أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - أيوب الإبراهيمي - صرخة في أذن الإنسانية















المزيد.....

صرخة في أذن الإنسانية


أيوب الإبراهيمي

الحوار المتمدن-العدد: 4198 - 2013 / 8 / 28 - 16:09
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


صرخة في أذن الإنسانية

شيء عنيف ذلك الذي جري في دمائنا بدل الدم، إلى أين هي وجهة هذه الإنسانية؟ غريب أمر هذا الكائن كيف يستخدم ذكاءه، هاته الملكة التي طورها عبر السنين الطويلة لوجوده فقط حين يريد أن يصنف أو يعنف أو ينكل بنضيره الإنسان فيتفنن في ذلك تحت مسميات مختلفة.

الإنتماء، أغبى مفهوم ابتكره الإنسان لنفسه و جعل له تفصيلات مختلفة و تقطيعات في أبعاد متباينة و خندق نفسه في دوائر لا معنى لها أطلق عليها لفظ : الهوية. و تفنن الإنسان عبر العصور في تلوين هاته الهوية المبنية على الإنتماءات و إعطائها صبغات و تشكلات مختلفة ففرخ المذاهب و عدد المعابد و أغدق في التوجهات و التيارات و المشارب و المرجعيات.

و أصبح ذلك مألوفا و عاديا إذ أصبحت برمجتنا الدماغية و ميكانيزمات التحليل المنطقي التي نرى من خلالها العالم لشخص ما إن تتواصل أو تقرأ أو تلتقي مع إنسان آخر، مع "أنا" مغاير حتى تبدأ أفي القيام بعملية التصنيف : أي قارة؟ أي بلد؟ أي عرق؟ أي دين؟ أي مذهب؟ أي طبقة اجتماعية؟ أي توجه سياسي؟ أي..أي.. أي

و بعد التصنيف تأتي مباشرة مرحلة إسقاط الأحكام و القواليب الجاهزة و التنميط فيتمثل مباشرة السؤال ذو الإجابة الثنائية التي لا إجابة ثالثة له: منا أو ليس منا؟ فمن هو منا فهو معنا و من ليس منا فهو ضدنا فيفتح باب الجحيم لتنطلق منه الأحقاد الدفينة و حكايات الأجداد و نتانة التراث و سيف التاريخ الصدئة المسمومة تغتال العقل و التعقل و البصيرة و التبصر لتعمي العين غشاوة الشر و العنف الكامنين في أعماق النفس البشرية، فيصبح التخندق هو سيد الموقف و يبدأ القصف و الأذية بأنواعها اللفظية و المعنوية و النفسية و الجسدية طافية على سطح سلوك الفرد و الجماعة.



و يبقى السؤال المطروح بشدة مالجدوى من الإنتماء؟ و ماذا ربحت الإنسانية من الانتماء على مر العصور؟ بل السؤال هو كم خسرت بسببه؟
فعلى سبيل المثال ماذا ربح العالم من تقسيم لكرة أرضية تواجدت قبلنا و ستظل تتواجد بعدنا إلى أشكال هندسية مسقطة على بقع جغرافية الفرق فقط أن المحيط في هاته الأشكال الهندسية أسميناه: حدوداً و جعلناه أسلاكاً شائكة فأصبح بالتالي الإنسان إما من دول الشمال أو دول الجنوب، و أصبح الإنسان يسأل نضيره الإنسان من أي بقعة هو؟ و أصبح يحتاج لما سماه بعجرفته تأشيرة ليتحرك فوق أرض لا تعد و لا يجب أن تعد ملكاً لأحد، و أصبحت فقط لأنهم علموني منذ صغري أنني هندي فسأكرهك أيها الباكستاني، و لأنهم علموني أنني أمريكي سأحذر منك أيها الروسي، و لأني مغربي سأنكت و أسخر من الصومالي.


ماذا ربحت الإنسانية من الإنتماء العرقي و التشدد له؟
أليس أغبى ما يكون الإنسان أن يكون عرقيا في القرن 21 في زمن تقدم البيولوجيا و الوراثة و التكنولوجيا التي جعلت العالم حياً واحداً، ألا يعلم من لا يزال يؤمن بالعرق و يغرد لقضايا القومية عربية كانت أو أمازيغية أو جرمانية أو زنجية أن الجينوم الوراثي لكل فرد على وجه البسيطة من أي عرق كان متشابه بنسبة 99،9% فالمدة القصيرة التي عاشها الإنسان على سطح الكوكب لم تسمح له بتنوع جيني كبير كما في الكائنات المعمرة الأخرى، أليس من الغباء أن يحكم إنسان على آخر و هو يختلف معه ربما في عشر من المئة من الفرق و ربما أقل؟


ماذا ربحت الإنسانية من الإنتماء الديني و المذهبي ؟
أتحدث هنا عن الإنتماء الهوسي الذي يتمظهر في الإصرار على نشر الدين و المذهب بأية وسيلة و الذي يؤدي إلى التعصب و العنف و ليس عن الإنتماء الديني كعقيدة فردية محترمة لعقيدة الآخر.
إن ما كبده الإنسان لنضيره الإنسان ولايزال باسم الدين و المذهب و الطائفية فادح و رهيب جداً، كم قتل و عذب و هجر و سبي من البشر فقط لأنهم خالفوا المذهب و المعتقد البائد في بقعة معينة.

فعلى سبيل المثال قتل الآلاف في أوروبا عبر التاريخ باسم مخالفة تشريع السيد المسيح و تعاليم الكتاب المقدس بطريقة مباشرة أو غير مباشرة:
بطريقة مباشرة عبر الحروب الصليبية (الغزوات) وويلاتها التي راح ضحيتها عدد لا يحصى من الناس في مختلف البقاع هذا دون ذكر إعدامات الكنيسة و الأحكام بالقتل في حق العلماء و الفلكيين و الفلاسفة و المصلحين الدينيين، و قصص قتل هيباتيا و جاليلي و حرق جان دارك خير مثال و هناك غير ذلك العديد.
و بطريقة غير مباشرة مات الآلاف بسبب معارضة الكنيسة للتشريح و الطب و التلقيح لاعتبارها في فترة معينة الأوبئة و الطاعون و الأمراض إرادة و اختباراً إلهيين !

هذا دون الحديث عن صراع الطوائف المسيحية و قتل الإنسان لنضيره الإنسان و تشريده و التنكيل به لعقود طويلة في حروب مستنزفة فقط لعدم الإتفاق في ماهية المسيح إله أم إبن إله أم روح الله، أليس هذا غباء؟ ألم يكن من الممكن لكل طائفة أن تؤمن بما تشاء و العيش جنباً إلى جنب في سلام و إخاء؟

و لدواعي الموضوعية و الحياد تاريخ الإسلام و للأسف حاضره أيضا لم يخلوان من القتل و التعذيب و التنكيل و هذا لا زلنا نشاهده إلى حدود اليوم و هذا لأننا وللأسف ابتلينا بماضينا فكما يقال فجميع الأمم تلد أبناءها إلا نحن أجدادنا، فقد ورثنا أجدادنا صراعاتهم بأسماء منمقة ك"المذهب الحق" فأصبحت ترى الإنسان الذي برمج من طرف شيوخه أنه شيعي يفجر سيارته في مسجد أناس قيل له عنهم أنهم سنة، و ترى المتشدد السلفي يقتل و يسحل الشيعي ومالفرق؟ و ما جذور السبب؟ صراع قديم قدم الدهر حول السلطة طائفة تنسبها لعلي و الأخرى لأبي بكر.. و نحن في القرب الواحد و العشرين لازلنا نتقاتل و من أحق منهما بالخلافة، أعتذر و لكن يا لجهلنا أرواح تسقط و أطفال تيتم بسبب خلاف تاريخي لأجداد أصبحت عظامهم رميماً فعلاً يا للبؤس.

هذا دون الحديث عن ذبح الإنسان للإنسان و قتله و التمثيل بجثته و سحله و بتر أطرافه و جلده باسم الدين و المذهب و تحت راية و ذريعة الجهاد أو تطبيق حرفي للشريعة دون مقاصدها، و من قال أن هاته الممارسات حالات معزولة فليشاهد عدد اللايكات التي تحصدها هاته الممارسات ليعرف أن النية الإجرامية المبيتة باسم الدين قائمة، و السواد و الحقد المبررين بالراية الجهادية السوداء قابلة للظهور و الإنفجار في أية لحظة انفلات لسلطة القانون و الدولة و المؤسسات.

هذا و أدت النزعات المرضية و الوصاية في تطبيق نماذج سياسية و اقتصادية معينة في موت و تجويع و تشريد الكثيرين فقتل الدكتاتورين ستالين و ماو و جوعوا الآلاف لتحقيق الحلم الشيوعي، و سحق هتلر الآلاف ليثبت رقي الجنس الآري، إلى غير ذلك من النماذج.

إن المتأمل لتاريخ و حاضر الإنسانية لا يسعه إلا أن يؤكد رجاحة عقل اينشتاين و حكمته بقولته: "أمرين لا حدود لهما الكون و حماقة الإنسان" و أقترح استبدال لفظ حماقة الإنسان ببلادة الإنسان، فهذا الأخير كان عبر التاريخ البعيد و الحاضر المضارع غبياً لسبب واحد: عدم إدراكه أن الإنسان الآخر مهما كان فهو "أنا" آخر و كينونة أخرى مثله تماماً بل هو امتدادٌ له و صورة مطابقة له مهما بدا مختلفاً إنما بحمولة أخرى راكمها أو بالأحرى راكمتها له تجربته و ووسطه و بيئته و محيطه إذن كلنا لا نغدو إعادة إنتاج معدلة لأنماط سابقة الوجود، فلا تتركوا الأنماط تقتل الإنسان فيكم، ما نحن إلا ببغاوات نكرر ما نسمع و نتبع ما قاله الأجداد و الآباء و الشيوخ و السياسيون دون تفكير، لنستيقظ، لنحكم العقل، لنسمع لموسيقى العلم و المنطق، لنرهف الروح و الحس بالآخر، فلتثر الإنسانية فينا مكسرة إطار قالب الهوية و الإنتماء معلنة الإنتماء للإنسانية و لا شيء فوق الإنتماء للإنسانية.


أيوب الإبراهيمي ©



#أيوب_الإبراهيمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- بآلاف الدولارات.. شاهد لصوصًا يقتحمون متجرًا ويسرقون دراجات ...
- الكشف عن صورة معدلة للملكة البريطانية الراحلة مع أحفادها.. م ...
- -أكسيوس-: أطراف مفاوضات هدنة غزة عرضوا بعض التنازلات
- عاصفة رعدية قوية تضرب محافظة المثنى في العراق (فيديو)
- هل للعلكة الخالية من السكر فوائد؟
- لحظات مرعبة.. تمساح يقبض بفكيه على خبير زواحف في جنوب إفريقي ...
- اشتيه: لا نقبل أي وجود أجنبي على أرض غزة
- ماسك يكشف عن مخدّر يتعاطاه لـ-تعزيز الصحة العقلية والتخلص من ...
- Lenovo تطلق حاسبا مميزا للمصممين ومحبي الألعاب الإلكترونية
- -غلوبال تايمز-: تهنئة شي لبوتين تؤكد ثقة الصين بروسيا ونهجها ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - أيوب الإبراهيمي - صرخة في أذن الإنسانية