مُريحة لحركة النّهضة مع ديكور " ديمقراطي تعدّدي " من كلّ حدب وصوب لا يُسمن ولا يغني من جوع – من قصّاصهم إلى خليفتهم السّادس - كانت فيه الكلمة الفصل دائما وأبدا لها باستعمال آلية التّصويت " الدّيمقراطي " داخل المجلس كلّما احتدّت الخلافات وتنوّعت الرّؤى – طبعا في إطار المجلس " الدّيمقراطي جدّا " الّذي تُبثّ مُداولاته وحواراته ونقاشاته وسجالاته " الديمقراطية " على مرأى ومسمع الشّعب على المُباشر لينعم ببداية الغيث " الدّيمقراطي " لنتائج الانتخابات المهزلة ، وليرى بأمّ عينه أهداف " ثورته " تُغتصب بما صنعته أصابعه الّتي لطّخوها رغما عنه بحبر السّبسي – لندخل في " السّنة الأولى ديمقراطية " كما يحلو لمرشد حركة النهضة راشد الغنوشي أن ينعت المرحلة الجديدة لتتبعها السّنة الثّانية ولا نعلم نهاية " التّربّص الدّيمقراطي الإخواني " متى ستكون.

وبدأت حركة النهضة ذات الأغلبية المُريحة في " المجلس الوطني التّأسيسي " بالتّكشير عن أنيابها وكشف نواياها الحقيقية وعن طبيعتها المُعادية لتطلّعات الجماهير الشّعبية التّواقة للحرية وللانعتاق الاجتماعي منذ صياغتها للقانون المؤقّت المُنظّم للسّلط العمومية الّذي كان نقطة البداية للهيمنة على سُلطة القرار على كافّة دواليب الحياة السّياسية والإدارية وجميع السّلط وخاصّة منها التّنفيذية ، وذلك بوضع كلّ ذلك تحت إمرة رئيس حكومتها وتهميش باقي السّلطات ، هدفها المرحلي في ذلك تدريب وتعويد عموم أبناء الشّعب على منظومة الحكم البرلماني الّذي تطمح لإقامته مستقبلا .
وكان لحركة النهضة مُبتغاتها المرسوم مُسبقا بالاتّفاق مع الدّوائر الإمبريالية الاستعمارية وصناديق النّهب الدّولية ، سلاحها وديدنها في ذلك " وطنيتها " و " ثوريتها " و " شرعيتها الشّعبية " المُستمدّة من خصومها " الدّيمقراطيين " وأعدائها التّاريخيين " الوطنيين " ، الّذين شرّعوا لها تلك الهيمنة تدريجيا ( في هيئة 18 أكتوبر والمجلس الوطني لحماية الثورة وهيئة بن عاشور وانتخابات 23 أكتوبر المهزلة ) بما فيهم حرس النّظام القديم بكافّة تلويناته السّياسية المُرسكلة في أحزاب جديدة ، والّتي أتقنت جيّدا خيوط اللّعبة وتحدّثت أيضا باسم " الثّورة " " ودافعت عنها ومجّدتها " وتطمح هي أيضا لتحقيق أهدافها " وفاء لدماء الشّهداء " ولـ " تنتصر " كغيرها للشّعب مثلما " انتصرت " له سابقا في ظلّ حكمي بورقيبة وبن علي . يا له من مشهد مُثير ؟ فـ "الثّورة" أسالت لُعاب الجميع بمن فيهم رهوط النّظام القديم ، ورُبّما كانوا على "حقّ" ، فهم " أهل الدّار " ويعلمون جيّدا أين دُقّ المسمار ، ويفقهون جيّدا إلى أين سينتهي المشوار وها هم اليوم من أبرز رموز " الحوار الوطني " و " مُنقذي " الوطن .

وتوالت الأيّام ، وتنوّعت الأحداث ، وتراكمت المطالب والمشاكل بقديمها وجديدها ، وواصلت الجماهير الشّعبية المُنتفضة نضالاتها اليومية من احتجاجات وإضرابات وإعتصامات رافضة لسياسة الائتلاف الطّبقي الحاكم في ثوبه الجديد ، والّذي كشف عن حقيقته المرّة بمواصلته لنفس الخيارات الاقتصادية والسّياسية والاجتماعية ولكافّة التّعهّدات والاتّفاقيات مع صناديق النّهب الدّولية الّتي زادتها تفقيرا وبؤسا ، وأزّمت من وضعيتها الاجتماعية أكثر من ذي قبل . وكانت الطّبقات الاجتماعية المسحوقة والفقيرة والمُهمّشة على صدارة ضحايا تلك الخيارات ، فكشّرت أجهزة القمع البوليسي بمساعدة قوّات الجيش عن أنيابها لقمع المسيرات والمظاهرات والاحتجاجات والإعتصامات الّتي أصبحت مُجرّمة وتُصدر ضدّها فتاوى رجال الدّين ( أحداث 9 أفريل ، أحداث سليانة ، الحوض المنجمي ، ... إلخ ) ، فازدادت نسبة البطالة واهترئت المقدرة الشّرائية ، وتدنّت مستويات الخدمات الاجتماعية من صحّة ونقل وتعليم وثقافة وترفيه ، وازدادت نسبة الجريمة وتطوّرت إلى مستوى الجرائم السّياسية عن طريق الاغتيالات والإرهاب المُنظّم، وتدهورت الحالة الأمنية لدرجة الانفلات ، وبرزت ظواهر اجتماعية وسياسية جديدة ذات تعبيرات مُغلّفة بالدّين عمّقت عملية تبليد ذهنية المواطن التّونسي وساهمت مُساهمة فعّالة في صبينة الرّأي العام وتهميش الصّراع الطّبقي ، وتاهت مطالب انتفاضة 17 ديسمبر المجيدة في الأخير بين الكفر والإيمان وقاعدة ومنطق " يجوز " و " لا يجوز " ذات المرجعية الدّينية الوهابية .

كما انحدر الواقع السّياسي قصدا لمطبّات لا علاقة لها بالوضع الاقتصادي والاجتماعي للجماهير المُفقّرة والمُهمّشة الّتي أصبحت تعيش " تحت خطّ الفقر " وتدفع رغما عنها فاتورة الأزمة الاقتصادية المُستفحلة والخانقة وعلى رأسها جماهير العمّال والفلاّحين الفقراء ، وصغار الموظّفين ، والجماهير الكادحة من أجل خبزها اليومي خارج دائرة الإنتاج ، ووقع تهميش نضالاتها المشروعة وتحويل وُجهتها وأهدافها ، أمام عجز السّلطة الحاكمة في حلّ المشاكل المُتراكمة والاستجابة لطلبات الجماهير ، لتتواصل بذلك أزمة نظام العمالة من حكم بن علي إلى حكم الترويكا بقيادة حركة النهضة الرّجعية العميلة الّتي لم تتمكّن من فرض شروط حكمها على الجماهير الشّعبية المُنتفضة الّتي أيقنت فشلها في إدارة أزمة النّظام الّذي يلهث القائمون عليه - ومن ركب معهم " الثّورة " - في تسويقها تحت غطاء " كثرة الإضرابات والاحتجاجات والإعتصامات ... " الّتي تُعيق عملية " الوفاء لدماء الشّهداء " الّتي لن تكون إلاّ " بتحقيق أهداف الثّورة " عن طريق " الأمانة " الّتي وضعها الشّعب في يد الترويكا الحاكمة ، و إرساء " العدالة الانتقالية " و بناء المؤسّسات الّتي تضمن " الحرية والدّيمقراطية " و" التّنمية المحلية والجهوية " و" الشّغل " و" العيش الكريم "... إلخ ، باستعمال أجهزة القمع البوليسي تحت غطاء " عُنف الدّولة المشروع " في الدّفاع عن نفسها ، أو بالتّخويف والتّرهيب لأبناء الشّعب الكادح ليعدلوا عن التّظاهر والاحتجاج عن طريق تطبيق " حدّ الحرابة " مثلما اقترح نائب حركة النهضة الصّادق شورو في " المجلس الوطني التّأسيسي " ، أو بواسطة ميليشيات " رابطات حماية الثّورة " تحت غطاء " مُقاومة الثّورة المُضادّة " و" التّصدّي لأزلام النّظام السّابق " ، أو عن طريق الحركات الدّينية المُتطرّفة بتسمياتها المُختلفة لتهميش الصّراع الطّبقي وتحويله إلى صراع ديني بين الكفر والإيمان ، أو باستخدام دور العبادة للتّنويم باسم الدّين لقبول الوضع السّائد كمُطالبة الجماهير الجائعة عن طريق أئمة المساجد بمُساعدة " حكومة الثّورة " – الّتي " ابتلاها " الله بحكم البلاد والعباد - في إنجاز ما انتُخبت من أجله بالابتعاد عن كلّ ما يُمكن أن يُعيقها في تنفيذ مهامها وما سيطاله من أجر في الدّنيا والآخرة ، و" الصّبر " عليها وعلى رزقهم بعض الوقت ولو إلى حين في " انتظار الفرج " ....

3) " الجبهة الشعبية لتحقيق أهداف الثورة " والفشل في " تصحيح المسار الثّوري " :

في خضمّ هذا الوضع البائس ، انتبهت القوى السّياسية " اليسارية " الإصلاحية والانتهازية لعُمق أزمة نظام العمالة في ثوبه الجديد بقيادة حليفة الأمس حركة النهضة ، وعزمت على استغلالها والعودة إلى الواجهة السّياسية برؤية جديدة ، وأرادت أن " تُكفّر " عن نفسها بعد إدراكها لحقيقتها المُرّة ولحقيقة خياراتها ومساراتها السّياسية الفاشلة، ولحقيقة الوضع الكارثي الّذي أصبحت عليه البلاد ، والرّفض الشّعبي المُتزايد لسياسات الترويكا إلى درجة الخوف من الرّجوع في " المكاسب " الّتي وقع تحصيلها في عهدي بورقيبة وبن علي .

وبعد خمسة أشهر من الانتخابات المهزلة وتربّع الترويكا الحاكمة على كرسي السّلطة ، سارعت خمسة أطراف سياسية (الحزب الشعبي للحرية والتقدم ، حركة البعث ، حزب النضال التقدمي ، الوطنيون الديمقراطيون(الوطد) ، حزب العمال الشيوعي التونسي ) إلى تكوين " الجبهة الشعبية 14 جانفي " بتاريخ 18مارس 2012 (4) شكّلت النّواة الأولى الّتي تأسّست عليها لاحقا " الجبهة الشّعبية لتحقيق أهداف الثّورة " ، وحذّرت في بيانها التّأسيسي من " سعي الائتلاف الحاكم بقيادة "حركة النهضة" وقوى الثّورة المضادّة عموما الدّاخلية منها والخارجية للالتفاف على المسار الثّوري لشعبنا ... " الّذي يتميّز بـ " الإصرار على المُضي قُدما في نفس خيارات بن علي بمواصلة الولاء للقوى الاستعمارية ومزيد فتح أبواب البلاد على مصراعيها أمام النّهب الاقتصادي والمالي الخارجي والدّاخلي ... وتضييق الخناق على الحرّيات العامّة والفردية ... ".

وهكذا شرعت تلك القوى في " الانقلاب " على مسار " حماية الثّورة " بتحالفها بالأمس القريب مع حركة النهضة " الوطنية والثّورية "، والمتمتّعة بـ " الشّرعية الشّعبية " بواسطة انتخابات 23 أكتوبر 2011 ، لتُصنّفها في خانة " قُوى الثّورة المُضادّة " المُلتفّة على " الثّورة " والموالية " للقوى الاستعمارية " ، بعدما كانت بالأمس القريب إلى جانبهم من قوى " حماية الثّورة " الّتي " ستنتصر " معهم " لطموحات الشّعب " ، ونزعت عنها ثوب " المدنية والدّيمقراطية " الّتي ارتدته في " هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات " ، لتصبح مُتّهمة " بتضييق الخناق على الحرّيات العامّة والفردية ... " ؟

كما أنبأتنا " بعدم استعداد "حركة النهضة" وشركائها في الحكم لحلّ المشاكل الأساسية الّتي عانى منها الشّعب وما يزال ... " وهو ما يُفسّر خوض " الجماهير الشّعبية وقواها الوطنية نضالات بطولية في مواجهة قوى الثّورة المضادّة في السّلطة وخارجها ... " وأنّ " الجبهة الشّعبية 14 جانفي " تأسّست في " خضمّ هذا الزّخم النّضالي الشّعبي ومن أجل المساهمة في إنجاز المهام الثّورية والتّصدّي لكلّ المؤامرات الّتي تُحاك ضدّ شعبنا ... ".

ولم تكتف بذلك ، بل ذكّرت مكوّنات " الجبهة الشّعبية 14 جانفي " في نطاق التّعريف بنفسها من جديد بعد تيقّنها من عدم معرفة الجماهير الشّعبية بها بعد تجربة انتخابات 23 أكتوبر 2011 بمشاركتها " في كلّ النّضالات الّتي تُوّجت بإسقاط بن علي ... " وفي مساهمتها " في إطار " جبهة 14 جانفي " وبشكل فعّال في إسقاط حكومة الغنوشي الأولى والثّانية وفي تأسيس المجلس الوطني لحماية الثّورة ... " وفي تنظيمها للمظاهرات وقيادتها للمسيرات وتفعيلها للإعتصامات ونضالها ضد " حكومة السبسي المتآمرة على الثّورة ، وضدّ هيئته المُنصّبة " الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثّورة والإصلاح السّياسي والانتقال الدّيمقراطي " ، وعملت بكلّ ما في وسعها جنبا إلى جنب مع الشّعب من أجل تحقيق شعار " الشّعب يريد إسقاط النّظام " ، وأشارت لوجود خلافاتها بينها " حول تحديد المهام المركزية للجبهة وموقعها من التّحالفات النّاشئة في البلاد ... أدّت إلى الفرز بين مكوّناتها وتوحيد القوى المُتمسّكة بتحقيق أهداف الثّورة ... " ، وعبّرت في خاتمة بيانها التّأسيسي عن " تمسّكها بمواصلة النّضال الثّوري وحرصها على مدّ جسور التّواصل بين القوى الدّيمقراطية من أجل التّقدّم في إنجاز التّحرّر الوطني الفعلي والانعتاق الاجتماعي والتّغيير الدّيمقراطي الحقيقي وحماية مكاسب الشّعب وتطويرها " .

فـ " الجبهة الشّعبية 14 جانفي " قامت بعملية فكّ الارتباط مع ما أثّثته من تحالف وتوافق مع حركة النهضة في " المجلس الوطني لحماية الثّورة " و" الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثّورة والإصلاح السّياسي والانتقال الدّيمقراطي " (ما يُعرف بهيئة بن عاشور) ، خاصّة بعد أن مُنيت بفشل ذريع في انتخابات المجلس المهزلة الّذي ظفرت فيه ببعض الأماكن الّتي تُعدّ على الأصابع ، ساعية بذلك إلى لملمة جراحها وإعادة مناخ " الثّقة " ولو إلى حين لمكوّناتها السّياسية الّتي تأثّرت شديد التّأثّر بهزيمتها المُدويّة في الانتخابات (سواء في قائمات حزبية أو مستقلّة) الّتي ستُحوّل لاحقا وُجهة المسار السّياسي العام إلى هيمنة شبه مُطلقة للائتلاف الحاكم الرّجعي العميل (الترويكا) بقيادة حركة النهضة صديقة وحليفة الأمس القريب لليسار الإصلاحي والانتهازي .

كما أنّ البيان أشار بطريقة مُحتشمة إلى أنّ مكوّنات الجبهة " عملت بكل ما في وسعها ... " لتحقيق شعار الانتفاضة المركزي " الشّعب يريد إسقاط النّظام " ، وهو كلام مُجانب للواقع ولحقائق الأمور ، بل بالعكس من ذلك وقع تمييع ذلك الشّعار وإفراغه من محتواه والانقلاب عليه بواسطة الخيارات السّياسية المُنتهجة من طرف اليسار الإصلاحي والانتهازي ، إذ كيف يُمكن أن يتجسّد ذلك الشّعار بالتّحالف مع حركة النهضة الرّجعية العميلة والبيروقراطية النقابية وبالقبول برئاسة فؤاد المبزّع وبحكومة السبسي وبالانخراط السّريع في منظومة انتخابات 23 أكتوبر المهزلة الّتي قبرت الانتفاضة الشّعبية وحوّلتها إلى صناديق الاقتراع ، ليقع تحويل نضال الجماهير المُنتفضة من أجل الحرّية والانتعتاق الاجتماعي ، أي من مطلب " إسقاط نظام العمالة " ، إلى إسقاط الورقات الانتخابية في صناديق الاقتراع ، مع غمس الأصابع في حبر السبسي " الأزرق " كعلامة مُميّزة في القيام بـ " الواجب الوطني " في جوّ مُفعم بـ " الانتصار " و" البهجة " و " الفرح " بأوّل انتخابات " ديمقراطية ، نزيهة وشفّافة " في تاريخ تونس ؟

كما لم يُشر البيان التّأسيسي للجبهة الشّعبية 14 جانفي لا من قريب ولا من بعيد إلى نقد المسار السّياسي لمكوّناته الّذي انخرطت فيه بقوّة ، فباستثناء التّذكير بمشاركتها في المسار الثّوري والنّضالات الّتي ترتّبت عنه مع الإشارة العابرة لمساهمتها في تأسيس " المجلس الوطني لحماية الثّورة " وتنصّلها من الانخراط في هيئة بن عاشور (بعض مكوّنات الجبهة كانت فاعلة إلى جانب حركة النهضة في تلك الهيئة سواء في شكلها الحزبي أو الجمعياتي) الّتي جهّزت القانون الانتخابي الّذي نظّم انتخابات 23 أكتوبر 2011 ، فبعض أطراف الجبهة تُعلن تمايزها بعدم المشاركة في تلك الهيئة باعتبار وأنّها هيئة مُنصّبة ومُنقلبة على " المجلس الوطني لحماية الثّورة " ، وفي نفس الوقت تقوم بتفعيل ما تُصدرته من قوانين ومراسيم ( مرسوم قانون الهيئة العليا للانتخابات ، مرسوم قانون انتخابات 23/10/2011، مراسيم قوانين الأحزاب والجمعيات ... ) كقبولها بهيئة الإشراف على الانتخابات برئاسة كمال الجندوبي ، والمشاركة في انتخابات 23/10/2011 وفقا لمرسوم القانون الانتخابي عدد 35 ، أو حصول بعض مكوّناتها على تأشيرة العمل القانوني وفقا لمرسوم قانون الأحزاب ، وتكوين جمعيات وفقا لمرسوم قانون الجمعيات ... الصّادرة عن تلك الهيئة في ظلّ حكومة السّبسي ورئاسة فؤاد المبزع رمزا نظام العمالة للفترتين البورقيبية والنّوفمبرية ، فينطبق عليها المثل الشّعبي القائل : " تأكل في الغلّة وتسب في الملّة " .

وبعد مرور قُرابة السّبعة أشهر من تكوينها والتحاق بقية مكوّناتها ، أثمر عمل " الجبهة الشعبية 14 جانفي " تأسيس جبهة سياسية سمّتها " الجبهة الشّعبية من أجل تحقيق أهداف الثّورة " ، وقد ورد في نداءها (5) قبل الاعلان عن انطلاقها الرّسمية ، نقدا لاذعا للائتلاف الحاكم الجديد بقيادة حركة النهضة الّتي استحوذت على أجهزة الدّولة ووظّفتها " لصالح سياسات حزبية ضيّقة ... " ، كما نقدت " الخيارات والإجراءات الاقتصادية اللّيبريالية المُتوحّشة الّتي تُعمّق مُعاناة الشّعب وتزيد من فقر المواطنين وبؤسهم ... " كما اتّهمته " برهن مُقدّرات الوطن للدّوائر الاستعمارية ووكلائها ... " وطالبت بـ " التّصدّي لهذه السّياسات اللاّشعبية واللاّوطنية وتقديم بديل سياسي يرسم للجماهير آفاقا على درب تحرّرها الوطني وانعتاقها الاجتماعي ... " . ودعت العمّال والفلاّحين والطّلبة والمُثقّفين والمُبدعين والشّباب المُعطّل وأحرار تونس وشُرفائها ... مُحرّكي " الثّورة وشُعلتها " " إلى استنهاض الهمم من جديد لاستكمال أهداف الثّورة " ، هذا الاستكمال الّذي يُفيد بوجود انتكاسة وتراجع عن تحقيق مطالب الجماهير وقع استغلالها من طرف " الثّورة المُضادّة " المُلتفّة على " الثّورة " ومطالبها ، وعلى رأسها الائتلاف الحاكم برئاسة النهضة حليفة الأمس الّذين تعاهدوا معها على " الانتصار " " لطموحات شعبنا وتكريسا لمبادئ ثورته ودرءا لخاطر الالتفاف عليها واجهاضها ... " (بلاغ 11 فيفري 2011) ، وأكّدت على أنّ " بناء جبهة شعبية ، وطنية ، ثورية هي ضرورة حتمية لتلبية طموحات شعبنا في تحقيق أهداف ثورته ... " وتهيب بمشاركة هؤلاء في بناء جبهتم الشّعبية " عبر الانخراط في هياكلها المحلية والجهوية والوطنية والمساهمة في برامجها ونضالاتها ... " وربطت النّصر بالنّجاح " في بناء الجبهة الشّعبية لتحقيق أهداف الثّورة " (المرجع (5) ) .

وانطلقت " الجبهة الشعبية لتحقيق أهداف الثّورة " بأرضية سياسية (6) " تُشكّل الحدّ الأدنى السّياسي والوطني لكلّ القوى والأطراف الوطنية والشّعبية المُتمسّكة بالنّضال من أجل تحقيق أهداف الثّورة والعمل على إنجاحها ... " ، وتهدف إلى " تجميع القوى الوطنية والثّورية وتوحيد صفوفها ... لاستكمال المسار الثّوري وإرساء سُلطة الشّعب عبر كلّ أشكال النّضال المُمكنة بما في ذلك الانتخابات " ، فالتحق بها قُرابة 12 حزبا وطرفا سياسيا أغلبهم إن لم يكُونوا كُلّهم ممّن أسّسوا " جبهة 14 جانفي " و " الجبهة الشعبية 14 جانفي " ، وممّن قاموا بحماية " الثّورة " مع حركة النهضة الرّجعية العميلة ومكّنوها من صكّ على بياض من صفتي " الوطنية والثّورية " ودعّموهما لصالحها طبعا بـ " الشّرعية الانتخابية " بمنافستهم لها " ديمقراطيا " في انتخابات 23 أكتوبر 2011 المهزلة دون استثناء ، ورسموا جملة من النّقاط لتحقيق أهداف " الثّورة " الّتي عجزت الترويكا الحاكمة بقيادة حليفتهم السّابقة حركة النهضة " الوطنية الثّورية " عن تحقيقها بعد اعتلائها سُدّة الحكم بواسطة الانتخابات ، باعتبار وأنّ " ... الجزء الأكبر من أهداف الثّورة وخاصّة في المستوى الاقتصادي والاجتماعي والوطني لم يتحقّق في ظلّ الحكومات المُتعاقبة ، بما في ذلك الحكومة الحالية الّتي أنتجتها انتخابات 23 أكتوبر 2011 ... " .

ولئن ورد في أرضيتها السّياسية على أنّها " تُشكّل بديل حكم حقيقي وتتجاوز الاستقطاب الثّنائي المغشوش الّذي يُقابل بين قُطبين والحال أنّهما يلتقيان في الحفاظ على نفس التّوجّهات الاقتصادية اللّيبريالية المُرتهنة للدّوائر الأجنبية " ، وتطمح في " بناء نظام جمهوري مدني ديمقراطي في خدمة الشّعب " الّذي لن يكون إلاّ بـ " تجميع القوى الوطنية والثّورية وتوحيد صفوفها " ، إلاّ أنّها تناست عمدا عملية اغتصاب المسار الثّوري لانتفاضة 17 ديسمبر المجيدة الّذي حوّلته من " الشّرعية الثّورية " إلى " الشّرعية الانتخابية " ، والّذي مثّل الحلقة الأولى في بداية هزيمة المسار الثّوري وقبر الانتفاضة الشّعبية بواسطة انتخابات 23 أكتوبر 2011 المهزلة .

هذه الجبهة الّتي سمّت نفسها شعبية ، جمّعت داخلها أطرافا سياسية متنوّعة المشارب الفكرية والسّياسية وكذلك التّجارب ( بمن فيهم الدّساترة وبرلمانيي بن علي وحتّى القريبين من النهضة داخل الأطراف السّياسية العروبية والقومية والجمعيات والمُنظّمات )، ديدنها في ذلك إفتكاك السّلطة من الترويكا الحاكمة أو اقتسامها معها عن طريق الانتخابات رافعة شعار البديل الثّالث عن قُطبي الاستقطاب حركة النهضة ونداء تونس اللّذان هُما في الأصل قُطبي استنزاف شعبي باعتبار طبيعتهما المُعادية لمصالح الجماهير ، وطبيعتهما الرّجعيتين العميلتين ولو تغلّف أحدهما بالدّين والآخر بالحداثة ، فهما وجهان لعملة واحدة تترجم لدى الجماهير الشّعبية المُنتفضة في شعارات : " النهضة والنداء أعداء الشّهداء " ، " لا النهضة لا النداء " ، " سُحقا سُحقا للرّجعية ، دساترة وخوانجية " ...

وانطلقت الجبهة الشّعبية في عملها لتحقيق أهداف " الثّورة " بإعلان وجودها رسميا يوم 07 أكتوبر 2012 في اجتماع بأنصارها بقصر المؤتمرات بالعاصمة وأعلن ناطقها الرّسمي " أنّ الجبهة ليست جبهة احتجاج ومُعارضة ، بل جبهة بدائل وحكم ، وهي قادرة على تسيير شؤون البلاد ... " ، مُحاولة الظّهور كقوّة سياسية مُناهضة وبديلة لحكم الترويكا وخاصّة حليفهم بالأمس القريب حركة النهضة الرجعية العميلة ، وبعثت تنسيقيات جهوية ومحلّية لتمثيلها في مختلف جهات البلاد وحتّى في الخارج ، وجذبت لدائرتها مجموعة من الشّخصيات والوجوه الدّيمقراطية " المُستقلّة " ، ووسّعت من دائرة نشاطها الاستقطابي الّذي رافقه زخم إعلامي كبير داخلي وخارجي ، من تغطيات صُحفية عن طريق القنوات التّلفزية والإذاعات الرّسمية والخاصّة والصّحافة المكتوبة والأنترنيت ، والحوارات التّلفزية والإذاعية المُباشرة ، ولم تترك مجالا لم تتحرّك داخله لدرجة إصابتها بوهم " الانتشار في الأرض " كانتشار الأديان ، وأصاب قيادييها " وهم " القوّة والانتصار ، وأصبحت الجبهة وناطقها الرّسمي يُزاحمان مُنافسيهما على الظّفر بالسّلطة ( البرلمان ورئاسة الجمهورية ) في صورة وقوع انتخابات عبر عمليات سبر الآراء الموكولة لشركات مُختصّة في الغرض الّتي تُطلعنا بين الفينة والأخرى عن نتائج تلك العمليات والنّسب المأوية الّتي تعكس شعبية الشّخصيات أو الأحزاب الّتي وقع ترشيحها للغرض مثلما يقع في الدّيمقراطيات البورجوازية ، وهي عملية مُمنهجة داخلة في الإطار العام " للمرحلة الانتقالية " والتّسويق " الدّيمقراطي " لها لتعويد عموم الشّعب على الوجوه الجديدة الّتي يُمكن أن تكون في السّلطة لاحقا ، وهي فنّ بورجوازي مُختصّ في صناعة السّاسة وتسويقهم للعموم يُضاف للمشهد السّياسي العام بالبلاد . وكسبت بذلك " الجبهة الشّعبية " إشهارا مجّانيا لها جعلها من بين الأطراف الّتي يُمكن أن يكون لها حظّا في الظّفر ببعض المقاعد في السّلطة عن طريق الانتخابات في ظلّ مُنافسة شديدة بين قُطبي الاستقطاب الثّنائي المهيمنين على المشهد السّياسي ، حركة النهضة ونداء تونس .

ولهذا الغرض - أي تقديم نفسها كبديل حكم بعيدا عن ذلك الاستقطاب الثّنائي - أفحمتنا " الجبهة الشعبية " بـ " مُعارضتها " للترويكا ولنداء تونس ، وقدّمت نفسها بديلا شعبيا لتحقيق أهداف " الثّورة " المغدورة ، ولهثت وراء سرابها طويلا مع المحافظة على لياقة ولباقة المشهد " الديمقراطي " في ثوبه الجديد المُتميّز طبعا بالسّلمية ، والمبني على الوفاق الطبقي بين مُمثّلي نقابة العمّال ونقابة الأعراف والأحزاب السّياسية الّتي تدور في فلكها ، والمؤثّث بالحوار " الوطني " الّذي يُريد الخروج بالبلاد من الأزمة السّياسية الخانقة لنظام العمالة ، فارتمت " الجبهة الشعبية " عن طواعية بعد أسبوعين فقط من إعلان انطلاقتها - في أحضان ذلك الحوار بتاريخ 16 أكتوبر 2012 بقيادة الإتحاد العام التّونسي الشّغل وبحضور رسمي لمُمثّلي النّظام – الرئاسات الثّلاثة – ومُختلف المُنظّمات والجمعيات ، ديدنها في ذلك المشاركة في حلّ أزمة السّلطة ، ولما لا ، الظّفر بموقع داخلها لاحقا في صورة التّوافق ، إلاّ أنّ غياب حركة النهضة والمؤتمر من أجل الجمهورية أفسدا مذاق الحوار والتّوافق ، ظاهره بحجّة مُشاركة نداء تونس حزب رسكلة التّجمّع ، وباطنه إستراتيجية سياسية مُتكاملة كُشفت لاحقا ، بالتقاء حركة النهضة بنداء تونس في السّفارة الأمريكية بإشراف سفيرها لكسر " الجليد " بينهما .

وهكذا نجح الأمريكان في الجمع بين حليفيه " الخصمين " النهضة والنداء ، فيما فشل في ذلك " الحوار الوطني "، ولم تتلقّف " الجبهة الشعبية " حينها الرّسالة جيّدا ( ستلحقها هي أيضا عدوى السّفارات )، بل استغلّت ذلك في تجييش قواعدها وأنصارها بالتّشهير بعمالة الطّرفين ( عملية التّجييش خدمت لاحقا نداء تونس وإبرازه كقوّة تغيير) على أمل أن تطفو هي على السّاحة السّياسية " كبديل وطني " ، بعيدا عن دوائر رأس المال والسّفارات الأجنبية ، ولكن تجري الرّياح بما لا تشتهيه السّفن ، ولم تنجح المُراهنة والقاعدة الّتي تقول : " عندما يلتقي عميلين يُحذف ما سبق " ، فدوائر رأس المال العالمية لا تعمل بتلك القاعدة ، بل راهنت على العميل الجديد حركة النهضة في وفائه وإخلاصه لتنفيذ مشاريع نهبها ، وفي نفس الوقت لم تتركه يسبح بمفرده وهو لا يُجيد السّباحة ولا يزال بعدُ عوده طريّا في متاهات الحكم ومُتطلّباته ، فعاضدته باحتياطي له يُمكن أن يلعب نفس الدّور وربّما أفضل منه في صُورة فشله ، والّذي تجسّد مرحليا في حركة نداء تونس المُعبّرة سياسيا عن مصالح البورجوازية العميلة ، ولعلّنا نتذكّر جميعا ما قاله رئيسها الباجي قايد السبسي بعد الإعلان عن تأسيس حزبه : " نحن حركة مُعاضدة ولسنا مُعارضة " .

وبدأت رحلة فشل " الجبهة الشعبية لتحقيق أهداف الثّورة " في " تصحيح المسار الثّوري " تتوضّح ، وشرعت في التّنكّر لما وعدت به في أرضيتها السّياسية على إصلاحيته الّتي لن ترتقي أكثر من المشاركة في الانتخابات القادمة إن كُتب لها أن تكون . فكثرت الهفوات والمُنزلقات ، وبدأ موقعها وموقفها من التّحالفات النّاشئة في البلاد وكيفية التّعامل مع التّطوّرات السّياسية الحاصلة في البلاد يتزحزح شيئا فشيئا لتتّضح معالمه ، خاصّة بعد حالة التّعنّت الّتي أبدتها الترويكا الحاكمة بقيادة النهضة وتمسّكها بـ " شرعيتها الانتخابية " الّتي هيمنت بفضلها على أغلبية المناصب العُليا في الدّولة الإدارية منها والأمنية ، وهيئات التّسيير الجهوية والمحلّية من ولاة ومعتمدين ورؤساء نيابات خصوصية وعُمد ...، إضافة إلى توظيف أيّمة المساجد و" رابطات حماية الثّورة " والحركات الدّينية التّكفيرية في مواجهة خصومها السّياسيين ، والتّأخير القصدي في صياغة الدّستور وتعطيل الهيئة العليا للانتخابات ... وكذلك إدراك قادة نداء تونس و " الاتحاد من أجل تونس " بحقيقة فشل حكم الترويكا والرّفض الشّعبي العارم لها وتعنّتها في الالتصاق بـ " الشّرعية الانتخابية " ورفضها لتقييمات خصومها بالفشل في إدارة شؤون الحكم ، بل وتعتبر نفسها نجحت في العديد من المجالات ، ممّا جعل الباب يُفتح على مصراعيه أمام حزب الباجي قايد السبسي لتجربته الطّويلة بأمور الحكم ، وقُدرته وحنكته السّياسية ، ولشبكة علاقاته العريضة الدّاخلية والخارجية ، ... وهو ما جعله يشرع في قلب موازين القوى لصالحه شيئا فشيئا ، كانت بداياته تحويل وُجهة 9 أعضاء في " المجلس الوطني التّأسيسي " ليلتحقوا به حزبيا ، وليُصبح مُمثّلا فيه دون خوضه للانتخابات ، إضافة لمعرفته الدّقيقة بخبايا الحكم ومواطن ضعف الترويكا الّتي خلفته فيه ( حكومة السبسي )، وقُربه من المُنظمّات الاجتماعية ودفاعه عنها كاتّحاد الشغل واتّحاد الأعراف وغيرهما ، ...

فتوسّعت بذلك دائرة حزب نداء تونس على حساب بقية مكوّنات المشهد السّياسي بما فيها " الجبهة الشعبية " ، ليُصبح حزبا مُراهنا على الظّفر بالسّلطة أو اقتسامها مع حركة النهضة ممّا جعل هذه الأخيرة تُصنّفه في قوى " الثّورة المُضادّة " وتصفه بحزب " رسكلة التّجمّع " لتُضعفه أكثر ما يُمكن ، لكنّها لم تستطع ذلك ، بل بالعكس ساهمت في بروزه وتقويته خاصّة بعد قتل لطفي نقض أحد مُناضليه في تطاوين ، وتهديد قياداته بـ " قانون تحصين الثّورة " الّذي عدلت عنه لاحقا بعد هرسلتهم وابتزازهم سياسيا ، لتمرّ إلى شقّ صفوف الدّساترة والتّجمّعيين وإضعافهم بتكوين أحزاب وجبهات دستورية أخرى ( جبهة حامد القروي الدّستورية على سبيل المثال ) وذلك باستغلال خلافاتهم والتّناقضات الحاصلة لديهم في قراءة المرحلة الجديدة .

هذا الوضع عجّل من عملية مدّ جسور التّواصل والتّنسيق بين " الجبهة الشعبية " - الّتي استنزفت قواها وطاقات مُناضليها وأنصارها في كلّ الاتّجاهات دون جدوى- وبين القوى الّتي تعتبرها ديمقراطية خاصّة بعد تكوين " الاتحاد من أجل تونس " (نداء تونس-المسار-الجمهوري-العود-الاشتراكي اليساري) ، وتترجم ذلك في الاحتفال بالمُناسبات " الوطنية " كعيد صفقة بروتوكل الخيانة 20 مارس 1956 (" الاستقلال ") ، وذكرى إصدار مجلّة الأحوال الشّخصية 13 أوت "عيد المرأة " ، واليوم العالمي للمرأة 8 مارس ، وعيد الشّهداء 9 أفريل ، وذكرى 14 جانفي ، ... وغيرها من المناسبات والاحتفالات ، كما التقت وانسجمت معها بلغة " التقاطع " في محطّات نضالية تتعلّق بالشّأن العام ، كحادثة العلم في منوبة ، والتّظاهر من أجل دستور ديمقراطي توافقي ، والمسائل الحقوقية كمحاكمات الرّأي والصّحافة والطّلبة والمُثقّفين والمبدعين والإعلاميين والأمنيين والتّصدّي لمظاهر العنف المادّي والمعنوي الصّادر عن المجموعات التّكفيرية وأئمة المساجد النهضويين .... إلخ ، لتشرع " الجبهة الشعبية " في التّموقع في الخيار " اليميني اللّيبرالي الحداثي " ضدّ " اليمين الدّيني الفاشستي " ، لإدراكها وإيمانها بحقيقة حجمها وبمحدودية طاقاتها وقصور رؤيتها في " استكمال المسار الثّوري " وتحقيق أهداف " الثّورة " بمُفردها ( لم يزد عدد الأحزاب الملتحقة بالجبهة منذ انطلاقتها عن 13 طرفا في أقصى الحالات ، هذا دون النّظر لحجمها وطرحها وفاعليتها في الواقع مُقارنة بنداء تونس و" الاتحاد من أجل تونس " وبقية الأحزاب الدستورية وغيرها ... ) ، باسم مُقاومة الاستبداد والفاشية الدّينية الصّاعدة الّتي ستأتي على الأخضر واليابس ، ما لم تقع مُقاومتها بكافّة الطّرق المشروعة الّتي لن تكون إلاّ بتوحيد كافّة القوى الدّيمقراطية والوطنية والمدنية في جبهة ديمقراطية واسعة ، تضمن تحقيق جزء كبير ممّا جاء بأرضيتها السّياسية ، ضاربة بمقولة عدم الاصطفاف وراء الاستقطاب الثّنائي عرض الحائط ، وهذا هو عين ما أشارت إليه بأنّ بديلها يتأسّس على " أرضية سياسية تُشكّل الحدّ الأدنى السّياسي والوطني " والّذي بواسطته تُرك المجال مفتوحا أمامها لتشريع " التّقاطع " لاحقا مع نداء تونس وغيره باعتبار توفّر عُنصر " الحدّ الأدنى " ، و " التّحالف" معه لـ " إنقاذ الثّورة " .

4) الجبهة الشّعبية من " التّقاطع " إلى " التّحالف " مع نداء تونس لـ" إنقاذ الثّورة " :

بعد فشلها في " تصحيح " المسار الثّوري لاستكماله طبقا لما رسمته من تكتيكات للغرض ، وما اعترضها من مشاكل ومصاعب ، وخاصّة لطبيعة الائتلاف الطّبقي الحاكم الرّجعي العميل في ثوبه الجديد على خلاف سابقيه والمُتميّز بصفات " الوطنية والثّورية والشّرعية الشّعبية " الّتي استمدّها سابقا بتحالفه مع مكوّناتها وبمُنافسته لهم " ديمقراطيا " في انتخابات 23 أكتوبر 2011 ، غيّرت " الجبهة الشّعبية " وُجهتها تدريجيا نحو توسيع دائرة " الأصدقاء " و" التّقاطع " مع جميع المكوّنات الدّيمقراطية من أحزاب ومنظمّات وجمعيات ، ودعت مناضليها إلى " التّعاون مع كافّة المكوّنات الدّيمقراطية من أجل الحيلولة دون عودة الاستبداد " (7) (بيان الجبهة الشعبية 11 ديسمبر 2012 ) ، كما جدّدت دعوتها " إلى ضرورة تشكيل حكومة أزمة بعد ثُبوت فشل الحكومة الحالية في إدارة البلاد " (نفس المرجع السّابق) ، وبدأت رحلة " التّقاطعات " مع " المكوّنات الدّيمقراطية " تكشف عن حقيقة توجّهات " الجبهة الشعبية " اليمينية الجديدة .

وكان لحدث اغتيال الشّهيد شكري بلعيد يوم 06 فيفري 2012 الأثر العميق في نفوس الجماهير في كافّة أنحاء البلاد ، فخرجت تلك الجماهير من كلّ حدب وصوب للتّنديد بهذه الجريمة النّكراء ، مُعبّرة عن سُخطها لما آلت إليه أوضاع البلاد ورفضها لسياسة الائتلاف الطّبقي الرّجعي العميل بقيادة حركة النهضة ، لتتجاوز تلك الجماهير المُنتفضة مطالب " الجبهة الشعبية " المنادية بـ "حكومة أزمة " إلى مطلب " الشّعب يريد إسقاط النّظام " الشّعار المركزي لانتفاضة 17 ديسمبر 2010 ، وغيرها من الشّعارات " الشّعب يريد الثّورة من جديد " ، " ثورة وطنية واجب ، ديمقراطية واجب " ، " وكلاء الاستعمار ، نهضاوي رجعي وسمسار " ، " يا شهيد ارتاح ارتاح ، سنواصل الكفاح " ، " اليوم اليوم ، النهضة تطيح اليوم " ، ... وحمّلت مسؤولية الاغتيال لحركة النهضة ترجمته في شعار " يا غنوشي يا سفّاح يا قتّال الأرواح " ...

ولئن كان حدث الاغتيال حاسما في تاريخ " الجبهة الشعبية " ، الّتي عوضا أن تلتحم مع الجماهير المُنتفضة ضدّ جريمة الاغتيال وضدّ حكم الترويكا العميلة وتحويلها للوجهة الصّحيحة ، فإنّها اتّجهت إلى عقد وتنظيم الاجتماعات يومي 6 و 7 فيفري 2013 مع مُمثّلي الأحزاب والمنظمّات والجمعيات لمُناقشة الوضع الطّارئ والخطير ، لتفاجئ الجميع بتحويل انتفاضة الجماهير في كافّة أنحاء البلاد إلى " جنازة وطنية " للشّهيد يوم 8 فيفري 2012 في العاصمة ، وجنازات رمزية في الجهات ، " وكذلك تنظيم الإضراب العام المُقرّر لنفس اليوم كموقف سياسي من كافّة القوى السّياسية والمدنية ضدّ العنف ... " (8) ( بيان الجبهة الشعبية 7 فيفري 2012 ) وليس ضد نظام الرّجعية والعمالة بقيادة الترويكا الحاكمة الّذي طالبت الجماهير المُنتفضة بإسقاطه ، واستغّلت الجبهة تلك الاجتماعات لبعث " تنسيقية الإنقاذ الوطني " تحت غطاء " إنجاح الجنازة الوطنية والإضراب العام " بمشاركة كافّة أطرافها إلى جانب العديد من الأحزاب كحزب حركة نداء تونس ، والهيئة الوطنية لإصلاح UTICA (الإتحاد التّونسي للصّناعة والتّجارة والصّناعات التّقليدية) ، وحزب الاتحاد الوطني الحرّ ، والحزب الحرّ الدّستوري ، وحزب اللّقاء الدّستوري ... على سبيل الذّكر لا الحصر ، ومجموعة من المنظمات والجمعيات الّذين أكّدوا في النقطة 3 من نفس البيان " على أنّ إنجاح الجنازة الوطنية والإضراب العام يكون بالشّكل المدني والسّلمي ... " ، وفي النقطة 4 على " أنّ الإضراب العام يهدف إلى الدّفاع عن السّلم الأهلي وحماية المكتسبات ورفضا لكلّ أشكال العنف والاغتيال والإرهاب ، صونا لمُستقبل تونس وأمنها ومُستقبلها " .

وبهذه الصّورة الواضحة تلقفّت الترويكا الحاكمة الرّسالة وكلّفت جهاز الجيش والأمن بتسيير الجنازة لتتحوّل إلى جنازة رسمية يُنقل فيها الشّهيد المغدور للمقبرة في سيّارة عسكرية بحضور مُميّز للجنرال رشيد عمار ، وبحضور جماهيري كثيف لم تشهد له تونس مثيلا . وبذلك ضمنت الترويكا الحاكمة " رصانة وحكمة " مُعارضيها الّذين كانوا في المُستوى المأمول منهم - وخاصّة "الجبهة الشعبية" الّتي ينتمي إليها الشّهيد - وهو تحويل عملية جريمة الاغتيال السّياسي للشّهيد شكري بلعيد من مُحفّز ووقود لشرارة الانتفاضة من جديد ضدها ، إلى " جنازة وطنية " و " إضراب عام " " ضدّ العُنف" و" الدّفاع عن السّلم الأهلي " . ولكم كانت حالة السّخط وعدم الرّضاء في صفوف قواعد " الجبهة الشعبية " وخاصّة شبابها ، بعد عملية التّأبين للشّهيد من طرف ناطقها الرّسمي حمّة الهمامي الّتي كانت تنتظر منه خطابا تصعيديّا ، ليحوّل التّأبين إلى رثاء : " نم يا حبيبي نم ... فلا نامت أعين الجُبناء " الّتي أصبحت محلّ تندّر الجميع ، وخوفا عليه من الاغتيال ، وفّر له جهاز بوليس وزارة الدّاخلية برئاسة علي العريض حماية خاصّة للغرض . وصدق من قال : "لا خير في جبهة تدّعي أنّها شعبية وزعيمها يحميه بوليس النهضة " .

فـ " الجبهة الشعبية " عوضا أن تستدرك مسارها السّياسي وتغيّر من وجهته ، نجدها قد غيّرت وجهتها نحو اليمين أكثر بحكم طبيعة تركيبتها السياسية وطبيعة ما تطرحه على نفسها من مهام ، وخاصّة طبيعة قيادتها الإصلاحية المُفعمة بالانتهازية المقيتة ، إضافة إلى اختلال موازين القوى لصالح الترويكا الحاكمة الّتي أثبتت حنكتها السّياسية وقُدرتها على إدارة الأزمة بعد الاغتيال . وهكذا مرّت حادثة اغتيال الشّهيد شكري بلعيد جزافا مرّ الكرام ، وعوض استغلالها أحسن استغلال ، كانت على عكس من ذلك فرصة سانحة لهذه الجبهة لترتمي في أحضان مبادرة حمادي الجبالي رئيس الحكومة المؤقّتة والأمين العام لحزب حركة النهضة لتشكيل " حكومة كفاءات وطنية " ، الّتي تظاهرت في البداية برفضها مؤكّدة على " أنّ الأوضاع الحالية تتطلّب حكومة أزمة لإنقاذ البلاد ، محدودة العدد ... " (9) (المُبادرة السّاسية للجبهة الشعبية 2013/02/23) ذيّلتها بجملة من النّقاط الآنية ، وختمتها بأنّ " تفعيلها يمرّ عبر عقد مؤتمر وطني للإنقاذ ... " مفتوح للجميع ولـ " كلّ من يهمّه تجنيب البلاد مُنزلق الإرهاب والفوضى واستعادة الأمن وتنشيط الدّورة الاقتصادية وتطوير الإنتاج والحفاظ على سُمعة الثّورة والبلاد في الدّاخل والخارج وتوفير أفضل الشّروط للانتخابات القادمة " ، ليضيع دم الشّهيد بين " حكومة الكفاءات الوطنية " و " حكومة الأزمة " وشروطهما ، لتقبل " المعارضة " في الأخير بما فيها "الجبهة الشّعبية" باستقالة حمادي الجبالي من رئاسة الحكومة وبتغيير وزاري ظاهره تنازل من النهضة وباطنه انتصارا لها ، تمكّنت بفضله من امتصاص حالة الغضب والغليان الشّعبيين على إثر حادثة الاغتيال الّتي عرفتها كافّة جهات البلاد ، كما تمكّنت من المُحافظة على سدّة الحكم بترقية علي العريض من وزارة الدّاخلية إلى رئاسة الحكومة ، وبتعيين وزراء ظاهرهم " مستقلّين " وفي باطنهم نهضويين للنّخاع ، مستندة في ذلك للقانون المؤقّت المنظّم للسّلط العمومية والمضبوط من مؤسّستها " الشّرعية المنتخبة " " المجلس الوطني التّأسيسي " الّذي يمثّل سيفا مسلّطا على رقاب الجميع ، باعتبار تواجد نوّاب " الجبهة الشعبية " داخله على قدم " المساواة " ( منتخبون ) مع نواب الترويكا الحاكمة .

فـ "الجبهة الشعبية" لم تُحسن استغلال ذلك الظّرف بل بالعكس انكشف حجمها السياسي الحقيقي كما انكشفت نوايا قادتها الّذين سارعوا في البحث عن مخرج للأزمة أكثر من الترويكا الحاكمة . كما كانت مناسبة الاغتيال بداية ظهور عمليات التّنسيق العلني مع نداء تونس واتّحاد الصّناعة والتّجارة وغيرها من الأحزاب والمنظمّات والجمعيات الّتي تُعبّر عن مصالح البورجوازية العميلة ، وقد كان نداء تونس بمعيّة شركائه في " الاتحاد من أجل تونس " ، فاعلا أساسيا في اجتماعات الجبهة الشعبية بمقرّ حزب العمال الّذي تُوّج بعريضة السّتين (60) وفي دفن رفاة الشّهيد ، وفي إحياء أربعينيته بقصر الرّياضة بالمنزه ( هذه المناسبة استشاط فيها غضب جمال لزهر أمين عام الحزب الوطني الاشتراكي الثوري(الوطد) ، ورفض مواصلة مواكبتها وأمر أنصار حزبه بالانسحاب ، عندما وجد مقعده مجاورا لمقعد حزب حركة نداء تونس حسب ما وظّبته لجنة التّنظيم ، بينما والحال أنّ له معرفة سابقة به عندما " تقاطع " وأمضى معه بيان 7 فيفري 2013 ما عدى " التّقاطعات " الميدانية الأخرى، وربّما تلك الحساسية المُفرطة للدساترة يُريد من خلالها محو تورّطه معهم في" تقاطع " قديم لكن من نوع آخر ، وسنفرد فقرة لاحقة خاصّة بموقف هذا الحزب من " الجبهة الشعبية " بعد اغتيال الشهيد محمد البراهمي وتأسيسها لـ "جبهة الإنقاذ الوطني " مع نداء تونس ) .

وبدأت رحلة الذّهاب الثّانية إلى اليمين " الحداثي الّيبرالي " كما يحلو للجميع تسميته - وهو في الحقيقة يمين رجعي رجعي يُمثّل ويُدافع عن المصالح الطّبقية للبورجوازية العميلة ( الكمبرادور ) - تتوضّح أكثر فأكثر ، فتعدّدت اللّقاءات والمشاورات ، وتحدّدت " التّقاطعات " مع " الاتحاد من أجل تونس " في أكثر من مناسبة لزرع مناخ من الثّقة المُتبادلة بين الأطراف. وكانت الجلسة الثّانية " لمؤتمر الحوار الوطني " بتاريخ 16 ماي 2013 فُرصة سانحة لتطرح فيها " الجبهة الشّعبية " بورقة عملها ، ولتتحدّث فيها بوضوح عن فقدان " الشّرعية " للفترة الانتقالية الّتي تجاوزت السّنة ( إقتداءا بما صرّح الباجي قائد السبسي رئيس حركة نداء تونس سابقا بأنّ شرعية المجلس الوطني التّأسيسي قد انتهت بحلول 23 أكتوبر 2012 ) ، وعبّرت عن الأزمة المُتفاقمة في البلاد فـ " حتّى المؤسّسات الّتي أقيمت على إثر انتخابات 23 أكتوبر 2011 لإدارة فترة انتقالية بعام ، فإنّها فقدت شرعيتها خاصّة على المستوى الشّعبي لا لأنّها تجاوزت العام دون أن تؤدّي مُهمّتها فحسب ، بل لأنّها عمّقت مشاكل البلاد ، وتحوّلت إلى جزء من الأزمة ... " و " إنّ ما هو مطروح بشكل مُباشر هو تحديد خطّة لإنهاء ما تبقّى من الفترة الانتقالية " ( تمظهرت لاحقا في " خارطة الطّريق " ) ، وأصرّت على أنّ " الأداة الرّئيسية للخروج من الأزمة الحالية هو حكومة إنقاذ وطني محدودة العدد تتشكّل من كفاءات وطنية مستقلّة ... " (10)(ورقة عمل الجبهة الشعبية في الجلسة الثّانية "للحوار الوطني" 16 ماي 2013)، وهكذا تكون الجبهة في انسجام سياسي تام مع ما يطرحه حزب نداء تونس وأحزاب " الاتحاد من أجل تونس " (11) ( الدّعوة لحوار وطني جامع وشامل للتّوافق حول " خارطة طريق " في بيان 21 فيفري 2013 ) في تصوّرهم للمرحلة وللحلول الممكنة للخروج منها الّذي لا ولن يكون إلاّ عبر التّوافقات السّياسية بين مختلف الأطراف في السّاحة السّياسية بما فيها الترويكا الحاكمة ، لتحويل " الشّرعية الانتخابية " إلى " الشّرعية التّوافقية " ، وطرحت في ورقة العمل ثلاثة نقاط للخروج من الأزمة وهي التّصدّي للعنف والإرهاب ، ووضع أجندة للانتخابات ، واتّخاذ إجراءات اقتصادية واجتماعية مُستعجلة .

وخلال النّدوة الوطنية لـ "الجبهة الشّعبية " المُنعقدة بسوسة يومي 1 و 2 جوان تحت شعار " الوفاء للشّهيد شكري بلعيد " ، والّتي تناولت المخاطر السّياسية والأمنية والاجتماعية الّتي تُهدّد البلاد ، والّتي ستؤول بـ " الثّورة " نحو الفشل " وتفتح الباب نحو عودة الاستبداد من جديد " ، " وتقديرا منها بأنّ المهمّة العاجلة الّتي تطرح اليوم على كافّة القوى الوطنية والدّيمقراطية والتّقدّمية هي إنقاذ البلاد وسدّ الباب أمام عودة الاستبداد وتحسين أوضاع الشّعب ... " ، توجّهت " الجبهة الشّعبية " بمُبادرة سياسية " من أجل تشكيل ائتلاف وطني واسع " لإنجاز أربعة مهام أساسية ومُستعجلة أوّلها التّصدّي للعنف والإرهاب ، وثانيها إنهاء الفترة الانتقالية ، وثالثها اتّخاذ إجراءات اقتصادية واجتماعية وبيئية مُستعجلة ، ورابعها وهذا هو الأهم القيام " بسلسة من المشاورات والمُباحثات مع مختلف الأطراف السّياسية والمدنية والاجتماعية الّتي يُمكن أن تلتقي معها في المحاور المذكورة من أجل تحديد الصّيغ الملائمة لتحقيقها " (12) ( المبادرة السّياسية للجبهة الشعبية من أجل تشكيل ائتلاف وطني واسع) ، وهي نفس المهام الّتي طرحتها في ورقة عملها للجلسة الثّانية " لمؤتمر الحوار الوطني " بتاريخ 16 ماي 2013 المُنسجمة مع ما تطرحه أحزاب " الاتحاد من أجل تونس " بقيادة حركة نداء تونس ، ولأجل ذلك طرحت قيادة " الجبهة الشّعبية " النقطة الرّابعة في ندوة سوسة لمشركة جميع أطراف الجبهة في صياغة الموقف وأخذ القرار الموحّد الّذي سيمكّنها لاحقا من إجراء اللّقاءات والمشاورات مع " الاتحاد من أجل تونس " .

وقد شهد شاهدا من أهلها كما يُقال ، إذ ورد تعليقا على تلك المُبادرة كان مُتأخّرا بعض الشّيء - في صفحة الإعلام في الفايسبوك الخاصّة بالحزب الوطني الاشتراكي الثّوري (الوطد) المُنتمي لـ " الجبهة الشعبية " - للأستاذ منصف القابسي – وهو أحد الوجوه السّياسية المُنتمية للجبهة– في نصّه " الجبهة الشعبية ونداء الوطن والشّعب " (13) بتاريخ 30 أكتوبر 2013 قائلا : " لقد تبيّن أنّ كلّ ندوة سوسة المُنعقدة ليومين لم تكن إلاّ غطاء أو " مسرحية " سيّئة الإخراج لإصدار هذه المُبادرة ، وأنّ غايتها كانت ببساطة الالتفاف على الأرضية السّياسية للجبهة باعتبارها التزاما سياسيا ... ولأجندات بدأت تظهر تدريجيا فيما بعد ، للتّملّص منه ، فكانت النّدوة بمثابة المؤتمر الّذي أرادوا من خلاله جرّ الجبهة إلى خرق الأسس الّتي انبنت عليها وعلى رأسها الانضمام إلى جبهة أخرى ... " ويواصل ليقول : " المُهمّ أنّها كانت بمثابة الحركة البهلوانية الّتي جرّت أغلب الأطراف المُنتمية إلى الجبهة الشّعبية إلى الموافقة على الانضمام إلى جبهة الإنقاذ والّتي ضمّت إلى جانب مكوّنات الجبهة الشّعبية ، باستثناء الوطد الثّوري والجبهة الشّعبية الوحدوية ، مكوّنات الاتّحاد من أجل تونس ( نداء تونس ، المسار ، الجمهوري ، الاشتراكي ، العمل الوطني الدّيمقراطي ) " ، لينتهي بالقول : " وأمست الجبهة الشّعبية شبحا واختفت التّسمية أصلا لصالح جبهة الإنقاذ ".

هذا الاستقراء أو الاستنتاج للأستاذ على أهمّيته ، فإنّه جاء مُتأخّرا جدّا ، فرغم تمسّكه بالأرضية السّياسية لـ " الجبهة الشّعبية " ، فمؤشّرات تلك " المسرحية " كانت منذ الإعلان عن انطلاق الجبهة وفي أرضيتها السّياسية بالذّات ، فالبعرة تدلّ على البعير كما يُقال ، إلاّ أنّ الجميع كان مشغولا حينها بالدّور الموكول له لإنجاحها ( كانت أغلب الأدوار " كومبارس " باستثناء القيادة الّتي تقوم بدور البطولة ) ، بمن فيهم الحزب الوطني الاشتراكي الثّوري (الوطد) والجبهة الشّعبية الوحدوية . ( على سبيل المثال لا الحصر، شارك الحزب الوطني الاشتراكي الثّوري(الوطد) في الجلسة الأولى لمؤتمر الحوار الوطني جبهويا يوم 16/10/2012 ، وتنصّل منه حزبيا بعد يوم واحد بإصداره بيان 17/10/2012 للغرض ) .

وفعلا تُوّج المسار اليميني الجديد الّذي وقع استباقه بما طرحته الجبهة في الجلسة الثّانية " للحوار الوطني " وفي ندوتها الوطنية بسوسة ، بلقاء بمقرّ " الجبهة الشعبية " بالعاصمة بتاريخ 21 جوان 2013 بين وفدين من الجبهة و " الاتحاد من أجل تونس " ، وصدر على إثره بلاغا صُحفيا تداولا فيه الوضع العام و " المخاطر المُحدّقة بالبلاد والمُهدّدة لمسار الانتقال الدّيمقراطي " ، و " سجّل الوفدان تقاربا في وجهات النّظر حول تشخيص الأوضاع وحول آفاق مواجهتها بما يُحقّق تطلّعات المواطنات والمواطنين " ، وتدارس الوفدان " مُبادرة الجبهة الشّعبية لتكوين ائتلاف وطني واسع للإنقاذ الّذي التقى بمبادرات سابقة لمكوّنات الاتّحاد من أجل تونس ، ورأوا في ذلك توجّها بنّاء لخدمة تطلّعات بنات تونس وأبنائها في توحيد كلّ القوى الدّيمقراطية والوطنية والتّفاعل الإيجابي لخدمة المطالب المُلحّة للشّعب " ، ولتجسيد ذلك " قرّر الوفدان تشكيل لجنة دائمة للاتّصال والتّنسيق لتدارس سُبل توحيد المواقف السّياسية وتنسيق المبادرات العملية وتطوير العمل المشترك بين الجبهة الشعبية والاتحاد من أجل تونس وضبط دوريّة قارّة لاجتماعاتها " ، إضافة إلى الاتّفاق " على تنسيق المواقف من أجل إيجاد الظّروف الضّرورية لاستئناف الحوار الوطني وتفعيل المبادرات العملية حول مختلف الملفّات الوطنية ". (14) ( البلاغ الصّحُفي بتاريخ 21 جوان 2013 ) .

فما أشبه الأمس باليوم ، فمُحتوى هذا البلاغ الصّادر عن " الجبهة الشّعبية " و " الاتحاد من أجل تونس " والّذي يُعبّر عن بداية ثمرة تحالف سياسي في الأفق ، يُذكّرنا بالبلاغ الصّادر عن " المجلس الوطني لحماية الثّورة " بتاريخ 11 فيفري 2011 والّذي تحالفت بموجبه القوى المكوّنة لـ " الجبهة الشعبية " حاليا مع حركة النهضة الرّجعية العميلة ، والّذي أرادت فيه تلك القوى " الانتصار " " لطموحات شعبنا وتكريسا لمبادئ ثورته ودرءا لمخاطر الالتفاف عليها وإجهاضها وتجنيب البلاد حالة الفراغ ... " ، فمكوّنات " الجبهة الشّعبية " من " الانتصار " للشّعب مع حركة النهضة الرّجعية العميلة ، إلى " تشخيص الأوضاع وحول آفاق مُواجهتها بما يُحقّق تطلّعات المواطنات والمواطنين " إلى " توحيد كلّ القوى الدّيمقراطية والوطنية والتّفاعل الإيجابي لخدمة المطالب المُلحّة للشّعب " مع حركة نداء تونس الرّجعية العميلة وحلفاؤها في " الاتحاد من أجل تونس " ، ضاربة بعرض الحائط ما حبّرته في أرضيتها السّياسية بأنّها لن تكون وراء الاستقطاب الثّنائي بينهما ، وبشعار الجماهير الشّعبية " النهضة والنداء ، أعداء الشّهداء " ، لتتأرجح وتُرواح مكانها من حجر اليمين الرّجعي الدّيني تعبيرة الإقطاع ، إلى حجر اليمين الرّجعي " الحداثي اللّيبيرالي " تعبيرة البورجوازية العميلة (الكمبرادور) .

ويتواصل التّناغم السّياسي بين " الجبهة الشعبية " و " الاتحاد من أجل تونس " في موقفهما المُتقارب من مشروع دستور الإخوان ، ( انظر بيان "الجبهة الشّعبية" بتاريخ 1 جوان 2013 (15) ، وبيان "الاتحاد من أجل تونس" بتاريخ 6 جوان 2013 (16) ) ، لتطلّ علينا " الجبهة الشعبية " بروح معنوية مُرتفعة ببيان يوم 4 جويلية 2013 (17) تداولت فيه تطورات " المسار الثّوري في مصر وانعكاساته على الوضع في بلادنا وعموم الوطن العربي " وثمّنت فيه " انتصار الشّعب المصري على النّظام الإخواني " وهنّئته " بهذا الإنجاز العظيم الّذي فرضه بوحدته النّضالية ... " ، وترفقه بفشل حكومة الترويكا وتآمرها على الشّعب والمُستمرّة " في تعفين الأجواء تمهيدا لفرض انتخابات على مقاسها تضمن لها البقاء في الحكم أو الزّجّ بالبلاد في مسار من الفوضى والعنف " ، والتّأكيد على فقدان المجلس التّأسيسي لشرعيته بعد " أن استبدّت به حركة النهضة وحلفاؤها وحادت به عن مهامه الأصلية وحوّلته إلى وكر للتّآمر على مكاسب الشّعب ومُستقبله " ، ولأجل ذلك "تدعو " الجبهة الشعبية " " الأحزاب والمُنظّمات ومُكوّنات المجتمع المدني المُلتزمة بأهداف الثّورة إلى لقاء تشاوري في تاريخ أقصاه يوم الثّلاثاء 9 جويلية الحالي " 2013 للتّداول حول " حلّ المجلس التّأسيسي وتشكيل الهيئة البديلة الّتي ستتولّى صياغة الدّستور " و " تشكيل حكومة إنقاذ وطني ذات برنامج مُستعجل لحلّ الأزمة في تونس تُشرف على الانتخابات القادمة " ، و " تؤكّد استعدادها التّام للمُساهمة والانخراط في كلّ المُبادرات والتّحرّكات الشّبابية والشّعبية السّلمية والمدنية والمُناهضة لمسار الالتفاف على الثّورة بقيادة النهضة ، وتدعو كلّ هياكلها ومُناضليها وأنصارها لاتّخاذ كلّ التّدابير العمليّة لهذا الغرض " . هذا البيان الّذي يُعتبر بمثابة بيان " بداية إعلان حرب " على حكم النهضة بعد التّطوّرات الحاصلة في مصر الّتي انتهت بالإطاحة برئيس الجمهورية وحكومته وحزبه عن طريق العسكر بعد تهيئة ذلك من طرف " جبهة الإنقاذ " المصرية ، وهو ما أسال لُعاب " الجبهة الشعبية " وحلفاؤها الجدد في " الاتحاد من أجل تونس " لاستغلال الحدث بالدّعوة لـ " حلّ المجلس التّأسيسي" و"تشكيل حكومة إنقاذ وطني" إسوة بالنّموذج المصري الّذي أبهر الجميع .

وفعلا ، وقعت الاستجابة الفورية لدعوة " الجبهة الشعبية " الّتي توّجت بعقد " لقاء تشاوري " (18) في مقرّ حزب الباجي قائد السبسي بتاريخ 9 جويلية 2013 " للنّظر في الوضع السّياسي الرّاهن في بلادنا " ، وأصدر بيانا بإمضاء 21 طرفا سياسيا وجمعية بعنوان قائمة أوّلية في الإمضاءات تتصدّرهم الجبهة الشّعبية في شخص ناطقها الرّسمي حمة الهمامي ، ورضا بلحاج عن نداء تونس ... إلخ ، وقع فيه الاتّفاق على " أنّ تونس تمرّ بأزمة خانقة على جميع الأصعدة ... " و " أنّ المجلس التّأسيسي والمؤسّسات المُنبثقة عنه (حكومة .. رئاسة) هي المسؤولة عن هذه الأزمة ... " و " أنّ الوضع أمام احتدام الأزمة وانتهاء شرعية مؤسّسات الحكم وفشل كلّ محاولات الحوار ... يستوجب إنقاذ البلاد بصورة مستعجلة ..." الّذي لن يكون إلاّ بـ " عقد مؤتمر وطني للإنقاذ في أقرب الآجال يأخذ قرارات سياسية حاسمة وفاصلة ... " ، مع " تشكيل لجنة مُتابعة ممثّلة لكلّ الفعاليات المُشاركة تتولّى الاتّصال ببقية القوى السّياسية والمدنية والاجتماعية بهدف الإعداد للمؤتمر المذكور " و" الانخراط والمساهمة في المبادرات الشّبابية والشّعبية ودعوة كلّ الفعاليات للتّحرّك النّضالي الميداني " . وانشغل الجميع بما يحدثُ في مصر مُتمنّيا انتقال عدوى " التّغيير السّلمي " لتونس بواسطة التّظاهر والمسيرات السّلمية والإعتصامات والاحتجاجات والإضرابات ، وبدأت عمليات التّرويج لـ " المؤتمر الوطني للإنقاذ " وإفلاس مؤسّسات الحكم وانتهاء شرعيتها مُستخدمين في ذلك كافّة الوسائل المُتاحة من بيانات وجرائد ومجلاّت وقنوات تلفزيونية وإذاعات والشّبكات الاجتماعية في الأنترنيت ....

وقد ساهم " اللّقاء التّشاوري " في تمتين العلاقة أكثر فأكثر بين " الجبهة الشعبية " و " الاتحاد من أجل تونس " بقيادة نداء تونس ، وأصبحت العلاقة أكثر وضوحا من ذي قبل ، وبدأت بوادر التّحالف السّياسي المُستقبلي تُرسم ، والّذي سبقه من قبل العديد من الدعوات لتكوين " جبهة ديمقراطية واسعة " لإنقاذ البلاد من الفاشية الدينية الصّاعدة الممثّلة في حليف الأمس " الوطني " و " الثّوري " و " الشّرعي " حركة النهضة الرّجعية العميلة ... وعادوا بنا من جديد للتّنظير والتّحليل حول " فاشية السّماء والأرض "، وعن رجعية وعمالة حركة النهضة الّتي رهنت البلاد والعباد والّتي أصبحت السّبب المُباشر في الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الّتي تعيشها البلاد ، وتحميلها المسؤولية التّامّة في عجزها عن تحقيق أهداف " الثورة " وفي هيمنتها على كافّة مراكز القرار السّياسي والإداري والتّنفيذي للدّولة ، وتمريرها لمشروعها القروسطي الدّموي الّذي يهدف إلى إقامة الدّولة الدّينية ولو بغلاف ديمقراطي ، وكثر البكاء والعويل على مدنية الدّولة المُهدّدة ... هكذا بكلّ بساطة ، أصبح " وطنيوا ، و " ثوريوا " الأمس القريب يشكّلون خطرا على الدولة وعلى أجهزتها وعلى حياة التّونسيات والتّونسيين ، بينما سوّقوهم لنا على أنّهم أُمناء على " الثّورة " و " أوفياء لدماء شهدائها ووطنيين وثوريين ومُنتصرين للشّعب " عندما تحالفوا معهم لتسيير شؤون البلاد والعباد في " المجلس الوطني لحماية الثّورة " ؟ ونسوا أو تناسوا قصدا هيئة 18 أكتوبر للحرّيات الّتي قدّمت لنا تلك الحركة الرّجعية العميلة في ثوب مدني وديمقراطي ، وكراريسها لا تزال تشهد على ذلك ، فحصان 18 أكتوبر لا تزال بركاته قائمة ، وكذلك " المجلس الوطني لحماية الثّورة " الّذي " زيّنته " النهضة لا تزال آثاره موجودة ، وهيئة بن عاشور لا تزال " إبداعاتها " قائمة ، وانتخابات 23 أكتوبر المهزلة لا تزال نتائجها " الثّورية " تشهد عليها ...

وكانت عملية اغتيال الشّهيد محمد البراهمي أحد رموز " الجبهة الشعبية " بتاريخ 25 جويلية 2013 ، الشّعرة الّتي قسمت ظهر البعير ، وأفصحت " الجبهة الشعبية " عمّا تحمله في طيّاتها وجرابها ، وأصدرت بالمناسبة الأليمة ثلاثة بيانات في نفس يوم الاغتيال ، أوّلها بعنوان " نداء للشّعب التّونسي " (19) ، مُجدّدة طلبها " ... للوقوف صفّا واحدا وراء حكومة إنقاذ وطني كبديل عن المجلس التّأسيسي والحكومة المُنبثقة عنه ... " واعتبرت ذلك من باب الواجب ، كما دعت للتّظاهر والاحتجاج " والإعتصام أمام مقرّ المجلس التّأسيسي حتّى سقوطه وسقوط الحكومة والرّئاسات المُنبثقة عنه " بطريقة توخّي الاحتجاج السّلمي و " تنظيم هيئات الدّفاع الذّاتي في الأحياء والقرى والمدن " ، لتجد التّناغم في بيان حركة نداء تونس (20) في نفس التّاريخ بإمضاء رئيسه الباجي قائد السبسي الّذي ينصّ على " فشل المجلس التّأسيسي وكافّة السّلطات المُنبثقة عنه ممّا يستوجب حلّها وتعويضها بمنظومة صيغ ومؤسّسات وطنية بديلة تؤمّن استمرارية الدّولة التّونسية ... " ، كما دعا " كلّ التّونسيات والتّونسيين إلى إدانة هذه الجريمة السّياسية النّكراء وانجاح الإضراب العام ... والخروج للمساهمة الفعّالة في كلّ التّظاهرات السّلمية الهادفة إلى استعادة الشّعب التّونسي لإرادته الحرّة الّتي هي أصل كلّ شرعية " ، كما دعا " جميع القوى السّياسية والاجتماعية الوطنية والدّيمقراطية إلى رصّ صفوفها وتوحيد كلمتها بتشكيل جبهة إنقاذ وطني تتّفق على الصّيغ والرزنامة والآليات البديلة الّتي تؤمّن إنقاذ البلاد وإدارة المرحلة الانتقالية " .

فـ " الجبهة الشعبية " تدعو لتشكيل " حكومة إنقاذ وطني " ، ونداء تونس يدعو لتشكيل " جبهة إنقاذ وطني " ، كما دعا بيان " الاتحاد من أجل تونس " الصّادر بتاريخ 26 جويلية 2013 إلى " بعث جبهة سياسية واسعة لإنقاذ البلاد من الأزمة الّتي تردّت فيها ... " و " وحلّ الحكومة القائمة وتعويضها بحكومة إنقاذ وطني ... " ، فليس من الصّدفة أن يقع كلّ هذا التّناغم والتّواصل في الأطروحات السّياسية بين الطّرفين ، كما أنّه ليس من الصّدفة أن تكون " خارطة الطّريق " الحالية هي ما يجتمع حوله الآن الفرقاء من السّلطة والمعارضة لتنفيذ بنودها ، فـ " الاتحاد من أجل تونس " كان المهندس الأوّل لها منذ 21 فيفري 2013 عندما اقترحها في بيانه الّذي دعا فيه " كلّ القوى السّياسية إلى حوار وطني فوري وجامع وشامل للتّوافق لإنهاء المرحلة الانتقالية حول خارطة طريق واضحة وتواصلا مع مبادرة الحوار الحوار الوطني ... " (21) ( وفعلا يتواصل الحوار بجلساته المُتتالية وتقترح المنظمات الراعية له لاحقا "خارطة طريق" للخروج من الأزمة الّتي تعيشها البلاد من قبل اغتيال الشّهيد شكري بلعيد ) .
وثانيهما يحمل عنوان : " الجبهة الشعبية : الذّكرى 56 لإعلان الجمهورية : لتكن مُناسبة لتصعيد النّضال من أجل الدّيمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة الوطنية " (22) ، وثالثهما يحمل عنوان : " بيان الجبهة الشعبية إثر اغتيال شهيد الجمهورية الأخ والرّفيق محمد البراهمي " (23) ، يختلف محتواه عن البيان الآخر نعت فيه شهيدها ، ودعت فيه إلى " الدّخول في عصيان مدني سلمي في كافّة المناطق حتّى إسقاط الائتلاف الحاكم ، مجلسا تأسيسيا ومؤسّسات نابعة عنه ... " ، " كما تدعو كافّة القوى الوطنية والدّيمقراطية إلى الدّخول مُباشرة في مشاورات من أجل تشكيل حكومة إنقاذ وطني تتولّى تسيير البلاد والإعداد لانتخابات حرّة في مناخ سياسي سلمي خال من العنف والإرهاب " ، وهو ما يُفسّر حالة الإرباك الحاصلة لدى مكوّناتها بعد اغتيال الشّهيد ، والسّرعة في اتّخاذ المواقف والقرارات أو العدول عنها . ( بيانيين خاصّين بحادثة الاغتيال )

وأطلّت علينا "الجبهة الشّعبية" بتاريخ 26 جويلية 2013 بعد اغتيال الشّهيد محمد البراهمي رفقة "الاتحاد من أجل تونس" بقيادة نداء تونس بمولود جديد " بهي الطلعة " وقع تأثيثه واستباقه قبل عملية الاغتيال بشعار " حكومة الإنقاذ الوطني " ، هذا المولود الّذي حمل اسما مُميّزا لما سبقه من لقاءات واجتماعات وتكتيكات سياسية ، ألاّ وهو " جبهة الإنقاذ الوطني " يحمل بيانه التّأسيسي (24) قائمة أوّلية في التّوقيع لـ 54 حزبا ومنظمة وجمعية ، تتمحور أهمّ نقاطه حول إدانة جريمة الاغتيال وتحميل " الترويكا وعلى رأسها حركة "النهضة" مسؤولية ذلك ، ودعوة الجماهير المُحتجّة " للاستمرار في التّظاهر والاعتصام السّلميين في مقرّات السّلطة المحلّية والجهوية والاعتصام بمقرّ المجلس الوطني التّأسيسي لفرض حلّه ، حلّ هيئات السّلطة المؤقّتة المُنبثقة عنه ... ، والإعلان بالدّخول في إضراب عام يوم جنازة الشّهيد ، والإعلان عن الاستعداد لـ " دعوة الشّعب التّونسي للعصيان المدني السّلمي ، والإعلان عن بعث " جبهة للإنقاذ الوطني " لانجاز مهام تشكيل " الهيئة الوطنية العُليا للإنقاذ " الّتي ستوكل لها مُهمّة "استكمال صياغة الدّستور في بحر شهرين يُعرض على الاستفتاء الشّعبي" بالاستعانة بخبراء ، و "حكومة إنقاذ وطني" لإعداد "لانتخابات ديمقراطية ، نزيهة وشفّافة" ، ومُطالبة "قُوّات الجيش الوطني والأمن الدّاخلي بأن تحترم إرادة الشّعب ، وأن تحمي نضالاته السّلمية والممتلكات العامّة والخاصّة ، مع دعوة المؤسّسات الإعلامية" إلى دعم الحراك الشّعبي الهادف إلى تصحيح مسارالثّورة "

نفهم من خلال ما ورد في نقاط البيان ، أنّ " جبهة الإنقاذ الوطني " أعلنت " حربا " شبه رسمية على الترويكا مفادها إفتكاك السّلطة منها عبر مُمارسة الضّغط الشّعبي بالمسيرات والاحتجاجات والاعتصامات ، وكذلك عبر آليات مُحدّدة ومضبوطة تُشرف عليها " الهيئة الوطنية العُليا للإنقاذ " الّتي ستُنهي صياغة الدّستور وتشكيل حكومة الإنقاذ الوطني تُعدّ للانتخابات ، وهُما مُهّمتين مُستعجلتين يُمثّلان الشّغل الشّاغل لمُختلف الأطراف الّتي أمضت على البيان ، وما مُطالبة قوّات الجيش والأمن باحترام الإرادة الشّعبية وحماية نضالاته إلاّ دعوة صريحة غير مُعلنة للانضمام إلى الشّعب على الشّاكلة المصرية لـ " تصحيح مسار الثّورة " ، وهي بلا شكّ فُرصة سانحة لـ " الجبهة الشعبية " أن تُنجز ما فشلت في إنجازه سابقا بمفردها ، وأن لا تُكرّر ما أخطأت فيه عند اغتيال الشّهيد شكري بلعيد ، وأن تضع اليد في اليد مع نداء تونس و" الاتحاد من أجل تونس " الّذي أصبح يُمثّل ثقلا سياسيا لا يُستهان به في المشهد السّياسي ومُنافسا جدّيا على السّلطة .

فوقع هيكلة " جبهة الإنقاذ الوطني " بسرعة فائقة جهويا ومحلّيا ببعث تنسيقيات للغرض ، كما وقعت الدّعوة لـ " اعتصام الرّحيل " بباردو الّذي أثّثه زمرة من نواب مجلس الانقلاب على انتفاضة 17 ديسمبر تحت إشراف وإدارة وقيادة تلك الجبهة ، ناطقه الرّسمي " المعارض " الكرتوني القديم/الجديد سمير بالطيب – الّذي كم نبّهنا وأخافنا سابقا من حالة الفراغ - ليؤثّث بكلّ من هبّ ودبّ من حركات شبابية فوضوية ، وأطرافا سياسية وجمعيات أبرزها حزب نداء تونس بقيادة الباجي قايد السبسي ، هذا العميل الأكبر والدّاهية الّذي أمّن في هدوء تامّ بالاتّفاق مع أسياده صعود حركة النهضة الرّجعية العميلة للسّلطة عن طريق انتخابات 23 أكتوبر المهزلة لتجثم على صدور أبناء شعبنا بعد أن جثم عليه حكمي العميلين بورقيبة/بن علي لأكثر من نصف قرن ... وجاؤوا من كلّ حدب وصوب " لإنقاذ الثورة والوطن " تحت مظلّة " جبهة الإنقاذ الوطني " من يد " وطنيي " و " ثوريي " و " شرعيي " و " ديمقراطيي " و " مدنيي " الأمس القريب ، وتحديدا أصدقاؤهم وحلفاؤهم القُدامى في حركة النهضة الرّجعية العميلة ؟

وكانت فُرصة اغتيال الشّهيد محمد البراهمي قوّة الدّفع الّتي انتقلت بمُوجبها " الجبهة الشّعبية " من " التّقاطع " مع نداء تونس إلى " التّحالف " السّياسي الواضح معه في " جبهة الإنقاذ الوطني " لانجاز مهام كبيرة كحلّ " المجلس الوطني التّأسيسي " والهيئات المُنبثقة عنه ( حكومة ورئاسة ) وتعويضها بـ " الهيئة الوطنية العُليا للإنقاذ " لإتمام المرحلة الانتقالية بصياغة الدّستور والإعداد للانتخابات وذلك بتكوين " حكومة إنقاذ وطني محدودة العدد لا تترشّح في الانتخابات القادمة " ترئسها شخصية وطنية مُستقلّة " مُتوافق عليها " . وهذا هو مطمح " الجبهة الشعبية " وحليفها الجديد نداء تونس من قبل ، وهذا هو المـــآل الطّبيعي لـ " الحدّ الأدنى السّياسي والوطني " الّذي نظّرت له الجبهة في أرضيتها السّياسية ، وهذا هو التّجسيد الفعلي لقرارت النّدوة الوطنية المُنعقدة بسوسة يومي 1 و 2 جوان 2013 الّتي وقع فيها تقدير " المُهّمة العاجلة " المطرُوحة " على كافّة القوى الوطنية والدّيمقراطية والتّقدّمية هي إنقاذ البلاد ... " الّذي سيكون بواسطة تشكيل " ائتلاف وطني واسع " الّذي دعت له بمبادرتها السّياسية ، وهي نفس المهام الّتي طرحتها في ورقة عملها للجلسة الثّانية " لمؤتمر الحوار الوطني " بتاريخ 16 ماي 2013 المُنسجمة مع ما تطرحه أحزاب " الاتحاد من أجل تونس " بقيادة حركة نداء تونس .

وهكذا اندمجت " الجبهة الشّعبية " اندماجا سياسيا كُلّيا في " جبهة الإنقاذ الوطني " ديدنها في ذلك " إنقاذ " البلاد و " الثّورة " مع رموز نظام العمالة للفترتين البورقيبية والنّوفمبرية الّذين أذاقوا أبناء الشّعب الكادح الويلات ، والّذين مارسوا ضدّه أبشع مظاهر الاستغلال والاستبداد والقهر والقمع والتّهميش ، ومرّروا على حسابه رفاه عيشه جميع الخيارات التّنموية لصناديق النّهب الدّولية الّتي لم تزده إلاّ تفقيرا وتجويعا وتهميشا ... ، كلّ هذا باسم اختلال موازين القوى ومقاومة الاستبداد والفاشستية الدّينية الّتي لا يُمكن هزمها إلاّ عن طريق " الجبهة الدّيمقراطية والمدنية الواسعة " المُمثّلة في " جبهة الإنقاذ الوطني " ، لتتنكّر " الجبهة الشّعبية " لما ورد في أرضيتها السّياسية من " استكمال للمسار الثّوري وإرساء سُلطة الشّعب " بالرّغم من الإشارة " إلى تصحيح مسار الثّورة " في البيان التّأسيسي لـ " جبهة الإنقاذ الوطني " كما أشاروا سابقا إلى " الانتصار لطموحات شعبنا " مع حركة النهضة . فالجبهة أصبحت مطية لكلّ من هبّ ودبّ ، فمن " حماية الثّورة " مع النهضة ، إلى مُحاولة تصحيح واستكمال المسار الثّوري لتحقيق أهداف " الثّورة " ، إلى " إنقاذ الثّورة " مع نداء تونس بواسطة " جبهة الإنقاذ الوطني " ، ... وهذا التّمشّي الأخير ، يجعلها عرضة للهرسلة وللمساومات ولما لا الذّوبان مع قوى سياسية لها باع وذراع في تاريخ حكم البلاد ( الدّساترة والتّجمّعيون ) . وكانت ليلة 6 أوت 2013 حاسمة في " اعتصام الرّحيل " بباردو احتفالا بمرور ستّة أشهر على اغتيال الشّهيد شكري بلعيد ، وذلك بما حشدته مكوّنات " جبهة الإنقاذ الوطني " من جماهير كثيرة العدد تُعدّ بمئات الآلاف ، كان بمثابة رسالة قوّة من جبهة الإنقاذ للترويكا الحاكمة حتّى تتزحزح عن عنادها وتجلس معها على طاولة الحوار ؟ كلّ هذا الحشد الجماهيري من أجل حوار يتيم حول كيفية الخروج من أزمة نظام العمالة ؟ .

وممّا يزيد في تأكيد هذا التّحالف ، هو ما تشهده مكوّنات " الجبهة الشعبية " من خلافات وصلت حدّ التّصدّع حول مُختلف القضايا ، والّتي نتج عنها قرار " مجلس الأمناء " الّذي يُمثّل قيادة الجبهة بتاريخ 10 أوت 2013 التّجميد المؤقّت لنشاط وعضوية بعض الأطراف ( الحزب الوطني الاشتراكي الثّوري(الوط) والجبهة الشّعبية الوحدوية ) ، إلى إعلان الانسحاب ( حزب النّضال التّقدّمي ) . وكان لعملية تأسيس " جبهة الإنقاذ الوطني " مصدرا لبروز محاولة " انشقاق " داخل الجبهة ، بصدور بيان يحمل عنوان " لا لتدجين الجبهة الشّعبية " بإمضاء " الجبهة الشعبية " ( التّيّار الوطني ) (25) سجّل فيه " ممارسات من قبل بعض أطراف الجبهة سعت إلى إقصاء وتهميش بعض مكوّناتها الأخرى وإلى تحويل صيغة اللّقاء مع بعض القوى السّياسية .... من تقاطع ميداني مُتّفق عليه إلى تقاطع سياسي سرعان ما أخذ شكل جبهة ... " ، واتّهمت تلك الأطراف بالابتعاد الواضح عن أرضية الجبهة " الرّافض للانضواء تحت مظلّة الاستقطاب الثّنائي المطلوب إمبرياليا .....فهذا ما أحدث ثغرة تتسلّل منها بقايا النّظام السّابق ... " ، ودعت " إلى التّراجع عن بناء أيّة أطر جبهوية مع اليمين الليبرالي وإلى حصر علاقات الجبهة في التّقاطعات ... " ، ليتبيّن فيما بعد بأنّ " التّيّار الوطني " متكوّن من الحزب الوطني الاشتراكي الثّوري (الوطد) والجبهة الشّعبية الوحدوية ( هذه الجبهة انخرطت في مسار " الإنقاذ " و كانت من مؤسّسي تنسيقية جبهة الإنقاذ الوطني بأريانة بتاريخ 3 أوت 2013 ) (26) ، وهي أطراف ضعيفة داخل " الجبهة الشعبية " لا تتحكّم في موازين القوى داخلها ( حزب العمال والوطد الموحّد هما الطّرفان الرّئسيان وبوصلتها السّياسية ) ، ويُعدّ هذا البيان بمثابة الشّهادة الّتي لا لُبس فيها الّتي تؤكّد تحالف الجبهة مع نداء تونس المتكوّن من بقايا النّظام السّابق .

ولئن لم يرفض " التّيّار الوطني " في بيانه التّقاطعات الميدانية المُتّفق عليها " المتمحور حول إنجاح الاعتصامات الهادفة إلى حلّ المجلس التّأسيسي وحلّ الحكومة " مع بقايا النّظام المُرسكلة في نداء تونس وغيره من الأحزاب ، فإنّه يرفض " جبهة الإنقاذ الوطني " كتجمّع سياسي " لإنقاذ البلاد " بديل عن " الجبهة الشعبية " ، ويقبل بالتّقاطع مع مكوّنيه بمن فيهم نداء تونس وغيره من أجل حلّ المجلس التّأسيسي والحكومة ، وهو ما يُبيّن أنّ هذا " التّيار " حالم جدّا ، أو لم يفقه ولم يُدرك بعد ما ساهم فيه عن وعي لإيصال " الجبهة الشعبية " إلى ما وصلت إليه اليوم من تحالف مع بقايا النّظام الّتي تسلّلت رويدا رويدا بفعل التّقاطعات السّابقة قبل اغتيال الشّهيد محمد البراهمي ، فـ " التّيّار الوطني " لا يعدو أن يكون طلقة ريح عفنة من بطن " الجبهة الشعبية " بفعل الانتفاخ وتنوّع البهارات السّياسية الغير قابلة للهضم ، والّتي ستصيب ذلك التّيّار بالإمساك ، وهو ما يُفيد ركونه وجموده ، إذ لم نعرف له وجهة أو أثر منذ إصدار بيانه يوم 06 أوت 2013 ، والّذي كان محاولة يائسة لـ " تصحيح " وجهة " الجبهة الشعبية " سياسيا ، وعدم التحاق بقية الأطراف المُستهدفة بالبيان داخل الجبهة لا يُفهم بأنّها لم تتلقّف مضمونه ، وإنّما لاقتناعها التّامّ بصحّة التّوجّه وضرورة التّحالف مع نداء تونس والمُضي قُدُما في إنجاز مهام " جبهة الإنقاذ الوطني " .

وحوّل الحزب الوطني الاشتراكي الثّوري (الوطد) ( على فكرة ، هذا الحزب البورجوازي الصّغير يستثأر لنفسه بتاريخ الوطد وكأنّه أصل تجاري أو ملك خاصّ به ويتصوّر نفسه الوريث الشّرعي والوحيد للوطد ، والحال أنّ السّاحة السّياسية بها " أوطاد " كلّ يُغنّي على " وطده " ، وفي الحقيقة هناك وطد واحد والباقي مُزيُفون ، سيُفرزه حتما واقع الصّراع الطّبقي ) سجالاته في الغرض لمّا وقع تجميد نشاطه في الجبهة إلى نقاش قانوني بالتّذكير بالنّظام الدّاخلي وبالتّجاوزات الحاصلة في تطبيق فصوله ( الآلية التّنظيمية داخل الجبهة هشّة وتسمح لناطقها الرّسمي حمة الهمامي أن يتّجه بها حيث يريد ) ، وغيرها من أساليب التّحاجج للتّعبير عن وفائه لأرضية الجبهة السّياسية وتمسّكه بها واحترامه لنظامها الدّاخلي ورفض التّلاعب به من قبل " الأطراف المُتنفّذة داخل الجبهة " ، ناسيا أو مُتناسيا بأنّه ساهم كغيره من داخل الجبهة في إيصال الزّبدة إلى " فم الشّكوة " ليغنم بها نداء تونس ومن دار في فلكه . وما إصداره لبيان 06 أوت 2013 – أي بعد قُرابة 12 يوما من الإعلان عن تأسيس " جبهة الإنقاذ الوطني " بتاريخ 26/07/2013 – ما يُفيد حالة التّردّد وعدم وضوح الرّؤية لديه .

ولعلّه بذلك أراد أن يُضمّد جراحه الدّاخلية وفي نفس الوقت يُحقّق " سبقا سياسيا " في مُعاداته للدساترة ومُخلّفاتهم وليجلب إليه الأنظار من باب الدّعاية له علّه يظفر بصكّ الغفران ، ونسي أو تناسي أيضا بأنّ الوطد تاريخيا في عداء مُعلن معهم ومع الحركات الدّينية وشعار " سُحقا سُحقا للرّجعية ، دساترة وخوانجية " هو الشّعار التّاريخي للوطد ، ولا ينتظر من هذا " الفصيل " الذي بأن يُلقّنهم الدّروس في الفرز بين أصدقاء الشّعب وأعدائه. ولكنّني أذكّر هذا الفصيل النقابوي الّذي تحوّل إلى " حزب " بورجوازي صغير بأنّ من وضع يده في يد حركة النهضة الرّجعية العميلة وتحالف معها في " المجلس الوطني لحماية الثّورة " ، و " حمى " معها " الثّورة " وأضفى عليها صفتي " الوطنية والثّورية " ، وأراد أن " ينتصر " معها وبرفقتها " لطموحات شعبنا " ، وتقاسم معها النّيابات الخصوصية للبلديات والمجالس القروية ، ونافسها " ديمقراطيا " في انتخابات 23 أكتوبر المهزلة في شكل قائمات مُستقلّة مُضفيا عليها " الشّرعية الثّورية " و" الشّرعية الانتخابية " ، ... لن يصعب عليه " التّحالف " لاحقا مع الدساترة وبقايا النّظام السّابق ، وما الإشارة في البيان إلى القبول بالتّقاطع خير دليل على ذلك ، فـ " العرق دسّاس " كما يقول المثل الشّعبي التّونسي ( الأمين العام للحزب حاليا والّذي يتشدّق بمُعاداته للدساترة ، تقاسم معهم سابقا الغنائم في صورتهم التجمعية عندما كان عضوا في النقابة العامّة للتّعليم الثّانوي ، وأمضى مع الشعبة المهنية لوزارة الشباب والطّفولة محضر اتّفاق للغرض بتاريخ 26/06/1997 استأثر فيها هو ومن معه من " الوطنيين الأشاوس " ببعض المقاسم الصّالحة للبناء - طبعا لم يكن ذلك إلاّ بحجّة " بناء " و " خدمة " الثّورة الوطنية الدّيمقراطية ذات الأفق الاشتراكي - وهي سابقة في تاريخ العمل النقابي في تونس الّذي لم يشهد أن أمضى طرفا اجتماعيا اتّفاقا مع طرف سياسي حاكم (الشّعبة المهنية مُمثّلة للتجّمع الدّستوري الدّيمقراطي بالوزارة) ، خاصّة وأنّه كان يُصنّفه رجعيا عميلا ودكتاتوريا ناهبا لخيرات الشّعب وسارقا لعرق العمّال والفلاّحين الفقراء وخادما طيّعا للدّوائر الإمبريالية ) .

فالّذي يقبل بأن يجعل من " منارات " الحراك الشّعبي الّتي قامت بها " الجبهة الشعبية " محورا للتّقاطع مع نداء تونس " المتمحور حول إنجاح الاعتصامات الهادفة إلى حلّ المجلس التّأسيسي وحلّ الحكومة " ( بيان 6 أوت 2013 ) على خلفية أن يقع تذييل الدساترة للجبهة ، فهو واهم ، ولا يفقه شيئا في مجال السّياسة . فهل من البلاهة السّياسية للباجي قايد السبسي أن يحلّ معهم بواسطة حزبه نداء تونس وحلفاؤه المجلس التّأسيسي والحكومة ويُقدّم لهم " الحكم " على طبق من ذهب ؟ ولعلّ الإقرار في نفس البيان بأنّه كان هناك " سعي " من "الجبهة الشعبية" " إلى تجميع القوى السّياسية والمدنية ضمن ائتلاف مُحدّد الأهداف وإلى إيجاد التّقاطعات الميدانية الضّرورية لإسقاط حكم الإخوان ... " يتنزّل في باب الاعتراف بوجود إمكانية تكوين هذا " الائتلاف" (جبهة الإنقاذ الوطني الآن) ؟ وهذا ما يُفيد التّماهي والقبول والانخراط في نفس مسار " الأطراف المُتنفّذة داخل الجبهة الشعبية " كما يحلو لهذا الطّرف أن يقول .

فمن المنطقي إذا كان هذا الأخير يملك صورة واضحة عن واقع "الجبهة الشعبية" - ومن خلال ما يدّعيه بتبنّيه لنظرية تحرير الطّبقة العاملة ومن استعماله لأدوات تحليل علمية للواقع تحمل مضمون طبقي عُمّالي ونقد ثوري لكلّ المؤامرات الّتي تُحاك ضدّهم ، أن يكون واضحا مع نفسه ومع قواعده ومع شعبه بعد المُبادرة السّياسية الأولى بتاريخ 23 فيفري 2013 المُنادية بتكوين " حكومة أزمة لإنقاذ البلاد " (انظر بيان الجبهة 23/02/2013) ، وكذلك بعد ندوة سوسة الّتي انعقدت يومي 1 و 2 جوان 2013 والّتي تُوّجت بمبادرة ثانية " مُبادرة سياسية من أجل تشكيل ائتلاف وطني واسع للإنقاذ" (انظر نصّ المبادرة) - أن يستقرأ الوضع بطريقة علمية وأن يُنبّه للمسارات السّياسية الخطيرة الّتي تُحاك ضدّ شعبنا وخاصّة عمّاله وفلاّحيه الفُقراء ، تحت يافطات عديدة ومتنوّعة العناوين من التّمهيد لذلك في أرضية الجبهة تحت عنوان " الحدّ الأدنى السّياسي والوطني " إسوة بـ " الحد الأدنى الديمقراطي " ( في هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات ) ، إلى المبادرة بتكوين " حكومة أزمة لإنقاذ البلاد " بعد اغتيال الشّهيد شكري بلعيد ، إلى المُبادرة بتشكيل " ائتلاف وطني واسع للإنقاذ " إلى الوصول إلى زبدة المسار وهو تكوين " جبهة الإنقاذ الوطني " . ولعلّ مطلب " الإنقاذ " كان له ما يؤثّثه تاريخيا داخل " الجبهة الشعبية " ، إلاّ أنّ أدوات التّحليل العلمية للقادة في " الحزب الوطني الاشتراكي الثّوري (الوطد) لم تتلقفّها أو أساءت استعمالها ، بل وانخرطت في المسار بانتهازية واعية ، وإن كان لا ، فلماذا لم يقع فضح ذلك المسار إذن من قبل ؟ وعلى الأقلّ بعد المُبادرة الّتي جاءت على أنقاض ندوة سوسة ؟

ولعلّ دفاع هذا الحزب عن نفسه في ردّه في الحوار المتمدن العدد 4262 بتاريخ 1/11/2013 تحت عنوان " ضدّ الإصلاحية والديماغوجية : ردّ على سمير حمودة وعلي البعزاوي ومن ورائهما حز العمال " (27) ، والّذي أفاد فيه في النّقطة 5 بأنّ " لجنة الخطّ السياسي والتّكتيكي للجبهة " في ندوة سوسة رفض أغلبية أعضائها التّحالف مع نداء تونس " وعندما عجزت بعض أطراف الجبهة المهرولة إلى التّحالف مع هذا الحزب عن تمرير موقفها دُعي مجلس الأمناء للاجتماع بالتّوازي مع لجنة الخطّ السّياسي لتمرير مشروع مبادرة ما يُسمّى بـ " الائتلاف الوطني الواسع للإنقاذ " ... " ، وفي الأخير وقع تمريرها في اللّحظات الأخيرة للنّدوة بطريقة غير ديمقراطية " وقد اعترض حزب الوطد الثّوري بشدّة على هذه الطّريقة اللاّديمقراطية في تناول المسائل ووقف ضدّ هذه " المبادرة " الّتي تضرب في العُمق أرضية الجبهة . " . فالثّابت من خلال هذا الرّد على حُلفائه داخل الجبهة ، يعترف هذا الحزب أنّ مشروع المبادرة قد وقع تمريره حتّى ولو كان بطريقة غير ديمقراطية كما جاء في الرّد .

ولنفترض صدق هذه الرواية ونسأل هذا الطّرف ، بما أنّ تلك المُبادرة الّتي وقفتم ضدّها "تضرب في العُمق أرضية الجبهة" ، فلماذا لم تقوموا بفضحها إذن وخاصّة خطورتها على أرضية الجبهة ؟ ولماذا انتظرتم كلّ هذا الوقت – خمسة أشهر بالتّمام والكمال ، من 1 جوان 2013 إلى 1 نوفمبر 2013 – لتقولوا لنا بأنّ " النّدوة لم تتبنّ المُبادرة بل مرّرتها خارج النّدوة الأطراف المُتنفّذة والمُتكتّلة داخل الجبهة الشعبية وبالتّحديد في مجلس الأمناء ، هذه الأطراف السّاعية بكلّ الوسائل وعلى حساب الشّعب إلى تأسيس ما يُسمّى بالجبهة الدّيمقراطية الواسعة الّتي دعا إلى تشكيلها بعض قادة تلك الأحزاب مُباشرة بعد تأسيس الجبهة الشعبية ... ولم تنضج ظروف التّأسيس إلاّ بعد اغتيال الشّهيد محمد البراهمي ... فكان تأسيس " جبهة الإنقاذ الوطني " بمثابة الإعلان عن ميلاد الجبهة الدّيمقراطية الواسعة وبداية قبر الجبهة الشّعبية " . وهنا لا يظُنّ أي عاقل بأنّ سكوت هذا الطّرف السّياسي - المُفعم والمُتباهي بوطنيته - وصمته المُريب طوال تلك المدّة ( أي " مباشرة بعد تأسيس الجبهة الشعبية " وبعد خمسة أشهر من ندوة سوسة ) على من يسعى بكلّ الوسائل وخاصّة " على حساب الشّعب " إلى تأسيس جبهة مُعادية لطموحات الشّعب في الحرّية والانعتاق الاجتماعي ، ومدعومة إمبرياليا والّتي بميلادها كانت " بداية قبر الجبهة الشّعبية حيّة " ، فهذا السّكوت لا نستطيع أن نفهم منه سوى التّماهي والمُهادنة والانخراط والتذيّل " للأطراف المُتنفّذة والمُتكتّلة داخل الجبهة الشعبية " ، وتجوز فيهم قولة " السّاكت عن الظّلم شيطان أخرس " ، فقيادات هذا الحزب لا تسبح فقط ضدّ التّيّار ، بل تسبح ضدّ نفسها أيضا لتُغطّية عملية تذيّلها للنّهج الإصلاحي بعد فوات الأوان وثُبوت فشل مسارها السّياسي وخيبة توجّهاتها الّتي صبّت في الأخير في خدمة نداء تونس من حيثُ تشعُرُ و لا تشعُرُ .
فباستثناء حزب النّضال التّقدّمي ( هذا الحزب انخرط في مسار " الإنقاذ " وكان من مؤسّسي تنسيقية جبهة الإنقاذ الوطني ببن عروس يوم 30 جويلية 2013 ) (28) الّذي أصدر بيانا أواخر أكتوبر يحمل عنوان " لا للانتهازية ، بيان حول الأخطاء السّياسية للجبهة الشّعبية وأسباب انسحابنا منها " (29) - وكان أكثر وضوحا وتماسكا من الحزب الوطني الاشتراكي الثّوري(الوطد) رغم صغر حجمه ، في تسميته الأشياء بمُسمّياتها – إذ بيّن فيه أنّ انسحابه يرجع إلى أنّ الجبهة انخرطت في " جبهة مُعادية يقودها حزب هو الوريث الحقيقي للقطب الليبرالي " الحداثوي " كما وصفوه ذات يوم " و " يضعون ثقتهم في واحد من أكبر أساطين نظام حزب الدّستور في عهديه ويتركون له مُهمّة التّفاوض باسمهم والحديث نيابة عنهم " و " يقبلون بالتّفاوض مع حزب الإخوان القطب الثّاني الّذي يعرفون جيّدا ، كما هو مكتوب في أرضيتهم الّتي كانت ، أنّه مُرتهن للدّوائر الأجنبية ... " كما اتّهم القيادة الانتهازية للجبهة بالمشاركة في " عملية اغتصاب الإرادة الشّعبية عن طريق تفويض هيئات لم ينتخبها الشّعب التّونسي ... " وقرّر بكلّ وضوح " الانسحاب التّامّ والنّهائي من " الجبهة الشعبية " " ، على خلاف الحزب الوطني الاشتراكي الثّوري (الوطد) الّذي لا يزال بعد مُتشبّثا بتلابيبها ويُذيّل إمضاءاته الحزبية باسمها ، وفي نفس الوقت يدعو مع مجموعة من المكوّنات السّياسية الأخرى خارجها إلى " تشكيل بديل وطني ديمقراطي شعبي يقطع مع الاستقطاب الثّنائي الّذي تُحرّكه الدول الاستعمارية ومؤسّساتها النّهّابة ، بديل يلتزم ميدانيا بتطوير المسار الثّوري وتجذيره بما يُمكّن من تلبية مطالب الشّعب الآنية المُلحّة ويتقدّم نحو تحقيق التّحرّر الوطني والانعتاق الاجتماعي والوحدة العربية الدّيمقراطية الشّعبية " ( بيان 16/08/2013 مع : حزب الكادحين – أنصار الديمقراطية الجديدة – رابطة النضال الشبابي – الوطنيون الديمقراطيون – الجبهة الشعبية الوحدوية ، القوّة العمّالية لانتصار الشّعب ) (30) ؟
ولعلّ بقاء هذا الحزب مُتأرجحا بين الدّعوة لتكوين بديل وطني ديمقراطي شعبي ، وبين التّشبّث برداء " الجبهة الشعبية " ( ساق هنا ، وساق غادي ) خير دليل على الارتباك الحاصل في داخله ولدى قادته ، وتترجم ذلك في التّعبير مع نفس الأطراف عن موقفه من " الحوار الوطني " بإدارة الرّباعي في بيان بتاريخ 6 أكتوبر 2013 (31) الّذين حذّروا فيه من توجّه الرّجعية " اليوم بخطى حثيثة نحو الاتّحاد من جديد في مواجهة الشّعب بتوجيه وتخطيط مُباشر من الإمبريالية ، وفي المُقابل يتطلّب انتصار المُقاومة الشّعبية وحدة كلّ القوى الوطنية الدّيمقراطية الوحدوية ، ونبذ الأوهام الّتي تُروّجها الانتهازية حول التّحالف مع أحد قُطبي الرّجعية لضرب القُطب المُقابل " ، لزرع مناخ من الثّقة بينهم قائم على توحيد المواقف من القضايا الّتي تشغل الرّأي العام ( ربّما يطمح هذا الحزب في جرّ تلك الأطراف لاحقا للجبهة الشّعبية-التّيّار الوطني أو تكوين جبهة جديدة ) مع مواصلة التشبّث بـ " الجبهة الشعبية " الّتي قُبرت " حيّة " بتشكل " جبهة الإنقاذ الوطني " في نظره .
ونسأله هنا تحديدا ما هو الخيط النّاظم بين " الانتصار " " لطموحات شعبنا وتكريسا لمبادئ ثورته " مع حركة النهضة الرّجعية العميلة في " المجلس الوطني لحماية الثّورة " في بلاغ 11/02/2011 ، و" تحقيق أهدافها " مع " الجبهة الشعبية " ، ومُتطلّبات " انتصار المُقاومة الشّعبية ..." مع " كلّ القوى الوطنية الدّيمقراطية الوحدوية ... " في بيان 06 أكتوبر 2013 ؟ فالانتصار للشّعب يتطلّب وضوح الرؤية والثّبات على المبدأ والموقف ، لا للمراوحة بين اليمين الرّجعي العميل و الإصلاحية المقيتة وغسل الثّياب وتنقيتها وتطهيرها من الأدران مع القوى الوطنية الدّيمقراطية .
وقد بيّن في بيانه بمناسبة الذّكرى الأولى لتأسيسه الّذي يحمل عنوان " لا بديل عن خطّ الصّراع الطّبقي والنّضال الوطني والأممي من أجل تحقيق التّحرّر الوطني الدّيمقراطي والاشتراكية العلمية والأممية العمّالية " الصّادر في 04 سبتمبر 2013 بأنّ " جبهة الإنقاذ الوطني " جاءت " لتدجين الجبهة الشعبية و لتكريس الوفاق مع البرجوازية الليبرالية خادمة الامبريالية ولفتح أبواب التعامل مع السفارات الأجنبية ولذلك تمسّك الحزب بالجبهة الشعبية وبخطها الوطني المستقل وباستقلاليتها التنظيمية ودعا إلى حصر علاقة الجبهة مع القوى الليبرالية في إنجاز مهام عملية ميدانية لا غير كإسقاط الحكومة وحلّ المجلس التأسيسي . وها نحن نرى اليوم كيف أن ديكتاتوريي الأمس أصبحوا حُلفاء اليوم "الدّيمقراطيين" وكيف أن حُلفاء الأمس " الدّيمقراطيين " أصبحوا اليوم أعداء "فاشيين"، ونرى أيضا كيف فتحت أبواب التّعامل على مصراعيها مع السّفارات الأجنبية ومع رؤساء الدول الاستعمارية " (32) .
ففي هذا البيان يؤكّد هذا الحزب تماهيه المسؤول مع توجّهات " الجبهة الشعبية " ودعوته لها " إلى حصر " علاقتها مع القوى اللّيبرالية ( أي نداء تونس وحلفاؤه ) " في إنجاز مهام عملية ميدانية لا غير " ، وهي مهام على درجة من الخطورة الّتي لا يُمكن أن تُنجز خارج دائرة التّحالف السّياسي " كإسقاط الحكومة وحلّ المجلس التّأسيسي " ( موش لعب ذراري صغار كما يُقال في الأوساط الشّعبية التّونسية)، تلك المهام أراد هذا الحزب تبسيطها وتسطيحها والاستنقاص من شأنها وكأنّها حدث عارض في التّاريخ يُمكن أن يحدث ويمرّ مرور الكرام ، وهي إنجاز " مهام عملية ميدانية " على أرض الواقع مع " القوى اللّيبرالية " " خادمة الإمبريالية " و " ديكتاتوري الأمس " ( والكلمات له ) .
فهو بهذا التّحليل السّطحي يريد إستغبائنا بتركيزه على تمسّكه بخطّ الجبهة " الوطني المُستقلّ وباستقلاليتها " ، والمرور مرّ الكرام لإعلامنا مشكورا ، بأنّ دكتاتوري الأمس ( الدساترة والتّجمعيين – نداء تونس ) تحوّلوا إلى حُلفاء "ديمقراطيين" اليوم ، وحُلفاء الأمس (حركة النهضة ) " الدّيمقراطيين " تحوّلوا إلى " فاشيين " ، ناسيا أو مُتناسيا بأنّه ورفقة بقية جوقة " الجبهة الشعبية " تحالفوا مع حركة النهضة الرّجعية العميلة وقدّموها للشّعب التّونسي في ثوب " مدني وديمقراطي " و" وطني ثوري " ، وحموا معها " الثّورة " ومكّنوها من " الشّرعية الشّعبية " عبر صناديق الاقتراع ، كما تناسى بأنّهم تقاطعوا سابقا مع " القوى اللّيبرالية " " خادمة الإمبريالية " و " ديكتاتوري الأمس " في إنجاز " مهام عملية ميدانية " حسب ما ذكره في ردّه ... ، وبالتّالي ننصحه بأن لا ينهى على خُلق ويأتي بمثله ، فتحالفه ثابت وموثّق مع حركة النهضة الرّجعية العميلة الّتي قدّمها رفقة جوقة " الجبهة الشعبية " للشّعب التّونسي في ثوب " وطني وثوري " ، والّذين أرادوا أن " ينتصروا " معها لطموحاته في الحرّية والانعتاق الاجتماعي في " المجلس الوطني لحماية الثّورة " ، ومكّنوها من " الشّرعية الشّعبية " عن طريق صناديق اقتراع صُنعت خصّيصا لها في الخارج ( جمال لزهر الأمين العام الحالي للحزب يحتلّ المرتبة 26 في التّوقيع على بلاغ ذلك المجلس بتاريخ 2011/02/11 ، اقتداء بحليفه حمة الهمامي أمين عام حزب العمال الشّيوعي التّونسي الّذي يحتلّ المرتبة 4 ، بينما احتلّت حركة النهضة " الوطنية الثّورية " بينهما المرتبة 6 بإمضاء نوالدين البحيري ... وقائمة إمضاء الجبهاوين لا تزال طويلة )، فهذا الطّرف يتقن تطبيق قاعدة " حلال علينا ، حرام عليكم " بامتياز لا مثيل له .
فالحزب الوطني الاشتراكي الثّوري(الوطد) أصبح كالسّمكة لا يستطيع التّنفّس خارج " الجبهة الشعبية " لعدم وجود بدائل خارجها تُرضيه وكذلك لعدم قُدرته على خلقها ، زيادة على استغلالها تكتيكيا للاحتماء بها تحسُّبا لأي طارئ ، وهو ما جعله يُعبّر في سياق ردّه الطّويل على تشبّثه بها - بعد تنكّره لدعوته في بيان 16 أوت 2013 بتشكيل " بديل وطني ديمقراطي شعبي"- في نصّه " ضدّ الإصلاحية والدّيماغوجية : ردّ على سمير حمودة وعلي البعزاوي ومن ورائهما حزب العمّال " الصّادر في 01/11/2013 ، أنّ " ... الجبهة الشّعبية ليست ولا يُمكن أن تكون ملكا لبعض الأطراف المُتنفّذة فيها تتصرّف فيها وفق أهوائها ، بل أنّ هذه الأطراف الّتي نخرت الجبهة من الدّاخل وجعلتها رافدا من روافد جبهة اليمين اللّيبيرالي ضاربة عرض الحائط بأرضيتها السّياسية وبالمكاسب والمُنجزات الّتي حقّقتها ، هي الّتي غادرت الجبهة والتحقت بجبهة الإنقاذ ، وفي هذا خرق سافر لنظام الجبهة الدّاخلي مثلما أشرنا إليه أعلاه ، وبالتّالي فإنّ هذه الأطراف هي الّتي لم تعد تلزم الجبهة في شيء " ، وهو ما نفهم منه أنّ هذا الحزب أطرد تلك الأطراف دون أن يُسمّيها والّتي اختارت المُغادرة والالتحاق بجبهة الإنقاذ حسب تقديره ، مُستندا في ذلك على فصل النّظام الدّاخلي الّذي يقول : " لا يُمكن لمكوّن من مكوّنات الجبهة الشّعبية الانضمام إلى جبهة أخرى أو إقامة تحالفات موازية ما لم ُغادر الجبهة الشّعبية ويُعلن عن ذلك " ، وهكذا يُحوّل هذا الحزب الصّراع السّياسي داخل الجبهة من صراع حول مشاريع وبرامج وأطروحات سياسية ، إلى صراع حول تطبيق فصول النّظام الدّاخلي لها ، وهو ما يُفيد بأنّه هو من يُمثّل " الجبهة الشّعبية " ، والوفي والصّادق والضّامن لتطبيق فصول نظامها الدّاخلي والأمين على أرضيتها السّياسية .
وبما أنّ " الجبهة الشعبية ليست ولا يمكن أن تكون ملكا لبعض الأطراف المتنفّذة فيها ... " والّتي " غادرت الجبهة والتحقت بجبهة الإنقاذ ... والّتي لم تعد تلزم الجبهة في شيء " ، وهو ما يفيد تمسّك هذا الحزب بإصرار بـ " الجبهة الشعبية " وهذا من حقه ، فإنّنا نغتنم الفرصة لسؤاله عن مصير دعوته إلى " تشكيل بديل وطني ديمقراطي شعبي " الّذي سيتقدّم " نحو تحقيق التّحرّر الوطني والانعتاق الاجتماعي " مع بقية بعض الأطراف خارج " الجبهة الشعبية " والّتي وردت في بيان 16 أوت 2013 ؟ ولماذا وقع الانقلاب عليها بهذه السّرعة ؟ (تحديدا قبل 46 يوما من ردّ 01/11/2013) .
والمُتتبّع للوضع الرّاهن في البلاد ، يعلم جيّدا ما يقوم به النّاطق الرّسمي لـ " الجبهة الشعبية " من زيارات للسّفارات واستقبال لوفودها بمقرّ الجبهة ( رئيس فرنسا وسفيرها ، وسفير أمريكا وأنقلترا ... ) ،هذا الانخراط الّذي يتنزّل في مسار السّفارات وأبعاده ودلالاته السّياسية ، جعلنا نختار تعليقا طريفا بعد لقاء حمة الهمامي الناطق الرسمي لـ" لجبهة الشعبية " يوم 05 جويلية 2013 بالرئيس الفرنسي فرانسوا هولاندة بإقامة " دار كاميليا " بضاحية المرسى لأحد مناضلي الحزب الوطني الاشتراكي الثّوري(الوطد) باسم مستعار في الفايسبوك (Weled Zohra Harroum) في تعليق يحمل عنوان " إلى رفاقي الجهاويين أين كان عنوانهم الحزبي ... " بقوله " ... أنّ يد حمّة الّتي صافحت هولوند هي يد كلّ جبهاوي ، وحضوره ومجالسته إنّما تمثيلا لكلّ جبهاوي فلم يمثّل شخصه ولا حزبه." ليعترف في الأخير بقوله : " ... وباختصار : نحن لسنا جبهة ثورية ... " (33) ، هذا التّعليق يُلخّص في نظرنا شهادة كافية من داخل هذا الحزب على تمثيلية " الجبهة الشعبية " لكافّة مكوّناتها دون إسثناء ، وما عمليات المراوغة التي نشهدها من حين لآخر لهذا الحزب لا تصب سوى في باب التّنطّع السّياسي الفارغ الّذي لا يسمن ولا يغني من جوع ، فصدق " ولد الزهرة " بقوله أنّ " يد حمة الّتي صافحت هولوند هي يد كلّ جبهاوي " واختصر بأنّ بأنّ الجبهة ليست جبهة ثورية ، وهو ما ينزع عنّا عناء التّعليق والتّدقيق .
فحمة الهمامي النّاطق الرّسمي لـ " الجبهة الشعبية " – المطرود والّذي لم يعد يلزم الجبهة في شيء حسب الحزب الوطني الاشتراكي الثّوري(الوطد) – يواصل رسم ملامح عملية إنقاذ أزمة نظام العمالة داخل غُرف " الحوار الوطني " برعاية الرّباعي وعلى رأسهما اتّحاد الشّغل واتّحاد الأعراف القائمين على تنفيذ ما اتّفقا وأمضيا عليه في تاريخ سابق ، وهو " العقد الاجتماعي " أو عقد الوفاق الطّبقي بمشاركة رئيس الحكومة حمادي الجبالي في 14 جانفي 2013 ، باعتبارهم شُركاء اجتماعيين واللّذين اعتبروا " أنّ العقد الاجتماعي هو إحدى آليات ضمان الانتقال الدّيمقراطي وعاملا لتحقيق الاستقرار الاجتماعي ... " (34) ، فها هُما رفقة بقية الجوقة بما فيهم " الجبهة الشعبية لتحقيق أهداف الثّورة " وحركة نداء تونس وأحزاب " الاتحاد من أجل تونس " والترويكا الحاكمة بقيادة حركة النهضة ... يُكرّسون تلك الآلية لضمان " الانتقال الدّيمقراطي " في كنف " السّلم الاجتماعية " المبنية على " الوفاق " . فعن أيّة فصول قانونية يُحدّثنا الحزب الوطني الاشتراكي الثّوري(الوطد) ؟ وعن أيّة أطراف لم تعد تلزم " الجبهة الشعبية " في شيء حسب وجهة نظره؟ فحمة الهمّامي النّاطق الرّسمي باسم " الجبهة الشعبية " ( المُغادر والمطرود في نظر هذا الحزب ) أعلن في حوار تلفزي على قناة الوطنية الأولى مساء الأربعاء 30 أكتوبر 2013 عن إمكانية تحويل " الجبهة الشعبية " إلى حزب سياسي ، وأنّ الترشّح المُشترك بين الجبهة والنّداء في الانتخابات القادمة غير مطروح حاليا ، مؤكّدا ومُعتبرا أن ّ تشتّت التّيارات اليسارية هي الّتي فرضت تكوين " الجبهة الشّعبية " رغم الاختلافات بين مُكوّناتها ، كما أكّد على تحالفه مع نداء تونس – في ردّه على الّذين يعتبرون وجود تناقض في تحالف الجبهة مع حزب نداء تونس – بأنّهم لا يفقهون في السّياسة .
وما يُمكن مُلاحظته حول " جبهة الإنقاذ الوطني " كإطار سياسي هو مواصلة تأكيدها عن لُحمتها وتماسكها ، إذ رفض الباجي قايد السبسي شيطنة " الجبهة الشعبية " من طرف النهضة خلال لقائه براشد الغنوشي في باريس ودافع عنها وعن الالتزامات معها داخل " جبهة الإنقاذ الوطني " ، وقد قامت باصدارها بيان يوم 19/08/2013 أكّدت فيه على "تضامن الهيئة السّياسية مع الجبهة الشّعبية في حملة التّشويه والتّحريض الّتي تتعرّض لها من قبل حركة النهضة" (35) يمثّل دليلا على ذلك حتّى تشدّ من وثاقها وتكون حظنا دافئا لـ " الجبهة الشعبية " الّتي آمنت بهذا التّوجّه وبضرورته ، ولتجعل من هذا الإطار مطية سياسية لتحقيق ما تصبو إليه ، طُموحها في ذلك أن تُصبح " جبهة إنقاذ وطني " لها وزن وباع وذراع في إدارة في الشّأن العام مُستقبلا .
فأطراف " جبهة الإنقاذ " أثّثت بحرفية كبيرة " اعتصام الرّحيل " بباردو وحوّلته إلى كرنفال يومي يحلو فيه السّهر في شهر رمضان ، والّذي استغلّت فيه الحضور المُميّز لأحزاب " الاتحاد من أجل تونس " و " الجبهة الشعبية " بما فيهم الحزب الوطني الاشتراكي الثّوري(الوطد) الّذي كان حاضرا في جميع الفعاليات وكلّ المناسبات المُمكنة للحشد والتّجييش ( راجع صفحة الإعلام لهذا الحزب على الفايسبوك وهو يتباهى بمشاركاته ) - لينتهي ذلك الكرنفال ( الّذي ميّزته تظاهرة 6 أوت 2013 ، وعيد المرأة 13 أوت 2013 ... ) بعد أن أثّثه رئيس نداء تونس الباجي قايد السبسي باسم " جبهة الإنقاذ الوطني " في أربعينية الشّهيد محمد البراهمي بتاريخ 07 سبتمبر 2013 أين ألقى خطابا حماسيا على المتواجدين بساحة باردو الّتي أكّد فيها على أنّ الشّعب هو صاحب السّيادة والشّرعية و " لا شرعية فوق شرعية الشعب " (36) ، وأكّد على أنّ مكوّنات " جبهة الإنقاذ الوطني " متضامنة ومنسجمة " اليد في اليد " من أجل إنقاذ تونس من الوضع المتردّي وأنّه يجب على القوى التّقدمية والديمقراطية أن تكون موحّدة خاتما حدكلمته بقوله إنّ النّصر حليفنا إن شاء الله " ، كما تداول على الكلمة بعض النّواب المُنسحبين وبعض قادة " الجبهة الشعبية " .
فـ " اعتصام الرحيل " وكلّ تلك الحشود البشرية الّتي وقع تجييشها ، تبيّن أنّها تصبّ في الأخير من أجل إجبار الترويكا على القبول في الأخير بحوار يتيم على قاعدة " خارطة الطّريق " ( مسيرة 23 أكتوبر 2013 ) ، مُتنازلين رغما عنهم عن شعار حلّ المجلس التّأسيسي الّذي اعتبره راشد الغنوشي " خطّا أحمرا " لا يُمكن الوصول إليه - فهو مصدر " الشّرعية الشّعبية " وما أدراك ما " الشّرعية " – وكان للقائي الشّيخين الباجي قايد السبسي وراشد الغنوشي في باريس والجزائر الأثر " الإيجابي " في بداية إيجاد مخرج للأزمة بقبول النهضة ( بتدخّل أمريكي ) الدّخول في " الحوار الوطني " على قاعدة " خارطة الطّريق " برعاية الرّباعي تحت يافطة " الوفاق " ، هذه الخارطة الّتي تُحاول أن يقع الخروج من أزمة الحكم من " شرعية الصّندوق " إلى " شرعية التّوافق " ، باعتماد ثلاثة مسارات ( المسار التّأسيسي ، والمسار الحكومي ، والمسار الانتخابي ) ، قاعدتها في ذلك " المجلس الوطني التّأسيسي " الّذي لا يُمكن الاقتراب منه أو المسّ من " شرعيته " باعتباره مصدرا للسّلطات ، وهو ما يجعل الترويكا الحاكمة بقيادة حركة النهضة تُناور " مُعارضيها " في أريحية مُطلقة ، وهو ما جعل رئيس حركة النهضة الرّجعية العميلة يقول في إحدى البرامج التّلفزية " سنخرج من الحكومة ولكنّنا سنبقى في الحكم " ، قاعدته في ذلك " مدنية وديمقراطية ووطنية وثورية وشرعية " حركته ، الّتي منحها كلّ تلك الصّفات أصدقائها وخصومها وأعدائها التّاريخيين بداية من " هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحرّيات " سنة 2005 ، مُرورا بـ " المجلس الوطني لحماية الثّورة " في 11 فيفري 2011 ، وانتهاء بانتخابات " المجلس الوطني التّأسيسي " المهزلة في 23 أكتوبر 2011 ، وها هم الآن يتمسّحون على أعتاب باب حركة النهضة الرّجعية العميلة وحلفاؤها ، للظّفر ببعض من الفُتات " المدني والدّيمقراطي والوطني والثّوري والشّرعي " الّذين مكّنوها منها سابقا ، وبانتهازية واعية . وهاهي الآن تتلدّد وتُراوح تحت يافطة " الحوار الوطني " مُستعملة نفس تكتيكاتهم لمواصلة الهيمنة على السّلطة ، ديدنها في ذلك كافّة تلك الصّفات المُميّزة وعلى رأسها " الشّرعية الشّعبية " الّتي ظفرت بها بواسطة الانتخابات المهزلة .

هكذا حوّلت الجبهة الشعبية وجهتها السّياسية من " حماية الثّورة " مع حركة النهضة الرّجعية العميلة ، إلى " إنقاذها " مع حزب نداء تونس الرّجعي العميل أيضا ، وتضرب بعرض الحائط افتراءاتها السّياسية المُتظاهرة بعدم الاصطفاف وراء قُطبي الاستقطاب النهضة والنداء ، لتجد مكوّناتها تُراوح بين اليمين واليمين ، بين أحضان رجعيتين عميلتين مُتلحفتين بالدين والحداثة ، ومزركشتين بديمقراطية الفرانسيس والأمريكان ، ومُحلاّتين بمذاق " ثورة " لم ترى النّور بعد ، في مشهد انقلابي زائف على إرادة الجماهير الشّعبية التّواقة للحرّية وللانعتاق الاجتماعي ، تلك الجماهير الّتي انتفضت تاريخيا على جلاّديها مع مرور الأزمان ، تلك الجماهير الّتي طردت رأس نظام العمالة بن علي وزبانيته بفضل انتفاضتها ضدّ نظام حكمه في 17 ديسمبر 2010 ، والّتي وقع قبرها عبر مسار التفافي مُحكم التّنظيم من الدّوائر الإمبريالية وأجهزتها المخابرتية وعملائها المحلّيين ومن دار في فلكهم ، مرورا باعتصام القصبة 1 و 2 ، إلى " المجلس الوطني لحماية الثّورة " ، إلى هيئة بن عاشور ، إلى حكومة " فيلتمان " السبسي ، إلى انتخابات 23 أكتوبر المهزلة ، إلى حكم الترويكا بقيادة حركة النهضة العميلة ، إلى الوفاق الطّبقي و "الحوار الوطني " لتثبيت العملاء الجدد ، إلى " جبهة الإنقاذ الوطني " ، إلى " حوار " مُعطّل بين الفرقاء السّياسيين حول الغنيمة على قاعدة " خارطة طريق " الرّباعي ، إلى توليفة سياسية جديدة مُنتظرة في قادم الأيّام للائتلاف الطّبقي الرّجعي العميل ، والّذي سيكون حسب المؤشّرات ، زواج طبيعي تقليدي بين حرس النّظام القديم مع حرس النّظام الجديد على حساب رقاب أبناء الشّعب المضطهد .

خــاتمــة :

أثبتت الأحداث والوقائع أنّه بعد مُرور قُرابة الثّلاث سنوات على انتفاضة 17 ديسمبر 2010 المجيدة ، انكشف أمام جماهير شعبنا زيف المؤامرة لما اطلق على تسميته " ثورة الحرّية والكرامة " ومُختلف التّسميات الأخرى ، كما انكشف الموقع الحقيقي للانتهازيين وللإصلاحيين داخل " الجبهة الشعبية " من دائرة الصّراع الطّبقي الدّائر رحاه في تونس شبه المُستعمرة شبه الإقطاعية . فلقد تبيّن أنّ انتفاضة 17 ديسمبر لا يُمكن اعتبارها سوى محطّة نضالية بارزة ومُضيئة في الصّراع ضدّ الإمبريالية وعملائها المحلّيين مهما تبدّلت أو تغيّرت جلدتهم . وسقطت بذلك مقولة " الثّورة " و " استكمال وتحقيق أهدافها " و " تصحيح مسارها " في مُختلف المؤسّسات الرّسمية الّتي أنشأت للغرض ، وفي مُختلف الجبهات أو التّجمّعات السّياسية الّتي تبنّت ذلك بما فيها " الجبهة الشعبية لتحقيق أهداف الثّورة " . وهو ما يعكس الانخراط السّياسي الواعي لمُختلف مكوّنات تلك الجبهة في ركاب أعداء تطلّعات الشّعب المُضطهد في الحرّية والكرامة الوطنية وعلى رأسه عمّاله وفلاّحيه الفقراء .

فتأسيس " الجبهة الشعبية " على قاعدة " الحدّ الأدنى السّياسي والوطني " بما يتطلّبه من ضبط لأهدافها ووسائل تحقيقها ، جعلها حسب ما ثبُت من المسار الّذي انخرطت فيه ، أن تسقط في النّهاية ضمن قُطبي الصّراع على السّلطة – الّذي طالما حذّرتنا منه - الدّائر رحاه بين الرّجعيتين العميلتين حركة النهضة ونداء تونس ، لترتهن وتصطفّ وراء هذا الأخير الّذي ارتأت فيه مصلحتها وموقعها المُريح . وبذلك وجدت نفسها خارج جبهة العداء للإمبريالية وما تتطلّبه من انخراط سياسي واسع للطّبقات المُضطهدة وعلى رأسها العمّال والفلاّحون الفقراء في مواجهة المشروع الإمبريالي الصّهيوني الخليجي التركي الإخواني في تونس وفي الوطن العربي ، بل بالعكس من ذلك فقد تهافتت على " الشّرعية الانتخابية " والمساهمة في تأسيس " مرحلة الانتقال الدّيمقراطي " الّذي يقتضي " التّداول السّلمي على السّلطة " . وساهمت من حيثُ تدري أو لا تدري في الالتفاف على المسار الثّوري لانتفاضة 17 ديسمبر 2010 ومن ورائه كافّة النّضالات والملاحم الشّعبية الّتي خاضها شعبنا البطل قبلها وبعدها ، لتسقط في الأخير بين أحضان مركز الاستقطاب الرّجعي العميل نظرا لتطابق وقُرب وتناغم المصالح الطّبقية حسب ما يُحدّده طبيعة تركيبتها السّياسية وموقعها الطّبقي ( بورجوازية صغيرة طامحة ) من الصّراع الطّبقي الدّائر رحاه بين الشّعب والإمبريالية ووكلائها المحلّين ، رغم ما تتغلّف به مكوّناتها من ثياب مُزيّفة ليست على مقاسها ، مُزيّنة بالتّبنّي وبالدّفاع عن مصالح الطّبقات المُضطهدة (بفتح الهاء) للشّعب التّونسي بعمّاله وفلاّحيه الفقراء ...

وباعتبار وأنّ مآل الصّراع الطّبقي يتطلّب وعيا شاملا بأصدقاء الشّعب وأعدائه في كافّة أبعاده ، فإنّنا لمسنا أنّ " الجبهة الشعبية " سعت لتوسيع " جبهة الأصدقاء " بفتح الباب على مصراعيه تحت يافطة " الحدّ الأدنى السّياسي والوطني " لتحقيق أهدافها المرحلية ، ليتبيّن بأنّهم " أصدقاء مُزيّفون ولا يُمكن أن يكونوا " أصدقاء للشّعب " ، فتحالف الجبهة مع أعدائه الطّبقيين القُدامى باسم " الدّيمقراطية والحداثة وحماية المكاسب ومقاومة الفاشية الدّينية ... " لا يُمكن أن تمرّ أو تنطلي على أبناء شعبنا الّذين ذاقوا منهم الويلات وصورا من الاستبداد والدكتاتورية والاستغلال والقهر الطّبقيين ما يؤلّف لأجله المُجلّدات التّاريخية . وتحت مُبرّرات اختلال موازين القوى وعدم قُدرتها على خوض الصّراع بمفردها ضدّ الترويكا الحاكمة بقيادة حركة النهضة الرّجعية العميلة حليفة الأمس القريب ، تُمكّن الجبهة تلك القوى السّياسية الرّجعية العميلة أيضا ( حركة نداء تونس ... ) من القيادة والسّيطرة تحت جبّة " جبهة الإنقاذ الوطني " .

فحركة النهضة قطعت أشواطا كبيرة في السّيطرة على دواليب الحكم والانفراد به خلال " المرحلة التّأسيسية " مُرتكزة فيها على " الشّرعية الشّعبية " الّتي اكتسبتها بفضل انتخابات 23 أكتوبر 2011 ، و على " مدنيتها وديمقراطيتها ووطنيتها وثوريتها " المُكتسبة من " هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحرّيات " ومن " المجلس الوطني لحماية الثّورة " ... ، وبالتّالي لا يُمكن أن تكون " الجبهة الشعبية " ذات مصلحة في هزم " حُلفائها " وانتزاع السّلطة منها لصالح الطّبقات المُضطهدة (بفتح الهاء) . فترويج مقُولة " الثّورة " من طرفها لا يُمكن وضعه إلاّ خارج دائرة الإطار الوطني والاجتماعي في علاقة بالصّراع ضدّ الإمبريالية ووكلائها المحلّيين ، فهذه الجبهة انخرطت بكامل الوعي في الالتفاف على المسار الثّوري لانتفاضة 17 ديسمبر وقبره ، تلك الانتفاضة الّتي رُسمت بدماء وجراح ونضالات الجماهير الكادحة المُتراكمة منذ سنين طويلة ، وهو ما جعل دوائر رأس المال العالمية تُدرك بأنّ مصالحها ووجودها وتربّعها على ثروات تونس منذ زمن بعيد أصبح مُهدّدا ، وهو ما دفعها للعمل بكلّ إمكانياتها المادّية الكبيرة للمناورة وللالتفاف عليها ، والعمل على إعادة تثبيت عملائها على رأس السّلطة ولو بتغيير شكلهم السّياسي في سبل المُحافظة على مصالحها الحيوية وخاصّة منها الإستراتيجية .

فـ " الجبهة الشعبية " ساهمت من موقعها الطّبقي كتعبيرة بورجوازية صغيرة حالمة وطامحة ، متميّزة بالتّذبذب والتّردّد ، وهو ما جعلها تلعب دور تزييف الواقع وإيهام الجماهير المُنتفضة على جلاّديها بتقديمها لهم انتفاضة 17 ديسمبر في شكل " ثورة " ساهمت في تحويل وُجهتها نحو مؤسّسات سياسية وتشريعية سُرعان ما ابتلعتها وطمستها ، من " المجلس الوطني لحماية الثّورة " إلى " الهيئة العُليا لتحقيق أهداف الثّورة والإصلاح السّياسي والانتقال الدّيمقراطي " إلى " المجلس الوطني التّأسيسي " عبر انتخابات 23 أكتوبر 2011 ، إلى " الحوار الوطني " في نُسخه المُتعدّدة والمُتكرّرة بإشراف البيروقراطية النّقابية للإتحاد العام التّونسي للشّغل واتّحاد الأعراف ( الّتي تبحث لها عن موقع جديد ومُريح ضمن الائتلاف الطبقي الحاكم الرّجعي العميل في ثوبه الجديد )، وإعادة إنتاج نفس نظام العمالة على قاعدة الولاء لدوائر رأس المالي العالمية وصناديق النّهب الدّولية ، وعلى قاعدة الوفاق الطّبقي بين المُضطهدين (بكسر الهاء) والمُضطهدين (بفتح الهاء) ، وذلك بالطّرق المدنية والسّلمية الّتي لا ولن يكون سقفها سوى العملية الانتخابية الّتي أصبحت الوسيلة والغاية لكلّ التّقاطعات والتّحالفات المُمكنة على حساب الجماهير المُنتفضة توقا للحرّية وللكرامة الوطنية ...
وسعت الجبهة بذلك في التّسريع بـ " المرحلة الانتقالية " لنظام العمالة ، وبالتّحالف مع نداء تونس في " جبهة الإنقاذ الوطني " تحت عناوين الدّفاع عن " مدنية الدّولة " و " الحقوق والحرّيات " ... ، مُتماهية طبقيا في هذا المشروع ، ومُتناسية ( خاصّة مكوّناتها الّتي تُنظّر صباحا مساء للدّيمقراطية الشّعبية ) أنّ الدّيمقراطية ما هي إلاّ الإطار الاجتماعي والسّياسي لحكم وسُلطة رأس المال . فخوفها على الحرّيات ومدنية الدّولة والمساواة والعدالة الاجتماعية وغيرها من القضايا ...جعلها تسقُط مُدوّية في ديمقراطية رأس المال .

ولئن كانت الدّيمقراطية ضرورة مُلحّة تاريخيا خاصّة في المُجتمعات شبه المُستعمرة وشبه الإقطاعية كالمُجتمع التّونسي للقضاء على الإقطاع وبقاياه ، فإنّ تحقيقها ليس سوى حُلم ووهم بورجوازي صغير تترجم لدى " الجبهة الشعبية " وغيرها من الجبهات والأحزاب والمُنظّمات ... ، باعتبار وأنّ الإمبريالية وحركة رأسمالها المُتميّزة بالاستغلال الوحشي لقوّة العمل أينما وجدته وأدركته ، تُخضع كُلّيا البلدان المُستعمرة وشبه المُستعمرة وشبه الإقطاعية لاحتياجات حركة وتراكم رأسمالها . وعلى هذا الأساس ، فإنّ " الدّيمقراطية المنشُودة " في تونس لا يُمكن أن تكون سوى " ديمقراطية " الائتلاف الطّبقي الحاكم الرّجعي العميل ومن لفّ لفّه ، والّذي يدور في فلك رأس المال المالي المُعولم الّذي لا يُمكن أن يستمرّ سوى بدعمه للأنظمة الرّجعية العميلة الدّكتاتورية المُستبدّة ولو غلّفها مرحليا برداء " ديمقراطي " كالّذي يحدث في تونس ومصر واليمن والمغرب ...

فالائتلاف الطّبقي الحاكم الرّجعي العميل في ثوبه الجديد في تونس ، لا يُمكن له أن يحكم إلاّ بالمُحافظة على سُلطة رأس المال واستثماراته القائمة على الاستغلال الوحشي لقوّة العمل للطّبقة العاملة والفلاّحين الفقراء وسائر الكادحين من أبناء شعبنا الكادح , فكلّ من يُراهن على الدّيمقراطية في ظلّ سيطرة الإمبريالية ووكلائها المحلّيين فهو حالم وواهم . فعلى الرّغم من وجود سقف مُعيّن أحيانا من " الحرّيات " تسمح به دوائر رأس المال لتثبيت نفسها ولا يُعيق احتكاراتها ونهب خيرات الشّعوب ، نجدها تواصل تعزيز سيطرتها الطّبقية على العلاقات الاقتصادية مع تركها لمجال من " الفُسحة الدّيمقراطية " للشّعوب الرّازحة تحت نير استغلالها ، وعلى هذا الأساس صفّق الكنغرس الأمريكي ووقف " احتراما وإجلالا " لـ " ثورة الحرّية والكرامة " في تونس ، ويحلو للفرنسيين تسميتها بـ " ثورة الياسمين " ( باعتبار وأنّها لم تقم على قاعدة العنف الثّوري المنظّم الّذي يدكّ أركان النّظام القديم ) ، فالإمبريالية تتقن جيّدا اختيار مفرداتها وتسمية الأشياء بمسمياتها لتطويعها لمصالحها .

فـ " الجبهة الشعبية " تمحورت نضالاتها حول الائتلاف الطّبقي الحاكم الرّجعي العميل والدّائرين في فلكه منذ نشأتها ، ونجحت مرحليا في جرّ بعض الأطراف المُدّعية للوطنية والدّيمقراطية والثّورية المُتبنّية في أطروحاتها السّياسية لقضايا الطّبقة العاملة ، واستنزفت طاقاتها وذيّلتها لأطروحاتها الإصلاحية ، وسلكت طريقا محفُوفا بالتّردّد والتّذبذب لتجد نفسها في آخر المشوار تلعب في دائرة " الشّرعية " لنظام العمالة الّذي دعّمته بالتّحالف مع حركة نداء تونس وغيره في " جبهة الإنقاذ الوطني " ، لتُصبح شريكا فعليا في إدارة أزمته الخانقة باستعمال كافّة المساحيق الدّيمقراطية الّتي لن تصمد طويلا أمام خياراته الاقتصادية والاجتماعية المُعادية لطُموحات شعبنا في الحرّية والانعتاق الاجتماعي . وها هي الآن مُنخرطة للنّخاع في حوار لإنقاذ النّظام من أزمته المُستفحلة المُرتبطة آليا وأساسا بالأزمة الاقتصادية الدّورية للإمبريالية الّتي شهدها العالم منذ سنة 2008 ، والّتي لا تزال تداعياتها وانعكاساتها السّلبية قائمة ، وتدفع فاتورتها الباهظة الثّمن الطّبقات المُضطهدة (بفتح الهاء) والمسحوقة من جماهير العمّال والفلاّحين الفقراء ...

وبالتّالي فإنّ تبنّي " الجبهة الشعبية " شعار الدّيمقراطية في مرحلة النّضال ضدّ الإمبريالية ووكلائها المحلّيين ، وتظاهرها بالدّفاع عن مصالح الطّبقات الكادحة والفقيرة لا يُعدُّ إلاّ ذرّا للرّماد في العيون في اتّجاه مُحاولة استمالتهم لصالحها كأوراق انتخابية . فالتّوجّه " الدّيمقراطي " الملغوم حاليا في تونس ، لا يخدم سوى نظام العمالة على حساب الطّبقات الكادحة والمُستغلّة (بفتح اللاّم) ، ولا يُمكن أن يُدافع على مصالح العُمّال والفلاّحين الفقراء وعُمُوم الكادحين سوى الدّيمقراطية الشّعبية بمضمونها الطّبقي وفي تعارضها الصّريح مع مصالح رأس المال وليس بإشرافه كما قع حاليا من " رعاية " لحوار ملغوم من طرف أرباب العمل المُمثّلين في اتّحاد الصّناعة والتّجارة والصّناعات التّقليدية ، وبانخراط من البيروقراطية النّقابية للإتّحاد العام التّونسي للشغل كـ " مُمثّل للعُمّال والشغّالين " ، ورابطة حقوق الإنسان وهيئة المُحامين ، و " جبهة الإنقاذ الوطني " والترويكا الحاكمة والأحزاب القريبة منها المُمثّلة في " المجلس الوطني التّأسيسي " ... في غياب رسمي للشّعب الكادح الّذي يرزح تحت الفقر والتّهميش ، وغلاء الأسعار وضُعف قُدرته الشّرائية ، وتحت نير الإرهاب والجريمة المُنظّمين ، وسياسة التّجهيل المُمنهج ...

فأن " ينجح " هذا " الحوار الوطني " في تحقيق نقاط " خارطة الطّريق " للرّباعي الرّاعي له ، من تغيير في الحكومة والانتهاء من صياغة وكتابة الدّستور وتحديد سقف للانتخابات القادمة ، وفصل السّلطات و " تحييدها " ، لا يعني بالمرّة الطّبقة العاملة والفلاّحين الفُقراء وعُمُوم الكادحين والجماهير المُنتفضة على جلاّديها في شيء ،بل سيقُوم بترميم نظام العمالة وتسهيل مواصلة سيطرته الطّبقية على المُجتمع . فمن كان محكوما بتحالفات " هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحرّيات " ، و " المجلس الوطني لحماية الثّورة " ، وهيئة بن عاشور ، وشرعية انتخابات 23 أكتوبر للمجلس المهزلة ، لا يمكن أن يكون إلاّ مُلتفّا على المسار الثّوري لانتفاضة 17 ديسمبر المجيدة ومُشاركا في المؤامرة على الشّعب باسم " الثّورة " ، ومُسوّق للوهم الدّيمقراطي الزّائف الّذي كُشفت عورته أمام جماهير شعبنا المُناضل التّوّاق للحرّية . هذا الوهم الّذي قاد ولا يزال مكوّنات " الجبهة الشعبية " الّتي لن يتجاوز أُفُقها السّياسي سوى تحسين شروط الاستغلال ، وشروط المُشاركة في الانتخابات القادمة ولو تحلّت ولبست جُبّة " الثّورة " ولهثت وراء سرابها ولو إلى حين .

فالمسار الثّوري لانتفاضة 17 ديسمبر المجيدة لا يُمكن أن يخرج عن دائرة أولوية حلّ المسألة الوطنية المرتبط أساسا بالنّضال ضدّ الإمبريالية وعملائها المحلّيين ، على قاعدة شعارها المركزي " الشّعب يُريد إسقاط النّظام " ، الّذي لن يكون إلاّ بتجمّع ووحدة كافّة القوى الوطنية والدّيمقراطية الثّورية في إطار جبهة وطنية ديمقراطية شعبية ، تعمل صفّا واحدا لتحقيق مطالب الشّعب في الحُرّية والكرامة الوطنية .
هذه القوى الّتي طال سُياتها ولم تخرج بعدُ من سلبيتها المقيتة ، مدعُوّة وبإلحاح لطرح بدائلها للشّعب الكادح ، والنّضال بكلّ الوسائل المُتاحة حيثُ توجد الجماهير وُفقا لبرنامج وطني ثوري ينتصر للكادحين .


المصـــادر والمـــراجع المُعتمدة :

(1) – بيان " جبهة 14 جانفي " 26/01/2011
(2) " المجلس الوطني لحماية الثّورة " – بلاغ إعلامي بتاريخ 11 فيفري 2011
(3) نصّ " الحركات الدّينية وطنية أم عميلة للإمبريالية ؟ "
(4) بيان " الجبهة الشعبية 14 جانفي " بتاريخ 18 مارس 2012
(5) نداء " الجبهة الشعبية "
(6) مشروع الأرضية السّياسية للجبهة الشعبية لتحقيق أهداف الثّورة
(7) بيان " الجبهة الشعبية " بتاريخ 11 ديسمبر 2012
(8) بيان " الجبهة الشعبية " بتاريخ 07 فيفري 2013
(9) المبادرة السّياسية للجبهة الشعبية بتاريخ 23 فيفري 2013
(10) ورقة عمل الجبهة الشعبية للجلسة الثّانية للحوار الوطني بتاريخ 16 ماي 2013
(11) بيان " الاتحاد من أجل تونس " بتاريخ 21 فيفري 2013
(12) المبادرة السّياسية للجبهة الشعبية " من أجل تشكيل ائتلاف وطني واسع "
(13) " الجبهة الشعبية ونداء الوطن " الأستاذ منصف القابسي بتاريخ 30 أكتوبر 2013 – صفحة الإعلام بالفايسبوك للحزب الوطني الاشتراكي الثّوري(الوطد)
(14) البلاغ الصّحفي للجبهة الشعبية بتاريخ 21 جوان 2013
(15) بيان " الجبهة الشعبية " 01 جوان 2013
(16) بيان " الاتحاد من أجل تونس " بتاريخ 06 جوان 2013
(17) بيان " الجبهة الشعبية " بتاريخ 04 جويلية 2013
(18) بيان " اللّقاء التّشاوري " بتاريخ 09 جويلية 2013
(19) بيان " الجبهة الشعبية " ( نداء للشّعب ) بتاريخ 25 جويلية 2013
(20) بيان " حركة نداء تونس " بتاريخ 26 جويلية 2013
(21) بيان " حركة نداء تونس " بتاريخ 21 فيفري 2013
(22) بيان " الجبهة الشعبية " : ( الذّكرى 56 لإعلان الجمهورية : لتكن مناسبة لتصعيد النّضال من أجل الدّيمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة الوطنية ) بتاريخ 25 جويلية 2013
(23) بيان " الجبهة الشعبية " إثر اغتيال شهيد الجمهورية الأخ والرّفيق محمد البراهمي – بتاريخ 25 جويلية 2013
(24) بيان الإعلان عن تأسيس " جبهة الإنقاذ الوطني " بتاريخ 26 جويلية 2013
(25) بيان " لا لتدجين الجبهة الشعبية " بإمضاء " الجبهة الشعبية ( التّيّار الوطني ) " بتاريخ 06 أوت 2013 .
(26) بيان تأسيس " تنسيقية جبهة الإنقاذ الوطني بأريانة " بتاريخ 03 أوت 2013 .
(27) نصّ الحزب الوطني الاشتراكي الثّوري(الوطد) بعنوان : " ضدّ الإصلاحية والدّيماغوجية : ردّ على سمير حمودة وعلي البعزاوي ومن ورائهما حزب العمّال " – الحوار المُتمدّن العدد 4262 بتاريخ 01 نوفمبر 2013 .
(28) بيان تأسيس " تنسقية جبهة الإنقاذ الوطني ببن عروس " بتاريخ 30 جويلية 2013 .
(29) بيان " لا للانتهازية – بيان حول الأخطاء السّياسية للجبهة الشّعبية وأسباب انسحابنا منها " – صفحة الفايسبوك لحزب النّضال التّقدّمي – بتاريخ 28 أكتوبر 2013 .
(30) بيان 16 أوت 2013 مُمضى من سبعة أطراف سياسية (الحزب الوطني الاشتراكي الثّوري(الوطد)-حزب الكادحين-أنصار الدّيمقراطية الجديدة-القوّة العُمّالية لانتصار الشّعب-رابطة النّضال الشّباب-الوطنيون الدّيمقراطيون ) .
(31) بيان 06 أكتوبر 2013 مُمضى من سبعة أطراف سياسية (الحزب الوطني الاشتراكي الثّوري(الوطد)-حزب الكادحين-أنصار الدّيمقراطية الجديدة-القوّة العُمّالية لانتصار الشّعب-رابطة النّضال الشّباب-الوطنيون الدّيمقراطيون ) .

(32) بيان الحزب الوطني الاشتراكي الثّور(الوطد) بمُناسبة الذّكرى الأولى لتأسيسه بعنوان : " لا بديل عن خطّ الصّراع والنّضال الوطني والأمم من أجل تحقيق التّحرّر الوطني الدّيمقراطي والاشتراكية العلمية والأُممية العُمّالية " بتاريخ 04 سبتمبر 2013 .

(33) انظر تعليق (Weled Zohra Harroum) في الفايسبوك تحت عنوان " إلى رفاقي الجبهاويين ، أيّا كان عنوانهم الحزبي ... " بعد مقابلة الناطق الرسمي للجبهة الشعبية للرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بتارخ 05/07/20123 .
(34) " العقد الاجتماعي " بين الحكومة التّونسية والاتّحاد العام التّونسي للشّغل والاتّحاد التّونس للصّناعة والتّجارة ، مُمضى بتاريخ 14 جانفي 2013 .
(35) بيان " جبهة الإنقاذ الوطني " بتارخ 19 أوت 2013 .
(36) مقتطف من كلمة الباجي قايد السبسي باسم " جبهة الإنقاذ الوطني " يوم 07 سبتمبر 2013 بمناسبة أربعينية الشهيد محمد البراهمي في ساحة " اعتصام الرحيل " بباردو



#الأسعد_سائحي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دفاعا عن * الجبهة الوطنية الدّيمقراطية الشّعبية * من خلال ال ...
- الأرضية السياسية - للجبهة الشعبية - واللّهث وراء سراب - الثّ ...


المزيد.....




- كيف تمكنّت -الجدة جوي- ذات الـ 94 عامًا من السفر حول العالم ...
- طالب ينقذ حافلة مدرسية من حادث مروري بعد تعرض السائقة لوعكة ...
- مصر.. اللواء عباس كامل في إسرائيل ومسؤول يوضح لـCNN السبب
- الرئيس الصيني يدعو الولايات المتحدة للشراكة لا الخصومة
- ألمانيا: -الكشف عن حالات التجسس الأخيرة بفضل تعزيز الحماية ا ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تدعم استقلال تايوان
- انفجار هائل يكشف عن نوع نادر من النجوم لم يسبق له مثيل خارج ...
- مجموعة قوات -شمال- الروسية ستحرّر خاركوف. ما الخطة؟
- غضب الشباب المناهض لإسرائيل يعصف بجامعات أميركا
- ما مصير الجولة الثانية من اللعبة البريطانية الكبيرة؟


المزيد.....

- عندما تنقلب السلحفاة على ظهرها / عبدالرزاق دحنون
- إعادة بناء المادية التاريخية - جورج لارين ( الكتاب كاملا ) / ترجمة سعيد العليمى
- معركة من أجل الدولة ومحاولة الانقلاب على جورج حاوي / محمد علي مقلد
- الحزب الشيوعي العراقي... وأزمة الهوية الايديولوجية..! مقاربة ... / فارس كمال نظمي
- التوتاليتاريا مرض الأحزاب العربية / محمد علي مقلد
- الطريق الروسى الى الاشتراكية / يوجين فارغا
- الشيوعيون في مصر المعاصرة / طارق المهدوي
- الطبقة الجديدة – ميلوفان ديلاس , مهداة إلى -روح- -الرفيق- في ... / مازن كم الماز
- نحو أساس فلسفي للنظام الاقتصادي الإسلامي / د.عمار مجيد كاظم
- في نقد الحاجة الى ماركس / دكتور سالم حميش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - الأسعد سائحي - تونس - - الجبهة الشعبية - من حماية - الثّورة - مع النهضة إلى إنقاذها مع نداء تونس