|
كلمات حول: أزمات النظام الرأسمالي وانعكاساتها على الساحة العربية
فرج عبد الفتاح فرج
الحوار المتمدن-العدد: 4241 - 2013 / 10 / 10 - 09:30
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
قد يكون من حق القارئ، في بداية هذا المقال، أن يتعرف على منهج المعالجة لهذا الموضوع. أن منهجنا في تحليل هذا الموضوع يعتمد على ما قدمه "فلاديمير لينين" في سفره العظيم الاستعمار أعلى مراحل الرأسمالية، قد يقول قائل هل هذا المنهج مازال صالحاً لتحليل سلوك النظام الرأسمالي وانعكاساته على المنطقة العربية بعد مرور كل هذه السنين؛ بعد أن تحررت الشعوب العربية والشعوب الأفريقية من الاستعمار.? أقول وبكل ثقة نعم مازالت الأفكار صالحة ومازالت المنهجية قائمة، لأن الامبريالية غيرت من أشكالها، ولكن جوهرها مازال موجوداً سواءً كان الاستعمار عسكرياً أو تغير شكله إلى الشكل الاقتصادي، إلا أن جوهرها واحد: يتجلّى في الاستغلال وسلب الفائض الاقتصادي، وإن أدت الأمور في النهاية إلى اشتعال الحروب حتى وإن كانت حروباً عالمية. سوف نتناول في هذا المقال إلى أزمات النظام الرأسمالي، وكيف مارست الرأسمالية صوراً مختلفة للاستغلال حتى بعد زوال الاستعمار بشكله التقليدي، ثم ننتقل بعد ذلك إلى الانعكاسات على الساحة العربية، يلي ذلك نبذة مختصرة عن طريق القوى التقدمية للعمل المستقبلي.
أزمات النظام الرأسمالي وتجسيد الاستغلال للجماهير المطحونة
لقد اندلعت المظاهرات والإضرابات والوقفات الاحتجاجية في "وول ستريت" منذ منتصف سبتمبر 2011، وكان ذلك الشارع في مدينة نيويورك في الشرق الأمريكي هو ذاته الشارع الذي خرجت منه أزمة التمويل العقاري في العام 2008، بل أنه هو بمثابة نادي القمار العالمي. أن تاريخ الاقتصاد الأمريكي يقرر بأن الحروب المسلحة هي سمة لصيقة ومتزامنة بحالات أزمات النظام الرأسمالي، فقد خرج العالم من أزمة 1929 – 1933 ليشعل حرباً عالمية ضروساً تنعكس أثارها السلبية على الدول الموعودة بالحصول على الاستقلال السياسي بعد تحقيق الانتصار، ولكن هل وفت الدول الاستعمارية التي انتصرت في هذه الحرب بتلك الوعود، أعتقد أن جوهر المسألة يقرر بأن هذه الدول لم تتخلّ عن نزعتها وفعلها الاستعماري ضد شعوب هذه الدول، وإن كان الشكل قد تغير من احتلال ووجود قوات عسكرية إلى شركات متعددة الجنسيات، تمارس أبشع صور الاستلاب لهذه الشعوب وتزيد أبناء شعوب هذه الدول فقراً. ولكن لصالح من كل هذه الممارسات? هل لصالح أبناء تلك الدول المنتصرة؟ لا، فإن الأمر ليس كذلك. فالبيانات المتاحة تقرر بأن الولايات المتحدة وحدها تستحوذ على 25% من الدخل العالمي، ويبلغ متوسط نصيب الفرد فيها 40000 دولار سنوياً ولكن في أقل التقديرات يوجد بها 46 مليون شخص تحت خط الفقر (أزيد من 15% من عدد السكان) منهم 16.5 مليون طفل، 44 مليون نسمة من المواطنين الأمريكيين يسدون حالة الجوع على ما تقدمه الجمعيات الخيرية من غذاء ومواد غذائية، 50 مليون مواطن أمريكي لا يوجد نظام تأميني صحي لتوفير العلاج الضروري لهم، وفي المقابل فإن 1% من المواطنين الأمريكيين أو عدد لا يتجاوز 3 مليون مواطن أمريكي يحصلون على 40% من الدخل الأمريكي.
ثانياً: الانعكاسات على المنطقة العربية
لقد استطاعت الولايات المتحدة أن تخلق لها، داخل الدول العربية، طبقة كومبورادورية تقوم بالتخديم على مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وتعمق فجوة توزيع الدخل في الدول العربية على النحو الذي يمثل شكلاً حاداً مقارنة بما هو عليه الحال في الولايات المتحدة. هل من قبيل الصدفة أن تتشابه مطالب حزب العمال الشيوعي التونسي بعد أكثر من عام من اندلاع الربيع العربي - مع تلك المطالب التي تنادي بها القوي الوطنية التقدمية في الشارع المصري تعبيراً عن مطالب ثورة 25 يناير في مصر فلننظر لأهم مطالب القوى السياسية التقدمية في تونس حيث يأتي في مقدمتها رفع الأجور، وإتاحة الحق في العلاج المجاني، مع السيطرة على الأسعار (سلع الاستهلاك – كهرباء – غاز – اتصالات) لمدة سنتين، فرض ضريبة استثنائية على الثروة، سرعة محاكمة قتلة الشهداء، وإذا تفحصنا مطالب القوى الثورية في كل من سوريا واليمن نجدها لن تخرج في محتواها عن الشعارات الثلاثة التى خرج الشعب المصري للمطالبة بها وهي: عيش – حرية – عدالةٌ اجتماعية. لقد عانى الشعب المصري وأيضاً الشعب التونسي من الشعور بالظلم في عملية التوزيع وإن كلايهما شهد تزاوج المال والسلطة، وتكونت الثروة عند القلة القليلة، أنها طبيعة النظام الرأسمالي والذي اعتبره الحكام من المقدسات، وإصابتهم الارتكارية الحادة من لفظة الاشتراكية دون تمييز، ونقلوا ما توارثوه من الاستعمار بالقول أن هؤلاء الشيوعيين يجسّدون الكفر على الأرض، وقد روجوا وبشدة لما قدمه أستاذ الاقتصاد السياسي في جامعة هوبكنز فوكو ياما في كتابه نهاية التاريخ من أن الاستغلال والخطأ في الفلسفة الرأسمالية كان وفي النظام الرأسمالي خطيئة الرأسماليين وليس خطأ الفلسفة. لقد كان ثمن الخروج من الكساد العظيم وما ترتب عليه من آثار- رغم محاولات "كينز" إعادة ترميم النظام- هو الدخول في حرب عالمية ثانية تحولت بها دول، كانت تعد نفسها في مقدمة الدول المتقدمة، إلى دول من الدرجة الثانية، وتسيّدت الولايات المتحدة دول العالم ومعها حليفها في الحرب الثانية (الاتحاد السوفيتي) في تحالف مشروط، وعندما خرج الاتحاد السوفيتي عن شروط التحالف وبدأ في نشر دعواه خارج حدوده، عرفنا نظام القطبية الثنائية. وكانت الولايات المتحدة قد قامت قبيل انتهاء الحرب، بإلقاء القنابل الذرية على هيروشيما ونجازاكي لكي تسيطر على العالم اقتصادياً بعدما دان لها العالم عسكرياً، فكان مؤتمر بريتون وودز عام 1944، لكي يقرر ربط الدولار بالذهب، وجعل أوقية الذهب بسعر ثابت ملزم للسلطات الأمريكية، ودخلت الولايات المتحدة سلسلة من الحروب استهدفت فيها الحليف القديم حتى يتم تقليص فكره وفلسفته ونشره لمبادئه، فكانت الحرب الفيتنامية والتي أرادت الولايات المتحدة الأمريكية أن تحمّل دول العالم تكاليف هذه الحرب، فما كان من الرئيس "نيكسون" إلا أن خرج على العالم بخطاب قصير أعلن فيه الخروج على قاعدة الذهب (فك الارتباط بين الذهب والدولار) حيث كانت أوقية الذهب مقومة بسعر ثابت 35 دولاراً للأوقية، وهنا أصبح سعر الذهب في السوق العالمي يتحدد وفقاً لقوى العرض والطلب فأرتفع سعر أوقية الذهب عالمياً بما يعني انخفاض القوة الشرائية للدولار، وذلك في الوقت الذي كانت أغلب دول العالم تحتفظ باحتياطياتها من النقد الأجنبي في شكل دولارات فشكّل هذا أكبر سرقة في التاريخ الاقتصادي، وقد استمرت هذه السياسة النقدية منذ ذلك التوقيت وحتى الآن، ومنها ضمنت الولايات المتحدة الأمريكية تمويل نفقات الحروب الحرب الأفغانية والعراقية، وأخيراً الحرب على ليبيا، والبقية تأتي. قد يقول المتأمل أن انخفاض قيمة الدولار على مدار هذه الفترة الطويلة يترك تأثيره على المواطن الأمريكي مثلما ترك تأثيره على مستوى معيشة شعوب الدول خارج الولايات المتحدة، وهذه حقيقة مؤكدة، ولكن مَن مِن الشعب الأمريكي هو الذي تأثر بهذا الانخفاض؟ إنهم الأجراء أصحاب قوة العمل، أما من يملكون رؤوس الأموال فثرواتهم تتزايد، بفعل تراكم الأرباح على حساب الأجور التى تدهورت قوتها الشرائية، وكانت المحصلة الأخيرة هي تلك الصورة التى قدمناها في بداية هذا المقال عن الأحوال الاقتصادية والاجتماعية في الولايات المتحدة الأمريكية. أن الرأسمالية لا تفتقر إلى أساليب تغيير أشكالها المختلفة ولكن جوهرها القائم على استلاب حقوق الآخرين، والجور في العلاقة بين عنصر العمل وعنصر رأس المال لحساب الأخير، ورغم كل ما يترتب عن اختلال هذه العلاقة من مثالب تصل في ذروتها إلى انعكاسات سلبية على عنصر رأس المال ذاته (الأزمات) إلا أنها لا تتخلي عن ذلك الجوهر الذي تنبني عليه العقيدة الاستغلالية الرأسمالية (عقيدة التراكم بلا حدود) حتى وإن كان منتوج هذا التراكم لن يجد من يشتريه. لقد غيرت الرأسمالية وجدّدت من أشكالها في الآونة الأخيرة في محاولة لاستنباط شكل آخر قد يصل بنا لحرب عالمية ثالثة على نحو ما أفرزت أزمة 1929 – 1933 فقد تفرز لنا الأزمات الرأسمالية الراهنة والتي تبلورت بشكل عميق في خريف 2008 حرباً ثالثة، أعتقد أن ذلك ليس بمستبعد، فالفوضى الخلاقة التى تحدثت عنها كونداليزا رايس بشكل عام، منذ ما يزيد عن خمس سنوات، تبلورت اليوم في صراعات داخل الدول العربية والأفريقية (صراعات عرقية، صراعات حدودية – صراعات مذهبية – صراعات عقائدية) أن كل هذه الصراعات من شأنها إفراز قوة تمثل كومبودريات جديدة لخدمة المصالح الأمريكية بالأساس. والآن ماذا نحن فاعلون?. أن طريقنا دائماً هو طريق نضالي لا نستهدف منه إلا تحقيق العدل ونصرة الطبقات الكادحة، وبالتالي فنحن ندرك طول الطريق، أن أول خطوات النضال المرحلي هو تحقيق هدف الإدراك، إدراك الشعوب لمحيطها الاجتماعي داخلياً وخارجياً. وعندما تمتلك شعوبنا رؤيتها الاجتماعية وتسيطر على ثرواتها واقعها الاجتماعي، وتملك تحديد أهدافها المستقبلية، عندها نكون قد حققنا شيئاً له قيمة يعتد بها أمام الأجيال القادمة.
#فرج_عبد_الفتاح_فرج (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كلمات حول: أزمات النظام الرأسمالي وانعكاساتها على الساحة الع
...
المزيد.....
-
“هتقبض وتشتري لحمة العيد”.. موعد صرف رواتب المتقاعدين لشهر ي
...
-
الحكومة العراقية تُعلن إلتزامها بتحسين رواتب الموظفين والمتق
...
-
الجزائر تتوعد برد حازم على تعامل باريس مع اتفاق 2013
-
مصر.. نقابة المحامين تصعد ضد الرسوم القضائية.. والنقيب: ارتف
...
-
الطاهري في إدارية المعادن و الإلكترونيك :
-
تبكير موعد صرف مرتبات شهر يونيو 2025 لهؤلاء الموظفين “أعرف ا
...
-
جهز نفسك يا موظف.. صرف مرتبات العاملين في الدولة قبل عيد الأ
...
-
لقاء نقابي رفيع بين مصر وكينيا لبحث أوضاع العمالة.. وتوجيهات
...
-
هولندا: مظاهرة حاشدة في لاهاي احتجاجا على -الإبادة الجماعية-
...
-
طهران تستدعي القائم بالأعمال البريطاني احتجاجا على -اعتقال م
...
المزيد.....
-
الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح
...
/ ماري سيغارا
-
التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت (
...
/ روسانا توفارو
-
تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات
/ جيلاني الهمامي
-
دليل العمل النقابي
/ مارية شرف
-
الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا
...
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها
/ جهاد عقل
-
نظرية الطبقة في عصرنا
/ دلير زنكنة
-
ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|