أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - عزالدين التميمي - قراءة سوسيلوجية للواقع الفلسطيني في فترة ما بعد الدولة العثمانية الى الانتفاضة الثانية















المزيد.....



قراءة سوسيلوجية للواقع الفلسطيني في فترة ما بعد الدولة العثمانية الى الانتفاضة الثانية


عزالدين التميمي

الحوار المتمدن-العدد: 4177 - 2013 / 8 / 7 - 18:41
المحور: القضية الفلسطينية
    


لم تكن البنية الاجتماعية الفلسطينية أو السياسية ومنذ زمن طويل في مرحلة استقلال ذاتي، فقد كان الاستعمار من اهم العوامل في تكوينها على مدار حقبة زمنية طويلة، وهذا امتد الى المجتمع الفلسطيني المعاصر، فقد لعب كل استعمار دوره في التأثير على الحياة الاجتماعية في المجتمع الفلسطيني، وفق المرحلة التي جاء بها، فمرورا بالفترة العثمانية الى الانتداب البريطاني ووصولا الى الاستعمار الصهيوني، فقد صبغت كل فترة من هذه الفترات سماتا معينة على البنى الاجتماعية والتي تبعها بالضرورة تأثيرات سياسية واقتصادية .
وفي هذه المقالة عرض لتسلسل التأثيرات الاجتماعية والتأثيرات المرتبطة بها من الاقتصادية والسياسية، خلال مراحل ومؤشرات معينة، وهذا وفق خمس محاور رئيسية سيتم مناقشتها كتحليل سوسيولوجي للوضع الفلسطيني الراهن، وسيتم طرح هذه المحاور وتقسيمها كالتالي :
اولا: مناقشة القراءات المختلفة والسجالات القائمة حول حالة المجتمع الفلسطيني ابان نهاية الفترة العثمانية مرورا بالاستعمار البريطاني واشكال المقاومة للمشروع الاستعماري الصهيوني وطبيعة المشروع الصهيوني من خلال تتبع الاحداث التاريخية الهامة واثارها السوسيولوجية على المجتمع الفلسطيني حتى سنة 1948.
خضعت البلاد العربية "كونها جزء من العالم الاسلامي الذي توالت عليه دول الخلافة" تحت السيطرة العثمانية لفترة ما يقارب ستة قرون، وبالحديث تحديدا عن الفترة من الحكم العثماني المراد دراسة تأثيرها على المجتمع الفلسطيني، فقد شهدت تحولا كبيرا في مسار الحكم العثماني حيث تميزت هذه المرحلة بانحدار الدولة العثمانية سريعًا وفقدانها لمعظم ممتلكاتها الباقية في أوروبا ، هذا ما اثر على نفوذ العثمانيين في الدول الاخرى بشكل عام والدول العربية بشكل خاص، غير ان تعامل العرب مع الحكم العثماني كان يختلف عن الدول الاخرى، فالنظرة الى الحكم العثماني كان لمدة طويلة كاستمرار للحكم الاسلامي، ولدولة الخلافة ، دون النظر اليها من جانب استعماري، مما زاد من صعوبة وجود فكرة الثوتر مع النظام، او فكرة النظر الى تركيا كدولة اجنبية .
وقد كان النظام الاقتصادي العثماني نظاما اقطاعيا، هذا ما كان في صالح النخب الاقطاعية التركية، وخلف وراءه زيادة في رقعة الفقر في المجتمعات العربية بالتالي في المجتمع الفلسطيني، وقد سيطر اسياد الاقطاع التركيون او الموالون الى الحكم التركي على وسيلة الانتاج الرئيسية انذاك، وهذا كان سببا رئيسا للتخلف الاقتصادي وعرقلة التطور الاقتصادي في فلسطين وايضا فقد ادى هذا الى فتح الطريق امام الامبريالية الصهيونية للتوسع ، ومن ناحية اخرى فقد زاد هذا من ظهور النخبة الاقتصادية في فلسطين وهم كما اسلفنا من المواليين الى النظام التركي، حيث ان 144 مالكا كانوا يملوكون 35.5% من اجمالي الاراضي الزراعية في فلسطين في عام 1909م ، من جانب اخر فقد نمّى وجود النخبة الرأس مالية التبعية الى الرأس مالية العالمية، بالتالي اصبح السوق الفلسطيني مفتوحا للبضائع الاستهلاكية الاوروبية ولتزويد الاستثمارات الاوروبية بالخامات الرخيصة، وزاد من التبعية للغرب الرأس مالي هذا بدوره ادى الى قتل الاقتصاد الفلسطيني، نتيجة لتهميش المنتج المحلي .
اما عن الصناعة فقد كانت تقتصر على الصناعات الحرفية البسيطة انذاك ولم يشهد المجتمع الفلسطيني تطورا صناعيا حتى الحرب العالمية الاولى ، ولعل هذا التلخلف الاقتصادي والاجتماعي الذي تم توضيحه يشير بشكل كبير الى التخلف العلمي الذي ساد في هذه المرحلة نظرا لاهتمام العثمانيين بالجانب العسكري بشكل كبير والدخول في الحرب العالمية وسحب العديد من شباب الفلسطينين الى جبهات القتال العثمانية الخارجية مجبرين بما يسمى بالتجنيد الاجباري. وهذا التخلف في كل المجالات المذكورة كان ذريعة لدخول ما يسمى بالانتداب البيرطاني .
وفي فترة الاحتلال البريرطاني لم يتغير الوضع كثيرا من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية، حيث ان الزراعة ظلت هي الوظيفة الرئيسية لمعظم المجتمع الفلسطيني انذاك، حيث تشير الاحصائيات الى انه في عام 1931 بلغت نسبة العاملين في الزراعة 51% من اجمالي العاملين في النشاطات الاقتصادية، بينما كانت النسب للتجارة والنقل والخدمات والمهن والوظائف :31% فيما لم تتجاوز في الصناعة والبناء : 18 %.
وبالحديث عن التعليم فلم يكن متاحا لاغلبية المجتمع الفلسطيني، باستثناء بعض النخب، حيث كانت نسبة الامية في المجتمع الفلسطيني عالية جدا، فقد ورث التخلف العلمي عن الفترة العثمانية، ومع انه كان هنالك محاولات توسيع نطاق التعليم في الفترة البيرطانية الا ان هذا التوسيع لم يكن بالقدر الذي يكفي لتقيليل نسب الجهل والامية الهائلة جدا، او فتح المجال والفرص التعليمية للعائلات الفقيرة مثلا. وبخصوص الوضع الصحي فمن خلال كل المؤشرات العلمية والاجتماعية والاقتصادية السابقة يمكننا ان نستنتج سوء الوضع الصحي انذاك، وبقياس معدل وفيات الاطفال كمؤشر رئيسي على الوضع الصحي في تلك الفترة فان، معدل وفيات الاطفال ما بين سنة 1931 وسنة 1935 كان (25.34 بالالف)عند المسلمين و(21.49) عند المسيحيين ، وهذه نسبة عالية جدا تدل على الانحطاط في المستوى الصحي وقتها.
غير انه كان هنالك عدة توجهات في المجتمع الفلسطيني تجاه الانتداب البيرطاني،فقد كان هنالك من يدعو البيرطانيين الى تخليص المجتمع من الجهل او تحضيره وما الا ذلك من مبررات الاستعمار، غير ان اغلب هذه النداءات كانت من قبل النخب والعائلات المستفيدة بشكل رئيسي من وجود ما سمي بالانتداب، في المقابل فقد كان هنالك العديد من الحراكات الشعبية ضد سياسات البيرطانيين وخاصة تجاه اليهود والتسهيلات التي قدمت لهجرتهم، حيث انه ومن اهم الاحداث والتغيرات التي يمكن رصدها في فترة الاحتلال البيرطاني هي عدد المهاجرين اليهود الذي زاد بشكل كبير جدا، لدرجة انه في العام 1931م، اصبح عددهم ( 164610) يهوديا ، وخلال العشر سنوات الأولى دخل فلسطين، مايقارب(76400) مهاجر يهودي جاء غالبيتهم من بلدان أوروبا الشرقية، ومع نشاط الهجرة المتزايد إلى فلسطين أدرك العرب ضرورة مقاومة الصهيونية وتحيز السلطات لها، فتفجرت الثورة التي كان شرارتها هي حادثة البراق في (24 أيلول/ سبتمبر 1998 م)وكانت بداية ما عُرف بثورة البراق
وكل هذه الهجرات كانت المقدمة للتهجير الصهيوني للفلسطينيين بالعنف عن طريق المليشيات الصهيونية في عام 1948م بماسمي لاحقا بالنكبة الفلسطينية .
ثانيا: النكبة كحدث مؤسس على المستوى السوسيولوجي على بنية المجتمع الفلسطيني وعلى تحول الفلسطينيين الى لاجئين وتجليات النكبة في عملية بناء الهوية الوطنية المعاصرة عبر الحركة الوطنية ثم منظمة التحرير الفلسطينية لاحقا وذلك على مستوى الخطاب والممارسة.
يجمع الكثير من المؤرخين على ان النكبة الفلسطينية هي الحدث الابرز في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، حتى ان البعض يعتبر انها بداية الصراع الحقيقي، ويعزي اليها البعض نشوء الهوية الفلسطينية، وانها السبب الوحيد الذي طرح الهوية الفلسطينيةكفكرة قبل ان تبدأ على ارض الواقع، الا ان في هذا مبالغة حقيقية لدور النكبة في هذا الشأن، فرغم انه لا يمكن نفي انها كانت العامل الذي يمكن اعتباره الاساسي في تسريع وجود الهوية، الا انها لم تكن السبب الحقيقي او الوحيد وراء نشوءها، وهذا يتبين في العديد من الدول التي نشأت قوميتها وهويتها بعد سقوط الدولة العثمانية، دون ان يكون هنالك صراع تخوضه مع طرف اخر ، ايضا فان بدايات نشوء الهوية كانت خلال الفترة العثمانية، حيث ان سياسات الدولة العثمانية التي لم تكن تعتمد على المركزية، واتساع مساحاتها، ساعد على نشوء فكرة القومية داخل الدول والمجتمعات التي كانت تحت سيطرتها، ومن بين هذه المجتمعات، المجتمع الفلسطيني لكن وفي نفس الوقت فقد لعبت النكبة دورا رئيسيا في تعزيز الانتماء لهذه الهوية وتعزيز لوجودها، كان هذا نتيجة الشعور بالغربة لدى اللاجئين الفلسطينين الذي وجه الفكرة صوب الفراغ الذي تركه الوطن ، هذا ما حاول الخطاب السياسي الفلسطيني تعزيزه، ان كان من بدايات الحركات الشعبية ما بعد النكبة، الى قيام منظمة التحرير الفلسطينية في الخارج دليل على تجسيد وجود اللاجئين في الخطة القومية الموحدة، اذ يمكننا اعتبار المنظمة قامت على اردام النكبة كممثل للخسارة الفلسطينية المتجسدة في النكبة بالتالي كانت تمثل بشكل شرعي كافة طبقات الشعب الفلسطيني .
وبالنسبة للتأثيرات الاجتماعية للنكبة فان التأثير الابرز هو تحول مئات الالاف من المواطنين الفلسطينين الى لاجئين، هذا اصطحب معه العديد من التحولات الاخرى في حياة هذه الشريحة الكبيرة من المجتمع الفلسطيني، كان ابرزها تحولات تصنيفية ما زالت الى يومنا الحاضر، حيث يمكن تحديد اربعة فئات من الفلسطينيين حاليا: المواطنون الفلسطينيون في المستعمرة الاولى، والفلسطينيون الذين يعيشون في المستعمرة الثانية أي في الضفة وغزة، واللاجئون الفلسطينيون في الدول العربية واللاجئون في باقي دول العالم، وهذا التقسيم لا يصور فقط بشاعة وقسوة التهجير، بل يوضح ان الفئات الاربع تعيش في ظل بيئات سياسية واجتماعية مختلفة جدا ، هذا كان سيفا ذا حدين مع وعلى الهوية الفلسطينية، حيث ان كل هذا الاختلاف الاجتماعي والجغرافي يجعل من الصعب الاشتراك في هوية واحدة، لكن وفي نفس الوقت وكما اسلفنا فان الغربة والظروف الصعبة التي يعيشها اللاجئ الفلسطيني صوبت نظره نحو الوطن المفقود مما زاد من وجود الانتماء للهوية
ومن التأثيرات الاجتماعية ايضا، ان اكثر من ثلاث ارباع اراضي فلسطين تم مصادرتها واستعمارها، وبالحديث عن مجتمع زراعي بشكل رئيسي وشبه كلي، فان النكبة سلبت وسيلة انتاج رئيسية له وهي الارض، مما زاد الاوضاع الاقتصادية سوء، وساهم في تغيير الانماط الاقتصادية والمعيشية في المجتمع الفلسطيني، غير ان هذه الخسارة ساهمت بشكل من الاشكال بايجابية نوعا ما، ذلك من خلال المساواة التامة التي حدثت بعد النكبة مباشرة، حيث اصبح الجميع سواسية اقتصاديا، من صاحب رأس المال الى العامل ، هذا ما ساهم في تشكيل التوحد الفلسطيني على المأساة وايضا ساهم في تعزيز وجود الهوية، غير ان هذه المساواة قد لا تكون بشكلها الذي نتخيله، لان المكانة الاجتماعية في مجتمع كالمجتمع الفلسطيني لا بد وان تظل مرتبطة بالشخص حتى لو لم تكن له نفس المكانة الاجتماعية، أي ان صاحب رأس المال احتفظ بمكانته الاجتماعية وهذا الموضوع انطبق ايضا على العامل والفلاح مع الفرق في حجم هذه المكانة.
ان كل ما تراكم من معاناة الشعب الفلسطيني واستبطان الهوية ان كان وفق عوامل اجتماعية او وفق قرار سياسي منظم، ساهم في بالانتفاض الفلسطيني عام 1987، بما سمي بالانتفاضة الاولى .

ثالثا: قراءة للانتفاضة الفلسطينية الاولى سنة 1987 واثرها على البنى الاجتماعية والاقتصادية الفلسطينية.
ان اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الاولى عام 1987م، يمثل حركة احتجاجية غير مسبوقة بهذا الكم على الساحة الفلسطينية، اذ تميزت هذه الحركة الاحتجاجية بانها غير منظمة بالمعنى السياسي، الا انها كانت منظمة شعبيا وكانت بمثابة اجتماع شامل على اهداف موحدة لكافة طبقات المجتمع الفلسطيني، ولقد اتسمت الانتفاضة الشعبية الفلسطينية منذ اندلاعها، بالشمولية والاستمرارية ، ومن ناحية اجتماعية كان في الانتفاضة مظاهر عديدة وملموسة منها في ميدان العلاقات الاجتماعية والعلاقات بالمعنى الواسع للكلمة .وبالرغم مما أحدثه الاحتلال من تغييرات جوهرية على البنية الاجتماعية الفلسطينية وتكسيره لنسق تطورها إلا أن المجتمع الفلسطيني الذي تميز بالحيوية والقدرة على تكييف أوضاعه وهذه تمايز بها وبتفوق على الشارع الاحتلالي نفسه، وأفرز شكلاً غير حاد الفواصل متمايز إلى حد ما داخلياً ومتلاحم ضد الأخر "الخصم " من المراتب الاجتماعية وهنا يصعب القول بوجود تشكيلات طبقية فلسطينية، بالمعنى السوسيولوجي الدقيق بحكم الظروف التي أوجدها الاحتلال ولذا يمكن القول أنه ما من أحد في التراتب الاجتماعي إلا ووقع عليه تأثير الاحتلال .
كما ان فكرة الاجتماع تحت تهديد واحد وهو تهديد الاستعمار الصهيوني لكافة شرائح الشعب الفلسطيني عزز العلاقات ان كان الاسرية او حتى الخارجية، ايضا فقد ساهمت الانتفاضة على ظهور نوع اخر من العلاقات قد يكون تجاوز علاقات الدم، حيث كان الوطن هو المشهد الرئيسي فيها، قد نلمس هذا في استغناء العائلات عن العملاء، واعتبارهم لا ينتمون الى العائلة أي التبرئة منهم .
ايضا فقد شكلت الانتفاضة الفلسطينية الاولى منعطفا مهما في حياة المرأة الفلسطينية، حيث رفعت مشاركتها في الحراكات السياسية والنضالية من قيمتها الاجتماعية، وذلك عن طريق خروجها عن دورها المألوف، والذي يقتصر على الرعاية بالبيت وتربية الاطفال وما الا ذلك . وبالمقابل فقد ازداد دورها على المستوى الميداني ان كان باشتراكها في النضال المسلح او بمساعدة المناضلين وعرقلة عمليات الاعتقال، وايضا فقد تبع ذلك تنمية لدورها في مجالات اخرى متعددة، مثل الدور النقابي فقد تشكلت في هذه الفترة العديد من الجمعيات النسوية والمشاركة في تنظيم المظاهرات وحملات التوعية لمقاطعة البضائع "الاسرائيلية" .
وبخصوص الوضع الاقتصادي في فترة الانتفاضة فقد ازداد سوء بعد الاعداد الهائلة من العمال في "اسراتئيل" الذين سرحو من اعمالهم نتيجة الانتفاضة الاولى، مما زاد من نسبة البطالة بشكل كبير جدا، مما زاد من نسب الفقر بشكل ملحوظ في المجتمع الفلسطيني ، وادى عدم وجود الامان الى هرب الكثير من الاستثمارات، مما ضاعف من المشكلة، ايضا بسبب الاضرابات والاعتقالات افتقدت الكثير من الاسر الى المعيل، لكن هذا بدوره عُوض بالعمل النسوي وهذا عامل اخر يضاف الى العوامل التي ساعدت في زيادة قيمة المرأة الاجتماعية في فترة الانتفاضة، ايضا فقد شهدت هذه الفترة غلاء الكثير من السلع نتيجة لانخفاض قيمة الشيكل والدينار، وايضا فقد انخفض الدخل السياحي بشكل كبير نتيجة قلة عدد السياح نتيجة الاوضاع الامنية السيئة .

ومن الضروري هنا ذكر ان الانتفاضة الاولى بطابعها الشعبي، والذي خرجت بداية عن قيادة منظمة التحرير، ومحاولة منظمة التحرير السيطرة عليها، هذا كله كان من اهم الدوافع التي جعلت منظمة التحرير تفكر جديا بانشاء حكومة انتقالية داخل الاراضي الفلسطينية، وبالتالي كان هذا تمهيدا لاتفاقيات جاءت فيما بعد، اهمها اتفاقية اوسلو .

رابعا: قراءة لاتفاق اوسلو كحدث مفصلي في تاريخ الشعب الفلسطيني، من حيث القطيعة على مستوى الخطاب والتبعيات القانونية والاقتصادية والاجتماعية والرمزية
يعتبر اتفاق اوسلو منعطفا ممهما في مسار القضية الفلسطينية، هذا لانه كان السبب الرئيسي في انهاء الصراع بين منظمة التحرير الفلسطينة والاستعمار الصهيوني، وقيام السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة، ويمكن اعتبار هذا الاتفاق انه تحويل لمسار منظمة التحرير من مؤسسة ثورية تدعو الى التحرير، الى مؤسسة دوبلماسية خيارها الوحيد هو المفاوضات، وبالطبع فان هذا التحول الجذري وقيام السلطة الفلسطينية ساهما في استبطان افكار كثيرة كانت بديلة عن المواجهة المباشرة مع الاستعمار الصهيوني.
ايضا فان مجيء السلطة جاء بتغيرات كبيرة بخصوص انماط العيش ان كان الاقتصادية او الاجتماعية، أي ان مشروع السلطة الفلسطينية وظف عددا لا يستهان به من الايدي العاملة الفلسطينية، هذا التوظيف ساهم في تأكيد تأييد شعبي واسع لاوسلو ولقرارات السلطة اللاحقة، ما خلق قاعدة شعبية كبيرة للسلطة، وحول التوجه الشعبي بالغالب الى توجهات سلمية، مثل اللجوء الى القانون الدولة، دون الانتباه انه في الاصل قانون خلق لخدمة النخبة الرأس مالية في العالم بالجزء الاكبر منه، ولا يطبق في الجزء المتبقي. ايضا فان فكرة الرعاية الذاتية لشعب مستعمر مع هيمنة استعمارية غير مباشرة، قلل من المواجهة الشعبية مع العدو باستثناء فترة الانتفاضة الثانية، ومن جهة اخرى فقد حقق للعدو استعمارا رخيصا، نتيجة الارباح الهائلة من مستعمرته التي لا يدفع تكاليفها كأي مستعمر، وايضا فان مجيء السلطة جاء بتحول كبير على سبيل الاقتصاد الفلسطيني عن طريق ظهور انواع جديدة كليا من الوظائف وازدياد عدد البنوك انذاك والمؤسسات الخدماتية بشكل كبير ، وهذا كله ساهم في خلق مجتمع خدماتي بشكل كبير. هذا كله زاد من ظاهرة القروض في المجتمع الفلسطيني. فقد وصلنا بحلول عام 2012م الى ان نسبة 40% من العائلات الفلسطينية مدينة للبنوك ، وهذا رقم خطير جدا، اذ ان مصير الشعب الفلسطيني كقرار شعبي قد يكون في يد مؤسسات ربحية، يعني مثلا، ماذا لو تم فرض شروط من البنوك على اصحاب القروض مقابل التسهيلات المالية لهم، وماذا لو تضمنت هذه الشروط محاولات لجر القرار الفلسطيني الى زاوية معينة، وكل هذه افتراضات لا اكثر، الا انه يجب اخذها بعين الاعتبار وادراك مدى خطورة الموضوع من الناحيتين الاقتصادية والسياسية. ايضا فان قيام السلطة الفلسطينية ساهمت في وجود العديد من الصراعات حول السلطة، أي ان وجود انتخابات وتنافس بين الاحزاب سيقلل من الرؤية الحقيقية للوضع الفلسطيني كثورة مباشرة مجردة على الاستعمار، وايضا فقد اخذت هذه الصراعات شكلا شديدا مؤخرا، أدى الى ما نسميه اليوم الانقسام الفلسطيني، والذي كان بالاساس صراعا على السلطة او ما سمي "الشرعية" الانتخابية، وقد كان هذا الصراع في الانتخابات قبولا غير مباشر لبعض الاحزاب مثل حماس لاوسلو كاتفاقية بمجرد دخولها في انتخابات على سلطة جاءت نتيجة هذه الاتفاقية.
وساهم قيام سلطة وطنية على الاعتماد الرئيسي على المنظمات الدولية غير الربحية وعلى الاموال التي تجيء على شكل دعم اما من امريكا او من الاتحاد الاوروبي، ناهيك عن دخل مفهوم جديد كليا وهو منظمات ال " NGOS"، وهذا الاعتماد على المساعدات من كل هذه الجوانب من قبل السلطة الفلسطينية والتي اعتمدت على هذه المساعادت ايضا لتقديم الروااتب للموظفين، هو امر خطير ايضا، اذا ان فكرة انقطاعها مع أي وجود لتوتر، وضع شريحة كبيرة من الفلسطينين الذين يعتمدون على دخل السلطة او الراتب، خارج فكرة التوتر ايضا.
ومع قيام سلطة مركزية على اقليمها نشأ حقل سياسي جديد، له نخبه السياسية والاقتصادية، واليات لتشكيل هذه النخب ، هذه النخبة كانت نتيجة للاتصال بالعالم الخارجي بحكم وجود حكم ذاتي ومعترف به دوليا، لذلك كان هنالك انتاج لبنية اقتصادية فلسطينية مرتبطة بالبنية الدولانية وبالتالي تواصل بين اصحاب رؤوس الاموال في الداخل والخارج، هذا كله مع البنية الاجتماعية والسياسية انذاك ساهم في تشكيل نخب فلسطينية على الصعيد الاقتصادي والسياسي، وايضا كان هنالك نشوء للمجموعات غير الحكومية على صعيد النطاق السياسي، وهذه ايضا بدأت بانتاج نخبها .






خامسا: قراءة نقدية عن "ازمة المشروع الوطني الفلسطيني" من خلال عرض عناصر ازمته السياسية وازمة البنى التي استحدثت وطبيعة ادارة الصراع مع الاستعمار، وسيادة الخطابات القانونية على المستوى الرمزي مثل دولة غير عضو، وضمور فكرة حل الدولتين، وهشاشة الهوية الفلسطينية بسبب تداخلها مع ثانوية( الجهوية و العشائرية) وتنامى شرائح جديدة في المجتمع الفلسطيني وظواهر الاستهلاك والسياسات الاجتماعية الاقتصادية الغير ناجحة وازمة الثقة بالمؤسسات وغياب مؤسسة وطنية جامعة وظاهرة الانقسام الفلسطيني لطرفي ادارة الانقسام.


كما تم التوضيح في المبحث السابق من المقال، فان بوصلة المشروع الوطني الفلسطيني تغيرت في اتجاهاتها بشكل كبير وخاصة في الثلاثين سنة الاخيرة، هذا التغير بدأ مع بدايات الانتفاضة الفلسطينية الاولى، وشعور منظمة التحرير الفلسطينية انها خارج السياق الاجتجاجي والذي خرج دون ان يكون لها يد في الموضوع، وبالتالي بدء تفكيرها بقيام حكومة في داخل الاراضي الفلسطينية، وتم هذا التحول على ارض الواقع مع بداية اتفاقية اوسلو ونشوء السلطة الفلسطينية، هذا ما قام فعليا بابدال منظمة التحرير الفلسطينية بمفهوم اخر وهو السلطة الوطنية الفلسطينية، هذا يعني ان ااول ازمة والتي واجهها المشروع الوطني، هي تحول التوجه السياسي من الكفاح المسلح والمواجهة المباشرة، الى المفاوضات التي يمكن اعتبار انها لم تحقق أي نتيجة فعلية او على الاقل لم تحقق جزء صغير من انجازات الحراك المسلح والذي فرض على الاستعمار الصهيوني الكثير من الشروط في اوقات سابقة، ايضا فان ازمة الاستعمار غير المباشر والتي واجهها المشروع الوطني والتي لعبت السلطة الوطنية الفلسطينية دورا مهما في تحقيقها، تعتبر ازمة محورية في الصراع مع الاستعمار، غير ان المشروع الوطني لم يعد موحدا كما كان تحت اطار منظمة التحرير الفلسطينية، ورغم الاشتراك الكبير بين منظمة التحرير وبين السلطة الوطنية من ناحية الافراد ومن ناحية ان حركة فتح تشكل المركز في كلاهما والاغلبية، الا ان منظمة التحرير كانت قادرة على ضم الفلسطينين بشكل كامل تحت لوائها، هذا ما لم تستطع فعله السلطة الفلسطينية، وهذا الذي أدى الى وجود مشروع وطني عن طريق حركات احتجاجية منفصلة وغير منظمة، او عن طريق مواجهات بين بعض الفصائل مثل حركة حماس والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مع الاحتلال بشكل مباشر ومنفصل ودون مشروع وطني مشترك وواضح، وهذا الاختلاف لاحقا أدى الى ما يحدث اليوم من انقسامات بين الفصائل الفلسطينية بشكل عام والانقسام بين حركتي او سلطتي حماس وفتح في الوضع الراهن. غير ان هذا لا ينفي وجود قاعدة شعبية كبيرة للسلطة الوطنية، حتى مع غياب المشروع الوطني، حيث ان هنالك العديد من السمات التي صبغها وجود السلطة الفلسطينية على بنية المجتمع الفلسطيني، بداية من ظهور بنى جديدة ان كانت اقتصادية والتي تم توضيحها في المبحث السابق من المقال، او ان كان سياسية، بدخول مفاهيم جديدة الى حيز العمل الوطني، مثل المقاومة الشعبية السلمية كصورة وحيدة عن المقاومة الفلسطينية الحالية، وما جاء معها من الجمعيات المختصة بحقوق الانسان وما الا ذلك .
وهذه القاعدة الشعبية للسلطة ساهت بتغيير في فكرة المشروع الوطني ليس على صعيد الفصائل او منظمة التحرير فقط، بل على صعيد الشعب ايضا، حيث ظنهرت المفاهيم القانونية لدى الشعب كحل مطروح بشكل كبير، هذا يعني الايمان بالقانون الدولي كحل، وهذا كان على حساب قانون الثوابت الفلسطينية، وكنموذج يمكننا اخذ استحقاق ايلول او الدولة غير العضو، ومدى التأييد الشعبي التي نالته، مع انها تتعارض بشكل كبير مع قانون الثوابت الفلسطينية، اذ انها تجعل سقف المطالبات هو اقل من ربع فلسطين التاريخية، ناهيك عن التفريط غير المباشر بحق اللاجئين والذي يعتبر احد الثوابت الرئيسية .
والشيء الاكثر غرابة هو رفض الشعب الفلسطيني لحل الدولتين بالاغلبية، وموافقته على الدولة غير العضو، مع ان المشروعين لا يختلفان تقريبا، هذا يعكس مدى تأثير الاهتمام الشعبي بما يسمى بالقانون الدولي، مع تجاهل اهادفه واعتباره قانونا موضوعيا والمرجعية المنصفة، وتجاهل عولمته بالاساس .
ايضا فان فصل القدس واراضي المستعمرة الاولى عن اراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، بعد قيام السلطة، وهنا نقصد بالفصل، السياسي والاداري والاقتصادي، كلها ساهمت في تعزيز الجهوية الفلسطينية، ولطالما كانت الجهوية عدو لوجود هوية فلسطينية موحدة، على مدار التاريخ الفلسطيني، وهذه الجهوية التي عززت بالعشارية بتحملها الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات والذي قام بتأسيس مجلس العشائر والتعامل مع الافراد بصفتهم من عشائر معينة، حتى شمل هذا تعيين الوزراء في الحكومات وتقسيمهم وفق نظام مناطقي معين ، ولم تقتصر الانتماءات الى العشائر والمناطق بل كان هنالك ظهور لشرائخ ونخب اخرى كما تم التوضيح سابقا في هذا المقال.


خاتمة
ان التشخيص السوسيلوجي لاي مشاكل في أي مجتمع، يكون بهدف رئيسي لتوجيه النظر بجدية الى المشكلة ومعرفة كيفية حلها، والتشجيع على حلها، ومعرفة كل هذه المشاكل في المجتمع الفلسطيني يقودنا الى التفكير بجدية نحو حل مقنع وليس فقط ممكن لكل هذه المشاكل، ان الوقوع في فخ الممكن كان سببا رئيسيا في التفريط بالعديد من الثوابت الفلسطينية، او بالاحرى وقوع القيادات في هذا الفخ، ان ما علينا كفلسطينين اعادة المشروع الوطني الموحد والممنهج، هذا لا يعني بتاتا اعادة منظة التحرير، لكنه يعني انتاج منظمة قادرة على اجماع الشعب تحت لواء معين، وهو لواء المواجهة الشعبية المباشرة، هذا اللواء الوحيد الذي يمكن ان يجتمع تحته الفلسطينيون باكملهم، وهذا اثبت تاريخيا، لكن ثمة مشكلة هي مصير السلطة الفلسطينية ومؤسساتها في مثل هكذا مواجهة، لكن يجب هنا التوضيح ان وجود مواجهة مباشرة مع العدو لا يعني انتهاء السلطة الفلسطينية، ولكنه قد يعني جرها الى حيز الكفاح المسلح، واعتقد انا هذا هو الحل الامثل.



#عزالدين_التميمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القرار اليساري ، مرحلة ام ايدولوجيا
- جمل غير مفيدة


المزيد.....




- مطاردة بسرعات عالية ورضيع بالسيارة.. شاهد مصير المشتبه به وك ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: الولايات المتحدة اختارت الحرب ووضع ...
- الشرطة الأسترالية تعتقل 7 مراهقين متطرفين على صلة بطعن أسقف ...
- انتقادات لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بسبب تصريحات -مع ...
- انهيار سقف مدرسة جزائرية يخلف 6 ضحايا وتساؤلات حول الأسباب
- محملا بـ 60 كغ من الشاورما.. الرئيس الألماني يزور تركيا
- هل أججت نعمت شفيق رئيسة جامعة كولومبيا مظاهرات الجامعات في أ ...
- مصدر في حماس: السنوار ليس معزولًا في الأنفاق ويمارس عمله كقا ...
- الكشف عن تطوير سلاح جديد.. تعاون ألماني بريطاني في مجالي الأ ...
- ماذا وراء الاحتجاجات الطلابية ضد حرب غزة في جامعات أمريكية؟ ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - عزالدين التميمي - قراءة سوسيلوجية للواقع الفلسطيني في فترة ما بعد الدولة العثمانية الى الانتفاضة الثانية