في تحليل الضربة الأمريكية و ردود الفعل عليها

آراس كمال مسلم

الحوار المتمدن-العدد: 4202 - 2013 / 9 / 1 - 18:02
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    

في تحليل الضربة الأمريكية و ردود الفعل عليها
مع بدايات الثورة السورية و التحول من الحل الأمني إلى الحل العسكري و علو الأصوات السورية المطالبة لتدخل أمريكي فاعل لإزاحةالأسد
قلت لصديق ان الأمريكان لن يتدخلوا في سوريا إلا في إحدى حالتين
الأولى حدوث مجزرة كبيرة من نموذج مجزرة سربينيتشيا و التي راح ضحيتها أكثر من 8000 ضحية في العام 1995 ودفنوا في مقابر جماعية و الجدير بالذكر أنه كانت سربينتيشيا منطقة آمنة تحت حماية الأمم امتحدة ممثلة بالكتيبة الهولندية قوامها 400 جندي والتي حدثت المجزرة أمام أعينها
و الثاني هو حدوث تهديد جدي و حقيقي لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة مثل التهديد الذي شكله صدام حسين عندما غزا الكويت في العام 1990 و وبالتلي السيطرة على منابع النفط الكويتية و التحكم بما يقدر ربع الإحتياطي العالمي للنفط
في كلا الحالتين تحركت الولايات المتحدة الأمريكية من منطلقات المصلحة الأمريكية العليا
ففي حالة سربينيتشا احتاجت الولايات المتحدة الأمريكية لمدة شهر تقريبا لتشن هجمات جوية بواسطة حلف الناتو بعدما فشلت في الحصول على تفويض من مجلس الأمن
منتهية بالوصول إلى اتفاق دايتون بين اطراف الصراع من صرب و كروات و بوسنيين و تشكيل قوة S –FOR من حلف الناتو لحماية المدنيين
و في الحالة العراقية احتاجت الولايات المتحدة الأمريكية بحدود 7 أشهر لتنجز تجهيزات الحرب و تستنفذ الوسائل الدبلوماسية و تشكل تحالف واسع لطرد صدام حسين من الكويت بتفويض مجلس الأمن
منذ بداية الثورة السورية ادرك بشار الأسد و مستشاريه هذه المعادلة و حاولو الحفاظ على الرقم المقبول من الضحايا المدنيين في الصراعات الأهلية العسكرية و بالرغم من مجزرة الكيماوي هي مجزرة بكل ما تحمله من معاني, وبالرغم من الثقة الكاملة عن مسؤوليته عن مجزرة الكيماوي في غوطة دمشق بتاريخ 21/08/2013 بحسب كل الدلائل و الوقائع لكن هناك شكوك حقيقية حول الاسباب التي دفعته لإرتكاب مثل هكذا خطأ استراتيجي في الحسابات و ليس تقليلا من بشاعة ما يحدث في سوريا من قتل و تنكيل من قبل قوات الأسد إلا في تاريخ الصراعات الأهلية العسكرية هناك دائما رقم مقبول من الضحايا يمكن للمجتمع الدولي التعايش معه و التجارب في الصومال و افغانستان و افريقيا دليل على ذلك
و قد عمد بشار على ارسال رسائل عن طريق الوسطاء الدبلوماسيين و الإعلام حول اسرائيل لضمان مصالحها و أمنها و مصالح القوى الغربية في المنطقة و لعل اوضحها كانت عندما صرح رامي مخلوف لصحيفة النيويورك تايمز أن امن سوريا من أمن اسرائيل
مستشهدا و مدللا باربعين عاما من الحدود الهادئة و المضبوطة على الجولان المحتل اسرائيلي
مضيفا التهويل و التخويف من المعارضة الإسلامية القاعدية و ما تشكله من خطر على الغرب
على العكس تماما كان خطاب المعارضة السياسة هو خطاب اجوف غرائزي يعتمد بشكل اساسي على البعد الأخلاقي للأزمة السورية و ينم عن قصور لفهم ديناميكيات السياسة الدولية
و توجيه الحديث للإدارة الأمريكية وكانها تعمل لدى المعارضة السورية و موظف لديهم و أن الغرب هو جمعية خيرية و حلف الناتو هو مؤسسة عسكرية تقدم خدماتها القتالية عند الطلب
و تناسى المعارضين السوريين ان اغلبهم كان ضد التدخل الأمريكي لإزاحة صدام حسين و شجعوا على ارسال ابناء الشعب السوري لقتال الأمريكين في العراق و عمدو في كثيرمن الحالات الى حرق العلم الأمريكي في المظاهرات و انهم في الجهة المناوئة للإمبرايالية الأمريكية
اما عند الجانب الإخلاقي للثورة السورية و مطالبات الإدارة الأمريكية للتدخل في سوريا اعتمادا على مشروعية المطالب السورية و جرائم الأسد...كنت متمنيا لو قدم لنا المعارضون السوريون كشف حساب حول دعمهم للضعفاء في الصراعات المسلحة في أنغولا و ليبريا و أميركا اللاتينية و البوسنة و الهرسك و كوسوفو ...التي لم تتجاوز في احسن الأحوال المهرجانات الخطابية و بيانات التنديد و الشجب
العالم يدار بالمصالح و ليس بالوازع الأخلاقي و اتمنى ان تنتقل المعارضة من مرحلة التنظير و البرامج التلفزيونية و الفيس بوك الى مرحلة ادارة الأزمة و تقيم عملية الإدارة و الأشخاص حسب النتائج المحققة اي Result Oriented Policy
فمن يتابع استطلاعات الرأي التي تقدم على مدار الساعة في كبرى الجرائد و التلفزيونات الغربية يلاحظ مقدار الرفض الشعبي الغربي للضربة العسكرية على النظام الأسدي
و هذا ان دل انما يدل على ان المعارضة السورية و خصوصا الخارجية منها و بعد سنتين و نصف من الثورة السورية قد فشلت في حشد التاييد الشعبي الغربي لأي تحرك ضد الأسد و تقديم الثورة السورية في شكلها الصحيح و اصبحت الثورة السورية الآن في نظر الكثيريين هي صراع بين متطرفي السنة و الشيعة بين آكلي القلوب و حزب الله بين جهاد النكاح و زواج المتعة
فآثرالرأي العام الغربي على الإبتعاد عن المشكلة السورية و اعتماد شعار السياسة الأمريكية
"دعهم يحترقون "
ان تدخل الغرب في مسار الثورة السورية ممكن فقط في حال تقاطع مصالح الإدارة الأمريكية و اهداف الشعب السوري و هذا التدخل لن يكون بالمجان و انه يتطلب ثمنا ما ..يا حبذا لو كانت المعارضة السورية تتسم بالشفافية و تخبرنا عن الثمن المطلوب
لقد كانت الإدارة الأمريكية واضحة في كل تصريحاتها و بيانتها حول ما تتوقعه من المعارضة السورية و التي على رأسها شكل الدولة بعد مرحلة الأسد
و لعل قضية جبهة النصرة هي اكثر الأدلة عن تباعد المواقف بين الإدارة الأمريكية و المعارضة السورية التي لم تراعي الحساسية الأمريكة تجاه منظمات القاعدة و ما يرتبط بها من تنظيمات و رفضت و بشكل عنيف ادراج الإدارة الأمريكية لجبهة النصرة على قائمة الإرهاب و بالرغم من تصريحات الجولاتي و البغدادي التي تعلن فيها الولاء و الطاعة و البيعة للظواهري و بالرغم من تصرافات كل من داعش و جبهة النصرة من اعتقال مدنيين و ناشطين سلميين و قتل على الهوية و تقاعس عن مواجهة النظام و بالرغم من هذا كله لم تقم المعارضة السورية في رفع الغطاء السياسي عن داعش و جبهة النصرة
هذه الحالة تبين مدى عدم قدرة المعارضة السورية على ايجاد قواسم مشتركة مع الإدارة الأمريكية و فضلت المواجهة معها بالرغم من أن هذه المعارضة تتوسل التدخل الأمريكي منذ الأيام الأولى للثورة السورية
و الحالة الأعمق للخطاب المعارض المنفصل عن الواقع هو الإتجاه لاعتبار الولايات المتحدة الأمريكية هي طرف عدو في الصراع السوري و يمكن الإستشهاد بذلك من الخطاب الذي تقدمه صفحة الثورة السورية على الفيس بوك و الذي تديرها مجموعات ذات توجه اخواني
و إن حديث الإدارة الأمريكية عن طبيعة الضربة لنظام الأسد انها ضربة محدودة في الأهداف و الزمن و لا تهدف إلى تغير الواقع على الأرض أو اسقاط نظام الأسد هو الأكثر دلالة أن منطلقات السياسة الأمريكية هو المصلحة الأمريكية العليا
و دلالة على ذلك هو تصريحات الإدارة الأمريكية في بداية الثورة السورية عن امكانية تطبيق منطقة حظر جوي حيث كانت الحجة الأساسية للإدارة الأمريكية هو الصعوبات التقنية لتنفيذ الحظر الجوي من توافر نظام دفاع جوي سوري متطور و معقد في الوقت التي كانت الطائرات الإسرائيلية تخترق السماء السورية بشكل دائم
لكن الإدارة الأمريكية تقرر الآن أن تستخدم القوة العسكرية لتنفيذ ضربة عقابية محدودة في الأهداف و الزمن متناسية أن الحديث السابق عن الصعوبات التقنية
أخيرا ...في العام 1988 شنت الطائرات العراقية هجوما على مدينة حلبجة الكوردستانية بالسلاح الكيماوي و قتل على اثرها اكثر من خمسة آلاف شخص متوجةً حملة ابادة عرقية اسمها الأنفال التي قتل نتيجتها اكثر من 182.000 كوردي عراقي
و لم يحرك الغرب ساكنا على العكس حاول التستر على المجرم الحقيقي صدام حسين و القاء اللوم على ايران لغاية في نفس الغرب
لكن الغرب حرك كل قواته و اساطيله لإخراج صدام حسين من العراق عندما احس بخطر يداهم مصادر الطاقة
آراس كمال مسلم
رئيس وحدة الدراسات الدولية
مرز الدراسات و الأبحاث الإستراتيجية الكوردية

#آراس_كمال_مسلم (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات