رامي عبد السلام التّلغ
الحوار المتمدن-العدد: 4266 - 2013 / 11 / 5 - 19:44
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أغلقت أبواب وزارة حقوق الإنسان و آنتهى الحوار الوطني بالفشل و كال كلاهما التّهم للآخر في مشهد محيل على مراهقة سياسيّة متأخّرة لكن هذا الفشل حسب رأينا كان متوقّعًا و ذلك لأسباب متعدّدة و شديدة العمق منها ماهو مرتبط بالظّرف الدّاخلي و منه ماهو على صلة بالسّياق الإقليمي ..
نلاحظ أنّ الشّارع التّونسي مصاب بخيبة أمل تجاه ماهو سياسي و ماهو شأن عام ذلك نتيجة لإرسال النّخب السياسيّة لرسائل مُغرقة في السّلبية إليه ما جعله متخلّي و عازف حتى عن مجرّد الخوض في هذا المجال و هذا إحدى أسباب فشل الحوار و عدم جدّيته لأنّه لم يواجه ضغط شعبي مُعتبر يدافع عن مصالحه الإجتماعيّة و الإقتصادية ما عدا بعض الآلاف المتحزّبة الّتي تسعى لترجيح كفّة على أخرى لإعتبارات إيديولوجيّة سياسيويّة بحتة ما حوّل مائدة الحوار إلى مسرحًا للمزايدة السّياسية الفجّة و للحسابات الإنتخابيّة العاجلة و الآجلة .
كما لا يمكن إهمال في نفس هذا السّياق معطى تاريخي مهمّ جدّا في نظرنا هو ضعف الثقافة الدّيمقراطيّة عند أغلب الطّيف السّياسي الّذي للأسف لازال بصدد تصفية حسابات الإجتماعات العامّة بالجامعة و لكي لا يكون كلامنا مغرق في الإطلاقيّة يمكننا أن ننزّل رافد يثبت هذه الأطروحة متمثّل في تجذّر مفهوم القيادة التّاريخيّة في تونس و هو مفهوم كارثي بآمتياز يدفع نحو التعامل مع الحزب السياسي بمنطق الملكيّة الخاصّة و الرّأي الواحد بتبريرات عقدية و هو شأن الجماعة الإسلاميّة الّتي تولّي أمرها للقائد المعصوم العارف بكلّ الأمور أو تحت مصوّغ الشرعيّة النضاليّة (أي أنّ القيادة تأول للأكثر نضاليّة و تقاس عادة بسنوات السّجن أو قساوة التّعذيب .. ) و لا مجال للحديث عن معيار الكفاءة أو الإجماع الّذي عادة أن يكون تامًّا إذ لا مجال للمعارضة بالتّالي التّزكية فهذا المناخ إذن لا يساعد على توفّر أرضيّة صلبة للحوار الرّصين و المتحضّر الّذي يمكن أن ننتظر منه نتائج ملموسة.
يعود كذلك فشل الحوار إلى غياب الشّباب عن ساحة الفعل السّياسي إذ سلّمت هذه الفئة فتيل الفعل "للقيادات التّاريخيّة" بعد أن أُغتيل الفعل الثوري بعد 14 جانفي 2011 ليتحوّل إلى سياق سياسي دون مقوّمات التغيير المتمثّلة في شلّ أدوات حكم الرّئيس السّابق بقوّة الشّارع لكي لا يواجها بعدها التغيير مطبّات الدّولة العميقة القاتلة و آكتفت هذه الفئة العمريّة إمّا بالتّجاهل و اليأس لما آلت إليه الأمور و هو ما عبّرت عنه نسب الهجرة الغير شرعيّة المتنامية و آثر بعضهم الإندماج في المنظومة السّياسيّة طمعا لتقلّد مناصب مستقبلاً أو أملاً في التغيير من الدّاخل أو إيمان إيديولوجي أعمى لذلك لم تفرز الثورة قياداتها السياسيّة و هو راجع حقيقة لسياسة تجفيف المنابع التي آعتمدها بن علي لقطع الطّريق أمام أيّ محاولة لزعزعة عرشه لذلك و للأسف الجانب الثقافي فلا أحد منًّا ينكر أنّ المطلبيّة كانت إقتصاديّة إجتماعيّة بآمتياز خالية من أيّ قاعدة ثقافيّة تبني للفعل الثّوري و تقدّم على أساسه بدائل سياسيّة بالأساس ..
لا يمكن ختامًا إهمال الجانب الدّولي في فشل هذا الحوار و هو مواصلة تعويل دوائر القرار العالمي التعويل على الإخوان في تونس إلى أن يفشل جنيف 2 يضرب بشار خصومه بالضّربة القاضية ! وقتها عادي جدّاً أن نرى جون كيري يبارك أي تغيير و يقدّم له يده كما تخلّوْا سابقا عن صديقهم الوفيّ بن علي و بكلّ سهولة كما يقول المثل الشّعبي في الجنوب التّونسي )(من يعوّل على أمريكا كغطاء يبيت في العراء
لأكون أكثر وضوحًا و أتخلّى عن تحفّظي الّذي يفرضه المقام اليوم أغلب الأحزاب في تونس تحت الطّلب الأمريكي ما عدا و أعلنها صراحة التيار القومي غير المنضوي في الجبهة الشّعبيّة و التّحالف الدّيمقراطي و هو ما يفسّر إهمال السّفير الأمريكي لهم .. لا تنسوْا مؤشّر مهمّ و هو تمديد رئيس الجمهورية لحالة الطوارئ صبيحة هذا اليوم و هو أخطر ممّا يتوقّع البعض .. بالتّالي للأسف فإنّ الشّعب اليوم أصبح خارج معادلة الفعل فقط مفعول به إلى أن يأتي ما يخالف ذلك
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟