حكيم الداوودي
الحوار المتمدن-العدد: 4177 - 2013 / 8 / 7 - 01:07
المحور:
الادب والفن
الوَسَن
لي أضلع مخضرة بالعجب، والدهشة تجري وراءها خلسة، أنت لا تأفل فيك نجمة التحدي.. مخضلة أحشاء روحك.. تُمسّد جذورها كالصُبح ممتليء أنت بنسغ الإنقاض على كاهل الترهل والكسل.. في المشيمة، مشيمة فجرك الأول تتعافى الذاكرة، تجلو عن رموشه غبار الوسن، وتتعافى رشفات النظر عن المشهد، حيث تموج فيه خلائق الجسد.. في الضفة الأخرى، صورٌشتّى ، الكبرياء، الشطط،الوهن، الرفبات الطفلية، رائحة القهوة، والكُتب فوقَ أرففها، لوحات تُزّين جدران المعرض.. وجوهٌ ..وجوهٌ حّد الملل، فرشاة عاقةٌ تجهل نقاط براعته.. نزوع تحبط لغة الفن.. في المشهد اللوني الآخر يريني الشيخ الآشوري كل أشجانه يرميها شكوى فشكوى في وجوه خلاّنه، فكلهم مثله يحملون سلّة شكواهم..لكنهم مدثرين بجلابيب من خجل.. ذاك اصطفى عصاه يتكىء عليها يدبّ مثل السلحفاة ، وآخر له عصا من نمط آخر.. لها جفنة من عيون، وسمعٌ به يُبصرُ مبتغاه، تعينه على تعاريج الطريق..
حوار
- من فضلك من أي مكان جئتَ، تبدو مثقلاً بأجوبة سّرالوجود؟-
- لاأعرف، جئتُ مصادفة، كما لو خرجت من بئرٍ أوجُبّ..أيجب أنْ يكونَ للمرءِ مكان؟-
-نعم، أنا مِنْ هنا، وأينما أذهب فأنا أنتمي الى بيتي وأهلي، لكنْ ما حرفتك؟-
- لا شيء، ربما أكون قصّاصاً بارعاً، أو أنفذ أيّ عمل يوكل اليّ؟-
- يعني أنكَ تحترف الحِكمة..حسناً، نحنُ في حاجةٍ الى حكيمٍ يدّلنا على الحقيقة، وعلى لغزِالوجود والعَدم-
- لستُ من هذا النوع، أملاً ألاّ أخيّب ظنك، فأنا أُحسّ بضآلة تجربتي-
- أنت قادمٌ من صقعٍ أبعد، ربما تتقدمونَ علينا بأشواط، فنحنُ مُجردَ قرويون نحرث ونزرع ونعيش.
- أليست لكم مدارسَ يتعلّم فيها أبناؤكم؟-
- هذا ما وودتُ معرفته.. إذاً سنفتح مدرسة وتقوم أنت بتعليم الصغار-لكني أنا جوّاب آفاق، لا يستقربي مقام في أيّ مكان، أيام ثم تأخذني قدماي الى بقعة آخر-
- لا .. سيعجبك أن تستقر هنا، سأضيّفك اليوم عندي.. وغداً سيختلف الأمرستغدوا بَعده معلم أولادنا-
خديعة
في غمرة الشنآن، جيشان يتناحران، من دون شجارٍ أو حرب.. عينان تتخاصمان على أسلاب الغنيمة.. لا يهمهم فزع الأطفال ولا استغاثة النساء، وطن كانَ في الأصل مشروع لملمةٌ مُستباح، إرثاً وحضارة، ثروات مستورة أو ظاهرة للعيان.. ثم تتداعى على القُصعِ وجوه وأيدي أغراب، أرتالٌ وخصومٌ في ثياب أُبهة الأمير.. أما تكفي شجن الشعوب والأمم .. والبادون في نشرالشقاء هم من أرباب المصالح القادمينَ عبر القارات.. كلٌّ يُخفي شفرة غدره مثلَ أسراب الجراد أتوا فأبادو كلّ ما تدوّنه العين من شجر وثمرٍ وبشرٍ ومّدَر..أينَ أنتم يا هذا الوطن؟ لايسكت الشفرة إلاّ شفرةً أحدّ منها وأصلب. أين الحضارات والملاحم المسطورة في سجل الأمم؟. نهبوا النهرخيراته، هدّموا الجبال، أنفلوا الحرائر، أتخمت كلاب صحراء العرعرمن أجساد الشبّان.. نزفوا دماءهم في رمال المقابر،عشعشت البومة مساكن بني قومي،شيّب الولدان من الخطب والأهوال..قهرٌ ويباسٌ، وذكريات تائهة..وعلى مدّ البصرخرائبٌ وأطلال..
نُورالضَمير
لا تتردد في مسعاك وأفتح ضميركَ للنور، دع الضوءَ يرفرف في العتمة، الغبار يئن، يتراكم طبقاً فوقَ طبق، والزهرات، ألواناً ألواناً تمنحنا البهجة والصفاء.. من أين يأتي كلّ هذه الضجة؟ ضجة أطياف لونية.. لكل زهرة ميزتان: اللون والرحيق، زنبقةٌ من لونٍ واحد، حمراء، صفراء، بيضاء.. والنرجسة من لونين، مثل صفار البيض تتوسط بياضها.. وثمة أزهارٌ من ألوانٍ شتّى باللون والرئحة، تكسب ودّ أصدقائها من نحلٍ وفراشات، ويعاسيب، وديدان بل عصافير.. هي وسائل نقل تحمل لقاح الورد من إحداها الى الأخرى، وللهِ في خلقه شؤون.. وكذا الزهرة مبتدأ الثمرة.. ألوانٌ قزحية، أطيافٌ متضادة، لكنها لاتتصادم، وهذا ميزان منشأ الأكوان، كلٌّ بما تمتلكه راضٍ.. لايحتاج الى إستحياء، أوإستياء، أوغضب.. هي تمنحنا ساعة للفرح، تمتص منّا الشجن.. كم أتمنّى لو كنّا نحنُ البشر، مثل الأزهاركُرماء، نعتني بالجمال والصفاء.. جمال الروح وصفاء السريرة والبدن.. لكن ليسَ وعصيّاً أو صعب المنال أنْ تكونَ لديك إحدى خصائل الوردة بالإيثار والرحمة وحبّ الخير لبني البشر..
إحتضار قوّال الحِكَم
جاءَ الطبيب متأخراً.. رفرف الأجل فوق رواق ردهته الصّامتة.. المشهدُ هو احتضارقوال الحِِكَم.. أكفٌ ترفع ضراعتها، أفواهٌ ترسل صلواتها، للرجاء ألف سبيل وسبيل، وله ألف ألف أرجل ربما أكثر من ذلك عيون... القدّر يرى في الظلمة كما في النور... أسئلة تهطل مثل المَطر، وأخرى تجري مثلَ مياه النبع، وتحضر للسائل أجوبة كُثر... قال قوّال الحِكَم : أنا أسمعُ صوت رجائي، هو قريبٌ مُجيبٌ، بل جثا قُربي أسمعُ صوته.. ها!! أتضحك مني.. لنْ أخيّب ظنونك، فيّ قوةً لا مرئية، تشاكس ضعفي، تُوقف خَدَر الجَسد.. في الجسدِ مرآةٌ لا تصدأ.. فيه عقلٌ متنوّر، قانونٌ لا يطَفف المكيال.. في الخارج ما أبهى النهار، شمسٌ خجلانة،دفءٌ هادئ.. في صُرّة الليل ظلامٌ،أحلامٌ، وينطفئ فيها الكلام.. والنهار ينقل صوت العيش وما أطيب النهار،، أعمال ديمومةإعمارٌ ، سفرٌ، درسٌ، أسواقٌ ..ما أعذب طعم العافية فيها نسمة الرِضا وسمفونية السلام، وأنا أتأرحج بينهما قرير الضمير.. أفقٌ من زجاج شفيف، من الرغبات ومن الجََلدْ.. فهل للضباب ثقلٌ وهمهمة.. تقول عصاه: نعم، أنه يمنح الزهرة والورق حُبيبات ندى، تُطعم عروقها بعصيرالصلابة. أنا أسأل عصاه المتسلّحة بالوقار؟ علمينا ما عّلمكَ الزمان من الحكمة، أنا عاشق حبكة الفلسفة. تقول بكلّ بساطة: أنا لا شأن لي بما يلتبس العقل، ويلبسه عقالاً دعِ الحكمة تأتيكَ طواعية كالنسيم الرخو حينَ يُحرّكه الصُبح، ويترك مرقده المسكون بالسكون.. سلامٌ على الظلّ حينَ يوقظه ضوء النهار.. إنه أنا يتبعني أو أتبعه.. فإنْ غابَ أيّ أحدٍ منّا يغيب صنوه، وإذا بَعُدَ المشهد عن ناظري: أرى كلّ شيء منغمساً في شأنٍ يخلصه من المَلل.. نحنُ صُنّاع أحزاننا وأفراحنا، نُديردفّة مركبها..فلا بأسَ أنْ نتركَ الأمورتعنى بقراراتها.. وتتخذ أي موقف لخلاصنا..
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟