رامي احمد
الحوار المتمدن-العدد: 4198 - 2013 / 8 / 28 - 21:25
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
يراقب العالم اجمع هذه الأيام التطورات الخطيرة التي تلقي بظلالها على منطقة لا طالما عرفت بسخونة الاوضاع فيها...فقد بدأت الولايات المتحدة على عجل بتكوين “تحالف دولي” لتوجيه ضربة للنظام السوري خارج إطار مجلس الأمن، وهي الطريقة التي يتحرك بها الأميركيون كلما أرادوا الانفراد بعمل عدواني خارج الأرض الأميركية.
قد يسألني القاريء: ضرب النظام السوري المجرم وإسقاطه ليس عملاً عدوانياً، فلماذا وصفتَه كذلك؟
فالأميركيين لا يريدون “ضرب النظام وإسقاطه” فعلاً، بل إنهم يسعون إلى هدف آخر. وهو ليس هدفاً خفياً يحتاج إلى قراءة فنجان لمعرفته، فإنهم ما يزالون يتحدثون عنه منذ عام ونصف، هم والروس أيضاً، فليس غريباً إذن أن تصمت روسيا اليوم صمتَ أصحاب القبور ويبقى صراخ المذبوح حكراً على النظام السوري، وعلى إيران وحلفاء إيران في لبنان.
فقد اتفق القطبان -ومعهما الأتباع جميعاً من عرب وعجم- على الحل السياسي التوافقي للمشكلة السورية، حل ينهي الثورة بلا انتصار، ويقتصر على سقوط الرموز المحترقة (الأسد وكبار القادة الأمنيين والعسكريين) وبقاء كتلة النظام الرئيسية، الكتلة التي تمثل ما صار يُسمّى في الأدبيات السياسية مؤخراً “الدولة العميقة”، لكي تنضم إلى قُوىً سياسية سورية معارضة مدجّنة محدودة الصلاحيات، وينشأ من اتحادهما “النظام السوري الجديد” الذي سيرث النظام القديم ظاهرياً، ولكنه سوف يحتفظ -في الحقيقة- بجزء قوي كبير من أصله القديم.
في سوريا -كما في مصر واليمن وتونس وغيرها من بلدان العالم العربي- تكونت “الدولة العميقة” عبر عقود طويلة على عين القُوى الغربية ورعايتها لخدمة مصالحها وتحقيق أهدافها، وهي لن تتخلى عنها بسهولة، بل ستقاتل دونها إلى النّفَس الأخير. إنهم لا يريدون تكرار التجربة المصرية في سوريا، فإنها مغامرة غير مضمونة النتائج، فلماذا يسمحون بولادة دولة مدنية مستقلة تهدم الدولة العميقة، ثم يُضطرون إلى الانقلاب عليها؟ الطريق الأسهل هو الحيلولة دون ولادتها منذ البداية.
* * *
الكل متفق على أن الضربة الأمريكية لسورية قادمة لا محالة لكن يبقى الاختلاف حول هدف هذه الأخيرة فالكثير من الناس يذهبون إلى القول بأنها ضربة لإسقاط النظام حبا في سواد عيون الشعب السوري !!!!!!!!!!!!!!!!!
بالفعل الضربة آتية، نعم، ولكنها لن تُسقط النظام؛ إنها آتية لفتح الطريق إلى المفاوضات النهائية لتشكيل “النظام السوري الجديد” الذي يريدون. لكن هذا الحل تعترضه عقبتان كبيرتان:
_ اولها : عقبة من طرف النظام وعقبة من طرف الثورة. العقبة الأولى هي بشار الأسد والقيادة الأمنية والعسكرية العليا التي تقود الحرب ضد الشعب السوري منذ سبعة وعشرين شهراً، فإن هذه المجموعة قد حرّقت السفن وهدّمت الجسور، وصارت معركتها ليس فقط على الحكم والسلطة بل أيضاً على الحياة، على البقاء، ولذلك فإنها أعاقت بثبات كل الحلول السياسية المقترَحة منذ أواخر عام 2011 إلى اليوم، وستثابر على إعاقتها مستقبلاً، ومن ثم اتفقت أطراف اللعبة الدولية على التضحية بها وإزالتها من الطريق.
ليست الولايات المتحدة فقط هي التي قررت التخلص من الأسد ودائرة النظام العليا، بل روسيا أيضاً كما يبدو، فقد تطابقت رؤية الطرفين وزالت آخر العوائق منذ لقاء موسكو الأخير الذي جمع وزير الخارجية الأميركية بالنظير الروسي. في ذلك الاجتماع وُضعت اللمسات الأخيرة، وليس مستبعَداً أبداً أن يكون الدور الذي أُسند إلى روسيا هو “توريط” بشار بالسلاح الكيماوي، فإن من غير المعقول بَداهةً أن يُتّخَذ قرارٌ بهذا الحجم إلا بعد استشارة الروس وموافقتهم. إذا صحّ هذا التوقع ستكون روسيا قد كررت اليوم في سوريا الخدعة الأميركية التي دفعت العراقَ إلى اجتياح الكويت قبل ثلاث وعشرين سنة، وكانت بداية النهاية لنظام صدام حسين.
_ثانيها: عقبة القوة الثورية العسكرية الكبيرة التي نمت وتضخمت خلال العامين الماضيين.
لقد أنفقت جيوشٌ من عملاء المخابرات الغربية والعربية شهوراً طويلة في دراسة الواقع الميداني على الأرض السورية، ولا بد أن الصورة صارت عندهم أوضح مما هي عند كثير من السوريين أنفسهم. إنهم يدركون أن عشرات الآلاف من المسلحين الذين يتوزعون على مئات الكتائب الصغيرة لا يشكلون خطراً كبيراً بسبب تفرق تلك الكتائب، كما أن بعضاً منها هو أصلاً من جماعات أمراء الحرب الذين يبحثون عن المال والنفوذ، ويمكن شراؤهم بأي من الاثنين أو بهما معاً.
لكن المشكلة الكبرى في كل هذا الوحل والعقبة الأمر هي الجماعات الجهادية التي يبلغ عدد مقاتليها قريباً من سبعين ألفاً، وقد يصل إلى مئة ألف، وهي أكثر ترابطاً وأشد بأساً . و وجود تلك الجماعات يشكل اليوم عقبة تعترض الحل السياسي الدولي، وهي في الغد صداع دائم للقوى الدولية (الولايات المتحدة وروسيا وسائر دول الغرب، ومعها بعض دول الجوار) التي ترى فيها خزّاناً بشرياً مقلقاً للجهاديين الذين يمكن أن يتسرّبوا خارج الحدود السورية فيهددوا أي دولة في أي وقت من الأوقات.
وختاما, فكما قرر النظام الدولي التخلص من الأسد فإنه قرر التخلص من تلك الجماعات، وان لم يفعلوا فلن تُحَلّ المشكلة السورية حلاً سياسياً أبداً ولن تنجح مؤامرة “النظام البديل”....
* * *
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟