أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - فكري آل هير - اللحظة العصية بين الوعي واللاوعي قراءة في ذبذبات الفعل الثوري















المزيد.....

اللحظة العصية بين الوعي واللاوعي قراءة في ذبذبات الفعل الثوري


فكري آل هير
كاتب وباحث من اليمن

(Fekri Al Heer)


الحوار المتمدن-العدد: 4198 - 2013 / 8 / 28 - 16:45
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


لازالت تداعيات ما بعد ثورات الربيع العربي في تجلياتها السياسية والاجتماعية العميقة، تكشف عن ملامح ما يمكن القول بأنه "صراع أجيال" – بين جيلين – يعكس بقدر بالغ الدقة مغزى أن توصف تلك الثورات بـ "ثورات الشباب"، وعلى نحو من التأسيس دلل عليه استحضار مسميات وتوصيفات مرادفة، مثل "ثورة شباب الفيسبوك" أو "ثورة جيل الأنترنت والمعلومات"، وبينما تجاهل الكثيرون مغزى هكذا تسميات، حاولت أطراف أخرى – قوى تقليدية – طبع تلك الثورات بطابع "شعبي"، في نوع من التعمية الحركية بدلالات شمولية لعبت ولازالت تلعب دوراً بالغاً، في أفق خطاب سياسي تقليدي لازال يقاوم التيار الثوري الجارف، ويستميت من أجل البقاء بل ومن أجل السيطرة،
وبصيغة تميل الى التعجيل في اقتضاب الفكرة التي اكرس هذا المقال لأجلها، يمكن القول بأن ما هو أكثر من حرف مسار الثورات – سرقتها – ركوب موجتها، تكييفها- توظيفها – مما حدث بالفعل، هو انتزاع وتشويش هويتها.. بطرق وآليات خلط وتمطيط اصطلاحية ومفهومية، اضطلعت بها معظم الخطابات التي وجدت نفسها أمام فرصة تاريخية للوصول الى المأثرة التي ظلت أشبه بالحلم الذي مهما بدا تحقيقه ممكناً، إلا أن أسباب ذلك ظلت وستظل دائماً غائبة.
الأمر في كل حال يتطلب نقاشاً جاداً، يشترط عدة مقومات لابد وأن تكون حاضرة في بؤرة الوعي النقدي لمثل هذه اللحظة التاريخية العصية على ادراك الجميع في الشرق والغرب، باستثناء صناع الحدث أنفسهم، أول تلك الاشتراطات، تجاوز نماذج المشابهة والمماثلة والتخصيص والتمييز، ودراسة الواقع في مساحته الممتدة عربياً، بحيث تتلاشى تلك الخطوط المستقيمة والمتعرجة التي تظهر على خارطة المنطقة العربية، باعتبارها وهم حدود سياسية أو قطرية فاصلة، هذا إذا ما رددنا الحدث الى المنطقة التي تمت فيها عملية خلقه وتحديد ملامحه الأولية، في نسق عوالم افتراضية، لا تحضر فيها سوى التكنولوجيا وهي تفتح امتداداتها الزمانية والمكانية بلا انسداد.
الاشتراط الثاني، هو التأكيد على غياب العفوية وطغيان القصد الثوري، الذي تمثل في التحول من الساحات التواصلية المكتوبة والمرئية، على هوامش تذيل دائماً بعبارة "عن بعد"، والانتقال الى ميادين وساحات التحرير والثورة كحدث "مباشر" حمل جوهره السلمي، والذي يعد مفردة مبتكرة لم تكن حاضرة في الأعراف الفكرية والسلوكية لمنهجيات التغيير التي كانت معروفة.. قبل موسم الربيع العربي. أما بقية الاشتراطات فهي كل ما يخطر على الذهن لمجرد التفكير في الطريقة التي اتخذتها الأمور بعد ذلك، على المحكات التعبوية السياسية والأيديولوجية التي استحضرت فيها مجدداً المفاهيم الخاطئة والعمياء، عن رؤية حقائق التبادلات والتقاطعات التاريخية التي شكلت دوماً "نواميس" الحراك والتفاعل الصراعي بين اليسار واليمين.
حضور التيارات الدينية كيمين، مسنودة بترانيم وابتهالات (أوروكية)، وتهافت التيارات اليسارية على أساس تقييمها بأنها تمثيل فسيفسائي للأنظمة العربية التي أسقطتها الثورة، كان مجلباً لأشكال شتى من النماذج والوقائع التي ما كان يفترض أن يترك لها أن تتسيد على الواقع وتختزل المشهد كله اليها، تماماً كما أثبتت اليوم ثورة مصر الثانية فداحة هكذا انحراف عن مسار تحول شامل، يتجاوز كل ما هو تقليدي. فضلاً عن اختطاف الهوية الثورية وتقييدها بسلاسل التطرف والتطرف المضاد، وكل ما من شأنه أن يجر الواقع نحو منطقة التدافع التي يخلق فيها النقيض نقيضه، ويفرض حالة من العنف الضروري لتبرير بقائه وتأكيد أهمية وجوده كقوة فاعلة في رأس الحدث، وليس في معمعته، وهذا كله فقط من أجل أن يبقى، وهكذا أرادت القوى الدينية وفعلت.. في أقطار الربيع العربي بلا استثناء أو تمييز.
انه الصراع بين جيل مسن وهرم رازح في سجون عقليته المتشققة، وجيل شاب مبدع ومنفتح على الجهات الأربع، بكل امكانياته التي توفرت له وكاد أن يحسن استعمالها بشكل منقطع النظير، لولا ما وراء لولا نفسها ويمكن أن يتصيده كل ذي لب وعقل رشيد.
من المؤكد أن ثمة استلهامات في الثورات العربية مأخوذة على طريق اللاوعي المتمكن من قراءة التاريخ الغير البعيد، لنماذج الثورة البلشفية التي برق نجمها في مطلع القرن الماضي، حيث منطق اليسار الثوري حاضر بقوة ضد كل أشكال التمييز والتصعيد النخبوي، وقادر على خلق الفعالية الجمعية على نحو قابل للتوسع والاحتذاء الأممي. وان كان هناك من يرى بأن مثل هذا التفسير لا يعدو أن يكون مجرد تنظير موارب يجري فقط على الورق، وأبعد ما يكون عن ميكانزمات الفعل التاريخي، باعتباره نتيجة من نتائج التغير على صفحات الوعي. إلا إني لن استغرق في الدفاع عن هكذا منظور.. لا نظرية.
إن تشققات وتجاعيد المد الديني في المنطقة، هو العبأ الأكبر والعائق الأشد أمام تحولات باتت تلح على المنطقة بأن تصبح واقعاً عن كثب، وهو العبأ الكارثي الذي نلمحه على حد سواء في نموذج الدولة الدينية كما في مثلث (السعودية – ايران – اسرائيل)، أو في شظايا الحركات والتيارات الدينية، بغض النظر عن تشكيلاتها الطائفية (سنية أو شيعية)، انها في النهاية وفي المجموع: العقبة الكأداء التي لاتزال جذورها منصوبة في عمق الأرض بقوة.. أو متظاهرة بالقوة، أمام أي تحول ضروري ومنطقي بات وشيكاً.
لو تخلينا عن منطق التجزئة، وتأملنا في اللوحة العربية ككل، لاسيما في مراكز الثورة، سنرى تمظهرات هذا العائق المتمثل بالمد الديني الذي يقاوم الانحسار والجفاف، بصور شتى تنبأ عن مكنون اللحظة الراهنة كوعي، وتستشرف اتجاه الفعل التاريخي الممكن بحيث يبدو أمراً حتمياً لا مناص منه، بغض النظر عن شكل النهايات التي ستمثل البدايات نفسها.
ما يحدث في سوريا نموذج للتسييد الذرائعي للبراجماتية الدينية التي لا ولن تهتم بثمن العنف الذي قررت أن تمارسه في سبيل القبض على سرج الفرصة التاريخية السانحة والأخيرة للوصول الى السلطة، دون تبرئة الطرف الأخر في هذا السياق،
إن تأخر وقت الحسم ليس بسبب قوة النظام ودعم حلفائه السخي له – وإن كان هذا سبباً ظاهرياً يمكن الاقرار به - ولكن ثمة موقف غائر في اللاوعي الجمعي يرى في استمرار المعارك بديلاً أفضل من احتمال وصول المتطرفين الى السلطة أو اقتتالهم عليها بعد اسقاط النظام الحاكم كما حدث في افغانستان ذات مرة. فطالما أن العنف سيظل سيد المشهد، فليبقى الحال على نموذج العنف القائم حالياً.
وبصورة عامة يكفي أن نرى سوريا واقعة في قبضة مثلث الدولة الدينية المسيطر في المنطقة، بكل تقاطعاته، والذي لازال يشكل رتماً واحداً.
يمكن مقابلة هذا العمق الغامض في سوريا، مع العمق الظاهر في ثورة مصر الثانية، التي تعد ترجمة فعلية لموقف الرفض المطمئن في وجوده الى لاوعي جمعي ثائر، استطاع الشباب فيه من خلال حركة (تمرد) أن يستعيد جزءاً كبيراً من فعاليته التي كانت قد قمعت بهدوء ممل أبان عهد المجلس العسكري والحكم العصبوي والفئوي للجماعة، بدليل أن المسميات لم تعد فارقاً، ثورة كانت أو انقلاب أو خليط من العنصرين، ليس هذا مهماً، المهم أن تستحدث لحظة تحول، يمكن التعويل عليها بأنها هي الفارقة.
في تونس نرى الوعي نفسه ينتصب وإن كان في لحظة تثاؤب أخيرة، في مواجهة كل المخاوف من التحول الى النسق السوري أو غرق الدولة التونسية في مستنقع الفشل، أو الرغبة المضادة في مقاومة السيناريو المصري، الذي أطاح بمؤسسة هلام الجماعة الدينية، على نحو بالغ الحرفية، لذا فكل التوقعات لا تخفي احتمالات سقوط الحركة الدينية في تونس في أي لحظة.
الأمر نفسه يظهر حالة من التشنج في ليبيا وحالة من المراوغة في اليمن، وكل له مسالكه التي تتوارى فيها سوءات القائمين على ادارة المرحلة، سواء تلك التي تتمثل بالعجز عن تحقيق متطلبات الثورة والتحول، أو تلك التي تتعلق بالارتهان للخارج على حساب الذات الوطنية، التي تكاد تفقد قيمتها.
إنه صراع الوعي بالثورة والرفض والتمرد، الذي يعزف على قانون اللاوعي المتجه صوب الدولة المدنية والعلمانية المستنيرة بضوء الارادة الشعبية العميقة والمتجذرة وهي تلمح أمارات المستقبل من جهة، وبين الخطاب الديني الفاقد للوعي والمستسلم للاوعي العقيم والمتشكل من تراكمات جامدة ويابسة ستنكسر وتتشظى حتماً في أي مواجهة مع جدار المستقبل الشفاف، فلا تقوى على اضافة شيء الى كتاب التاريخ، أكثر في من البقاء كدأبها دوماً على هامش التاريخ نفسه، وهذا من جهة أخرى.
إنها اللحظة العصية على تأملات وعي مضى زمنه ولن يعود، والمنقادة للاوعي متفتح كصنبور حكمة ثورية لن يجف معينه أبداً.



#فكري_آل_هير (هاشتاغ)       Fekri_Al_Heer#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا شيء هنا أكثر من الهَوَس


المزيد.....




- إصلاحُ الوزير ميراوي البيداغوجيّ تعميقٌ لأزمة الجامعة المغرب ...
- الإصلاح البيداغوجي الجامعي: نظرة تعريفية وتشخيصية للهندسة ال ...
- موسكو تطالب برلين بالاعتراف رسميا بحصار لينينغراد باعتباره ف ...
- تكية -خاصكي سلطان-.. ملاذ الفقراء والوافدين للاقصى منذ قرون ...
- المشهد الثقافي الفلسطيني في أراضي الـ 48.. (1948ـــ 1966)
- ناليدي باندور.. وريثة مانديلا وذراعه لرفع الظلم عن غزة
- ناليدي باندور.. وريثة مانديلا وذراعه لرفع الظلم عن غزة
- الجيش الإسرائيلي يعلن تنفيذ عملية بمجمع الشفاء الطبي في غزة ...
- الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع تدعو إلى تخليد ...
- النهج الديمقراطي العمالي بوجدة يعبر عن رفضه المطلق للأحكام ا ...


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - فكري آل هير - اللحظة العصية بين الوعي واللاوعي قراءة في ذبذبات الفعل الثوري