كتاب جديد لفريد العليبي

محمد الصغير الحمدى

الحوار المتمدن-العدد: 4266 - 2013 / 11 / 5 - 16:08
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    

لا يزال الدكتور فريد العليبي أستاذ الفلسفة بالجامعة التونسية منهمكا في اغناء المكتبة العربية بمؤلفات تندرج ضمن محاولة فتح عين القارئ على قضايا راهنة يتطلب حلها الفهم و المساءلة إلى جانب كونها تعتمد الرصانة الأكاديمية والدقة العلمية فبعد كتابيه السابقين : رؤية ابن رشد السياسية الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية / بيروت لبنان ، و تونس الانتفاضة و الثورة الصادر عن دار نهى / صفاقس ـ تونس ، يأتي كتابه الجديد المخاتلة في الدين والسياسة الصادر عن نفس الدار لينضاف إلى هذا التمشي الفلسفي.
يتميز كاتبنا بحرارة التجربة ودفء الالتزام وعمق البحث فيعرض للوقائع التاريخية المستجدة غداة انتفاضة 17 ديسمبر في تونس و ما رافقها من تحولات مستنطقا المصطلحات و المفاهيم و النظريات ، و خاصة مصطلح الربيع العربي و مفاهيم الثورة و الانتفاضة ، في نفس الوقت الذي ينحت فيه مفهوما جديدا ، هو مفهوم المخاتلة و تجلياته في الدين و السياسة ، خلال هذه الفترة المضطربة من تاريخ تونس و الوطن العربي .
و هو يعتمد على صعيد المنهج الماديتين التاريخية و الديالكتيكية من خلال قراءة الانتفاضات العربية على ضوء التناقض بين الطبقات ، و التناقض بين الأمة العربية و الامبريالية العالمية ، و الصراع بين الامبرياليات المختلفة على الثروات في منطقة تعد خزان العالم للمحروقات ، إضافة إلى ربط تراكم الأحداث الجارية بالتشكيلة الاجتماعية السائدة و الكوابح التي تعرقل تطورها ، دون إغفال العلاقة بين البنى الطبقية سواء كانت اقتصادية او إيديولوجية .
يرى المؤلف أن ما حصل في تونس يجد جذوره العميقة في كفاح الشعب اى انه لم يكن إلا حلقة أخرى ضمن سلسلة طويلة من المقاومة المتراكمة عبر السنين و إذا كانت تلك المقاومة قد فشلت حتى الآن في تحقيق أهدافها فظلت البنى الاقتصادية و الإيديولوجية جوهريا على حالها فإن ذلك يعود إلى جملة من الأسباب التي حاول رصدها و إبرازها لينبه الكادحين الذين أهدى إليهم كتابه إلى الدروس المستفادة من الانتفاضة الأخيرة التي يتوجب هضمها و استيعابها حتى لا تتكرر الهزائم في المستقبل فتتناوب التراجيديا و الكوميديا في مجال السياسة التونسية و العربية و يسود الركود التاريخي و كأنه قضاء مبرم .
و عندما ساءل مصطلح الربيع العربي حاول المؤلف الوقوف على خلفيات انتشاره و تتبع مسارات استعماله من زاوية نقدية كما لجا إلى المقارنة بين تجلياته العربية و استعمال ما يشبهه من توصيفات لفهم تجليات تاريخية مماثلة له في بلدان أخرى مثل ربيع الشعوب الأوربية (أوربا الغربية) و ربيع أوربا الشرقية و ربيع تيان ان مين (الصين ( كاشفا الغطاء عنه .
أما أثناء تناوله لمفهوم المخاتلة فقد حاول تسييج تمظهراتها و تبين دلالتها العميقة في الدين و السياسة ، فالانتفاضات العربية رافقها كم هائل من التضليل الايديولوجى الذي وجد في وسائل الاتصال الحديثة أرضا خصبة لانتشاره الواسع ، فتم قصف العقول و السيطرة على الأذهان بقلب الوقائع والأفكار و تحويلها إلى نقيضها و كان الهدف ترميم النظم السياسية القائمة بعد أن عصفت بها الانتفاضات الشعبية و بالتالي إنقاذها من مصيرها المحتوم .
و إذا كان الوضع بحسب العليبي قد ازداد سوءا مع مرور الأيام على مختلف الأصعدة السياسية و الاقتصادية و الثقافية و غيرها فإن ذلك يعنى أن الأزمة المتفاقمة لم تحل بعد ، و هي تهدد بهزات أشد عنفا و عمقا فطريق الثورة لا يزال مفتوحا .
وكتاب الربيع العربي والمخاتلة في الدين والسياسة يزاوج بين الجانبين النظري و العملي فهو من زاوية الفلسفة السياسية يحاول تسييج وقائع الانتفاضات العربية بردها إلى عدة مفاهيمية و أطروحات نظرية ، أما من الزاوية العملية فهو يقدم ملامح أجوبة عن السؤال التاريخي للثورات و نعنى سؤال : ما العمل ؟ . لذا نلاحظ في الكتاب حضور مفهوم المخاتلة و قضايا الدين و السياسة و النقابة و الثقافة والمرأة .
و إذا كانت الامبريالية قد نجحت مرة أخرى في إجهاض الانتفاضات الشعبية العربية فإنها ا تحفر في الوقت ذاته قبرها كما يقول لعليبي و هي لا تجهل أن الشعوب تتعلم من أخطائها أكثر مما تتعلم من انتصاراتها ، وهكذا فإنه بالتوازى مع هزيمة الانتفاضة هناك السيرورة الثورية ، إذ يقول العليبي "وفي موازاة ذلك يستفيق الشعب مدركا أن الثورة لم تقع ويحاصر شيئا فشيئا الحكام الجدد بمطالبه التي لا تقبل التأجيل.."(ص58).
الربيع العربي والمخاتلة في الدين والسياسة لفريد لعليبي ، كتاب مفكر و ومناضل يخاطب الكادحين الرازحين تحت وطأة الاستعمار والاستغلال و القمع و الإذلال لكي يقول لهم إن تحرركم لن يكون في كل الأحوال إلا من صنعكم انتم أنفسكم و ان هذا التحرر يتطلب أولا التخلص من الأوهام التي يزرعها المخاتلون في أذهان ضحاياهم .

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات