آلان محمد بيري
الحوار المتمدن-العدد: 4259 - 2013 / 10 / 29 - 21:00
المحور:
الادب والفن
لعل إنَّ أقدم فنون الأدب التي عرفتها البشرية مسيرة ثلاثة آلاف عام أي منذ اختراع الكتابة 3200 قبل الميلاد هو الشعر, و موضوعاتها و الطابع الذي أتسم به في كل عصر, و الخصوصية و البصمة التي حملها تحت تأثير الثقافة الشعبية و الجذور القومية و الأصالة التاريخية و الإرث القديم لكل شعبٍ أو أمة وهذا ما مَهَّدَ الطريق لأن يكون الشعر أممياً عالمياً له طريق التاريخ و مسيرته فالشعر مرأةُ البيئة التي عاشها الشاعر و مصدرهُ و أصله.
"كوردي" الشاعر الكوردي من مواليد مدينة السليمانية (إحدى محافظات كوردستان العراق الحالية) و "كوردي" هذا لقبه الذي أطلقهُ على نفسه حينما بدء بكتابة الشعر بلغته الكوردية الأم و مع العلم إنه يجيد إلى جانبها ثلاثة لغاتٍ أخرى و بها أيضاً قد كتب الشعر و هي التركية و الفارسية و لغة الدين و الله اللغة العربية .
اسمه مصطفى بك بن محمد بك بن أحمد بك , ينحدر من إحدى أرقى و أمجد القبائل الكوردية في منطقة السليمانية "صاحب قران" و تمتد جذور هذي القبيلة إلى يومنا المعاصر هذا و كما هو واضحٌ و بينٌ من اسمه الكامل فقد كان " كوردي" ابناً لعائلة إقطاعية فوالدهً و أجدادهُ هم بكاوات , و الزعامة القبلية في ذاك الزمان و على وجه الخصوص في مناطق الأكراد قد كانت تعني الكثير و الكثير , فهم أصحاب الأرض التي أقتطعها مع من فيه من فلاحين و دواب , و لكن إنحدار "مصطفى بك" الطبقي هذا لم يغير شيئاً في نفسية شاعرنا بل بقي محتفظاً بنقاء عاطفته و حساسية خياله و رشاقة البداهة و النمو في عقله و كتب شعراً يُعدُّ من أجمل ما كُتِبَ بالكوردية في ذلك العصر و إلى الآن و مع العلم أنه كان معاصراً للعملاق الآخر : الملا خضر شاويس" نالي أقدم شعراء السوران .
مصطفى بك مات عن عمرٍ ناهز الأربعين عام , قد كان بعدُ في ربيع شبابه صغيراً في الحياة و لكن قد كان ذا تجربةٍ كبيرة في الشعر و الكتابة حينما ودع الحياة .
طفولة كوردي كانت مميزة إلى حدٍ ما و ذلك عائدٌ لجملةٍ من الأسباب التي حكمت عليه ذلك طويلاً و لعل أهمها إنه كان ينحدر من عائلة ثرية قوامها السلطة و المال و البكاوات فقد درس و أخذ العلم على يد كبار علماء و رجال الدين في السليمانية درس الفقه و الشريعة الإسلامية و حفظ القرآن و جاب بحسه أروقة السيرة النبوية و أحاديثها الخالدة , و قد لاحظ معلمه إن للصغير مصطفى ميولٌ أدبية ميلٌ و حبٌ في كتابة الشعر و بلغته الأم (مع إن القراءة و الكتابة و تلقنُ الدرس قد كان بالعربية نظراً لأنها لغة الدين و القرآن) و نمى حبهُ هذا و تركَ لنا من حبه هذا الإرث العظيم.
و حينما شبَّ مصطفى بك وقد بدأ بأخذ لقبه هذا بجدارة راح يطلبُ العلم خارج بلاده فقد زار إيران و سِنَّا و سابلاخ و طاف بكل قرى و مدن شرقِ كوردستان يتجول بين أهلها و ينهل العلم من علمائها و يُلهِمَ الشعر الغزلي من نسائها و العذري من طبيعتها الفاتنة شبه فتاةٍ غجرية عريقة الجمال
"كوردي" غزلُ الشعر و ثورةُ نهوض الحس القومي ,فقد هجا سلاطين طوران لأنهم ثاروا على أمراءِ بابان و أهلها .
"كوردي" معلم أبناء ملوك العجم في طهران و الذي بدء ممارسة هذه المهنة ليس بقصد إكتساب المال و الحصول على الثروة فحسب فهو ابنٌ للثروة منذ صغره ,بَلْ حُباً بنشر علمه و عِلْمِ من قرأَ لهم شعراً أو أدب , ولكي نفهم "كوردي" الشاعر على نحوٍ جيد علينا أن ننسجم و قصائدهُ (روائع الغزل و دُررُ الغزلي القومي) و أَن نصل الحدود التي وضعها لبلوغ المغزى و المنال من قصائده , وهنا سوف أذكر بعضاً من التي كتبها بالكوردية .
xwarina min jara mare
xwarina min îro jehra mare, ş-;-êrîna min nehat
birîna min a kevin hate jan, melhema birîna min nehat
min xem xwar, xemê jî xwîna min xwar
lewma giryam, çend bi çend hêsra min a xwînî nehat
xemê seriyek li min da, yarê qet seriyek li min neda
sebir û hiş-;-ê min çûye, xaret gera dînê min nehat
إَذْ يقول :
طعامي و زادي سُمُّ أفعى
" من الأيام يومي هذا
طعامي و زادي سُمُّ أفعى
جميلتي ......ما أنت
جُرحي القديم جاء و اقتحم على خلوتي الألم و مأساة
و بلسمُ جرحي ما أتى
أكتُ الهم و الهمُ قد احتسى دم كبدي
و على إثره بكيت و كم و كم من مرةٍ
ذرفتُ الدمع دماً ,,عَذَابْ
زارتني الهمومُ و جاءت تطمئنُّ عليّ
و حبيبتي لم تأتي
آهٍ.....نَفِذَ الصبرُ و هَجَرَ العقلُ
و ما من تدبيرٍ بعدُ على جنوني
و هو الآخرُ ما أتى"
و قد كانت هذي من أجمل ما كتبه شعراً عن قضية هجران الحبيب و اشتداد الحب و كيف إنَّ همومهُ يلينُ لها قلب و تأتي لزيارته و حبيبته التي هجر الدنيا و مالها ليحظى بشرفِ إنها حبييبتهُ لم يلن قلبها و ما أتت لزيارته.
أما هذه ,فهي قصيدة ذات طابع حسي قومي يهجو فيها سلاطين آل عثمان و ينصرُ الحق " حق التاريخ" لأمراء بابان و أهلها .
و القصيدة بعنوان:
dil xemgîne
dil û hinav birîndare, dil xemgîne bê te
serê min gêje, canê min bê cane bê te
ji çav iş-;-q û ji dil ah û kedere bê te
te tîrên tofane, ba û barane bê te
serê min mestûr û sînga min cenge ,dil def
xefet yar û meqam nalîne bê te
wiha ez bûm ş-;-ah û sultan û walî
tu bi xwedê ,can qet najî bê te
sa îqe û berqî di nehsed zilmetê de ş-;-erq û xerb
berdebarane bi xussussî li ser mulkê baban
qewmê kurd bi girî dikin bo axa û mezinan
nîvî bend kirin, nîvî kuş-;-tin, nîvî wan sirgûn kirin
و ها هو ذا يقول و يتألم لآلام شعبه :
القلب مكسورٌ حزين
" القلبُ جريحٌ و أحشائي في جسدي جرحى
من دونكِ القلبُ مكسورٌ حزين
رأسي نشوانٌ ....ثَمِلْ و روحي من دونِ روحٍ
من دونك
هي سهام الطوفان
ريحٌ تنطح و هي من دونكِ مطرٌ
مستورٌ هو رأسي
و في صدري تدورُ حرب
و القلبُ طبلٌ يعلنُ صرخة الخوف
الحبيبُ حُزني....
و مقامُ الشعر حسرةٌ مكسورةُ الجناح
من دونك
وهكذا و قد صِرتُ مَلِكاً شاه
و والياً و سيدَ سلطان
أنتَ بالله تُحمى ....
و قطُّ لا يحيا الروح من دونكْ
الصاعقةُ و البرق في تسعمائةِ ظلمةٍ و سواد
في شرقنا و الغرب
و الثارةُ و قيامةُ الموت
مخصوصٌ على مُلكِ بابان
و القومُ الكورديُّ...بالدمع يعملون
من أجل آغواتِ كوردستان و سادتها الشرفاءْ
و هؤلاء الأتراك ...آلُ عثمانٍ و طوران
أعتقلوا و أَسروا ما أسروا من أهلنا
وقتلوا النصف
و النصفُ الآخرُ و قد حملتُهم إلى المنفى رياح"
قد كان هذا هو شاعرنا "كوردي" عبقرية الشعر في اختيار العاطفة و الحس و الخيال و مفرداتٍ تنسجمُ و الحالة و كلاسيكيةٌ للغزل القديم على إيقاعٍ أصيل في مدحه و عتابه و تصوير الألم و الأسرُ في تشنًجِ الصميمْ.
آلان محمد بيري
قامشلو
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟