|
صندوق النقد الدولي
بازغ عبد الصمد
الحوار المتمدن-العدد: 4196 - 2013 / 8 / 26 - 02:33
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
في ظل الأنظمة الإقتصادية الشائعة في مختلف دول العالم عمل أفراد المجتمع على تحقيق كل رغباتهم الاقتصادية وسعو إلى تعظيم إشباعهم باستخدام الوسائل المتاحة ولكن بعد ظهور الحروب خاصة الحرب العالمية الثانية التي انتهت بانهيار الأنظمة الإقتصادية و تدهور اقتصاديات الدول و تأزم العلاقات بينها، مما جعل الدول تفكر في إنشاء منظمات و مؤسسات للنهوض باقتصادها و إنعاشه و من بينها نظام يتحكم في المعاملات المالية النقدية، و هو صندوق النقد الدولي. و تكونت فكرة انشاء صندوق النقد الدولي في يوليوز 1944 أثناء مؤتمر للأمم المتحدة عقد في بريتون وودز بولاية نيوهامبشر الأمريكية، عندما اتفق ممثلوا 45 دولة على تجنب تكرار كارثة السياسات الاقتصادية الفاشلة التي ساهمت في حدوث الكساد الكبير في الثلاثينات من القرن العشرين، كما ساهم الخروج من الحرب العالمية الثانية وفي سياق السعي إلى بناء نظام اقتصادي و نقدي جديد أكثر استقرارا، أعطيت الحياة لصندوق النقد الدولي في هذا المؤتمر، فوضع ممثلو الدول المشاركة في الميثاق مؤسسة دولية تعمل على إلغاء قيود الصرف المرتبطة بالتجارة في السلع و الخدمات وتحقيق استقرار أسعار الصرف ، و في ديسمبر 1945 بدأت الحياة الفعلية للصندوق عند توقيع 29 بلد على اتفاقية تأسيسه، ثم اتسع نطاق عضويته. فما هو تنظيم هذا الصندوق و برامجه و اهدافه؟ و ما هو دوره و مستقبله؟ 1 تنظيم صندوق النقد الدولي: صندوق النقد الدولي هو وكالة متخصصة من وكالات منظمة الأمم المتحدة أنشئ بموجب معاهدة دولية في عام 1945 للعمل على تعزيز سلامة الاقتصاد العالمي، و يقع المقر الرئيسي لصندوق النقد الدولي في واشنطن العاصمة، و يديره أعضاؤه الذين يشملون جميع بلدان العالم تقريبا. و صندوق النقد الدولي هو المؤسسة المركزية في النظام النقدي الدولي، أي نظام المدفوعات الدولية و أسعار صرف العملات الذي يسمح بقيام المعاملات التجارية بين البلدان المختلفة بسلاسة. فهو يشرف على هذا النظام و يوفر الإطار المؤسسي العالمي الذي تتعاون من خلاله البلدان في الشؤون النقدية الدولية. و تتضمن أهداف صندوق النقد الدولي تيسير التوسع المتوازن في التجارة العالمية و تحقيق استقرار أسعار الصرف و تجنب التخفيض التنافسي لقيم العملات، و إجراء تصحيح معظم إختلالات موازين المدفوعات. 1.1 مهام الصندوق يعمل الصندوق من خلال أنشطته المختلفة على سير الاقتصاد العالمي بأقصى درجة ممكنة من السلاسة و مساعدة البلدان الأعضاء على مواجهة المشاكل الاقتصادية. و بينما يعتبر منع وقوع الأزمات الاقتصادية و المالية هدف أساسي للصندوق، فهو يستهدف أيضا مساعدة البلدان على الخروج من تلك الأزمات حال وقوعها. و لتحقيق هذه الأهداف يقوم الصندوق بما يلي: - متابعة إقتصاد كل دولة، و الاقتصاد العالمي و إطلاق إشارات التحذير عند استشعار بوادر الخطر. - تقديم المشورة لأعضائه بشأن السياسات الإقتصادية، و العمل على إرساء معايير جيدة للسياسات الاقتصادية و التنظيم المصرفي و المالي. - إقراض البلدان الأعضاء التي تمر بمصاعب إقتصادية لتسيير قيامها بالتصحيح اللازم و مساعدتها في علاج المشكلات الاقتصادية طويلة الأجل من خلال الإصلاحات. - تقديم المساعدة الفنية و التدريب إلى حكومات البلدان الأعضاء و بنوكها المركزية. و صندوق النقد الدولي هو المحفل الرئيسي الذي تناقش فيه البلدان سياساتها الاقتصادية الوطنية في سياق عالمي، فضلا عن القضايا ذات الأهمية لاستقرار النظام النقدي و المالي الدولي. و تشمل هذه القضايا اختيار ترتيبات سعر الصرف الملائمة و إدارة تدفقات رؤوس الأموال الدولية و المعايير و القواعد المالية الدولية الملائمة. 1.2 الأهداف الأصلية للصندوق: تنص المادة الأولى من اتفاقية تأسيس صندوق النقد الدولي على الأهداف الأساسية التالية: - تشجيع التعاون في الميدان النقدي. - تيسير التوسع و النمو المتوازن في التجارة الدولية. - العمل على تشجيع الاستقرار في أسعار الصرف. - المساعدة على إقامة نظام مدفوعات دولي متعدد الأطراف. - إتاحة الموارد للبلدان الأعضاء التي تواجه مشاكل تتعلق بميزان المدفوعات. 1.3 هياكله و برامجه هياكله: 2. أ مجلس المحافظين: يضم ممثلين لكل البلدان الأعضاء فهو صاحب السلطة العليا في الإدارة يجتمع مرة واحدة في السنة، فيقوم بالبحث في القضايا السياسية الكبرى، و اتخاذ القرارات المتعلقة بأعمال الصندوق اليومية التي تدخل ضمن صلاحياته. 3. ب المجلس التنفيذي: هو جهاز دائم في الصندوق يتكون من 24 مديرا تنفيذيا، منهم 19 منتخبون و 5 معينون من طرف بلدانهم مباشرة، و هي الولايات المتحدة، اليابان، ألمانيا، فرنسا، بريطانيا. يجتمع المجلس 3 مرات أسبوعيا بواشنطن فهو يختص بسير أعمال الصندوق و إدارة شؤونه. 4. ج المدير العالم للصندوق: يتم اختياره من طرف المجلس التنفيذي و يعتبر رئيسا له و رئيس موظفي الصندوق، ينتخب لمدة 5 سنوات قابلة للتجديد، و المدير الحالي للصندوق، الفرنسية كريستين لاغارد منذ 5 يوليوز 2011. 5. د اللجنة الدولية للشؤون النقدية و المالية: و قد عرفت باسم اللجنة المؤقتة حتى ديسمبر 1999 تنظر في قضايا السياسات المتعلقة بالنظام النقدي تتألف من 24 محافظ يجتمع مرتين خلال السنة. 6. و لجنة التنمية المشتركة: تعرف رسميا باسم اللجنة الوزارية المشتركة، هي عبارة عن لجنة مشتركة بين مجلس المحافظين لصندوق النقد و البنك الدوليين، فهي تقدم المشورة إلى المحافظين فترفع إليهم تقاريرها حول سياسة التنمية و المسائل الأخرى التي تهم البلدان النامية، تتألف هذه اللجنة من 222 عضو يجتمع مرتين في السنة. 7. ي موظفو الصندوق: يجب أن يتمتعوا بأكبر قدر من الكفاءة و هذا ما نصت عليه اتفاقية الصندوق، حيث يقومون بإعداد معظم الوثائق التي تمثل الأساس لمداولات المجلس التنفيذي حيث يضم 2500 موظف ينتمون الى 160 بلد. برامجه: المساعدة الفنية: يسعى الصندوق من خلال مساعداته الفنية إلى دعم جهود البلدان الأعضاء لتنمية مواردها الإنتاجية بما يحقق لها الإدارة الفعالة لسياساتها الاقتصادية و شؤونها المالية. و في هذا السياق يساعد الصندوق البلدان الأعضاء على تعزيز قدراتها في إدارة الموارد البشرية و المؤسسية، و تصميم ما يلائم ظروفها من سياسات اقتصادية كلية و مالية و هيكلية. من يتخد القرارات في صندوق النقد الدولي؟ صندوق النقد الدولي مسؤول أمام حكومات بلدانه الأعضاء، و ذلك في الأساس من خلال ممثليها في المجلس التنفيذي (الذي يجتمع عادة ثلاث مرات في الأسبوع) لمتابعة أعمال الصندوق اليومية بالتعاون مع المدير العام و نوابه و هيئة من موظفي الصندوق، و يكون ذلك تحت السلطة العليا لمجلس المحافظين الذي يتألف من وزراء مالية جميع البلدان الأعضاء و غيرهم من كبار المسؤولين فيها. و قد تم إصلاح كبير مؤخرا، إزدادت بمقتضاه القوة التصويتية للإقتصادات الناشئة بحيث تصبح البرازيل و روسيا و الهند و الصين ضمن البلدان العشرة الأولى من حيث قوة التصويت. من أين يحصل الصندوق على الأموال؟ يحصل الصندوق على أمواله ( المعروفة باسم اشتراكات الحصص) من بلدانه الأعضاء، و يمكنه استخدامها في إقراض البلدان التي تمر بمصاعب مالية. و تبعا لحجم الحصص الذي يعتمد في الأساس على الحجم الاقتصادي للبلدان الأعضاء، و يحدد عدد الأصوات المخصصة لكل بلد عضو. و تقوم كل دولة عضو بإيداع حصتها في الصندوق. و تتكون الحصة في جزء من الذهب يعادل 25% من الحصة أو 10% من أصولها الرسمية، و باقي الحصة يدفع في شكل العملة المحلية للدولة العضو. و بذلك يتكون لدى الصندوق مجمع (Pool) من الذهب و من عملات الدول المختلفة. من الذي يمكنه الاقتراض من الصندوق و ما هو سعر فائدة الاقراض؟ بوسع أي بلد عضو الاقتراض من الصندوق إذا واجه مشكلات في المدفوعات مع بقية العالم، أي إذا بدأت أمواله و أرصدته تنفد نتيجة لشرائه سلعا و خدمات من الخارج أكثر من السلع و الخدمات التي يمكنه تصديرها، أو نتيجة لنقل المستثمرين رؤوس أموالهم إلى الخارج. و يقدم صندوق النقد الدولي تمويلا مؤقتا لتسيير عملية التصحيح الضرورية للبلد المعني. وصندوق النقد الدولي لا يفرض القروض على البلدان، بل يقدم الدعم المالي عندما تكون البلاد في حاجة حقيقية للمساعدة و قدمت طلبا لهذه المساعدة. و تختلف أسعار الفائدة على القروض وفقا لأنواعها، لكنها تظل أفضل من أسعار السوق بشكل ملموس. و كثير من هذه البلدان لديها قدرة محدودة على الحصول على التمويل من أسواق رأس المال الدولية، فيما يرجع بصفة جزئية إلى مصاعب اقتصادية. و تقوم الفكرة الأساسية لدى واضعي الصندوق على أن تدخله يكون للمساعدة المؤقتة، و لذلك فهو يحاول أن يواجه الطلبات المؤقتة. كذلك فرضت أسعار فائدة تصاعدية على العمليات التي يعقدها الأعضاء مع الصندوق كلما زادت المدة المطلوب عنها القرض، و ذلك حتى يؤكد الصندوق أن تدخله يقتصر على العمليات المؤقتة. 2 صندوق النقد الدولي..ناديا للدول الغنية لقد كان صندوق النقد الدولي ناديا للدول الصناعية الغنية الدائنة، يديره وزراء ماليتها و حكام مصارفها المركزية، و في حين أن الصندوق يتباهى بالحوكمة الرشيدة، فإنه لا يمارس ما يعظ به و لا توجد فيه الشفافية. 2.1 مؤسسة صنعت في الغرب صندوق النقد الدولي عهد إليه بأخطر مهمة في فترة ما بعد الحرب، و هي العمل على استقرار أسعار الصرف و حرية تمويل العملات، فضلا عن أنه ظل في لفترة غير قصيرة معنيا بأمور الدول المتقدمة، في حين كان البنك الدولي منهمكا في أمور الدول النامية، و هي أقل أهمية على المستوى الاستراتيجي. و قد ظل صندوق النقد مؤسسة صغيرة نسبيا إذا قورنت بالبنك، فكان أقرب إلى مؤسسات (النخبة) التي تتعامل مع عدد محدود نسبيا من الدول (الدول الصناعية)، وذلك قبل أن ينجرف مثل البنك الدولي إلى قضايا الدول النامية، حيث أصبح مع هذا الأخير، يمثلان ثنائيا لضمان الإصلاح الاقتصادي في دول العالم الثالث منذ الثمانينات، و لضمان تحول الإقتصادات الاشتراكية إلى اقتصاد السوق في التسعينات . و قد احتلت المناقشات عند الإعداد لإنشاء الصندوق قبل ( بريتون وودز) مساجلات طويلة، و خاصة بين الفكر البريطاني و على رأسه كينز، و الفكر الأمريكي و يمثله وايت. فكانت تقوم الفكرة الأساسية عند كينز على إنشاء اتحاد دولي للمقاصة يدير النقود الدولية (Quantum of International Currency) بحجم يتفق و احتياجات الاقتصاد العالمية. و تتكون هذه النقود من وحدات أطلق عليها كينز اسم (بنكور) (Bancor)، تتمثل في مجموع سحوبات الدول الأعضاء في الاتحاد الدولي للمقاصة. و قد حدد حصة الأعضاء في السحب وفقا لقواعد معينة، أما قيمة (البنكور) فقد حددها على أساس ربطها بقيمة معينة من الذهب. لكن لم تقبل اقتراحات كينز خاصة في الولايات المتحدة، التي رأت فيها محاولة من بريطانيا للإفادة من الاقتصاد الأمريكي بعد الحرب، مع الحيلولة دون سيطرة الدولار على المعاملات الدولية. و لذلك قدمت اقتراحات مقابلة صاغها الأمريكي (وايت) كانت الأساس في تكوين صندوق النقد الدولي. أما خطة وايت، فقامت على انشاء صندوق نقد دولي لتثبيت أسعار الصرف. و في هذا السبيل تقوم الدول الأعضاء بإيداع حصص تتكون جزئيا من الذهب و من عملاتها الوطنية و من بعض أذونات الخزانة. و تستطيع الدولي التي تعاني من عجز في ميزان مدفوعاتها، أن تسحب من هذا الصندوق لمواجهة هذا العجز، و يالاحظ أن مشروع وايت يقوم على أساس مبدأ الإيداع، في حين أن مشروع كينز كان يقوم على فكرة فتح الاعتماد. و قد اهتمت خطة وايت بضرورة حماية أسعار الصرف و العمل على تثبيتها. في النهاية أصبحت مقترحات وايت هي أساس النظام الجديد الذي تم الاتفاق عليه في بريتون وودز في يوليوز 1944. من جهة أخرى إذا كانت أحكام الصندوق قد جاءت نتيجة للأوضاع الإقتصادية السائدة عند نهاية الحرب، فقد عرفت هذه الأوضاع تغيرات كبيرة لم تلبث أن انعكست على نظام الصندوق، الذي أخد بنظام مختلف منذ منتصف السبعينات (نظام أسعارالصرف المتغير). 2.2 أداة لاستمرار الهيمنة لم تصمم شروط صندوق النقد الدولي لتقديم الأموال فقط، بل صممت لمساعدة الدائنين الغربيين في استرجاع ما يزيد عن أموالهم مما يستطيعون إسترجاعه. و أكثر أيضا مما صممت لمساعدة البلدان المتضررة فأدى ذلك في النهاية إلى حدوث أعمال شغب في معظم بلدان العالم. فالصندوق يعمل بحماسة عقائدية أسست على الإعتقاد بوجود حاجة لممارسة ضغط دولي على الدول من أجل إعتماد المزيد من السياسات الإقتصادية التوسعية، كزيادة الإنفاق و تقليل الضرائب و خفض معدلات الفائدة لتحفيز الإقتصاد ة تحرير الأسعار، و إلغاء الدعم على المواد الأولية...و اليوم لا يمنح الصندوق أموالا إلا إذا اعتمدت البلدان سياسات كخفض العجوزات و زيادة الضرائب أو زيادة معدلات الفائدة مما يؤدي إلى انكماش الإقتصاد... و تأسيسا على هذه الأفكار، فإن صندوق النقد الدولي لم يعد بحاجة لعمل جماعي على المستوى العالمي من أجل الإستقرار الإقتصادي، و بات يتعارض مع الأهداف التي وضعت منذ نشوئه، إذ على الدول أن تخضع لفلسفته العقائدية. 3 صندوق النقد الدولي و صنع الأزمات 3.1 السوق تصحح نفسها بنفسها من ناحية تلجأ الدول النامية إلى الصندوق بهدف الحصول على القروض و ذلك تبعا لتزايد مديونيتها و استنفاد احتياطاتها و عجزها عن دفع اعباء ديونها الخارجية و تعثر عملية التنمية فيها، فإن مقدار ما يقدمه الصندوق هو حزمة من المقترحات و التوصيات، التي في حقيقة الأمر هي شروط واجبة التنفيذ إذا كان البلد حريصا على الحصول على تسهيلات و قروض دولية. و من ناحية أخرى تنصب طروحات الصندوق في تحديد سبب الأزمات المالية و الإقتصادية للبلدان النامية في التدخل الواسع للدولة في إطار القطاع العام، و تعاظم دور الدولة في إدارة النشاط الإقتصادي و طريقة تمويل عجز الموازنة العامة ، و تزايد ضعف الإنتاجية و تزايد حجم البطالة و تصاعد حدة التضخم، و جهة النظر هذه ترى في تدخل الدولة إضرارا في تحقيق التوزيع و الإستخدام الأمثل للموارد المتاحة عن طريق آلية السوق، بمعنى اتساع نطاق الدولة يضر بتشكيل الأسعار و الأجور و العمالة و يعرقل من عمل قوى العرض و الطلب في الإقتصاد، و عليه فإن الصندوق يرى بأن القطاع الخاص هو أكفأ من القطاع العام في مجال توزيع و تخصيص الموارد و تحسين أوضاع التوازن، و هنا مكمن الخطر في فلسفة و سياسات الصندوق. 3.2 فلسفة إلغاء الرقابة و تحرير الأسواق إن وجهة نظر الصندوق في تسبيب العجز المالي كما سبق، تلقي عبئ المسؤولية على اتساع حجم الإنفاق العام بفعل اتساع نطاق نشاط الحكومة. و لمواجهة هذا النمو المتزايد في الإنفاق العام، كان التوجه هو زيادة حجم معدلات الضرائب و الإضرار بحوافز الإنتاج و الإستثمار و الإدخار للنشاط الخاص. و بالتالي فطروحات الصندوق بنهجها الرأسمالي و بخطوطها العامة لا تختلف عن نهج البنك الدولي، فعند ما يعطي تقريره الإقتصادي عن أي بلد يعد هذا التقرير بمثابة إشارة خضراء أو حمراء تعطي للمؤسسات المالية و الدول الصناعية بشأن علاقتها الإقتصادية و التجارية و المالية و حتى السياسية تجاه ذلك البلد، فشروط البنك الدولي أيضا تتجه نحو وجوب إعتماد إجراءات مختلفة تتمثل بحرية التجارة و الإعتماد على قوى السوق و المنافسة، تشجيع السياسات المتجهة نحو التصدير و التخلي عن نزعة حماية الصناعات المحلية، و إلغاء الدعم الحكومي للأسعار و تخفيض عجز الموازنة و التخلص من القطاع العام عن طريق ما يسمى بالخصخصة . 3.3 الصندوق وعولمة الفقر هنالك ديمقراطية من نموذج خاص تسود داخل صندوق النقد الدولي. تصوت الدول الأعضاء في الصندوق و عددها، كل بحسب قدرتها المالية (دولار واحد صوت واحد)، الأمر الذي يعني أن و م أ تمتلك 17% وحدها من حقوق التصويت. إن قدرة و م أ المالية و واقع أن الدولار يلعب دور العملة الاحتياطية الدولية، يمنحها وزنا حاسما داخل المنظمة. يقوم المرتزقة في صندوق النقد الدولي، إلى حد ما بدور الإطفائيين في النظام الدولي. و لكن في بعض الحالات، لا يترددون في أن يلعبوا دور مشعل الحرائق. و في حالات الأزمة الحادة يدخلون في الأسواق المالية الأجنبية، و يحرصون قبل أي شيء آخر على أن لا يخسر أي مضارب دولي المبلغ الأول الذي ضارب به. فالطرق المتبعة من قبل صندوق النقد الدولي غير جيدة، و أحيانا تكون كارثية. و بالنظر إلى ما يجري في أمريكا اللاتينية...فمن بين المصائب التي تسبب بها الإطفائيون مشعلو الحرائق في صندوق النقد الدولي، تلك التي حصلت في أمريكا الاتينية و أكثرها حدة، التي ضربت الأرجنتين: كانت الأرجنتين بلدا ذا اقتصاد مزدهر، ثم أثقلت نفسها بديون خارجية ضخمة و طبقت استراتيجية جامحة في خصخصة القطاع العام و تحرير الأسواق المالية تبعا لتوصيات و شروط صندوق النقد الدولي، ووقعت بذلك تحت سيطرة الصندوق، الأمر الذي فرض عليها سياسة اقتصادية و مالية تخدم بالدرجة الأولى مصالح الشركات الكبرى العابرة للقارات الأجنبية، و بخاصة الأمريكية. و هكذا صار البيزو، أي وحدة النقد الأرجنتيني يساوي دولارا واحدا...و بلغ الدين الخارجي عام 2001، 146 مليار دولار. و لم تستطع الحكومة وقف نزيف الرساميل الهاربة الى الخارج، و انهار الإقتصاد الوطني، و ارتفعت نسبة البطالة الى 18% و توالت افلاسات المؤسسات، و في خضم الأزمة رفض صندوق النقد الدولي تقديم أية قروض جديدة، الأمر الذي أدى إلى تفاقم التوتر الذي تحول الى تمرد شعبي أطاح بالرئيس دي لاروا و ب 3 رؤساء بعده. و خلال عقود من الزمن كانت أمريكا اللاتينية العديد من خطط التكيف البنيوي التي تمليها غربان واشنطن. كما أملى الصندوق على تلك البلاد عدة إصلاحات ضريبية تخدم مصالح الرأسمال الأجنبي و الطبقة الغنية المحلية. لقد فرض تخفيضات كثيفة على الميزانيات الإجتماعية و التعليمية و الصحة، و تحرير المستوردات، و توسيع الأراضي المخصصة للزراعة الواسعة، أيضا تقليص المساحات المخصصة لزراعة البستنة، و تطبيق سياسات تقشف منوعة. و النتيجة أن جيلان من الأمركيين اللاتينيين دفعا دمائهم و عرقهم و كرامتهم، و تشتت أسرهم ثمنا لإملاءات الصندوق. إن الخصخصة هي لب مذهب السادة في صندوق النقد الدولي و مرتزقتهم، و في كل مرة كان يذهب وزير الى واشنطن لطلب تمديد أجل القرض، كان رجال صندوق النقد الدولي الاستغلاليون لمتاعب البرازيل يستقطعون جانبا من الصناعة أو القطاع العام في ذلك البلد. أما الطريقة فواحدة، يطلب الصندوق و يحصل على الموافقة على بيع صناعات أو مؤسسات خدمة ( تأمين، ضمان، نقل...) في قطاع ذي عائدية جيدة الى شركات متعددة الجنسية غالبا ما تكون أمريكية أو أوروبية. أما القطاعات التي ليس لها عائد، فتبقى طبعا في ملكية الحكومة المحلية. في منتصف 2000 جرد جوزيف ستيغلتز حملة انتقاد ضد ممارسات صندوق النقد الدولي، و كان قد استقال من منصبه كنائب للرئيس و الاقتصادي الأول في البنك العالمي. لقد افتتح موقعا له على الإنترنت، و أجرى عدة اتصالات صحافية، و نشر بضعة مقالات في الصحف. ستيغلتز يحمل نظرة لا ترحم لنشاط مؤسسات بريتن وودز، و بخاصة منها صندوق النقد الدولي. و هو يأخد على موظفي هذه المؤسسات أنهم يساهمون بقوة في جلب التعاسة لشعوب العالم الثالث، و أنهم يكررون الأخطاء نفسها، و أنهم يعيشون في قطيعة مع عالم الواقع. و يتهم ستيغلتز على وجه الخصوص صندوق النقد الدولي بأنه فاقم بتدخله الأزمة المالية التي ابتلعت في النصف الثاني من التسعينات اقتصاد عدة بلاد في آسيا. و بأنه المسؤول المباشر عن إغلاق عدة معامل و شركات تجارية، متسببا بذلك في حالة الفقر التي غرق فيها الملايين من العمال و أسرهم. كانت المكسيك أثناء منتصف السبعينات تطبق سياسات ميزانية و نقدية تسامحية أمام هرب الرساميل و التهرب من الضريبة و فساد المسؤولين و تراكم الديون الخارجية. و كانت نتيجة كل ذلك ظهور تضخم نقدي خطير يهدد في الأجل القصير النسيج الإجتماعي للبلاد. و أمام الحاجة الماسة للأموال لجأت حكومة المكسيك إلى صندوق النقد الدولي، و كأن طلب الصندوق تخفيضا كبيرا في المصروفات العامة و تذابير جذرية لمكافحة التضخم، منها تجميد الأجور، و قد جعل الصندوق من كل ذلك شرط لموافقة منح قرض جديد. و السؤال الذي يفرض نفسه بقوة هو لما يتصرف الصندوق على هذا النحو؟ يزعم موظفو الصندوق أنهم لا يتأثرون في عملهم بأية إعتبارات سياسية، إن هذه كذبة كبرى مفضوحة. في الواقع أن الصندوق في الخدمة الدائمة و المباشرة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة، و هذه الحقيقة ظهرت بشكل جلي تماما في خريف عام 2001، عندما أعلنت واشنطن الحرب على الإرهاب، حينذاك كتب معلق بريطاني في مجلة لكونوميست ما يلي: يشكل صندوق النقد الدولي و البنك العالمي جزءا لا يتجزأ من الترسانة الأمريكية المناهضة للإرهاب. و لم تتأخر الولايات المتحدة في تقديم المكافآت لحلفائها في حربها على الإرهاب . و من أمثلة ذلك ما قدمه الصندوق من أموال لباكستان و أوزباكستان بأمر من وزارة الخزانة الأمريكية، منذ 2001. إن نفاق كبار موظفي الصندوق ينكشف بوضوح على الأخص في آسيا الوسطى و الجنوبية منذ خريف عام 2001، إن مؤسسات بريتن وودز تزعم أن تضع الحكم الصالح و غياب الفساد شرطان لا غنى عنهما من أجل القروض و إعادة جدولة الدين. و الواقع أن كلا من رئيس أوزباكستان كاريموف و رئيس باكستان السابق مشرف يعتبران في عداد الحكام الأكثر تبذيرا للأموال في العالم الثالث، و مع ذلك فإنهما حصلا على قروض من صندوق النقد الدولي و البنك العالمي بسهولة، ذلك أن إنصياعهما للسياسة الأمريكية يفتح لهما أبواب مؤسسات بريتون وودز بسهولة. 4 نظرة الصندوق للمستقبل 4.1 الانتقادات الموجهة لصندوق النقد الدولي اختيار صندوق النقد الدولي لتقديم الأموال أمر مثير للمشاكل بحد ذاته، فالصندوق لم يفعل الكثير لتجنب الكارثة (أزمة 2008 المالية)، كما أنه روج لإلغاء سياسات إلغاء الرقابة بما في ذلك تحرير أسواق المال و رأس المال، ما ساهم في إنشاء الأزمة و انتشارها بسرعة في جميع أنحاء العالم. كما أن هذه السياسات و سواها التي روج لها الصندوق و أسلوب عمله في الواقع كانت مقيتة للعديد من البلدان الفقيرة التي تحتاج إلى الأموال. و سبق أن اتهم اقتصادي بارز في الصندوق المؤسسة الدولية، بمنع نشر المعلومات المتعلقة بالأزمة العالمية و أزمة منطقة اليورو. و في كتاب استقالة بتاريخ 18 يونيو 2009 قال بيتر دويل : سلطت الضوء على ما يحيط بالصندوق من شكوك فيما يتعلق بمصداقيته التي يعتقد كثيرون أنها تأثرت بشدة دوره في أزمة منطقة اليورو . و أكد أنه حتى المديرة الحالية كريستين لاغارد رغم ما تمتلكه من مقومات فإن ذلك لا يمنع حقيقة أن عملية الاختيار الأساسية ذاتها لم تكن شرعية. 4.2 مستقبل الصندوق في ظل المتغيرات الدولية الراهنة تتحكم في مستقبل صندوق النقد الدولي رؤى متباينة لمعالجة أوضاعه، تراوحت بين رؤية البلدان المتقدمة الرأسمالية، و رؤيا أخرى معارضة منطلقة من العالم الثالث، اختلفت تلك الرؤى إلى حد كبير من حيث الفلسفة و السبل المنتهجة في الإصلاح و ما يترتب على ذلك من آثار اقتصادية و اجتماعية. ففي الوقت الذي يشيع فيه الصندوق رؤية يريد لها أن تكون اقتصادية صرفة إلا أن إجراءاتها تفضح بواطنها الإيديولوجية، تبرز وجهة النظر الأخرى مغايرة تسعى إلى تثبيت قواعد عامة للتنمية معتمدة على الإمكانات الداخلية و على النحو الذي يحسن موقع هذه بلدان العالم الثالث من تقسيم العمل الدولي تلك هي وجهة النظر البديلة. إذ تطالب العديد من الدول الأعضاء في الصندوق باتخاد إجراءات عاجلة لتعزيز دور الصندوق في الإشراف على الاقتصاد العالمي، و دعت الصندوق إلى مزيد من دراسة الخلل في التوازن الاقتصادي العالمي و سياسات أسعار الصرف. و يؤكد بعض المحللين إن الصندوق لا يمكن أن يتمتع بالتقدير في الاقتصاد العالمي مستقبلا حتى يشعر جميع أعضائه أن وجهات نظرهم بشأن قرارات السياسة المالية العالمية يتم الإنصات إليها. في هذا السياق صرح وزير المالية الروسي أليكسي كودرين بالأتي: طالما ينظر إلى الصندوق كمنظمة تتخد فيها جميع القرارات من جانب عدد صغير نسبيا من البلدان الغنية و تعلن بعد ذلك باسم المجتمع الدولي، فإن عدم الثقة في الصندوق ستستمر فيمناطق كثيرة من العالم. كما أن مستقبل الصندوق مهدد بسبب النزاع حول إعطاء دور أكبر للاقتصادات الناشئة في صندوق النقد الدولي، و تحذر الدول الصاعدة أنها لن تقدم المزيد من الأموال للمؤسسة الدولية دون إعطائها دورا أكبرا في قيادة الصندوق. و كان الصندوق قد وعد بإجراء تغيير على ملكية الحصص و على تعديل قوة التصويت للدول الأعضاء بحلول يناير 2011، لكن المناقشات حول الإصلاح لم تبدأ، كما أنه من غير المتوقع تقديم اقتراحات محددة حول كيفية إدارة الصندوق.
كل نظام جاء إلى حيز الوجود حاول أن يكون النظام الذي ينتظره الجميع و يمنع الأخطاء التي وقعت في النظام الذي قبله، لكن صندوق النقد الدولي ظهرت به ثغرات عديد أبرزها أنه لم يستطع مساعدة العالم و خصوصا الدول الضعيفة في التخلص من الأزمات المالية. و هذا يدل على أنه من الواجب تطويره لمواكبة الكوارث و دراستها قبل وقوعها، أو البدء بالبحث على نظام جديد يتمتع بالقوة و الاستمرار و الصمود في وجه العواقب التي قد تواجهه
المراجع
د حازم الببلاوي، النظام الاقتصادي الدولي المعاصر، عالم المعرفة، ماي 2000. جوزيف ستيغليتز، السقوط الحر، ترجمة عمر سعيد الأيوبي، دار الكتاب العربي، بيروت لبنان، طبعة 2011. جون زيغلر، سادة العالم الجدد، ترجمة د محمد زكرياء اسماعيل، مركز دراسات الوحدة العربية بيروت، الطبعة الثانية 2004. د إكرام عبد العزيز، الإصلاح المالي بين نهج صندوق النقد الدولي و الخيار البديل، بيت الحكمة بغداد، الطبعة الأولى 2002. www.imf.org/external/arabic/orgcharta.htm www.aljazeera.net/ebusiness/pages
الموضوع هو محاولة لتسليط الضوء على مؤسسة لا يزال الجدل محيط بها و بدورها المتعاظم، بين من ينظر اليها على انها احدى المراحل المتقدمة في التنظيم الدولي، و من ينظر اليها على انها وسيلة اخرى من وسائل السيطرة الرأسمالية الغربية على مقدرات الشعوب و مستقبل الدول.
#بازغ_عبد_الصمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
منظمة التجارة العالمية
-
المجلس الإقتصادي و الإجتماعي للأمم المتحدة
-
القوة الناعمة لأوروبا الشرقية - النموذج الأوكراني
-
دور الموظف الدولي في نزاع الصحراء
-
تقييد السيادة المغربية من خلال مؤتمر الجزيرة الخضراء 1906
-
العقوبات الإقتصادية الدولية
-
بنية الفاعلين في التحول بعد الحرب الباردة
-
معاهدة إنشاء إتحاد المغرب العربي- مناقصها و نواقصها-
-
ورقة تعريفية بمنظمة العفو الدولية
-
النزاعات المسلحة غير الدولية - ماستر العلاقات الدولية و القا
...
المزيد.....
-
مصدر يوضح لـCNN موقف إسرائيل بشأن الرد الإيراني المحتمل
-
من 7 دولارات إلى قبعة موقّعة.. حرب الرسائل النصية تستعر بين
...
-
بلينكن يتحدث عن تقدم في كيفية تنفيذ القرار 1701
-
بيان مصري ثالث للرد على مزاعم التعاون مع الجيش الإسرائيلي..
...
-
داعية مصري يتحدث حول فريضة يعتقد أنها غائبة عن معظم المسلمين
...
-
الهجوم السابع.. -المقاومة في العراق- تعلن ضرب هدف حيوي جنوب
...
-
استنفار واسع بعد حريق هائل في كسب السورية (فيديو)
-
لامي: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية
-
روسيا تطور طائرة مسيّرة حاملة للدرونات
-
-حزب الله- يكشف خسائر الجيش الإسرائيلي منذ بداية -المناورة ا
...
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|