أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - منى صريفق - قراءة مفهومية في-مقالة هويتي، إنتماءاتي- ضمن مقالات الهويات القاتلة لأمين معلوف















المزيد.....



قراءة مفهومية في-مقالة هويتي، إنتماءاتي- ضمن مقالات الهويات القاتلة لأمين معلوف


منى صريفق

الحوار المتمدن-العدد: 4242 - 2013 / 10 / 11 - 07:11
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


ملخص: الحديث عن الهوية و الانتماء من المناقشات الصعبة التي تلاقي الكثير من الحِدَّة في أوساط الدارسات فنجد جل المناقشات تنحصر في مدى تمظهر الهوية وتعددها على مستوى مساحة السرد فقط.هذا ما جعلنا نغير زاوية الرؤية نحو هوية الكاتب في حد ذاته و مدى تحقق معادلة الهوية و الانتماء الحاصل على المستوى الفردي قبل المستوى الجمعوي.
Résume:Parler de l’identité et les appartenances c’est le sujet plus compliqué dans les déférentes études, puisque en parlant toujours d’une articulation identitaire dans les textes narratifs littéraires c’est tous. Donc en décider de changer la coté de notre vision pour bien comprendre les échos dialectiques entre les déférents éléments fondamentaux de notre recherche « l’écrivain, la relation entre l’identité et les appartenances du l’individu après la société en groupe générale. »
تنتشر النقاشات الأكاديمية حول كل من الهوية التي يكتب بها الكاتب الفرونكفوني وطبيعة انتسابه حقيقة للكيان الذي يعبر بلغته عن أفكاره، سواء على المستوى الإبداعي الفني أم على مستوى المجالات المختلفة: السياسية أو الاقتصادية أو حتى الدينة،التي يُؤطر فيها قلمه حدود الجدل الإيديولوجي والفكري الذي يوّد إيصاله للعالم أجمع،فتنسحب عليه مجموعة من التنظيرات الجائرة والعادلة بالتوازي.لتصبح القضية تتطارح العديد من الأسئلة التي تثير سحب الضباب في إمكانية تواجد حل يقيني يمكننا الاقتداء به،لتكوين فكرة واضحة لا التباس يعتورها حول هؤلاء الكتاب بالتحديد.
كما أن أفق الدراسة الذي يتخذه البحث في حقيقة القضية يفرض على الباحث دوما نوعا محددا من النقاش وفق كيفيات تغيّب الطرف الأهم في القضية ألا وهو الكاتب، إنه مركز وجوهر التساؤل الذي يجعل من الأسئلة تتناثر ذات اليمين و الشمال دون أدنى يقينية قارة -بعد الصراع الذي يحدث في المناقشة طبعا-كما أنه قد يعيق نظرة مقالنا هذا كون نية الكاتب و رأيه في سبب اختياره لغة الآخر كوسيلة للتعبير هي من الأفكار التي تتعدى حدود المعقول المتعامل به منطقيا و علميا على كثير من الأصعدة البحثية المعاصرة، إلا أن الدراسات المقارنية المعاصرة توعز الكثير من الأسباب التي تقدم نوعية جديدة على شاكلة هؤلاء الكتاب، إلى نظرة الكون الواحد و المدينة الصغيرة التي بٌرمجت في قانون العولمة ليصبح الكتَّاب من المؤسسات التي تحتمي بظل المدَنِيّة الكزموبوليتية بسهولة تامة و أريحية لا مثيل لها.ومن باب مناقشة الأمر على وجه التدقيق لابد لنا من إختيار رؤية تطرح الفكرة التي نحن بصدد مناقشتها عن قرب.و لا أكفأ من مناقشات "أمين معلوف" لهذه الإشكالية من منظور سياسي وفكري بحت والتي تشكلت في مقالات سياسية بعنوان" الهويات القاتلة".
--;---;-----;--- نظرة في تجليات الهوية:" الإنسان قد أشكل عليه الإنسان "
* -;---;-----;--- التوطئة :
يطرح أمين معلوف مفهوما توفيقيا للهوية التي تتعلق بالفرد تجاه الكيان المجتمعي الذي يحقق الانتماء فيه بتميزه عن غيره أي "الأفراد العاديين" وذلك في قوله:" الهوية لا تتجزأ أبدا و لا تترواح في الصغر و لا في الكبر و لا تتلاشى.أنا لا أملك هويات متعددة، أنا أملك هوية واحدة فقط هي التي تجمع بين عناصر مختلفة، هذه العناصر هي التي جعلتها تتشكل بطريقة مميزة عن طريق جرعة زائدة من التلاقح الحاصل بين الأنا و الآخر، أنا أحقق تفرّدا لا يجعلني كالآخر" يؤسس هذا القول لفكرة الهوية المتشظية التي يعاني منها الكاتب والمولود من أب وأم من جنسيات متعددة.الأمر لا ينحصر في دائرة ضيقة كما يظهر من المناقشة السطحية للأمر.إن الهوية التي يناقشها أمين معلوف في هذا القول تتطارح العديد من النقاط التي لا يمكن غض البصر عنها و هي كالآتي:
- الهوية لا تتجزأ: الهوية التي يناقشها بهذا الصدد هي الهوية التي لم تعد إنتاجا أدبيا ولا حتى مجرد تمظهرات تعكس حضورا لها داخل الخطاب،بقدر ما هي صفة تكون لصيقة بالإنسان الذي يعيش داخل كينونة مجتمعية فيها العديد من المراتب التي يجب الوصول إليها لتحقيق الانتماء السياسي والديني و الاقتصادي وغيرها من المكونات الضمنية لمقولة الانتماء لأمة في حد ذاتها.
- أنا لا أملك هويات متعددة: تناسق الهوية وتركيبها عن طريق مجموعة من العوامل في نظره يجعل منها هوية مميزة لا متشظية تنكفئ على نفسها لتسبب للفرد نوعا من الانطواء و العسر التواصلي بينه و بين أفراد الكيان المجتمعي الذي يعيش فيه. بل العكس من ذلك تماما فهي تطرح فكرة الحوار و تفتح الباب على مصراعيه لتلاقي الانا بالأخر دونما حرج أو حتى ضغائن استباقية للحرب أو ما شابه.
- التميز الحاصل على مستوى الهوية عن طريق تضافر العديد من العوامل :
إن الفرد الذي يولد أو حتى تتكون من حوله معطيات تجعل منه يتعرض لتحويرات في رسم خطوط الشخصية العريضة، التي كوَّنها في مدة زمنية محددة وغالبا ما تتشابه و الأفراد الجدد الذين يعيشون معه في ذات المجتمع، ما هي إلا مجموعة من النقاط التي تٌسجل لصالحه، فيكون هو ثمرة التلاقي بين عديد العناصر التي تزيد من قوته و مرونته في كل المجتمعات،و بهذا يكون ذلك الفرد مميزا على عديد الأصعدة،خاصة الصعيد التنسيقي بين عناصر العالم المختلفة.فهو أحسن من غيره في كثير من النشاطات التي يقوم بها المدني العادي على صعيد الفكر و على صعيد التواجد داخل كيان مجتمعي متعدد هو في قانون العولمة يدعى العالم المدينة.
- جرعة زائدة من التلاقح الحاصل بين الأنا و الآخر:
هذا صنو ما يجعل الخلاف يشتد، فما هو إلا نظرة توريطية إلى حد بعيد.فالجزم بالانتماء لا يعني الجزم بوجود هوية ثابتة لا تركيبية فيها. و هذا ما جعل "أمين معلوف" يفصل في كثير من مواضع مقالاته بين الانتماء و الهوية ،الأصول أي البدايات و الجذور الذي يتأتى منها العنصر المؤسس لكينونة الفرد داخل مجتمعه سواء القديم أم الجديد الذي تفرضه عليه التغيرات التي حققت له الكثير من اللانمطية في تكوين حضوره الدائم.
- هويتي انتماءاتي:
يطرح أمين معلوف في هذه المقالة عديد المفاهيم من بينها : مفهوم الانتماءات "les appartenances"و مفهوم التركيب المعقد "la complexité"الحاصل على مستوى الهوية للإنسان باعتبارها مفهوما قيميا حاصل على المستوى الفعلي لا تمظهرا حاصلا على المستوى السردي في النصوص الإبداعية فقط،إذ زاوية الرؤية تختلف فنحن هنا في مرحلة قبلية تسبق انتاج تعدد الهوية في الخطاب الروائي بأشواط كثيرة. كما أن الحوار الشامل لهذه الرؤية الماهوية يقدم العديد من المناقشات على صعيد الرؤية النشاطية التي يقوم بها الانسان المتعدد الهوية في كثير من أماكن تواجد( الآخر/ المستوعب) الأساسي لهذه التناقضات،إن هذا الطرح ما هو إلا نوعية رفيعة من الاستبطان و التأملات المناوئة طبعا للسفسطة التى لا طائل من ورائها.
-الانتماء:
يحدد علماء الاجتماع والنفس حدودا فاصلة في تعريف الانتماء،متخذين بعين الاعتبار أن له أنواعا وأسسا يقوم عليها،بالإضافة إلى مجموعة من المؤثرات التي تساهم بشكل جذري في تكوين نوعية الانتماء لدى الفرد،فيوجد الانتماء الوطني، السياسي والديني.و هذا مماثل تماما لما يطرحه "ديفيد ماكليلاند"-;---;-----;--- بالتحديد أثناء حديثه عن مصطلح "الحاجة إلى الانتماء" وهو مفهوم أساسي للطبيعة البشرية،فالإنسان حسب نظريته في أمسِّ الحاجة للشعور بالانضمام لمجموعة بشرية معينة،فالانتماء هو علاقة شخصية إيجابية وحميمية في بعض الأحيان ،و هذا صنو ما طرحه "هنري موراي"-;---;-----;--- بخصوص إمكانية اشتمال الانتماء على نوع من:" الاهتمام بانشاء علاقات عاطفية ايجابية أو الحفاظ عليها أو استعادتها مع شخص أو أشخاص آخرين"
الا أن الطرح المعلوفي لمسألة الانتماءات كان أوسع و أدق من حيث تقديمة للأمثلة الواضحة و الواقعية من خلال قضية المتزوجين من ثقافات و ديانات مختلفة :" و نظرا لهما فإننا نجد كل منهما يحمل انتماءاته التي تشربها من والديه منذ ولادته " إن مناقشة مسألة الانتماءات تنطلق في الأساس من تحديد أطر التعامل مع مفهومها عامة إلى غاية الخوض في التحديدات التي يقدمها الفكر المعلوفي. فالانتماء هو تلك العلاقة المنطقية القائمة بين الفرد والصنف الذي هو أحد أفراده ، إن الرؤية هنا تطرح لنا مفهوم المشاركة التي هي صنو ما يطرحه"لفي بروهل"-;---;-----;--- "إن بين الفرد و الأشياء التي يملكها مشاركة، حتى و إن كانت هذه الأشياء منتزعة منه وداخلة في ملك غيره،فإن نسبتها إليه في وقت من الأوقات تجعل المشاركة بينه و بينها دائمة" و هذا ما يحرض تواجد المقومات اللازمة ليتمكن كل فرد من الانتساب في كيان معين في أقرب وأقصر الآجال. إن التأسيس الموفق الذي استطاع الكاتب الوصول إليه لا يتعد كونه استطاع الخوض في مسألة الانتماءات و التركيبات المعقدة من باب هي مشاركة تحصل في أي مكان و زمان، وهذا ما جعل نقطة الفطرة و المعززات الاجتماعية القارة في الوعي تسقط سقوطا مبالغا فيه على الرغم من أنها من البيئات الأولى التي تساهم في تنميط مجريات التركيب الداخلي لدى الفرد. ليصل في عرضه المستمر للمفاهيم المتعلقة بالهوية ،فيطرح فكرة جريئة إذ على الإنسان الفصل بين التناقضات التي تسكن العالم برمته قبل الجزم في نقاء هويته، على الرغم من أن نقاء الهوية كما يٌفرد دوما ما هو إلا أسطورة لا يمكن أبدا الاعتقاد بضرورة تحققها على أرض الواقع بوجود التركيب المعقد و الإنتماءات؛ "فهي عناصر تخلق نوعا من الاختبار على مستوى الهوية كما هو بالتحديد في اختبار المستوى الفكري للوعي الخاص بي" و قد أفرد بقوله أن لهذا الاختبار هدف هو الحصول على "انتماءات أساسية" و هي تلك الانتماءات التي تُحَدِّدُ بمشروعية تامة مدى أسبقية حضور عناصر على الأخرى داخل التركيبة المجتمعية التي يعيش ضمنها في الوقت الراهن. من هذا نستطيع الاستنتاج إن الانتماءات في الفكر المعلوفي متعلقة بعناصر لا يمكن الجزم في مدى ثبوتها بقدر ما يمكن الجزم أنها تكون من العناصر التي تتركب عبر زمن معين و هدف بعينه و مجال ذو خصوصية فائقة الدقة،بالإضافة إلى نوعية من الترتيب الذي يجب أن تتعرض له هذه العناصر لتحقيق امكانية الفصل بين مراتب تشكل الهوية في خضم كل هذه الصراعات بين التنشئة و التطور الحاصل على عديد مستويات الوعي لدى الفرد الذي لا يقبل بدوره التوسط داخل مجتمع قد أخذ منه الكثير دون أن يحصل على تأشيرة الانتماء له على جميع الأصعدة:السياسية و الثقافية و الاقتصادية و غيرها إلا التوجه الديني -طبعا-، فهو يطرح اشكالية أخرى تستشكل أمام الخائض فيها، إن هو تجرأ ليجعلها من الأمور التي يمكن الجزم في حيثياتها المتجاورة.فالتوجه الديني يؤسس لانتماءات عالمية قبل أن تكون انتماءات فردية بالدرجة الأولى وهذا ما يٌعَقِّد الأمر بالنسبة لذوي الجذور المختلطة والديانات المتنوعة.
لا جرم إذن أن الاختبار المستوياتي للوعي بالهوية القارة فينا ما هو إلا أحد أهم المباحث التي توعز للفرد الفضل الأول و الأخير في تقديم تركيبة مميزة على عديد المستويات.و هذا ما يجعل من تحقيق الانتماءات الأساسية نوع من الخوض السليم و المنطقي،الذي يحقق معادلة صعبة التحقق بالنسبة لكثير من الأفراد الذين يعيشون في بيئة اجتماعية غير متغيرة أي ثابتة المعالم الجغرافية و العقدية أيضا. إلا أن من الاشكالات التي تعترض طريق الفرد الباحث عن أسياسيات هويته هي اللغة؛ إن اللغة كعنصر أساسي في تحقيق التوازن الفردي داخل أي مجتمع ،كانت إحدى العناصر التي تخلق نوعا من البلبلة التي تجعل من عقول الكثيرين يصيبها الشطط ،لتخرج عن حدود المألوف فتتجنى على من يكتبون ويتكلمون بلغة الآخر ،على الرغم من أن هذه النقطة تجعل منهم يحققون انتماءا فرعيا يدخل في تركيبة هويتهم في الفترة الزمنية التي يعايشونها تماما مثلهم مثل أي فرد عادي لم تُلزمه ظروف خاصة على تغيير المناخ الفكري والثقافي و الاجتماعي الذي نشأ فيه أثناء فترة تلقيه مكتسباته الفطرية التي تعالج مستويات الوعي المبدئية لديه في أغلب الحالات،فتصبح مشاعره ذات توجه جمعوي قبل أن تكون ذات توجه فردي شخصي بخصوص رموز اصطلحنا عليها تسمية رموز الأمة من لغة و جغرافية ومصير و بناء تاريخي قار في عمق التوجهات الذهنية التي تسيطر على الفرد منذ ولادته وتلامسه بالمحيط الذي يعيش داخله . غير أن الواقع يثبت لنا عكس ذلك تماما و هو صنو ما يطرحه لنا "أمين معلوف" فالتركيبة التي تتأتى عليها الهوية كما نراها نحن في صورتها الظاهرة " لا تتأتى دفعة واحدة إنها تتركب و تتغير على طول زمن الوجود الذي يشغله الفرد" من خلال المخطط الاتي الذي سنقدمه لتوضيح الفكرة جليا:
على سبيل المثال فرد له الخصائص التالية:
الجنسية و العقيدة هي :لبناني و مسيحي ، فاذا كان لبنانيا فهو عربي و بالتالي اللغة المختارة هي اللغة العربية، اما من حيث الديانة فهو مسيحي، إذن تكون الدراسة في مدارس ذات توجهات مماثلة و أغلب هذه المدارس تتكلم اللغة الانجليزية و تتمركز في دول أجنبية.
إلا أن النقطة المشتركة التي تجمع بينهما هنا هي: أن كل توجه من بين التوجهين هو في الأساس ينتمي إلى مجموعة معينة من الأفراد،هذا إن نحن تغاضينا عن مقولة الحدود الجغرافية كحد أقصى. فهو يقول :" كل انتماء من انتماءاتي التي ذكرتها سابقا ما هي إلا عبارة عن علاقات تربطني بأكبر عدد ممكن من الأفراد الذين يتشابهون و اياي في آفاق كثيرة،وبهذا تكون هذه الانتماءات من العناصر الرئيسية في توضيح خصوصية هويتي " فتتأتى لنا تقديرات لا يمكن القول بجزافيتها مطلقا،ذلك أن الفرد مهما كان غريبا عن تواجد إنساني بعينه فهو ينتمي إلى كيان مجتمعي آخر ،سواء كان مشابها أم مختلفا،لأن الاختلاف في الأساس سيكون اختلافا في الطريقة ، وكما يردف الكثير من المتكلمين القول عن الاختلاف في "كون الموجودين غير متماثلين وغير متضادين" فالقضية إذن تتعدى كون الاختلاف هو نوع من التضاد السلبي الذي يمنع التواصل أو حتى الالتماس في نقطة معينة؛لأن النقطة المشتركة متواجدة و لا يمكن أبدا دحض إمكانية تحققها في ساحة التأسيس لمشروعية الهوية عن طريق انتماءات أساسية و أخرى فطرية تميل لكونها جينية مبدئية الظهور فقط-حسب نظرة الكاتب طبعا- خلال فترة معينة من حياة الإنسان لتصبح في مراحل متطورة ذات أبعاد جديدة متعلقة طبعا بالبيئة و مدى مرونة الفرد و الوسط الذي يعيش فيه، و الكيان المجتمعي الذي أصبح رسميا منتميا له دون أن ننسى أنه منتمي في مرحلة مبدئية لكيان آخر، هذا ما يزيد من تركيبة هويته تميزا و قوة و مرونة تامة و بهذا نكون قد تحصلنا على حالة مميزة زودتنا بها الانسانية"فالحياة العالمية تخلق لنا دوما نوعا من الاختلاف و هو بمثابة إعادة إنتاج للهوية،لتصبح ذلك التركيب المميز -دون أدنى شك - لان هدفها هو تقديم الهوية المركبة بكل تجلياتها،أنها هي التي تتجسد في حيز خاص بها لتلتصق بكل فرد ،تعبيرا عن حالتها المركبة و الفريدة من نوعها و غير القابلة للتغيير أو حتى الذوبان في الآخر " ، الهوية المركبة عند أمين معلوف تحل محل الهوية التي أصابها التهجين؛قد نعتقد أن المفهوم ذاته و أن الاشكال كائن على مستوى اختيار المصطلحات،إلا أن واقع كتابته يعطينا حيثيات أخرى تجعل من المصطلحين مختلفين في نقطة و هي الاستنكار ،فقولنا هوية هجينة ليس قولنا هوية مركبة لسبب بسيط جدا هو أن جل من استعمل مصطلح التهجين كان هدفه الحديث عن نوعية من الأفراد و الكتابات التي تنأى عن الهوية و هنا يتأكد نوع من النفي لكل ما يمت للانتماء بصلة،في حين نظرة "أمين معلوف " للهوية هي نظرة توفيقية سلمية حوارية بالدرجة الأولى،فهي ترى في الهوية المركبة نوعا من التميز و الامتياز الذي يحصل عليه الفرد و الكاتب،فهو يمثل الأقلية أو لنقل مجموعة مميزة تنأى عن كونها تتخبط في تحديد انتماءات موحدة ،أو تتخلى عن كينونتها السَّابِقة التشكل في مجتمع قبلي -هو في حقيقة الأمر أول المراحل و أصلبها في بناء هوية مماثلة -لتذوب في كيان جديد عنها تماما. في حقيقة الأمر الموضوع ينأى من المناقشة العقيمة ذات الأبعاد الأحادية التي تعطينا توجها استنكاريا للتركيبات المختلفة للهوية،ذلك أن الهوية المتكاملة في هذا الحيز تفرض على الفرد قدرة على قراءة أبعاد جديدة و مثمرة تنتج لنا هوية هي هوية غير هجينة بقدر ما هي مركبة و مميزة على عديد الأصعدة منها الثقافية خاصة.هذا إن لم يحاول كل من المشتغلين على الهوية رصد عناصر خارجية تمس الهوية في تركيبتها أي الانتماءات الثانوية التي تتمثل في اللون و التوجه السياسي و التاريخي الذي ينتمي إليه الإنسان.فالتصريح بالهوية أضحى يقوم على نظرة تمييزية غير مفعّلة الأسباب،فيقال فلان إفريقي أو ذو أصول إفريقية لمجرد كونه زنجيا، أو تلك فتاة مسلمة و الأخرى مسيحية من طبيعة اللباس فقط ،فندخل في عملية تصنيفية عقيمة لا طائل من ورائها إذ إن الدافع العنصري في حقيقة الأمر هو من يتحكم فيها و يعطيها نوعا من التغليط والشطط المثير للتأزم على مستوى التفاعل الحاصل بين الأفراد.صحيح إن البيئة تؤثر أيما تأثير في بلورة نمطية تراتبية منقطعة النظير في تشكيل هوية معينة للفرد،إلا أن هذا لا يعني بتاتا أن الفرد لا يمكنه الاستزادة من الآخر باعتباره كيانا مختلفا بإمكانه الأخذ و العطاء على السواء،بإمكانه التأثر و التأثير دونما أية معيقات تسبب في خلق نزاعات طويلة أو قصيرة المدى على صعيد الممارسة الإنسانية للكينونة في حد ذاتها. فالحوار الحضاري الذي يناقشه كاتبنا يفتح آفاقا متجددة على الدوام،هذه الأفاق تؤسس لمقولة التعايش مع الآخر سياسيا،ثقافيا،اقتصاديا،ايديولوجيا،وحتى دينيا،فالعنصر المراد حمايته من التأزم و الاستنكار هو الهوية الفردية قبل الجماعية. لذا نجده يطرح سؤاله الذي حمل انشغالات كثيرة : " لماذا تمنح قيمة التهجين قيمة قصوى لدى مجتمعات دون غيرها ؟ " صحيح قوله ومدى تفعيله في الحيز العربي على الخصوص،إذ المعطيات جلها تشير بأصابع الاتهام نحو الكينونة العربية التي ترى في كل تزاوج بين الأنا و الآخر نوعا من الذوبان و الاحتلال. إن نمطية الاحتلال فعلا تتوجه بطريقة سلمية يلفها المكر و لكن لا يجب علينا أن نجعل من الفرد كبش الفداء الوحيد في هذه المسألة،فالهوية الهجينة أو المركبة على رأي كاتبنا ليست عشبة ضارة علينا استئصالها بقدر ما يجب علينا أن نبحث عن دواء لها يساهم في خلق جو تسيره المرونة و النفعية التامة و الذكاء على مستوى التعامل الجاد بين الأنا و الآخر ومختلف توجهاته.فالحوار بين الحضارات كما يسميه "روجيه غارودي"-;---;-----;--- ليس إلا إطلالة ذكية على جوانب الآخر الذي يكملنا . و هذا فعلا ما جعل كاتبنا يقدم مثالا دقيقا في هذه المسألة،فالولد الذي نأخذه من بيئته إلى بيئة أخرى،هذا التغير سيجعلنا نرى كل الفروقات بدءا من عدم تساؤل الولد حتى عن إمكانية تواجد دين سابق لدينه الذي هو يعتنقه الآن أو حتى عن لغته التي يتكلم بها ولا حتى عن أمته التي سبقت،فالانتماءات تتشكل بطريقة مركزة من خلال التأثيرات،تأثيرات المقربين من الفرد ذاته ابتداء من الأبوين إلى غاية المجتمع الذي يعيش فيه.
و قد نضرب مثالا على ذلك من حقيقة منبعها الجزائر،التي عانت من الاستعمار لسنوات طويلة،وهذا ما جعل مسألة الانتماءات من المسائل المتأزمة على مستويين،المستوى الأول هو الحرب كمبدأ مخالف للإنسانية،والمستوى الثاني هو النوايا التي استهدفت الجذور و الانتماءات الجزائرية على كافة أصعدة الوعي الذي يبنيه الفرد الجزائري أثناء سنوات تشكل هويته.لن يطول بنا المقام مع هذا المثال بقدر ما ستطول مناقشة النتائج التي حدثت جراء هذا الفعل،فالتشويه الذي حدث داخل المنظومة المجتمعية الجزائرية بفعل التفكير الفرنسي لهو من أهم المسائل التي جعلت من تعدد الهويات يسكننا حد التشويه،فالكيان الجزائري باعتباره الأضعف سياسيا و ثقافيا كان لابد له من انتهاج و اتباع انتماءات أخرى تساهم في تقديمه للآخر كتلميذ نجيب –الحديث هنا على الأقلية التي أرادت مستوى آخر غير الذي عاش فيه معظم الجزائريين الذين ارتضوا البقاء في غبن و فقر حتى لا يخسروا هويتهم النقية آنذاك - اذن كانت تلك الأقليات الجزائرية تريد نوعا من الانتماء و الانتساب الذي يمنحها حقوقا مماثلة للفرد الفرنسي لكن هيهات،فالكينونة الفرنسية كانت تريد وطنا جديدا تابعا لممتلكاتها،إنها معطيات لا يمكن التغاضي عنها و لكن أين محل الفرد الجزائري و غيره ممن حدث لهم نفس الموقف في بلدان العالم أجمع،فهم في كل الاحوال قرروا ضرورة اعتناق هكذا انتماءات ؟
هذا ما يجيب عليه أمين معلوف في قوله لنا :"الهوية ليست عملية مشابهة في القرائن بل هي عملية رسم للحدود البنائية لها على جلد طري قابل للتحوير في كل زمان و مكان " إذن نستنتج من هذا القول و مما تقدم ما يلي:
- الهوية في نظر أمين معلوف هي عبارة عن تركيبة تساهم في بنائها الانتماءات الذاتية للشخص.
- الانتماءات هي ذلك العنصر القابل للتغير في أي زمان و مكان خاصة و ان مررنا باختبار الانتماء الحقيقي الذي يكون في سنوات متقدمة في حياة الفرد .
- لا توجد هوية هجينة بل توجد هوية مركبة هي امتياز يحصل عليه الفرد على مستويين : مستوى الالتقاء بالأفراد و مستوى الانفتاح الحقيقي على آفاق لا يعرفها الفرد العادي الذي يلازم منطقته الجغرافية و انتماءاته الفطرية الأساسية فقط.
- الانتماءات هي اختبار يثير الكثير من التساؤلات و لكنه يجعل من الفرد قويا و قادرا على مجابهة كل التغيرات الحادثة في إطار المدنية الكوزموبوليتية و روح تحاور الحضارات.
- الهوية ليست تمظهرا خطابيا يمكن الكتابة عنه أو حتى تجسيده في السرد كأحد المستنكرات التي يعاب بها الزمن المعاصر فقط.لأنها قضية فرد يريد الحكم العادل على نمطية هويته لا نوعا من التجريم و التهكم.
- الفرد الذي يملك هوية مركبة هو فرد مميز،بالإضافة أنه لا يوجد فرد يملك هوية صافية فالانتماءات هي التي تحدد الهوية و ليست الهوية التي تحدد الانتماءات.
- الهوية في حد ذاتها عبارة عن تركيبة شائكة لابد لنا من الوقوف عليها و التركيز في دراستها فهي ليست قيمة يمكننا تقييمها لإعطائها علامة مسجلة تحقق لها مدى صلاحيتها و مشروعيتها بطريقة عامة و مباشرة،فالشمولية لا تتوافق و النظرة للهوية خاصة الهوية الفردية التي تؤسس للهوية الجمعوية.
* هوامش المقال
أمين معلوف:أديب و صحافي لبناني ولد في لبنان (25/02/1949)أصدر أول أعماله الحروب الصليبية كما رآها العرب عام 1983، ترجمت أعماله لعدة لغات ونال عدّة جوائز أدبية فرنسيةمنها جائزة الصداقة الفرنسية العربية 1986.عن روايته: "ليون الإفريقي".كما حاز على جائزة "كونغور" أكبر الجوائز الأدبية الفرنسية 1993 عن روايته" صخرة طانيوس "، يعرب الكثير من النقاد أن مشروعه الإبداعي يتعمق في التاريخ من خلال ملامسة أهم التحولات الحضارية التي رسمت صورة الغرب و الشرق على شاكلتها الآن.
Amin Maalouf, les identités meurtrières , livre de poche, éd Grasset et Fasquelle,1998. P08.
: (1917/1998)، باحث نظري أمريكي في مجال علم النفس،اشتهر بعمله في نظرية الحاجة.David.C.Macclelland ديفيد ماكليلاند: -;---;-----;---
Zimbardo,P,and Fomica, R 1963, « Emotionnal comparision and self- esteem as determinants of Affiliation, journal of Personnality,31/2,142/162.
-;---;-----;--- هنري موراي (1893/1988)عالم نفس أمريكي درّس لأكثر من ثلاثين سنة في جامعة هارفرد، له دراسات عديدة في نظرية الحاجة والسلوكات البشرية.
Byrne, D,U,Texas(1) Anxiety and the exprimental Arousal of Affiliation Need, journal of abnormal psychology.360/660.
Amin Maalouf, les identités meurtrière, cité d’avant p18.
ينظر جميل صليبا، "المعجم الفلسفي بالألفاظ العربية و الفرنسية والانجليزية واللاتينية" ج1 دار الكتاب اللبناني بيروت /لبنان 1982، ص152.
-;---;-----;--- ليفي بروهل/ Levy bruhel " (1857/1939): لوسيان ليفي بروهل، فيلسوف وعالم اجتماع و أنتولوجي فرنسي، له بحوث في العقلية البدائية، كان أستاذا بجامعة السربون منذ 1899، أهم كتبه:" الوظائف العقلية في المجتمعات البدائية 1910، و العقلية البدائية 1922. "
Levy bruhel,L’ame primitive.p132.150
Amin Maalouf, les identités meurtrière, p23.
Ibid p23.
Ibid p31.
Ibid p25.
ينظر جميل صليبا، "المعجم الفلسفي بالألفاظ العربية و الفرنسية والانجليزية واللاتينية" ج1، مرجع سابق ص 210.
Amin Maalouf, les identités meurtrière, cité d’avant p28.
Ibid p32.
Ibid p32.
-;---;-----;---روجيه غارودي : فيلسوف و كاتب فرنسي (1913/2012) كان يعتنق المسيحية ولكنه أسلم و غير اسمه إلى رجاء غارودي، كتب كثيرا عن حوار الحضارات، و نمطية العيش في كينونة واحدة.من أشهر مؤلفاته حوار الحضارات. كما أنه دافع عن القضية الفلسطينية من خلال مؤلفاته التي تدافع عن الاسلام.
Amin Maalouf, les identités meurtrière, cité d’avant p34.



#منى_صريفق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مراهق اعتقلته الشرطة بعد مطاردة خطيرة.. كاميرا من الجو توثق ...
- فيكتوريا بيكهام في الخمسين من عمرها.. لحظات الموضة الأكثر تم ...
- مسؤول أمريكي: فيديو رهينة حماس وصل لبايدن قبل يومين من نشره ...
- السعودية.. محتوى -مسيء للذات الإلهية- يثير تفاعلا والداخلية ...
- جريح في غارة إسرائيلية استهدفت شاحنة في بعلبك شرق لبنان
- الجيش الأمريكي: إسقاط صاروخ مضاد للسفن وأربع مسيرات للحوثيين ...
- الوحدة الشعبية ينعي الرفيق المؤسس المناضل “محمد شكري عبد الر ...
- كاميرات المراقبة ترصد انهيار المباني أثناء زلازل تايوان
- الصين تعرض على مصر إنشاء مدينة ضخمة
- الأهلي المصري يرد على الهجوم عليه بسبب فلسطين


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - منى صريفق - قراءة مفهومية في-مقالة هويتي، إنتماءاتي- ضمن مقالات الهويات القاتلة لأمين معلوف