أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد محمد عبد الفتاح الشافعي - واجدة















المزيد.....

واجدة


أحمد محمد عبد الفتاح الشافعي

الحوار المتمدن-العدد: 4227 - 2013 / 9 / 26 - 07:34
المحور: الادب والفن
    


واجــــــــــــــــــــــدة
عاش عمــره يتأرجح بين قيم وطنية ومبادئ أخلاقية لا يعرف إن كانت صيحيحة أم خاطئة ... أدى الامتحان ووجد ثلاثة من زملائه يعترضونه أثناء خروجه من الكلية ، فبادروه بقولهم ، نحن انتهينا من الامتحانات ، واتفقنا ثلاثتنا أن نسافر إلى فرنسا أو ألمانيا سفر طلبة ، ولن نعود ... نعمل هناك وأهالينا سيرسلون لنا شهادة الليسانس ونكمل دراستنا هنا ، قلت: أنا أمامي التجنيد ولابد من إزالة آثار العدوان ، فابتسوا سخرية ، وقالوا : وهل أنت من تسبب في الهزيمة ، نحن سنسافر أنت وشأنك .. تسلم نتيجة الامتحان ... ذهب إلى منطقة التجنيد ليسلم نفسه للجندية .. توقف واشترى جريدته .. وقف يتصفحها ، فوجد تنويها في مربع أسفل الصفحة الأولى تاجيل تجنيد خريجي كلية .... للعمل كمدرسين بالتربية والتعليم حتى بلوغهم سن ... وجد أمامه اتوبيس ركبه وتوجه إلى وزارة التعليم ، وسأل عن صحة الخبر ، قالوا: نعم سلموه عدة أوراق كتب فيها بياناته ... تعجب من تصرفه ، فلماذا لم يسافر مع أصدقائه مادام لم يذهب للتجنيد واختار أن يعمل مدرسا .. جاءه خطاب للعمل هناك في أقصى الجنوب .. جهز حقيبته وركب القطار متجها إلى مكان عمله المرشح له ، استلقى على الكرسي .. تحرك القطار نظر خارجا لم ير سوى الظلام وعدة مصابيح تومض وتختفي .. ضغط على مكبح الكرسي ليضعه في زاوية تسمح له بأن يكون أكثر راحة ... داعب النوم جفونه فاستسلم ونام ، لا يعرف كم مرَّ من الوقت فاستيقظ على يد الكمساري تهزه ....
فأدخل يده في جيبه وناوله التذكرة ، وعاد ليواصل نومه فانتبه لمن تقف بجواره ، هتف بلهفة: آنسه واجده .. ابتسمت .. قلت : إلى أين؟ قالت: إلى محافظة قنا .. فرقص قلبه .. قنا .. عينت في قنا .. معي .. أليس لك مقعد قالت لا .. ركبت من نصف ساعة من بني سويف .. ما العمل إذن؟ هل ستقفين حتى قنا .. قالت أنت وذوقك ، وضحكت .. أنار وجهها غمازات ثلاثة في الذقن والوجنتين وعينان كحيلاتان شديدتا السواد .. فاستلقيت للخلف وأغمضت عينيَّ وقلت في نفسي وبعدين المسافة مازالت طويلة ونحن في أول الليل ... قلت لها عندي حل ، قالت ما هو ؟ قلت : أن نتبادل هذا الكرسي كل ساعتين ، أو أن تجلسي على هذا المسند السفلي الذي أسند عليه رجليَّ .. نظرت باستغراب ، أجلس بين رجليك ... فوقفت وقلت لها اجلسي .. اجلسي ، فجلست ولكنها نحت مسند اليد وقالت اجلس بجواري وجلست بجوارها فقد كان الكرسي يسع حجما أكبر من حجمينا نحن الاثنين ... كنا ملتصقين جدا واخذت أروي لها ما حدث منذ أدينا الامتحان حتى لحظة لقائنا في القطار ... قلت لنفسي : صدفه جميلة أن أزاملها في هذه الرحلة ، لو تكتمل ونعين معا في مدرسة واحدة .. فقالت : في ماذا تفكر؟ فقلت لها ما كان يدور بيني وبين نفسي فابتسمت ابتسامتها المشرقة الرائعة .. وخفَّض مسؤول العربة الإضاءة ، فغفونا لفترة قد تجاوزت من الممكن الساعة فانزلقت يدي عليها وذراعي كان يلامس صدرها ، ولما انتبهت تكورت ولملمت نفسي المبعثرة وهي ربما تصنعت النوم .. ولما انتبهت ، قلت لها نذهب إلى البوفيه ، قالت: ماشي .. جلست أمامي ... لأول مرة في حياتي أجلس على تربيزة في بوفيه أو في أي مكان أمام أنثى جميلة سمراء في سمرة طمي النيل بمفردي .. الله ، فشعرت بزهو عجيب جدا وانتشاء فتذكر ابنة عمه التي تأبيت عليه ورفضت حبه لأن والده ووالدته ناس بسيطة فتكبرت عليهما كيف يكون هذا الرجل حماها وهذه السيدة حماتها .. هام على وجهه في شوارع القاهرة ولكنه عزم على أن ينساها فذهب إلى خالها الذي كان صديقه وسهر معه وشرب زجاجات البيرة وكأس من الويسكي وتقيأها في بالوعة المجاري ... فقال بصوت مسموع : أين أنت أيتها المتأبية من هذا الجمال .. فقالت له: ماذا تقول؟ قال: لا شيء .. وأردف قائلا: إنها الأقدار ... تمنى أن يحبها وتحبه ويتزوجها .. كانت تتكلم وتبتسم ، وهو يتأملها بعينيه ويستكثرها على نفسه ... نزلا صباحا في محافظة قنا وذهبا في حنطور إلى مديرية التعليم وتسلما خطابات الترشيح لمدرسة ... الإعدادية الحديثة ... عادا إلى محطة القطارات وركبا إلى تلك البلدة التي كان بها مصنعا للسكر، هي ذهبت إلى سكن للمدرسات المغتربات ، وهو أخذ يبحث عن سكن يبيت فيه ليلته بمعاونة رجل تطوع للبحث له عن شقة يسكن فيها ، فأمسى الليل وحل الظلام وهو مازال يبحث عن مكان يقيم به ، إلى أن وجد شقة لا بأس بها ، فذهب واشترى سريرا من الجريد ومرتبة ووسادة وغطاءا ، وصاحب البيت ساعده في شراء مستلزمات المطبخ .. انتصف الليل وهو ينزع ملابسه ويستلقي على سريه متعبا ومرهقا وجائعا ، فسمع من يطرق عليه الباب .. وجد أمامه صاحب البيت يحمل له عشاء عبارة عن جبن وبيض مقلي وخبز ... شكره ... وحاول أن يتعفف ولكن صراخ أمعائه ناداه أن يتناول من الرجل الكريم طعامه .. نام كما لم ينم في حياته سعيدا وهانئا ... ابتسم وطار به الخيال ولكن النوم غلبه حتى استيقظ على طرقت الباب ففتحه فوجد الرجل نفس الرجل يحمل له فطوره فقال له: صباح الخير يا أستاذ ، فحاول أن يعتذر ولكن الرجل دخل ووضع الفطور علي تربيزة جريد .. فشكره فغسل ووجهه وأسنانه وجلس يتناول فطورة ، وذهب إلى المدرسة فوجد واجدة أمامه قد سبقته ، فسألته فحكى لها ما حدث له ، فقالت: يا حرام .. فخرجت من فمها وسمعها كما لم يسمعها من قبل .. قدم خطاب الترشيح لناظر المدرسة الذي رحب به وكان هو الآخر قاهري من دير الملاك يدعى الأستاذ .. .
سارت بهما الأيام بالمدرسة .. في يوم التقى بها في الشرفة أمام الفصول بالدور الثاني ، وفجأة وقف أمامها وقال : واجده أنا أحبك .. وصمت ، ثم أردف أتمنى أن أتزوجك .. أحبك جدا .. فقالت : أحمد .. وأنا أحبك ... سمع اسمه يخرج من بين شفتيها كما لم يسمعه من قبل .. اغرورقت عيناها بالفرح واحمرت جفونها ووجنتاها اكتست بالحمرة والسمرة وأشرقت الغمازات أنارت وجهها العذب .. قال لها : منذ متى ... قالت ونحن في السنة الثالثة بالكلية وأخذت تُذكره بالملزمة التي أخذتها منه وكتبت عليها أبيات من الشعر لكثير عزة ، قال نعم .. نعم , كم كنت حمارا ... لقد ضيعت من عمري أياما جميلة .. الحمد لله ... الحمد لله كان للصدفة دورا رائعا ، كان من الممكن أن أسافر إلى ألمانيا ولا نلتقي ، أو لا أشتري الجريدة ويتم تجنيدي .. أنا سعيد سأطير من الفرح ... قالت له : وهي تهم أن تلتهمه بعينيها الجميلتين ... لابد أن توفر كل مليم من الآن ، أنت مسرف جدا .. قال : من الآن يا حبيبتي .. لن أصرف مليما إلا في موضعه .. حاول أن يمسك يدها .. فنبهته ، نحن في المدرسة ... انصرفا في آخر اليوم ، وتقريبا كانت كل المدرسة قد أحست بأن شيئا جديدا قد حدث ، سأله أحمد مصطفى مدرس اللغة الإنجليزية فيك شيئ قد تغير اليوم .. قال له : نعم .. قال : أنت وواجده .. قال : نعم .. فاحتضنه وقال له: مبروك ... بنت هايلة وجميلة وشاطره ... انتهى العام الدراسي ، وكل ذهب إلى مكان معاشه وإقامته ، هو إلى القاهرة وهي إلى بني سويف وتواعدا أن يتفابلا في القاهرة .. ولما عادا في العام الدراسي الثاني أحسا كلاهما بتغيير ما ، هو أحس فيها بتغيير وهي أحست فيه بتغيير ، ولكن كلاهما تجاهلا ما أحسا به، كان يلتقيان في المدرسة ويتحدثان .. وفجأة قال لها : واجده .. قالت : نعم .. نظرت في عينيه مباشرة فرأت دموعا كأدت أن تهم بالنزول .. قالت : ما بك .. قال : أنا مطلوب للتجنيد .. فوجمت وأغمضت عينيها وقالت : وماذا في ذلك ... كنا نعرف أنك ستذهب إلى التجنيد .. قال : أنا سأكون هناك في أقصى الشمال ، وأنت هنا .. قالت : سأنتظرك .. قال : ستنتظري كثيرا وربما لآخر العمر .. ربما أموت في أحد المعارك ... أنا لست أنانيا .. عرفت من الأستاذة ماجده أن ابن خالك الذي يعمل بالخارجية طلبك للزواج أثناء الأجازة الماضية ، قالت : ولكنني لن أتزوجه .. أنا أحبك أنت .. قلت : وأنا أحبك أنت ولا أحدا غيرك ... ولن أحب غيرك .. من المؤكد سنحارب عدوا شرسا مدججا بالسلاح وستكون الخسائر فينا باهظة .. مانع مائي ربما يموت فيه مئة ألف ويزيد .. ومائة ألف مصاب أخرى على الأقل ، لن أنجو بأي حال من الموت أو الإصابة .. فالأقدار التي جمعتنا هي التي تفرقنا ، فأجهشت بالبكاء وأجهشت أنا الآخر بالبكاء ، كنت قد أسررت للزميل احمد مصطفي بما تلقيته من تأكيد عبر الهاتف من استدعائي للتجنيد وسيصل الخطاب غدا مع مخصوص ، وسأغادر المدرسة غدا إلى القاهرة بغير عودة نهائيا ، ووجدته يطرق علينا باب الفصل الذي التقينا فيه ، وسمع بكاءنا ودخل هو الآخر باكيا ، وبعد برهة تجمع خمسة وعشرون مدرسا وناظر المدرسة معظمهم يبكون وكلانا ممسك بيد الآخر ، ولم نتمالك نفسينا وأحتضنا بعضنا لأول مرة ولأخر مرة وغبنا عن الوعي في قبلة طويلة وعميقة .. وانصرفنا كأننا كنا في مأتم .. بالفعل كان مأتما وعزاء لروحينا التي افترقتا بعد حلم ظل يتردد كأنه خيال ولم يكن في يوم ما حقيقة .. أحمد الشافعي
القاهرة في صباح 26 سبتمبر 2013



#أحمد_محمد_عبد_الفتاح_الشافعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المصري ... أنا
- معاناة الإنسان المصري الأبدية
- أنا وهي والفيس بوك


المزيد.....




- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد محمد عبد الفتاح الشافعي - واجدة