أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصناعة والزراعة - كاظم فرهود - هل ما زال الاصلاح الزراعي حي يرزق ام تناهبته الحيتان؟















المزيد.....



هل ما زال الاصلاح الزراعي حي يرزق ام تناهبته الحيتان؟


كاظم فرهود

الحوار المتمدن-العدد: 4231 - 2013 / 9 / 30 - 01:47
المحور: الصناعة والزراعة
    


في 30/9 صدر قانون الاصلاح الزراعي الاول رقم 30 لسنة 1958, اي بعد مرور شهرين و نصف من الاطاحة بالنظام الملكي واقامة النظام الجمهوري في 14 تموز 1958. وقد صدر القانون ضمن فترة تعسر فيها المخاض السياسي وتأزمت الخلافات والصراعات , وتتابعت الاحداث الداخلية والعربية والدولية العاصفة , والتي كان من بينها:
- تنحية عبد السلام عارف عن بقية مناصبه السياسية كنائب رئيس الوزراء , ووزيرا للداخلية .. وتنحية جابر عمر (قومي ) من وزارة التربية , وابدال فؤاد الركابي (امين سر حزب البعث العراقي) من وزير اسكان الى وزير دولة ومن ثم استقالته كليا .
- الخلافات والصراعات بين احزاب جبهة الاتحاد الوطني (1957) والدعم اللامحدود من العربية المتحدة للقوميين والبعثيين لاعلان تمرد الاخيرين على سلطة عبد الكريم قاسم.
- الخلافات والتباين بين شعارات وتوجهات كل من الحزب الشيوعي العراقي والحكومة التي كانت مؤلفة من عناصر وتيارات متباينة في توجهاتها السياسية وايدلوجياتها.
اما رئيس الوزراء فقد كان يقبض العصا من الوسط , متبعا سياسة الموازنات, متشبها بسياسة (القرد والجبنة) وياخذ بتوجيهات الضباط الكبار وقادة الفرق والالوية في تنفيذ السياسة الرسمية.
وعموما كان الزعيم ميالا للوسط , ويتأثر بأراء ونصائح اصدقائه والمقربين اليه . اما الحزب الشيوعي, وبصرف النظر عن موقف وسياسة الحكم والزعيم عبد الكريم, فقد كان مخلصا في حرصه على النظام الجمهوري وحماية السلطة من المؤامرات الاجنبية.
- وما يتعلق بخلافات ومشاحنات الجمهورية العربية المتحدة مع الحكومة العراقية, فقد كانت ترتبط بموقف القوميين والبعثيين وكل قوى المعارضة , هبوطا وصعودا مع موقفها من السلطة. وبالاضافة لذلك كانت الجمهورية العربية المتحدة تبذل الاموال بلا حساب للزعماء والقيادات المناوئة للحكم العراقي, وكذلك تزويدها بالسلاح والدعم الاعلامي وتسريب المناوئين عبر الحدود من والى البلدين!!
- والاكثر اهمية وخطورة هو انصراف قوى الاستعمار العالمي الى تأجيج الخلافات وتسعير التناقضات, والاستعداد والترقب لتطور الاوضاع , وما يستجد من احداث.
حصلت اشياء كثيرة جدا لا يمكن ان تحصل في ايام التطور السلمي وافرزت الاحداث اوضاعا سياسية وظروفا تاريخية جديدة انقلبت فيها المعادلات واختلت التوازنات السياسية والاجتماعية والاصطفافات الطبقية مثلما دب الضعف والوهن الى كيان الدولة والسلطة , وبات ميزان القوى يتأرجح بين اليسار واليمين, اذ لعبت ادوارها وسائل الرشوة واغراء المال والتلويح بالمناصب والترفيعات الكيفية العشوائية.
وبناءا على ما تقدم فأن صدور القانون في هذا الوقت بالذات يبعث على الظن والشكوك بانه استهدف كسب الرهان السياسي وعواطف الفلاحين, وخاصة الاغنياء منهم, وايهام الفلاحين الفقراء بالوعود والامال المجردة.

السمات الخاصة لمسألتنا الزراعية
حين يجري الحديث عن المسألة الزراعية, وعن مسألة الفلاحين, فأن من المهم والضرورة عدم اهمال او نسيان الطابع الخاص والسمات الخاصة لهاتين المسألتين, فهما قد فرضتا نفسيهما على الارض, كواقع وكحقيقة حياتية يجب اخذها بالحسبان عندما تفرض الحلول نفسها وتشرع القوانين والانظمة.
والمسألة الزراعية في العراق منذ انتهاء ثورة 1920 اصبحت جزءا من الثورة الوطنية الديمقراطية ومهامها الاساسية وعلى رأسها الاصلاح الزراعي الجذري.
فما هي السمات الاساسية في المسألة الزراعية؟
1. الارض او المساحة: تبلغ مساحة العراق حوالي 450 الف كيلو مترا مربعا, او ما يساوي 177,777,200 مشارة= دونم. ويمكن النظر الى هذه المساحة حسب صلاحيتها للاستغلال الزراعي:
مساحة ارض الزراعة الموسمية 21,281,712 مشارة تقريبا
مساحة المراعي 512,651 مشارة تقريبا
مساحة الغابات الخشبية 207,230 مشارة تقريبا
المجموع 22,930,058 مشارة تقريبا
مساحة الارض اللتي يمكن زراعتها حسب مخطط مشاريع الاعمار 9,000,000 مشارة تقريبا
مساحة بقية الاراضي مع البوادي 145,847,142 مشارة تقريبا
المجموع الكلي 177,777,200 مشارة تقريبا

2. الارض موزعة حسب وسيلة الري:
مساحة الارض المطرية 11,008,249 مشارة تقريبا
مساحة الارض السيحية 6,740,944 مشارة تقريبا
مساحة الارض التي تسقى بالواسطة :
أ. المضخات 4,478,106 مشارة تقريبا
ب. وسائط اخرى 430,101 مشارة تقريبا
المؤمل استصلاحها عند اتمام مشاريع الاعمار 9,000,000 مشارة تقريبا
مساحة الارض الباقية 146,119,800 مشارة تقريبا
المجموع الكلي 177,777,200 مشارة تقريبا

3. الملكيات والحيازات الزراعية: مقسمة حسب مساحتها واعدادها واحجامها ومجموع مساحاتها .

مجموع مساحات الملكيات الزراعية بملايين المشارات عدد الملكيات الزراعية او عدد المالكين حجم الملكية الزراعية بالمشارة
2 92.024 من 1-100
9 29.402 من 100-1000
7 3.347 من 1000-10000
4.5 272 من 100000 فما فوق
22.5 125.045 المجموع *

* قد تعود الملكية الزراعية الواحدة لعدة اشخاص, وقد تكون اكثر من ملكية زراعية واحدة لشخص واحد

4. مالكو الاراضي الزراعية : نسبتهم الى مجموع السكان ونسبة ملكياتهم الى مجموع الملكية الزراعية في العراق.

المالكون بالنسبة لعدد سكان العراق حجم الملكية بالمشارة مجموع الاراضي الزراعية بالنسبة الى مجموع اراضي العراق بالمشارة
1.416% من 1-100 9%
5.452% من 100-1000 31%
0.051% من 1000-100000 40%
0.004% من 100000 فما فوق 20%
1.923% 100%
+ 98.077% من السكان لا يملكون ارض زراعية
= 100%


5. الاراضي التي تمت تسويتها لحد عام 1958.
أ. الاراضي المملوكة 442.929 دونم تقريبا
ب. الاراضي الممنوحة باللزمة 12.351.531 دونم تقريبا
ج.الاراضي المفوضة بالطابو 12.996.649 دونم تقريبا
د. الاراضي الاميرية الصرفة 51.717.760 دونم تقريبا

يتضح من الاحصائيات المتوفرة ان العلة الاساسية لبلادنا هي احتكار الارض والاحتكار في تحويلها لصالح الاقطاعيين (شيوخ العشائر) والوزراء والاعيان والنواب من ملاكي المدن و وجهائها.
1. ان نسبة المالكين هي 86.1% بالنسبة للمجموع العام, ونسبتهم بالنسبة لمساحة الاراضي التي يملكوها لا تتجاوز 10.5% وان اكثر من ثلاثة ارباعهم يملكون من (1) دونم الى ما لايزيد عن (30) دونما. اي ان اكثرهم هم الفلاحين الفقراء.
2. الذين يملكون (100) دونم وبما لا يزيد عن (1000) دونم نسبتهم لا تزيد عن 11.9% ومساحة ملكياتهم لا تزيد عن 21.5% من المجموع العام للملكيات ويتنسب هؤلاء الى الملاكين المتوسطين.
3. اما الذين يملكون (100000) دونما فاكثر فيشكلون نسبة 2% من كبار الاقطاعيين وملاك المدن, و 68% من مجموع المساحات, بينهم اسرة الجاف في كردستان التي تمتلك 447,910 دونما, وال ياسين في لواء الكوت ويملكون 379,672 دونما, وال فرحان من شيوخ شمر ويملكون 375,772 دونما, وامراء ربيعة ويملكون 293,348 دونما.
4. ان اكثر من 85% من الفلاحين وكادحي الريف لا يملكون شبرا واحدا من الارض ويعملون كفلاحين بالمحاصصة او مستأجرين, او يعملون في مزارع الاخرين لقاء اجر نقدي او عيني.
5. تعتمد بعض اراضي المنطقة الشمالية على الامطار (ديم), وتلك عملية تتوقف على نسبة الامطار الساقطة, والتي لا تقل عن 400 ملي مكعب. وتعتمد بقية الاراضي على نهري دجلة والفرات حيث منبعهما من الاراضي التركية والحكومة التركية مؤخرا اتجهت لاقامة سدود وخزانات لمصلحتها دون ان تراعي حقوق العراق الدولية, الامر الذي اوجد خلافا شديدا بين البلدين ولايزال الانتظار معلقا حتى الان!
6. افتقار العراق الى المبازل قد عرض الكثير من اراضيه الى الملوحة (الصبخ) ولاسيما في الوسط والجنوب , مما يستوجب معالجة هذا الموضوع باسرع وقت.
7. تعاني المسألة الزراعية من الغلاء الفاحش في تكاليف الزراعة كالبذور والحراثة والحصاد والاسمدة الكيماوية والنقل, وفي نفس الوقت تعاني من تقلب الاسعار الفوضوي.
8. ان المكننة هي الطريقة المثلى لتجاوز الريف ما عليه من تأخر ونقص في الانتاج الزراعي وهو المخرج الوحيد لتحطيم العلاقات الاقطاعية واقامة علاقات جديدة تتلائم مع نمو القوى الانتاجية, ولا سيما قطاع الاصلاح الزراعي.

الزعيم عبد الكريم قاسم والبروفيسورة (دورين ورينر)
تناول عدد من الباحثين والخبراء والكتاب موضوع الاصلاح الزراعي في العراق وقانونه المرقم 30 لسنة 1958, وكان من بينهم الزعيم عبد الكريم قاسم, وقد كتبت البروفيسورة (دورين ورينر) في كتابها (الاصلاح الزراعي بين المبدأ والتطبيق): " ... انه من الاكثر الاصلاحات الزراعية جذرية".
ان القانون رقم 30 لسنة 1958 قد ابقى مساحة اكثر من اربعة مليون دونم من اجود الاراضي الزراعية المختارة بين كبار الاقطاعيين والملاكين وهي الاراضي المجنبه لهم وحسب اختيارهم . وعددهم 3277 اقطاعيا وملاكا. هذا بالاضافة الى 5 ملايين دونم ترجع لمن تتراوح ملكياتهم بين 100-1000 دونم ممن لم يشملهم القانون حسب الحد الاعلى للملكية الزراعية.
ان تلك المساحات التي ابقيت بيد الملاكين تساوي رصيد الاصلاح الزراعي من الاراضي المستولى عليها, وبمعنى اخر ان عدة الاف من الاقطاعيين والملاكين الكبار والمتوسطين يمتلكون تسعة ملايين دونم بلا بدل .. وتخصيص ما يساوي هذه المساحة لعدة ملايين من الفلاحيين لتوزيعها على قسم منهم مقابل بدل مع اضافة نفقات وفوائد المبالغ المترتبة بعواتقهم.
هذا فضلا عن النواقص والعيوب التي تضمنها القانون رقم 30 والتي جرى الحديث عنها في مناسبات شتى, فكيف وبأي معنى يعد اصلاحنا الزراعي اكثر ثورية؟؟
اما الزعيم عبد الكريم قاسم فقد كان واضحا في خطابه الذي قال فيه:
"....... يسرني في هذا اليوم ان اعلن لابناء الشعب والعالم اجمع نبأ سارا وحدثا هاما سيبقى اثره خالدا في حياة جمهوريتنا الفتية, وهو مولد قانون الاصلاح الزراعي ..... فقد تبين لنا ان جانبا من الارض الزراعية انما يعود الى عدد كبير من افراد الطبقة الوسطى, لذلك ستبقى هذه الاراضي لاصحابها ما دامت ضمن الحد الاعلى للملكية الزراعية. اما الملكيات الضخمة, او ما يسمى بالاقطاعيات الكبيرة فستحدد بنفس الحد الاعلى على ان تستولي الحكومة على ما يزيد عن الحد المذكور بتعويض عادل, وستوزع الاراضي المستولى عليها والاراضي الاميرية الصرفة على الفلاحين. اني اذ اعلن مولد قانون الاصلاح الزراعي انما اسجل بفخر واعتزاز نهاية الاقطاع في العراق....."

ثمة اسئلة صريحة و واضحة : هل انهى القانون رقم 30 الاقطاع كنظام وعلاقات انتاجية؟ سواء في حدود الحد الاعلى للملكية الزراعية او بقسمة الحاصلات (المحاصصة), او ابقاء الكثير من الاقطاعيين او ابنائهم او اقاربهم كوكلاء عن الاصلاح الزراعي؟ او الوف الدنانير التي سيستوفوها سنويا كتعويض "عادل" عن الاراضي المستولى عليها؟ ولم ولأي سبب يُجبر الفلاح الفقير على ان يدفع سنويا "جزية" للاقطاعيين والملاكين عن اراضي منهوبة من اراضي الدولة (اميرية صرف) لم يُدفع عنها اي ثمن وانما اخذت وفق قوانين جائرة؟
ومع ذلك وبالرغم من كل ما تقدم, فقد ذكر الاستاذ مكرم الطالباني في كتابه (في سبيل اصلاح زراعي جذري في العراق) ان القانون 30 ( يمثل الحد الادنى لما يقبل به الفلاحون والحد الاقصى لما يمكن ان تتنازل عنه سلطة البورجوازية).
ومن هنا نستنتج بان الوقائع والاحداث قد برهنت بشكل حاسم بانه لايمكن بلوغ ايه اهداف جذرية للاصلاح الزراعي, واية مطالب تتعلق بالثورة الزراعية والتقدم الاجتماعي في الريف مالم تكن على رأس السلطة حكومة ديمقراطية نزيهة, ومالم يساهم الفلاحون انفسهم في اختيار الهيئات ولجان الاصلاح الزراعي وتنحيتها. فلا ثقة ولا ائتمان بالسلطة البرجوازية وجهازها البيروقراطي فيما يتعلق بتسوية المسألة الزراعية, فما من اصلاح زراعي تحققه حكومة البيروقراطيين بوسعه ان يكون مفيدا للفلاحين.
وفي الممارسة والتطبيق, في اصلاحنا الزراعي, حُرم الكثير من الفلاحين الفقراء من الانتفاع من تطبيقات القانون, بينما الفائدة الاعم كانت لاغنياء الفلاحين والفلاحين المتوسطين وقسما من عوائل الاقطاعيين, وذلك بسبب الجهاز البيروقراطي وفساد الجهات المسؤولة عن التنفيذ.
لقد كان الجهاز الحكومي جهازا بيروقراطيا حتى النخاع, وكانت الثقة به وائتمانه كالثقة "بغانية لعوب" يؤمل منها الاستقامة والتوبة!
خلال الاشهر الاولى من تطبيق القانون, عندما كان يتواجد في وزارة الاصلاح الزراعي عدد مهم من الشيوعيين والتقدميين, تحققت انجازات يعتد بها وبمثابة ربيع فلاحي. لقد ترك الشيوعيون والتقدميون والناس الاخيار اثرهم وبصماتهم في تنفيذ عمليات الاصلاح الزراعي سواء في الاستيلاء على ما زاد عن الحد الاعلى, ولاسيما المقاطعات العشائرية الواسعة, او التوزيع والعقود.
وكان هؤلاء الموظفون بالتعاون مع الاتحاد العام وجمعياته المنتشرة في ارجاء العراق, وتعاون الفلاحين الوثيق قد ترك في قلوب الفلاحين ذكريات لن ينسوها.

بضعة ملاحظات عن الاصلاح الزراعي في التطبيق
كتب الاستاذ مكرم الطالباني في كتابه ( في سبيل اصلاح زراعي جذري في العراق) بعض الاحصائيات حول عمليات الاستيلاء والتوزيع والايجار.. ومنها ورد عن المساحات المستولى عليها منذ صدور القانون الى نهاية 1962 رغم كل العراقيل قد بلغت 5.839.300 دونما, اي بمعدل 1.459.825 دونما في السنة, في حين بلغت المساحات المستولى عليها من بداية 1963 حتى بداية 1966, ما مجموعه 682.011 اي بمعدل 227.337 دونم في السنة. وهذه الارقام تعكس الجدية او عدم الجدية في تطبيق القانون رغم علاته.
وهكذا سارت الامور و الاوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية, وهكذا نجد ان الشعارات الثورية الفارغة تحل محل العمل الفعلي الجاد, ونجد ان الاستيلاء والتوزيع قد تباطأ. وعلى الرغم من تعاقب وزراء الاصلاح الزراعي الواحد تلو الاخر فلم تكن التصريحات التي صدرت حول التمسك بالاصلاح الزراعي الا لأغراض الدعاية.
كانت مجموعة الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية, لا سيما مشاكل الحزب الاهلية في شمال العراق(المسألة الكردية) قد وضعت الاصلاح الزراعي ضمن المساومات والاتفاقيات المشبوهة, واصبح تنفيذ او عدم تنفيذ الاصلاح الزراعي يخضع للظروف السياسية, وتبعا للموالاة والمعارضة.
وقد كتب الاستاذ مكرم الطالباني في كتابه المذكور انفا حول التوزيع وما نفذ منه لغاية 30/9/1961 ما يلي:
"..... شمل التوزيع في الخطة الاولى والثانية عام 1960-1961 (32) منطقة زراعية في الوية الكوت, بغداد, الحلة, ديالى,كركوك,الديوانية,كربلاء,الرمادي,السليمانية, اربيل, الموصل.
وبلغت المساحات المهيئة للتوزيع 2.068.840 دونما مقسمة الى 26.625 وحدة استثمارية توزع على هذا العدد من العوائل الفلاحية وقد تم توزيعها في 30/9/ 1961 وما بعدها, وهُيئت 11 منطقة تبلغ مساحتها العمومية 1.202.891 دونما للتوزيع, وباشرت المؤسسة باكمال الدراسات لتهيئة 37 منطقة اخرى للتوزيع تبلغ مساحتها العمومية 1.254.479, وبضم المساحتين ومجموعهما 2.457.370 دونما, وضعت الخطة الثالثة للتوزيع......... كان المؤمل الانتهاء من توزيعها في 30/9/1963 الا انه لم يوزع سوى مساحة ضئيلة لحد هذا التاريخ..."

بمثل هذه الاحصائيات والبيانات الصادرة عن اشخاص كانوا مسؤولين كبار في وزارة الاصلاح الزراعي, يسهل الرد على الاتهامات الموجهة للحزب الشيوعي والقائلة بان عمليات توزيع الاراضي على الفلاحين قد دفعت الى الوراء, ليتسنى للشيوعيين مجال العمل من اجل " المزارع الجماعية" وغيرها من الاتهامات , وفي تناول ما ورد في كلام الاستاذ مكرم انفا , يبدو واضحا ان الخطة الثالثة للتوزيع قد عُطلت ولم تُنفذ في زمن الانقلاب الاسود في شباط 1963.
وما قيل عن سيطرة الشيوعيين على وزارة الاصلاح الزراعي لا تعد اكثر من تصورات خاطئة او تقديرات غير موضوعية . نعم كان هناك عدد من الشيوعيين والتقدميين والاخيار في لجنة الاستيلاء والتوزيع لعبوا دورا ايجابيا في تنفيد عمليات الاصلاح الزراعي وذلك في الاشهر الاولى من تطبيقها فقط, وقد انتهى هذا الدور مع تنحيتهم واخلاء الوزارة من اكثريتهم.
وقد كانت البروفيسورة "دورين ورينر" على صواب في مقولتها :" ... كان انتزاع ملكية الاقطاعيين والملاكيين هي المرحلة الاساسية في ستراتيجية الشيوعيين, فبدون هذا التصميم سيخفق قانون الاصلاع الزراعي كليا. ولو اصاب عملية انتزاع الملكية بعض التردد او الابطاء لحاول كبار الاقطاعيين والملاك ونجحوا في استثناء ملكياتهم من الانتزاع واستفادوا سريعا من سيطرتهم. ومن المحتمل ان التاريخ المعروف للثورات المضادة كان سيعيد نفسه, لو لم يسيطر الشيوعيين على الاصلاح الزراعي في مراحله الاولى"
لقد كانت مهمة الشيوعيين الرئيسية هي الاستيلاء السريع على ما زاد عن الحد الاعلى وخصوصا اقطاعيات الشيوخ العشائريين, وهو الامر الرئيسي الذي اثار صراعا طبقيا حادا من جانب الاقطاعيين المعنيين .
ومما يثير الانتباه في كتاب الراحلة ورينر "الاصلاح الزراعي بين المبدأ والتطبيق" انها اوردت عدة انتقادات وملاحظات عن سياسة الحزب الشيوعي في الاصلاح الزراعي في حين انها لم تظهر او تبين رأيها بشأن موقف الاقطاعيين والملاكين من الاصلاح الزراعي وموقفهم من الفلاحين, ولا سيما اغتيال وقتل الفلاحين في عدد من مدن العراق واريافه, وكثرة اعمال العرقلة والتخريب.

الصمت والتجاهل المريب
تتزامن ظروف وامكانيات عرقلة الاصلاح الزراعي و وضع العقبات في طريق تنفيذه مع التردي المتواصل لاوضاع السلطة وجهازها البيروقراطي, ومع تنمر الاقطاعيين العشائريين واتباعهم في اشهار وقاحتهم السافرة في ارتكاب الاغتيالات والقتل وكل اشكال العرقلة والتخريب.
وفي الريف العراقي, وبالنسبة لجماهير الفلاحين والفقراء منهم بشكل خاص, الغارقين في طوفان المشاكل والمحن, واعباء السنوات العجاف التي تحيط بحياتهم , من السهل جدا ان يخسروا معركة الدفاع الذاتي عن النفس امام تنمر الاقطاعيين واعوانهم ان لم يكونوا قد اعدوا العدة لايام المحن التي سيجابهوها في سياق ثورة الردة.
وفي ظروف الانحسار وتراجع الحركة الثورية والفلاحية عموما, لا بد مما هو بد, من اجراءات مسبقة قادرة على ان تفعل شيئا في مجال الدفاع والحماية الذاتية. وفي مناطق الريف يتوجب الاحتفاظ بمناطق تكون شبه مقفلة للحركة الثورية وللعمل المباشر, في الكر والفر والمناورات, وكما قيل: " من استنعج اكلته الذئاب".
لقد جاء هذا الوقت الذي تفاقمت فيه احداث و وقائع الارهاب الاسود الذي شنه الجهاز البيروقراطي للدولة والاقطاعيون العشائريون وعملائهم ابتداءا من النصف الثاني لسنة 1958, وفيما يلي موجز بأهم احداث و وقائع الهجوم ضد الحركة الثورية الفلاحية:
1. الالتفاف على الاتحاد العام للجمعيات التعاونية الفلاحية وتبديل قانونه رقم 78 لسنة 1959, بل الغائه كليا وتبديله بقانون رقم 139 لسنة 1959 وبموجبه صارت اجازة الجمعيات الفلاحية من صلاحيات وزراة الداخلية او لمن تخوله هذه الصلاحية من دوائرها التابعة, بينما القانون السابق كانت صلاحية منح الاجازات بالاتحاد العام نفسه. وبموجب القانون الجديد لم تعاد اجازة الجمعيات السابقة حتى ولا 1% منها . وبذلك تخلصت السلطة بابعاد قيادة الاتحاد العام السابق لتحل محلها قيادة سلطوية تابعة.
2. تقديم الطلبات الصريحة من قبل الاقطاعيين الكبار الى رئيس الوزراء لألغاء الاصلاح الزراعي, قانونا او تطبيقا كما حصل مع احمد عجيل الياور احد اكبر اقطاعيي الجزيرة, وكما حصل لأقطاعيي العراق من الشمال و الوسط والجنوب الذين عقدوا اجتماعا في المسجد الهندي في النجف وكما حصل لكثير من رجال الاقطاع, وفي جانب اخر كان الاقطاعيون العشائريون ينتهزون كل فرصة سانحة لاستغلالها للمطالبة, على الاقل, بزيادة الحد الاعلى للملكية الزراعية, في انتظار الفرصة المناسبة التي يطالبون فيها بالغاء قانون الاصلاح الزراعي.
3. ان السلطة قد استجابت لصراخ اعداء الاصلاح الزراعي, الذين كانوا متقصدين الاساءة لموظفي الاصلاح الزراعي الكفوئين ونعتهم بمختلف النعوت السياسية. ووقفت العناصر الصحفية المرتزقة الى جانب اولئك المنافقين طالبين تسليم الاصلاح الزراعي الى ايادي امينة. وقد صدرت التعليمات رقم 2 لسنة 1960 فيما بعد بتسليم ادارة الاراضي الى المجلس الزراعي الذي يرأسه متصرف اللواء ومعظم اعضائه من الذين لا يتعاونون مع الاصلاح الزراعي, وسرعان ما عين هؤلاء وكلاء الاصلاح الزراعي لا من الفلاحين بل من رجال الاقطاع انفسهم ومن اولادهم واقاربهم.
وعيّن جميع اقطاعيّ لواء الناصرية وكربلاء وكلاء من الاصلاح الزراعي في الاراضي التي كانوا يتصرفون فيها ولم تثبت عائديتها لهم, وكذلك في معظم الالوية الاخرى, فاعيد نفوذ الاقطاع تحت ظل قانون الاصلاح الزراعي وتحولت اجهزة ادارة الاراضي من اجهزة نظيفة نزيهة متعاونة مع الفلاحين الى اجهزة مرتشية عدوة لهم . فكان الوكلاء الجدد يرتشون من الفلاحين عند تقسيم الاراضي في بداية الموسم وفي نوبات السقي والاعمال الاخرى.
4.امتناع الكثيرين من الاقطاعيين والملاك الكبار من زراعة اراضيهم التي حجزت لهم , لكي يقللوا مساحات الاراضي المزروعة وبالتالي انقاص الانتاج.
وبحكم عائدية المضخات الزراعية الخاصة لهم او المشتركة مع فلاحي الاصلاح الزراعي كان الاقطاعيون يعطلون هذه المضخات بشتى السبل, بعذر او بدون عذر, ليحرموا فلاحي الاصلاح الزراعي من مياه السقي.
5. ملاحقة وتتبع طلبات وعرائض الاعتراض على قرارات الاستيلاء والادعاء ببطلانها, وتكديس هذه العرائض على مكتب رئيس الوزراء بحيث لم يعد بالامكان حسمها لكثرتها, الامر الذي يفسح مجال تأخير وتعطيل اوامر تنفيذ القرارات, فتتاح فرصة امام الاقطاعيين لترقب تبدل الاوضاع لمصلحتهم .
6.اغتيال بعض رؤساء الجمعيات الفلاحية واعضائها النشطين: خمسة من فلاحي الملاّك محمد النصرالله في الناصرية, وعشرة فلاحين اغتيلوا في لواء الكوت في اراضي محمد الحبيب(امير ربيعة) وهو المتهم بالتحريض على قتلهم بالتعاون مع وكيله حسين الصبح, واغتيل المناضل صاحب ملا خصاف في ريف العمارة, واغتيل احد موظفي الاصلاح الزراعي في منطقة موجد الحاج شعلان في الدغارة, وغيرها من حوادث القتل والاغتيالات.
7. في مختلف ارجاء البلاد استرجع الاقطاعيون العشائريون من الفلاحين الارض التي وزعها الاصلاح الزراعي عليهم , وبالنسبة لمن احتفظ بارضه ودافع عنها بضراوة , ويملك سندا ودعما فقد خضعوا اخيرا لاتفاقات حول قسمة الحاصلات مناصفة ان لم تكن حصة الاقطاعي اكثر من النصف.
8. بمناسبة الذكرى الاولى لثورة 14 تموز واثناء الاحتفالات بمسيرات وتظاهرات سلمية مبهجة, كانت هناك دسيسة ومؤامرة يدبرها البعض من المعارضين واعداء الشيوعية, وحينما حانت الفرصة الملائمة قام هؤلاء بتنفيذ ما عزموا عليه للاصطدام بالشيوعيين ومؤيديهم. وكانت الامور مخططة في عدد من مدن واقضية العراق كالمسيب والديوانية والحي وغيرها. وقد راح ضحية هذه الحوادث بعض القتلى والجرحى.
9. بالاضافة الى التعديلات السلبية التي ادخلت على قانون الاصلاح الزراعي فقد صدرت قوانين ومراسيم الى جانب القانون المذكور, وهي عموما مناقضه او مخالفه له, مثل قانون تأجير الاراضي رقم 35 لسنة 1982 الذي هو شكل من اشكال اغتصاب اراضي الفلاحين الضرورية لسد حاجاتهم فقط, وكذلك قانون الاستثمار الزراعي في عهد "بول بريمر" المرقم 13 لسنة 2003.
هذا غيض من فيض من اعمال العرقلة والاعاقة والتخريب التي ميزت سلوك وتصرفات الجهاز البريوقراطي وكافة اعداء الاصلاح الزراعي, ولاسيما الاقطاعيين العشائريين.
يقال اذا تغيرت الحياة تتغير طبائع الناس وتصرفاتهم, ويعنينا هنا من تصرفات الناس هو تصرفات الفئة الحاكمة وبطانتها وحلفائها الذين لم يدخروا شيئا الا واظهروه فيما بعد. ففي سياق التراجع والارتداد قامت السلطة الحاكمة والاقطاعيون بأعمالهم المذكورة انفا و وضعوا الاصلاح الزراعي في سوق المراهنات والمساومات السياسية.
وكان يجب على القوى الثورية والحركات الديمقراطية الفلاحية ان تحسب حساب "الردة" و "التراجع" وما تصاحبهما من اعمال خسيسة ومجرمة وتكون على اهبة الاستعداد للرد بالمثل على الاعمال العدوانية بكل اشكالها, اسوة بالحركات الباسلة لثورييّ الصين عندما كانوا يساندون الفلاحين في مناطقهم في الانتقام من الاقطاعيين وازلامهم الذين يؤذون الفلاحين او يضطهدوهم, وطوّروا اساليب الرد والدفاع الذاتي لدى الفلاحين بان اصبح بامكانهم ان يتقنوا "مهنتهم" هذه جيدا!
لقد اسدل الستار على قانون الاصلاح الزراعي, وغيّب عن السمع والابصار منذ الاحتلال الامريكي في اذار 2003 وكأنه لم يكن. انه التواطيء على الصمت المريب, وقلب صفحة اخرى.
سيظل الاصلاح الزراعي مطلبا رئيسيا من مطالب الحزب الشيوعي والحركة الفلاحية, وسيدفع اعداء الاصلاح الزراعي ومناوئيه ثمن ما اقترفوه بحق الفلاح مرات ومرات.



#كاظم_فرهود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول مسودة قانون مجلس قبائل وعشائر العراق
- النسر الاحمر
- ثورة العشرين الخالدة والاهزوجة الشعبية


المزيد.....




- مراهق اعتقلته الشرطة بعد مطاردة خطيرة.. كاميرا من الجو توثق ...
- فيكتوريا بيكهام في الخمسين من عمرها.. لحظات الموضة الأكثر تم ...
- مسؤول أمريكي: فيديو رهينة حماس وصل لبايدن قبل يومين من نشره ...
- السعودية.. محتوى -مسيء للذات الإلهية- يثير تفاعلا والداخلية ...
- جريح في غارة إسرائيلية استهدفت شاحنة في بعلبك شرق لبنان
- الجيش الأمريكي: إسقاط صاروخ مضاد للسفن وأربع مسيرات للحوثيين ...
- الوحدة الشعبية ينعي الرفيق المؤسس المناضل “محمد شكري عبد الر ...
- كاميرات المراقبة ترصد انهيار المباني أثناء زلازل تايوان
- الصين تعرض على مصر إنشاء مدينة ضخمة
- الأهلي المصري يرد على الهجوم عليه بسبب فلسطين


المزيد.....

- كيف استفادت روسيا من العقوبات الاقتصادية الأمريكية لصالح تطو ... / سناء عبد القادر مصطفى
- مشروع الجزيرة والرأسمالية الطفيلية الإسلامية الرثة (رطاس) / صديق عبد الهادي
- الديمغرافية التاريخية: دراسة حالة المغرب الوطاسي. / فخرالدين القاسمي
- التغذية والغذاء خلال الفترة الوطاسية: مباحث في المجتمع والفل ... / فخرالدين القاسمي
- الاقتصاد الزراعي المصري: دراسات في التطور الاقتصادي- الجزء ا ... / محمد مدحت مصطفى
- الاقتصاد الزراعي المصري: دراسات في التطور الاقتصادي-الجزء ال ... / محمد مدحت مصطفى
- مراجعة في بحوث نحل العسل ومنتجاته في العراق / منتصر الحسناوي
- حتمية التصنيع في مصر / إلهامي الميرغني
- تبادل حرّ أم تبادل لا متكافئ : -إتّفاق التّبادل الحرّ الشّام ... / عبدالله بنسعد
- تطوير المشاريع الصغيرة والمتوسطة، الطريقة الرشيدة للتنمية ا ... / احمد موكرياني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الصناعة والزراعة - كاظم فرهود - هل ما زال الاصلاح الزراعي حي يرزق ام تناهبته الحيتان؟