أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية - فؤاد الصلاحي - الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟















المزيد.....



الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟


فؤاد الصلاحي
استاذ علم الاجتماع السياسي

(Fuad Alsalahi)


الحوار المتمدن-العدد: 4263 - 2013 / 11 / 2 - 23:30
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
    


الاسلاميين في اليمن:
براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي


مقدمة :
اتناول في هذه الدراسة واقع الحركة الاسلامية في اليمن في اطار تحليل لأنماط العلاقات والتفاعلات بينها وبين مختلف القوى السياسية والاجتماعية خاصة وأنها تتميز بنسج علاقات فاعلة مع القوى التقليدية مثل القبيلة ومع النظام السياسي الذي استفادت منه في توسيع حركتها والتغلغل الى مختلف مؤسسات الدولة مقابل شرعنة وجوده السياسي والاصطفاف معه في معارك متعددة خاضها النظام مع اطراف المعارضة العلمانية وقد سار نهج الاسلاميين في تجديد ادوات العمل السياسي وصولا الى عضويهم في تكتل سياسي لأحزاب المعارضة يضم الاسلاميين والاشتراكيين والقوميين وهو تكتل نوعي في الساحة اليمنية .
وقبل هذا نقدم رؤية تحليلية لمسار تشكل الاسلاميين في اليمن ودورهم السياسي والاجتماعي مع الاشارة الى طبيعة القاعدة الاجتماعية التي يعتمدون عليها وتنوعها وهذا كله يأتي في سياق تجديد وتطوير اليات العمل السياسي واستمرار الجمود العقائدي بل وتجميد ادلوجة الحزب لتتقدم خطوة في مجال البراجماتية السياسية خاصة في ما بعد 11 سبتمبر حيث فرضت عليها الاحداث استخدام خطاب منفتح ووسعت من علاقاتها مع مختلف الاطراف المجتمعية والحزبية ومع اطراف اقليمية ودولية من خلال السعي الحثيث للحوار معهم وواكب ذلك خطابا اعلاميا يعزز هذا الانفتاح مع بقاء ارئهم الثابتة حول المرأة ومدنية الدولة واعتبار الديمقراطية اليات واجراءات وليست منظومة متكاملة من القيم والثقافة والمؤسسات والاجراءات .
وللعلم فالإسلاميين في اليمن لم يعانوا من علاقاتهم بالنظام بل كانوا على ود طوال سنواته 33 الماضية عكس الاحزاب مثل الاشتراكي والقوميين ..وسمحت المتغيرات السياسية منذ عام 90 للإسلاميين بالعمل السياسي المباشر من خلال الانتخابات وكان لهم وجود كبير في البرلمان والمجالس المحلية مع الاشارة الى شراكتهم في السلطة من خلال ائتلاف ثناني وثلاثي وفقا لمتغيرات المشهد السياسي. ولعل تجربة الاسلاميين في اليمن تقدم اضافة في مسار العمل السياسي للاسلاميين في المنطقة العربية وفقا لخصوصية التجربة في اليمن ومسار تطور الدولة والمجتمع .
وتاخذ ظاهرة الاسلاميين اهمية علمية وعملية في آن واحد كونها تعبر عن حركة واسعة في الواقع السياسي وامتداداته اجتماعيا وثقافيا ويتسع تمددها وتغلغلها ليشمل الدولة والمجتمع وفق منظور توسعي من جانب ومحاولة للسيطرة من جانب اخر ..وهي ظاهرة لها سماتها العامة في عموم المنطقة العربية لكنها تحتفظ بخصوصية في كل بلد عربي وفقا لمعطيات المسار السياسي والاقتصادي والاجتماعي اي مسار التطور العام الذي يختلف وتتباين مظاهره بين مجتمع واخر .

مسار تشكل الاسلاميين في اليمن :
الحديث عن الاسلاميين في اليمن يقصد به الحديث عن حزب التجمع اليمني للاصلاح الذي تاسس في 13 سبتمبر 1990 بعد اربعة اشهر من اعلان الوحدة اليمنية فهو حصيلة تجميع للجماعةالاسلامية (الاخوان) مع حلفائها من مختلف القوى الاجتماعية (تجار، عسكر، قبائل، ،سلفيين) ثم اتسعت قاعدتهم الاجتماعية بين افراد الطبقة الوسطي وهم من ابناء الفلاحين(ابناء الريف) القادمين الى المدن من اجل التعليم والوظيفية الحكومية وكذلك الطلاب العائدين من البعثات التعليمية ومخرجات الجامعات والمعاهد المحلية ..وهنا تغلغل الاخوان في مختلف النقابات المهنية والجمعيات الخيرية لمزيد من استقطاب الشباب والانتشار في اوساط المجتمع . ويري بعض الباحثين ان التجمع اليمني للإصلاح تكون منذ الإعلان في المؤتمر العام الأول (1 ) من:
• الإخوان المسلمون أو بالأحرى التيار الإسلامي الذي يمثل حجر الزاوية.
• الجناح القبلي (رموز قبيلة حاشد- ثم امتدادها الى قبيلة بكيل ).
• مستقلون يمثلون مجموعات التجار والفئات الاجتماعية المختلفة، ومن التكنوقراط وحداثيين وليبراليين .

في هذا السياق يروي الشيخ عبد الله الاحمر في مذكراته) (2ان تاسيس حزب الاصلاح جاء بطلب من الرئيس على عبد الله صالح الذي اراد منه ان يكون واجهة سياسية معارضة للحزب الاشتراكي الشريك الثاني للمؤتمر والرئيسي اللذين اعلنا الوحدة . وبغض النظر عما أشار إليه الشيخ في مذكراته فقد كانت طبيعة المرحلة تدفع إلى تأسيس تجمع اسلامي تعبيرا عن رغبتهم التاريخية في تشكيل تنظيم سياسي خاصة وان الساحة اصبحت مفتوحة للتعدد الحزبي والسياسي وانهم لايريدون انفراد المؤتمر والاشتراكي بالدولة والمجتمع انطلاقا من كونها الحزبان الحاكمان للشطرين قبل الوحدة . وللعلم فان اول انتخابات تنافسية بعد الوحدة عام 93 اظهرت الاسلاميين كقوة سياسية كبيرة احتلت المرتبة الثانية من حيث عدد المقاعد البرلمانية .
إضافة إلى ماسبق من مبررات تاسيس حزب الاصلاح فان رغبة الشيخ الاحمر المحمومة في الحفاظ على تزعم اليمن الموحد تحت راية القبيلة "حاشد " والحفاظ على النفوذ المطلق في السلطة كانا عاملان اساسيان لدعم الشيخ تاسيس الحزب بل ويكون اول رئيس له مع ان القيادة التاريخية للاسلامين كانت من خارج البنية القبلية .
ومن هنا سنركز على خصوصية الاسلاميين في اليمن في اطار واقع قبلي وتجربة انفتاح سياسي (لا اقول تحول ديمقراطي ) لم تكتمل معالمها . كما ان الاسلاميين في اليمن على العكس من نظرائهم عربيا لم يكونوا في تعارض مع الدولة - النظام السياسي- بل كانوا متوافقين معها وفي علاقات تكامل وظيفي الامر الذي مكنهم من التمدد افقيا وعموديا داخل كل مؤسسات الدولة والمجتمع .
ومع ذلك لم يستفيدوا من هذا الوضع في تحديث افكارهم السياسية وبرامجهم بل ظلت حبيسة ايدولوجيا منغلقة مع مرونة ملفتة للاهتمام اعلاميا وسياسيا (مرونة ظرفية مؤقتة) حيث تحولت تحالفاتهم وتبدلت علاقاتهم السياسية اكثر من مرة ضمن لعبة توسيع التحالفات بينهم وبين القوى السياسية الحزبية والقوى القبلية استنادا الى تكتيك سياسي اعتمدو عليه وهو عدم الركون الى تحالفات استراتيجية مع النظام خاصة في مرحلتي السلال والحمدي في حين كانت تحالفاتهم استراتيجية مع نظام الرئيس صالح وهم كانوا يدركون اهمية النظام وتحالفاتهم معه لكن هذا الامر لم يمنعهم من تحالفات استراتيجية من المكون القبلي ) 3).
وهنا تبرز ملامح الاسلاميين في اليمن حيث نظرائهم في المحيط العربي يعملون في سياق مديني وفي داخل التنظيمات الحزبية والجمعوية في حين اسلاميوا اليمن يتحركون ضمن التجمعات القبلية والرموز الريفية لتشكل لهم سندا اجتماعيا .
الاصلاح كما جاء في المادة الاولى من نظامه الاساسي هو "تنظيم شعبي سياسي يسعى للاصلاح في جميع جوانب الحياة على اساس مبادئ الاسلام واحكامه وياخذ بكل الوسائل المشروعة لتحقيق اهدافه" . وكما جاء في مقدمة النظام الاساسي ..حزب لاصلاح "حركة اصلاحية يمنية جامعة تشكل امتدادا حيا لحركة التجديد والاصلاح الناهضة في تاريخنا الحديث وانه يشكل الوعاء التنظيمي لتيار الصحوة الاسلامية". ويري بعض قيادي الحزب ان الاعلان عن حزب الاصلاح جاء استجابة لضرورة شرعية ووطنية( 4 ).
وللعلم ظهر حزب الاصلاح بعد اعلان الوحدة وفي سياق محلي ودولي متغير وكان عليه ان يحسن التكيف مع المستجدات في الساحة محليا وخارجيا( 5) وفي مقدمتها التعددية الحزبية والسياسية ومتطلبات بناء الدولة الجديدة بكل ما تطرحه من اشكالات على مستوى التنظير الدستوري او الممارسة العملية . ويرى البعض من قيادي الاصلاح ان حزبهم قدم نموذج عقلاني في التعامل مع المتغيرات المحلية والدولية وان قياداته اظهرت قدرة سريعة في استيعاب التجربة الديمقراطية وانفتاح الحزب في خطابه وممارسته على هذا التحول .
فقد اسهم الاصلاح بصورة كبيرة ومتميزة في مجمل العمليات الانتخابية والسياسية منذ اعلان الوحدة وحتى اليوم وحاول ان يطور اجتهاداته تجاه قضايا المرأة ومشاركتها السياسية والتي لاتزال دون المستوى المطلوب منه. وطالب الاصلاح بالحوار من اجل الاصلاحات الدستورية بعد اعلان الوحدة خاصة تركيزه على المادة الثالثة((الاسلام مصدر رئيسي للتشريعات)) التي يراها اطارا مرجعيا للدولة والحكومة وفق مشروعه وادلوجته المعلنة وهو بذلك جعل من هذه المادة معركة اساسية حشد لها مسيرة مليونية عام 91 .
بحضور 1200 من المؤسسين يمثلون جميع المدن اليمنية اعلن تاسيس حزب الاصلاح كاطار تنظيمي وحزبي للاسلاميين يقوم على اساس منهج الاسلام الشامل باعتباره حركة اصلاح اجتماعي ،، ودعوة واحياء وتجديد فكري ،، وتنظيم سياسي شعبي يقوم على مبدا الشورى الملزمة ،، وياخذ بمنهج اليسر ويدعو الى التسامح ،،يجمع بين الاصالة والمعاصرة.: .هكذا يعرف الحزب نفسه في برنامجه وادبياته. ووفقا لحداثة نشأت حزب الاصلاح ذهب لتضخيم دوره وفاعليته من خلال ربطه بالحركات الاصلاحية والتجديدية منذ القرن التاسع عشر والقرن العشرين ((رموز الاصلاح والتجديد ابن الوزير، ابن الامير الصنعاني، الشوكاني ، المقبلي ، الشيخ الحكيمي ، البيحاني ، جماعة مجلة الحكمة ، الزبيري، حركة 48 )) لخلق سند تاريخي يعزز حضوره.
واذا كان الاسلاميون قد تبلورت مشاركتهم السياسية في مرحلة مابعد ثورات الربيع في تونس ومصر وليبيا فانهم في اليمن قد اندمجوا مع مشروعية العمل السياسي المعلن منذ عام 90 وكان لهم حضور قوى في الدورات الانتخابات البرلمانية والمحلية ومن ثم تفاعلوا مع المسألة الديمقراطية من زاوية التنافس على مقاعد البرلمان والمحليات لكنهم استمروا أسرى لمنظومة فكرية وفقهية تقلل من مفهوم الديمقراطية بحيث تختزله في ادوات اجرائية مقابل تعظيم فكرة الشورى . كما ينظرون الى الدولة كجهاز وادوات جبائية وضبطية وتعظيم مؤسساتها التربوية والاعلامية (يلتقون هنا مع فكرة التوسير عن الدولة واجهزتها الايدولوجية) مقابل تجاهلهم لمدنية الدولة ونواظمها الدستورية والقانونية .
وهو تناقض كبير يؤخذ عليهم خاصة وان فرص نشاطهم السياسي العلني كان كبيرا مقابل انعدام هذه الفرص امام حركة النهضة في تونس وليبيا وكذلك تضاءل الفرص امام اخوان في مصر . وهنا تضيف تجربة التجمع اليمني للاصلاح في اليمن معرفة ودروسا في مسار البحث العلمي لموجه الحركة الاسلامية في عموم المنطقة العربية .
اسلاميو اليمن من خلال حزب الاصلاح اكبر الاحزاب الدينية يقدمون تبريرات متعددة لقبولهم مفهوم الديمقراطية والمشاركة السياسية في اطار تعدد الاحزاب وتاسيسا على ذلك يقدمون رؤيتهم للدولة ذاتها وكل المفاهيم التي ترتكز عليها عملية الحداثة السياسية يربطها اسلاميوا اليمن بمفهومهم الشريعة ومنظومتهم الفقهية التي تشكل خلاصة اجتهاداتهم .
واهم مايذهبون اليه ان ((الدولة ضرورة اجتماعية ووسيلة شرعية لازمة ، غايتها حراسة الدين وبسط العدل ورعاية مصالح المواطنين )). ووجود الاسلامين في مؤسسات الدولة السيادية انما لضمان صدور التشريعات كافة وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها العامة .((و تمثل التعددية السياسية والحزبية الأساس المكين لتداول السلطة وانتقالها سلمياً بين الجماعات والقوى السياسية المنظمة ، كما تمثل أفضل الصيغ الكفيلة باستيعاب المعارضة ومنحها مشروعية العمل من خلال الوسائل الشوروية الديمقراطية ))( 6).
ولما كانت الديمقراطية قد ظهرت باعتبارها ابجدية الاجتماع السياسي المدني في مسار التطور البشري فهي لذلك لاتمنح بل يمكن بلوغها من خلال السعي الدائم وخوض معارك كسبها باستمرار هنا تم التاسيس المعرفي والتنظيمي للديمقراطية من خلال حضور الدولة ولوازمها الدستورية اضافة الى مشروعها الثقافي انطلاقا من ان الديمقراطية ليست اجراءات واليات عمل فحسب بل هي ايضا ثقافة ومنظومة قيم ،،لذلك يمكن القول ان العلمانية هي الاساس المعرفي للديمقراطية وحضور قيم العقلانية والعلمانية والحداثة معناه حضور ممكنات بناء الديمقراطية ، ومثلما تكون الديمقراطية ساحة الممارسة السياسية الحرة فالعلمانية ساحة الممارسة العقلية الحرة ( 7).
هنا يذهب اسلاميوا اليمن نحو رفض الاطار الفلسفي والمعرفي للديمقراطية والنظر اليها كعملية اجرائية وهنا ايضا يتم ربط مشروعية العمل السياسي وفق نظرهم بكافة أشكاله بمنظومة القيم والمعايير المستمدة من عقيدة المجتمع وشريعته الإسلامية وهو تعبير يعكس الشعار المعتاد لكل الاسلاميين (الاسلام هو الحل) فلا سياسية او اقتصاد او ثقافة الا اذا وافقت الشريعة وفق رؤيتهم لها او وجد لها تبريرا منها وفق اجتهادهم ..وهم لذلك يرون إن سلامة ونجاح النظام السياسي القائم على تعدد الأحزاب رهن بتحقق أمور أربعة رئيسية :
أ- التزام الأحزاب والتنظيمات السياسية بالإسلام عقيدة وشريعة والانطلاق من رؤية موحدة للثوابت العقدية والوطنية ومواطن الإجماع التي لا يجوز الخلاف فيها أو الاختلاف عليها .
ب- قدرة الأحزاب على تحمل مسؤولية العمل السياسي وربط نفسها بالمجتمع وثوابته العقدية والوطنية
ج-تعزيز مبدأ التعددية السياسية وتحويله إلى إحدى الحقائق الراسخة في المجتمع اليمني ، ومقاومة أي توجيهات من أي طرف كان لإعادة المجتمع اليمني إلى واحدية الرأي السياسي المؤدي إلى السلطة القهرية التي تعتمد على الجيش والأجهزة الأمنية لإخضاع المجتمع لمآربها وأهوائها وأطماعها .وان ترسيخ التعددية السياسية والحزبية في المجتمع يكون بتأسيسها على أرضية صلبة من الثوابت العقدية والوطنية
د- ضمان قيام التعددية السياسية على المنافسة الشريفة في إطار الالتزام بعقيدة المجتمع وشريعته الإسلامية وبثوابته الوطنية
ه- التداول السلمي للسلطة هو جوهر الشورى والديمقراطية وأسلوبها الأمثل لحل مشكلة الصراع على السلطة بمختلف مستوياتها .

تحالف الاسلاميين مع القبيلة :
يعتبر المجتمع اليمنى مجتمع مركب يتصف بتعدد البنى القبليه والعصبويه التى تناقنض نظام الدوله وضوابطها ووفقا لذلك يعكس واقع اليمن وتاريخه الاجتماعى ديمومة البنى التقليديه العصبويه التى يميل افرادها وجماعاتها الى حيات اللادوله ..اضافة الى ذلك فالعقل السياسى لدى المجتمع لا يتحكم فيه شكل نظام الحكم ونصوصه الدستوريه والقانونيه فحسب بل هو محكوم ايضا بقوة الموروث الاجتماعى الثقافى. ودلالة ذلك تكمن فى ان الثقافة التقليدية المرتبطة بالتكوينات القبلية والعشائرية النى تنتمى الى مرحله سابقه على الدوله و الديموقراطيه تشكل حاجزا معرفيا وسيكولوجيا لدى لدى الافراد والجماعات مما يترتب عليه اعاقة استيعابهم للحداثة السياسيه كما تتجلى فى مفاهيم الديموقراطيه وحقوق الانسان والمجتمع المدنى ، وهذه المفاهيم تشكل الاطار العام للتحديث السياسى فى الدوله والمجتمع.
والدولة اليمنية فى سعيها الى التحديث والتنمية –كانت ولاتزال- تعتمد اليات تقليدية بل وتعيد انتاج البنى والثقافة التقليدية وهى فى ذلك تزاحم عمليات التحديث او تشوهها. هنا تبرز اهم معوقات بناء الدولة اليمنية الحديثة واهم اشكالات الاندماج الاجتماعى. فالاحتكار العصبوى للسلطة والثروة تكمن دلالاته فى التعبير عن غياب دولة العموم التى تسمح بتداول المواقع والمراتب والمنافع بشكل قانونى . وبدلا من ان تدعم الدولة مؤسساتها وترسخ وجودها في المجتمع عملت على دعم شيوخ القبائل ( شراء الولاء السياسي للنخبة الحاكمة ). وهنا نكون امام عملية تصنيع المشائخ من قبل الدولة (الاجهزة الامنية بالاساس) حيث يتم دعم بعض الشخصيات غير الفاعلة اجتماعية وتمكينها من النشاط العام كبديل او منافس لشيوخ ذو مكانة تقليدية في مناطقهم.
واصبح التمويل الحكومي للمشائخ يقلل من اعتماد الشيوخ على تمويل قبائلهم وهنا تزايد الانفصال بين الشيوخ وافراد قبائلهم واصبح المشائخ يحظون بمكانة سياسية واجتماعية وبتمويل الحكومة. وهذا الاخير يترجم عمليا بدور سياسي لشيوخ القبائل من خلال احتلالهم مواقع وظيفية هامة في مؤسسات الدولة وفي عضوية البرلمان الامر الذي مكنهم من فرض منظومتهم الثقافية في الكثير من التشريعات والقوانين اهمها مدونة الاحوال الشخصية وقانون الانتخابات وقانون السلطة المحلية (8).
في هذا السياق كان ارتباط الاسلاميين بالقبيلة ورموزها المشيخة ليس من باب الدعوة الدينية بل من باب الحماية والمساندة والقوة التي تمنح الاسلاميين فاعلية كبيرة داخل المجتمع بل وفي مقابل السلطة اذا لزم الامر ..خاصة وان الاسلاميين لم تكن علاقاتهم بكل الرؤسا وحكوماتهم بذات العلاقة مع نظام صالح بل كانت علاقاتهم فيها كثير من التوجس وضعف الارتباط مع السلال 62-67 وفي ايام الارياني ظهروا كقوة من خلال حلفائهم في القبيلة والمؤسسة العسكرية وخفت صوتهم وضمرت حركتهم خلال حكم الحمدي 73-77 ثم عادو للظهور القوى والفاعل مع نظام على عبد الله صالح 78- 90 وزادا في فاعليتهم مع صالح خلال دولة الوحدة من خلال حزب الاصلاح المعبر عن تكتل الاسلاميين وحركتهم (9).
وكانت الاحداث السياسية مجالا لاستثمارها جيدا من الاسلاميين فالصراع بين شطري اليمن تصدره الاسلامين بحجة انهم يحاربون الكفرة والعلمانيين في الجنوب لصالح نظام الشمال الاسلامي ثم تزايد دورهم الجهادي تجاه احزاب اليسار في شمال اليمن حينما اسس اليساريون جبهة وطنية لاسقاط النظام فعمد هذا الاخير لتاسيس جبهة اسلامية تتصدى للجبهة الوطنية ولتكون معول هدم ضد نظام الجنوب وهنا تغلغل الاسلاميون في الريف اليمني واستقطبوا قيادات قبلية وريفية وكثير من الشباب تحت مسمى محاربة الشيوعية.
منذ بداية تشكل الاسلاميين تنظيميا وبلورة حضورهم كانت وجهتهم نحو القبيلة كسند اجتماعي ولاحقا سند سياسي مع العلم ان الاسلاميين في اليمن هم امتداد لحركة الاخوان في مصر وهي حركة سنية وقياداتها الاوئل في اليمن سنة في المذهب الا انهم خلقوا علاقات وثيقة مع القبيلة ذات المذهب الزيدي وذلك لاعتبارات اجتماعية وسياسية تظهر مخاوفهم من النظام السياسي . ولان القبيلة الحاشدية رموزها هم قيادات في الدولة وكانت لهم في مرحلة لاحقة موقع الصدارة في قيادة التيار الاسلامي خاصة منذ اعلانه كحزب سياسي . ولان القبيلة هي اقوى التنظيمات التقليدية مع استمرار ضعف مؤسسات المجتمع المدني التي لاتزال في طور النشأة ولان الاحزاب التحديثة كانت تعادي القبيلة وترى فيها رمزا للتخلف فتم توظيف هذا الامر كسند دعائي للاسلامين وتأليب القبيلة ضد خصومهم . الجدير بالذكر ان قوة القبيلة لاتكمن في بنيتها العصبوية فحسب بل في اعادة انتاج القبيلة ومأسستها من خلال الدعم المالي والمعنوي من النظام السياسي ضدا على التنظيمات الحزبية التي كان يرى فيها عدوا محتملا لابد من اضعافه ( 10).
ولان القبيلة الحاشدية هي ذاتها قبيلة الرئيس صالح وغالبية قياداته العسكرية والامنية فكانت علاقة ثنائية بين الرئيس والشيخ في اطار حزبين وتكتلين سياسيين يتقاسمان مصلحة مشتركة ومصالح خاصة متعددة ومتباينة احيانا . ومع غياب الفضاء السياسي العام الذي تبرز فيه عملية التنافس والصراع وفق محددات قانونية ودستورية يستمر المجال السياسي التقليدي في التعبير عن نفسه واعادة انتاج نفسه باستمرار من خلال الرعاية للبنى التقليدية السابقة لقيام الدولة وهنا يكون التمثيل السياسي عصبوى وجهوي في تعبيراته ووفقا لذلك يجوز لنا الحديث عن محاصصة تشاركية على اساس جهوي وقبلي وهنا تكون الانتخابات لا على اساس جمهور ينتخب مرشح بل توازنات جهوية وقبلية ترشح ممثليها. من المنظور السوسيولوجي يتبين لنا ان بنية الدولة في اليمن كانت مربوطة بعلاقات اولية وهي التي تشكل الاساس الاجتماعي للسلطة وكانت تحكم بالغلبة والقهر.
بشكل عام الاسلاميين وحزب الاصلاح يقدمون انفسهم كتنظيم لامذهبي لكنه لا يرفض التكوين القبلي بل يجد فيه صفات تتوافق مع الخطاب الاسلامي (وفقا لتصورهم ومنظورهم) ومن ثم لاتناقض بين القبيلة والاسلاميين بل ذهبوا لتعظيم القيمة الاجتماعية للقبيلة ومنظومتها الثقافية والقيمية ..وهنا وقفت القبيلة في صف الاسلاميين بغض النظر عن عضوية افراد القبيلة في حزب الاصلاح .. فالقبيلة كانت تتمرد وتناصب العداء كل النظم والاحزاب التي تقلل منها او تبخس فاعليتها مثلما حدث من تمرد وصدام بين القبيلة والرئيس الحمدي هنا ظهر تحالف قوي بين الزعامات القبلية الحاشدية خصوصا وبين الاسلاميين.
وللعلم الاسلاميين كانوا في ما قبل 90 يرفضون الحزبية ويعدونها سلبية مدمرة للمجتمع وثقافته ثم تكيفوا مع المتغيرات عام 90 واسسوا حزبا وقبلوا بقواعد اللعبة الديمقراطية وفقا لتمدد تحالفاتهم مع القبيلة والعسكر والرموز التجارية زد على ذلك اتساع قواعدهم من ابناء الطبقة الوسطى وابناء الفلاحين القادمين الى المدن للبحث عن فرص عمل وتحسين حياتهم .

تحالف الاسلاميين مع السلطة:
يرى الاسلاميون في اليمن ان مسارهم تشكل ارتباطا بحركة الاصلاح والتغيير (خلال القرن العشرين) استنادا الى مبادئها واهدافها وهم بذلك انما يؤسسون لحركتهم سندا تاريخيا حتى لا يقال بانهم مفطوعي الصله بتاريخية النضال والاصلاح في المجتمع . مع العلم انهم حركة سياسية تشكلت وفقا للاطار التنظيمي والفكري لما هو لدى الاخوان في مصر ونسخة منهم حتى في الاجتهادات والفتاوى نقلت كاملة عن فقهاء وقيادات الاخوان في مصر . ولهذا فاخوان اليمن ليسوا حركة اجتماعية تشكلت في اطار عمل اجتماعي وضمن حركات احتجاج شعبية ،، ولم تكن معارضة مضطهدة من النظام ،، بل هم حركة سياسية نشأتها الحقيقية في ستينات القرن الماضي وتبلورت اكثر في منتصف السبعينات واخذت مسارها القوي مع بداية الثمانينان وجميعها محطات حضور وفاعلية للاسلامين ارتباطا بالنظم السياسية التي عملوا معها ومن خلالها وباسمها وكانوا جزء من فاعليتها . ولا يمكن فهم نشؤ الاسلاميين في اليمن بدون تحليل علاقاتهم بالنظم السياسية المتعددة خاصة نظام الرئيس صالخ 78-2011 وبعلاقاتهم بالاخوان في مصر(التنظيم الام ).
في هذا السياق يرى بعض الباحثين من داخل الصف الاسلامي ان الاسلاميين في اليمن نسخة يمنية من اصل حركة الاخوان في مصر (11 ) وان مشاركتهم السياسية لم تاتي من خلال نضال اجتماعي ونقابي وحزبي بقدر ما كان بفعل دعوتهم ضمن تحالفات سياسية واجتماعية اعتمدها النظام السياسي اليمني في اطار صراعاته المتعددة خلال حقبتي الستينات والسبعينات والتي تعتبر اكثر مراحل عدم الاستقرار السياسي في اليمن .
ثم بعد ذلك جرى اعتماد تاصيل شرعي لمشاركتهم في السلطة هذا التاصيل ليس الا تبريرا لاحقا لمشاركتهم واندماجهم في لعبة السلطة ومحدداتها في الغنيمة والاستملاك السياسي .
واذا كانت مشاركتهم قد تمت قبل ان يتم التاصيل الشرعي وفقا لما عبروا عنه في برنامجهم السياسي المعلن في فترة ما بعد 90 هنا ظهر منهم من يشرعن المشاركة السياسية وفقا لقاعدة عدم التصادم مع الحاكم او الخروج عليه خاصة وان الفوائد التي تجنى من المشاركة كثيرة ومفيدة لتقوية حركتهم وتوسيع نشاطهم داخل مؤسسات الدولة والمجتمع في آن واحد. وهنا تتجلى النزعة البراجماتية (الذرائعية/النفعية) والتي تجعل من المشاركة السياسية غاية والتاصيل الشرعي وسيلة .
الجدير بالذكر ان اخوان اليمن لم يمروا بمراحل مثل اخوان مصر من خلال مرحلة الدعوة والتبليغ ونشر الرسالة كمقدمة لمرحلة التنظيم والعمل السياسي بل انتقلوا الى مرحلة العمل السياسي مباشرة وفقا لظروف التطور السياسي وديناميات الصراع عقب ثورة سبتمبر عام 62 والتي اقتضت تحالفات متعددة بين طرفي الصراع وبين الاطراف داخل كل مكون سياسي خصوصا النظام الذي كان في مسيس الحاجة الى حلفاء في اطار صراعات سياسية بين تيارين ومشروعين تبلورا في ستينات القرن العشرين عقب ثورة 26 سبتمبر .. والاسلاميين كانو في السنوات الخمس الاولى من عمر الثورة ضمن تحالف مناهض للرئيس السلال وللتواجد المصري في اليمن وفقا لصراعات عبد الناصر مع الاخوان في مصر والتي نقلت تداعياتها الى اليمن .
وبالرغم من تملك الاسلاميين لفرص جيدة في الحضور والنشاط العلني منذ بداية تشكلهم وتزايدت فرصهم مع ارتباطهم المباشر والاستراتيجي مع نظام صالح فانهم استمراو ا في حال انغلاق فكري وفقهي جعلوا من رؤيتهم السياسية ادولوجة منغلقة على الكثير من متغيرات السياسية والمجتمع خاصة تلك المتغيرات التي ترتبط بالافكار والرؤى والمبادئ اعتقادا منهم انها تنتقص من مثلهم الاسلامية التي تعد ركيزة ومنطلق ثابت لمرجعيتهم واسسها الفكرية والعقدية .
وبالرغم من قبولهم مبدا التعددية السياسية والحزبية والاقرار بمسار تحولي نحو الديمقراطية وتمكين المرأة من المشاركة السياسية فقد قبلوا كل هذه المتغيرات وفقا لاشتراطات اكدوا عليها في برامجهم السياسية حيث تم الربط بين قبول الديمقراطية والتعددية ومشاركة المرأة بما لايتعارض مع الشريعة وضوابطها.
وهنا كان انفتاحهم تكتيكيا على العمليات والممارسات واعتماد منظومة من الاجراءات الادارية والسياسية والاعلامية التي تعكس ما يقولون عنه انفتاحا تجاه المتغيرات لكن منظومتهم الفكرية ومرجعيتهم لاتزال بعيدة عن استيعاب مفردات الحداثة السياسية وفق فلسفتها واطارها المعرفي والدلالي .
ومع متغيرات سياسية نجمت عن اعلان الوحدة بين شطري اليمن ومارافقها من اعلان واقرار التحول الديمقراطي (الانفتاح السياسي) فقد قبل الاسلاميين هذا التحول واكدو على اهميته من منطلق نفي احتكار السلطة من الحزبين الحاكمين سابقا ولشرعنة وجود الاسلاميين كحزب فاعل ولانهم يمتلكون تحالفات قوية فان حضورهم الحزبي دفع بهم الى المرتبة الثانية في اول انتخابات نيابية عام 93.
ووفقا لذلك اصبحوا شركاء وفق ائتلاف ثلاثي في الحكومة اعتمادا على وجودهم في البرلمان ككتلة ثانية قوامها 64 نائب وهنا قدموا تبريرات متاخرة لعملية قبلوا بها وشاركوا فيها وحصدوا نتائج سياسية كبيرة من مشاركتهم.
بل وتزايدت مشاركتهم بنهم شديد وبرغبة في الاستقوا والاقصاء للاخر من خلال حرب صيف94 التي انتصر فيها الطرف الشمالي ومعه حزب الاصلاح الذي صعد نشاطه في احتلال وارث مواقع الاشتراكي في المحافظات الجنوبية من خلال انتخابات البرلمانية 97 والتي تمت مقاطعتها من الاشتراكي وبعض حلفائه .
هنا انفرد المؤتمر والاصلاح بالبرلمان وعمدوا على تغيير الدستور - ولا اقول تعديله- لانهم عملوا على تغيير اكثر من 50 مادة وتعديل 30 مادة اخرى وفقا لنزعات المنتصر ومطامحه السياسية . وهنا دخل الاسلاميين في حكومة ائتلاف ثنائي مع المؤتمر استمر تحالفهم حتى عام 2006 اثرها خرجوا من الائتلاف وارتبطوا بالمعارضة من خلال اللقاء المشترك هنا فقط بداء الاسلاميون خطا معارضا الى حد ما لنظام صالح وقدموا لهذا الامر تبريرات شرعية وفقهية متعددة.
ولعل هذا ا لخروج للاسلاميين من السلطة وهو خروج جزئي ومؤقت لانهم لايستطيعون الخروج النهائي ولا اعتماد المعارضة الكاملة فعلاقاتهم الاستراتيجية بالرئيس صالح وتداخل مصالحهم المشتركة (العلنية والسرية) لاتسمح بان يكونا معارضين بالكامل فكان لهم قدم في المعارضة واخر بالسلطة .
ان حاجة الاخوان في اليمن الى التاصيل الشرعي للمشاركة السياسية جاءت متاخرة كثيرا عن مشاركتهم العملية .. لانهم كانوا يعتبرون الديمقراطية جزء من النظام الغربي الجاهلي ثم جاء تاصيلهم بالقول لاخروج عن الحاكم ولا صبر على الظلم ولكن امر بالمعروف والنهي عن المنكر من خلال العمل السياسي الايجابي الذي يؤدي الى التغيير السياسي عن طريق استخدام الوسائل والطرق السلمية المشروعة والمتاحة وفي مقدمتها المشاركة السياسية .
وهنا اجمع قادة الحزب ومنظريه على ان مفهومي الصبر والخروج لاتناسب تعاملهم مع الحاكم والنظام في اليمن وفق الظروف الراهنة والمتغيرة ..مع ان الفكر الزيدي يسمح بالخروج على الحاكم والثورة ضده عكس الفكر السني الذي جعل من الخروج على الحاكم امرا محرما شرعا (ستين سنة في ظل امام جائر خير من ليلة بلاسلطان) .وهنا اعتمد حزب الاصلاح فكرة لاصبر ولاخروج ولكن تغيير ايجابي سلمي (المشاركة السياسية) ثم اضافوا شرطي الاجماع وتوافر القوة المادية من اجل نجاح الخروج والسيطرة على السلطة وهو ما قالوا به في ثورة الشباب 2011.
الاصلاح يعتبر تغيير المنكر والامر بالمعروف بالاستعانة بالسلطة الحاكمة امرا واجبا وجائزا لانهم يعتمدون التغيير من داخل النظام وبادواته. والمشاركة هي وسيلة واداة وليست غاية ولهذا فهي جائزة طالما وهي تؤدي الى جلب المصالح ودرء المفاسد. ومن هنا فانه في اطار مفهومي الشورى والامر بالمعروف فان حزب الاصلاح يرى ان المشاركة السياسية تستند على مسوغات شرعية فقهية ( 12).
فالمشاركة في البرلمان تعتبر وسيلة لنشر المعروف في عموم المجتمع وتقويم المنكر والمجالس النيابية تساهم بتشكيل الحكومات ومسائلتها وتصادق على المعاهدات واحتيار الحاكم . وللعلم فان عدم مشاركة الاسلاميين في السلطة/الحكم سيؤدي الى فراغ في الساحة والعمل العام لغيرهم من العلمانيين والمفسدين ....وان اقرار مشاركتهم لاتعني الاقرار بنظام الحكم القائم بل يكون الاقرار بما يوافق الشريعة .. والقصد من مشاركتهم تحصيل المصالح المشروعة وتكميلها وتقليل المفاسد او تعطيلها ..
ومن جانب اخر حتى لو كان البرلمات باغلبية غير اسلامية فان اقرار الاغلبية لقوانين وتشريعات وضعية مخالفة لاحكام الشريعة فان وجود الاسلامين تمكنهم من التبيين للعامة بما يخالف الشرع وهنا يقرر المرشد السابق للاسلاميين(13 ) ان النائب المسلم في مجلس النواب ياثم بما تقترفه السلطة التشريعية للمنكرات الدستورية والقانونية وان ذمة هذا النائب لاتبرا بخروجه من المجلس. ثم يضيف الشيخ بان امتناع الاسلاميين عن المشاركة السياسية والشعبية انما يعني ترك الميدان لخصوم الاسلاميين .

اهم مكاسب الاسلاميين من المشاركة السياسية :
• التوسع والانتشار الحركي والتنظيمي جغرافيا وسياسيا
• كسب المزيد من الانصار والمؤيدين
• تطزير تنظيمي وسياسي للجماعة
• تحجيم خصومهم العلمانيين
• تمكين اعضائها من الحضور الفاعل في كل مؤسسات الدولة والحزب الحاكم
• اكتساب الخبرة السياسية والمهاراة التنظيمية
• مشاركته تمكنه من تحقيق اهداف متعددة
• المحافظة على النهج الديمقراطي وخلق توازن مع الحزب الحاكم والاحزاب الاخرى ذات النشأة السابقة
• تاسيس الاصلاح ترتب عليه نقل الحركة الى تنظيم علني مع استعدادهم لقبول قواعد المشاركة السياسية في ظل النظام السياسي الجديد


تحالف الاسلامين مع العلمانيين (التحول من الايدولوجيا الى السياسية ) :
لعل ابرز نمط من التحالفات التي نسجها الاسلاميون هو ارتباطهم واندماجهم بتكتل اللقاء المشترك (تاسس عام 97 تحت اسم مجلس التنسيق الاعلى لاحزاب المعارضة بدون الاصلاح الذي انضم متاخرا 2003 هنا ظهر اللقاء المشترك) الذي يضمن ستة احزاب من المعارضة اليمنية اعتمدوا نهجا توليفيا في عملهم الجماعي وصياغات توصيفية في خطاباتهم.
وهذا اللقاء يضم احزاب علمانية واسلامية وذات مرجعيه مذهبية (الحزب الاشتراكي اليمني ، التجمع اليمني للاصلاح، التنظيم الوحدوي الناصري، حزب البعث العربي الاشتراكي، اتحاد القوى الشعبية، حزب الحق ) وقد كانوا في السابق يشهرون سلاح التكفير والتخوين تجاه بعضهم بعضا . وهذا التحالف ابداع سياسي اقتضته ضرورة المرحلة التي يمر بها اليمن وتمر بها الاحزاب السياسية في اطار تجربة ديمقراطية ناشئة (الانفتاح السياسي ) وهو تكتل له مظاهر ايجابية لكنه لم يستند في نشاطه على منظور استراتيجي بل اعتمد منظورات آنية تكتيكية مناهضة للحزب الحاكم ( 14).
من نافلة القول ان تجربة لقائهم معا تعكس نمطا في التحول من الايدولوجيا الى السياسة ولو بمنطق براجماتي .وكان لهذا اللقاء دوره في الفاعل في الانتخابات الرئاسية التنافسية وهي الاولى في اليمن عام 2006 ثم دوره في دعم مسار الثورة الشبابية الشعبية التي انطلقت في فبراير 2011 مع العلم بوجود ملاحظات وانتقادات متعددة ومتنوعه لمسار اللقاء المشترك عامة ومسار حزب الاصلاح كممثل للاسلامين في اليمن خلال المسار الثوري وتداعياته المتعددة .
ومع انخراط اسلاميو اليمن في مسار التغييرات السياسية الا انهم احتفظوا بهويتهم الخاصة ضمن تجمعاتهم الحزبية التي تعتمد فرزا للاخرين وفق محددات الكفر والايمان وكانت تظهر بين الحين والاخر من خلال فتاوى ضد كتاب وصحفيين مع حرصهم الشديد على تقديم صورة اعلامية منفتحة عن حزبهم وعن وجودهم السياسي في تقبلهم للتنوع والاختلاف .
بل واعتمدو براجماتية مكشوفة داخل ساحات التغيير حيث صمتوا لبعض الوقت عن حضور المرأة ووجودها ليلا ونهارا جنبا الى جنب مع الرجال في معركة التغيير والثورة . اضافة الى قوة تحشيدهم للنساء في المظاهرات المليونية. كل هذا يعطي تجربة لها خصائص وسمات تضيف الى تجارب الاسلاميين في عموم المنطقه العربية.
ولعل الكشف الفاحص لهذه التجارب من خلال دراسات تحليلية سيقدم ثراء في التناول العلمي والمنهجي للإسلاميين في سياق واقع عربي متغير يعكس مدى واقعية الاسلاميين وصدقيتهم في التطور واستيعاب مفردات الحداثة السياسية والاندماج مع احزاب وتيارات مختلف معها في سياق تحالفات وتكتلات تقتضيها عملية التدافع السياسي ناهيك عن حقيقة مظاهر التجديد في الخطاب الاعلامي والديني والذي ياخذ ظرفية مؤقته حينا ويعكس براجماتية الموقف والظرف حينا اخر.
يمكن القول ان واقع التعددية الحزبية فى اليمن يعكس بوضوح تحولا ملموسا (ولو نسبيا) من الدوجما الايدولوجية الى العملانية السياسية وفقا لمتطلبات الواقع اليمنى والدولى ومتغيراته فى آن واحد ،،، اضافة الى متطلبات التجديد فى البناء الحزبى وفق متغيرات دولة الوحدة .
وهذا التحول اسهم فى ابراز وتزايد حجم الاستقطاب وفق محددات اجتماعية وسياسية واقتصادية اتخذت جميعها من الحزبية واجهة مدنية. فالسياسة الاقتصادية وفق عملية الاصلاح الاقتصادى والتكيف الهيكلى التى أعتمدتها الحكومات اليمنية افرزت تشظى فى البنى المجتمعية وانشطار فى الولاءات حيث اصبحت الحاجة الاقتصادية تدفع الافراد للارتباط باى تنظيم او جماعة تضمن له فرص العمل وتحسين مستوى المعيشة . وهنا كان للاسلاميين دور وفاعلية في الاستقطاب وفقا لهذا المنظور المستند على حاجات الافراد ومتطالباتهم المعيشية( 15 ).
واذا كنا نؤكد على اهمية المسار السياسي اللاحزاب في التحول من الايدولوجيا الى السياسية وما نجم عنه من ظهور تكتل اللقاء المشترك الذى يجمع بين احزاب كانت تكفر بعضها البعض بل واستخدمت السلاح احيانا . هنا يشدد الباحث على حقيقة هامة و هى انه رغم ايجابية هذا التحول الا انه جاء كتحالف اضطرارى بين احزاب المعارضة .. والتحالفات الاضطرارية (بين الدول والاحزاب ) دائما ما تكون مؤقته او قائمة وفق قضايا آنية ومرحلية ولم تصل بعد الى اعتماد رؤى استراتيجية بعيدة المدى لتشكل اطارا لتحالفها .
والمتتبع لطبيعة النشاط الحزيى خلال العمليات الانتخابية التى شهدها اليمن خلال السنوات الماضية التي اعقبت ظهور اللقاء المشترك اظهرت قوة تحالفها في الامور التكتيكية والاجرائية لكنها لم تصل الى قضية استراتيجية واحدة تعتمدها كخيار ثابت واساسي في علاقاتها .
الجدير بالذكر ان الانفتاح السياسي (التحول الديمقراطي) المعلن في اليمن منذ عام90 ولد فرص متعددة ومتنوعة لظهور معارضة حزبية وجهوية فاعلة وعمل على تمكين المعارضة من اظهار وجودها السياسي وان تعبر عن نفسها وعن مطالب قواها باعتماد قواعد الديمقراطية ومن ثم تأكيدها على حماية المجال السياسي من الاضطراب ومنع الانقلاب على قواعد التحول الديمقراطي الى حين .
وللعلم يفترض في كل معارضة ان تستمد شرعيتها من وجود حاجة اجتماعية لها فضلا عن الحاجة السياسية الا ان الاسلاميين والاحزاب الاخرى في اليمن لم تستطع التعبير عن حاجات المجتمع وتطلعاته السياسية والاقتصادية هنا بدأت تفقد تدريجيا ثقة المجتمع بها .. ولهذا فالضمانات القانونية بحق الاحزاب في الاشهار لايعني شيئا مالم تستطع ان تفرض وجودها السياسي من خلال تمثيل قوى المجتمع من طبقات وشرائح وفئات والتعبير عن مصالحها في المجال السياسي الرسمي .
في هذا السياق تنتج المعارضة الاسلامية خطابا سياسيا تعبويا احتجاجيا قادر على تجييش الكتلة الشعبية وتحشيدها في المعارك السياسية المفتوحة مع النظام الحاكم ومع اطراف المجتمع المدني ذاته . فقد خاض اسلاميو اليمن اشد معاركهم مع المعارضة التي صنفت من قبلهم بانها علمانية والحادية وبقصد بها الحزب الاشتراكي اليمني بكل فصائله والتنظيمات القومية (الناصريون خصوصا ثم البعث). ومع كل مظاهر فساد النظام السياسي اليمني لم يكن لهم صوت واحد يعبر عن او يستنكر فساد النظام ولم يعبروا عن هذا الامر الا في السنوات الثلاث الاخيرة قبل ثورة الشباب (فبراير 2011) حيث تم اصطفاف الاسلاميين في اطار احزاب اللقاء المشترك. هنا تم اعتماد خطابا ناقدا لنظام الحكم وكشف مساوئه ومفاسده ( 16). مع العلم ان هذا الخطاب لم يعقبه تحرك ميداني او جماهيري بل كان مجرد خطاب اعلامي يستهدف المناورة وعقد الصفقات والدليل اختفاء هذا النهج وتغيره الى نهج خطاب مصالحة في حالة اتمام الصفقات بين النظام واحزاب المعارضة عامة والاسلاميين خصوصا ومن ذلك صفقة فبراير 2009 التي ترتب عليها تمديد للبرلمان بطريقة مخالفة للقانون والدستور.
ووفقا للمنظورات السوسيو - سياسية فان المعارضة الحقة هي التي تكون قادرة على ان تملاء الفراغ الناجم عن وجود سلطة منفصلة عن المجتمع بوصفها البديل السياسي للسلطة القائمة ( 17). لكن المعارضة اليمنية لم تستطع ان تملاء فراغ السلطة الناتج عن فقدان الثقة المجتمعية بالنظام وتزايد النقد العلني له بل تعددت وتنوعت المظاهرات الاحتجاجية خاصة وان فترة البرلمان القانونية انتهت دون اعلان لانتخابات جديدة ،، هنا ظهر خطاب معارضة ينفي عن الرئيس بل وكل نظامه اي مشروعية دستورية او شعبية خاصة مع تزايد حالات الفوضى الامنية والعسكرية الناجمة عن حروب صعدة الستة وتعقب مسلح للحراك السلمي في الجنوب .
ومعنى ذلك ان المعارضة اليمنية في الفترة 2006 – يناير 2011 كانت ولاتزال في حالة عجز دائم وهي لذلك دخلت حالة من الازمة المستديمة تطرح تساؤلات حول دورها وشرعيتها كما تطرح تساؤلات عن مشروعية النظام ذاته. وهو الامر الذي انكشف تماما مع ثورة الشباب ( فبراير 2011 ) التي هزت النظام وفككت بنيته وكان أيلا للسقوط ،، فهرولت المعارضة وفي المقدمة الاسلاميين نحو اعادة التوازن للنظام من خلال مبادرة سياسية جعلت منه شريكا جديد في الدولة والحكومة بدلا من اخراجه منها وفقا لمنطق الثورة . ومن المؤسف ان المعارضة السياسية اليمنية (والعربية عموما) هي من نوع المعارضة التي تقيم الدليل على عجزها. هنا يري بعض الباحثين -ونحن منهم- ان هذه المعارضة عاجزة عن ان تكون البديل التاريخي للنظام السياسي القائم لكنها فقط تحلم كما في تطلعات الاسلامين نحو استملاك السلطة لا بناء نظام جديد وهو ما اثبتته وقائع التحولات في تونس ومصر واليمن.
ان احزاب المعارضة يجب ان تتمتع بالتمثيل الشعبي الواسع وان تستملك ادوات الغلبة في الصراع السياسي من خلال اعتماد كتلة جبهوية واسعة لتقديم البديل عن السلطة ونظامها خاصة والظروف الموضوعية مهيئة لذلك .. لكنها شكلت كتلة ترغب في اقتسام السلطة مع النظام القائم ليس من باب المشاركة وفق التمثيل النيابي بل وفق اقتسام الغنيمة بين نخب ومجموعات ضمن محددات الرئيس الناظم لعملية الاقتسام ،، والمحاصصة وهذا ما حصل بالفعل في اليمن وفق مبادرة الخليج ابان ثورة الشباب عام 2011 حيث تم اقتسام السلطة بين النظام الحاكم واحزاب المعارضة (اللقاء المشترك) من خلال حصص لكل طرف في المواقع القيادية في الوزارات والسلك الدبلوماسي والقضاء وكان للاسلاميين نصيب الاسد من الغنيمة.
هنا نكون ازاء عملية استيلا على السلطة بالعنف من خلال صفقات حزبية منفصلة عن المجتمع وتعبيراته وقواه الاجتماعية ،، هذه العملية يتم اخراجها من خلال القول بالتسوية السياسية او التوافق بين السلطة والمعارضة ،، هنا يتم اخراج مسرحي لهذه العملية بانها مشاركة سياسية توافقية. ودلالة ذلك تكمن في ان المعارضة الحزبية لاتملك مشروعا سياسيا بل تعتمد ممارسات تجريبية وان ادلوجة الاحزاب ( بمفهوم التوسير) تؤدي وظيفة اخضاع الناس لافكار ورؤي مخاصمة للواقع ومتغيراته.
في هذا السياق صاغ "كارل مانهايم " مايشبه الحقيقية السوسيولوجية في كتابه الشهير اليتوبيا والايدولوجيا حيث اعتبر منظومة الافكار بانها لاتبقى جامدة بل تشهد تبدلات في حركتها .. فالفكرة تكون يوتوبية او تكون ايدولوجيا .. فالذهنية السائدة بين الفئات الاجتماعية الفاعلة بأن صعودها نحو السلطة هي طوباوية وهي ابان تحجرها في مصالحها واستلام السلطة تكون ايدجولوجيا .ويكون اصطدام الايدولوجيا بالواقع عندما يبدا حضور الايدولوجيا بالتراجع مع دخولها حيز الواقع بتفاصيله وتلاوينه. هنا يمكن القول ان انخراط الاسلاميين في تدبير الشأن العام ينقلهم من الطوبى الى مستوى الايدولوجيا ويحررهم من اوهام المثل العليا في مواجهة حقائق الواقع وضرورات الانجاز اليومي .. فالجمهور ينظر للمتنافسين في الحقل السياسي من خلال الانجاز ويسقط عنهم الحصانة التي طالما استفاد منها الاسلاميون من خلال الغطاء الديني .


الاسلاميين وثورات الربيع :
وفقا لتصاعد المد الثوري بدأ من تونس ومصر ثم اليمن ومع انفجار المنشهد السياسي والاجتماعي بمظاهرات احتجاجية واسعة تطورت الى فعل احتلال للميادين والساحات العامة وفرض وجودها ورفع شعارات تتجاوز ما كان سابقا من قبيل الاصلاح والتغيير السياسي الى تغيير النظام برمته واسقاط رموزه ومؤسساته هنا تلقف المجتمع هذا الامر فاندفع الشباب من الريف والحضر نحو الميادين التي سميت بميادين الحرية والتغيير .
في هذا السياق وبعد مرور اسبوعين من الثورة الشبابية حضرت الاحزاب بشكل فردي وجمعي من خلال اللقاء المشترك وكان للاسلاميين (حزب الاصلاح) حضورا متميزا وفاعلية تتجاوز المتفق عليه مع احزاب المشترك .. فقد استطاع حزب الاصلاح في اقل وقت السيطرة على ساحة التغيير بصنعاء (وعدد من الساحات في المدن الاخرى) فكان هو القابض على اللجنة التنظيمية للساحة واللجان الاعلامية والامنية والمالية حتى منصة الحديث بالساحة تحكم بها دون غيره مع اتاحة دقائق لبعض القياديين والمستقليين للحديث وفق ضوابط محددة .
استطاع حزب الاصلاح السيطرة على مسار ساحة التغيير بصنعاء فلا تتحرك مظاهرة الا بموافقته من خلال اللجنة الامنية والتنظيمية حتى الشعارات والهتافات كان هو من يحددها مسبقا .ومن ذلك تحديد اسماء وشعارات لكل جمعة (18). وهو في هذا الامر انما اعتمد على حضور حلفائه من العسكر اللي انزلوا مئات من الجنود لدعم اوامره وقياداته في الساحات.
ووفقا لذلك حدثت صراعات متعددة بين الاصلاح والاحزاب الاخرى بل والتكوينات السياسية الجديدة مثل الحوثيين والشباب المستقل ..وكان ينتهي حل الاشكال باننا ازاء عمل كبير لابد من تحمل المشكلات من اجل الهدف العام المتثمل بتغيير النظام واسقاط رموزه وانه لامجال للصراعات الثانوية حتى لاتتشقق جبهة الثورة.
وللعلم فانه رغم كل الملاحظات والانتقادات الموجهة للاصلاح ودوره الاقصائي والاستحواذي الا ان له قدره كبيرة في الحشد الشعبي وتجييش الانصار والمؤيدين خاصة المجموعات القبلية التي تزايد حضور ممثلين لها في ساحات التغيير وبوجه خاص في صنعاء . ومن جانب اخر كان للاصلاح دور كبير في تعبئة وتحشيد اكبر عدد من النساء وهي قدرة لايوازيه اي حزب اخر حتى الحزب الحاكم قدراته ضعيفة تجاه تحشيد النساء.
في هذا السياق كان شباب الساحات في اليمن مدركين ان الثورة هدفها اسقاط النظام وبناء دولة مدنية تحقق العدالة الاجتماعية والمواطنة ودولة القانون ..وان وصول الاسلاميين للسلطة ليس هدفا اساسيا ولا ثانويا ومن ثم فان وصول الاسلاميين الى السلطة في تونس ومصر لايرتبط بالثورة ذاتها كفعل سياسي اجتماعي تغييري بل يرجع الى العمليات الانتخابية التي اعقبت الثورة وكانت الاحزاب المدنية والتكتلات الشبابية غير جاهزة للمنافسة مقابل قدرات الاسلاميين العالية في التنظيم والحشد والتمويل وهي خبرات متراكمة منذ سنوات طوال سابقة .
ولما كان الاسلاميين في تونس ومصر خارج المشروعية السيساسية وتتعقبهم اجهزة الامن كجماعات واحزاب محظورة فانهم في اليمن على النقيض من ذلك تماما كانوا على علاقة ود مع النظام بل كانت نشأتهم العملية وانتشارهم وفقا لارتباطهم بالنظام وباستخدام مؤسساته وادواته الاعلامية والامنية و محتلف الاجراءات اللازمة . وهنا نكون ازاء حالة مغايرة لمصر وتونس ومع ذلك فان وصول الاسلامين في هذه البلدين الى السلطة ضاعف نزعة الاستقواء والوصول الى السلطة لدى الاسلاميين في اليمن في مرحلة ما بعد الثورة ..
واذا كان المسار الثوري لم يكتمل في اليمن كما حدث في تونس ومصر حيث اتجهت احزاب اللقاء المشترك والاسلاميين مكونا كبيرا في هذا اللقاء الى اعتماد حلول سياسية تم اخراجها وفق تدخل اقليمي ودولي من خلال مبادرة تم التوقيع عليها باشراف الدول دائمة العضوية بمجلس الامن اضافة الى دول الخليج العربي وبحضور ممثلي الاتحاد الاوربي . هذه المبادرة وأدت المسار الثوري (19) حيث تنفيذ المبادرة ترتب عليه تشكيل حكومة محاصصة حزبية بين طرفين الاول ممثلا بالحزب الحاكم المفترض انه خارج المعادلة السياسية لان الثورة كانت ضده ورفعت اهداف اهمها تغيره واسقاط كل رموزه ..هنا احتفظ ببقائه وبفاعليته لكنه تقاسم الحكومة مع شركاء جدد بعد ان كان منفردا بها .
الخطير في الامر وفقا لتجربة الثورة في اليمن ليس وصول الاسلاميين للسلطة بل مدى التزامهم بترسيخ التحول الديمقراطي وبناء الدولة المدنية وتفعيل دولة القانون وتمكين المرأة من المشاركة السياسية وتعزيز الدور الانمائي للدولة وتوسيع التمثيل السياسي لكل مكونات المجتمع والقوى السياسية (وهو محل شك من الاخرين تجاه حزب الاصلاح) وهي الاهداف المعلنة للثورة من اول يوم .. وهنا فقط يمكن لكل التكوينات السياسية القديمة والجديدة خاصة الشبابية ان تجد لنفسها طريقا وان تؤسس لنفسها وجودا ضمن الخارطة الحزبية والسياسية الجدية .
وللعلم فقد اظهر مسار الثورة اصوات اسلامية (اخوانية وسلفية ) مناهضة للمرأة التي طالبت بزيادة حصتها في المشاركة السياسية كما ظهرت اصوات ومن قيادات كبيرة في حزب الاصلاح (الزنداني مثال ) تقول بان الدولة المدنية مناهضة للاسلام .. فالدولة المدنية هي الدولة العلمانية وهي تناقض صحيح الدين وأسه العقائدي ، ومن يقول بالدولة المدنية عليه ان يراجع عقيدته وايمانه( 20).
ومن هنا يمكن القول انه طالما والمسار الثوري والتغييري لم يكتمل في اليمن فان الواقع السياسي يثير اسئلة مشروعة حول الدور القادم للاسلامين وموقفهم من مدنية الدولة والتحول الديمقراطي وتمكين المرأة .. خاصة وان التحالف السياسي والاجتماعي خلال الثورة معهم كان من اجل هدف وطني عام يتمثل بتغيير النظام وتاسيس اخر عنوانه الدولة المدنية ولم يكن الهدف هو ايصال الاسلاميين للسلطة فهذا امر يرتبط بالعمليات الانتخابية وقدرات الاحزاب والمواطنين التصويتية وتوجهها نحو هذا الطرف او ذلك .
الجدير بالذكر ان احزب الاصلاح كممثل للاسلاميين في اليمن يؤكد في وثائقه السياسية انه يعتمد المشاركة السياسية مع شركاء معترف بهم وانه يعتمد مبداء التفاعل الايجابي دون المقاطعة او التصادم مع النظام او الاحزاب بل يسلك الاندماج التدريجي في العمليات السياسية وهنا يأخذ بالمتاح والممكن بحسب مدرسة الاخوان في الاردن والعمل بمنهج التغيير من الايسر فالايسر وفقا لرؤية الغنوشي .. ووفقا لذلك يأخذون بفقه الواقع وممكناته في اطار واقع مجتمعي كاليمن وهذا خلاصة اجتهادهم الفقهي نحو المشاركة السياسية وتقبل التحول الديمقراطي .
وهذا المنهج السياسي لقى قبولا من الغرب الاوروبي والامريكي خصوصا مع العلم ان علاقات الاسلاميين بالامريكان كانت جيدة وضمن لقاءات متعددة لم تنقطع منذ سنوات عدة خاصة بعد احداث سبتمبر ،،حيث اعتمد الاصلاح خطابا اعلاميا وانفتاحا سياسيا اراد منه تقديم رسائل للخارج قبل الداخل بانه حزب اسلامي معتدل يرفض العنف ويقبل مفردات الحداثة السياسية ويستوعب متغيرات العصر وفقا لاجتهاداته المتجددة( 21).وكانت الادارة الامريكية قد اعتمدت توصيات هامة عن الاسلاميين اعدها معهد كارنيجي وتتضمن اهمية ادماج الاسلاميين المعتدلين في المسار السياسي وتمكينهم من استيعاب مفاهيم الديمقراطية وفق براومج تدريبية ..ولعل تقبل الادارة الامريكية لوصول الاسلاميين للسلطة في تونس ومصر وليبيا واليمن لم يكن مصادفة ولا مفاجأة لهم او لنا نحن العرب بل كان عن معرفة مسبقة ودعم لوجيستي لوصولهم الى السلطة ضمن ترتيبات سياسية تتوافق مع الاستراتيجية الامريكية في المنطقة .







 -;-
المراجع والهوامش :
1. عبد الباري طاهر / المجتمع المدني ودوره في الثورة/ درسة قدمت الى النجدوة الوطنية الخاصة بالثورة اليمنية/ الدوحة 18-19 فبراير 2012 / صص9-11
2. عبد الله بن حسين الاحمر / السيرة الذاتية / 2007/ص76
3. فؤاد الصلاحي/ ثلاثية الدولة والقبيلة والمجتمع المدني/ مركز المعلومات/ 2001/ ص
4. محمد قحطان / التجمع اليمني للاصلاح(النشأة والمسار)/في كتاب دراسات في مسيرة التجمع اليمني للاصلاح /المركز اليمني للدراسات الاستراتيجية /2011 / ص 21
5. المصدر نفسه /ص 25 ولمزيد من الاطلاع انظر : محمد المقرمي/التجمع اليمني للاصلاح..الرؤية والمسار/ دون تاريخ النشر.
6. حول تبريرات الاصلاح لقبوله المشاركة السياسية بعد ان مارسها وتقبل مسارها السياسي اتجه الى تبريرات بعدية تشرعن ما ذهب اليه انظر في ذلك : اشواق احمد مهدي / رؤية حزب الاصلاح للمشاركة السياسية/ في كتاب دراسات في مسيرة التجمع اليمني للاصلاح /المركز اليمني للدراسات الاستراتيجية /2011 / صص70-79
7. عبد الاله بلقزيز / السلطة والمعارضة/ المركز الثقافي العربي/المغرب/2007/ ص34
8. فؤاد الصلاحى/ ثلاثية الدولة والقبيلة . مصدر سابق / صص61-64
9. الاشارة هنا الى قوة التلاحم والترابط بين الاسلاميين في اليمن والرئيس صالح فقد اعتمد ترشيحه للرئاسة عام 99 قبل ان يناقش حزب الرئيس هذا الموضوع او يبت فيه ثم ان علاقاته مع قيادات الاصلاح علاقات قوية جدا شخصيا وارتباطا باعمال مشتركة كل في مجال محدد.فرئيس حزب الاصلاح الشيخ الاحمر هو نفسه شيخ الرئيس اي شيخ قبيلة حاشد التي ينتمي اليها الرئيس وهنا ظهرت معادلة في العلاقة بين الشيخ والرئيس وفقا لموقع كل منهما في الدولة والقبيلة وفي التنظيمات الحزبية .
10. فؤاد الصلاحى/ القبيلة اليمنية ..اعادة انتاج اجتماعي وتموضع سياسي/ ورقة عمل قدمت الى المؤتمر الاقليمي حول الدور السياسي للعشيرة والقبيلة في المنطقة العربية / عمان- الاردن/ 2009
11. فؤاد الصلاحى/ سوسيولوجيا الظاهرة الحزبية في اليمن / المركز العربي للدراسات الاستراتيجية/دمشق/ 2011
12. اشواق المهدي / مصدر سبق ذكره / صص76-78
13. الاشارة هنا الى دور المرشد السابق للاخوان اليمن ياسين عبد العزيز القباطي وهو من اوئل المؤسسين للحركة الاسلامية .
14. فؤاد الصلاحى / سوسيولوجيا الظاهرة .. مصدر سابق / ص 34
15. فؤاد الصلاحى / دور الدولة في اعادة انتاج الفقر في اليمن / دراسة تحليلية قدمت الى المرصد اليمني لحقوق الانسان / يوليو2009
16. الاشارة هنا الى قوة خطاب المعارضة(اللقاء المشترك) من خلال وثيقة الاصلاح السياسي التي اعدها واقرها لجنة الحوار الوطني المنبثقة عن احزاب اللقاء المشترك وشخصيات مستقلة واكاديميين ..((كاتب هذه الدراسة كان احد الاكاديميين المساهمين في اعداد هذه الوثيقة وقد صدرت عام 2010)).
17. عبد الاله بلقزيز/ مصدر سابق /ص 12
18. انفرد حزب الاصلاح الى حد كبير عبر مجموعاته وهيئاته القيادية للساحات بتسمية ايام الجمعة (وتحديد الشعارات العامة والهتافات) من حيث اعطاء كل جمعة تسمية لموضوع سياسي محدد وكانت مختلف المدن اليمنية تشهد تجمعات مليونية كل اسبوع وحتى اليوم هناك 82 جمعة لكل منها اسم وشعار محدد.
19. وفقا للمبادرة الخليجية التي وقع عليها احزاب اللقاء المشترك والحزب الحاكم قوبلت بالرفض من غالبية الشباب في ساحات الحرية ومن المستقلين وبعض التنظيمات والحركات السياسية والاجتماعية ..ووفقا لذلك كان كاتب هذه السطور ممن رفض هذه المبادرة وانتقدها علنا في مختلف المنابر الاعلامية وكتب دراسة هامة بعنوان ...انهم يسرقون الثورة .؟ تم نشرها في مجلة السفير اللبنانية والموقع الالكتروني لصحيفة الوفد القاهرية وعدد من مواقع الكترونية يمنية .
20. الشيخ الزنداني عارض منذ بداية الثورة اي قول بمدنية الدولة واعتبر ذلك مناهضا للاسلام وبحسب قوله لايقر الاسلام الدولة المدنية لانها دولة علمانية كما في تجربة الغرب .
21. منذ مابعد احداث سبتمبر اتجهت الادارة الامريكية ليس فقط الى محاربة تنظيم القاعدة والمتطرفين الاسلاميين فحسب بل واعتماد منظور الحوار مع من صنفتهم اسلاميين معتدلين وكان تصنيف الاخوان كجماعات واحزاب وفقا لظروف كل بلد ضمن هؤلا المعتدلين وكان حزب الاصلاح في اليمن ممن قبل الامريكان الحوار معه واعتبر ذلك انفتاح من الاسلاميين اليمنيين تجاه الادارة الامريكية واستمرت علاقاتهما تتحسن تدريجيا وزاد ان اعتمد الامريكان زيارات لقيادات من الصف الاول والثاني من الاسلاميين الى امريكا وكانت قضايا الديمقراطية وتمكين المرأة والمشاركة السياسية من مجالات الحوار والنقاش بل واعتمد لها الامريكان دورات تدريبية خاصة بالاحزاب اليمنية ومنها حزب الاصلاح الاسلامي .



#فؤاد_الصلاحي (هاشتاغ)       Fuad__Alsalahi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- برجوازية طفيلية وحكومات فاسدة ..؟
- اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟
- اليسار الجديد.. رؤية نقدية


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!! / محمد الحنفي
- احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية / منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
- محنة اليسار البحريني / حميد خنجي
- شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال ... / فاضل الحليبي
- الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟ / فؤاد الصلاحي
- مراجعات في أزمة اليسار في البحرين / كمال الذيب
- اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟ / فؤاد الصلاحي
- الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية / خليل بوهزّاع
- إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1) / حمزه القزاز
- أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم / محمد النعماني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية - فؤاد الصلاحي - الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟