عدوان أمريكي على سورية بمعرفة روسية

ربيع سلطان الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 4201 - 2013 / 8 / 31 - 09:37
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

يبدو أن روسيا أعطت الضوء الأخضر لأمريكا للقيام بضربة عسكرية ضد سورية، فلا يمكن تفسير ماقاله لافروف منذ عدة أيام بأن روسيا لن تتدخل عسكريا في حال تعرضت سورية لضربة عسكرية إلا ضمن هذا السياق.
كان قد سبق حديث لافروف كلاما أكثر وضوحا يبين حقيقة الموقف الروسي جاء عن طريق محلل روسي عبر قناة الميادين عندما قال بأن روسيا ستكتفي بالتحرك الدبلوماسي والتنديد بالعدوان ضد سورية.
حاول وزير الخارجية السوري وليد المعلم تبرير ماقاله وزير الخارجية الروسي في مؤتمره الصحفي وتخفيف وطأته لكنه في الوقت نفسه ذكرعدة مرات أن من يحمي سورية فقط تماسك الجيش والشعب والقيادة، وفي رده على سؤال حول موقف إيران نفى المعلم وجود اتفاقية دفاع مشترك بين البلدين..
المتابع لهذه التصريحات يخرج باستنتاج مفاده أن روسيا وحتى إيران لن تفعل أكثر من التنديد والإدانة والتحذير من توسيع واستمرار العدوان إن حصل.
الإعلام العربي المتحمس للعدوان على سورية وخاصة قناة العربية التي بزت الجزيرة هذه المرة وهذا مفهوم كون السعودية قد أزاحت قطر من قيادة العمليات في الداخل السوري بالإضافة لإنشغال الجزيرة هذه الأيام بالتطورات في مصر باعتبارها ناطقة باسم جماعة الإحوان المسلمين (مما أثار انتقاد "ديانا مقلد" الكاتبة في الشرق الأوسط بسبب تقصيرها بعدم المتابعة للحدث السوري كما كانت سابقا). وصحفية الشرق الأوسط السعودية نفسها التي كتب فيها طارق الحميد منذ حوالي عشرة ايام مقالا بعنوان "قوة الأسد ضعف أوباما" على طريقة وامعتمصاه، فلبى أوباما النداء وهاهو اليوم يتوعد الأسد، لكن يبدو أن أجهزة المخابرات الغربية أخبرت الإعلام المتمحس بأن الضربة لن تهدف لإسقاط النظام، وستكون موضعية ومحددة. ونفس الكلام ردده الإئتلاف بأن أمريكا لن تسقط النظام فهذه المهمة سيقوم بها "الجيش الحر" لكن تمنى البعض أن تستهدف الضربات مرفأ طرطوس ومطار حميمين في جبلة.
خلال الأيام القليلة الماضية يمكن ملاحظة أن جميع الأطراف المعنية بشكل مباشر وغير مباشر بالأزمة السورية قد أدلت بتصريحات وبينت موقفها تجاه الضربة المحتملة، وخاصة المسؤولين الأمريكيين والإيرانيين ويمكن إحصاء تصريح كل 3 ساعات لمسؤول أمريكي وفي نهاية اليوم سنجد أربعة تصريحات يفهم منها الاتجاه نحو العدوان والأربع الأخرى يفهم منها العكس، في حين يمكن القول إن الإيرانيين أكثر نشاطا من نظرائهم الأمريكيين حيث يمكن إحصاء تصريح كل ساعتين لمسؤول إيراني وجميع التصريحات مضمونها ذات طابع ناري حتى أنني لم أستبعد أن نسمع مثلا ( أن "رويترز" نقلت عن الرقيب الأول في الحرس الثوري الإيراني "شهرزاد جعفري" دعوته لأمهات الجنود الأمريكيين الذين سيتوجهون إلى سورية بالتقاط الصور الأخيرة مع أبنائهن). لم يبقى سوى حزب الله وحده لم يتكلم حول موقفه وكيف سيكون رده، فقط تسربت معلومات أن الحزب في أتم الأستعداد. وأعتقد أن ضعف معلومات اسرائيل وأمريكا فيما يخص قدرات وأنواع سلاح وآلية عمل وخطط الحزب فيما لو تم العدوان ، هو من أجل الضربة المحتملة كما أن ردة فعل الحزب وشكله وحجمه سيحدد بشكل أساسي المدة الزمنية للعدوان وحجمه أيضا.
من المؤكد إن إسقاط النظام يحتاج لتدخل واسع ولقوات برية على الأرض وهذا مستبعد في الوقت الراهن لأسباب عديدة يطول شرحها، هذا يعني أن الضربات الموضعية التي يحكى عنها تستهدف بالدرجة الأولى تدمير قواعد الدفاع الجوي ومراكز الاستطلاع المتبقية ومخازن الصواريخ التي يمكن أن تستخدم ضد اسرائيل، اي أن أمريكا ستكمل مايقوم به ثوارها في الداخل من استهداف قواعد الدفاع الجوي وكل مايشكل خطرا على إسرائيل .
وبالعودة للموقف الروسي الذي كان بإمكانه أن يفضح موقف الغرب بذكر مجازر ريف اللاذقية التي حدثت فجر الرابع من آب(أغسطس) أي قبل نصف شهر تقريبا من مجزرة "الكيماوي" في الغوطة علما بأن مجازر ريف اللاذقية توصف بأنها جرائم ضد الإنسانية وعملية تطهير مذهبي وراح ضحيتها المئات من الأطفال والنساء والشيوخ ذبحا وحرقا وتقطيعا وأعلن سليم إدريس رئيس أركان "الجيش الحر" مسؤوليته ومباركته لها علنا ومع ذلك لم نسمع حتى ذكر لهذه المجازر ولا أي إدانة سياسية من أي طرف دولي. هذا كله يقوي الاستنتاج بأن الضربة لو حدثت ستكون بمباركة روسية علما بأننا لم نكن ننتظر أن تقوم روسيا بشن حرب إذا حصل اعتداء على سورية لكن إعلان ذلك صراحة من قبل لافروف وبهذا التوقيت هو المهم في الموضوع. حتى وزير الخارجية السوري لم يذكر مجازر ريف اللاذقية ليدلل لماذا لايتم التحقيق بها من قبل الأمم المتحدة ولماذا لم تحرك الضمير العالمي؟ ربما لأنها لم تحرك الضمير الحكومي السوري أولا. هذا الكلام الذي لم تذكرة السلطة ولا المعارضة التابعة لأجهزة المخابرات ذكره المعارض هيثم مناع الذي عبر عن "رفضه تحويل الأنظار عن عمليات القتل اليومية التي تقوم بها كل الأطراف وكأن ضحايا الكيميائي بيضة ذهبية و100 ألف ضحية مسألة فيها نظر، ومنها خطف أكثر من ألف مواطن ومواطنة في أقل من أسبوعين على الهوية المذهبية والقومية وعُثر على بعضهم في مقابر جماعية".
لكن بعد تصريحات كيري وأوباما بالأمس يمكن القول أن قرار العدوان قد اتخذ بنسبة كبيرة جدا وسوف يتم تنفيذه خلال الأيام القليلة القادمة ومايفكر فيه الأمريكيون وحلفاؤهم الآن هو هل يستطيعون القيام بضربات محدودة وخلال يومين أو ثلاثة على الأكثر لحفظ ماء وجه أوباما وتفيد اسرائيل والمعارضة المسلحة عموما بنفس الوقت؟ بمعنى هل بإمكانهم التحكم بموعد انتهاء العمليات العسكرية؟
أعتقد فيما لو حصل العدوان لن يتوسع، بمعنى أن الجيش السوري لن يرد عليه بل ستكون مهامه محصورة بمنع تقدم المسلحين باتجاه دمشق وحمص وغيرها من المناطق الاستراتيجية بالإضافة لمنع تسلل عناصر مدربة عبر الحدود مع الأردن تسيطر على درعا وصولا لدمشق. هذا يعني أن حزب الله وإيران بطبيعة الحال لن تقوما بأي رد فعل عسكري سوى الحذر والمراقبة. لأن الرد السوري ورد حزب الله سيكون باتجاه إسرائيل واستهداف اسرائيل سوف يجعل المعركة مفتوحة على كل الاحتمالات لأنها لن تسكت وستجد الفرصة مواتية جدا لأستهداف إيران وتوريط أمريكا بشكل مباشر في حربها ضد إيران ، هذا سيجعل إيران ترد وتستهدف منطقة الخليج مما سوف يوسع ساحة الحرب لتنتقل إلى فلسطين، أعتقد أن كل الأطراف لاتجد في مصلحتها في هذه المرحلة الذهاب نحو حرب دامية على مستوى المنطقة.
لن نجافي الحقيقة إذا قلنا إن بعض السوريين يتلهفون لقيام أمريكا بهذا العدوان ضد سورية، وهنا يحضر السؤال لكل من يؤيد هكذا اعتداء مع استثناء الشخصيات المعارضة المعروفة بأنها تعمل برتبة موظف عند مشغليها، إذا كانت أهداف العدوان المحتمل معلنة بأنها لن تهدف لإسقاط النظام فلماذا إذا نجد تأييدا لهذا العدوان؟ هل يعقل أن يؤيد سوري اعتداء على بلده وتدمير ماتبقى منه ؟ البعض ربما يظن أن الأهداف ستكون موجهة ضد مناطق مدنية تعتبر مؤيدة للسلطة وهذا غير مستبعد بأن يتم ضرب بعض هذه المناطق عن طريق "الخطأ". لكن في هذا الموضوع أود التذكير بالمثل القائل "الضربة إللي مابتقتلك بتقويك".. وكل المسؤولين في أمريكا والغرب المؤيدين للعدوان يتفقون على أن الضربة لن تهدف لإسقاط النظام، لذا أقول لكل السوريين الذين يهللون وينتظرون بفارغ الصبر حصول العدوان على سورية:
لن أخطابكم باسم الوطن ولا باسم الأخلاق ولا باسم الإنسانية ، بل باسم مصالحكم أنتم، فكروا جيدا: ربما تعتقدون أن نتائج العدوان المباشرة ستكون في صالحكم وقد يكون هذا صحيح لكن تأكدوا أن عواقب العدوان ستكون كارثية عليكم أنتم أكثر من أي طرف أخر.
النتائج المباشرة لهذا العدوان المحتمل باعتباره سيكون "محدودا" المزيد من سفك الدم السوري والمزيد من تدمير للجيش وإضعافه وزيادة الأنقسام الحاد بين السوريين وحصول تقدم مؤقت للمسلحين في بعض المناطق، أما عواقب العدوان ستكون في مصلحة النظام وسيخرج أقوى وسيعطى له الضوء الأخضر للقضاء على المجوعات المتطرفة، وفي المجمل استمرار الدمار والاقتتال وتدمير ماتبقى من البلد، للأسف.

#ربيع_سلطان_الحسن (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات